Duroos of Sheikh Khalid Al-Mosleh
دروس للشيخ خالد المصلح
Genres
التكبير يفتتح به الصلاة ويعقبها
(الله أكبر) كلمة يفتتح بها المؤمن صلاته ولقاءه بربه، يفتتح بها مناجاة الله ﷿، بل هي الكلمة التي يدعى بها إلى مناجاة الله ﷾، فإذا سمعت المنادي ينادي: (الله أكبر) (الله أكبر) علمت أن وقت المناجاة قد جاء، فتأتي مسرعًا راغبًا في لقاء ربك جل وعلا، ثم بماذا تستهل لقاء الله جل وعلا؟
الجواب
تستهله بكلمة التعظيم (الله أكبر)، فتستحضر بذلك أن الذي تقابله وتقف بين يديه أكبر من كل شيء سبحانه وبحمده، وسيقطع ذلك عنك التعلق بشيء غير الله جل وعلا، فتقبل عليه بعد ذلك، ولا تفكر: ما الذي يكون؟ وما الذي يجري؟ لأنك في مناجاة مع حبيب مقبل عليك بوجهه، ومستمع لدعائك، فإن العبد إذا قام في صلاته أقبل الله جل وعلا عليه بوجهه.
(فإن الله ينصب وجهه للمصلي حتى يفرغ) وذلك لعظيم عمل المصلي، وعظيم شأنه وفعله.
إن قولك: (الله أكبر) استحضار لعظيم الموقف، ثم إنك لا تزال تذكر هذا الذكر (الله أكبر) قائمًا وقاعدًا راكعًا وساجدًا، وكل ذلك تذكير لك حتى لا تغفل عما أنت فيه، وعمن أنت واقف بين يديه، فهو الله الذي له الهيبة الكاملة جل وعلا، الذي ذلت له الأعناق سبحانه وبحمده، فتقبل على ربك معظمًا ذاكرًا مخبتًا خاشعًا لله جل وعلا، ترجو رحمته وتخشى عذابه، وهكذا ينبغي أن يكون قولنا لهذه الكلمة على الوجه الذي ينبغي أن تقال، وأن يكون في قلب العبد معناها، لا أن تقال باللسان والقلب في كل وادٍ هائم، وفي كل تجارة مساهم، وفي كل عمل مشغول، إن القلب الذي يحصّل هذه الفائدة هو ذلك القلب الذي يدرك معنى قوله: (الله أكبر) في افتتاحه لصلاته، فيدرك أن ربه جل وعلا أكبر من كل شيء.
نُقل عن بعض العبَّاد أنه لما أراد أن يكبر في صلاته رفع يديه فقال: الله، ثم سكت، كأنه جسد بلا روح، إعظامًا لله جل وعلا، ثم أعاد الكلمة مستجمعًا قواه، فقال: (الله أكبر) فكانت لتكبيرته هيبة تنخلع منها القلوب، كما نقل ذلك أصحابه وقرناؤه، إن قلب العبد إذا عظم الله جل وعلا كان لهذه الكلمة أثر عظيم عند النطق بها في أذن من سمعها، وسيأتي توضيح ذلك بعد قليل.
أيها الإخوة الكرام! (الله أكبر) كلمة يعرف بها انقضاء صلاتنا، كما قال ابن عباس ﵁ فيما رواه البخاري عنه أنه مسلم: (قال: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله ﷺ بالتكبير)، فالصلاة تُفتح بالتكبير، ويُعرف انتهاؤها بالتكبير، فإن النبي ﷺ كان إذا فرغ من صلاته سبح الله سبحانه وبحمده، وحمده، وكبره، فكانت صلاة رسول الله ﷺ يعلم انقضاؤها بالتكبير، وهذا يبين لنا أهمية هذا الذكر، وأنت انظر إلى الترتيب البديع في ذكر المصلي بعد الصلاة، فالذكر يبتدئ أولًا بالتسبيح ثم التحميد ثم التكبير؛ لأن الغالب أن البداهة أن تكون البداية بالتسبيح، وهكذا جاء في أكثر الأحاديث، فتقول: (سبحان الله)، ثم تقول: (الحمد لله) ثم تقول: (الله أكبر) وسر هذا الترتيب بين هذه الأذكار الثلاثة أن التسبيح فيه تنزيه الله جل وعلا عن كل عيب ونقص، فقولك: (سبحان الله) أي: أنزه الله جل وعلا، وأقدسه، وأطهره أن يكون في شأن من شئونه نقص أو عيب، ثم بعد ذلك تقول: (الحمد لله) وفيه إثبات الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الجميلة للرب جل وعلا، فذاك تخلية، وهذا تحلية، ذاك إزالة لما يمكن أن يُعتقد من نقص في الرب، ثم الحمد فيه إثبات الكمال للرب جل وعلا، وبعد ذلك هل تكون بهذا قد بلغت المنتهى، وحصَّلت المقصود؟
الجواب
لا؛ ولذلك تقول: (الله أكبر)، (الله أكبر) من قولي، (الله أكبر) من تسبيحي وتحميدي، (الله أكبر) من ثنائي وتمجيدي، فتختم ذلك بالتكبير؛ لأن الله أكبر من قولي: الله أكبر، ومن تحميدي وتسبيحي، فهو العلي الكبير، كما قال عن نفسه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١]، وقال: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم:٦٥]، وقال: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ﴾ [النحل:٧٤]، وقال: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٢٢]، فربنا جل وعلا له من الصفات ما لا تطيقه العقول؛ ولذلك لم يبين ربنا جل وعلا من صفاته وأسمائه إلا ما تتمكن العقول من إدراك شيء من عظمته ﷾ وبحمده.
أيها الإخوة! المصلي إذا قضى صلاته لهج بالتكبير، فهذه العبادة -وهي أجل العبادات- محاطة بالتكبير وبالدعاء في افتتحاها وفي أثنائها، وهي - أيضًا- مختتمة بالتكبير، فكان لا يعرف انقضاء صلاة رسول الله ﷺ إلا بالتكبير.
(الله أكبر) كلمة أمر الله ﷾ بها أهل الإسلام، شكرًا لله ﷿ على إحسانه، وشكرًا على رزقه وإنعامه؛ ولذلك قال ﷾ في ختام الآية التي ذكر فيها فرض الصيام: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة:١٨٥]، (لتكبروا الله) أي: لتقولوا: (الله أكبر) (عَلَى مَا هَدَاكُمْ) أي: لأجل ما هدى، فنحن نكبر الله على توفيقه لنا للهداية.
والهداية هنا هي: هداية القلوب إلى دين الإسلام، وهي هداية الإرشاد التي بها يتبين الحق من الباطل، الهداية الكبرى التي يتم بها الإنعام على العبد بأن يهديه الله إلى الصراط المستقيم، وهناك هداية قبل هذه الهداية هي هداية الدلالة والإرشاد، فإن الله ﷾ قد هدانا النجدين، وبين لنا سبيل الحق والهدى، وسبل الضلال والردى، فمن سلك سبيل الهدى فقد هداه الله هداية التوفيق، وجمع له مع الإرشاد هداية الإلهام، وهداية الإرشاد هي الهداية التي بها يستبين الحق من الباطل، وتقوم بها الحجة على جميع الناس.
1 / 5