Les perles uniques des biographies des éminents utiles
درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة
Genres
============================================================
وهو به، فارتاع لذلك وأقام أياما لما به وهلك.
فأقيم بعده ابنه المنصور عبدالله بن أحمد، وكان ملكا مهابا مطاعا، مهذبا، مؤدبا، ذا رأي سديد وبأسي شديد. وله وقائع مشهورة، وخروب مذكورة، مع مكارم غزيرة، إلا أنه شره في أخذ المال من غير وجهه، وتجاوز الحد في الظلم؛ وذلك أنه كان في ابتداء أمره مع أمراء أبيه وشيوخ خدامه، ولهم آراء جيدة، ومعرفة تامة بأحوال المملكة، لما مر بهم من التجارب. وكان إذا نزل به حادث من ثلم ثغر، أو حدوث فساد علم به قبل كل أحد، وبادر بجمع الأمراء وإغلامهم بما حدث، فإذا رأى ما هم فيه من الانزعاج لذلك أخذ في تسكين رؤعهم، وقال: عوائد الله تعالي في عبده جميلة، ولطائفه به معهودة. فيدير القوم الرأي، ويشير كل منهم بما يراه، وهو مضغ لهم. وكانوا لكثرة إحسانه لهم قد احبوه بكل قلوبهم، فيبذلون له التصح بجهدهم، ثم ينفضوا عنه فيستدعي واحذا واحذا منهم في خلوة، ويفاوضه في أمر اجنبي مما نزل به، ثم يعرض له بذلك الحادث حتى لا يظن أنه محتاج إليه في الرأي، وليعلم ما في باطنه مما عساه كتمه عن أصحابه، حتى إذا أتى على ما عندهم اختار منه أو مما يراه في ذلك أمرا، وأمضى ما عزم عليه، فتبعه الجميع من غير توقف منهم ولا معارضة في شيء. فلذلك كانت آراؤه سديدة غير مخطئة في شيء، وأوامره ماضية مدة حياة رجال دؤلة أبيه حتى انقرضوا وانتشا من أتباعه الأحداث، انحل ذلك العقد وتنائر السلك.
وكان كثير الشفقة على رعيته، ناظرا مصالحهم، متفقدا لأحوالهم، قامعا للمفسدين منهم، فأمنت الشبل في أيامه بخسن سياسته وجودة تدبيره، فإنه استمال من كل طائفة من طوائف المفسدين جماعة وقربهم منه وبالغ في الإحسان إليهم حتى كف كل جماعة منهم قومهم عن الفساد. هذا واليمن تكاد بلاده أن يكون تحت كل حجر منها مفسد، وفي ظل كل شجرة معاند، فانقادوا بأجمعهم لدولته وأذعنوا كلهم لطاعته، إما 37
Page 336