Duroos of Sheikh Khalid Al-Mosleh
دروس للشيخ خالد المصلح
Genres
السلف وقراءة القرآن
أيها المؤمنون! إن الصحابة ﵃ تعاملوا مع القرآن تعاملًا عظيمًا، وليس هذا في جانب التلقي فقط، بل فاقوا الأمة في جوانب عديدة، من ذلك قراءتهم للقرآن، فإن الصحابة ﵃ لازموا قراءة القرآن، فكان أحدهم يلقى أخاه في الطريق فيقول: اجلس بنا نؤمن ساعة، فيقرأ أحدهم على الآخر سورة العصر، وثبت عنهم ﵃ أنهم كانوا إذا اجتمعوا جعلوا أحدهم يقرأ، والبقية يستمعون للقرآن، فالقرآن كان مخالطًا لحياتهم: في قلوبهم في مجالسهم في تذكرتهم وموعظتهم، فالقرآن دخل معهم في كل أمر، وكانوا ﵃ مقبلين عليه مشتغلين به عن غيره؛ فلذلك فاقوا غيرهم في الفقه في العمل في الجهاد فيما كتب الله على أيديهم من النصر، كل ذلك بسبب ما كانوا عليه ﵃ من تعهد القرآن، والإقبال عليه، والأخذ به، والاستكثار منه.
إن الصحابة ﵃ كانوا يكثرون من قراءة القرآن في مجالسهم في طرقهم في كل شأنهم، فهذا عثمان ﵁ كان ليلة مقتله تاليًا لكتاب الله جل وعلا، حتى ذكر أن الذي قتله -عليه من الله ما يستحق- قتله وكان في يديه كتاب الله جل وعلا.
أيها الإخوة الكرام! سار السلف الصالح: التابعون ومن بعدهم على منوال أولئك في قراءة الكتاب الحكيم، وفي الأخذ به ﵃، فهذا عفان يقول: قد رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة، لكن ما رأيت أشد مواظبةً على الخير وقراءة القرآن والعمل لله تعالى منه ﵁.
وقال آخر: ما رأيت أحسن انتزاعًا لما أراد من آي القرآن من أبي سهيل بن زياد، وكان جارنا، وكان يديم صلاة الليل والتلاوة، فلكثرة درسه صار القرآن كأنه بين عينيه.
يعني: في الاستشهاد والاستفادة مما في هذا القرآن من الأحكام، ويقول آخر في وصف ما كان عليه مالك بن أنس إمام دار الهجرة: قيل لأخت مالك بن أنس: ما كان شغل مالك بن أنس في بيته؟ -بماذا يشتغل في بيته؟ وماذا كان يعمل في بيته؟ - قالت: المصحف والتلاوة.
هذا شغل الإمام مالك ﵀ في بيته، المصحف والتلاوة.
والآثار في ذلك كثيرة، ومن العجيب! أن بعض السلف كان إذا اجتمع إليه أصحابه أوصاهم عند التفرق بألا يجتمعوا في سيرهم، بل يمشي كل واحد منهم بمفرده، قال لهم: إذا خرجتم من عندي فتفرقوا؛ لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه، ومتى اجتمعتم تحدثتم فانشغلتم عن القرآن.
2 / 10