220

وكأني بهذه المعايب والمظاهر الخادعة من لوازم الحياة، والشر بعد لا ينفي الخير، بل قد ينتج هذا ذاك، فإن مما لا شبهة فيه ولا ريب، أن النفس الإنسانية ليست كخزانة الكتب ترى فيها الفضائل والرذائل مرصوفة مرتبة لا تعدو واحدة مكانها ولا تتجاوزه إلى سواه، وإنما هي ميدان لتلاقيها وتلاحمها، وعالم صغير تتصادم فيه الغرائز والملكات، وتقتتل على الحياة والبقاء كما يحترب الناس في هذا العالم الكبير، ويتنازعون البقاء فيما بينهم، وبحر تتسرب فيه الطبائع بعضها في خلال بعض كما تتسرب الموجة في خلال الموجة وتغيب.

ولكن جمهور الناس وعامتهم لا يفقهون شيئا من ذلك، وهم إنما يقدرون الرجل بما يبدو لهم منه في فعاله أو كلامه؛ إذ كانوا لا يستطيعون أن يوفقوا بين مظاهر الشر والخير، ولا يعلمون أن السكير مثلا قد يكون أصح مبادئ ممن لا يعاقر الخمر ولا يني عن التسبيح في السر والعلانية، ولست أريد أن أدفع عمن يتنزى إلى المقابح، ويتسور إلى المعايب، وإنما أريد أن أقول: إن القارئ ينبغي أن ينظر من شعر الشاعر إلى نفسه، وأن يتلمس من معاريض كلامه ويستشف من وراء لفظه نصيبه من صحة الإدراك الأخلاقي، وأن يجعل ما يستبين له من ذلك مقياسا للشاعر لا ما يقرؤه من ذكر الخمر والتشبيب وغير ذلك.

وبعد، فإن القراء لا ريب ينتظرون منا كلمة فيما قيل عنا من انتحال معاني شعراء الغرب، والإغارة على قصائدهم وادعائها. ولقد كنا نحب أن نغضي عن هذه التهم اكتفاء بإظهار الجزء الثاني من ديواننا؛ فإنه وحده خير رد على ما رمينا به، ولكن الضجة التي قامت حول هذا الموضوع والشماتة الحقيرة التي لم يخفها قتلى المذهب العتيق، لا تجعلان السكوت من الحزامة في شيء، ولقد كان الإنصاف ألا يلام غيري إذا صح ما نسب إلي، ولكن الناس تجاوزوني إلى غيري، واتهموا سواي قياسا علي، وإن كنت لم أرم أحدا ممن نقدوا شعري بالسرقة! وهذا عنت ظاهر يريك مبلغ الناس من الفهم والعدل.

أما ما قيل إني سرقته فقصائد بعضها - وهو الأقل - مطبوع في الجزء الأول، والبعض لم يكن قد نشر بعد، ولست أدري كيف استحل الناس لأنفسهم أن يجزموا أنى إذا طبعت الجزء الثاني لا محالة منتحل هذه القصائد؟ وهي «الراعي المعبود»، و«الوردة الرسول»، و«الغزال الأعمى»، و«إكليل الشوك»، وخمسة أبيات من قصيدة «الشاعر المحتضر»، وكلها منشورة في هذا الجزء منسوبة إلى أصحابها.

أما ما اتهمنا بسرقته مما ورد في الجزء الأول من ديواننا، فقصيدة «فتى في سياق الموت» وهي ثمانية أبيات، ولقد راجعنا قصيدة الشاعر «هود» فوجدنا في قصيدتنا أبياتا ليست له، ونحن ننزل عن القصيدة كلها راضين، ونبرأ إلى الله من تعمد أخذها والإغارة عليها، وقصيدة «قبر الشعر» وهي خمسة أبيات نكلها إلى حظ أختها.

ولقد راجعنا الجزء الأول قصيدة قصيدة لنميط عنه هذا الأذى، وراجعنا دواوين الشعراء التي عندنا زهادة منا فيما عسى أن يكون قد علق بخاطرنا من شعرهم ونحن لا نعلم، فلم نعثر على شيء يجوز من أجله اتهامنا بالسرقة إلا أبيات في «رقية حسناء»، وهي ل «شلي»، والجزء الأخير من قصيدة «أماني وذكر»، وهو ل «بيرنز»، وأول هذا الجزء «يا ليت حبي وردة».

ولو أن ما أخذ علينا في الجزء الأول، وما نبهنا القراء إليه من تلقاء أنفسنا حذف، لما أنقص ذلك من قيمة شعرنا؛ فإن في ديواننا الأول نحو ألف بيت، وليس ما أخذ علينا خيرها.

ولئن كان هذا دليلا على شيء، فهو دليل على سعة الاطلاع وسرعة النسيان، وهو ما يعرفه عنا إخواننا جميعا.

هذا ولا يسعنا إلا أن نشكر لصديقنا شكري أن نبهنا إلى مآخذ شعرنا والسلام.

الراعي المعبود

Page inconnue