فخفضت رأسي موافقا، ولا شيء أحب إلي من أن يحضر مدير المكتب ليخلصني من موقفي الرهيب. - أنا مكلف بعمل بحث شامل، مهمة شاقة، ولكن هل ثمة فائدة؟
تأثرت جدا لتعطفه بالبوح بمهمته الخطيرة، وازددت في الوقت نفسه حرجا فقلت: ستجيء الفائدة حتما على يديك!
فتثاءب لدهشتي، وحل صمت مقلق، وكان يبدو عظيما جدا، ولعله ضاق بالصمت والانتظار، فراح يتحدث وكأنما يحدث نفسه هذه المرة: على المرء أن ينشد الطمأنينة والصفاء، ولكن كيف يتأتى هذا؟!
فقلت وأنا في شك من سلامة تدخلي في الحديث: ربنا يهب سعادتك الصحة!
فأنزل ساقه عن ركبته قائلا: الصحة! ما هي الصحة؟ هي كمال التوازن والتوافق والتعاون في الكائن، ولكن هيهات أن تتحقق إذا كانت الصحة العامة معتلة، خذ مثلا صحة الوزارة! خانات لم تسدد، موظفون لا يحضرون، روتين، وما الرأي فياغرا هذا الغلاء الفاحش؟
فقلت وأنا أتابعه بجهد وأي جهد: شيء لا يطاق!
العالم أيضا صحته معتلة، هتلر ورم خبيث، والحلفاء ورم آخر، والأوقاف عندكم لماذا يستحق بعض الأوباش هذه الألوف المؤلفة؟!
فقلت رغم دبيب الدوار في رأسي: فلنأمل خيرا ما دام دولة الباشا مهتما بهذه المسائل!
فنهض بغتة وهو يقول: ولكن متى يأتي الوزير؟ .. الساعة العاشرة! ومتي يأتي مدير مكتبه؟ .. الساعة التاسعة.
ونظر في الساعة ثم جلس مكفهر الوجه، واتجهت عيناه نحو التقويم المثبت بالجدار، الأربعاء 2 يونيه، 29 جمادي الأولى، 25 بشنس، وتساءل في ملل: كم ورقة يجب أن تمضي حتى تصبح الصحة على ما يرام؟
Page inconnue