أما دمع التوبة فطهور النفس يغسلها من شوائب الإثم، ويضرح عنها أقذاء المنكر، ويتقدم التوبة، فهو لها كالضوء للصلاة. ولعل هذا النوع من الدموع أجلها وأشرفها، وإذا كانت العبرات المسكوبة لغرض دنيء تذهب في الأرض هدرا، فإن دموع التوبة تتصاعد إلى عرش الله بخارا طاهرا.
الدمع على كل حال جلاء العين، يجلو صدأها ويصقلها. والعين بعد البكاء أصفى رؤية وأثقب بصرا وأهدى إلى مواطن الحق، وأنفذ إلى مكان الحكمة، وأعود على صاحبها بالإيمان والتقوى.
محمد السباعي
الدموع
كان السكون سائدا في الغرفة الفسيحة، ونار الموقد المتضائلة تطرح على الجدران، وبين أرجل الموائد المذهبة، ظلالا مضطربة تتتابع وتستبق بعضها أثر بعض.
ووراء النوافذ كانت السدفة
1
تتراكم، وتتكاثف في جو الطريق الخفاق بالرياح تحت سماء مكفهرة، ومن لوح الزجاج الأقرب إلى الموقد كان ينعكس شعاع على شخص رجل مستند إلى زاوية صفة الموقد، ومن الموقد ذاته كان ينبعث وهج متألق على إزار فتاة متكئة على كرسي لدى الزاوية الأخرى.
وكان وجه الفتاة خافيا في ظل الموقد.
أما الفتى فكان جميلا مليح الطلعة، تستدير ياقته البيضاء العالية حول رقبة تلعاء غلباء، وتضم بردته الزرقاء على قامة معتدلة هيفاء.
Page inconnue