وأشار إليه أن يتبعه، ثم مضى إلى الكارتة فاستقلها، والآخر في أثره وهو لا يصدق. وحرك المعلم اللجام، فانطلقت الفرس إلى طريق الجبل في خلاء وأمن. وأدرك بيومي أنه مقبل على شيء كبير، فلا يمكن أن يحل في هذا المقام لغير ما سبب. وكانت الكارتة تنطلق في سرعة هادئة مستعرضة جناح الجبل المتجهم، مثيرة وراءها ذيلا من الغبار. وكان المعلم علي ركن يلقي ناظريه إلى الأفق، مقطبا، مشدود عضلات الوجه، ثم تساءل بلا اكتراث: هل تقتل الحاج عبد الصمد الحباني؟!
استطال وجه بيومي من الدهش وتمتم: أقتل؟!
فقال الآخر ببرود: نعم يا ابن القديمة.
يتكلم بكل استهانة، وأقل ما يعنيه تفاهة الثمن! - القتل شيء لم أجربه!
فشد اللجام، وهو يقول ببرود: اذهب مع السلامة.
لم يتحرك، ولكنه تساءل بوجه متجهم: لحسابك يا سيد الناس؟
فأرخى اللجام، وهو يداري ابتسامة قاسية، ثم قال: لحسابي أو لحساب المعلم الكبير، ماذا يهمك؟
المعلم الكبير! الدهل محمود! صاحب وكالة الجيش وكبير تجار الكيف! إنه يبالغ هذه المرة في إبعاد الشبهة عن نفسه وعن رجاله وقد أحسن الماكر الاختيار! - أنا خادم المعلم الكبير وخادمك. - دعنا من الثرثرة، هل تقتله؟
فضحك بيومي ضحكة كالزفرة، وقال: في الجنة ونعيمها! - الله يجحمه ويجحمك.
واعتبر بيومي الدعوة نوعا من المودة فضحك، أما المعلم علي، فتساءل بخبث: لعلك لم تر النقود منذ خرجت من السجن؟ - ولا قبل ذلك. - خمسون جنيها! - خمسون! - كلمة واحدة. - ولكنه قتل! - يا ابن القديمة، أنا لا أساوم.
Page inconnue