Doroos Al-Sheikh Hassan Abu Al-Ashbal
دروس الشيخ حسن أبو الأشبال
Genres
اهتمام الإسلام بأصول الدين
ولم يبدأ الإسلام دعوته بالفروع وإنما بدأ دعوته بالأصول، والأصول هي العقيدة حتى عبر عنها بعض الفقهاء بأصول العلم، أو قال: أصول الدين، أي: أشاروا إلى العقيدة وإلى الإيمان بأصول الدين وأشاروا إلى الفقه بعلوم الشريعة، وقالوا: هذا العلم وهذا الدين، يميزون بين هذا وذاك، حتى إن الإمام أبا حنيفة ﵀ يقول عن العقيدة: الفقه الأكبر، والثاني الفقه الأصغر؛ ولذلك يقول: التفقه في التوحيد أولى من التفقه في العلم، فلم يطالب الناس في أول الأمر بالجهاد ولا بالصلاة ولا بالزكاة ولا بغير ذلك من فروع الشريعة، وإنما طولبوا بعقيدة، وذلك يفهم من حال النبي ﷺ لما مكث في مكة (١٣) عامًا يصحح عقائد الناس وإيمانهم، ولم يكن كثير من الأحكام الشرعية العملية موجودًا في ذلك الوقت، وإنما كانت هذه الفترة كلها الأصل فيها تصحيح عقائد وإيمان ومسار الناس على الاتجاه الصحيح وحسن التوكل والاعتماد على الله تعالى.
لما أمر الله ﷿ رسوله ﷺ بإظهار دينه وبأن يصدع بما جاءه منه للناس ويدعو إليه؛ صعد الصفا فنادى في الناس، فكان مما قال: (يا بني عبد المطلب! يا بني تيم!) ونادى على أقوام كثيرة من أهل مكة، ثم قال لهم: (إن الله أمرني أن أنذر عشرتي الأقربين، وإني لا أملك لكم من الله شيئًا، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) فقال ذلك الجاهل الغبي أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟! تبًا لك! أي: هلاكًا لك، فأنزل الله ﷿ سورة المسد: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [المسد:١] إلى آخر السورة.
ولما اشتكى أبو طالب من مرض موته اجتمع إليه أشراف قريش ووجهاؤهم فقالوا: يا أبا طالب! إنك منا حيث عرفت أو حيث علمت.
يعني: أنت فينا رجل من الشرفاء من العظماء الفضلاء، فادع ابن أخيك فليأخذ منا ونأخذ منه، واشترط عليه واشترط علينا حتى ندع له دينه ويدع لنا ديننا، فنادى أبو طالب النبي ﷺ وقال: يا ابن أخي! إنك تعلم منزلتي في قريش، فهم جاءوك ليشترطوا عليك وتشترط عليهم، ويأخذوا منك وتأخذ منهم حتى يدعو لك دينك وتدع لهم دينهم.
قال: قل يا أبا طالب.
فلما قال أبو طالب قولته هذه قال: يكفلون لي كلمة واحدة يملكون بها العرب ويدين لهم بها العجم، فقال أبو جهل: بل عشر كلمات وأبيك إن شئت، قلها؟ قال: قولوا: لا إله إلا الله، كلمة واحدة قولوها حتى ندعكم وتدعونا، وتدعوا لنا، قال: قولوا: لا إله إلا الله، فهذا المعنى معنى عظيم، وهو تربية الناس على التوحيد وعلى الإيمان وعلى العقيدة الصحيحة، وهذا المنهج هو الذي ربى عليه النبي ﷺ أصحابه طيلة سنواته في مكة.
فهذا خباب بن الأرت أتى إلى النبي ﷺ وهو مستند إلى الكعبة متوسد ببردته فقال: (يا رسول الله! ألا تدعو الله لنا؟) يعني: يطلب طلبًا شرعيًا ويسيرًا: ادع الله لنا يا رسول الله.
يقول: (فاحمر وجهه ﷺ حتى قام، وقال: إن من كان قبلكم لينشر بمناشير من حديد ما بين عظمه ولحمه -أو قال: ما بين عظمه وعصبه ولحمه- لا يرده ذلك عن دينه شيئًا)، كان يوضع المنشار في مفرق رأسه فيشق نصفين حتى يقع نصفه الشمال في الشمال ونصفه اليمين في اليمين ما يرده ذلك عن دينه شيئًا، كيف تطلب ذلك يا خباب؟! وكأنه يريد أن يصحح عقيدة خباب بأن يحسن التوكل على الله ﷿ والالتجاء إليه، حتى وإن كان هذا اللجوء إلى النبي ﷺ لا إلى آحاد الناس ولا إلى مدير ولا رئيس ولا عريف ولا غير ذلك ولا نبي ولا ملك، يلجأ إلى المولى ﷿ دون سواه، ويأتي النبي ﷺ بالبشارة في آخر الحديث.
قال: (وليتمن الله تعالى هذا الأمر -أي: هذا الإسلام- حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف أحدًا إلا الله)، وفي رواية: (إلا الله والذئب على غنمه).
هذا حديث عظيم يستفاد منه تصحيح المسار والاعتماد على الله والتوكل عليه واللجوء إليه والاستغاثة به ﷾، والاستعاذة به من شر ما خلق وغير ذلك، لا يلجأ إلى أحد غير الله حتى وإن كان نبيًا مرسلًا أو ملكًا من ملائكة الرحمن.
والرسل جميعًا إنما بعثوا لهذه المهمة، فقال الله ﷿ مفصلًا ذلك: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:٣٦]، ويفصل الله تعالى ذلك بقوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ [المؤمنون:٢٣]، ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ * فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْه
3 / 6