454

Don't Be Sad

لا تحزن

Maison d'édition

مكتبة العبيكان

Genres

الرضا ولو على جمْر الغضَا
خرج رجلٌ من بني عبْسٍ يبحثُ عن إبلِه التي ضلَّتْ، فذهب والتمسها، ومكث ثلاثة أيامٍ في غيابِه، وكان هذا الرجل غنيًا، أعطاه اللهُ ما شاء من المالِ والإبلِ والبقرِ والغنمِ والبنين والبناتِ، وكان هذا المالُ والأهلُ في منزلٍ رحْبٍ على ممرِّ سيْلٍ في ديارِ بني عبس، في رغدٍ وأمنٍ وأمانٍ، لم يفكرْ والدُهم ولم يفكرْ أبناؤه أن الحوادث قد تزورهم، وأن المصائب قد تجتاحُهم.
يا راقد الليلِ مسرورًا بأوَّلِه ... إنَّ الحوادث قد يطْرُقْنَ أسْحارا
نام الأهلُ جميعًا كبارُهم وصغارُهم، معهم أموالُهم في أرضٍ مستوية، ووالدهم غائبٌ يبحثُ عن ضالَّتِه، وأرسل اللهُ عليهم سيْلًا جارفًا لا يلوي على شيءٍ، يحملُ الصخور كما يحملُ التراب، ومرَّ عليهم في آخر الليلِ، فاجتاحهم جميعًا، واقتلع بيوتهم من أصلها، وأخذ الأموال معه جميعًا، وأخذ الأهل جميعًا، وزهقتْ أرواحُهم من تدفُّقِ الماء، وصارُوا أثرًا بعد عيْنٍ، فكأنهم لم يكونوا، صارُوا حديثًا يُتلى على اللسانِ.
وعاد الأبُ ثلاثةِ أيامٍ إلى الوادي، فلم يُحِسَّ أحدًا، ولم يسمعْ رافدًا، لا حيَّ ولا ناطق ولا أنيس، المكانُ قاعٌ صَفْصَفٌ، يا اللهُ!! يا للدَّاهيةِ الدهياءِ!! لا زوجة لا ابن لا ابنة، لا ناقةَ لا شاةَ لا بقرة، لا درهم لا دينار، لا ثوب لا شيء، إنها مصيبةٌ!!

1 / 481