Les perles uniques des biographies des éminents utiles
درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة
Genres
============================================================
ويعود إلى بيته سريعا، ولا يقبل من أحد شيئا حتى أن رجلا دس في قفته قليل موز وهو لا يشعر به، فلما عاد إلى منزله ورآى الموز نزل وما زال حتى عرف من دسه عليه، فألقاه إليه ولم يكلمه ومضى. وكان يغتسل بالماء البارد في كل يوم جمعة شتاء وصيفا ويمضي إلى صلاة الجمعة من أوائل النهار. ويظل يصلي حتى يخرج الخطيب، فيكون قيامه في تركعه هذا بنحو ربع القرآن من غير أن تشمع له فيه قراءة، ويطيل قيامه حتى يكون بقدر ما يقرا حزبين. وكان مع محبة الناس له وكثرة تعظيمهم إياه قد صانه الله من إقبالهم إليه، فيمرو إلى الجمعة وهم يشيرون بأصابعهم إليه، ولا يدنون منه، وكان لا يرى مارا في النهار إلا يوم الجمعة، أو إذا مات أحد من أهل الخانكاه فكأنما يقال له: مات فلان، فيشهد جنازته، ولا يرى ليلا إلا كل ثلاث إذا نزل لشراء قوته، ولا يجسر أحد أن يدنو منه، فإن دنا منه أحد وكلمه لا يجيبه أبدا. أقام على ذلك نحو الثلاثين سنة؛ وفي أثناء ذلك ترك النسخ بالأجرة، واقتصر على الثلاثين الدرهم فلوسا في كل شهر، وأفضل منها ما وجد بعد موته. وكان يرى في الليل بسطح الخانكاه قائما على قدميه حتى يقرأ ربع القرآن، وكان يعرف القراءات السبع. ورثي مرة بهذا السطح ويده ممدوة وفي كفه فتات الخبز والطير تأكل منه. وكان إذا احتاج إلى خياطة شيء من الخيش الذي يلبسه دفعه إلى من يتخيره وأعطاه أجرته من الفلوس المرتبة له، وإن أعانه أحد وحمل معه جرة الماء التي يصعد بها إلى بيته أعطاه أجرة عن ذلك: وكانت تمر به الأعوام الكثيرة لا يتلفظ بكلمة سوى قراءة القرآن وذكر الله لا غير، وكان خادم الخانكاه يحمل له في كل شهر الثلاثين الدرهم الفلوس، فلا يأخذها إلا عددا عن كل درهم أربعة وعشرين فلسا كما عهده بها قبل اعتزاله.
ولم يزل على هذا القدم من الژهد في الدنيا، والتقلل في المأكل والاقتصاد في الملبس حتى توفي ليلة الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول سنة
Page 175