مطلع النور الأول من أفق الدعوة الإسلامية
مطلع النور الأول من أفق الدعوة الإسلامية
المطعم بن عدي
في غار حراء
في دار الأرقم بن أبي الأرقم
إرادة قتل الرسول وهجرته إلى المدينة
في الغار الأكبر غار ثور
أبو بكر وحية الغار
سراقة بن مالك يريد قتل النبي
بريدة بن الحصيب وأصحابه يأتون بعده
في خيمة أم معبد
في قباء
حي بني عمرو بن عوف
من قباء إلى المدينة
جفنة أم زيد بن ثابت
المهاجرون في ضيافة الأنصار
مسجد المدينة
أبو بكر يؤدي ثمن الحائط الذي أدخل في المسجد
بلال يؤذن للصلاة
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
اليهود والمنافقون
غزوة بدر الكبرى
مصر أبي جهل
صدى الوقعة في مكة
سواد بن غزية
أصحاب القليب
شهداء بدر (رضي الله عنهم)
ذكرى هذه الغزوة المباركة
الذكرى الثانية
غزوة بني قينقاع
غزوة السويق
غزوة أحد
مقتل حمزة (رضي الله عنه)
الرماة
زياد بن عمارة (رضي الله عنه)
مصعب بن عمير (رضي الله عنه)
المؤمنون والمنافقون
عبد الله بن جحش (رضي الله عنه)
محمد رسول الله
غزوة حمراء الأسد
غزوة بني النضير
غزوة ذات الرقاع
غزوة بدر الآخرة
غزوة دومة الجندل
غزوة بني المصطلق
إسلام الحارث بن ضرار (رضي الله عنه)
بركة أم المؤمنين جويرية (رضي الله عنها)
بين الخزرج والمهاجرين
عبد الله بن أبي بن سلول بعد نزول (سورة المنافقون)
قصة أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)
غزوة الخندق
بعد حفر الخندق
عباد بن بشر (رضي الله عنه)
نعيم بن مسعود الأشجعي وجنود الله
غزوة بني قريظة
ثابت بن قيس (رضي الله عنه) والزبير بن باطا
سعد بن معاذ (رضي الله عنه) في خيمة رفيدة الأسلمية
رفيدة الأسلمية (رضي الله عنها)
سعد بن عبادة (رضي الله عنه)
غزوة بني لحيان
غزوة ذي قرد
غزوة الحديبية
خزاعة وبنو بكر
أم كلثوم (رضي الله عنها)
أبو بصير وأصحابه (رضي الله عنهم)
غزوة خيبر
كنز بني النضير
المخلفون
عبد الله بن أبي بن سلول
صفية أم المؤمنين (رضي الله عنها)
رجوع المهاجرين من الحبشة
أم حبيبة (رضي الله عنها)
أهل فدك
بنو غطفان وسيدهم عيينة بن حصن
حجاج بن علاط السلمي (رضي الله عنه)
الشاة المسمومة
المؤمنات في جيش الرسول
غزوة وادي القرى
أهل تيماء
عمرة القضاء
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية (رضي الله عنها)
إسلام خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وعمرو بن العاص (رضي الله عنهم)
غزوة مؤتة
الفتح الأعظم - فتح مكة
حلف عبد المطلب
بنو بكر وخزاعة
وقعة الفتح الأعظم
العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه)
إسلام هند بنت عتبة زوج أبي سفيان
إسلام عثمان أبي قحافة والد أبي بكر الصديق (رضي الله عنهما)
كعب بن زهير وأخوه بجير (رضي الله عنهما)
غزوة حنين
الأنصار يبكون
هدم العزى وسواع ومناة
أم سليم زوج أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري (رضي الله عنهما)
قدوم هوازن ورد سبيها عليها
عجوز عيينة بن حصن
قسمة الغنائم
غزوة الطائف
عين أبي سفيان
سراقة بن مالك
غزوة تبوك
في دار سويلم اليهودي
الجد بن قيس
البكاءون
أبو خيثمة
أبو ذر الغفاري (رضي الله عنه)
طلحة بن عبيد الله
قدوم يحنة بن رؤبة صاحب أيلة ومعه أهل أذرح وجرباء ومقنا
خالد بن الوليد والأكيدر
خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من تبوك
في العقبة بين تبوك والمدينة
في المدينة - النبي يعرض عن المنافقين ويأمر بمقاطعتهم
مسجد الضرار
عام الوفود
وفد نصارى نجران
وفد الأشعريين
وفد ثقيف
وفد بني عامر بن صعصعة
ضمام بن ثعلبة (رضي الله عنه)
وفد بني عبد القيس من بلاد هجر بالبحرين
وفد بني حنيفة
عدي بن حاتم
عروة بن مسيك المرادي واسمه فروة في بعض الروايات
وفد بني زبيد
وفد كندة
وفد أزد شنوءة
رسول ملوك حمير وحامل كتابهم
رسول فروة بن عمرو الجذامي
وفد بني الحارث بن كعب
رفاعة بن زيد الخزاعي
وفد همدان
وفد تجيب
بقية الوفود
كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك
السرايا
سرايا زيد بن حارثة
سرايا خالد بن الوليد (رضي الله عنه)
سرايا محمد بن مسلمة (رضي الله عنه)
سرايا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)
سرية أبي سلمة إلى قطن
عبد الله بن أنيس الأنصاري (رضي الله عنه)
سرية عكاشة بن محصن
سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل
سرية عبد الله بن عتيك الخزرجي الأنصاري
سرية عبد الله بن رواحة الأنصاري إلى أسير بن رزام اليهودي بخيبر
عمرو بن أمية الضمري يوفد إلى مكة لقتل أبي سفيان
سرية أبي بكر (رضي الله عنه) إلى بني كلاب
سرايا غالب بن عبد الله الليثي
سرية بشير بن سعد (رضي الله عنه)
سرية عمرو بن العاص (رضي الله عنه) إلى بلاد بلي وعذرة
سرية أبي عبيدة بن الجراح
سرية بشر بن أبي سفيان (رضي الله عنه) إلى بني تميم
سرية أبي سفيان والمغيرة بن شعبة (رضي الله عنهما) لهدم اللات
سرية أسامة بن زيد بن حارثة (رضي الله عنهما)
مطلع النور الأول من أفق الدعوة الإسلامية
مطلع النور الأول من أفق الدعوة الإسلامية
المطعم بن عدي
في غار حراء
في دار الأرقم بن أبي الأرقم
إرادة قتل الرسول وهجرته إلى المدينة
في الغار الأكبر غار ثور
أبو بكر وحية الغار
سراقة بن مالك يريد قتل النبي
بريدة بن الحصيب وأصحابه يأتون بعده
في خيمة أم معبد
في قباء
حي بني عمرو بن عوف
من قباء إلى المدينة
جفنة أم زيد بن ثابت
المهاجرون في ضيافة الأنصار
مسجد المدينة
أبو بكر يؤدي ثمن الحائط الذي أدخل في المسجد
بلال يؤذن للصلاة
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
اليهود والمنافقون
غزوة بدر الكبرى
مصر أبي جهل
صدى الوقعة في مكة
سواد بن غزية
أصحاب القليب
شهداء بدر (رضي الله عنهم)
ذكرى هذه الغزوة المباركة
الذكرى الثانية
غزوة بني قينقاع
غزوة السويق
غزوة أحد
مقتل حمزة (رضي الله عنه)
الرماة
زياد بن عمارة (رضي الله عنه)
مصعب بن عمير (رضي الله عنه)
المؤمنون والمنافقون
عبد الله بن جحش (رضي الله عنه)
محمد رسول الله
غزوة حمراء الأسد
غزوة بني النضير
غزوة ذات الرقاع
غزوة بدر الآخرة
غزوة دومة الجندل
غزوة بني المصطلق
إسلام الحارث بن ضرار (رضي الله عنه)
بركة أم المؤمنين جويرية (رضي الله عنها)
بين الخزرج والمهاجرين
عبد الله بن أبي بن سلول بعد نزول (سورة المنافقون)
قصة أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)
غزوة الخندق
بعد حفر الخندق
عباد بن بشر (رضي الله عنه)
نعيم بن مسعود الأشجعي وجنود الله
غزوة بني قريظة
ثابت بن قيس (رضي الله عنه) والزبير بن باطا
سعد بن معاذ (رضي الله عنه) في خيمة رفيدة الأسلمية
رفيدة الأسلمية (رضي الله عنها)
سعد بن عبادة (رضي الله عنه)
غزوة بني لحيان
غزوة ذي قرد
غزوة الحديبية
خزاعة وبنو بكر
أم كلثوم (رضي الله عنها)
أبو بصير وأصحابه (رضي الله عنهم)
غزوة خيبر
كنز بني النضير
المخلفون
عبد الله بن أبي بن سلول
صفية أم المؤمنين (رضي الله عنها)
رجوع المهاجرين من الحبشة
أم حبيبة (رضي الله عنها)
أهل فدك
بنو غطفان وسيدهم عيينة بن حصن
حجاج بن علاط السلمي (رضي الله عنه)
الشاة المسمومة
المؤمنات في جيش الرسول
غزوة وادي القرى
أهل تيماء
عمرة القضاء
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية (رضي الله عنها)
إسلام خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وعمرو بن العاص (رضي الله عنهم)
غزوة مؤتة
الفتح الأعظم - فتح مكة
حلف عبد المطلب
بنو بكر وخزاعة
وقعة الفتح الأعظم
العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه)
إسلام هند بنت عتبة زوج أبي سفيان
إسلام عثمان أبي قحافة والد أبي بكر الصديق (رضي الله عنهما)
كعب بن زهير وأخوه بجير (رضي الله عنهما)
غزوة حنين
الأنصار يبكون
هدم العزى وسواع ومناة
أم سليم زوج أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري (رضي الله عنهما)
قدوم هوازن ورد سبيها عليها
عجوز عيينة بن حصن
قسمة الغنائم
غزوة الطائف
عين أبي سفيان
سراقة بن مالك
غزوة تبوك
في دار سويلم اليهودي
الجد بن قيس
البكاءون
أبو خيثمة
أبو ذر الغفاري (رضي الله عنه)
طلحة بن عبيد الله
قدوم يحنة بن رؤبة صاحب أيلة ومعه أهل أذرح وجرباء ومقنا
خالد بن الوليد والأكيدر
خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من تبوك
في العقبة بين تبوك والمدينة
في المدينة - النبي يعرض عن المنافقين ويأمر بمقاطعتهم
مسجد الضرار
عام الوفود
وفد نصارى نجران
وفد الأشعريين
وفد ثقيف
وفد بني عامر بن صعصعة
ضمام بن ثعلبة (رضي الله عنه)
وفد بني عبد القيس من بلاد هجر بالبحرين
وفد بني حنيفة
عدي بن حاتم
عروة بن مسيك المرادي واسمه فروة في بعض الروايات
وفد بني زبيد
وفد كندة
وفد أزد شنوءة
رسول ملوك حمير وحامل كتابهم
رسول فروة بن عمرو الجذامي
وفد بني الحارث بن كعب
رفاعة بن زيد الخزاعي
وفد همدان
وفد تجيب
بقية الوفود
كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك
السرايا
سرايا زيد بن حارثة
سرايا خالد بن الوليد (رضي الله عنه)
سرايا محمد بن مسلمة (رضي الله عنه)
سرايا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)
سرية أبي سلمة إلى قطن
عبد الله بن أنيس الأنصاري (رضي الله عنه)
سرية عكاشة بن محصن
سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل
سرية عبد الله بن عتيك الخزرجي الأنصاري
سرية عبد الله بن رواحة الأنصاري إلى أسير بن رزام اليهودي بخيبر
عمرو بن أمية الضمري يوفد إلى مكة لقتل أبي سفيان
سرية أبي بكر (رضي الله عنه) إلى بني كلاب
سرايا غالب بن عبد الله الليثي
سرية بشير بن سعد (رضي الله عنه)
سرية عمرو بن العاص (رضي الله عنه) إلى بلاد بلي وعذرة
سرية أبي عبيدة بن الجراح
سرية بشر بن أبي سفيان (رضي الله عنه) إلى بني تميم
سرية أبي سفيان والمغيرة بن شعبة (رضي الله عنهما) لهدم اللات
سرية أسامة بن زيد بن حارثة (رضي الله عنهما)
ديوان مجد الإسلام
ديوان مجد الإسلام
تأليف
أحمد محرم
مطلع النور الأول من أفق الدعوة الإسلامية
مطلع النور الأول من أفق الدعوة الإسلامية
إملأ الأرض يا محمد نورا
واغمر الناس حكمة والدهورا
حجبتك الغيوب سرا تجلى
يكشف الحجب كلها والستورا
عب سيل الفساد في كل واد
فتدفق عليه حتى يغورا
جئت ترمي عبابه بعباب
راح يطوي سيوله والبحورا
ينقذ العالم الغريق ويحمي
أمم الأرض أن تذوق الثبورا
زاخر يشمل البسيطة مدا
ويعم السبع الطباق هديرا
أنت معنى الوجود بل أنت سر
جهل الناس قبله الإكسيرا
أنت أنشأت للنفوس حياة
غيرت كل كائن تغييرا
أنجب الدهر في ظلالك عصرا
نابه الذكر في العصور شهيرا
كيف تجزي جميل صنعك دنيا
كنت بعثا لها وكنت نشورا؟
ولدتك الكواكب الزهر فجرا
هاشمي السنا وصبحا منيرا
يصدع الغيهب المجلل بالوح
ي الملقى ويكشف الديجورا
منطق القدرة التي ترهق القا
در عجزا والعبقري قصورا
كل ذمر رمى النفوس بوتر
من حظاياه رده موتورا
خرت العرب من مشارفها العل
يا توالي هويها والحدورا
بات فيها ملك البيان حريبا
يسلم الجند والحمى والثغورا
أنكر الناس ربهم وتولوا
يحسبون الحياة إفكا وزورا
أين من شرعة الحياة أناس
جعلوا البغي شرعة والفجورا؟
تلك أربابهم أتملك أن تن
فع مثقال ذرة أو تضيرا؟
قهروها صناعة أعجب الأر
باب ما كان عاجزا مقهورا
ما لدى «اللات» أو «مناة» أو «العز
ى» غناء لمن يقيس الأمورا
جاء دين الهدى وهب رسول
الله يحمي لواءه المنشورا
ضرب الكفر ضربة زلزلته
فتداعى وكان خطبا عسيرا
جثمت حوله الحصون وظن ال
قوم ظن الغرور أن لن تطيرا
هدها ذو الجلال حصنا فحصنا
بالحصون العلى وسورا فسورا
بالرسول الهادي وبالصفوة الأم
جاد يقضون حقه الموفورا
يهرقون النفوس تلقى الردى المه
راق مثل الغدير يلقى الغديرا
إن في القتل للشعوب حياة
وارفا ظلها وخيرا كثيرا
ليس من يركب الدنية يخشى
مركب الموت بالحياة جديرا
أمن الحق أن تصد قريش
عن فتاها وأن تطيل النكيرا؟
سل أبا جهلها وقوما دعاهم
فاستجابوا جهالة وغرورا
أولعوا بالأذى فألفوا رسول
الله جلدا على البلاء صبورا
كلما أحدثوا الذنوب كبارا
وجدوه لكل ذنب غفورا
ما به نفسه فيغضب يرضي
ها وترضيه ناعما مسرورا
إنه الله لا سواه ودين
ملك النفس واسترق الشعورا
يجد الناس والمقادير فيه
ويرى ما عداه شيئا يسيرا
ما زكا سابق من الرسل إلا
هو أزكى نفسا وأصفى ضميرا
جاء عمه يقول أترضى
أن يقيموك سيدا أو أميرا؟
ويصبوا عليك من صفوة الما
ل حيا ماطرا وغيثا غزيرا
قال يا عم ما بعثت لدنيا
أبتغيها وما خلقت حصورا
لو أتوني بالنيرين لأعرض
ت أريهم مطالبي والشقورا
إن يشيروا بما علمت فإني
لأدع الهوى وأعصي المشيرا
دون هذا دمي يراق ونفسي
تطعم الحتف رائعا محذورا
المطعم بن عدي
خرج الرسول الكريم من مكة إلى الطائف بعد موت عمه أبي طالب وتألب الكفار عليه؛ ليدعو ثقيفا إلى الإسلام فلقي أذى شديدا، وبعث إلى المطعم بن عدي يقول: «إني داخل مكة في جوارك»، فأجابه إلى ذلك، وكان يلبس السلاح هو وبنوه يحرسون النبي
صلى الله عليه وسلم
في طوافه بالبيت، وبقي المطعم بن عدي كافرا إلى أن مات، وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم
في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له»:
ما رأينا كالمطعم بن عدي
جافيا واصلا هيوبا جسورا
آثر الكفر ملة وأجار الد
ين مستضعفا يدور شطيرا
رام بالطائف المقام فأعيا
فانثنى يطلب الأمان حسيرا
وكل الله بالنبوة منه
أسدا يملأ الفضاء زئيرا
قائما في السلاح يجمع حولي
ه شبولا تحمي الحمى ونمورا
يمنع القوم أن يصدوا رسول
الله عن بيته ويأبى الخفورا
نقض الحلف من قريش فأمسى
أسلمته العرى وكان مريرا
عجبا للغوي يعطيك منه
عملا صالحا ورأيا فطيرا
ما رأينا من ظن بالزرع شرا
فحمى أرضه وصان البذورا
لو جزى الله كافرا أجر ما أح
سن يوما لخلته مأجورا
في غار حراء
ظل مستخفيا بغار حراء
يعبد الله عائذا مستجيرا
يسمر القوم في الضلال ويمسي
للذي أطلع النجوم سميرا
راكعا ساجدا يسبح مولا
ه ويزجي التهليل والتكبيرا
تهتف الكائنات يأخذها الصو
ت تحيي مكانه المهجورا
نال منها محلة لم ينلها
صوت داود حين يتلو الزبورا
نبرات قدسية تتوالى
نغما رائعا وتمضي زفيرا
رب طال الخفاء والدين جهر
رب فاجعل مدى الخفاء قصيرا
ماجت الأرض حوله وتجلى
الله ينهى بركانها أن يفورا
أوذي الدين في الشعاب وردت
يد سعد عدوه مدحورا
رقمت في الكتاب أول سطر
وأتم الدم المراق السطورا
أدبر القوم محنقين فلولا
الله كادت رحى الوغى أن تدورا
أزمع الضيف أن يؤم سواه
منزلا كان صالحا مبرورا
حله الوحي روضة شاع فيها
رونقا ساطعا وفاح عبيرا
في دار الأرقم بن أبي الأرقم
ودعا الأرقم استجب تلك داري
تسع الدين محرجا محصورا
وافها واجمع المصلين فيها
عصبة إن أردت أو جمهورا
وأتى ابن الخطاب يؤمن
بالله ويختار دينه المأثورا
قال كلا لن يعبد الله سرا
ويرى نور دينه مستورا
اخرجوا في حمى الكتاب أسودا
واطلعوا في سنا النبي بدورا
ذلكم بيتكم فصلوا وطوفوا
لا تخافن مشركا أو كفورا
إرادة قتل الرسول وهجرته إلى المدينة
أجمعوا أمرهم وقالوا هو القت
ل يميط الأذى ويشفي الصدورا
كذبوا ما دم الهزبر أما
ني مهاذير يكثرون الهريرا
لا وربي فإنما طلب الكف
ار بلا وحاولوا محظورا
أن نفس الرسول أمنع جارا
من طواغيتهم وأقوى مجيرا
ما لهم؟ هل رمى النبي ترابا
أم عمى في عيونهم مذرورا؟
ذهلوا مدة فلما أفاقوا
أنكروها دهياء عزت نظيرا
ينفضون التراب من مس منا
كل وجه فرده معفورا؟
أين كنا؟ ما بالنا لا نراه؟
ما لأوصالنا تحس الفتورا؟
أمن الحادثات ما يذهل العا
قل عن نفسه ويعمي البصيرا؟
أين ولى؟ لقد رمانا بسحر
فسكرنا وما شربنا الخمورا
يا له مصعبا لو أنا أصبنا
ه على غرة لخر عقيرا
راح في غبطة ورحنا نعاني
أملا ضائعا وجدا عثورا
خيبة تترك الجوانح حرى
يا لها حسرة تشب وتورى
رب آتيتة على القوم نصرا
فتباركت حافظا ونصيرا
أنت نجيته فهاجر يقضي ال
حق لا خائفا ولا مذعورا
يوم ضجت جبال مكة ذعرا
وتمنت هضابها أن تمورا
تتنزى أسى وتمسكها تم
نعها من ورائه أن تسيرا
هي لولاك لارتمت تقذف الصخ
ر وتزجي هباءها المنثورا
هاجها من جوى الفراق وحر ال
وجد ما هاج بيتك المعمورا
كاد يهفو فزدته منك روحا
فانثنى راجح الجلال وقورا
يا لها من محمد نظرات
زخرت رحمة وجاشت سعيرا
نظرات شجية لا تعد ال
أهل أهلا ولا ترى الدور دورا
قال ما في البلاد أكرم من مك
ة أرضا ولا أحب عشيرا
فاسكني يا هموم نفسي إن
الله أمضى قضاءه المقدورا
إنني قد نذرت لله نفسي
والتقي الوفي يقضي النذورا
نقطع البيد بعد صحب كرام
قطعوا غارب العباب عبورا
كم رشيد آذاه في الله غاو
زاده طائف الهوى تخسيرا
ضرب الصحب في البلاد فأمسوا
لا يصيبون صاحبا أو سجيرا
في ديار لدى النجاشي غبر
ظل فيها سوادهم مغمورا
وتولى وللأمور مصير
يشتري ربه ويرجو المصيرا
يوم يمشي الصديق في نوره الزا
هي يوالي رواحه والبكورا
ينصر الحق ثائرا يمنع البا
طل أن يستقر أو أن يثورا
لا يبالي غيظ القلوب ولا يح
فل في الله لائما أو نذيرا •••
أقبل القوم يسألون أتحت الت
رب أم جاور الطريد النسورا
نفضوا الهضب والجبال وشقوا ال
أرض طرا رمالها والصخورا
ويح أسماء إذ يجيء أبو جه
ل على خدرها المصون مغيرا
صاح أسماء أين غاب أبو بك
ر أجيبي فقد سألنا الخبيرا
قالت العلم عنده ما عهدنا
أجم الأسد تستشير الخدورا
فرماها بلطمة تعرض الأج
يال عن ذكرها صوادف صورا
قذفت قرطها بعيدا ورضت
من وجوه النبي وجها نضيرا
في الغار الأكبر غار ثور
غار ثور أعطاك ربك ما لم
يعط من روعة الجلال القصورا
أنت أطلعت للممالك دنيا
ساطعا نورها ودينا خطيرا
صنته من ذخائر الله كنزا
كان من قبل عنده مذخورا
مخفر الحق لاجئا يتوقى
قام فيه الروح الأمين خفيرا
وقفت حوله الشعوب حيارى
من وراء العصور تدعو العصورا
يا حيارى الشعوب ويحك إن ال
حق أعلى يدا وأقوى ظهيرا
لا تخافي فتلك دولته العظ
مى تناديك أن أعدي السريرا
جاءك المنقذ المحرر لا يت
رك قيدا ولا يغادر نيرا
ورث المالكين والرسل الها
دين بالحق أولا وأخيرا
الحكيم الذي يهد ويبني
فيجيد البناء والتدميرا
والزعيم الذي يسن ويقضي
لبني الدهر غيبا وحضورا
تترامى الأجيال بين يديه
تتلقى النظام والدستورا
ليس في الناس سادة وعبيد
كبر العقل أن يظل أسيرا
خلق الكل في الحقوق سواء
ما قضى الله أمره مبتورا
كذب الأقوياء ما ظلم الله
وما كان مسرفا أو قتورا
دبر الملك للجميع فسوى ال
أمر فيه وأحكم التدبيرا
يا نصير الضعاف حرر نفوسا
تتمنى الفكاك والتحريرا
ضجت الكائنات هل من سفير
يتلافى الدنى؟ فكنت السفيرا
رب آتيتنا هداك وأنزل
ت علينا كتابك المسطورا
فلك الحمد وافرا مستمرا
ولك الفضل باقيا مذكورا
أبو بكر وحية الغار
صاحب القائم المتوج بالفر
قان بوركت صاحبا ووزيرا
أنت واليته وعاديت فيه
من توخى الذى وأبدى النفورا
أولم تتخذ أباك عدوا
وتذقه الهوان كيما يحورا؟
إذا يقول النبي لا تضرب الشي
خ وإن سبني ودعه قريرا
إنما نلت بالمساءة منه
والدا مدبرا وشيخا ضريرا •••
ليت شعري أصبت حية واد
تنفث السم أم أصبت حريرا؟
نفثت سمها فما هز رضوى
من وقار ولا استخف ثبيرا
خفت أن توقظ النبي فما ير
ضيك أن تضعف القوى أو تخورا
أكرم الله ركبتيك لقد أع
طاك سبحانه فأعطى شكورا
أي رأس حملت يا حامل الإي
مان سمحا والبر صفوا طهورا؟
سراقة بن مالك يريد قتل النبي
جعل كفار قريش لمن يقتل النبي
صلى الله عليه وسلم
أو يأسره مئة ناقة، فذهب سراقة في أثره، قال سراقة - بعد أن ساخت قوائم فرسه مرارا، وبعد أن اعتذر إلى النبي الكريم: يا محمد، إني لأعلم أنه سيظهر أمرك في العالم وتملك رقاب الناس، فعاهدني على أن تكرمني إذا جئتك يوم ملكك، فأمر عامر بن فهيرة - وقيل أبا بكر - فكتب له العهد الذي طلب - أسلم بالجعرانة (رضي الله عنه)؛ قال له النبي عند منصرفه: «كيف بك يا سراقة إذا تسورت بسواري كسرى»، وقد ألبسه عمر إياهما في خلافته لما فتحت بلاد فارس.
إتق الله يا سراقة وانظر
هل ترى الأمر هينا ميسورا؟
أم تظن الجواد تمسكه الأر
ض وتلوي عنانه مسحورا؟
أم هو الله ذو الجلال رماه
يمسك الشر راكضا مستطيرا؟
غرك القوم فانطلقت ترجي
ه خسيسا من الجزاء حقيرا
وضح الحق فاعتذرت وأولا
ك الرسول الأمين فضلا كبيرا
فزت بالعهد فاغتنمه وأبشر
بسواري كسرى فديت البشيرا
قل لأهل النياق أوتيت أجري
جللا فابتغوا سواي أجيرا
ليس من رام رفعة أو سناء
مثل من رام ناقة أو بعيرا
بريدة بن الحصيب وأصحابه يأتون بعده
وأتى بعده بريدة يرجو
أن ينال الغنى وكان فقيرا
يركب الليل والنهار ويطوي ال
بيد غبرا سهولها والوعورا
في رجال من صحبه زعموا ال
إغراء نصحا واستحسنوا التغريرا
آثروا الله والرسول ففازوا
وارتضوها تجارة لن تبورا
أسلموا وارتأى بريدة رأيا
ألمعيا وكان حرا غيورا
قال ما ينبغي لمثل رسول
الله أن يألو البلاد ظهورا
كيف تمشي بلا لواء وقد أو
تيت من ربك المقام الأثيرا؟
ليس لي من عمامتي ومن الرم
ح عذير إذا التمست عذيرا
اخفقي يا عمامتي واعل يا رم
حي فقد خفت أن تعود كسيرا
ومشى باللواء بين يديه
يتلقى السنا البهي فخورا
في خيمة أم معبد
ما حديث لأم معبد تستس
قيه ظمأى النفوس عذبا نميرا؟
سائل الشاة كيف درت وكانت
كزة الضرع لا ترجي الدرورا؟
بركات السمح المؤمل يقري
أمم الأرض زائرا أو مزورا
مظهر الحق للنبوة سبحا
نك ربا فرد الجلال قديرا
في قباء
يا حياة النفوس جئت قباء
جيئة الروح تبعث المقبورا
إرفع المسجد المبارك واصنع
للبرايا صنيعك المشكورا
معقل يعصم النفوس ويأبى
أن يميل الهوى بها أو يجورا
أوصها بالصلاة فهي علاج
أو سياج يذود عنها الشرورا
غرس الله دوحة الدين قدما
وقضاها أرومة وجذورا
لو أردت النضار لم تحمل الأح
جار توهي القوى وتحني الظهورا
أرأيت ابن ياسر كيف يبني؟
أرأيت المشيع الشميرا؟
أرأيت البناء يستبق القو
م صعودا ويزدهيهم سئورا؟
أرأيت الفحل الأبي جنيبا
في يد الله والهزبر الهصورا؟
ينصب النحر للحجارة والط
ين يغير الحلى ويغري النحورا
ما بنى مثله على الدهر غر
راح يبني خورنقا أو سديرا
يجد الحق في البناء حصونا
ويرى الطير في البناء وكورا
حي بني عمرو بن عوف
نزل النبي
صلى الله عليه وسلم
في قباء على كلثوم بن الهرم كبير بني عمرو بن عوف، وهم من الأوس، وكان الموضع الذي بني فيه المسجد مربدا له.
بورك الحي حيكم يا بني عم
رو بن عوف ولا يزل ممطورا
كنت فيه الضيف الذي يغمر الأن
فس والدور نعمة وحبورا
ما رأت مثلك الديار ولا حي
لك القوم في الضيوف نظيرا
كرهوا أن تبين عنهم فقالوا
أملالا أزمعت عنا المسيرا؟
قلت بل يثرب انتويت وما أل
فيت نفسي بغيرها مأمورا
قرية تأكل القرى وتريها
كيف تلقى البلى وتشكو الدثورا
طربت ناقتي إلى لابتيها
فدعوا رحلها وخلوا الجريرا
رحمة الله والسلام عليكم
آل عوف كبيركم والصغيرا
من قباء إلى المدينة
أقبل فتلك ديار يثرب تقبل
يكفيك ما أشواقها ما تحمل
طال التلوم والقلوب خوافق
يهفو إليك بها الحنين الأطول
القوم مذ فارقت مكة أعين
تأبى الكرى وجوانح تتململ
يتطلعون إلى الفجاج وقولهم
أفما يطالعنا النبي المرسل؟
أقبلت في بيض الثياب مباركا
يزجي البشائر وجهك المتهلل
يا طيب ما صنع الزبير وطلحة
ولصعنك الأوفى أجل وأفضل
خف الرجال إليك يهتف جمعهم
وقلوبهم فرحا أخف وأعجل
هي في ركابك ما بها من حاجة
إلا إليك وما لها متحول
هجرت منازلها بيثرب وانتحت
أخرى بمكة دورها ما تؤهل
وفدان هذا من ورائك يرتمي
عجلا وهذا من أمامك ينسل
انظر بني النجار حولك عكفا
يردون نورك حين فاض المنهل
لم ينزلوك على الخئولة وحدها
كل المواطن للنبوة منزل
نزلوا على الإسلام عندك إنه
نسب يعم المسلمين ويشمل •••
ما للديار تهزها نشواتها؟
أهي الأناشيد الحسان ترتل؟
رفت نضارتها وطاب أريجها
وترددت أنفاسها تتسلسل
فكأنما في كل مغنى روضة
وكأنما في كل دار بلبل
هن العذارى المؤمنات أقمنه
عيدا تحييه الملائك من عل
في موكب لله أشرق نوره
فيه وقام جلاله يتمثل
جمع النبيين الكرام فآخذ
بيد الإمام وعائذ يتوسل
يمشي به الروح الأمين مسلما
وجبينه بفم النبي مقبل
إيه بني النجار إن محمدا
لأشد حبا للتي هي أجمل
خلوا سبيل الله ما لرسوله
عما أعد من المنازل معدل
ذهبت مطيته فقيل لها قفي
هذا مناخك لست ممن يجهل
الناس في طلب الحياة وها هنا
سر لها خاف وكنز مقفل
أعطي أبا أيوب رحلك واحمدي
من أمر ربك ما يجيء ويفعل
ودعي الزمام لأسعد بن زرارة
فإليه بعد الله أمرك يوكل
لما حملت الحق أجمع والهدى
أمسى بحبل الله حبلك يوصل
يتنافس الأنصار فيك وما دروا
لمن المفاز وأيهم هو أول
هي كيمياء الحق لولا أنها
تهدي العقول لخلتها لا تعقل
دنيا من العجب العجاب ودولة
يهوي النضار بها ويعلو الجندل
أرأيت أهل الكهف لولا سرها
هل كان يكرم كلبهم ويبجل؟
شكرا أبا أيوب فزت بنعمة
فيها لنفسك ما تريد وتسأل
ما مثل رفدك في المواطن كلها
رفد يضاعف أو عطاء يجزل
لله دارك من محلة مؤمن
نزل الحمى فيها وحل المعقل
نزل النبي بها فحل فناءها
مجد يقيم وسؤدد ما يرحل
مجد النبوة في ضيافة ماجد
سمح القرى يسدي الجزيل ويبذل
وسعت جفان المطعمين جفانه
كرما فما يأبى ولا هي تبخل
أضفى على السعدين برد سماحة
فاهتز جودهما وأقبل يرفل
جذلان محتفلا يقرب منهما
لله ما يرضى وما يتقبل
جعل القرى سببا إلى رضوانه
والبر والإيمان فيما يجعل
جفنة أم زيد بن ثابت
كان أول طعام أهدي إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
في المدينة - قال زيد له: هذه قصعة أمي؛ فقال: «بارك الله فيها».
يا زيد من صنع الثريد وما عسى
ترجو بما حملت يداك وتأمل؟
بعثتك أمك تبتغي في دينها
ما يبتغي ذو الهمة المتعمل
شكر النبي لها وأطلق دعوة
صعدت كما شق الفضاء مجلجل
أطيب بتلك هدية يسعى بها
في الله ساع بالجلال مظلل
لو أنها وزنت بدنيا قيصر
رجحت وأين من الخضم الجدول؟
هي إن عييت بوصفها ما يجتنى
من نعمة الإسلام لا ما يؤكل
ما في جهادك أم زيد ريبة
نار الوغى احتدمت وأنت الجحفل
شرع سرابيل الحروب وما اكتسى
من سابغات الخير من يتسربل
المهاجرون في ضيافة الأنصار
يا معشر الأنصار هل لي عندكم
ناد يضم النابغين ومحفل
عندي لشاعركم تحية شاعر
يسم القوافي وسمه يتنخل
تنميه في دنيا البيان روائع
منها رواكد ما تريم وجفل
الثاويات على هدى من ربها
والسابحات السائحات الجول
شغلت بها الدنيا وما هي بالتي
تعنى بدنيا الجاهلين وتشغل
تأبى القرار بكل واد ممحل
وتحل بالوادي الذي لا يمحل
حسان أبلغ من يقول وليس لي
منه إذا ادعت المصاقع مقول
أنتم قضيتم للنبي ذمامه
ونصرتم الحق الذي لا يخذل
وصنعتم الصنع الجميل كرامة
لمهاجرين هم الفريق الأمثل
فعرفت موضعكم وكيف سما بكم
مجد لكم في المسلمين مؤثل
وأذعته نبأ لكم ما مثله
نبأ يذاع ولا حديث ينقل
القوم قوم الله ملء دياركم
وكأنهم بديارهم لم يرحلوا
الدين يعطف والسماحة تحتفي
والحب يرعى والمروءة تكفل
والله يشكر والنبي بغبطة
والشرك يصعق والضلالة تذهل
دين الهدى والحق في أعراسه
والجاهلية في المآتم تعول
إن هالها الحدث الذي نكبت به
فلسوف تنكب بالذي هو أهول
زولي معطلة العقول فمن قضى
أن البصائر والعقول تعطل؟
ألقي السلاح فما لخصمك دافع
ودعي الكفاح فما لجند موئل
أزرى بك الفشل المبرح وارتمى
بحماتك القدر الذي لا يفشل
السهل يصعب إن تواكلت القوى
والصعب إن مضت العزائم يسهل
أرسى المعافل مؤمن لا نفسه
تهفو ولا إيمانه يتزلزل
هذا النذير فإن أبيت سوى الذى
فالأرض بالدم لا محالة تغسل
علقت بمقتلها السهام وما عسى
يبقى الرمي إذا أصيب المقتل؟
الله أكبر كل زور ينقضي
مر السحاب وكل إفك يبطل
مسجد المدينة
المسجد الثاني يقام بيثرب
ومحمد الباني يجد ويعمل
عمار أنت لها وليس ببالغ
عليا المراتب من يكل ويكسل
إن يثقل العبء الذي حملته
فلما يحمل ذو التباعة أثقل
ماذا بلغت من السناء على يد
أدنى أناملها السماك الأعزل
مسحته ظهرا منك طال منيفه
حتى تمنى لو يكونك يذبل
هذا رسول الله في أصحابه
لا يشتكي نصبا ولا يتمهل
يأتي ويذهب بينهم فملثم
بالترب يغشى وجهه ومكلل
من كل قوام على أثقاله
سام له ظهر أشم وكلكل
ما كان أحسنها مقالة راجز
لو كان يعرف حكمها المتمثل
هتف الإمام بها فراح يعيدها
ثم انثنى متلطفا يتنصل
عمار يا لك إذ تلام ويا له
من ذي محافظة يلوم ويعذل
هجت ابن مظعون فأقبل غاضبا
حنقا يجيش كما يجيش المرجل
ولقد يحيد عن التراب إناقة
من لا يحيد عن الضراب وينكل
مهلا أبا اليقظان قرنك باسل
وأخوك في جد الوغى لا يهزل
ولئن أهاب الله يال محمد
صونوا الحمى لهو الأشد الأبسل
السيف يعجز أن ينال غراره
ما ليس يعجز أن ينال المعول
أبو بكر يؤدي ثمن الحائط الذي أدخل في المسجد
أراد النبي
صلى الله عليه وسلم
أن يضم إلى المسجد حائطا ليتيمين من الأنصار كانا في كفالة أسعد بن زرارة - وقيل معاذ بن عفراء - وهما سهل وسهيل، وقد عرض أبو أيوب الأنصاري أن يؤدي الثمن إليهما فأبى النبي، وابتاع الحائط بعشرة دنانير أديت من مال أبي بكر الصديق.
وقال الغلامان: نهبه لك يا رسول الله، فأبى وأراد رجال من الأنصار أن يعوضوهما عن الحائط فلم يكن سوى أداء الثمن.
وجاء أنه
صلى الله عليه وسلم
وضع اللبنة الأولى في المسجد، ثم دعا أبا بكر فوضع لبنته، وهكذا فعل عمر وعثمان بن عفان، وقيل إن المراد بذلك ترتيب الخلافة.
إيه أبا بكر ظفرت بصفقة
شتى مغانمها لمن يتأمل
القوم عند إبائهم وسخائهم
لو يبذلون نفوسهم لم يحفلوا
لا يقبلون لحائط ثمنا ولا
يبغونها دنيا تذم وترذل
الله يطلبه لنصرة دينه
والدين هم أنصاره ما بدلوا
قالوا أمنا يا محمد يبتغى
ما ليس يخلق بالأباة ويجمل؟
إنا لعمر الله نعرف حقه
ونعز منته التي نتملل
نعطي اليتيمين الكفاء وإن هما
أبيا ونتبع التي هي أنبل
خذ ما أدرت فلن نبيعك مسجدا
يدعوه فيه مكبر ومهلل
هو ربنا إن نالنا رضوانه
فلنا المثوبة والجزاء الأكمل
إيه أبا بكر خليلك مطرق
يأبى وأنت بما يريد موكل
لا بد من ثمن يكون أداؤه
حكما يطاع وشرعة ما تهمل
لولا الرسول وما يعلم قومه
جهل المحجة ظالم لا يعدل
وإذا قضى أمرا فما لقضائه
رد ولا في غيره متعلل
الحق ما شرع النبي وباطل
ما يدعي المرتاب والمتأول
لا بد من ثمن ولست بواجد
في القوم من يضح الصواب فيغفل
أمر الرسول به فدونك أده
ولأنت صاحبه الكريم المفضل
يا باذل الأموال نلت ببذلها
ما لم ينل في المسلمين ممول
أتبعت نفسك ما ملكت فمهجة
تنهال طيعة وكف تهطل
بلال يؤذن للصلاة
أذن بلال لك الولاية لم تتح
لسواك إذ تدعو الجموع فتقبل
الله ألبسك الكرامة واصطفى
لك ما يحب المؤمن المتوكل
يا طول ما عذبت فيه فلم تمل
تبغي التي اتبع الغواة الميل
أحد إلهك ما كذبت وما لمن
يرجو النجاة على سواه معول
أرني يديك أفيهما لأمية
ورد من الموت الذعاف مثمل؟
للسيف سيف الله أهول موقعا
من صخرة تلقى وحبل يفتل
لك في غد دمه إذا التقت الظبى
تحت العجاجة والرماح الذبل
أذن فإن الدين قام عموده
ورست جوانبه فما يتقلقل
هبط الجزيرة فاحتوى أطرافها
وانساب في أحشائها يتغلغل
فكأنما طرد السوائم ضيغم
وكأنما ذعر الحمائم أجدل •••
خف الرجال إلى الصلاة وإنها
لأجل ما تصف الصفوف المثل
عنت الوجوه فراكع متخشع
يخشى الإله وساجد متبتل
صلوا بني الإسلام خلف نبيكم
وخذوا بما شرع الكتاب المنزل
الله أيدكم به وأمدكم
منه بنور ساطع ما يأفل
آثرتم السنن السوى فجدكم
يعلو وجد ذوي العماية يسفل
هل يستوي الجمعان هذا صاعد
يبني وهذا ساقط يتهيل؟
يتألفون على الهوى وقلوبهم
شتى يظل شعاعها يتزيل
نصر على نصر وفتح بعده
فتح يغيظ المشركين محجل
إن امرأ جمحت به أهواؤه
من بعد ما وضح الهدى لمضلل
الحق باب الله هل من داخل
طوبى لمن يبغي الفلاح فيدخل
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
كانت المؤاخاة بعد بناء مسجد المدينة - وقيل وهو يبنى - وكان المراد منها إزالة الوحشة وشد الأزر في سبيل الدعوة الإسلامية، وكانت توجب أن يرث كل أخ أخاه دون ذوي الأرحام، فلما عز الإسلام وقويت شوكته أبطل هذا الحكم بقوله (تعالى):
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وكان نزول هذه الآية الشريفة في وقعة بدر، ولم يكن قد عمل بهذا الحكم قبل ذلك؛ وكانت المؤاخاة بعد الهجرة بخمسة أشهر، وقيل غير هذا.
عن زيد بن أبي أوفى قال: دخلت على رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في مسجد المدينة، فجعل يقول: «أين فلان، أين فلان؟». فلم يزل يتفقدهم ويبعث إليهم حتى اجتمعوا عنده فقال: «إني محدثكم بحديث فاحفظوه وعوه وحدثوا به من بعدكم، إن الله (تعالى) اصطفى من خلقه خلقا»، ثم قرأ:
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ، قال: «وإني أصطفي منكم من أحب أن أصطفيه وأوآخي بينكم كما آخى الله (تعالى) بين ملائكته؛ قم يا أبا بكر»، فقام فجثا بين يديه الشريفتين؛ فقال: «إن لك عندي يدا الله يجزيك بها، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذتك، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي» وحرك قميصه بيده، ثم قال: «ادن يا عمر»؛ فدنا فقال: «قد كنت شديد البأس علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز بك الدين أو بأبي جهل، ففعل الله ذلك بك، وكنت أحبهما إلى الله، فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة»، وآخى بين المهاجرين والأنصار فجعلهم أخوين أخوين.
وكانوا خمسين من هؤلاء ومثلهم من هؤلاء، وقيل: كانوا تسعين؛ وكانت المؤاخاة في دار أنس بن مالك، وهي دار أبي طلحة زوج أم أنس ، واسمه زيد بن سهل.
هي الأواصر أدناها الدم الجاري
فلا محالة من حب وإيثار
الأسرة اجتمعت في الدار واحدة
حييت من أسرة بوركت من دار
مشى بها من رسول الله خير أب
يدعو البنين فلبوا غير أغمار
تأكد العهد مما ضم ألفتهم
واستحصد الحبل من شد وإمرار
كل له من سراة المسلمين أخ
يحمي الذمار ويرعى حرمة الجار
يطوف منه بحق ليس يمنعه
وليس يعطيه إن أعطى بمقدار
يجود بالدم والآجال ذاهلة
ويبذل المال في يسر وإعسار
هم الجماعة إلا أنهم برزوا
في صورة الفرد فانظر قدرة الباري
صاح النبي بهم كونوا سواسية
يا عصبة الله من صحب وأنصار
هذا هو الدين لا ما هاج من فتن
بين القبائل دين الجهل والعار
ردوا الحياة فما أشهى مواردها
دنيا صفت بعد أقذاء وأكدار
الجاهلية سم ناقع وأذى
تشقى النفوس بداء منه ضرار
تأهبوا إن دينا قام قائمه
يومي إليكم بآمال وأوطار
أما ترون رياح الشرك عاصفة
تطغى على أمم شتى وأقطار؟
لن أترك الناس فوضى في عقائدهم
ولن أسالم منهم كل جبار
أكلما ملك الأقوام مالكهم
رمى الضعاف بأنياب وأظفار؟
الشر غطى أديم الأرض فارتكست
أقطارها بين آثام وأوزار
أخفى محاسنها الكبرى فكيف بكم
إذا تكشف عن وجه لها عار؟
لأنزلن ذوي الطغيان منزلة
تستفرغ الكبر من هام وأبصار
ظنوا الضعاف عبيدا بئس ما زعموا
هل يخلق الله قوما غير أحرار؟
ما غرهم إذ أطاعوا أمر جاهلهم
بواحد غالب السلطان قهار؟
يرمي العروش إذا استعصت ويبعثها
مبثوثة في جناحي عاصف ذار
بعثت بالحق يهدي الجامحين كما
يهدي الحيارى شعاع الكوكب الساري
أدعو إلى الله بالآيات واضحة
تهدي الغوي وتنهى كل كفار
فمن أبى فدعائي كل ذي شطب
ماضي الرسالة في الهامات بتار
الله أكبر هل في الحق معتبة
لمستخف بعهد الله غدار؟
ألم يكن أخذ الميثاق من قدم
فما المقام على كفر وإنكار؟
إن الألى اتخذوا الأصنام آلهة
على شفا جرف من أمرهم هار
يستكبرون على من لا شريك له
ويسجدون على هون لأحجار
راحوا يجلونها من سوء ما اعتقدوا
والله أولى بإجلال وإكبار
لكل قوم إله يؤمنون به
ما يبغي الله من إيمان فجار؟
النار أعظم سلطانا ومقدرة
في رأي عبادها أم خالق النار؟
سبحانه من إله شأنه جلل
يهدي النفوس بآيات وآثار
لأكشفن عن الأبصار إذ عميت
ما أسدل الجهل من حجب وأستار
ما للسراحين بد من مصارعها
إذا انتضت سطوات الضيغم الضاري
ضموا القوى إنها دنيا الجهاد بدت
أشراطها وتراءى زندها الواري
لا بد من غارة للحق باسلة
وجحفل من جنود الله جرار
خير الذخائر أبقاها ولن تجدوا
كالعهد يرعاه أخيار لأخيار
لا تنقضوا العهد إن الله منزله
على لسان رسول منه مختار
قالوا عليك صلاة الله إن بنا
ما الله يعلم من عزم وإصرار
آخيت بين رجال يصدقون إذا
زلت قوى كل خداع وختار
جنود ربك إن قلت اعصفوا عصفوا
يرمون في الحرب إعصارا بإعصار
من كل منغمس في النفس مرتجس
وكل منبجس بالبأس فوار
اليهود والمنافقون
لما آخى النبي
صلى الله عليه وسلم
بين المهاجرين والأنصار دعا اليهود وصالحهم على ترك الحرب والأذى؛ لا يحاربهم ولا يؤذيهم، ولا يعينون عليه أحدا، وإن دهمه العدو ينصرونه، ثم أقرهم على دينهم وأموالهم، فلما انتشر الإسلام كرهوا ذلك فانتقضوا، وفي ذلك نزل قوله (تعالى):
قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ، ولما نزلت:
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا
الآية، قال قائلهم - حيي بن أخطب في رواية: يستقرضنا ربنا، وإنما يستقرض الفقير الغني، فأنزل الله (تعالى):
لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء
الآية، وكانوا يسألون النبي عن الروح ويقولون له: مم خلق الله؟ انسب لنا ربك! يريدون تعجيزه وإثارته.
وكان من عظمائهم وأحبارهم حيي، وأبو ياسر، وجدي بنو أخطب، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع، وكعب بن الأشرف، وعبد الله بن صوريا، ولبيد بن الأعصم، وشاس بن قيس، وعبد الله بن سلام؛ وكان حيي بن أخطب عظيم بني النضير، وهو أبو السيدة صفية أم المؤمنين (رضي الله عنها)، كانت من سبايا النبي في غزوة خيبر بعد قتل أبيها وزوجها كنانة بن الربيع، جعلها النبي عند أم سليم - أم أنس - حتى اهتدت وأسلمت، ثم أعتقها وتزوجها، وقد انضم المنافقون من أهل المدينة إلى اليهود، وكان عبد الله بن أبي بن سلول كبيرهم، كان من أعظم أشراف أهل المدينة، وكانوا يريدون تتويجه ملكا عليهم، فلما ظهر الحق على يد الرسول الكريم خاب أمله، وعظم غيظه وحقده.
والمنافقون قوم من اليهود دخلوا في الإسلام لما قوي أمره خشية القتل، وبقي هواهم مع قومهم.
دعا فأجابوا والقلوب صوادف
وقالوا استقمنا والهوى متجانف
مضى العهد لا حرب تقام ولا أذى
يرام ولا بغي عن الحق صارف
لهم دمهم والدين والمال ما وفوا
فإن غدروا فالسيف واف مساعف
سياسة من لا يخدع القول رأيه
ولا يزدهيه باطل منه زائف
رسول له من حكمة الوحي عاصم
ومن نوره في ظلمة الرأي كاشف
يسالم من أحبارهم وسراتهم
رجالا لهم في السلم رأي مخالف
يغيظهم الإسلام حتى كأنما
هو الموت أو عاد من الخطب جارف
إذا هتف الداعي به اهتاج ناقم
وأعول محزون وأجفل خائف
إذا ما تردى في الضلالة جاهل
فما عذر من يأبى الهدى وهو عارف؟
يقولون قول الزور لا علم عندنا
كفى القوم علما ما تضم المصاحف
لهم من سنا التوراة هاد وللعمى
ركام على أبصارهم متكاثف
دنا الحق من بهتانهم ورمى بهم
إلى الأمد الأقصى هوى متقاذف
عنا ابن أبي من هوى التاج لاعج
وطاف به من نشوة الملك طائف
جرى راكضا ملء العنانين فانتحى
له قدر ألقى به وهو راسف
فما مثله في مشهد الإفك فارح
ولا مثله في مشهد الحق آسف
ظنون يعفيها اليقين ودولة
من الوهم تذروها الرياح العواصف
يهيب بأضغان اليهود يشبها
عداوة قوم شرهم متضاعف
وما برح الحبر السمين يغرهم
ويأكل من أموالهم ما يصادف
أعدوا له المرعى فراح مهبلا
كظنك بالخنزير واتاه عالف
ينوء بجنبيه ويرتج ماشيا
إذا اضطربت منه الشوى والروانف
رماهم بها عمياء لم يرم معشرا
بأمثالها أحبارهم والأساقف
فقالوا غوى ابن الصلت وانفض جمعهم
يريدون كعبا وهو خزيان كاسف
رمى الصادق الهادي لفيفة نفسه
بصادعة تنشق منها اللفائف
فأما لبيد فاستعان بسحره
رويدا أخا هارون تلك الطرائف
أعندك أن السحر لله غالب
تأمل لبيد أي مهوى تشارف
وشاس بن قيس هاجها جاهلية
تطير لذكراها الحلوم الرواجف
يقلب بين الأوس والخزرج الثرى
وقد وشجت فيه العروق العواطف
يذكرهم يوم البعاث وما جنت
رقاق المواضي والرماح الرواعف
غلت نخوات القوم مما استفزهم
وراجعهم من عازب الرأي سالف
وخفوا يريدون القتال فردهم
نبي يرد الشر والشر زاحف
دعاهم إلى الحسنى فأقبل بعضهم
يعانق بعضا والدموع ذوارف
أتى ابن سلام يؤثر الحق ملة
وينظر ما تأتي النفوس العوازف
تسلل يستخفي وأقبل قومه
وللؤم منهم ما تضم الملاحف
فقيل اشهدوا قالوا عرفناه سيدا
تجل مساعيه وتعلو المواقف
هو المرء لا نأبى من الدين ما ارتضى
ولا ندع الأمر الذي هو آلف
فلما رأوه خارجا ينطق التي
هي الحق قالوا عاثر الرأي عاسف
ظننا به خيرا ولا خير في امرئ
أبوه أبو سوء على الشر عاكف
ظلمناه لم يوصف بما هو أهله
فماذا له إن أخطأ الرشد واصف؟
تراموا بألقاب إذا ما تتابعت
تتابع شؤبوب من الذم واكف
أهاب أبو أيوب ردوا حلومكم
أعند رسول الله تلقى المآزف
وقال الرسول استشعروا الحلم إنما
يسود ويستعلي الحليم الملاطف
أتؤذون عبد الله أن يتبع الهدى؟
فيا ويحه من مؤمن ما يقارف؟
أهذا هو العهد الذي كان بيننا؟
أهذا الذي يجني العقيد المحالف؟
تولوا غضابا ما تثوب نفوسهم
ولا ترعوي أحقادهم والكتائف
يذيعون مكروه الحديث وما عسى
يقولون والفرقان بالحق هاتف
إذا بعثوا من باطل القول فتنة
تلقفها من صادق الوحي خاطف
يشايعهم في القوم كل منافق
إلى كل ذي مشنوءة هو دالف
شديد الأذى يبدي من القول زخرفا
وكالسم منه ما تواري الزخارف
زحالف سوء ما يكف دبيبها
وأهون شيء أن تدب الزحالف
أقاموا على ظلم كأن لم يكن لهم
من العدل يوما لا محالة آزف
لكل أناس يعكفون على الأذى
معاطب من أخلاقهم ومتالف
رويد يهود هل لها في حصونها
من البأس إلا ما تظن السلاحف؟
يظنون أن لن ينسف الله ما بنوا
ولن يثبت البنيان والله ناسف
سيلقون بؤسا بعد أمن ونعمة
فلا العيش فياح ولا الظل وارف
غزوة بدر الكبرى
كان عدد الغزوات ثلاثين غزوة، شهد النبي
صلى الله عليه وسلم
تسعا وعشرين منها، وغاب عن واحدة، هي غزوة مؤتة، فأما التي شهدها فهي: غزوة ودان - العشيرة - سفوان - بدر الكبرى - بني سليم - بني قينقاع - السويق - قرقرة الكدر - ذي أمر - بحران - أحد - حمراء الأسد - بني النضير - ذات الرقاع - بدر الآخرة - دومة الجندل - بني المصطلق - الخندق - بني قريظة - بني لحيان - ذي قرد، الحديبية - خيبر - وادي القرى - عمرة القضاء - حنين - الطائف - تبوك - فتح مكة، وقد استنثنى الناظم من هذه الغزوات ما لا مجال فيه للقول.
كان خروج المسلمين لغزوة بدر يوم السبت (الثاني عشر من رمضان)، وهو الشهر التاسع عشر بعد الهجرة، وكان عددهم 313، وقيل 314، وقيل 315 رجلا، وكان عدد الكفار 950، وقيل ألفا، قتل منهم 70، وأسر 70 رجلا، فأما المسلمون فقد استشهد منهم 14 رجلا؛ ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
ما للنفوس إلى العماية تجنح؟
أتظن أن السيف عنها يصفح؟
داويت بالحسنى فلج فسادها
ولديك إن شئت الدواء الأصلح
الإذن جاء فقل لقومك أقبلوا
بالبيض تبرق والصوافن تضبح
أفيطمع الكفار ألا يؤخذوا؟
بل غرهم حلم يمد ويفسح
أمنوا نكالك فاستبد طغاتهم
أفكنت إذ تزجي الزواجر تمزح؟
لا يستحون ولو تأذن ربهم
عرفوا اليقين وأوشكوا أن يستحوا
أملى لهم حتى إذا بلغوا المدى
ألوى بهم خطب يجل ويفدح
من ناقض عهدا ومن متمرد
يمسي على دين الغواة ويصبح
لما استقام الأمر لاح بشيرها
غر سوافر من جبينك تلمح
ظمئت سيوفك يا محمد فاسقها
من خير ما تسقى السيوف وتنضح
فجر ينابيع الفتوح فريها
ما تستبيح من البلاد وتفتح
الظلم أوردها الغليل وإنه
لأشد ما تجد السيوف وأبرح
اليوم توردها الدماء فترتوي
وتردها نشوى المتون فتفرح
المشركون عموا وأنت موكل
بالشرك يمحى والعماية تمسح
خذهم ببأسك لا ترعك جموعهم
فلأنت إن وزنوا الكتائب أرجح
ضلوا السبيل وفي يمينك ساطع
يهدي النفوس إلى التي هي أوضح
هفت العشيرة إذ نهضت تريدها
والعير دائبة تشط وتنزح
تمشي مواقر في غواربها العلى
أموال مكة فهي ميل جنح
عد باللواء وقل لحمزة إنهم
رهن بمرزمة تسح وتدلح
تهوي غداة الروع في طوفانها
مهج الفوارس والمنايا تسبح
هذا الفتى الفهري أقبل جامحا
يغزو المدينة والمضلل يجمح
ولى يسوق السرح لو لم توله
سعة لضاق به الفضاء الأفيح
دعه فإن له بمكة مشهدا
يرضيك والشهداء حولك تطرح
ذهب ابن حرب في تجارة قومه
ولسوف يعلم من يفوز ويربح
نسر مضى متصيدا ووراءه
يوم تصاد به النسور وتذبح
بينا يحيد عن السهام أصابه
نبأ تصاب به السهام فتجرح
بعث ابن عمرو ما لكم من قوة
إن مالكم أمسى يلم ويكسح
واها قريش إنه الدم فاعلموا
من دون بيضكم يراق ويسفح
تردون برد الأمن والنار التي
أنتم لها حطب تشب وتقدح
إن كنت لم أفصح لخطب هالني
فسلوا بعيري إنه هو أفصح
وخذوا النصيحة عن قميصي إنه
لأجل من يعظ النيام وينصح
إني صدقتكم البلاغ لتعلموا
وجبال مكة شهد والأبطح
جفلت نفوس القوم حتى ما لها
لجم ترد ولا مقاود تكبح
وأبى أبو لهب مخافة ما رأت
في النوم عاتكة فما يتزحزح
وأرى أمية لو تأخر حينه
لرآه عقبة ثاويا ما يبرح
يرميه بالهذر القبيح يلومه
ويسومه الخلق الذي هو أقبح
غشاه سعد روعة ما بعدها
لذوي المخافة في السلامة مطمح
نفروا يريدون القتال وغرهم
عبث اللواتي في الهوادج تنبح
غنت بهجو المسلمين وإنها
لأضل من يهجو الرجال ويمدح
الضاربات على الدفوف فإن هم
ضربوا الطلى فالنادبات النوح
تلك المآتم ما تزال ثقالها
تمشي الوئيد بها المطايا الطلح
أخذوا السلاح وقد أغار لأخذهم
جند بآيات الكتاب مسلح
فيهم من الأنصار كل مشيع
يمضي إذا نكص اليراع الزمح
كانوا على عهد مضى فأتمه
لإلههم عهد أبر وأسمح
سعد يهيب بهم وسعد قائم
تحت اللواء بسيفه يتوشح
ما أصدق المقداد حين يقولها
حرى وبعض القول نار تلفح
إنا وراءك يا محمد نبتغي
ما الله يعطي المتقين ويمنح
لسنا بقوم أخيك موسى إذ أبوا
إلا القعود وسبة ما تضرح
هذا علي في اللواء ومصعب
والنصر في عطفيهما يترنح
حملا لوائيه فلو صدح الهدى
في مشهد جلل لأقبل يصدح
هذا رسول الله من يك مؤمنا
فإليه إن طريده لا يفلح
الموت في يده وعند لوائه
ريح الجنان لمن دنا يستروح
إن يملك الماء العدو فقد همى
سيل جرى شؤبوبه يتبطح
هي دعوة الهادي الأمين ونفخة
ممن يسوق الغيث فيما ينفح
مكر الحباب بهم فغور ماءهم
والمكر في بعض المواطن أنجح
نبئ عمير سراة قومك إنهم
زعموا المزاعم والحقائق أروح
نبئهم الخبر اليقين وصف لهم
بأس الألى جمعوا لهم وتبجحوا
واذكر سميك إذ يقول محمد
إرجع عمير فدمعه يتسحح
أذن النبي له فأشرق وجهه
ولقد يرى وهو الأحم الأكفح
بطل من الفتيان يحمل في الوغى
ما يحمل البطل الضليع فيرزح
قل يا حكيم فما بعتبة ريبة
مولى العشيرة للمهم يرشح
نصح الرجال فردهم عن نصحه
نشوان يملأه الغرور فيطفح
رب اسقه بيد النبي منية
بعذابك الأوفى تشاب وتجدح
إيه أبا جهل نصرت بفارس
يلقى المنية منه أغلب شيح
أرداه حمزة عند حوض محمد
فانظر أتقدم أم تحيد وتكفح
رام الورود فما انثنى حتى ارتوت
من حوض مهجته المنايا القمح
جد البلاء وهب إعصار الردى
يرمي بأبطال الوغى ويطوح
نظر النبي فضج يدعو ربه
لاهم نصرك إننا لك نكدح
تلك العصابة ما لدينك غيرها
إن شد عاد أو أغار مجلح
لولا تقيم بناءه وتحوطه
لعفا كما تعفو الطلول وتمصح
لاهم إن تهلك فما لك عابد
يغدو على الغبراء أو يتروح
جاشت حميته وقام خليله
دون العريش يذود عنه وينضح
وتغولت صور القتال فأقبلا
والأرض من حوليهما تترجح
في غمرة ضمن الحفاظ لقاحها
فالحرب تسدح بالكماة وتردح
إستبق نفسك يا أبا بكر وقف
إن ضج من دمك الزكي مصيح
أعرض عن ابنك إن موتك للذي
حمل الحياة إلى الشعوب لمترح
صلى عليه الله حين يقولها
والحرب تعصف والفوارس تكلح
الله لا ولد أحب ولا أب
منه فأين النتأى والمنزح؟
أفما رأيت أبا عبيدة ثائرا
وأبوه في يده يتل ويسطح
بطل تخطر أم تخطر مصعب
صلب القرا ضخم السنام مكبح؟
أرأيت إذ هزم النبي جموعهم
فكأنما هزم البغاث المضرح؟
هي حفنة للمشركين من الحصى
خف الوقور لها وطاش المرجح
مثل الثميلة من مجاجة نافث
وكأنما هي صيب يتبذح
الله أرسل في السحاب كتيبة
تهفو كما هفت البروق اللمح
تهوي مجلجلة تلهب أعين
منها وتقذف بالعواصف أجنح
للخيل حمحمة تراع لهولها
صيد الفوارس والعتاق القرح
حيزوم أقدم إنما هي كرة
عجلى تجاذبك العنان فتمرح
جبريل يضرب والملائك حوله
صف ترض به الصفوف وترضح
تلك الحصون المانعات بمثلها
تذري المعاقل والحصون وتذرح
للقوم من أعناقهم وبنانهم
نار تريك الداء كيف يبرح
جفت جذور الجاهلية والتوى
هذا النبات الناضر المسترشح
طفق الثرى من حولها لما ارتوى
من ذوب مهجتها يجف ويبلح
ومن الدم المسفوح رجس موبق
ومطهر يلد الحياة ويلقح
أودى بعتبة والوليد وشيبة
وأمية القدر الذي لا يدرح
وهو أبو جهل ونوفل وارعوى
بعد اللجاج الفاحش المتوقح
لما رأى الغازي المظفر رأسه
أهوى يكبر ساجدا ويسبح
في جلده من رجز ربك آية
عجب تفسر للبيب وتشرح
تلك السطور السود ضم كتابها
أبهى وأجمل ما يرى المتصفح
إن لم يغيب في جهنم بعدها
فلمن سواه في جهنم يضرح
أدركت حقك يا بلال فبوركت
يدك التي تركت أمية يشبح
واف المطار ووال يا ابن رواحة
زجل الحمام إذا يطير ويسجح
هذا ابن حارثة يطوف مبشرا
بالنصر يخزي الكافرين ويفضح
لما تردد في البلاد صداكما
أمست قلوب المسلمين تروح
فكأن كلا معرس وكأنما
منه ومنك مهنئ ومرفح
قل يا أبا سفيان غير ملوح
فالنصر يخطب والسويف تصرح
بيض على بلق تساقط حولها
سود مذممة تساف وترمح
ذهبوا وأخلفهم رجاء زلزلوا
فيه فزال كما يزول الضحضح
أكذاك تختلف الزروع فناضر
ضافي الظلال وذابل يتصوح
القوم غاظهم الصحيح فزيفوا
ومن الأمور مزيف ومصحح
خطأ الزمان فشا فلذ بصوابه
وانظر كتاب الخلق كيف ينقح
جاء الإمام العبقري يقيمها
سننا مبينة لمن يستوضح
مصر أبي جهل
ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعوذ بن عفراء من الأنصار، وأجهز عليه ابن مسعود، وكان سيف ابن مسعود كليلا، فقال له أبو جهل: خذ سيفي فاحتز رأسي به، ففعل، وقال له وهو يعلو صدره ليحز رأسه: لقد ارتقيت يا رويعي الغنمك مرتقى صعبا، لو غير أكار قتلني (الأكار الزراع، وكان الأنصار أهل زرع)، وقد أعطاه النبي
صلى الله عليه وسلم
سيفه.
بسيفك فيما اخترت من عاجل القتل
سقيت ذعاف الموت فاشرب أبا جهل
هو السيف لولا الجبن لم يمض حده
ولم يرض في جد الكريهة بالهزل
شهدت الوغى تبغي على الضعف راحة
لنفسك من حقد مذيب ومن غل
أفرعون إن تجهل فلن تجهل الوغى
فراعينها من ذي شباب ومن كهل
أصابك فيها ما أصابك من أذى
وفاتك ما نال الرويعي من فضل
رماك معاذ قبله ومعوذ
وجاءك مشبوبا حميته تغلي
سقى السيف عفوا من دم لك طيع
فمن مرتقى صعب إلى مستقى سهل
دع الهزل يا ابن الحنظلية إنه
هو الجد كل الجد لو كنت ذا عقل
هي اللات والعزى أضلتك هذه
وزادتك هذي من ضلال ومن خبل
مضى جارك المأفون خزيان وانقضت
حبالك فانظر هل ترى الآن من حبل
لقد كنت ترجو أن ترى الهبل الذي
رضيت به ربا يفوز ويستعلي
أصبت ابن مسعود سناء ورفعة
وباء عدو الله بالخزي والذل
فخذ سيفه ثم ارفع الصوت شاكرا
فما بعد ما أعطاك ربك من سؤل
صدى الوقعة في مكة
لما ترامت أنباء الوقعة إلى مكة فرح المسلمون كثيرا، وحزن المشركون حزنا شديدا، فأقيمت المآتم وجز النساء شعورهن، وكان ممن عاد إليها من بدر أبو سفيان بن الحارث بن هشام - وقد تقدم ذكره في الملحمة الحائية، فلما أنبأ عمه أبا لهب بما رأى وقال: لقينا رجالا بيضا على خيل بلق، قال أبو رافع مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم : تلك والله الملائكة، فضربه أبو لهب في وجهه ضربة شديدة، ثم احتمله وضرب به الأرض وبرك عليه، فأخذت السيدة (لبابة) عمودا فضربت به رأسه فشجته شجة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب سيده! فولى ذليلا، ولم يعش بعد هذه الضربة سوى سبع ليال ثم مات.
وضح اليقين لمن يرى أو يسمع
ولقلما تجدي الظنون وتنفع
النصر حق والمنبئ صادق
والويل للمغرور ماذا يصنع؟
إخشع أبا لهب فإن تك ذا عمى
فجبال مكة والأباطح خشع
مولى رسول الله يضرب ما جنى
ذنبا ولم يك كاذبا يتشيع
هي يا أبا لهب كتائب ربه
نزلت تذل الكافرين وتقمع
أخذت لبابة للضعيف بحقه
ومضى الجزاء فأنت عان موجع
وشفته منك بضربة ما أقلعت
حتى رمتك بعلة ما تقلع
قالت بغيت عليه واستضعفته
أن غاب سيده وعز المفزع؟
ما بالعمود ولا برأسك ريبة
إن الغوي بمثل ذلك يردع
حييت أم الفضل تلك فضيلة
فيها لك الشرف الأعز الأمنع
الله أهلكه بداء ما له
شاف ولا فيه لآس مطمع
تمضي البشائر جولا وتجول في
دمه السموم فجلده يتمزع
أمسى المكاثر بالرجال مبغضا
يجفى على قرب المزار ويقطع
أكلته صاعقة العمود وإنما
أكلته سبع بعد ذلك جوع
هم غادوره ثلاثة في داره
لا الدار تلفظه ولا هو ينزع
رجموه لو كره السفاهة فارعوى
ما ساء مهلكه وهال المصرع
ما أكثر الباكين ملء جفونهم
للجمع بالبيض البواتر يصدع
جز النساء شعورهن وغودرت
للحزن منهن الدموع الهمع
رجعن مكروه العويل على أسى
والبيت يشدو والحطيم يرجع
والمسلمون بنعمة من ربهم
فيها لكل موحد مستمتع
الله أكبر لا مرد لحكمه
هو ربنا وإليه منا المرجع
سواد بن غزية
حليف بني النجار
كان من أفراد الجيش في هذه الغزوة، فرآه النبي
صلى الله عليه وسلم
خارجا عن الصف وهو يعدل الصفوف، وكان بيده سهم فطعنه به في بطنه، وقال له: «استو يا سواد»، فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل، فأعطني القصاص، فكشف الرسول الكريم عن بطنه، وقال: «استقد» (أي خذ قودك وهو القصاص)، فاعتنقه سواد وقبل بطنه الشريف.
يوم بدر وأنت أعلى مقاما
إن ذكرنا من بعدك الأياما
ما ذكرنا بك القواضب يقظى
أنت أيقظتها شعوبا نياما
غرقت في الظلام لا تحسب البغ
ي ذميما ولا الفسوق حراما
تكره العدل في الحقوق وترضى
حين يأبى ساداتها أن يقاما
استقم يا سواد في الصف واعلم
أن للجيش في الحروب نظاما
يا لها يا سواد طعنة سهم
صادفت منك أريحيا هماما
لو يريد الأذى بها لم تطقها
من يعاف الأذى ويأبى العراما
عدل الصف فاستوى وقضى الأ
مر على شرعة الهدى فاستقاما
إنها شرعة لربك يمضيها فته
دي الشعوب والأقواما
تمنع المرء ذا البراءة أن يؤ
ذى وتحمي الضعيف من أن يضاما
وتريه القوي يذعن للحق
ويبغي بجانبيه اعتصاما
قلت أوجعتني وقد جئت
بالحق وبالعدل رحمة وسلاما
القصاص القصاص إني أراه
يا إمام الهداة أمرا لزاما
قال هذا بطني لبطنك كفؤ
فاستقد إن للضعيف ذماما
طابت النفس يا «سواد» وعاد الآ
ن بردا ما كان منها ضراما
واعتنقت الرسول بعد شكاة
فاعتنقت الخلال غرا وساما
وابتدرت البطن المطهر لثما
فابتدرت الخيرات شتى عظاما
ها هنا العدل والسماحة والإحس
ان أعظم بذا المقام مقاما
أدب الله عبده وهداه
واصطفاه للمتقين إماما
أي دين كدينه في علاه
أي قوم كالمسلمين القدامى
أرأيت الضعاف في كل أرض
كيف أمسوا للأقوياء طعاما؟
حرموا الطيبات بغيا وظلما
واستحلوا الذنوب والآثاما
رب إن شئت للشعوب حياة
فابعث المسلمين والإسلاما
ابعث النور في الممالك يهدي
كل شعب غوى ويمحو الظلاما
أصحاب القليب
كانوا أربعة وعشرين رجلا؛ هم: عتبة بن ربيعة، أمية بن خلف، أبو جهل بن هشام، عبيدة والعاص ولدا أبي أحيحة، سعيد بن العاص بن أمية، حنظلة بن أبي سفيان، الوليد بن عتبة، الحارث بن عامر، طعيمة بن عدي، نوفل بن عبد، زمعة وعقيل ابنا الأسود، العاص بن هشام أخو أبي جهل، أبو قيس بن الوليد، نبيه ومنبه ابنا الحجاج السهمي، علي بن أمية بن خلف، عمرو بن عثمان عم طلحة أحد العشرة، مسعود بن أبي أمية أخو أم سلمة، قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزومي، الأسود بن عبد الأسد أخو أبي سلمة، أبو العاص بن قيس بن عدي السهمي، أمية بن رفاعة.
أمر النبي
صلى الله عليه وسلم
بهم فألقوا في القليب، إلا أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا به ليحركوه فتزايل - تقطعت أوصاله - فألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة؛ فهم أربعة وعشرون إذا استثنيناه، جاء النبي إلى القليب بعد ثلاثة أيام ثم وقف على شفيره وأخذ ينادي زعماءهم بأسمائهم ويقول: «هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا، فإني وجدت ما وعدني الله حقا»، وفي رواية أنه قال لهم: «بئس عشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس».
جلس عمير الجمحي مع صفوان بن أمية بن خلف بالحجر فتذاكرا ما أصاب قريشا يوم بدر، وذكرا أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله ما في العيش خير بعدهم، فقال عمير: صدقت، أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لكنت آتي محمدا حتى أقتله، وإن لي فيهم علة؛ ابني أسير في أيديهم.
فاغتنمها صفوان وقال له: علي دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، فتعاقدا على ذلك، وأخذ عمير سيفه فشحذه وسمه، ثم انطلق حتى قدم المدينة، ودخل به عمر على النبي وهو آخذ بحمالة سيفه في عنقه، فقال
صلى الله عليه وسلم : «أرسله يا عمر، ادن يا عمير، ما الذي جاء بك؟» قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم؛ يعني ولده وهبا، قال: «فما بال السيف؟» قال: وهل أغنت السيوف عنا شيئا؟ قال النبي: «بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر» وذكر له ما كان بينهما، فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، الحمد لله الذي هداني للإسلام.
قال النبي لأصحابه حين أسلم عمير: «فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره»، ففعلوا وأسلم ابنه، رضي الله عنهما.
كان صفوان يقول لأهل مكة بعد خروج عمير إلى المدينة: أبشروا بوقعة تنسيكم وقعة بدر.
أسلم صفوان (رضي الله عنه) عند تقسيم غنائم حنين بالجعرانة، حين أعطاه النبي
صلى الله عليه وسلم
واديا مملوءا من النعم، وكان يسمى سيد البطحاء.
تلك عقبى البغي فانظر كيف عادا؟
يا له من مصعب ألقى القيادا
أرأيت القوم شرا وأذى؟
ورأيت القوم نارا ورمادا؟
غيبوا في حفرة مسجورة
تخمد الدنيا وتزداد اتقادا
ملئت رعبا وزيدت روعة
من عذاب كان ضعفا ثم زادا
قف عليها وتبين ما بها
هل ترى إلا انتفاضا وارتعادا؟
يا لهم إذ زعموا أصنامهم
تعجز الله كفاحا وجلادا
جل ربي لم يغادر بأسه
أنفسا منهم ولم يترك عتادا
خاصموا الله وعادوا جنده
وأرى الأصنام أولى أن تعادى
هي غرتهم فضلوا وعتوا
واستحبوا الكفر بغيا وعنادا
حلقوا بالأمس في طغيانهم
ثم بادوا في مهاويه وبادا
عظة في الترب كانت فتنة
وعذاب كان شرا وفسادا •••
كل هنيئا من قليب قرم
يبلع الكفار مثنى وفرادى
طال منك الصوم واشتد الطوى
فخذ القوم التهاما وازدرادا
جربوا الحرب وجاءوا فلقوا
غمما جلى وأهوالا شدادا
سمعوا الصوت وما من ناطق
يخبر السائل منهم حين نادى
يا رسول الله هم في شأنهم
غمرة تطغى وبلوى تتمادى
صدق الوعد فكل موقن
يا له منهم يقينا لو أفادا
أنكروا الحق وراموا غيره
فكأن الله لا يجزي العبادا
هكذا من يعبد الطاغوت لا
يتقي ربا ولا يرجو معادا
جل ربي وتعالى إنه
بالغ من كل أمر ما أرادا
إرفعي يا دولة الحق العمادا
وأقيمي يا طواغيت الحداد
أي حق ذل في سلطانه؟
أي زور عز في الدنيا وسادا؟
إن لله سيوفا خذما
وجنودا لا يملون الجهادا
بعث الأسطول في آياته
جائلا يعيي الأساطيل اصطيادا
قوة أرسلها من أمره
تفتح الدنيا وتحتل البلادا
إن كل الخير يا صفوان في
مهلك القوم فلا تعد الرشادا
دع عميرا لا تهجه واتئد
إن للعاقل في الأمر اتئادا
أخذ السيف صقيلا مرهفا
يأخذ الأبطال والبيض الحدادا
ظل يسقيه وما أدراه هل
كان سما ما سقاه أم شهادا؟
كره الحق فلما جاءه
نبذ الحقد واصفاه الودادا
من حديث أنبأ الله به
خير من حدث عنه فأجادا
قال أسلمت لربي وكفى
بالسبيل السمح دينا واعتقادا
إقرأ القرآن واتبع هديه
يا عمير الخير إن ذو الغي حادا
إنه النور الذي يجلو العمى
إنه السر الذي يحيي الجمادا •••
أين يا صفوان ما أملته؟
أين ما حدثت تستهوي السوادا؟
يا لها داهية طارت بها
أعقب الجو وقد كانت نآدا
لا تظن الجود دينا يشترى
سترى الجود المصفى والجوادا
ستراه واديا من نعم
يعجز الآمال سعيا وارتيادا
هو من فيض العباب المرتمى
يتقصى الأرض مدا واطرادا
الرسول السمح والمولى الذي
يسع الأجيال برا وافتقادا
إقترح ما شئت واطمع لا تخف
من ندى كفيه نقصا أو نفادا
حبذا الموئل فيما تتقي
من أذى الدهر وما أعلى المصادا
سبب لله من يعلق به
لم يخف ضيما ولم يخش اضطهادا
شهداء بدر (رضي الله عنهم)
استشهد من المسلمين في هذه الوقعة المباركة أربعة عشر مجاهدا؛ ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، فالأولون هم: عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، مهجع مولى عمر بن الخطاب، عمير بن أبي وقاص، عاقل بن بكير الليثي، صفوان بن بيضاء الفهري، ذو الشمالين عمير، وقيل الحارث، وقيل عمرو بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، وأما الأنصار فهم: عوف بن عفراء، وأخوه شقيقه معوذ بن عفراء، وحارثة بن سراقة، ويزيد بن الحارث بن قيس بن مالك، ورافع بن المعلى، وعمير بن الحمام بن الجموح، سعد بن خيثمة، مبشر بن عبد المنذر، رضي الله عنهم أجمعين.
طف بالمصارع واستمع نجواها
والثم بأفياء الجنان ثراها
ضاع الشذى القدسي في جنباتها
فانشق وصف للمؤمنين شذاها
حلل يروع جلالها ومنازل
من نور رب العالمين سناها
ضمت حماة الحق ما عرف امرؤ
عزا لهم من دونه أو جاها
الطالعين به على أعدائه
موتا إذا نشروا الجنود طواها
الخائضين من الخطوب غمارها
المصطلين من الحروب لظاها
الباذلين لدى الفداء نفوسهم
يبغون عند إلههم محياها
ما آثروا في الأرض إلا دينه
دينا ولا عبدوا سواه إلها
سلكوا السبيل مسددين تضيئه
آي المفصل يتبعون هداها
قوم هم اتخذوا الشهادة بغية
لا يبتغون لدى الجهاد سواها
هم في حمى الإيمان أول صخرة
فسل الصخور أما عرفن قواها؟
حملت جبال الحق في دنيا الهدى
بيضا شواهق ما تنال ذراها
تؤتي الممالك والشعوب حياتها
وتقيم من أمجادها وعلاها
ذهبت ترفرف في مسابح عزها
ومضت يفوت مدى النسور مداها
تجري الرياح الهوج طوع قضائها
وتخافها فتحيد عن مجراها
طاف الغمام مهللا بظلالها
فسقته من بركاتها وسقاها
شهداء بدر أنتم المثل الذي
بلغ المدى بعد المدى فتناهى
علمتم الناس الكفاح فأقبلوا
ملء الحوادث يدفعون أذاها
أما الفداء فقد قضيتم حقه
وجعلتموه شريعة نرضاها
من رام تفسير الحياة لقومه
فدم الشهيد يبين عن معناها
لولا الدماء تراق لم نر أمة
بلغت من المجد العريض مناها
أدنى الرجال من المهالك من إذا
عرضت منايا الخالدين أباها
وأجل من رفع الممالك مظهرا
بان من المهج السماح بناها
كم أمة لم توق عادية الردى
لولا الذي اقتحم الردى فوقاها
تسمو الشعوب بكل حر ماجد
وجبت عليه حقوقها فقضاها
ما أكرم الأبطال يوم تفيأوا
ظلل المنايا يبتغون جناها
راحوا من الدم في مطارف أشرقت
حمر الجراح بها فكن حلاها
لو أنهم نشروا راين كلومهم
تدمى كأنك في القتال تراها
ليسوا وإن وردوا المنية للألى
غمر البلي ورادهم أشباها
هم عند ربك يرزقون فحيهم
وصف الحياة لأنفس تهواها
الله باركها ببدر وقعة
كل الفتوح الغر من جدواها
منعت ذمار الحق حين أثارها
وحمت لواء الله حين دعاها
بخل الزمان فكنت من شعرائها
لو شاء ربي كنت من قتلاها
كم دولة للشرك زلزل عرشها
بدماء بدر واستبيح حماها
في دولة للمسلمين تشوقهم
أيامها وتهزهم ذكراها
يا ويح للأمم الضعاف أتنقضي
دنيا الشعوب وما انقضت بلواها
أمم هوالك ما لمست جراحها
إلا بكت وبكيت من جراها
لم أدر إذ ذهب الزمان بريحها
ماذا من القدر المتاح دهاها؟
إن الذي خلق السهام لمثلها
جمع المصائب كلها فرماها
ذكرى هذه الغزوة المباركة
نظمت هذه القصيدة للحفلة التي أقامتها جماعة إحياء مجد الإسلام بالقاهرة؛ إجلالا لهذه الذكرى الإسلامية المجيدة في اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان المعظم سنة 1358ه، وقد رأى الناظم إثباتها هي والقصيدة التي تليها:
تعلموا كيف تبني مجدها الأمم
وكيف تمضي إلى غاياتها الهمم
تعلموا وخذوا الأنباء صادقة
عن كل ذي أدب بالصدق يتسم
أمن يقول فما ينفك يكذبكم
كمن إذا قال لم يكذب له قلم؟
لكم على الدهر مني شاعر ثقة
تقضى الحقوق وترعى عنده الذمم
تعلموا يا بني الإسلام سيرته
وجددوا ما محا من رسمها القدم
الله أكبر هل هانت ذخائره
فما لكم مقتنى منها ومغتنم؟
بل أنتم القوم طاح المرجفون بهم
وغالهم من ظنون السوء ما زعموا
ماذا تريدون من ذكرى أوائلكم
أكل ما عندكم أن تحشد الكلم
لسنا بأبنائهم إن كان ما رفعوا
من باذخ المجد يمسي وهو منهدم
إن تذكروا يوم بدر فهو يذكركم
والحزن أيسر ما يلقاه والألم
سن السبيل لكم مجدا ومأثرة
فلا يد نشطت منكم ولا قدم
غاز يصول بجند من وساوسه
وقائد ما له سيف ولا علم •••
حيوا الغزاة قياما وانظروا تجدوا
وفودهم حولكم يا قوم تزدحم
ثم انظروا تارة أخرى تروا لهبا
في كل ناحية للحرب يضطرم
حيوا الملائكة الأبرار يقدمهم
جبريل في غمرات الهول يقتحم
الأرض ترجف رعبا والسماء بها
غيظ يظل على الكفار يحتدم
هم حاربوا الله لا يخشون نقمته
في موطن تتلاقى عنده النقم
من جانب الحق أردته عمايته
وأحزم الناس من بالحق يعتصم
الدين دين الهدى تبدو شرائعه
بيضا تكشف عن أنوارها الظلم
ما فيه عند ذوي الألباب منقصة
ولا به من سجايا السوء ما يصم
يحيي النفوس إذا ما ماتت ويرفعها
إذا تردت بها الأخلاق والشيم
لا شيء أعظم خزيا أو أشد أذى
من أن يطاع الهوى أو يعبد الصنم
دين تصان حقوق العالمين به
ويستوي عنده السادات والخدم
ضل الألى تركوا دستوره سفها
فلا الدساتير أغنتهم ولا النظم
دعا النبي فلبى من قواضبه
بيض مطاعمها المأثورة الخذم
حرى الوقائع غرثى لا كفاء لها
إن جد ملتهب أو شد ملتهم
تجري المنايا دراكا في مسايلها
كما جرى السيل في تياره العرم
قواضب الله ما نامت مضاربها
عن الجهاد ولا أزرى بها سأم
يرمي بها كل جبار ويقصمه
إن ظن من سفه أن ليس ينقسم
الجيش منطلق الغارات مستبق
والبأس محتدم والأمر مكتتم
الله ألف بين المؤمنين فهم
في الحرب والسلم صف ليس ينقسم
كروا سراعا فللأعمار مصطرع
تحت العجاج وللأقدار مصطدم
من كل أغلب يمضي الحتف معتزما
إذا مضى في سبيل الله يعتزم
حران يحسب إذ يرمي بمهجته
نشوان يزداد سكرا أو به لمم
للحق نشوته في نفس شاربه
وليس يشربه إلا امرؤ فهم
وأظلم الناس من ظن الظنون به
ما كل ذي نشوة في الناس متهم
طال القتال فما للقوم إذ دلفوا
إلا البلاء وإلا الهول يرتكم
وقام بالسيف دون الليث صاحبه
يذود عنه وعز الليث والأجم
ماذا يظن أبو بكر بصاحبه؟
إن الرسول حمى للجيش أو حرم
أمن النفوس إذا اهتاجت مخاوفها
والمستغاث إذا ما اشتدت الغمم
هل يعظم الخطب يرميه امرؤ درب
أفضى الجلال إليه وانتهى العظم؟
راع الكتائب واستولت مهابته
على القواضب تلقاه فتحتشم
دعا فماجت سماء الله وانطلقت
كتائب النصر ملء الجو تنتظم
لاهم غوثك إن الحق مطلبنا
وأنت أعلم بالقوم الألى ظلموا
تلك العصابة ما لله إن هلكت
في الأرض من عابد للحق يلتزم
جاء الغياث فدين الله منتصر
عالي اللواء ودين الشرك منهزم
جنى على زعماء السوء ما اجترحوا
وحاق بالمعشر الباغين ما اجترموا
ما الجاهلية إلا نكبة جلل
تردي النفوس وخطب هائل عمم
هذي مصارعها تجري الدماء بها
وتشتكي الهون في أرجائها الرمم
هذا أبو الحكم انجابت عمايته
لما قضى السيف وهو الخصم والحكم
ماذا لقيت أبا جهل وكيف ترى
آيات ربك في القوم الذين عموا؟
هذا القليب لكم في جوفه عبر
لا اللوم ينفعكم فيها ولا الندم
ذوقوا العذاب أليما في مضاجعكم
ما في المضاجع إلا النار والحمم
لا تجزعوا واسمعوا ماذا يقال لكم
فما بكم تحت أطباق الثرى صمم
الشرك يعول والإسلام مبتسم
سبحان ربي له الآلاء والنعم
يا قومنا إن في التاريخ موعظة
وإنه للسان صادق وفم
لنا من الدم يجري في صحائفه
شيخ يحدثنا أن الحياة دم
الذكرى الثانية
نظمت للحفلة التي أقامها المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين بالقاهرة 1360ه.
على ذكرها فليعرف الحق جاهله
ويؤمن بأن البغي شتى غوائله
هي الغزوة الكبرى هوى الشرك إذ رمت
جحافلها العظمى وولت جحافله
وأصبح دين الله قد قام ركنه
فأقصر من أعدائه من يطاوله
بنته سيوف الله بالعزم إنه
لأصلب من صم الجلاميد سائله
تكل قوى الجبار عما تقيمه
عليه يد الباني وتنبو معاوله
أهاب رسول الله بالجند أقدموا
ولا ترهبوا الطاغوت فالله خاذله
أما تنظرون الأرض كيف أظلها
من الشرك دين أهلك الناس باطله؟
خذوه ببأس لا تطيش سهامه
فأنتم مناياه وهذي مقاتله
علينا الهدى إما بآيات ربنا
وإما بحد السيف لا خاب حامله
إذ أنكر القوم البراهين أخضعت
براهينه أعناقهم ودلائله
مضى البأس بدري المشاهد ترتمي
أعاصيره نارا وتغلي مراجله
وضج رسول الله يدعو إلهه
فيا لك من جند طوى الجو جافله
تنزل يزجي النصر تنساب من عل
شئابيبه نورا وينهل وابله
أحيزوم أقدم إنه الجد لن يرى
سواه عدو كاذب البأس هازله
هو الله يحمي دينه ويعزه
فمن ذا يناديه؟ ومن ذا يصاوله؟
تمزق جيش الكفر وانحل عقده
فخابت أمانيه وأعيت وسائله
وما برسول الله إذ ناله الأذى
سوى ما ارتضت أخلاقه وشمائله
نبي يحب الله حب مجاهد
يرى دمه من حقه فهو باذله
يعظمه في نفسه ويطيعه
وما يقض من أمر له فهو قابله
كذلك كان المسلمون الألى مضوا
فيا لك عصرا يبعث الحزن زائله
صدفنا عن المثلى فأصبح أمرنا
إلى غيرنا نهذي به وهو شاغله
يجالد من يبغي الحياة عدوه
فيا لعدو لم يجد من يجادله
بنا من عوادي الدهر كل مسلط
مكائده مبثوثة وحبائله
قضينا المدى ما تستقيم أمورنا
وهل يستقيم الأمر عاليه سافله؟
عجبت لقومي عطل الدين بينهم
وجنوا به والجهل شتى منازله
يحبونه حب الذي ضل رأيه
فقاطعه منهم سواء وواصله
صلاة وصوم يركض الشر فيهما
حثيثا تهز المشرقين صواهله
وكيف يقوم الدين ما بين أمة
إذا عطلت آدابه وفضائله
سلام علينا يوم يصدق بأسنا
فيمضي بنا في كل أمر نحاوله
ويوم تكون الأرض تحت لوائنا
فليس عليها من لواء يماثله
أنمشي بطاء والخطوب تنوبنا
سراعا وعادي الشر ينقض عاجله؟
ألا همة بدرية تكشف الأذى
وتشفي من الهم الذي اهتاج داخله؟
ألا أمة تنهى النفوس عن الهوى
وتصغي إلى القول الذي أنا قائله؟
ألا دولة للحق تسلك نهجه
وتمشي على آثاره ما تزايله؟
إذا نحن لم نرشد ولم نتبع الهدى
فلا تنكروا يا قوم ما الله فاعله
غزوة بني قينقاع
كان خروج النبي
صلى الله عليه وسلم
وأصحابه إلى هذه الغزوة في منتصف شوال من السنة الثانية للهجرة، وكان بنو قينقاع أول من نقض العهد وغدر من اليهود، فأظهروا البغي والحسد بعد وقعة بدر.
قدمت امرأة من العرب بجلب لها لبيعه بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ منهم، فجعل جماعة من سفهائهم يراودونها عن كشف وجهها وهي تأبى، فعمد الصائغ إلى أطراف ثوبها فعقده إلى ظهرها - وقيل خله بشوكة - وهي لا تشعر، فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا منها، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وشد اليهود على المسلم فقتلوه.
جمعهم النبي
صلى الله عليه وسلم
بعد ذلك وقال لهم: «يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش من النقمة (يريد وقعة بدر)، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله (تعالى) إليكم».
قالوا: يا محمد، أترانا مثل قومك، لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، إنا والله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس.
كانوا أشجع اليهود وأكثرهم أموالا، وأشدهم بغيا، فلما قالوا ذلك أنزل الله:
قل للذين كفروا ستغلبون
الآية، وقوله (تعالى):
وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم
الآية.
ردوا بني قينقاع الأمر إذ نزلا
هيهات هيهات أمسى خطبكم جللا
نقضتم العهد معقودا على دخل
لعاقد ما نوى غشا ولا دخلا
ما زال شيطانكم بالغيظ يقدحه
بين الجوانح حتى شب واشتعلا
هاجت وقائع بدر من حفيظتكم
ونبهت منكم الداء الذي غفلا
أتنكرون على الإسلام بهجته
والله أطلعه من نوره مثلا؟
دين الهدى يا بني التوراة يشرعه
للناس من شرع الأديان والمللا
لا تدعوا أنكم منها بمعتصم
واق ولا تطمعوا أن تتركوا هملا
جاء النبيين بالفرقان وارثهم
سبحان من نقل الميراث فانتقلا
رأى النفوس بلا هاد فأرسله
يهدي الشعوب ويشفي منهم العللا
هلا سألتم أخاكم حين يبعثها
هوجاء يعصف فيها الشر ما فعلا؟
إن التي رامها في عزها سفها
لتؤثر الموت مما سامها بدلا
لا يبلغ العرض منها حين تمنعه
من خيفة العار حتى تبلغ الأجلا
وقد يكون لها من ربها رصد
إذا رماه بعيني غاضب جفلا
ما زال بالدم حتى ظل سافحه
يجري على دمه مسترسلا عجلا
ما غركم بقضاء الله يرسله
على يدي بطل أعظم به بطلا؟
لقد دعاكم إلى الحسنى فمال بكم
من طائف الجهل داع يورث الخبلا
قلتم رويدا فإنا لا يصاب لنا
كفؤ إذا ما التقى الجمعان فاقتتلا
لسنا كقومك إذ يلقون مهلكهم
على يديك وإذ يعطونك النفلا
يا ويلكم حين ترتج الحصون بكم
ترجو الأمان وتبدي الخوف والوجلا
كم موئل شامخ العرنين يعجبكم
يود يومئذ لو أنه وألا
أمسى عبادة منكم نافضا يده
فانبت من عهده ما كان متصلا
نعم الحليف غدرتم فانطوى حنقا
يرجو الإله ويأبى الزيغ والزللا
ما كان كابن أبي في جهالته
إذ راح شيطانه يرخي له الطولا
مضى على الحلف يرعى معشرا غدرا
أهون بكم معشرا لو أنه عقلا
لا تذكروا الدم إن السيف منصلت
في كف أبيض يدمي البيض والأسلا
وجانبوا الحرب إن الله خاذلكم
ولن تروا ناصرا يرجى لمن خذلا
مشى الرسول وجند الله يتبعه
من كل مقدامة يغشى الوغى جذلا
يهفو إلى الموت مشتاقا ويطلبه
بين الخميسين لا نكسا ولا وكلا
لو غيبته المواضي في سرائرها
ألقى بمهجته يرتاد مدخلا
يخال في غمرات الروع من مرح
لولا الرحيق المصفى شاربا ثملا
أهاب حمزة بالأبطال فانطلقوا
وانشاب منطلقا يهديهم السبلا
عجبت للقوم طاروا عن مواقعهم
ما ذاق هاربهم سيفا ولا رجلا
مضوا سراعا إلى الآطام واجفة
يخال أمنعها من ضعفه طللا
طال الحصار وظل الحتف يرقبهم
حران يشجيه ألا ينقع الغللا
أفنوا من الزاد والماعون ما ادخروا
واحتال أشياخهم فاستنفدوا الحيلا
من كل ذي سغب لو قال واحده
كلني ليعلم ما في نفسه أكلا
لا يملكون لأهليهم وأنفسهم
إلا العذاب وإلا الظن والأملا
ظلت وساوسهم حيرى تجول بهم
في مجهل يتردى فيه من جهلا
حتى إذا بلغ المكروه غايته
وهال كل غوي الرأي ما حملا
تضرعوا يسألون العفو مقتدرا
يجود بالعفو إن ذو قدرة بخلا
أعطى النفوس حياة من سماحته
فكان أكرم من أعطى ومن بذلا
لو شاء طاح بهم قتلا فما ملكوا
من بعد مهلكهم قولا ولا عملا
ما الظن يابن أبي حين يسأله
من الأناة وفضل الحلم ما سألا؟
أما رأوه جريحا لو يصادفه
حمامه لم يجد من دونه حولا؟
زالوا عن الدور والأموال وانكشفوا
عن السلاح وراحوا خضعا ذللا
هو الجلاء لقوم لا حلوم لهم
ساءوا مقاما وساءوا بعد مرتحلا
ساروا إلى أذرعات ينزلون بها
نكدا مشائيم لا طابت لهم نزلا
بادوا بها وتساقوا في مصارعهم
سوء العذاب ومكروه الأذى نهلا
يلوم بعض على ما كان من سفه
بعضا فمن يقترب يسمع لهم جدلا
أهل المعاقل هدتهم مدمرة
تمضي فلا معقلا تبقي ولا جبلا
رمى بها من رسول الله متئد
لا يأخذ الناس حتى ينبذوا الرسلا
هل دولة الحق إلا قوة غلبت؟
فافتح بها الأرض أو فامسح بها الدولا
غزوة السويق
كانت في اليوم الخامس من ذي الحجة في العام الثاني من الهجرة.
نذر أبو سفيان بعد وقعة بدر ألا يمس النساء والطيب حتى يغزو النبي
صلى الله عليه وسلم ، ثم إنه خرج في مئتي راكب من مشركي قريش ليبر بيمينه، فنزل على مسافة بريد من المدينة، وأتى بني النضير ليلا يريد دار حيي بن أخطب أحد رؤسائهم، فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له، فجاء إلى سلام بن مشكم سيدهم وصاحب كنزهم فأذن له، واجتمع به، ثم خرج إلى أصحابه فبعث رجالا منهم إلى المدينة فحرقوا نخلا بها، ووجدوا رجلا من الأنصار - قيل إنه معبد بن عمرو، وحليفا لهم - الأنصار - فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين، فخرج النبي يطلبهم في مئتين من المهاجرين والأنصار، فجعل أبو سفيان وأصحابه يخففون للهرب بإلقاء جرب - جمع جراب - السويق فيأخذه المسلمون، وذهبوا فلم يدركوهم - السويق القمح أو الشعير يقلى ثم يطحن.
تأن ابن حرب لست في مثلها جلدا
قصاراك أن ترتد حران أو تردى
هي الغارة الحرى فإن شئت فانطلق
وإن شئت فاقعد واتخذ مضجعا بردا
جلا السيف في بدر لعينك ما جلا
وأبدى لك النصر المؤزر ما أبدى
حلفت لئن لم تأت طيبة غازيا
لتجتنبن الطيب والخرد الملدا
أتغزو رسول الله أن هد بأسه
من الكفر سدا ما رأى مثله سدا؟
كذلك وعد الله لو كنت مؤمنا
لأيقنت أن الله لا يخلف الوعدا
جرى طيركم نحسا ببدر ولن تروا
لكم ما عبدتم غيره طائرا سعدا
أمضك وجد متلف من محمد
ولست أبا سفيان إن لم تزد وجدا
رويدا هداك الله إنك لن ترى
له في الوغى إن هجته للوغى ندا
أراك غررت القوم إذ رحت موجفا
تخادعهم عن حلفة لم تكن جدا
ذهبت تقود الجند يا لك قائدا
ويا للألى سيقوا إلى يثرب جندا
تحاول نصرا من حيي بن أخطب
وصاحبه هيهات زدت المدى بعدا
رددت عن الباب الذي جئت طارقا
فيا لك سهما ما ملكت له ردا
وما نلت خيرا إذ أتيت ابن مشكم
وكنت امرأ أعمى الهوى لا يرى رشدا
بعثت على النخل الرجال فلم تدع
لنفسك عزا تبتغيه ولا مجدا
شببت بهم نارا ترامى لهيبها
بعينك يبكي الضال أو يضحك الرندا
فوارس راحوا خفية في سيوفهم
فما وجدوا سيفا ولا صادفوا غمدا
يصيبونها شتى الجنى وكأنما
يصيبون من أعدائهم معشرا لدا
تولوا سراعا بعد مقتل معبد
وصاحبه والخيل تتبعهم جردا
عليها من الغر الميامين فتية
تبادر ورد الموت تلتمس الخلدا
دعاها الرسول المجتبى فكأنما
دعا عاصفا صعبا يهد القوى هدا
مضى ومضوا إثر السراحين ترتمي
إلى شيخها مذعورة تتقي الأسدا
فلما رأى الجد استطار ولم يجد
من الأرض يهوي في مساربها بدا
يصيح بجند السوء ألقوا بزادكم
وفروا خفافا لا يكن أمركم إدا
وطاروا شعاعا للسويق وراءهم
ركام إلى أعداء أربابهم يهدى
هم رفدوهم كارهين ولو وفوا
بأيمانهم كانوا لأسيافهم رفدا
إليك ابن حرب إن للحرب جذوة
إذا هيجت ذا نجدة زادها وقدا
هي النصر أو عاد من الموت واقع
بكل كمي لا مفر ولا معدى
فررت تخاف الفقد في حومة الوغى
بأيدي الألى يستعذبون بها الفقدا
أفي الحق أن لا تعبد الله وحده
وتسجد للعزى تكون لها عبدا؟
سبيلان شتى أنت لا بد عالم
إذا ما استبنت الرشد أيهما أهدى
رجعت مغيظا لم تنل وتر هالك
ولم تشف غيظا من ذويك ولا حقدا
تصد قريش عنك مما كذبتها
ومنيتها يا طول همك لو أجدى
قل الحق ما للعالمين سكينة
على الأرض حتى يعبدوا الواحد الفردا
غزوة أحد
كانت في شوال من السنة الثالثة - وأحد جبل من جبال المدينة.
لما أصاب قريشا يوم بدر ما أصابها مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية إلى أبي سفيان، وإلى من كان له تجارة في العير التي كانت سببا للوقعة - وكانت لا تزال موقوفة في دار الندوة - يحرضون على الحرب، وأن يجعل ربح التجارة لتجهيز الجيشن، فقال أبو سفيان: أنا أول من يفعل وبنو عبد مناف معي، ورضي القوم، وكان الربح خمسين ألف دينار، وقيل خمسة وعشرين ألفا، ونزلت:
إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون .
أدأبك أن تريد المستحيلا؟
تأمل أيها المولى قليلا
لبثت تعالج الداء الدخيلا
وتضمر في جوانحك الغليلا
وما يجديك لاعجه فتيلا
أما تنفك تذكر يوم بدر؟
وما عاينت من قتل وأسر؟
وراءك إنها الأقدار تجري
بنصر للنبي وراء نصر
وكان الله بالحسنى كفيلا
أبا سفيان دع صفوان يبكي
وعكرمة يطيل من التشكي
وقل للقوم في بر ونسك
نهيت النفس عن كفر وشرك
وآثرت المحجة والسبيلا
أراك أطعتهم وأبيت إلا
سبيل السوء تسلكه مدلا
تريد محمدا وأراه بسلا
رويدك يا أبا سفيان هلا
أردت لقومك الحسن الجميلا؟
قريش لم تزل صرعى هواها
وعير الشؤم لم تحلل عراها
أجل عينيك وانظر ما عساها
تسوق من الجنود إلى وغاها؟
فقد حملت لكم أسفا طويلا
دعا صفوان شاعره فلبى
وكان يسومه شططا فيأبى
أحل له الهجاء وكان خبا
أحب من الخيانة ما أحبا
يريد العيش محتقرا ذليلا
يذم محمدا ويقول نكرا
ولولا لؤمه لم يأل شكرا
تغمد حقه وجزاه شرا
وأمسى عهده كذبا وغدرا
وإن له لمنقلبا وبيلا
ألم يمنن عليه إذ الأسارى
تكاد نفوسها تهوى حذارا؟
تطوف به مولهة حيارى
تود لو أنها ملكت فرارا
وهل يعطى عدو الله سولا؟
جبير أكان عمك حين أودى
كعم محمد شرفا ومجدا؟
أحمزة أم طعيمة كان أهدى؟
رويدك يا جبير أتيت إدا
وإن قضاء ربك لن يحولا
أراد فما لوحشي محيد
ولا لك مصرف عما يريد
أليس لحمزة البأس الشديد
فما يغني فتاك وما يفيد؟
تبارك ربنا ربا جليلا
تولوا بالكتائب والسرايا
وساروا بالحرائر والبغايا
منايا قومهم جابت منايا
فسيري في سبيلك يا مطايا
ولا تدعي الرسيم ولا الذميلا
ويا خيل اركضي بالقوم ركضا
وجوبي للوغى أرضا فأرضا
لعل الناقم الموتور يرضى
نشدتك فانفضي البيداء نفضا
ووالي في جوانبها الصهيلا
ويا هند اندبي القتلى ونوحي
وزيدي ما بقومك من جروح
وراءك كل منصلت طموح
تهيج بأسه ريح الفتوح
وراءك فتية تأبى النكولا
وراءك نسوة للحرب تزجى
ترج دفوفها الأبطال رجا
وتلك خمور عسكرك المرجى
وكان الغي بالجهلاء أحجى
كذلك يطمس الجهل العقولا
رأيت الرأي شؤما أي شؤم
وما تدري يمينك أين ترمي
لعمرك إنه لرسيس هم
تغلغل منك بين دم ولحم
فيا ابنة عتبة اجتنبي الفضولا
أعن جسد الرضية بنت وهب
يشق القبر يا امرأة بن حرب
ويقطع بالمدى في غير ذنب
ليفدى كل مأسور بإرب
فيا عجبا لقول منك قيلا
هي الهيجاء ليس لها مرد
فمن يك هازلا فالأمر جد
لبأس الله يا هند أشد
له جند وللكفار جند
وإن لجنده البطش المهولا
سيوف محمد أمضى السيوف
وأجلب للمعاطب والحتوف
إذا هوت الصفوف على الصفوف
وأعرض كل جبار مخوف
مضت ملء الوغى عرضا وطولا
أرى السعدين قد دلفا وهذا
علي بالحسام العضب لاذا
وحمزة جد معتزما فماذا؟
ومن للقوم إن أمسوا جذاذا؟
وطار حماتهم فمضوا فلولا
وفي الأبطال فتيان رقاق
بأنفسهم إلى الهيجا اشتياق
لهم في الناهضين لها انطلاق
دعا داعي الجهاد فما أطاقوا
بدار السلم مثوى أو مقيلا
أعادهم النبي إلى العرين
شبولا سوف تصلب بعد لين
يضن بها إلى أجل وحين
رعاك الله من سمح ضنين
يسوس الأمر يكره أن يعولا
وقيل لرافع نعم الغلام
إذا انطلقت لغايتها السهام
تقدم أيها الرامي الهمام
إذا الهيجاء شب لها ضرام
فأمطرها سهامك والنصولا
ونادي سمرة أيرد مثلي
ويقبل صاحبي وأنا المجلي
أصارعه فإن أغلب فسؤلي
وكيف أذاد عن حق وعدل؟
وأمنع أن أصول وأن أجولا؟
وصارعه فكان أشد أسرا
وأكثر في المجال الضنك صبرا
وقيل له صدقت فأنت أحرى
بأن ترد الوغى فتنال نصرا
ألا أقبل فقد نلت القبولا
أعبد الله ما لك من خلاق
فعد بالناكثين ذوي النفاق
كفاك من المخافة ما تلاقي
وما لك من قضاء الله واق
وإن أمسيت للشعرى نزيلا
أبيت على ابن عمرو ما أرادا
وشر القوم من يأبى الرشادا
نهاك فلم تزد إلا عنادا
ألم يسمع فريقك حين نادى
أطيعوا الله واتبعوا الرسولا؟
يقول نشدتكم لا تخذلوه
وموثق قومكم لا تنقضوه
رسول الله إلا تنصروه
فإن الحق ينصره ذووه
ألا بعدا لمن يبغي الغلولا
تجلى نور ربك ذي الجلال
وهز الشعب صوت من بلال
بلال الخير أذن في الرجال
فهبوا للصلاة من الرحال
وقاموا خلف سيدهم مثولا
علا صوت الأذين فأي معنى
لمن هو مؤمن أسمى وأسنى؟
إله الناس فرد لا يثنى
تأمل خلقه إنسا وجنا
فلن تجد الشريك ولا المثيلا
أجل؛ الله أكبر لا مراء
فهل سمع الألى كفروا النداء؟
أظن قلوبهم طارت هباء
فلا أرضا تطيق ولا سماء
جلال الحق أورثهم ذهولا
سرى الصوت المردد في الصباح
فضج الكون حي على الفلاح
تلقى صيحة الحق الصراح
فقام يصيح من كل النواحي
يسبح ربه غب ارتياح
ويحمده بألسنة فصاح
تعطفت الجبال على البطاح
وكبرت المدائن والضواحي
وأوبت البحار مع الرياح
وصفق كل طير بالجناح
كتاب الحق ما للحق ماح
يرتل في الغدو وفي الرواح
فقل للناس من ثمل وصاح
شريعة ربكم ما من براح
فمن منكم يريد بها بديلا؟
ألا طالت صلاتك إذ تقام
وطاب القوم إذ أنت الإمام
أقمها يا محمد فهي لام
تساقط حولها الجنن العظام
بها يتخطف الجيش اللهام
وليس كمثلها جيش يرام
قضاها الله فهي له ذمام
وذاك نظامها نعم النظام
يوطد من بنى وهي الدعام
ويصعد بالذرى وهي السنام
نهضت لها وما هب النيام
وبادرها الميامين الكرام
مقام ما يطاوله مقام
ودين من شعائره السلام
يصون لواءه جيلا فجيلا
هدى الأجيال يخطب في الهداة
ويأمر بالجهاد وبالصلاة
وبالأخلاق غرا طيبات
ملقى الوحي والإلهام هات
وصف للناس آداب الحياة
وكيف تكون دنيا الصالحات
وخذهم بالنصائح والعظات
مضيئات المعالم مشرقات
شعوب الأرض من ماض وآت
عيالك فاهدهم سبل النجاة
إذا ضلت دهاقين الثقات
وأمسى الناس أسرى الترهات
وخف ذوو الحلوم الراسيات
فأصبحت الممالك راجفات
أقمت الأرض تكره أن تميلا
ألا برز الزبير فأي وصف
حواري الرسول يفي ويكفي؟
برزت لخالد حتفا لحتف
تصد قواه عن كر وزحف
وتدفعه إذا ابتعث الرعيلا
ألم تره وعكرمة استعدا؟
فأما جدت الهيجاء جدا
بنى لهما رسول الله سدا
ومثلك يعجز الأبطال هدا
ويترك كل ممتنع مهيلا
لمن يرث الممالك لا سواه
أعد القائد الأعلى قواه
وبث الجيش أحسن ما تراه
تعالى الله ليس لنا إله
سواه فواله ودع الجهولا
رماة النبل ما أمر النبي
فذلك لا يكن منكم عصي
إذا ما زالت الشم الجثي
وكان لها انطلاق أو مضي
فكونوا في أماكنكم حلولا
رماة النبل ردوا الخيل عنا
وإن نهلت سيوف القوم منا
فلا تتزحزحوا فإذا أذنا
فذلك إن للهيجاء فنا
تلقنه الجهابذة الفحولا
تلق أبا دجانة باليمين
حسامك من يد الهادي الأمين
وخذه بحقه في غير لين
لتنصر في الكريهة خير دين
يرف على الدنى ظلا ظليلا
نصيبك نلته من فضل رب
قضاه لصادق النجدات ضرب
تخطى القوم من آل وصحب
فكان عليك عضبا فوق عضب
تبختر وامض مسنونا صقيلا
أبا سفيان لا يقتلك هما
ولا يذهب بحلمك أن تذما
أحين بعثتها شرا وشؤما
أردت هوادة وطلبت سلما؟
مكانك لا تكن مذلا ملولا
من الداعي يصيح على البعير
أما لي في الفوارس من نظير
أروني همة البطل المغير
إلي فما بمثلي من نكير
أنا الأسد الذي يحمي الشبولا
تحداه الزبير وفي يديه
قضاء خف عاجله إليه
رمى ظهر البعير بمنكبيه
وجرعه منيته عليه
فأسلم نفسه وهوى قتيلا
ألا بعدا لطلحة حين يهذي
فيأخذه علي شر أخذ
أصيب بقسوري البأس فذ
يعد لكل طاغي النفس مؤذ
يعالج داءه حتى يزولا
أمن فقد إلى فقد جديد؟
لقد أضحى اللواء بلا عميد
بصارم حمزة البطل النجيد
هوى عثمان إثر أخ فقيد
وأم الكفر ما برحت ثكولا
أبى شر الثلاثة أن يريعا
فخر على يدي سعد صريعا
ثلاثة إخوة هلكوا جميعا
وراح مسافع لهم تبيعا
رمت يد عاصم سما نقيعا
تورد جوفه فجرى نجيعا
وجاء أخوه يلتمس القريعا
فأورد نفسه وردا فظيعا
وإن لربك الفضل الجزيلا
رميتهما فظلا يزحفان
يجران الجراح وينزفان
وخلفهما من الدم آيتان
هما للكفر عنوان الهوان
ترى الرأسين مما يحملان
على الحجر المذمم يوضعان
أمن ثديي سلافة يرضعان؟
تقول وقلبها حران عان
علي الجود بالمئة الهجان
لمن يأتي بهامة من رماني
فواظمأي إلى بنت الدنان
تدار بها علي فودعاني
وموتا إن للقتلى ذحولا
دعاة اللات والعزى أنيبوا
فليس لصائح منكم مجيب
وليس لكم من الحسنى نصيب
لرب الناس داع لا يخيب
ودين الحق يعرفه اللبيب
وما يخفى الصواب ولا يغيب
رويدا إن موعدكم قريب
وكيف بمن يصاب ولا يصيب؟
سليب النفس يتبعه سليب
أما يفنى الطعين ولا الضريب
لواء ليس يحمله عسيب
عليه من مناياكم رقيب
كفاكم يا له حملا ثقيلا!
رمى بالنبل كل فتى عليم
فرد الخيل دامية الشكيم
بنضح مثل شؤبوب الحميم
يصب على فراعنة الجحيم
وصاحت هند في الجمع الأثيم
تحرض كل شيطان رجيم
ألا بطل يذب عن الحريم
ويضرب بالمهند في الصميم؟
فهاجت كل ذات حشى كليم
تبث الشجو في الهذر الذميم
وتذكر طارقا دأب المليم
يسيء ويدعى لأب كريم
وأين مكانهن من النعيم
ومن جرثومة الحسب القديم؟
زعمن الشرك كالدين القويم
لهن الويل من خطب عميم
رمى الأبناء وانتظم البعولا
من البطل المعصب يختليها
رقابا ما يمل الضرب فيها؟
بأبيض تتقيه ويعتريها
وتكره أن تراه ويشتهيها
لها من حده وال يليها
وينتزع الحكومة من ذويها
بررت أبا دجانة إذ تريها
وحي الموت تطعمه كريها
صددت عن السفيهة تزدريها
وتكرم سيفك العف النزيها
تولول للمنية تتقيها
فإيها يا ابنة الهيجاء إيها
نجوت ولو رآك له شبيها
مضى العضب المشطب ينتضيها
حياة مناجز ما يبتغيها
إذا شهد الكريهة يصطليها
فأرسلها دما وهوى تليلا
مقتل حمزة (رضي الله عنه)
أبلى حمزة (رضي الله عنه) في وقعة أحد بلاء حسنا، وكان يقاتل بين يدي النبي
صلى الله عليه وسلم
بسيفين ، ويقول: أنا أسد الله، وقد أصيب ببضع وثمانين جراحة ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم.
قتله وحشي الحبشي مولى جبير بن مطعم بن عدي، قال وحشي: إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه حتى عثر فانكشفت الدرع عن بطنه، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنيته (موضع تحت السرة وفوق العانة).
خرج النبي
صلى الله عليه وسلم
يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي وقد بقر بطنه ومثل به، فلم يكن أوجع لقلبه الشريف مما رأى وقال: «لن أصاب بمثلك، وما وقفت موقفا أغيظ لي من هذا، رحمة الله عليك كنت فعولا للخيرات وصولا للرحم»، ثم صلى عليه وعلى إخوانه من الشهداء، وأمر بدفنهم، وقيل إنه أمر بدفنهم بدمائهم وثيابهم، فلم يغسلوا ولم يصل عليهم.
جعلت هند زوج أبي سفيان ومن معها من نساء المشركين يمثلن بقتلى المسلمين، يجدعن آذانهم وأنوفهم، ويتخذن منها القلائد، وقد بقرت هند بطن حمزة وأخرجت كبده فلاكتها، ولم تستطع أن تسيغها فألقتها من فيها، وكانت قد نذرت أن تأكلها إذا قتل، وقيل إن وحشيا هو الذي بقر بطنه وجاءها بكبده فأعطته ثيابها وحليها، ووعدته أن تدفع له عشرة دنانير إذا رجعت إلى مكة، وجاء بها إلى مصرع حمزة فجدعت أنفه وقطعت أذنيه، ثم جعلت من ذلك كالسوار في يديها، وقلائد في عنقها.
صاحب السيفين ماذا صنعا؟
ودع الصفين والدنيا معا
غاب عن أصحابه ما علموا
أي دار حل لما ودعا
غاب عن أعينهم في غمرة
سد غول الهول منها المطلعا
طلبوه وتنادى جمعهم
نكبة حلت وخطب وقعا
يا رسول الله هذا حمزة
أترى عيناك منه المصرعا؟
إنه عمك إلا أذنا
قطعت منه وأنفا جدعا
إنه عمك فانظر بطنه
كيف شقوه وعاثوا في المعى؟
كبد الفارس ماذا فعلت
أين طاحت؟ من قضى أن تنزعا؟
نذر هند هي لولا أنها
لم تسغها أكلتها أجمعا
طفقت تمضغ من أفلاذها
علقما مرا وسما منقعا
كلما همت بها تدفعها
ملء شدقيها أبت أن تدفعا
نذرت يوم أبيها نذرها
علها تشفي الفؤاد الموجعا
جاء وحشي فضجت فرحا
ويك إن الأرض ضجت فزعا
تبذلين الحلي والمال على
أن جناه جاهليا مفظعا
يا له يا هند جرحا داميا
ضاق عنه الصبر مما اتسعا
أفما أبصرت ركني أحد
حين سال الجرح كيف انصدعا؟
وأبو سفيان ماذا هاجه؟
أفما يزمع أن يرتدعا؟
غره في يومه ما غره
إن عند الغد سرا مودعا
يطعن الليث ويفري شدقه
حين ألقى جنبه فاضطجعا
لو رآه يتحدى نفسه
لرآها كيف تهوي قطعا
يذكر العزى ويدعو هبلا
ويحه من ذاكر ماذا دعا؟
أسد الله رماه ثعلب
يا له من حادث ما أبدعا
أخذته عثرة مزئودة
ضجت الدنيا لها تدعو لعا
زالت الدرع فغشى بطنه
دافق من دمه فادرعا
حربة ظمأى أصابت مشرعا
كان من خير وبر مترعا
جزع الهادي لها نازلة
جللت عليا قريش جزعا
تلك رؤياه وهذا سيفه
لا رعى الرحمن إلا من رعى
ثلمة هدت من الكفر حمى
زعم الكفار أن لن يفرعا
بورك المضجع والقوم الألى
وسدوا فيه الشهيد الأروعا
مثل القوم به من بغيهم
ما نهاهم دينهم أو منعا
ليس للأخلاق إلا دينها
يؤثر المثلى ويهدي من وعى
وعد الإسلام خيرا من عفى
إن حسن العفو مما شرعا
سائل اللائي تقلدن الحلى
من جلود من رآها خشعا
أهي كاللؤلؤ أم أبهى سنا
من غواليه وأسمى موضعا؟
بوركت إني أراها زلفا
رفع الله بها من رفعا
لن يفوت الكفر منها ذابح
لا يبالي أي جلد مزعا
يا لريب الدهر ما أفدحه
حادثا نكرا ورزءا مفجعا
رجع الذكرى به مؤتنفا
ولقد أشفقت أن لا يرجعا
شغل الأهل عن الأهل فيا
عجبا للدهر ماذا صنعا؟
أفما أبصر إلا لاهيا
أو معنى بالأماني مولعا؟
اذكروا يا قوم من أمجادكم
ما نسيتم رب ذكر نفعا
الرماة
لما قتل أصحاب لواء المشركين واحدا بعد واحد انهزموا وتبعهم المسلمون يضعون فيهم السلاح وينتهبون الغنائم، فألقى نساؤهم الدفوف وذهبن إلى الجبل كاشفات سيقانهن صارخات مولولات، ففارق الرماة أماكنهم ونهاهم أميرهم عبد الله بن جبير (رضي الله عنه) فتركوه وانطلقوا يبتدرون الغنائم، إلا فريقا منهم دون العشرة ثبتوا معه في أماكنهم.
نظر خالد بن الوليد إلى قلة من بقي في الجبل من الرماة، فكر بالخيل ومعه عكرمة بن أبي جهل فحملوا على هذه البقية فقتلوها ومثلوا بأميرها، وخرجت أحشاؤه لكثرة ما طعن بالرماح.
وأحاط المشركون بالمسلمين وقد شغلوا بالنهب والأسر، ووضعوا السيوف فيهم فتفرقوا في كل وجه، وانتقضت صفوفهم فاختلطوا وصار يضرب بعضهم بعضا وهم لا يعلمون، وقيل إن مناديا منهم قال: يا عباد الله، أخراكم؛ يريد: احترزوا من جبهة أخراكم، فعطفوا على أخراهم يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون.
وذهبت طائفة منهم إلى المدينة فأقامت ثلاثة أيام ثم رجعت، فأنزل الله:
إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم .
ثبت النبي
صلى الله عليه وسلم
لما تفرق أصحابه، وصار يقول: «إلي يا فلان، إلي يا فلان، أنا رسول الله»، والنبل يأتيه من كل ناحية، والله يصرفه عنه، وثبت معه جماعة من أصحابه واستمر أبو طلحة بين يديه - وكان راميا مجيدا - ينثر كنانته ويقول: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء، وما زال
صلى الله عليه وسلم
يرمي عن قوسه الكتوم (التي لا يسمع لها صوت) حتى صارت شظايا.
أئن تولت جنود الشرك مدبرة
خف الرماة وظنوا الأمر قد وجبا؟
كأنهم والرعان الشم تقذفهم
سيل تدفق في شؤبوبه صببا
يخالهم من يراهم ساعة انطلقوا
سهامهم حين جاش البأس فالتهبا
ردوا على ابن جبير رأيه ومضوا
إلا فريقا منهم رأى ما لم يروا فأبى
أصابها خالد منهم وعكرمة
أمنية لم تصب من ذي هوى سببا
فاستنفرا الخيل والأبطال وانطلقا
في هبوة تزدهي الأرماح والقضبا
هم خلفوا رمم القتلى مطرحة
وغادروا الجند جند الله والسلبا
طاروا إلى جبل راس على جبل
ما اهتز مذ قام من ضعف ولا اضطربا
قال الرسول فأعطاه مقالته
وما سوى نفسه أعطى ولا وهبا
توزعوه فلو أبصرت مصرعه
أبصرت في الله منه منظرا عجبا
طعن وضرب يعاف البأس عندهما
سلاح من طعن الأبطال أو ضربا
سلوا حشاه فظلت من أسنتهم
تموج في الدم يجري حوله سربا
تتابع القتل يجتاح الألى معه
لولا المناقب لم يترك لهم عقبا
تلك الدماء التي سالت على أحد
لو أنبت الدم شيئا أنبتت ذهبا
ظلمتها ما لشيء مثل رتبتها
وإن تخطى المدى أو جاوز الرتبا
لم يبق سهم ولا رام يسدده
تغيب الوابل الهطال واحتجبا
وكرت الخيل تردي في فوارسها
بعد الفرار فأمسى الأمر قد حزبا
المسلمون حيارى كيف يأخذهم
بأس العدو أما ردوه فانقلبا؟
حلوا الصفوف وجالوا في مغانمهم
ما ظن عسكرهم شرا ولا حسبا
تنكرت صور الهيجاء واتخذت
من الأعاجيب أثوابا لها قشبا
خرساء صماء تعمي عن معالمها
عين البصير وتعيي الحاذق الدربا
مغبرة الجو ما زال الخفاء بها
حتى تقنع فيها الموت وانتقبا
ترى الليوث وإن كانوا ذوي رحم
لا يتقي بعضهم بعضا إذا وثبا
يعدو على مهجة الضرغام صاحبه
ولا يجاوزه إن ظفره نشبا
هذا البلاء لقوم مال غافلهم
عن رأي سيدهم إذ يحكم الأربا
قال اثبتوا فتولوا ما عصى أحد
منهم ولكن قضاء واقع غلبا
أمر من الله مرجو عواقبه
يقضيه تبصرة للقوم أو أدبا
إن النبي ليمضي الأمر في وضح
من حكمة الله يجلو نوره الريبا
مسدد الرأي ما تهفو الظنون به
الخير ما اختار والمكروه ما اجتنبا
للسلم والحرب منه حازم يقظ
يعيي الدهاة ويردي الجحفل اللجبا
إن الذي زين الدنيا بطلعته
حابى العروبة فيه واصطفى العربا
زياد بن عمارة (رضي الله عنه)
كان من أعظم أبطال هذه الغزوة، ثبت بين يدي النبي
صلى الله عليه وسلم
يتلقى السهام دونه ويدافع القوم عنه حتى أثقلته الجراح فسقط، فأمر النبي أصحابه وقال: «أدنوه مني»، فأفرشه قدمه الشريفة فمات وخده عليها.
أكان يزيد بأسك إذ تصاب؟
زيادة ذلك العجب العجاب
تكاثرت الجراح وأنت صلب
يهابك في الوغى من لا يهاب
قوى تنصب ممعنة حثاثا
وللدم في مواقعها انصباب
ترد الهندوانيات ظمأى
يخادعها عن الري السراب
تريد محمدا والله واق
فترجع وهي محنقة غضاب
زيادة دونه سور عليه
من النفر الألى احتضنوه باب
وما بمحمد خوف المنايا
ولا في سيفه خلق يعاب
ولكن جل منزلة وقدرا
فبر رجاله ووفى الصحاب
هوى البطل المغامر واضمحلت
قواه وخارت الهمم الصلاب
فتى صدقت مشاهده فظلت
تعاوره القواضب والحراب
وهى منه الأديم فلا أديم
وأعوزه الإهاب فلا إهاب
تمزقت الصحائف من كتاب
طواه في صحائفه الكتاب
تلقاه برحمته وروت
غليل جارحه السور العذاب
أيادي الله يجعلها ثوابا
لكل مجاهد - نعم الثواب
أهاب محمد أدنوه مني
فذلك صاحبي المحض اللباب
على قدمي ضعوا لليث رأسا
أحاذر أن يعفره التراب
ففاضت نفسه نورا عليها
وماج الجو وامتد العباب
عباب تنطوي الآفاق فيه
ويغرق في جوانبه السحاب
مضى صعدا عليه من الدراري
ومن بركات خالقه حباب
تلقته الملائك بالتحايا
منضرة تحب وتستطاب
وزخرفت الجنان وقيل هذا
مآبك إنه نعم المآب
مصعب بن عمير (رضي الله عنه)
قاتل مصعب بن عمير (رضي الله عنه) قتالا شديدا في هذه الغزوة، وصنع الأعاجيب بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، يدافع عنه ويقيه بنفسه، ولما قطعت يده اليمنى فسقط اللواء وهو يجاهد المشركين أخذه بيده اليسرى وبقي يعمل بين يدي الله ويدي رسوله، فلما قطعت يده اليسرى وسقط اللواء جثا عليه وضمه بعضديه إلى صدره، ثم دأب على القتال حتى قتله عبد الله بن قمئة يظنه النبي
صلى الله عليه وسلم ، ثم رجع إلى المشركين يقول: قتلت محمدا، وذلك بعد أن أقبل على المسلمين وهو يقول: أين محمد لا نجوت إن نجا، وفي رواية أن قاتل مصعب هو أبي بن خلف.
هو مرتمى الأبطال ما لك دونه
متزحزح فاصبر له يا مصعب
ولقد صبرت تخوض من أهواله
ما لا يخوض الفارس المتلبب
ترمي بنفسك دون نفس محمد
وتقيه من بأس العدى ما ترهب
تبغي الفداء وتلك سنة من يرى
أن الفداء هو الذمام الأوجب
دع من يعض على الحياة فإنه
غاو يضلل أو دعي يكذب
ما اختار نصرة دينه أو رأيه
من لا يرى أن الفداء المذهب
ما هذه المثل التي لا تنتهي؟
هذا هو المثل الأبر الأطيب
طاح الجهاد به شهيدا صادقا
أوفى بعهد إلهه يتقرب
إيمان حر لا يبالي كلما
ركب العظائم أن يهول المركب
يرسو وأهوال الوقائع عصف
تذرو الفوارس والمنايا وثب
إن يضربوه ففارس ذو نجدة
ما انفك يطعن في النحور ويضرب
كم هارب يخشى بوادر بأسه
ويخاف منه مشيعا ما يهرب
الموت في وثباته يجري دما
والموت في نظراته يتلهب
سقطت يداه وما يزال لواؤه
في صدره يحنو عليه ويحدب
لو يستطيع لمد من أهدابه
سببا يشد به إليه ويجذب
يمناه أم يسراه أعظم حرمة
أم ساعداه وصدره والمنكب؟
جارى منيته فكل يرتمي
في شأنه جللا وكل يدأب
حتى دعاه الله يرحم نفسه
فأجاب يلتمس القرار ويطلب
إن كان ذلك من أعاجيب الوغى
فالبخل بالدم في المحارم أعجب
إن امرأ كره الجهاد فلم يفز
بالموت في غمراته لمخيب
المؤمنون والمنافقون
لما ذهب ابن قمئة يقول إني قتلت محمدا، جاء أبو سفيان إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بعد أن كان من أمره ما كان، فقال: أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمدا؟ قال عمر: لا وإنه ليسمع كلامك الآن، قال: أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر.
قال قوم من المؤمنين: إن كان محمد قد قتل أفلا تقاتلون على دين نبيكم وعلى ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا الله شهداء، وقال نابت بن الدحداح (رضي الله عنه): يا معشر الأنصار، إن كان محمد قد قتل فإن الله حي لا يموت، قاتلوا على دينكم فإن الله مظفركم وناصركم، وفي هؤلاء نزل قوله تعالى:
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .
هال بعض المؤمنين الأمر فظلوا حيارى، ولكن الله ثبت قلوبهم وحفظ عليهم إيمانهم، فلم يزلوا ولم يمسكوا عن القتال.
يقوا أبو سفيان أودى محمد
قتيلا ويأبى الشيخ إلا تماديا
فلما أراد الحق أقبل سائلا
فأبدى له الفاروق ما كان خافيا
وقال له لا يعل صوتك إنه
ليسمعه من جاء بالحق هاديا
كذلك ظن القوم إذ طاح مصعب
فراحوا سكارى يكثرون الدعاويا
وريعت قلوب المؤمنين فأجفلوا
يخافون من بعد النبي الدواهيا
وزلزل قوم آخرون فأدبروا
سراعا يجرون الظبى والعواليا
يقولون ما نبغي وهذا نبينا
تردى قتيلا؟ ليته كان باقيا
فما أقبلوا حتى انبرت أم أيمن
وقد جاوز الغيظ الحشا والتراقيا
تدافعهم غضبى وتحثو ترابها
تعفر منهم أوجها ونواصيا
تقول ارجعوا ما بالمدينة منزل
يبارك منكم بعد ذلك ثاويا
أمن ربكم يا قوم تبغون مهربا
فيا ويحكم إذ تتقون الأعاديا
ألا فانصروا الدين القويم وجاهدوا
جهادا يرينا مصرع الشرك داميا
فمن خاف منكم أن يعود إلى الوغى
فذا مغزلي وليعطني السيف ماضيا
لك الخير لو تدرين ما قال معتب
لأرسلت شؤبوبا من الدمع هاميا
جزى الله ما قدمت يا أم أيمن
من الخير تقضين الحقوق الغواليا
تطوفين بالجرحى تواسين شاكيا
يمج دما منهم وتسقين صاديا
سعى بك من إيمانك الحق دائب
يفوت المدى الأقصى إذا جد ساعيا
عجبت لمن يرميك ماذا بدا له؟
أطاشت يداه أم رمى منك غازيا
ألم ير هندا يرحم السيف ضعفها
فيصدف عنها وافر البر وافيا؟
تورع عنها مؤمن ليس دينه
كدين حباب إنه كان غاويا
جزاه بها سعد إساءة ظالم
فأمسى رسول الله جذلان راضيا
وإذ أنزل الله النعاس فأمسكت
جوانح لولا الله ظلت نوازيا
كذلك إيمان النفوس إذا رست
قواعده أمست ثقالا رواسيا
ينام الفتى والموت يلمس جنبه
ويرجع عنه واهن الظفر واهيا
يجانبه حتى إذا جاء يومه
فأبعد شيء أن يرى منه ناجيا
فما اسطعت فاجعل من يقينك جنة
كفى بيقين المرء للمرء واقيا •••
هوت من عيون الساجعين سناتها
ولاحت عيون الحرب حمرا روانيا
وهب أمير الغيل يدفع دونه
ويولع بالفتك الليوث الضواريا
يزلزل أبطال الكريهة مقدما
ويصرعهم في حومة البأس داميا
توالت جراحات الكتوم فأسأرت
بهم أثرا من ساطع الدم باديا
تضن بنجواها وتكتم صوتها
ليخفى من الأسرار ما ليس خافيا
تظل شظاياها تطاير حوله
وللرمي ألهوب يواليه حاميا
هو القائد الميمون ما خاض غمرة
فغادرها حتى يرى الحق عاليا
أبا طلحة انظر كيف يرمي وجاره
قضاء على القوم المناكيد جاريا
ويا سعد لا ترفق بقوسك وارمها
سهاما أصابت من يد الله باريا
ودونك فاضرب يا سهيل نحورهم
ودعني أصف للناس تلك المرائيا
وعينك فاحمل يا قتادة عائذا
بمن لا ترى من دونه لك شافيا
ألا ليتني أدركت أم عمارة
فألثم منها موطئ النعل جاثيا
وأشهد من حول النبي بلاءها
وأنشدها في الله هذي القوافيا
وأجعل من وجهي وقاء لوجهها
إذا ما رماها مشرك من أماميا
ويا ليت أني قد حملت جراحها
وكنت لها في المأزق الضنك فاديا
تفيض على الجرحى حنانا وتصطلي
من الحرب ما لا يصطلي الليث عاديا
كذلك كان المسلمون وهذه
سجايا اللواتي كن فيهم دراريا
إذا الحادثات السود عب عبابها
كففن البلايا أو كشفن الدياجيا
مناقب للدنيا العريضة هزة
إذا ذكرت فليشد من كان شاديا
لها من معاني الخلد كل بديعة
فيا ليت قومي يفهمون المعانيا
ووا أسفى إن لم تجد من شيوخهم
حفيظا يلقاها ولم تلف واعيا
إذا ما رايت الهدم للقوم ديدنا
فوارحمتا فيهم لمن كان بانيا
عبد الله بن جحش (رضي الله عنه)
هو من أعظم أبطال غزوة أحد، استشهد فيها على يد أبي الحكم بن الأخنس بن شريق الذي قتل كافرا قبل انتهائها، وكان عبد الله من جملة الشهداء الذين مثل بهم المشركون ونساؤهم، ومن حديثه أنه دعا على نفسه قبل الغزوة فقال: اللهم ارزقني غدا رجلا شديدا بأسه فيقتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك قلت: يا عبد الله، فيم جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت (وهو ابن أميمة بنت عبد المطلب).
أبشر فذلك ما سألت قضاه
رب هداك فكنت عند هداه
آثرته ورضيت بين عباده
من صالح الأعمال ما يرضاه
قتلوك فيه تردهم عن دينه
صرعى وتمنع أن يباح حماه
وبغوا عليك فعذبوا الجسد الذي
ما للكرامة والنعيم سواه
هي دعوة لك ما بسطت بها يدا
حتى تقبل واستجاب الله
ولقد رأيت حمى الجهاد فصف لنا
ذاك الحمى القدسي كيف تراه؟
ماذا جزاك الله من رضوانه
وحباك في الفردوس من نعماه؟
ماذا أعد لكل بر متق
غوت النفوس فما أطاع هواه؟
أرأيت عبد الله كيف بلغته
شرفا مدى الجوزاء دون مداه؟
دمك المطهر لو أتيح لهالك
أعيا الأساة شفاؤه لشفاه
صوت يهيب لكل شعب غافل
طوبى لمن رزق الهدى فوعاه
معنى التفوق في الحياة فمن أبى
إلا الصدود فما درى معناه
الأمر رهن الجد ليس بنافع
قول الضعيف لعله وعساه
تشقى النفوس ولا كشقوة خاسر
لا دينه استبقى ولا دنياه
والمرء يرغب في الحياة وطولها
حتى يكون الموت جل مناه •••
أوتيت نصرا يا محمد ساطعا
يبقى على ظلم العصور سناه
لك من دم الشهداء بأس لم يقم
في الأرض دينك عاليا لولاه
ما تنقضي لأمام حق قوة
إلا تزيد على الزمان قواه
محمد رسول الله
هذا إمام الدين في أعلامه
والدين معتصم ببأس إمامه
يحمي حقيقته بقوة بطشه
ويصون بيضته بحد حسامه
شيخ الجهاد يود كل مجاهد
لو كان يدعى في الوغى بغلامه
عالي اللواء يقيمه بحدوده
ويبين المأثور من أحكامه
المصلحون على الزمان سيوفه
وجنوده في حربه وسلامه
عرفوا الجهاد به ومنه تعلموا
ما صح من دستوره ونظامه
غضبت قريش أن جفا أصنامها
ووفى بعهد إلهه وذمامه
يغزو فوارسهم ويقتل جمعهم
حتى يدين مرامهم لمرامه
ويرى المحجة كل غاو منهم
فيكف عن طغيانه وعرامه
ويتوب جاهلهم إلى دين الهدى
والنور من دين العمى وظلامه
دلفوا إليه وظن أكذبهم منى
أن قد سقته يداه كأس حمامه
أكذاك ينخدع الغبي وهكذا
يتخبط المفتون في أوهامه
مهلا أبي لقد ركبت عظيمة
وأردت صرحا لست من هدامه
صرح بناه الله أول ما بنى
وأطال من عرنينه وسنامه
لا يبلغ الباني ذراه ولا يرى
في الداعمين بناءهم كدعامه
مهلا أبي فإن جهلت مكانه
فانهض إليه إن استطعت وسامه
أقدم فخذها طعنة من باسل
يغتال عزم الليث في إقدامه
تلك المنية يا أبي سقيتها
فانظر إلى الساقي وروعة جامه
خدش كوقع الظفر أو هو دونه
لم تشتكي وتضج من آلامه؟
أأبي أين العود والعلف الذي
أعددته وجعلته لطعامه؟
إذهب لك الويلات من متمرد
عادى الإله ولج في آثامه
لك من قتيل الكبش أشأم صاحب
يلقى إلى غول الردى بزمامه
أخذ النبي بضربة كانت له
حتفا يمزق لحمه بعظامه
ولمن تقدم فوق صهوة عاثر
أشقى وأخيب آخذ بلجامه
هو في الحفيرة دون حصن محمد
جثم الحمام عليه قبل قيامه
ألقى القضاء عليه من أثقاله
متراميا ينصب في أجرامه
أرداه بابن الصمة البطل الذي
أعيا الردى المحتال فض صمامه
يغشاه سيف العامري فينثني
ودم الجريح يبل حر أوامه
سلمت يداك أبا دجانة من فتى
وسم المنية من حلى صمصامه
أحسنت ذبح المشركين فأشبهوا
ما يذبح الجزار من أنعامه
يا ويلهم إذ يقذفون نبيهم
بحجارة تهوي هوي سهامه
كسروا عوارضه وشجوا وجهه
من كل غاو جد في إجرامه
يجري الدم المدرار من متهلل
طلق المحيا في الوغى بسامه
لا يعجب الكفار من مسفوحه
فلقد جرى من قبل في إلهامه
ما ظنهم بالله يؤثر عبده
بالبالغ الموفور من إنعامه؟
لن يستطيع سوى الضلالة مذهبا
من ليس بالمصروف عن أصنامه
لم يخذلوه ولم تفته كرامة
هم عند نصرته وفي إكرامه
صبر المشمر للجهاد عن الأذى
خلق يتم المجد عند تمامه
هذا مقام محمد في قومه
هل لامرئ في الدهر مثل مقامه؟
القادة الهادون من أتباعه
والسادة البانون من خدامه
الله أرسله طبيبا شافيا
للعالم الوحشي من أسقامه
الأمر بان فأين يلتمس الهدى
من ضل بين حلاله وحرامه؟
ركب النبي إلى المدينة عائد
يمشي به جبريل في أعلامه
يتوسط الجرحى تسيل دماؤهم
فوق الحصى من خلفه وأمامه
ويمد فوق المؤمنات جناحه
يقضي لهن الحق من إعظامه
أدين مسنون الجهاد وذقن في
وهج الجلاد الحق حر ضرامه
شمت اليهود وأرجف النفر الألى
طبع النفاق قلوبهم بختامه
قالوا أصيب محمد في نفسه
ورجاله وأصيب في أحلامه
ما تلك منزلة النبي فإنما
يؤتى النبي النصر عند صدامه
جلت مطالبه فراح يريده
ملكا يدوم جلاله بدوامه
لو أن قتلى الحرب كانوا عندنا
ما هد هالكهم ذوي أرحامه
هاجوا من الفاروق غضبة واثق
بالله لا يصغي إلى لوامه
فدعا أيترك رأس كل منافق
في القوم يؤذينا بسوء كلامه؟
قال النبي وكيف تقتل مسلما
أفما تخاف الله في إسلامه؟
صلى عليك الله من متحرج
جم الأناة يعف عن ظلامه
سمح الشريعة والخلال مسدد
في نقضه للأمر أو إبرامه
غزوة حمراء الأسد
هو مكان على ثمانية أميال من المدينة، وكان الخروج إلى هذه الغزوة يوم الأحد سادس عشر شوال في السنة الثالثة من الهجرة، على أثر رجوع المسلمين من غزوة أحد، دعا إليها النبي
صلى الله عليه وسلم
بعد صلاة الصبح، وأمر ألا يخرج معه أحد ممن تخلف عن أحد، وكانت جراحه وجراح الذين أصيبوا معه في هذه الغزوة لا تزال كما كانت، فلم يتخلف أحد منهم.
وسبب الخروج إلى حمراء الأسد أن عبد الله بن عمرو المزني جاء إلى الرسول الكريم وأخبره أن أبا سفيان يريد الرجوع إلى المدينة بمن معه ليستأصل من بقي من أصحابه، وأن المشركين يحرضونه على القتال، ولما رجع معبد الخزاعي من عند النبي إلى أبي سفيان بالروحاء وصف له بأس المسلمين وقوة جيشهم، ثم نهاه عن القتال، فانصرف خائفا إلى مكة.
أقبلوا أو فاتقوا سوء المرد
ربض الموت بحمراء الأسد
غاظكم أن لم تنالوا مأربا
فتمادى الغيظ واشتد الحسد
كيف ينجو من رمى من قومكم
كل جبار فأمسى قد همد
لم لا تزجى السبايا فترى
مردفات تشتكي مما تجد
لا تدعها يا ابن حرب جذوة
تتلظى من قريش في الكبد
يا ابن حرب أطفئ النار التي
شبها أبطال بدر وأحد
كل حرب خمدت نيرانها
منذ حين وهي حرى تتقد
لا تطع صفوان وانبذ رأيه
لا تطعه مرشدا يأبى الرشد
إرجعوا فاستأصلوا أعداءكم
تلك عز الدهر أو مجد الأبد
حاربوا الله وزيدوا شططا
إنها فتنته في من جحد
حاربوه وانصروا أصنامكم
لا تبالوا من قواه ما حشد
يا ابن عمرو هات من أنبائهم
ما رأت عيناك من هزل وجد
لك أذن من رسول الله في
حد عضب يتقيه كل حد
شاور الصديق فيهم ودعا
يسأل الفاروق ما الرأي الأسد؟
إنها الهيجاء يا خير الورى
ما لنا منها ولا للقوم بد
ارفع الصوت وأذن بالوغى
يا بلال الخير أذن واقتصد
أدع من خاض المنايا واصطلى
جذوة الأمس وأمسك لا تزد •••
نفر القوم خفافا ما ونى
منهم الجرحى ولا استعفى أحد
دعوة الحق استفزت جابرا
فاستفزت هبرزيا ذا لبد
جاء يشكو كيف ينفى دمه
وهو لله يربى ويعد؟
لم أغب عن أحد لولا أبي
يا رسول الله والجد النكد
فاز بالرضوان إذ خلفني
في قوارير كثيرات العدد
ومضى قبلي شهيدا فأنا
أبتغي الزلفى لدى الفرد الصمد
أنعم الله عليه فشفى
ما يعاني من تباريح الكمد
سار في الجيش وخلى همه
يصطليه من تولى وقعد
فزت يا جابر فانعم وابتهج
أفلح الوالد واستعلى الولد •••
ذهب السكب حثيثا فانجرد
يحمل البأس ترامى فاطرد
يحمل الويل لقوم غرهم
من ذويهم كل شيطان مرد
زعموا الحق حديثا يفترى
ورضوا بالشرك دينا يعتقد
وتماروا في النطاسي الذي
يصلح الأمر إذا الأمر فسد
ساحر آنا وآنا شاعر
ما رأوا من سحره ماذا قصد؟
سطع النور لمن يأبى العمى
فعلى عينيه يجني من يصد •••
من رأى الضعف على الضعف انطوى
فإذا القوة والعزم الأشد؟
حمل الجرح على الجرح فتى
موجع الكاهل مهدود الكتد
إيه عبد الله أشهد رافعا
غزوة الحمراء في القوم الشهد
ألقه عن منكب لو ماد من
هضب رضوى كل عال لم يمد
ما لحق الله إلا مؤمن
لا يبالي غيره فيما اعتمد
إيه عبد الله ما أصدقها
همة صماء تأبى أن تهد
يا أبا سفيان أنصت واستمع
ثم أنصت واتئد ثم اتئد
إن ترد خيرا فهذا معبد
أولم ينبئك أن الأمر إد؟
جمع الغازي لكم من صحبه
وذويه كل صنديد نجد
انظروا النيران هل تحصونها؟
إنها شتى ترآى من بعد
واسألوها إنها ألسنة
يا ابن حرب للمنايا الحمر لد
لا تريدوا من بريد غيرها
إنها من قومكم خير البرد
لا تظنوا أنكم أكفاؤهم
إنها منكم لأحلام شرد
اذكروا الأبطال تهوي واتقوا
حاصد الموت كفاكم ما حصد •••
أرأيت الرعب يغتال القوى
مستبدا بالعتي المستبد؟
رجع القوم سراعا وارعوى
عاصف الشر فأمسى قد ركد
وتولوا فتولت أنفس
تتنزى وقلوب ترتعد
يقذف الوادي بهم قذف الحصى
تبلغ الريح به أقصى الأمد
غارة الله على أعدائه
تتوالى مددا بعد مدد
سوم الأحجار لو صبت على
ذلك الجمع المولى لم يعد •••
يا أبا عزة ماذا تتقي؟
يا أبا عزة أقبل لا تحد
أين تمضي؟ كل شيء مصرع
كل فج من فجاج الأرض سد
هل رعى السيف دما من عابث
ناكث من كل عهد ما عقد؟
تطلب العفو وتهذي ضارعا
ببنيات ضعيفات الجلد
أولم يمنن عليك المرتجى
لذوي الضعف فأكثرت الفند؟
تنظم الشعر ملحا حردا
ويك خذهها ضربة تشفي الحرد •••
وثب العدل يوالي صيده
وهو ظلم فاتك إن لم يصد
أخذ الذئبين في أنيابه
ما يبالي منهما ما يزدرد
لا تعودوا من صريعي شقوة
وليعد من كل حي من سعد
موغل في الشر يسعى دائبا
وحقود لو تزكى ما حقد
جاهلي زل في إسلامه
فهوى من بعدما كان صمد
أخطأته حظوة كانت له
حظوة الساعي وفوز المجتهد
احذر العقبى فما يدري الفتى
أي ورد إن دعا الداعي يرد •••
ابتدر يا سعد فالزاد نفد
واصطناع الخير أشهى ما تود
إبعث التمر على العير لها
من سجاياك العلى حاد غرد
تحمل التقوى وتمضي سمحة
في سوى ليس فيه من أود
موقرات أقبلت في جزر
تطرد العسر بيسر ورغد
ردت الجوع وصانت أنفسا
هي لله سيوف ما ترد
لك يا سعد لديه ولها
من جزاء غير نزر ما وعد
غزوة بني النضير
كانت هذه الغزوة في ربيع الأول من السنة الرابعة، وبنو النضير قوم من اليهود نقضوا العهود، وذهب إليهم النبي
صلى الله عليه وسلم
في أصحابه فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم، فخلا بعضهم ببعض يأتمرون به، وأراد رجل منهم - يقال له عمرو بن جحاش - أن يلقي عليه صخرة من أعلى الجدار ليقتله، فنبأه الله بذلك، فقام من مكانه، وقد انتهت هذه الغزوة بقهرهم، وإجلائهم عن ديارهم.
ما الكيد ما الغدر ما هذي الأباطيل؟
الجيش محتشد والسيف مسلول
بني النضير وما تغني معاقلكم
كفوا الأذى ودعوا العدوان أو زولوا
إن القتيل لمن غرته صخرته
فظن أن رسول الله مقتول
جاء البريد بها حران يحمله
من رحمة الملك القدوس جبريل
ما أكذب ابن أبي إذ يقول لكم
لا تتقوا القوم إن النصر مكفول
أولاكم النصح سلام وأرشدكم
لو أن نصح ذوي الألباب مقبول
مهلا حيي أما تنهاك ناهية
عما أردت ولا يهديك معقول؟
لا الحلف حق ولا الأنصار إن صدقوا
يغنون عنكم وأنى يصدق القيل؟
بنو قريظة هد الخوف جانبهم
والقوم من غطفان غالهم غول
إن الألى جمع الليث الهصور لكم
لهم الحماة إذا ما استصرخ الغيل
أتطلبون دم الإسلام؟ لا حكم
إلا السيوف ويقضي الأمر عزريل
هل ينفع القوم إن أزرى بهم قصر
عن مركب البأس آطام بها طول؟
ملوا الحياة وملتهم معاقلهم
كل بغيض وكل بعد مملول
يدعو كنانة محزونا وصاحبه
زال الخفاء وبعض القول تضليل
يا قومنا أرأيتم كيف يخلفكم
من كل ذي مقة وعد ومأمول؟
دعوا الحصون وزولوا عن مساكنكم
حم القضاء وأمر الله مفعول
قضى النبي فما من دون مطلبه
وسوله مطلب للقوم أو سول
وليس للأمر إذ يقضى على يده
بالحق من ربه رد وتحويل •••
تلفتوا ينظرون الدور شاهقة
من حولها النخل تحنيها العثاكيل
والماء ينساب والأظلال وارفة
والزرع في شطئه بالزرع موصول
قالوا أيذهب هذا كله سلبا
للقوم من بعدنا؟ تلك العقابيل
وأقبلوا يهدمون الدور فاختلفت
فيها المعاول شتى والأزاميل
لها على الكره في أرجائها لغة
كما تردد في الأسماع ترتيل
الروح يهتف والإسلام مبتهج
والكفر في صعقات الهول مخبول •••
يا للركائب إذ تمشي مذممة
والقوم من فوقها سود معازيل
العز في عرصات الدور مطرح
والمال والحلي في الأكوار محمول
قالوا الرحيل فما أصغت مثقفة
ولا استجاب طرير الحد مصقول
نادى الموكل بالأدنى يعللهم
وفي الأباطيل للجهال تعليل
هذا الذي يرفع الدنيا ويخفضها
هيهات ذلك إرجاف وتهويل
مواكب العار لا وسم الهوان بها
خاف ولا أثر الخذلان مجهول
ما في الهوادج والديباج يملؤها
للخزي ملء وجوه القوم تبديل
وما الأساور والأقراط نافعة
ولا العقود الغوالي والخلاخيل
تشدو القيان بأيديها معازفها
وما عليها غداة الجد تعويل
تجلدوا يتقون الشامتين بهم
لبئسما زعم القوم المهازيل
فيم الشماتة هل كانوا ذوي خطر؟
بل غال أحلامهم ظن وتخييل
لهم بخيبر أقدار مؤجلة
وأذرعات وللأقدار تأجيل •••
أدركتها يا ابن وهب نعمة نصرت
في القوم جدك والمغرور مخذول
تلك الوسيلة من تعلق بها يده
لم يعده من عطاء الله تنويل
وأنت يا ابن عمير زدت مرتبة
وللمراتب عند الله تفضيل
أنكرت فعلة عمرو حين هم بها
فالنفس غاضبة والمال مبذول
رميته من بني قيس بمقتنص
يمشي الضراء فامسى وهو مأكول
أتلك إذ صدقت يا عمرو أم حجر
يرمي به الصادق المأمون إجفيل؟
غزوة ذات الرقاع
اختفلت الروايات في شأن هذه الغزوة، فقيل: إنها كانت في شهر ربيع الثاني، وقيل: في جمادى الأولى من السنة الرابعة بعد غزوة بني النضير، وفي بعض الروايات أنها كانت بعد غزوة خيبر، وقيل في تسميتها «ذات الرقاع» إن المسلمين نقبت أقدامهم وسقطت أظفارهم فيها، فلفوها بالخرق، فسموها ذات الرقاع، وقيل: إنها سميت كذلك لأنهم رفعوا راياتهم فيها، وقيل غير ذلك.
وسببها أن النبي
صلى الله عليه وسلم
علم أن بني محارب وبني ثعلبة «بنجد» يؤلبون الجموع من غطفان لمحاربته، فخرج إليهم في أربع مئة، أو سبع مئة، أو ثمان مئة من أصحابه، فلما بلغ نجدا لم يجد رجالا يقدمون على حربه، وهمت طائفة منهم أن يوقعوا بالمسلمين عند صلاة الظهر، فصلى النبي بهم صلاة الخوف، وترقبوا صلاة العصر فكانت كذلك:
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة
الآية، ولم تنشب الحرب في هذه الغزوة التي وقع فيها من العجائب ما جعلهم يسمونها (غزوة العجائب)، وقد وجد المسلمون بعض النسوة فأخذوهن.
إلى القوم الألى جمعوا الجموعا
إلى نجد كفى نجدا هجوعا
أبت شمس الهدى إلا طلوعا
ففاض شعاعها يغشى الربوعا
ويسطع في جوانبها سطوعا
إلى غطفان إنهم استعدوا
وظن غواتهم أن لن يهدوا
بني غطفان جدوا ثم جدوا
جرى القدر المتاح فلا مرد
بني غطفان صبرا أو هلوعا
مشى جند النبي فأي جند؟
وأين مضى الألى كانوا بنجد؟
تولى القوم حشدا بعد حشد
حذار البطش من جن وأسد
ومن ذا يشتهي الموت الفظيعا؟
نساء الحي ما صنع الرجال؟
أمكتوب عليكن القتال؟
لكن الأمن إن فزعوا فزالوا
أما ومحمد وهو الثمال
لقد نلتنه حرزا منيعا
إليه إليه إن بكن ضعفا
وإن به لمرحمة وعطفا
وفيه من التقى ما ليس يخفى
وما حاولت ترجمة ووصفا
فلست لمثل ذلك مستطيعا
نزيل الشعب من يحمي سواكا
ولكن قل تبارك من هداكا
أترقد ها هنا وهمو هناكا؟
أما من كالئ يرجى لذاكا
إلى أن يبعث الله الصديعا؟
ألا طوبى لعباد بن بشر
وعمار كفاية كل أمر
رسول الله نحن لهم ويجري
قضاء الله إن طرقوا بشر
كعهدك إذ جرى سما نقيعا
وأجرى الأمر عباد سويا
فقام ونام صاحبه مليا
وكان بأن يناصفه حريا
محافظة على المثلى وبقيا
قريع شدائد وافى قريعا
لربك صل يا عباد فردا
وزد آلاءه شكرا وحمدا
ومحكم ذكره فاجعله وردا
فإن له على الأكباد بردا
وإن أذكى الجوانح والضلوعا
ولا ح سواده فرماه رام
أتى إثر الحليلة في الظلام
فديتك يا ابن بشر من همام
أما تنفك عن نزع السهام
تحامي عن صلاتك ما تحامي
وجسمك واهن الأعضاء دام؟
أما لك يا ابن بشر في السلام
وقد جرت الدماء على الرغام؟
ألا أيقظ أخاك من المنام
كفاك فقد بلغت مدى التمام
وما تدع القنوت ولا الخشوعا
رأى عمار خطبك حين هبا
فلم ير مثله من قبل خطبا
يقول ونفسه تنهد كربا
أيدعوني الحفاظ وأنت تأبى؟
لقد كلفت أمرا منك صعبا
ولو أيقظتني لشفيت قلبا
جرحت سواده جرحا وجيعا
وأبصر شخصه الرامي الملح
فزلزل قلبه للرعب نضح
وأمسك منه تهتان وسح
وما إن راعه سيف ورمح
ولكن مسه خبل فريعا
تولى يخبط الظلماء ذعرا
ويحسب درعه كفنا وقبرا
ألا أدبر جزاك الله شرا
ظفرت بصابر وأبيت صبرا
فآثرت الهزيمة والرجوعا
وجاء غويرث يبغي الرسولا
ويطمع أن يغادره قتيلا
كذلك قال يستهوي القبيلا
غويرث رمت أمرا مستحيلا
فهل لك أن تثوب وأن تريعا؟
أتيت محمدا تبدي السلاما
وتخفي الغيظ يضطرم اضطراما
تقول مخاتلا أرني الحساما
وتأخذه فلا ترعى الذماما
أغدرا؟ يا له خلقا وضيعا
تهم به ولست بمستطيع
فأين مضارب السيف الصنيع؟
وكيف وهت قوى البطل الضليع؟
تعالى الله من ملك رفيع
يريك جلاله الصنع البديعا
سألت رسوله أفما تخاف
وسيفك في يدي موت ذعاف؟
أراك من الموارد ما يعاف
فلا فرق عراك ولا ارتجاف
فيا لك كرة خسرت جميعا
فقال محمد ربي يقيني
ويمنع مهجتي ويصون ديني
وصارمه تلقى باليمين
ألا بوركت من هاد أمين
ترد أناته الحلم النزيعا
أخذت السيف لو تبغي القصاصا
لما وجد المسيء إذا مناصا
تقول له بمن ترجو الخلاصا
إذا أنا لم أرد إلا اقتناصا
فلن تجد الولي ولا الشفيعا؟
يقول غويرث كن خير مولى
وأنت أحق بالحسنى وأولى
فقال له أتؤمن؟ قال كلا
ولكني أعاهد ثم ولى
ودين الله يطلبه سريعا
وحدث قومه يا قوم إني
بخير الناس قد أحسنت ظني
رأيت خلاله فرجعت أثني
عليه وقد مضى الميثاق مني
فلست لمن يناوئه تبيعا
أعز الله شيخ الأنبياء
وأيده بآيات وضاء
ألم تخبره ترجمة الرغاء
بما يجد البعير من البلاء؟
توجع يشتكي سوء الجزاء
وفقدان المروءة والوفاء
أيذبحه ذووه على العياء
وبعد الجد منه والمضاء؟
رثى لشكاته حق الرثاء
وراض ذويه من بعد الإباء
فمتع بالسلامة والبقاء
وراح فأي حمد أو ثناء
يؤدي الحق أو يجزي الصنيعا
غزوة بدر الآخرة
ويقال لها (غزوة الموعد)؛ لقول أبي سفيان عند رجوعه من أحد: موعد ما بيننا وبينكم بدر - يريد موسمها - كانت في شهر شعبان من السنة الرابعة، خرج النبي إليها في ألف وخمس مئة من أصحابه، وكان يحمل لواءه (علي بن أبي طالب)، وذهب نعيم بن مسعود الأشجعي (قبل إسلامه) وهم يتأهبون للخروج فأخبر المشركين بأمرهم، فجعل له أبو سفيان عشرين بعيرا إذا هو عاد إلى المدينة فثبط المسلمين عن القتال، وأوهمهم أن المشركين في جمع كثير، فما زادهم هذا إلا ثباتا وقوة:
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل .
وكره أبو سفيان القعود خشية العار، فأجمع أن يخرج بالمشركين ثم يرجع بهم من مكان قريب، فلما بلغوا (مجنة)، وهي سوق معروف من أسواق العرب، قال لهم: يا معشر قريش، لا يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه الشجر وتشربون الماء، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا، وأقام النبي بجيشه في بدر مدة الموسم، وهي ثمانية أيام، ينتظر القوم، ثم رجع إلى المدينة.
إليك أبا سفيان لا الوعد صادق
ولا أنت ذو جد ولا القوم أبطال
أتاك ابن مسعود بأنباء يثرب
فما تنقضي منكم هموم وأوجال
لكم عند بدر في لواء محمد
خطوب ترامى بالنفوس وأهوال
هنالك قوم يا ابن حرب كأنهم
إذا عصفت ريح الكريهة أغوال
جنود عليها من علي مظفر
لدى الروع جياش على الهول جوال
دع المرء يذهب بالأباطيل مرجفا
وعده جزاء الإفك لا حبذا المال
تردد يخشى منك شيمة مخلف
يقول فلا وعد وفي ولا قال
تمسك من قول ابن عمرو بموثق
وطارت به في الجو هوجاء مجفال
مضى يصف الكفار وصف مهول
يقول جموع ما تعد وأرسال
فما وجفت تلك القلوب ولم تكن
كأخرى لها من هدة الرعب زلزال
رجال رسا الإيمان ملء نفوسهم
فلا الجبن منجاة ولا البأس قتال
ولا الموت مكروه على العز ورده
ولا العيش مورود إذا خيف إذلال
تداعوا فقالوا حسبنا الله إنه
لما شاء من نصر الهداة لفعال
وأرسلها الصديق ديمة حكمة
لها من فم الفاروق سح وتهطال
محمد إن الله ناصر دينه
ومظهره والحق أقطع فصال
لهم موعد لا بد منه ومورد
من الحتف تغشاه نفوس وآجال
عزيز علينا أن نكون مقالة
يرددها قوم مهاذير جهال
يقولون لولا الخوف منا لأقبلوا
وإنا لإقدام حثيث وإقبال
وخف أبو سفيان يكذب نفسه
ويشهدها من خيفة كيف يحتال
يقول وقد وافى الرجال مجنة
أيا قومنا مهلا فإنا لضلال
أيا قومنا إنا نرى العام مجدبا
وشر عتاد الحرب جدب وإمحال
فعودوا إلى عام من الخصب صالح
ولا تقربوا الهيجاء فالقوم أصلال •••
تقدم جيش الله وارتد جيشهم
وما فيه أكفاء تهاب وأمثال
وأين من الصيد المصاليت معشر
لهم من مواليهم لدى البأس خذال؟
لبئس الموالي ما تزال تغرهم
ظنون كأحلام النيام وآمال •••
ألا إنها الدنيا أعيد بناؤها
وصيغ لها رسم جديد وتمثال
فلا شأنها الذي كان يرتضى
بنوها الألى بادوا ولا حالها الحال
عفا السالف المغبر من سيئاتها
فتلك بقاياها قبور وأطلال
أتبقى قلوب الناس في ظلماتها
تظاهر أكنان عليها وأقفال؟
هو النور نور الله يملأ أرضه
فتلقى الهدى فيه عصور وأجيال
أتى مطلق الأسرى يحرر أنفسا
لها من سجاياها قيود وأغلال
غزوة دومة الجندل
هي أقرب بلاد الشام إلى المدينة، وكانت هذه الغزوة في أواخر السنة الرابعة، على رواية، وفي ربيع الأول من السنة الخامسة على رواية أخرى، وسببها أن النبي
صلى الله عليه وسلم
أخبر أن بهذه البلدة قوما يظلمون من مر بها، ويعتدون عليه، وأنهم يريدون الاقتراب من المدينة، فخرج إليها في ألف من المسلمين، فلما اقترب الجيش منها خاف القوم فتفرقوا ، وأصاب المسلمون من ماشيتهم ورعاتهم ما أصابوا.
وفي الرجوع من هذه الغزوة وادع النبي عيينة بن حصن الفزاري، وأباح له أن يرعى بمحل بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلا، فلما سمنت مواشيه، وعاد إلى أرضه وقد زال عنها الجدب، أغار على لقاح النبي، وكان يقال له (الأحمق المطاع)، ومن سوء خلقه أنه دخل على النبي بغير استئذان، وفيه يقول (صلوات الله وسلامه عليه): «شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه»، أسلم بعد فتح مكة، وشهد حنينا والطائف، ثم ارتد في خلافة الصديق، ولحق بطليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة فآمن به، فلما هرب طليحة أسره خالد بن الوليد وبعثه إلى الصديق في وثاق، فمن عليه وأسلم.
سيري الهوينى دومة الجندل
أمعنت في الظلم ولم تجملي
أكل من مر خفيف الخطى
ترمينه بالفادح المثقل؟
المسلمون استصرخوا ربهم
فاستعصمي منه ولن تفعلي
مضى رسول الله في جحفل
ما مثله في البأس من جحفل
يمشي إذا اسودت وجوه الوغى
في ساطع من وحيه المنزل
لولا الذي استعظمت من أمره
لم يهزم القوم ولم تخذلي
أهلوك طاروا خوف تقتاله
فأيهم بالرعب لم يقتل؟
كل له من نفسه ضارب
إن يدبر الخوف به يقبل
تلك لعمري من أعاجيبهم
ويبتلي ربك من يبتلي •••
شردهم مذكور من دارهم
لا كنت من دار ومن منزل
هلا رعوا إذ أدبروا جفلا
ما ريع من أنعامك الجفل؟
ماذا يريد الجيش من عورة
حلت من الذلة في موئل؟
لولا المروءات وسلطانها
لانقض أعلاها على الأسفل
شريعة الإسلام في أهله
أهل الحجا والشرف الأطول
وسنة المختار من ربه
والمصطفى من خلقه المرسل
جاء بملء الأرض من نوره
والناس من حيرى ومن ضلل
لا عذر للمصروف عن رشده
لم يبق من داج ولا مجهل
معالم الإيمان وضاحة
والحلق ملء العين للمجتلي •••
إيه قنيص الله في حبله
ظفرت بالأمن فلا توجل
جئت معافى في يدي صائد
لم يخدع الصيد ولم يختل
أقبل فهذا خير من أبصرت
عيناك في الجيش وفي المحفل
هذا الذي أعرض عن حقه
قومك من باغ ومن مبطل
لو أنهم جاءوه فاستغفروا
رأوا سجايا المنعم المفضل
أسلمت تأبى دينهم أولا
فمرحبا بالمسلم الأول •••
عيينة المغبون في نفسه
ماذا جنى من دائه المعضل؟
حمله ما لو تلقت ذرى
مستشرف العرنين لم يحمل
ألوى به الجدب فأفضى إلى
أكناف واد معشب مبقل
من أنعم الغيث الكثير الجدا
ومكرمات العارض المسبل
حتى إذا أعجبه شأنه
وغره من ماله ما يلي
أتى بها شنعاء مكروهة
من سيئات الأحمق الأثول
بئس المغير انقض في غرة
على لقاح الغابة الهمل
ما وقعة اللص بمأمونة
ولا أذاة الضرع الذمل
آذى رسول الله في ماله
وآثر الغدر ولم يحفل
لو ارتضى دين الهدى صانه
وزانه بالخلق الأمثل •••
يا أم سعد لست من همه
سعد عن الأهلين في معزل
إن أهله إلا الألى استوطنوا
دار الوغى في دومة الجندل
لا تذرفي الدمع على راحل
في الله لولا الله لم يرحل
واستقبلي الموت على هوله
إني أراه سائغ المنهل
ظمئت من سعد إلى نظرة
تطفئ حر اللاعج المشعل
رواك رب الناس من سرحة
ألقى عليها ظله من عل
تؤتي الجنى كالأري طيبا إذا
كان الجنى كالصاب والحنظل
صلاة أصفى الناس مما سقى
أفنانها ذو النائل السلسل
لو وزنت كل صلاة بها
من أنبياء الله لم تعدل
يا أم سعد إنها نعمة
جاءتك لم تطلب ولم تسأل
هذا جوار الله فاستبشري
وهذه جناته فادخلي
غزوة بني المصطلق
بنو المصطلق بطن من خزاعة، والمصطلق لقب جذيمة بن سعد بن عمرو الخزاعي، لقب به لارتفاع صوته (من الصلق)، وقيل إنه كان حسن الصوت، وأنه أول من غنى في خزاعة.
بلغ النبي
صلى الله عليه وسلم
أن الحارث بن ضرار سيد بني المصطلق جمع قومه وآخرين من العرب لمحاربته، فبعث إليهم بريدة بن الحصيب يتعرف أخبارهم، وأذن له أن يقول فيه ما يشاء؛ ليأمنوه ويقوه شرهم، ورجع يذكر تأهبهم للحرب، فخرج إليهم النبي يقود جيشا كبيرا في شعبان من السنة الخامسة، وبعث الحارث عينا له ليوافقه بأخبار المسلمين، فأمر النبي بقتله، فضعفت نفسه، وتفرق عنه كثير من رجاله.
وأعطى النبي راية المهاجرين إلى أبي بكر - وقيل لعمار بن ياسر - وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة، وأمر عمر بن الخطاب أن يقول للمشركين: «قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم»، فلم يقبلوا ورموا المسلمين بالنبل، فدار القتال، وكان النصر لله ورسوله وللمؤمنين، فغنموا وأسروا وسبوا، وعادوا بنعمة من الله وفضل، وكان من السبايا (برة) بنت الحارث بن ضرار، بنى عليها النبي
صلى الله عليه وسلم
وسماها (جويرية)، فقال المسلمون:أصهار رسول الله، وأطلقوا من كان بأيديهم من الأسرى والسبايا، وفي الرجوع من هذه الغزوة كانت واقعة أم المؤمنين السيدة عائشة (ضي الله عنها).
نهضت من كل أوب تلتقي
فاحذروها يا بني المصطلق
إحذروها غارة ملمومة
يتقي أهوالها من يتقي
لا تظنوا جمعكم كفؤا لها
حين تمضي في العجاج المطبق
سرحوا الجيش وكفوا إنها
مصرع الجيش وحتف الفيلق
نعق الحارث يدعوكم إلى
أن تبيدوا ليته لم ينعق
لا يغرنكم رسول جاءكم
مبغض القلب محب المنطق
يا رسول الصدق ماذا جمعوا
لذوي البأس وأهل المصدق؟
الألى تتسع السبل بهم
للمنايا في المجال الضيق
يخفق النصر على أعلامهم
إن تردى كل جيش مخفق
ما يبالون المنايا النكر في
مرعد من هولها أو مبرق
لأبي بكر وسعد نظرة
بعد أخرى كالشواظ المحرق
في اللواءين ضياء منهما
واضح المطلع طلق المشرق
وعلى الفاروق من إيمانه
ما على صمصامه من رونق
وعلي وابن عمار هما
عدة الحرب لهول المأزق
يترامى القائد الأعلى بهم
في عباب للمنايا مغرق
جاش فيه كل زخار القوى
يرتقي من لجه ما يرتقي
خير خلق الله في شكته
يمتطي خير العتاق السبق
سحر القوم ومن آياته
رقية السحر وطب الأولق
نزل الذكر عليه فانطوى
مصحف الحبر وسفر البطرق
وسع الكتب جميعا ووعى
من سناها كل معنى مونق
علم الدنيا الهدى فيما مضى
وهو خير هاديا فيما بقي
عربي فتحت آياته
كل باب للمعاني مغلق
في أساليب حسان غضة
وفنون حرة لم تطرق
نفحات الحق في أبهى الحلى
من رياحين البيان المورق •••
نهض الفاروق يدعوهم إلى
ملة الخير دعاء المشفق
فأبى القوم وقالوا ديننا
إن ندعه لسواه نفسق
ومشى جاسوسهم يبغي الأذى
فمشى عزريله في المفرق
قيل أسلم قال لا فاحتقبت
نفسه إثم الغوي الأحمق
يا أبا برة ليس البر أن
تتولى فاتئد واستوثق
أفمن يعتق من رق الهوى
أنفس الناس كمن لن يعتق؟
يا أبا برة لا تأب الهدى
وبمن حولك فارأف وارفق
قلتم الحرب وقتلاها وما
هي بالأمر الأحب الأخلق
وتوالى النبل يهمي صوبه
فوق صوب من نجيع مهرق
إذ يقول الله في عليائه
لرسول الله سدد وارشق
قادة ما صادفوا أكفاءهم
وجنود مثلها لم يخلق
ذعر الجمع فلو أن القطا
طار في آثاره لم يلحق
صد عن ظمأى العوالي ولوى
كل صب في المواضي شيق
فجعوا في النهب والسبي معا
وسقوا أسوأ شرب المستقي •••
نعمت برة ماذا تشتكي
من أسى برح وهم مقلق؟
يا ابنة الحارث طيبي وانعمي
أي رزق صالح لم ترزقي؟
ذاك جو المجد وضاح السنا
حلقي ما شئت فيه حلقي
إصطفاك الله فيمن يصطفي
وانتقى بيتك فيما ينتقي
واحتوى التاج المحلى درة
منك من يلمح سناها يطرق
فارقي أسر ابن قيس واشكري
يا ابنة الحارث فصل المطلق
اللباب المحض من رسل الهدى
منذ كانوا والصميم المعرق
حط عنك الإصر برا ورثى
لك من ضر شديد مرهق
ورعى حقك لا يبغي سوى
أن تكوني بالمحل الأليق
إسلام الحارث بن ضرار (رضي الله عنه)
جاء الحارث بن ضرار إلى المدينة يسوق إبلا في فداء ابنته برة، ولم يكن قد علم أنها أسلمت، وتزوجت من النبي
صلى الله عليه وسلم ، فلما أتى وادي العقيق رغب في بعيرين كانا من أفضل هذه الإبل، فاستبقاهما في شعب من شعاب هذا الوادي ليرجع بهما إلى دياره، ثم أقبل فقال: يا محمد، أصبتم ابنتي وإنها لكريمة لا تسبى، وهذا فداؤها، فقال له: «أين البعيران اللذان عقبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا؟»، قال: أشهد أنك رسول الله، ما اطلع على ذلك إلا الله.
أقبل الحارث يحدو إبله
وبه من طول هم ما به
سيد القوم يريد ابنته
ويروم الذب عن أحسابه
قال ويحي كيف تسبى برة
وأبو برة في أثوابه؟
حرة من حرة أنجبها
ونماها نابه من نابه
إبلي سيري وأمي يثربا
واطلبي ليث الوغى في غابه
شرفي آبى عليه وابنتي
أفتدي منه ومن أصحابه •••
ساقها إلا بعيرين هما
من صفايا المال أو صيابه
غودرا في جانب الوادي وما
يجلب الأمر سوى أسبابه
قال دعها يا رعاك الله لي
واشف هذا القلب من أوصابه
إنها بنتي التي ربيتها
في حمى العز وفي محرابه
أعطنيها وتقبل ما معي
من فداء جل عن أضرابه
قال بل أحدثت أمرا لم تخف
سوء ما يغشى الفتى من عابه
غاب عن ذودك ما استبقيته
لك في الوادي وفي أعشابه
يا أبا برة إني لأرى
موضع العودين في أنقابه
قال أسلمت وما أدنى الهدى
يا رسول الله من طلابه
وضح الحق فما من حجة
لغبي القلب أو مرتابه
إنه لله فضل ما له
غير من يؤثر من أحبابه
نكص الشرك على أعقابه
وهوى القائم من أنصابه
يا رسول الله لا كان امرؤ
لم يكن دينك من آرابه
شرف الأخلاق من أحكامه
والتقى والبر من آدابه
أنت نعم الصهر مجدا وسنا
إن طلبنا المجد في أقطابه
جئت بالخير بشيرا لم تزل
تصدع الأغلاق عن أبوابه
تلك بنتي دخلت فيه معي
ما خشينا المنع من حجابه
بركة أم المؤمنين جويرية (رضي الله عنها)
قالت عائشة (رضي الله عنها): لا أعلم امرأة أكثر بركة على قومها من جويرية؛ أعتق بتزويجها من رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أهل مئة بيت.
جويرية احمدي عقبى البناء
بنى بك خير من تحت السماء
بلغت به ذؤابة كل عال
من الشرف الممنع والسناء
وكنت لقومك الأدنين يمنا
يريهم يمن خير الأنبياء
فكم أسرى فككت وكم سبايا
رددت إلى الخدور بلا فداء
محررة الرقاب كفاك فضلا
صنيعك بالرجال وبالنساء
كشفت الضر عنهم بعد يأس
وأحييت الرميم من الرجاء
توالى المسلمون على سبيل
من الكرم المحبب والسخاء
لأجلك آثروا البقيا وقالوا
علينا العهد عهد الأوفياء
أمن وصل النبي فكان صهرا
كمنقطع من الأقوام ناء؟ •••
خذوا يا قوم أنفسكم وعودوا
إلى أوطانكم بعد الجلاء
سموا بنفوسهم وبني أبيهم
إلى دين المروءة والإباء
ورد الله غربتهم وفازوا
بنعمته فنعم ذوو العلاء
هو الإسلام ما للنفس عنه
إذا ابتغت السلامة من غناء
نظام الأرض يدفع كل شر
وطب القوم ينزع كل داء
إذا انصرفت شعوب الأرض عنه
فبشر كل شعب بالشقاء
بين الخزرج والمهاجرين
كان المسلمون على الماء بعد انتهاء هذه الغزوة، فاختصم أجير لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) اسمه جهجاه مع رجل من حلفاء الخزرج، وهو سنان بن فروة، فضربه الأول حتى سال منه الدم فنادى: يا معشر الأنصار، ونادى الضارب: يا معشر المهاجرين، فأقبل جمع من الجيشين وشهروا السلاح، فكادت تكون فتنة عظيمة لولا أن خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وقال: «ما بال دعوى الجاهلية؟»، فقالوا: رجل من المهاجرين ضرب رجلا من الأنصار، فقال: «دعوها - يريد دعوى الجاهلية - فإنها منتنة»، فترك المضروب حقه، وسكنت الفتنة.
جهجاه ما لك هجتها مذمومة
هوجاء لولا الله ظلت تعصف؟
الخزرج انطلقوا لنصر حليفهم
ومضى لنصرتك الكماة الدلف
لسنان إذ تؤذيه منك بضربة
أولى وأخلق من تحب وتألف
هفت السيوف إلى السيوف وأوشكت
صم الرماح على الرماح تقصف
ومشى النبي يقول يا قوم اسكنوا
أكذاك تضطرب الجبال وترجف؟
تدعون دعوى الجاهلية جهرة
فمن الدعاة من الهداة الهتف؟
أولستم النفر الذين بنورهم
يجد السبيل الحائر المتعسف؟
ردوا السيوف إلى جماجم معشر
فيهم مرد للسيوف ومصرف •••
هدأ الرجال وراح ظالم نفسه
يهذي فيمعن أو يظن فيسرف
لج النفاق فقائل لا يستحي
مما يقول وسامع لا يأنف
ما بال من جمحت به أهواؤه
أفما يزال على الغواية يعكف؟
يؤذي رسول الله يزعم أنه
في قومه منه أعز وأشرف
ويقول موعدنا المدينة إذ يرى
أي الفريقين الأذل الأضعف
فلنخرجن محمدا منها غدا
وليعلمن الأمر ساعة يأزف •••
سمع ابن أرقم ما يقول فهاجه
غضب يضيق به التقي الأحنف
ومضى يقص على النبي حديثه
فيكاد عنه من الكراهة يصدف
قال اتئد فلقد يغان على الفتى
فيزل منه السمع أو يتحرف
فمضى على أسف يلوذ بعمه
فيلام غير مكذب ويعنف
قال اقتصد يا عم ما أنا بالذي
يغضي إذا اغتاب الرسول محدف
ثقلت علي من الغبي مقالة
جلل تهد بها الجبال وتنسف
والله لو ألقى صواعقها أبي
لحملتها وذهبت لا أتخفف •••
روي الحديث وغيظ من مكروهه
عمر فغيظ المشرفي المرهف؟
أغرى بقائله مخوف غراره
ما كان يعلم من أذاه ويعرف
سأل الرسول الإذن فيه لعله
يشفيه من دمه بما يترشف
فأبى وقال أليس من أصحابنا؟
دعه فتلك أشد ما أتخوف •••
وأتى ابنه فدعا أبي أنا خصمه
فدعوه لي إني به لمكلف
مرني رسول الله أكفك أمره
فلقد عهدتك راحما تتلطف
إني أحب أبي وأعرف حقه
ولأنت بي وبه أبر وأرأف
سيفي أحق به فإن يك غيره
عظم الأسى فيه وهال الموقف
إني لأخشى أن أرى دم مؤمن
بيدي لأجل أبي يراق وينزف
قال النبي ارفق بشيخك وارعه
إن العقوق من البنين لمتلف •••
القاذف الجبار زلزل قلبه
بالرعب يلقى والمخافة تقذف
ضاقت مذاهبه فأقبل ضارعا
وأخو الهوان الضارع المستعطف
جحد الحديث وراح يحلف ما جرى
صدق المنبئ وافترى من يحلف
إن ابن أرقم لم تكن لتخونه
أذن تعي وتصون ما تتلقف
يبقى بها نقش الكلام كأنما
نقشت على الصخر الأصم الأحرف
صور إذا ولي اللسان أداءها
فالزور من أعدائها والزخرف
ما رمت وصفا حسب زيد أنه
بفرائد الوحي المنظم يوصف
الله أنزله بيانا صادعا
كبت الألى قلبوا الأمور وزيفوا
كشف الغطاء عن النفاق بسورة
نزلت وكان غطاؤه لا يكشف
جرم إذا استخفى مخافة ذاكر
نادى الزمان به وضج المصحف
عبد الله بن أبي بن سلول بعد نزول (سورة المنافقون)
كان مما قاله النبي
صلى الله عليه وسلم
لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وهو يستأذنه في قتل عبد الله بن أبي: «ترعد له إذن أنف كثيرة بيثرب»، فلما نزلت سورة المنافقون صار قومه يعاتبونه ويعنفونه، فقال النبي لعمر: «كيف ترى يا عمر؟ إني والله لو قتلته يوم قلت لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته»، قال عمر: قد والله علمت لأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أعظم بركة من أمري.
ما يكسب المرء من إثم ولا يزر
إلا أحاط به من ربه قدر
وليس للنفس إن خابت وإن خسرت
إلا عواقب ما تأتي وما تذر
جلبت يا ابن أبي شر ما جلبت
نفس على قومها لو كنت تعتبر
زودت قومك خزيا لم يدع أحدا
إلا قلاك وأمسى صدره يغر
تتابع الوحي ترميهم قواعدها
لما تتابع منك اللغو والهذر •••
قالوا استجر برسول الله ملتمسا
سبل النجاة فما يغنيك منتظر
إن تلفه حين ترجوه وتسأله
مستغفرا لك لا يعلق بك الغمر
فقال يا ويلكم ما زلت أتبعكم
حتى هلكت فلا جاه ولا خطر
لم يبق فيما أرى إلا السجود له
يقضي به الحق أو يقضي به الوطر
أذلك الجد منكم أم هو السخر؟
دعوا اللجاج فهذا مطلب عسر
وصد مستكبرا يلوي لشقوته
رأسا يغيظ الظبى أن ليس يهتصر
يزيده الجهل طغيانا ويصرفه
عن الهدى من أفانين الهوى سكر •••
قال الرسول ونار الغيظ تلفحهم
ألم أقل لك لا تقتله يا عمر؟
لو قمت يومئذ بالسيف تأخذه
بعثتها غضبة جأواء تستعر
تلك الأنوف التي كنا نحاذرها
أمست سلاما فلا خوف ولا حذر
لو قلت للقوم جيئوني بهامته
رأيتهم يفعلون اليوم ما أمروا •••
تبين الرشد للفاروق وانحسرت
عن جانبيه غواشي الظن والستر
فقال بوركت من هاد لأمته
تعيا بحكمته الألباب والفكر
لسنا كمثلك في علم ومعرفة
أنت الإمام وهذا النهج والأثر
تدري من الأمر ما تخفى ظواهره
وما لنا فيه إلا الرأي والنظر
في معجزاتك للغاوين تبصرة
وفي علومك للجهال مزدجر
صلى عليك الذي آتاك من شرف
ما ليس يبلغه جن ولا بشر •••
هذا ابنه جاءه غضبان يمسكه
دون المدينة للمختار ينتصر
يقول تلك ديار لست تدخلها
حتى تفيء وحتى يعلم الخبر
أنت الأذل فقلها غير كاذبة
إن كنت حرا فبئس الكاذب الأشر
فقالها مرة حرى وأرسلها
كأنها روحه من فيه تنحدر
مشى أعز بني الدنيا وأشرفهم
قدرا وأرفعهم ذكرا إذا ذكروا
حل المدينة منه ليث ملحمة
لا النصر يخطئه فيها ولا الظفر
فليعرف الحق قوم ضل رائدهم
وارتد قائدهم خزيان يعتذر
قصة أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)
لما رجع النبي
صلى الله عليه وسلم
بالمسلمين من غزوة بني المصطلق، وكانت عائشة وأم سلمة (رضي الله عنهما) معه، بات الجيش في مكان على مسافة من المدينة، وقبل أن يؤذن الناس بالرحيل ذهبت تقضي حاجتها فجاوزت الجيش، وفي عودتها إلى رحلها أحست أنها فقدت عقدا لها، فرجعت إلى المحل الذي كانت فيه تلتمسه، وأمر الجيش بالرحيل وهي لا تزال في التماسه، وأقبل الموكلون لها فحملوا هودجها، ووضعوه على البعير الذي كانت تركبه، وهم يظنون أنها فيه، ثم سار الجيش وعادت فلم تجد أحدا، وغلبتها عينها فنامت.
وكان صفوان بن المعطل السلمي على ساقة الجيش، فتخلف عنه وأصبح عند المنزل الذي بقيت فيه أم المؤمنين (رضي الله عنها)، فرأى سواد إنسان نائم، واقترب منه، وإذ عرفها أخذه الحزن ورفع صوته قائلا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فاستيقظت على صوته وخمرت وجهها بجلبابها، وصمت صفوان بعد ذلك فلم يزد على أن أناخ راحلته وقال: أمه، قومي فاركبي، ثم سار بها فأدرك الجيش بعدما نزل عند الظهر، قالت (رضي الله عنها): فلما نزلنا هلك من هلك بالقول والافتراء ...
والذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول، فإنه أول من أشاع الإفك في العسكر، ثم برأها الله فشرح صدر النبي والمؤمنين بهذه البراءة:
إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم
إلى بقية الآيات العشر (سورة النور).
سيد الرسل وأم المؤمنين
بشر الأبطال بالنصر المبين
خرجت في الجيش ترجو ربها
عصمة الراجي وعون المستعين
ينصر الحق ويقضي أمره
إن رماه كل أفاك مهين
إصبري إن جل أمر إنها
يا ابنة الصديق دنيا الصالحين
أرأيت الأرض لما رجفت
إذ هوى عقدك؟ بل لا تشعرين
اقشعرت وتمنت لو هوى
كل عال من رواسيها مكين
أنت في شأنك إذ تبغينه
وهي في هم وغم وأنين
سوف يبدي الخطب عن روعته
بعد حين فاصبري حتى يحين •••
رفعوا الهودج والظن بها
أنها فيه وساروا مدلجين
وانجلى الليل عن الخطب الذي
غادر الإصباح مسود الجبين
أين غابت أي أرض نزلت
كيف غم الأمر؟ هل من مستبين؟
يا رسول الله صبرا إنها
في ذمام الله رب العالمين
يا أبا بكر رويدا إننا
لنراها في حمى الروح الأمين •••
رجعت والليل في بردته
دائم الإطراق كالشيخ الرزين
ذهب الجيش وأمست وحدها
غير أصداء من الوادي الحزين
خطرت في الجو من أنفاسها
خطرات للأسى ما ينقضين
ماج كالبحر طغت أثباجه
وارتمت أهواله حول السفين
نام عنها الهم لما رقدت
فهو في الأحشاء مكتوم دفين
وأتى صفوان ما يبدو له
غير شيء ماثل للناظرين
يرسل الطرف ويمشي نحوها
مشية المرتاب في رفق ولين
عرف الخطب فما أصدقه
حين يدعو دعوة المسترجعين
دعوة رنت فلو قيل اسمعوا
لسمعنا اليوم ترداد الرنين
أيقظت عائشة من نومها
مثلما يوقظها صوت الأذين
جفلت منه فغطت وجهها
وهي في سترين من عقل ودين
يصرف اللحظ كليلا دونها
خاشع القلب كدأب المتقين
قرب الناقة منها ودعا
إركبي أماه مليت البنين
أخذ المقود يمنا ومضى
يتبع الماضين من أهل اليمين
ينتحي يثرب بالنور الذي
يملأ الدنيا ويعيي المطفئين •••
نشروا الإفك فسادا وأذى
وعلى الله جزاء المفسدين
لا ينال الحق في سلطانه
كذب الحمقى وإفك المرجفين
يا لها من عصبة فاسقة
هاجها للشر شيخ الفاسقين
وجدت فيه زعيما حاذقا
وإماما بارعا للمفترين •••
هكذا يا ابن أبي هكذا
لا يكن شأنك شأن المسلمين
انفث السم وخضها فتنة
تتلظى نارها للخائضين •••
يا ابنة الصديق صبرا ليته
ألم المرضى وهم الموجعين
يا لها من علة لو تعلمين
إنها أبرح مما تشتكين
أعقب البشر عبوس وبدا
من رسول الله ما لا ترتضين
كيف تيكم ليس من عاداته
كيف تيكم؟ يا لهم من مجرمين
غيروه فلوى من عطفه
وطوى من لطفه ما تعهدين
وهو يخفي لك ما لا ينقضي
من هوى صاف وشوق وحنين
سجن السر وكم من روعة
لك يا أماه في السر السجين •••
أنصتي فالليل مصغ أنصتي
وقع الخطب فماذا تصنعين؟
جاشت النفس ولجت رعدة
لم تدع في القلب من ركن ركين
مسطح لا قر عينا مسطح
شبها نارا تهول المصطلين
فضحته عثرة من أمه
فانظري كيد ذويك الأقربين
لا تلوميها إذا ما غضبت
إنها تعلم ما لا تعلمين
أرسلتها دعوة واحدة
ليتها زادت على حد المئين
تعس الثعلب ما أخبثه
فدعى بدرا وآساد العرين •••
رجعت في غمرة من همها
لم تبت منها بليل الراقدين
لوعة مشبوبة في سقم
في شئابيب من الدمع السخين
يا رسول الله هل تأذن لي؟
إن بيتي بمصابي لقمين
مر ودع همي لأمي وأبي
إنما استأذنت خير الآمرين
بان حسن الصبر والعزم انطوى
وأرى السقم مقيما ما يبين
قال ما شئت هلمي فافعلي
لك يا صاحبتي ما تؤثرين •••
ذهبت يحزنها أن لم تكن
طوح الدهر بها في الذاهبين
ثم قالت وهي تبكي عجبا
لك يا أماه ماذا تكتمين؟
أفلا نبأتني ما زعموا؟
ويحهم ما حيلتي في الزاعمين؟
ظلموني ما رعوا لي حرمة
رب كن لي ما أقل المنصفين •••
جزع الصديق مما نابه
إنه خطب يهول الأكرمين
قال أف لك من داهية
ما رمينا بك في ماضي السنين
أفلما زاننا دين الهدى
ساءنا منك حديث لا يزين؟ •••
كيف تيكم؟ يا لها صاعقة
أرسلت من فم خير المرسلين
كيف تيكم؟ كيف تيكم كلما
جاء إن الله مولى الصابرين
إصبري يا ربة العقد الذي
زين من عينيك بالدر الثمين •••
أوجعتها من علي شدة
هي من دأب الأباة الأولين
سلط الضرب على مولاتها
أي سر عندها للضاربين؟!
أقسمت صادقة ما علمت
غير ما يدفع دعوى الواهمين
التقى والبر في تاجيهما
هل رأى التاجين أعلى المالكين؟ •••
مرحبا بالحق يحمي جنده
ما استباحت ترهات المبطلين
مرحبا بالوحي يجلو ما طوت
ظلمات الشك من نور اليقين
مرحبا بالروح يلقي من عل
رحمة الله تغيث المؤمنين
فتنة جلت فلما انكشفت
أزلفوا الشكر وراحوا راشدين
وتجلت غمرة الهادي فلا
ريبة تغشى ولا ظن يرين
يا ابنة الصديق طيبي وانعمي
ذاك حكم الله خير الحاكمين
ضرب القوم بماض مخذم
من مواضيه فولوا مدبرين
سقطوا صرعى عليهم غبرة
من قتام البغي تخزي الظالمين •••
أمسك الصديق من معروفه
ينكر الغدر وينهى الغادرين
وطوى عن مسطح نعمته
ليرى حق الكرام المنعمين
عاله دهرا فلما خانه
راح يجزيه جزاء الخائنين
سنة العدل قضاها من قضى
سنة الرحمة بين الراحمين
نزل الذكر بها قدسية
فعفا الناقم وارتاح الضنين •••
إجعل الخير قرينا إن أبى
كل غاو إنه نعم القرين
جل ربي وعلا كل امرئ
بالذي يكسب من أمر رهين
غزوة الخندق
لما أصاب بني النضير ما أصابهم شق ذلك على اليهود، فسار من سادتهم إلى مكة حيي بن أخطب، وسلام بن مشكم، وكنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس، وأبو عامر الفاسق، وجعلوا يحرضون المشركين على قتال النبي
صلى الله عليه وسلم ، ويعاهدونهم على أن يكونوا معهم، فرحب بهم أبو سفيان وقال لهم: لا نأمنكم إلا إن سجدتم لآلهتنا، فسجدوا، وخرج من بطون قريش خمسون رجلا فألصقوا أكبادهم بالكعبة، وتعلقوا بأستارها يتحالفون على النصرة وحرب النبي، ثم جاءوا إلى غطفان، وجعلوا لهم تمر خيبر سنة إن هم نصروهم فرضوا.
وتأهبت الجموع للحرب، وكانت القيادة العليا لأبي سفيان، وقدم المدينة ركب من خزاعة، فأخبر النبي بما أجمعوا عليه، فجمع الصحابة وشاورهم في الأمر، وهل يخرجون من المدينة للقاء العدو أم يبقون فيها للدفاع عنها؟ فقال سلمان الفارسي (رضي الله عنه): يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا، فركب النبي في رجال من المهاجرين والأنصار، وجعل يرتاد أفضل المواقع لحفر الخندق، ثم أقبلوا يعملون فيه والنبي بينهم، وقد انتهت هذه الغزوة بقهر المشركين، وكسر شوكتهم، وكانت في شهر شوال من السنة الخامسة، وهو قول الجمهور.
إذهب حيي مذمما مشئوما
أحشدت إلا جمعك المهزوما؟
إن تغضبوا لبني النضير فإنه
خطب يراه بنو أبيك عظيما
القوة انصدعت فكيف بكم إذا
ترك الهداة بناءكم مهدوما؟
سرتم تحكون الجراح ولا أرى
مثل الجراح إذا امتلأن سموما
رحب أبا سفيان إن لمثلهم
من مثلك الترحيب والتسليما
جمع الهوى بعد التفرق بينكم
بئس الهوى يصلي النفوس جحيما
تذكي سيوف الله من أضغانكم
نارا تصيب من القلوب هشيما
ضموا القبائل واجمعوا أحزابكم
سترون بأس محمد مضموما •••
قال ابن حرب لليهود مقالة
لم تلق إلا فاسقا وأثيما
إن كان حقا ما زعمتم فاعبدوا
ما نحن نعبد وانبذوا التحريما
خروا لآلهة ابن حرب سجدا
لا ينكرون صنيعه المذموما
كفر على كفر رموا بركامه
والكفر أقبح ما يرى مركوما
سئلوا عن العلم القديم فزوروا
وأذى المزور أن يكون عليما
قالوا شهدنا دينكم خير لكم
من دين صاحبكم وأصدق سيما •••
خف الرجال إلى البنية إنهم
كانوا أخف من اليهود حلوما
عقدوا لهم حلفا على أستارها
والله يعقد أمره المحتوما
هل ألصقوا الأكباد من سفه بها
أم ألصقوا إحنا بها وكلوما؟ •••
غطفان هبي للكريهة واغنمي
من تمر خيبر حظك المقسوما
كذب اليهود وخاب ظنك إنهم
لم يبلغوا أن يرزقوا المحروما
لن يطعموك سوى سيوف محمد
وستعلمين ذعافها المطعوما
ما أكذب الأحزاب يوم تعاهدوا
أن لا يبالوا الصادق المعصوما
جعلوا أبا سفيان صاحب أمرهم
كن يا ابن حرب قائدا وزعيما
كن كيف شئت فلن ترى لك ناصرا
ما دمت لله العلي خصيما •••
جمعوا الجنود وجاء ركب خزاعة
يبدي الخفي ويظهر المكتوما
حمل الحديث إلى الرسول فزاده
بأسا وزاد المسلمين عزيما
نزلوا على الشورى بأمر نبيهم
يبغي لأمته السبيل قويما
قال انظروا أنقيم أم نمضي معا
نلقى العدو إذا أراد هجوما؟
فأجابه سلمان نحفر خندقا
كصنيع فارس في الحروب قديما
حملوا المساحي والمكاتل ما بهم
أن يحملوها أنفسا وجسوما
هي عندهم لله أو هم عندها
خدامه سبحانه مخدوما
دلفت قروم محمد في شأنها
تلقى بيثرب من ذويه قروما
يسعى ويعمل بين عيني ربه
طلق الجلالة بالهدى موسوما
دأب الإمام فما ترى من رائث
إن الإمام يصرف المأموما
حمل التراب فظل يثقل ظهره
ويقلقل الأحشاء والحيزوما
وإذا رأيت خليفتيه رأيته
لله في ثوبيهما ملموما
ومضت بعمار وزيد همة
لم تبق من هم الجهاد مروما •••
سلمان أحسنت الصنيع ونلته
نسبا مضى فقضى لك التقديما
لما تنافس فيك أعلام الهدى
حكم النبي فأنصف المظلوما •••
سلمان منا آل بيت محمد
ولقد نسبت فما نسبت زنيما
الدين يجمع ليس منا من يرى
في أهله عربا ويعرف روما
والأكرم الأتقى تبارك ربنا
إنا نطيع كتابه المرقوما
الله مولاكم وأنتم شعبه
لا تذكروا شعبا ولا إقليما •••
سلمان دعها كدية توهي القوى
وترد كل محدد مثلوما
إضرب رسول الله كم من صخرة
لم تألها صدعا ولا تحطيما
من ليس يبلغ من جبابرة القوى
ما أنت بالغه فليس ملوما
بشر جنودك بالفتوح ثلاثة
تدع العزيز من العروش مضيما
وصف المدائن والقصور لمعشر
مثلتها صورا لهم ورسوما
أبصرتها في نور ربك ما رأت
عيناك آفاقا لها وتخوما
ما زلت تحدث كل أمر معجز
لولا النبوة لم يكن مفهوما
جهل العجائب معشر لم يعرفوا
منهن إلا السحر والتنويما
لله أسرار تريك جلاله
إن شاء فض كتابها المختوما
والعلم إن ضل السبيل ولم يلد
ما يرشد الجهلاء كان عقيما
بلوى ذوي الأسقام أكثرها أذى
بلوى أخي عقل تراه سقيما •••
بلغ الطوى بالقوم غاية جهده
وكأنما طعموا الصفايا الكوما
جيش يصوم على الدئوب ولم يكن
لولا أمانة ربه ليصوما
من كل مبتهج يضج مكبرا
في الحرب يدعو الواحد القيوما •••
كانت فتاتك يا ابن سعد إذ أتت
غوثا وخيرا للغزاة عميما
جاءت ببعض التمر تطعم والدا
برا وخالا في الرجال كريما
ألقى عليه الله من بركاته
فكفى برحمته وكان رحيما
أخذ النبي قليله فدعا الطوى
داعي الرحيل وما يزال مقيما
جمع الجنود وقال هذا رزقكم
فكلوا هنيئا واشكروه نعيما
فرحوا بنعمة ربهم وتبدلوا
حالا تزيد الكافرين وجوما •••
هذا الذي صنع الشويهة قادم
أحبب بذلك مشهدا وقدوما
حيا النبي وقال جئتك داعيا
ولقد أراني في الرجال عديما
ما لي رعاك الله غير شويهة
لو زادها ربي بذلت جسيما
أعددتها لك يا محمد مطعما
يشفيك من سغب أراه أليما
يكفيك من ألم الطوى وعذابه
حجر يظل على الحشا محزوما •••
سار الرسول بجنده ومشى الذي
صنع الشويهة حائرا مهموما
يا رب صاع واحد وشويهة
دبر وادو فقد دعوت حكيما
وضع الطعام فظل يشرق وجهه
بشرا وكان من الحياء كظيما
وضع النبي يديه فيه فزاده
رب يزيد رسوله تكريما
تلك الموائد لو يقال لها انظمي
شمل الشعوب رأيته منظوما
كرم صميم راح يورث جابرا
شرفا يفوت الوارثين صميما •••
والأشهلية إذ يجيء رسولها
يمشي بجفنتها أغر وسيما
الله علمها مناقب دينه
فشفى الخبال وأحسن التعليما
لولا مراشده تقوم خلقه
لم يعرفوا الإصلاح والتقويما
نهض الحماة به ولو لم يهتدوا
لم يبرحوا في القاعدين جثوما
بعد حفر الخندق
لما انتهى المسلمون من حفر الخندق أمر النبي
صلى الله عليه وسلم
أن يجعلوا ظهورهم إلى جبل (سلع)، وأن يستعدوا للقاء العدو، ثم أعطى لواء المهاجرين إلى زيد بن حارثة، ولواء الأنصار إلى سعد بن عبادة، وأمر بصرف الغلمان الذين لم يبلغوا الخامسة عشرة من سنهم، وكانوا يعملون في الخندق، وكان بنو قريظة على عهد معه
صلى الله عليه وسلم ، فما زال حيي بن أخطب بسيدهم كعب بن أسد القرظي حتى نقض العهد، ومزق الصحيفة، وكان أبو سفيان هو الذي حرض ابن أخطب على ذلك.
مضت السيوف وولت الأرباب
فإلى الهزيمة أيها الأحزاب
لا اللات نافعة ولا أخواتها
كل بلاء واقع وعذاب
في السفح من سلع قضاء رابض
والويل حين يثور أو ينساب
يبغي الفرية والمنية مخلب
ويصول والأجل المعجل ناب
هو يا ابن حرب ما علمت وحربوا
الغيل بسل والليوث غضاب
أشفى سليط وابن عوف ضغنكم
أم ثم ضغن واغر وضباب؟
لا بوركت تلك السيوف فإنها
لتصيب من أعدائها فتصاب
كل الذي نلتم ونالت من دم
عطب يتاح لكم معا وتباب •••
زيد وسعد في الفوارس فانظروا
إن كان يصدق نفسه المرتاب
الله أكبر كل شيء دونه
صدق الذين دعاهم فأجابوا
ثوبوا جموع المشركين فإنما
غرتكم الأوثان والأنصاب
لا يعجبن بني قريظة غدرهم
فمحمد للغادرين عقاب
هب ابن أخطب فاستزل بمكره
كعبا وأمر الجاهلين عجاب
يا للصحيفة إذ يمزقها أما
ينهاه عن خطأ الغواة صواب؟ •••
خطر الفحول فأين تذهب فتية
ملد السواعد والسيوف رطاب؟
قال النبي دعوا القتال لمعشر
بلغوا النصاب فللقتال نصاب
إن تذهبوا ناجين من غمراته
فلكم إليه مرجع ومآب
لن يحرموا في الله أجر جهادكم
إذ تعملون ويعمل الأصحاب
عنق المجاهد ليس يغمط حقه
سيان سيف قاطع وتراب
الخندق الهيجا حملتم عبئها
والأمر جد والخطوب صعاب •••
هاتيك خيل ابن الوليد وصحبه
تدنو فتطمع تارة وتهاب
باب من الهيجاء لم تر مثله
فيما تسد وتفتح الأبواب
ذعر الفوارس في متون جيادهم
لما تردى الفارس الوثاب
نظروا فكان لهم بمصرع نوفل
خطب تطيش لهوله الألباب •••
الجو مستعر يشب أواره
ويعب فيه من اللهيب عباب
جرت النبال به يذيب وطيسها
بأس الألى لولا الرجاء لذابوا
ماذا لهم بعد الغرور وما لقوا
في الحرب إن كذب الرجاء وخابوا؟ •••
دفعوا الجياد وصاح عمرو صيحة
هاج الهزبر لها وماج الغاب
شيخ قضى في الغالبين لنفسه
فقضى عليه الأشوس الغلاب
يا عمرو خذها من علي ضربة
هي إن سألت عن الجحيم جواب •••
حبان لا سلمت يداك ولا سقى
أحياء قومك ما حييت سحاب
أرسلته سهما تضج لهوله
أمم الكتاب وتفزع الأحقاب
من ذا رميت؟ رماك ربك بالتي
تنهد من صدماتها الأصلاب
أخزيت أمك لا تحدث بعدها
عن طيب أمك ها هنا الأطياب
دم من جرحت وإن جهلت مكانه
في القوم مسك ساطع وملاب
سعد العشيرة والكتيبة حوله
أسد العرين تزينها الأحساب
الفارس المرجو يقدم قومه
عند الوغى والسيد المنتاب
إن جد جد الضرب فهو مهند
أو جن ليل الخطب فهو شهاب •••
أغرى عيينة وابن عوف مطمع
يعيا بأيسر أمره الطلاب
تركا أبا سفيان في غفلاته
وكأنما يلقى عليه حجاب
لم يبصر الذئبين حين تسللا
ومن الرجال ثعالب وذئاب
قالا رضينا السلم يشبع قومنا
تمرا وراضي السلم ليس يعاب
تمر المدينة إن أصبنا نصفه
فلكم علينا ذمة وكتاب
ندع القتال وإن أبى حلفاؤنا
فاشتد لوم واستحر عتاب
لهم الكريهة يطعمون سمومها
ولنا طعام سائغ وشراب •••
هاجا من السعدين سورة غضبة
هي للضراغم شيمة أوداب
أبيا اصطناع الرأي في وهج الوغى
لم تصطنعه قواضب وحراب
وتنازعا نظرا يهول ومنطقا
يوهي القلوب الصم وهي صلاب
من هم؟ أيجمل أن يقال تحكموا
فينا ونحن السادة الأقطاب؟
نحمي مدينتنا ونمنع نخلها
من أن يحوم على جناه ذباب •••
قال النبي بدا المغيب فارجعا
ولكل نفس موعد وحساب
النصر عند الله يجعله لنا
إن شاء وهو المنعم الوهاب
صبرا على حر القتال فإنه
خطب يزول وغمرة تنجاب •••
شغل القتال عن الصلاة وإنها
سكن لنا من ربنا وثواب
قم يا بلال مؤذنا لنقيمها
سكن القتال وزالت الأسباب
رب ارمهم بالنار ملء بيوتهم
وقبورهم فلو اتقوك لتابوا
وببأسك انصرنا وزلزل جمعهم
تزل الهموم وتذهب الأوصاب
عباد بن بشر (رضي الله عنه)
كان عباد بن بشر (رضي الله عنه) لا يفارق قبة الرسول الكريم ساعة من الليل، فهو يبيت طائفا حولها يحرسها من الأعداء، وكان بالخندق ثلمة يتفقدها
صلى الله عليه وسلم
بالليل مرة بعد أخرى ويقول: «ما أخشى أن يؤتى المسلمون إلا منها»، وقال مرة: «ليت رجلا صالحا يحرس هذه الثلمة الليلة»، فسمع صوت السلاح، فقال: «من هذا؟»، قال سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه): أنا يا رسول الله، جئت أحرسك، قال: «عليك هذه الثلمة فاحرسها»، وطافت خيل المشركين بالخندق، فبعث عباد بن بشر وأصحابه في وجوههم، ورماهم المسلمون بالنبل فانقشعوا .
من ينم عن لهذم أو مخذم
فابن بشر ساهر لم ينم
يحرس القبة ما فيها سوى
حارس الجيش وحامي العلم
هب يدعو يا ابن بشر خلني
إنها الخيل أراها ترتمي
كل لحم من جنودي ودم
فهو لحمي يا ابن بشر ودمي
خلني واذهب إلى القوم الألى
قذفونا بالرعيل المقدم
إمض في صحبك إني ها هنا
في حمى الله الأجل الأعظم
إحرسوا الخندق وارموا دونه
لا تخافوا كل غاو مجرم
أدركوا سعدا وكونوا مثله
إن رمى في الله سهما أو رمي
حارس الثلمة يلقي حولها
صخرة من عزمه لم تثلم
أدركوه واهزموها قوة
لن تنالوا النصر ما لم تهزم
انصروا الله وصونوا دينه
إن خير الدين دين المسلم
هو إن طم على الأرض الأذى
رحمة الأرض ومحيا الأمم
وإذا ما أظلمت أرجاؤها
فهو نور الله ماحي الظلم •••
ذهب الصحب كراما ورموا
بيد الله الأعز الأكرم
يذهب السهم سديدا راشدا
فهو ملء العين أو ملء الفم
وهو في النحر قضاء آخذ
نافذ في كل سد محكم •••
عادت الخيل سراعا وبها
من جنود الله مثل اللمم
وتولى الجند في زلزلة
تصدع الفيلق إن لم تهدم •••
حارت الأحزاب ماذا تنتوي
وبمن فيما دهاها تحتمي
خذلتها في الوغى آلهة
لو هوى الوادي بها لم تعلم
تطلب الغوث وما من سامع
أي غوث يرتجى من صنم؟
يا زعيم القوم أيقن واستفق
إنه الحق الذي لم تزعم
يا زعيم القوم هل من نادم؟
إنما يهلك من لم يندم
نهض القوم برأي مبصر
ودهتكم عثرة الرأي العم
إستفيقوا وانبذوا أربابكم
أو فذوقوا البأس مر المطعم
إنكم ممن كرهتم دينهم
بين نابي كل صل أرقم
نعيم بن مسعود الأشجعي وجنود الله
قدم نعيم بن مسعود الأشجعي على النبي
صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله، إني أسلمت، وإن قومي (غطفان) لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال له: «إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة»، وأجاز له أن يقول ما أراد، فذهب إلى بني قريظة وكان لهم نديما، فأخذهم بدهائه، وقال لهم كالناصح الأمين: لقد رأيتم ما وقع لبني قينقاع ولبني النضير من إجلائهم وأخذ أموالهم، وإن قريشا وغطفان ليسوا مثلكم، البلد بلدكم، وبها أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم، لا تقدرون على أن ترحلوا منه إلى غيره، فإن رأى هؤلاء نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم، وخلوا بينكم وبين محمد ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم سبعين رجلا يكونون بأيديكم.
قالوا: أشرت بالرأي والنصح، ودعوا له وشكروه ... ثم ذهب إلى أبي سفيان ومن معه من أشراف قريش فقال: قد عرفتم ودي لكم وفراقي لمحمد، وإني ناصح لكم، إن معشر يهود ندموا على ما صنعوا من نقض عهدهم الذي أعطوه محمدا، وقد أرسلوا إليه وأنا عندهم يقولون: هل يرضيك أن نأخذ لك من قريش وغطفان سبعين رجلا من أشرافهم تضرب أعناقهم وترد جناحنا الذي كسرت إلى ديارهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم؟ فقبل ذلك منهم ...
ثم ذهب نعيم إلى غطفان فقال: إنكم أهلي وعشيرتي، وأحب الناس إلي، ولا أراكم تتهمونني، قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتهم، فقال لهم مثل ما قال لقريش، فلما كانت ليلة السبت أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر منهم، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام وقد هلك الخف والحافر، فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه ... قالوا: إن غدا السبت وقد علمتم ما أصاب الذين اعتدوا منا يوم السبت، ومع ذلك فإنا لا نقاتل معكم حتى تعطونا سبعين رجلا رهينة، قالوا: صدق والله نعيم.
اختلفت كلمتهم، وبعث الله عليهم ريحا عاصفا نقلت بيوتهم وكفأت قدورهم، وسفت عليهم التراب، ورمتهم بالحصى، وكانوا يسمعون في أرجاء معسكرهم التكبير وقعقعة السلاح، ومزق الله جمعهم فانقلبوا خاسرين:
يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها .
أقبل نعيم هداك ربك ساريا
وكفى بربك ذي الجلالة هاديا
جئت النبي فقلت إني مسلم
من أشجع لم يدر قومي ما بيا
مرني بما أحببت في القوم الألى
كرهوا الرشاد أكن لأمرك واعيا
قال ارمهم بالرأي يصدع بأسهم
عنا ويتركه ضعيفا واهيا
عد يا ابن مسعود إليهم راشدا
واصنع صنيعك آمرا أو ناهيا
قال استعنت بمن هداك بنوره
ومحا بملتك الظلام الداجيا
ومضى فهز بني قريظة هزة
يغتال راجفها الأشم الراسيا
قال اتبعوا يا قوم رأي نديمكم
إني محضتكم الوداد الصافيا
أفما رأيتم ما أصاب محمد
من قومكم لما أطاعوا الغاويا؟
جهلوا فعاجلهم ببأس عاصف
لم يبق منهم في الجزيرة ثاويا
فدعوا قريشا لا تظنوا أمرها
من أمركم أمما ولا متدانيا
إن البلاد بلادكم فإن انثنت
ومضى البلاء فلن تصيبوا واقيا
إن تأخذوا سبعين من أبطالهم
رهنا يكن حزما ورأيا شافيا •••
وأتى قريشا في مخيلة ناصح
يبدي الهوى ويذيع سرا خافيا
يا قوم إن بني قريظة أحدثوا
أمرا طفقت له أعض بنانيا
قال المنبئ إنهم ندموا على
ما كان منهم إذ أجابوا الداعيا
بعثوا فقالوا يا محمد ما ترى
إن نحن أحسنا؟ أتصبح راضيا؟
نعطي سيوفك من قريش ثلة
ونسوق من غطفان جمعا رابيا
من هؤلاء وهؤلاء نعدهم
سبعين تقتلهم جزاء وافيا
وترد إخوتنا إلى أوطانهم
بعد الجلاء وكان حكمك ماضيا
كانوا على حدث الزمان جناحنا
فتركت ناهضه كسيرا داميا •••
ومشى إلى غطفان ينبئهم بما
سمعت قريش أو يزيد محابيا
أهلي منحت نصيحتي وعشيرتي
نبهت أخشى أن يجل مصابيا •••
هفت المخاوف بالنفوس فزلزلت
ومضت بها هوج الظنون سوافيا
لم يبق منها الأشجعي بمكره
ودهائه غير الهواجس باقيا •••
جلس ابن حرب في سراة رجاله
هما يطالعهم وخطبا جاثيا
والرهط من غطفان ينظر واجما
حينا ويهدر عاتبا أو لاحيا
لبثوا يدير الرأي كل مجرب
منهم فيا لك حيرة هي ما هيا •••
بعثوا فقالوا لليهود تأهبوا
للحرب نطوي شرها المتماديا
لم يبق من خف ولا من حافر
إلا سيصبح هالكا أو فانيا
طال المقام ولا مقام لمعشر
نزلوا من الأرض البعيد النائيا
أمست منازلهم بأرض عدوهم
والموت يخطر رائحا أو غاديا
قالوا أيوم السبت نبرز للوغى
ولقد علمنا ما أصاب الباغيا؟
لسنا نقاتل أو تؤدوا رهنكم
إنا نرى الداء المكتم باديا
سبعين إن خنتم قضينا أمرنا
فيهم ولن يجدوا هنالك فاديا •••
غضب ابن حرب ثم قال لقومه
صدق ابن مسعود وخاب رجائيا
غدر اليهود وتلك من عاداتهم
يا قوم ما للغادرين وما ليا؟
ما كنت أحسب والخطوب كثيرة
أن الأحبة يصبحون أعاديا •••
هذا بناء القوم مال عموده
فوهى وأصبح ركنه متداعيا
هدم الإمام العبقري أساسه
وسما بدين العبقرية بانيا
شيخ السياسة ليس يبعث غارة
أو يبعث الرأي المظفر غازيا
الله علمه فليس كفنه
فن وإن بهر العقول معانيا •••
الله أرسله عليهم عاصفا
متمردا يدع الجبال نوازيا
شرس القوى عجلان أهوج يرتمي
يزجي الغوائل مستبدا عاتيا
ما لامرئ عهد يظن بمثله
من بعد عاد رائيا أو راويا
قلب المنازل والبيوت فلم يدع
إلا مصائب مثلا ودواهيا
ألقى على القوم العذاب فما يرى
متزحزحا عنهم ولا متجافيا
الأرض واسعة الجوانب حولهم
ما مس منها عامرا أو خاليا •••
نزلت جنود الله رعبا بالغا
ملأ القلوب فما برحن هوافيا
وأتى حذيفة في مدارع غيهب
ألقى على الدنيا حجابا ضافيا
يتلمس الأخبار ماذا عندهم؟
أأفاق غاويهم فيصبح صاحيا؟
جاء الرجال يدس فيهم نفسه
والحتف يرقبه مخوفا عاديا
بيدي معاوية وعمرو أمسكت
كلتا يديه مواربا ومداجيا
لولا الرسول ودعوة منه مضت
لقي الأسنة والسيوف مواضيا
بلغ البلاء بهم مداه فلم يجد
منهم سوى شاك يطارح شاكيا
يدعو أبو سفيان يا قوم انظروا
إنا وجدنا الأمر صعبا قاسيا
فيم المقام؟ كفى التعلل بالمنى
هبوا فإني قد مللت مقاميا
حسبي على ألم الرحيل وحسبكم
أن يرجع الجيش العرمرم ناجيا
ثم اعتلى ظهر البعير وقال سر
لا كان ذا الوادي المروع واديا
فاهتاج عكرمة وقال أهكذا
يهن الزعيم ألا تقيم لياليا؟
إنزل وسر في القوم سيرة ماجد
لا تشمتن بك العدو ولا بيا
نزل الزعيم يجر حبل بعيره
ويقول سيروا مسرعين ورائيا •••
ساروا وقال ابن الوليد أما لنا
يا عمرو أن نلقى الليوث ضواريا؟
إن كنت صاحب نجدة فأقم معي
وليبق من رزقوا النفوس أوابيا
أبيا الرحيل حمية فتخلفا
وأباه قوم يتقون الزاريا
ثم استبد بهم قضاء غالب
فمضوا وأدبر جمعهم متراميا •••
ومضى حذيفة بالبشارة يبتغي
عند النبي بها المحل العاليا
وافاه في حرم الصلاة وقدسها
والنور نور الله يسطع زاهيا
حتى قضاها سمحة مقبولة
متهجدا يتلو الكتاب مناجيا
ركعات ميمون النقيبة مشرق
ترد السماء أهلة ودراريا
سمع الحديث فراح يحمد ربه
فرحا ويشكر فضله المتواليا •••
إن يجمع القوم الجنود فإنما
جمعوا مزاعم تفترى ودعاويا
جمعوا لأغوال يطول غليلها
مما تحاماها المنون تحاميا
من كل مقتحم سواء عنده
ورد المنية شاربا أو ساقيا •••
سر في عبيدك يا ابن حرب إنما
لاقيت منهم سادة ومواليا
لن تبلغ النصر المروم ولن ترى
إلا ظبى مهزومة وعواليا
ذهبت لطيتها الكتائب خيبا
وذهبت تبعث بالكتاب مناويا
بئس الكتاب عويت فيه ولن ترى
ضرغامة الوادي يخاف العاويا
ورفعت للأصنام فيه لواءها
وهي التي تركت لواءك هاويا
أتعيبها أن لم تكن عربية؟
أفما رأيت جمالها المتناهيا؟
أنكرت حسن الفارسية غيرة
وحسدتها فجعلت نفسك واشيا
زدها من الوصف البديع وغننا
لله درك يا ابن حرب شاديا
ماذا أصابك من كتاب محمد
لا تخف ما بك إن أردت مواسيا
أفما صعقت له وبت بليلة
تسري أراقمها فتعيي الراقيا؟
إنهض أبا سفيان نهضة مهتد
أفما تزال القاعد المتوانيا؟
غزوة بني قريظة
كانت هذه الغزوة يوم رجع المسلمون من غزوة الخندق، فأمر النبي
صلى الله عليه وسلم
بلالا (رضي الله عنه) فأذن في الناس بالقتال، وبعث مناديا يقول: يا خيل الله اركبي، ثم سار إلى بني قريظة في ثلاثة آلاف مقاتل، وكانت الراية في يد علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه).
ولجأ اليهود إلى حصنهم فحوصروا فيه خمسا وعشرين ليلة - على أصح الروايات.
ونصح كعب بن أسد كبير اليهود لقومه وعمرو بن سعدى، فلم يقبلوا، وضاق بهم الأمر، فبعثوا إلى النبي يطلبون أن يرسل إليهم أبا لبابة - من الأوس حلفائهم - فلما جاءهم قالوا: تحقن دماؤنا، ونأخذ ما تحمل الجمال إلا الحلقة السلاح، وعرض ذلك على النبي فأبى، وطلبوه ثانية ونزلوا عن الأموال والحلقة فأبى، ثم نزلوا على حكمه
صلى الله عليه وسلم ، وحكم سعد بن معاذ (رضي الله عنه)، فأمر بهم فكتفوا، وبالنساء والذراري فجعلوا ناحية، وقتل حيي بن أخطب في من قتل منهم.
ترامى الجيش واندفع الرعيل
فقل لبني قريظة ما السبيل؟
سلوا كعبا وصاحبه حييا
نزيل الشؤم هل صدق النزيل؟
أطعتم أمره فتلقفتكم
من الأحداث داهية أكول
وكان دليلكم فجنى عليكم
وقد يجني على القوم الدليل
دليل السوء لا عقل حصيف
يسدده ولا رأي أصيل
تفرقت الجموع وأدركتكم
جنود الله يقدمها الرسول
جهلتم ما وراء الغدر حتى
رأيتم كيف يتعظ الجهول
ألم تروا اللواء مشى إليكم
به وبسيفه البطل المهول؟
حذار بني قريظة من علي
ولا يغرركم الأطم الطويل
وما يجديكم الهذيان شيئا
وهل يجدي المخبل ما يقول؟
وما لبني القرود سوى المواضي
يكون لها بأرضهم صليل •••
تواروا كالنساء محجبات
حمتها في المقاصير البعول
خلا الميدان لا بطل ينادي
ألا بطل؟ ولا فرس يجول
أقاموا محجرين على هوان
أقام فما يريم ولا يحول
يرنق عيشهم جوع وخوف
كلا الخطبين أيسره جليل
يبيت الهم منتشرا عليهم
إذا انتشرت من الليل السدول
يلفهم السهاد فلا رقاد
يطيب لهم ولا صبر جميل
يخاف النوم أكثرهم سهادا
كأن النوم في عينيه غول
إذا مالت به سنة تنزى
يظن جوانب الدنيا تميل
تطوف بهم مناياهم طنونا
توهج في مخالبها النصول
بهم وبحصنهم مما دهاهم
وحاق بهم جنون أو ذهول •••
يقول كبيرهم يا قوم ماذا
ترون؟ أهكذا تعمى العقول؟
أليس محمد من قد علمتم
فما الخبل الملح وما الغفول؟
رسول الله ما عنه صدوف
لمن يبغي النجاة ولا عدول
أبعد العلم شك؟ بل ضللتم
على علم وذلكم الغلول
هلموا نتبعه فإن أبيتم
فليس لنا سوى الأخرى بديل
نضحي بالنساء وبالذراري
ونخرج والدم الجاري يسيل
بأيدينا السيوف مسللات
نصون بها الذمار إذا نصول
فإلا تفعلوا فالقوم منا
بمنزلة تنال بها الذحول
لهم منا غدا بالسبت أمن
فإن تك غرة شفي الغليل
هلموا بالقواضب إن أردتم
فما يغني التردد والنكول
عصوه وراضهم عمرو بن سعدى
فما اجتنب الجماح ولا الجفول
أبوها جزية ثقلت عليهم
وقالوا بئسما يرضى الذليل
ففارقهم على سخط وضغن
وراح يقول لا نعم القبيل
نهاهم قبل ذلك أن يخونوا
فكان الغدر والداء الوبيل •••
توالى الضر عبئا بعد عبء
فهد قواهم العبء الثقيل
دعوا يستصرخون ألا دواء
فقد أشفى على الموت العليل؟
لعل أبا لبابة إن ظفرنا
بمقدمه لعثرتنا مقيل
وأرسله النبي فخالفوه
وقالوا لا يصاب لنا قتيل
لكم منا السلاح إذا أردتم
وتنطلق الركائب والحمول
وعاد فراجعوه على اضطرار
وهان عليهم المال الجزيل
إليك أبا لبابة ما منعنا
وشر المال ما منع البخيل
خذوه مع السلاح وأطلقونا
فحسب محمد منا الرحيل
فقال دماؤكم لا بد منها
وذلك حكمه فمتى القبول؟
أجب يا كعب إن الأمر حتم
فماذا بعد إلا المستحيل
وما من معشر يا كعب إلا
على حكم النبي لهم نزول
نصحت لكم وما للقوم عذر
إذا نصح الحليف أو الخليل •••
هووا من حصنهم وكذاك تهوي
وتهبط من معاقلها الوعول
وجاءوا ضارعين لهم خوار
يجاوبه بكاء أو عويل
يبث الوجد مبتئس حزين
وتذري الدمع والهة ثكول
قضاء الله من قتل وسبي
مضى والبغي دولته تدول •••
يقول الأوس إن القوم منا
على عهد وقد طمت السيول
موالينا إذا خطب عناهم
عنانا ما يشق وما يعول
وهم حلفاؤنا نحنو عليهم
ونحدب إن جفا الحدب الوصول
أنقتلهم بأيدينا؟ فعفوا
رسول الله إن أثم الضلول
فقال جعلت أمر القوم طرا
إلى سعد فنعم هو الوكيل
وجيء به يقول له ذووه
ترفق إنك المولى النبيل
فقال دعوا اللجاج فإن سعدا
بنصرة ربه الأعلى كفيل
فصاح يقول وا قوماه منهم
رجال عزمهم واه كليل
أتى فأقر حكم الله فيهم
وآل الأمر أحسن ما يئول
علي والزبير لكل عضب
صقيل منهما عضب صقيل
هما استبقا نفوس القوم نهبا
وروح الله بينهما رسيل •••
تقدم يا حيي فلا محيص
ورد يا كعب ما ورد الزميل
لكل من شقاء الجد ورد
وسجل من منيته سجيل
أصابكما من الأقدار رام
هوى بكما فشأنكما ضئيل
لبئس السيدان لشر قوم
هم البرحاء والداء الدخيل
منابت فتنة خبثت وساءت
فلم تطب الفروع ولا الأصول
قلوب من سواد القوم عمي
وألباب من الزعماء حول
أضلهم الغباء فهم كثير
وعمهم البلاء فهم قليل •••
تخطفهم هريت الشدق ضار
له من محكم التنزيل غيل
فما نجت النساء ولا الذراري
ولا سلم الشباب ولا الكهول
تهللت المنازل والمغاني
وأشرقت المزارع والحقول
وبات الحصن مبتهجا عليه
لآل محمد ظل ظليل •••
لعمر الهالكين لقد تأذى
تراب في حفائرهم مهيل
طوى رجسا تكاد الأرض منه
تمور بمن عليها أو تزول
يساق السبي شرذمة بنجد
وأخرى بالشآم لها أليل
جلائب لا أب في السوق يحمي
ولا ولد يذب ولا حليل
تجر على الهوان ولا مغيث
بأرض ما تجر بها الذيول
أصاب المسلمون بها سلاحا
وخيلا في قوائمها الحجول
مكرمة تعد لكل يوم
كريم الذكر ليس له مثيل
إذا ذكرت مناقبه الغوالي
تعالت أمة واعتز جيل
مناقب ما يزال لها طلوع
إذا الأقمار أدركها الأفول
لها من نابه الأدب انبعاث
فما يخفي زواهرها الخمول
ضمنت لها البقاء وإن عنتني
من الدهر العوائق والشغول
وما تغني الخزائم حين تلوى
إذا انطلقت لحاجتها الفحول
تخلدها مصونات حسان
حرائر ما لها أبدا مذيل
صفايا الشعر لا خلق زري
يخالطها ولا أدب هزيل
لعل الله يجعلها ربيعا
لألباب أضر بها المحول
فوا أسفا أتطمعني القوافي
فيخلف مطمع ويخيب سول؟
ووا حربا أما يرجى فكاك
لأسرى ما تفارقها الكبول؟
ثابت بن قيس (رضي الله عنه) والزبير بن باطا
كان الزبير بن باطا (بزاي مفتوحة، وقيل مضمومة) شيخا من بني قريظة من على ثابت بن قيس في الجاهلية يوم بعاث حرب بين الأوس والخزرج كان الظفر فيها للأولين، أخذه فجز ناصيته، ثم خلى سبيله.
سأل ثابتا (رضي الله عنه) أن يشفع له لدى النبي
صلى الله عليه وسلم
لينجو من القتل، فجاءه وذكر له ما كان من أمره معه، وقال: يا رسول الله، إنها يد أحفظها له، وأحب أن أجزيه بها، فقال: «هو لك»، وعاد فأخبر الزبير فقال: شيخ كبير لا أهل له ولا ولد، فما يصنع بالحياة؟ ورجع ثابت فكلم النبي في أهله وولده. فقال: «هم لك»، وأخبر الشيخ فقال: أهل بيت بالحجاز لا مال لهم، فما بقاؤهم على ذلك؟ وشفع ثابت في ماله، فقال له الرسول الكريم: «هو لك».
قال اليهودي: أما أنت فقد قضيت ما عليك، فماذا فعل بالذي كان وجهه مرآة مضيئة، تتراءى منها عذارى الحي؟ يعني كعب بن أسد سيد بني قريظة، قال ثابت: قتل، قال: فما فعل بسيد الحاضر والبادي من يحملهم في الجدب ويطعمهم في المحل، حيي بن أخطب؟ قال: قتل ... ثم سأله عن آخرين من سادات قومه فقال: قتلوا، قال: أسألك يا ثابت أن تلحقني بالقوم، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير، أأرجع إلى دار قد كانوا فيها حلولا فأخلد فيها؟
فقال ثابت: ما كنت لأقتلك، وقدمه إلى الزبير بن العوام (رضي الله عنه) فقتله.
كذلك يشقى الجامح المتعسف
ويركب متن الظلم من ليس ينصف
يموت بسوء الرأي من ساء خلقه
وللمرء ذي التقوى عن الغي مصرف
أضاع الزبير الأمر والأمر مقبل
وآثر حد السيف والسيف يصدف
سعى ثابت يجزيه سالف صنعه
لدى محسن يسدي الجميل ويعطف
فقال رسول الله جئتك شافعا
لشيخ دعاني ضارعا يتلهف
حباني دمي يوم البعاث وفكني
وتلك يد بيضاء للشيخ تعرف
فهبه رسول الله لي إنني به
على ما ترى من شأنه لمكلف
فقال فعلنا ثم عاد شفيعه
يبشره بالعفو والشيخ يرجف
فجد له في المحسن السمح مطمع
وقال حياة شرها ليس يوصف
بني وأهلي ليس لي إن فقدتهم
سوى الموت إني عن حياتي لأعزف
فلما تسنى الأمر قال لثابت
أنبقى بلا مال فنشقى ونتلف؟
وجاد رسول الله بالمال رحمة
وبرا فراح الشيخ يهذي ويهرف
يسائل عن كعب وسادات قومه
ويطري سجاياهم فيغلو ويسرف
توجع لما قيل ذاقوا حمامهم
وقال أريد الموت فالعيش أخوف
خذ السيف واضرب يا ابن قيس فإنهم
هم الصحب ما لي بعدهم متخلف
كفى حزنا يا صاحبي أن تضمني
ديار بهم كانت تحب وتؤلف
أرحني أرحني يا ابن قيس بضربة
تبيت لها نفسي ترف وتنطف
تزودت من نأي الأحبة غلة
فهل أنت للصادي المعذب مسعف؟
فقال معاذ الله لست بفاعل
ومثلي يأبى ما تريد ويأنف
وجاء به يلقى الزبير على أسى
يغالبه والموت بالشيخ يهتف
وقال اسقه ري الغليل من الردى
فطاح به ماضي الغرارين مرهف
فيا لك من رأي سفيه ومركب
كريه وخطب فادح ليس يكشف
قضى ثابت حق المروءة وافيا
وبر رسول الله والبر مجحف
ولكن شيخ السوء أهلك نفسه
وذو الجهل يرمى من يديه ويقذف
سعد بن معاذ (رضي الله عنه) في خيمة رفيدة الأسلمية
لما رمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ (رضي الله عنه) في غزوة الخندق بسهم في أكحله أمر النبي
صلى الله عليه وسلم
أن يوضع في خيمة رفيدة الأسلمية (رضي الله عنها)، وكانت في جانب من مسجده ليعوده من قرب، فلما عاد إليها بعد أن أمضى رأيه في بني قريظة انفجر جرحه، فإذا الذين في المسجد يرون الدم يسيل إليهم، وله هدير من خيمة زوج رفيدة، وهو من (بني غفار)، فسألوا فقيل لهم: إنه سعد بن معاذ انفجرت جراحته فمات - وقد كان سأل الله حين أصابه ذلك السهم أن لا يميته حتى يشفي صدره من بني قريظة، وقد شفاه.
هدأ المخيم واطمأن المضجع
وأبى الهدوء الصارخ المتوجع
الحق جنب بالجراحة مثخن
وحشاشة تهفو وقلب يفزع
يا سعد خطبك عند كل موحد
خطب يجيء به الزمان ويرجع
السهم حيث تراه لا آلامه
ترجى عواقبها ولا هو ينزع
ما أنت حيث يكون سيد قومه
أين الولائد والفناء الأوسع؟
لك من رفيدة خيمة في مسجد
للمعشر الجفلى تقام وترفع
بل تلك منزلة الصفي بلغتها
فوفى الرجاء وصح منك المطمع
حدب الرسول عليك يكره أن يرى
مثواك مطرح الجوار ويجزع
جار الرسول وما بليت بحاسد
الخير والرضوان عندك أجمع
قال اجعلوا البطل المنوه باسمه
مني على كثب أراه وأسمع
وأعوده ما شئت أقضي حقه
وأرى قضاء الله ماذا يصنع؟
حسب المجاهد أن يكون بمسجدي
فلذلك الحرم الأعز الأمنع •••
الله خصمك يا ابن قيس إنه
سهم أصيب به التقي الأروع
لا أخطأتك من الجحيم وحرها
مشبوبه فيها تدع وتدفع •••
لمن الدم الجاري يظل هديره
ملء المسامع دائبا ما يقلع؟
أفما ترون بني غفار أنه
من عند خيمتكم يفيض وينبع؟
ماذا بسعد يا رفيدة خبري
إن القلوب من الجنوب تطلع؟
يا حسرتا هو جرحه يجري دما
بعد الشفاء ونفسه تتمزع
حضرت منيته وحم قضاؤه
ولكل نفس يومها والمصرع •••
ضج النعاة فهز يثرب وجدها
وهفا بمكة شجوها المتنوع
ركن من الإسلام زال وما انتهى
بانيه ذلكم المهم المفظع
خطب أصاب المسلمين فذاهل
ما يستفيق وجازع يتفجع •••
صبرا رسول الله إن تك شدة
نزلت فإنك للأشد الأضلع
أنت المعلم لا شريعة للهدى
إلا تسن على يديك وتشرع
تمضي على المثلى وكل يقتفي
وتجيء بالفضلى وكل يتبع
أقم الصلاة على الشهيد وسر به
في ظل ربك والملائك خشع
يمشون حول سريره عدد الحصى
فالأرض ما فيها لرجلك موضع
تمشي بأطراف الأصابع تتقي
ولقد تكون وما توقى الإصبع
العرش مهتز الجوانب يحتفي
والله يضحك والسماء ترجع •••
يا ناهضا بالدين يحمل عبأه
والبأس يعثر والسوابق تطلع
إهنأ بها حللا حملت حسانها
نورا على نور يضيء ويسطع
هذا مكانك لا العطاء مقتر
عند الإله ولا الجزاء مضيع
لك يوم بدر عند ربك مشهد
هو للهدى والحق عرس ممتع
نصر النبي به على أعدائه
والجو يظلم والمنايا تلمع
كانت مقالة مؤمن صدعت قوى
زعمت قريش أنها لا تصدع
بعثت من الأنصار كل مدرب
يقظ المضارب والقواضب هجع
يا سعد ما نسي العريش مقيمه
يحمي غياث العالمين ويمنع
لما توالى الزحف جئت تحوطه
وترد عنه المشركين وتردع
في عصبة ممن يليك دعوتها
فالبأس يدلف والحمية تسرع
قمتم صفوفا كالهضاب يشدها
راس على الهوال ما يتزعزع
ولقد رميت بني قريظة بالتي
سمع المجيب فهالك ومروع
أحبب بها من دعوة لك لم تمت
حتى أصابك خيرها المتوقع
نقع الإله غليل صدرك إنه
يشفي صدور المؤمنين وينقع
إن شيعوك فلم تجدني بينهم
فالخطب خطبي والبيان مشيع
الدهر معمور بذكرك آهل
ما في جوانبه مكان بلقع
رفيدة الأسلمية (رضي الله عنها)
أقامت هذه السيدة الفاضلة خيمة لمداواة جرحى المسلمين الذين ليس لهم من أهليهم وذوي قرابتهم من يقوم عليهم ويتولى أمورهم، وكانت هذه الخيمة المباركة في ناحية من مسجد الرسول الكريم بالمدينة.
رفيدة علمي الناس الحنانا
وزيدي قومك العالين شانا
خذي الجرحى إليك فأكرميهم
وطوفي حولهم آنا فآنا
وإن هجع النيام فلا تنامي
عن الصوت المردد حيث كانا
أعيني الساهرين على كلوم
تؤرقهم فمثلك من أعانا
هم الأهلون ما عرفوا أنيسا
سواك لهم ولا وجدوا مكانا
حباك الله من تقواه قلبا
وسوى من مراحمه البنانا
رفعت لأسلم ذكرا جليلا
يزاحم في مواكبه الزمانا
ضيوف الله عندك في محل
تذكرنا محاسسنه الجنانا
فيا لك خيمة للبر فيها
جلال لا يرام ولا يدانى
جلال الله ألقاه عليها
فجملها بروعته وزانا
نسيج من شعاع الحق بدع
نزيد على الزمان به افتتانا
تقل بدائع النساج عنه
وإن نسجوا اللجين أو الجمانا
وما يجد الأديب الفرد وصفا
يحيط به ولو أفنى البيانا
له في الذهن ترجمة ومعنى
جليل الشأن يعيي الترجمانا
لساني موثق يا رب هب لي
جناح الريح أجعله لسانا
فأذهب حيث شئت من القوافي
وأرسلها محببة حسانا
وألبسها رفيدة معجبات
ضوامن أن تجل وأن تصانا •••
رفيدة جاهدي ودعي الهوينى
فما شرف الحياة لمن توانى
ورب مجاهد بلغ الثريا
وما عرف الضراب ولا الطعانا
وكم هز الممالك في علاها
فتى ما هز سيفا أو سنانا
ومن لم يمتحن دنيا المعالي
فما امتحن الشجاع ولا الجبانا
رفيدة ذلك الإسلام حقا
تبارك من هداك ومن هدانا
تبارك ربنا ألقى علينا
سنا الوحي المنزل واصطفانا
هدينا العالمين به وإنا
لنحن القوم لا هاد سوانا
سعد بن عبادة (رضي الله عنه)
كان طعام المسلمين في هذه الغزوة التمر، يرسله سعد بن عبادة (رضي الله عنه)، فهو الذي مون الجيش، ومن مناقبه أنه أبى على عيينة بن حصن والحارث بن عوف أن يأخذا نصف تمر المدينة ليرجعا بمن معهما في غزوة الخندق، وكان سعد بن معاذ (رضي الله عنه) على رأيه في ذلك، ومن هذه المناقب طوافه على الأنصار يستفزهم للقتال في غزوة بدر، وقد غاب عن هذه الغزوة المباركة؛ لأن حية نهشته فلم يقدر على الغزو، وقال النبي
صلى الله عليه وسلم
في ذلك: «لئن لم يشهدها سعد لقد كان حريصا عليها»، ثم ضرب له بسهمه وأجره.
كان (رضي الله عنه) نقيب بني ساعدة (من الخزرج)، ومات بحوران من أرض الشام في السنة الرابعة عشرة، في خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وقبره بالمنيحة (قرية من غوطة دمشق).
يا مطعم الجيش أشبعت السيوف دما
لولاك ما شبعت يوما ولا طعما
أنت الحياة جرت في كل منطلق
تغشى الكمي وتغشى الصارم الخذما
تتابع الجود لا بخل ولا سأم
دين المروءة يأبى البخل والسأما
المسلمون يد لله عاملة
تمضي أصابعها في شأنها قدما
لا تشتكي إصبع من إصبع وهنا
ولا تغايرها إذ تشتكي الألما •••
يا سعد أديت حق الله من ثمر
لو كان من ذهب ما زدته عظما
كذلك الخير يدعى المرء مغتنما
إن راح ينهبه في القوم مغتنما
زادتك نخلك يا سعد بن ساعدة
فضلا وزادت على أمثالها كرما
هذا جناها بأيدي القوم منتهب
والله يكتب فانظر هل ترى القلما؟
أحصاه يا سعد عدا ثم ضاعفه
فلست تحصيه حتى تحصي الأمما •••
إدفع عيينة واردع جها صاحبه
إن الحديث حديث اللهو لو علما
تمر المدينة ما فيه مساومة
أو يرجع السيف عنه مترعا بشما
طعام كل فتى لله منتدب
لا يغمد السيف عمن يطعم الصنما
منعته ونصرت الله في همل
من عصبة الشرك لا يرضونه حكما
وصنته علما للحق تحفظه
لا يحفظ العرض من لا يحفظ العلما
ما يصنع الناس إن ضاعت محارمهم؟
وما على الأرض أن لا تحمل الرمما؟ •••
ألم تهب يوم بدر بالألى نفروا
للحرب يصلون من نيرانها ضرما؟
يا قوم إن جموع الكفر حاشدة
فأين يذهب دين الله إن هزما؟
إن لم يبت ناجيا من سوء ما اعتزموا
فلا نجا أحد منا ولا سلما •••
يا باعث القوم شتى من مجاثمهم
ما بال عزمك في آثارهم جثما؟
من حية السوء ألقيت السلاح على
كره ورحت تعاني الهم والسقما
كنت الحريص عليها وقعة جللا
لم تبق للكفر من آطامه أطما
كذاك قال رسول الله فابتهجت
منك المشاهد لم تنقل لها قدما
أعطاك سهمك يجزي نية صدقت
شريعة الله ما حابى ولا ظلما
غزوة بني لحيان
كانت في ربيع الأول من السنة السادسة، وسببها حزن النبي
صلى الله عليه وسلم
لما أصاب عاصم بن ثابت وأصحابه، والمنذر بن عمرو الخزاعي وأصحابه (القراء السبعين) رضي الله عنهم من غدر بني لحيان وفتكهم، وكانوا قد طلبوا منه أن يبعث إليهم من يفقههم في الدين، ويدعوهم إلى الإسلام، فقتلوا من قتلوا من الأولين في (الرجيع)، واستأصلوا هؤلاء عند (بئر معونة)، وكانت الواقعة الأولى في مستهل السنة الرابعة، والثانية في صفر من هذه السنة.
والواقعتان داخلتان في باب السرايا، وقد اعتمدنا في ملاحمنا هذه أن نبدأ بالغزوات ثم نأتي بعدها بالسرايا في مجموعة خاصة، فنحن إذن لا نجري على الترتيب التاريخي في هذين البابين احتفاظا بالوحدة النوعية في كل باب.
خرج النبي إلى هذه الغزوة في مئة من أصحابه فلما بلغ (وادي غراب) من منازل بني لحيان، وهو المكان الذي قتل فيه أصحاب الرجيع، ترحم عليهم، ودعا لهم بالمغفرة، فسمع القوم وهربوا في رءوس الجبال، فأقام يوما - أو يومين - يبعث السرايا في كل ناحية من نواحيهم، فلا تجد منهم أحدا، ثم رجع
صلى الله عليه وسلم .
بني لحيان لوذوا بالجبال
وقوا مهجاتكم حر القتال
أمن غدر إلى جبن؟ لعمري
لقد ضقتم بأخلاق الرجال
لكم من خصمكم عذر مبين
فليس لناره في الحرب صال
أما انصدعت قواكم إذ أخذتم
صحابته بمكر واحتيال؟
كذبتم ما لأهل الشرك عهد
وما الكفار إلا في ضلال
قتلتم عاصما بطلا مجيدا
مخوف الكر مرهوب النزال
فنون الحرب تعرفه عليما
بأسرار الأسنة والنصال
وتشهد أنه البطل المرجى
إذا فزع الرماة إلى النبال
رماكم ثم جالدكم فأدى
أمانته وأودى غير آل
وقاتل عقبة في يوم بدر
أيحفل حين يقتل أو يبالي؟
أردتم بيعه لينال وتر
رويدا إن صاحبكم لغال
وليس لدى سلافة من كفاء
لهامة ماجد سمح الخلال
حماه الله من دنس ورجس
وسوء المنكرات من الفعال
شهيد الحق تحرسه جنود
من الدبر المسلح للنضال
وعبد الله فيم قتلتموه
وسقتم صاحبيه بشر حال؟
طلاب المال يولع بالدنايا
ويلوي المرء عن طلب المعالي
رضيتم بيع أنفسكم ببخس
قليل النفع من إبل ومال •••
خبيب في يدي جاف شديد
يعذب في أداهمه الثقال
وزيد عند جبار عنيد
يصب عليه مختلف النكال
كلا أبويهما قتلا ببدر
فتلك حفائظ الرمم البوالي
يزيدهما البلاء هدى وعلما
بأن الحادثات إلى زوال
وأن لكل نفس منتهاها
وإن طمع المضلل في المحال
لكل مشهد عجب عليه
جلال الحق بورك من جلال
يروح الموت حولهما ويغدو
يكشر عن نواجذه الطوال
وذكر الله متصل يوالي
من العبق المقدس ما يوالي
هو الإيمان من يشدد قواه
يزلزل في الخطوب قوى الجبال •••
هنيئا يا خبيب بلغت شأوا
رفيع الشأن ممتنع المنال
ملأت يديك من رزق كريم
أتاك بغير كد أو سؤال
تنزل من لدن رب رحيم
عميم الجود فياض النوال
كل العنب الجني وزده حمدا
على حمد يدوم مدى الليالي
تقول الحارثية ما لعيني
أفي سحر تقلب أم خيال؟
أرى عنبا وما من ذاك شيء
بمكة يا لها عظة ويا لي
ويا لك من أسير ما علمنا
له بين الأسارى من مثال •••
أتى الأجل الذي انتظروا وهذي
سيوف القوم محدثة الصقال
فماذا في يمينك يا خبيب
وما بال الصغير من العيال؟
كأن بأمه حذرا عليه
نوازع من جنون أو خبال
ترى الموسى بكفك وهو رهن
بذبح فوق فخذك واغتيال
ولكن للكريم السمح ناه
من الشيم السنية والخصال
وماذا كنت تحذر من عقاب
وورد الموت محتضر السجال؟
وسعت عدوك الموتور حلما
ومكرمة على ضيق المجال
فأيكما الذي رمت السجايا
مروءته بأسر واعتقال
وأيكما القتيل؟ ومن سيبقى
حياة للأواخر والأوالي؟ •••
ألا إن الصلاة لخير زاد
وإن الركب آذن بارتحال
تزود يا خبيب وثق برب
لمثلك عنده حسن المآل
فسر في نوره الوضاح والبس
جمال الخلد في وطن الجمال
هنالك معرض لله فخم
بديع الصنع لم يخطر ببال
أترضى أن ترى خير البرايا
مكانك؟ ساء ذلك من مقال
صدقت خبيب إنك للعوادي
إذا هي أخطأته لذو احتمال
تبيع بشوكة تؤذيه نفسا
تشك صميمها صم العوالي
كذلك قال زيد الخير لما
تردى في السفاهة كل قال
همو قتلوك مصلوبا وأغروا
به وبك الضعاف من الموالي
رفيقك في التجلد والتأسي
وخدنك في التقدم والصيال
أتعتزلان دين الله خوفا؟
فمن أولى بخوف وابتهال؟
معاذ الله إن الله حق
وإن المجرمين لفي وبال
لدين الشرك أجدر باجتناب
وأخلق باطراح واعتزال
هو الداء العضال لمبتغيه
وكل الشر في الداء العضال
كمال النفس إيمان وتقوى
وماذا بعد مرتبة الكمال؟ •••
حبيس الأربعين ألا انطلاقا
كفاك ألم تزل ملقى الرحال؟
أسرك أن تظل مدى الليالي
جميع الشمل موصول الحبال؟
على خرقاء يكره من يراها
طلاب الود منها والوصال
علقت بها فما أحدثت هجرا
ولا حدثت نفسك بالزيال
يمل المرء صاحبه فيشقى
بصحبته وما بك من ملال
ويسلو كل ذي شجن ووجد
وأنت على مصابك غير سال
بليت بكل ذي قلب غبي
غدافي من الإيمان خال
لأنت الحجة الكبرى عليهم
فما نفع المراء أو الجدال؟ •••
تأهب يا خبيب أتاك غوث
يؤمك في ركائبه العجال
مضى بك يتبع الغرماء منه
بعيد مدى التعلل والمطال
تقاضوه فما ظفر التقاضي
بغير علالة النقع المذال
قطيع من طغام القوم يعدو
على آثاره عدو الرئال
فلما أوشكوا أن يدركوه
أهاب عليك يا رب اتكالي
وألقى بالشهيد فغيبته
طباق الأرض كنزا من لآل
يزين المسلمين إذا تداعت
شعوب الأرض من عطل وحال
طوت جسدا من الريحان رطبا
عليه جلالة الشيخ البجال
قضى وكأنه حي يرجى
لحسن الصنع من صحب وآل
يدير القوم أعينهم حيارى
كأن الله ليس بذي محال
ويأسف معشر باتوا سهارى
تفيض جراحهم بعد اندمال
أجاب الله دعوته فبادوا
وعادوا مثل محترق الذبال •••
بني لحيان ما صنع ابن عمرو
وماذا بالأسود من النمال؟
قتلتم صحبه وصرعتموه
فياللؤم والخلق الرذال
ولولا العذر لم يخشوا أذاكم
وهل تخشى القروم أذى الأفال؟
أأصحاب اليمين بكم أصيبوا
لأنتم شر أصحاب الشمال •••
بني لحيان وا عجبى لبأس
خبت جمراته بعد اشتعال
فررتم تتقون الموت زحفا
على القمم الشواهق والقلال
هو المسخ المبين فمن أسود
تصيد القانصين إلى وعال
دعوا الشرك المذل إلى حياة
من الإسلام وارفة الظلال
هو الدين الذي يحيي البرايا
ويصلح أمرهم بعد اختلال
يظل النور في الآفاق يسري
ويسطع ما تلا القرآن تال •••
أرى أمما على الغبراء مرضى
تبطن جوفها داء السلال
تخال أشد خلق الله بأسا
على الضعف المبرح والهزال
إذا ملأت جوانبها دويا
فلا تغررك جلجلة السعال
مخضبة الجنان لكل صيد
يعن وتلك أنياب السعالي
حيارى لا تريد الحق نهجا
ولا تدع الحرام إلى الحلال
ألا هاد يقوم من خطاها
ويسحم داءها بعد اعتلال؟
غزوة ذي قرد
كانت بعد أيام قلائل من غزوة بني لحيان، وسببها أن عيينة بن حصن أغار في خيل من غطفان على لقاح رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وكان يرعاها رجل من غفار وامرأة بمكان يقال له (الغابة)، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة مع اللقاح، وعلم بذلك سلمة بن الأكوع، فجعل يرميهم بالنبل بعد أن اشتد في أثرهم، وكان يسبق الفرس جريا، ففعل بهم الأفاعيل، واستنفد منهم كثيرا من اللقاح، وصاح ابن الأكوع فسمعه النبي، وقال: «الفزع الفزع، يا خيل الله اركبي »، فجاء الرجال، وجعل اللواء لسعيد بن زيد، رضي الله عنهم جميعا.
ترفق يا عيينة باللقاح
وبالخيل المغيرة والسلاح
وخفض من غرورك والطماح
فما مال النبي بمستباح
ولا هو يوم حرب أو كفاح
أتحسبها صناديد الرجال
تداعوا بالقواضب والعوالي؟
وخفوا يا عيينة للقتال؟
يلفون الرعال على الرعال؟
فليس على الفوارس من جناح؟
رويدا إنها إبل تساق
وراع واحد دمه يراق
وما بال التي احتمل الرفاق؟
أخفتم أن يكون لها انطلاق
فترميكم بمصمتة رداح؟
كفى ابن الأكوع البطل الجسور
فذوقوا النار حامية تفور
رمى بالنبل فاضطرم السعير
كذلك يفعل الرامي القدير
وتلك سهامه ما من براح
يوالي الكر ساعده شديد
وبين ضلوعه قلب حديد
عذاب إذ يكر وإذ يحيد
يفوت الخيل منه ما تريد
وإن طارت بأجنحة الرياح
إذا طلبته لم تبلغ مداه
وإن رجعت فليس لها سواه
يمزقها بما ترمي يداه
فتذهب كلما جاشت قواه
حوامل للجراح على الجراح
تخطف لقحة من بعد أخرى
وجاهد يرهق الفرسان عسرا
يريد لقاح خير الخلق طرا
ويكره أن يساء وأن يضرا
وتلك مشاهد البطل الصراح
أذاقهم البلاء فما استطاعوا
وغالهم ارتجاف وارتياع
قوى ضاقت بها همم وساع
فأسلمت الأكف قوى شعاع
وألقت بالبرود وبالرماح
ويا لك صيحة ذهبت ترامى
فنبهت الألى كانوا نياما
تلقاها النبي فما أقاما
وهب الجيش يحتدم احتداما
وحانت وقعة القدر المتاح
وطار الأخرم الأسدي فردا
يسب المجرمين وما تعدى
ولم ير من ورود الموت بدا
فجاد بنفسه ورعاه عهدا
دعا داعيه حي على الفلاح
هي الرؤيا التي قص القتيل
على الصديق صدقها الدليل
مضى لسبيله نعم السبيل
فتى كالسيف مشهده جليل
هوى بمصارع البيض الصفاح
أتى جيش النبي فأي خطب
أصاب القوم من فزع ورعب؟
إذا خفق اللواء فكل قلب
من الخفقان في هم وكرب
فرفقا يا ابن زيد بالقداح
رموا ورميت بالأبطال شوسا
تخوض إلى الوغى يوما عبوسا
تفلق من أعاديها الرءوسا
وتبذل دون بيضتها النفوسا
كذلك فليكن بذل السماح
إلى ابن عيينة انطلق القضاء
فما بأبيه إذ أودى غناء
له من حول مصرعه عواء
إذا شفت الصدى البيض الظماء
فأهون بالعواء وبالنباح
وأين دم ابن نضلة هل يضيع
ويبقى بعده الحدث الفظيع؟
لعمرك ما لقاتله شفيع
صريع طاح في دمه صريع
أحيط به فعوجل باجتياح
هو المقداد إن دعيت نزال
تقدم لا يهاب ولا يبالي
وما بأبي قتادة في الرجال
خفاء حين تشتجر العوالي
وحين يقال أين ذوو النطاح؟
أصاب السهم وجها منه نضرا
وأبصره النبي فقال صبرا
وعالجه فأخرج منه شرا
وألقى نفثة كرما وبرا
فراح يزف في القوم الصحاح
تزود منه كنزا ليس يفنى
تزود دعوة سعدا ويمنا
تزود رحمة وهدى وأمنا
تزود ما أحب وما تمنى
وجاوز كل سؤل واقتراح
شفيت أبا قتادة كل صاد
لهيف الصدر حران الفؤاد
يبيت على أسى ممن يعادي
رسول الله في دين الجهاد
وفي دنيا المروءة والصلاح
غنمت سلاح مسعدة الشقي
وفزت بطرفه فوز التقي
عطاء من جواد أريحي
عطاء الله من يدي النبي
رسول الله أفضل مستماح
لقد أحدثت للأبطال شغلا
وهما ما أشد وما أجلا
سقوا مكروهه نهلا وعلا
ولولا فضل ربك ما تجلى
دعوا إذ أبصروا البرد المخلى
على الجسد الذي أوجعت قتلا
نعاء أبا قتادة إذ تولى
نعاء الفارس البطل المدلا
وضجوا بالتي في الخطب تتلى
فتنفع من تجلد أو تسلى
فقال محمد يا قوم كلا
أخوكم لم يزل حيا فمهلا
كفاكم ربكم فقدا وثكلا
فأشرقت الوجوه وكان فضلا
طوى قرحى القلوب على ارتياح
تداعى القوم صفا بعد صف
وولوا بعد إقدام وزحف
مضوا بالنصف لو ذهبوا بألف
من اللائي اصطفى النعمان صرف
لما فرحوا بفوز أو نجاح
وأقبلت الأخيذة بعد يأس
على العضباء في شعث وبؤس
عناها الضر من أسر وحبس
وسوء الصنع من ظلم ووكس
على يد كل عريض وقاح
أتت للمسلمين بها ابتهاج
وللكفار إذ نجت اهتياج
أبا ذر وللضيق انفراج
وربتما حلا الورد الأجاج
هنيئا بات صدرك في انشراح
أتذكر إذ يقول لك الرسول
أقم فالأمر باطنه مهول؟
وما تدري إلى م غدا يئول
ستعرفه وتذكر ما أقول
إذا ما الغيب آذن باتضاح
أتت فرحى وقالت حل نذري
فإن أذن الرسول قضيت أمري
هي العضباء تعقر ما لإصري
سواها إن أردت شفاء صدري
علي اليوم بعد فكاك أسري
وفاء النذر ما لي من مفر
وقاني الله من سوء وشر
له سبحانه حمدي وشكري
على أن صرت مطلقة السراح
فقال لها رسول الله إيه
لبئس جزاءها أن تفعليه
دعي النذر المحرم واتركيه
وخافي الله ربك واتقيه
لشر النذر ما لا يرتضيه
وما لا حق للإنسان فيه
دعي لي ناقتي وتعلميه
قضاء ما اهتدى من لا يعيه
وكيف تقاس منزلة الفقيه
بمنزلة الغبي أو السفيه
هنالك حي أهلك فاطلبيه
على بركات ربك واحمديه
إلها ما لما يقضيه ماح •••
قضيت الحق فاغتنم الجزاء
وزد يا سعد في الدنيا علاء
وسعت غزاة ذي قرد سخاء
وكنت لهم أخا يرعى الإخاء
بعثت التمر يعجبهم نماء
وسقت البدن تطربهم رغاء
قراك إذا هم التمسوا الغذاء
وبرك لا يزال لهم رجاء
كذلك أنت ما تألوا وفاء
وحبا للألى صدقوا البلاء
بناة الحق ما ملوا البناء
وإن علت الدماء به الدماء
أجل يا سعد فارفعها سماء
تجاوز كل مطلع سناء
جرى الكرماء فانتهبوا الثناء
وما بلغوك جودا أو عطاء
رزقت البأس أجمع والمضاء
فكنت أحق من منع اللواء
بشكر في الهزاهز وامتداح
رسول الله يؤذن بالإياب
ويرجع بالأحبة والصحاب
يسير من الجلالة في ركاب
تدين لعزه غلب الرقاب
تسايره بآيات الكتاب
مرتلة بأنغام عذاب
صفوف من ملائكة طراب
تظلله بأجنحة رطاب
ترف على الروابي والبطاح
حبا ابن الأكوع الشرف المنيفا
وحسبك أن يكون له رديفا
كذلك يرفع الله الشريفا
ويجزي المؤمن البر الحنيفا
أطيلي ناقة الله الوجيفا
ووالى الخطو مرتجلا خفيفا
حملت أجل من يحمي الضعيفا
وأعدل من يحاذر أن يحيفا
حماك وعطل النذر السخيفا
وأمضى حكمه سمحا عفيفا
حملت الليث فالتمسي الغريفا
جزيت كرامة ورزقت ريفا
وبورك في غدوك والرواح
رسول الخير جاء بكل سمح
من الأخلاق في صدق ونصح
تدارك سورة البطل الملح
وأوصاه بإحسان وصفح
وكان القوم في جهد وبرح
وراء الماء ما ظفروا برشح
تنحوا عنه إذ كره التنحي
فما ابتلت جوانحهم بنضح
ولو أخذوا بتقتيل وذبح
لما اعتصموا بسيف أو برمح
صنيعة محسن يمسي ويضحي
له تاجان من شكر ومدح
رحيم القلب يأسو كل جرح
ويعتد الجميل أجل فتح
وما ينفك في كد وكدح
يقيم الحق صرحا بعد صرح
ويحمي الدين من كل النواحي
غزوة الحديبية
ويقال لها عمرة الحديبية، بئر قريبة من مكة، خرج إليها النبي
صلى الله عليه وسلم
في ألف وأربع مئة - على أصح الروايات - من أصحابه يوم الاثنين مستهل ذي القعدة من السنة السادسة، وكان قد رأى أنه دخل مكة وأصحابه آمنين، محلقين رءوسهم ومقصرين، وأنهم دخلوا البيت وطافوا به، وأخذ هو مفتاحه، ووقف على عرفات مع الواقفين.
قص هذه الرؤيا على أصحابه ففرحوا، وخرجوا معه معتمرين محرمين من ذي الحليفة والهدي يساق بين أيديهم، ولم يكن معهم من السلاح سوى السيوف، وكانوا يخافون أن تصدهم قريش عن البيت، وعلم النبي أنهم خرجوا في نسائهم وصبيانهم متأهبين للقتال، فصف الجيش ومضى بعد أن استشار أصحابه، واختلفت الرسل بين الفريقين، فعقد الصلح على وضع الحرب مدة اختلف الرواة في تقديرها، فقال بعضهم عشر سنين، وقال بعضهم أربع، وقيل سنتان، وأن من جاء إلى النبي من المسلمين بغير إذن وليه رده إليه، ومن أتى المشركين بمكة مرتدا من المسلمين احتسبوه عندهم، وأن يرجع النبي وأصحابه، ثم يعودون للطواف بالبيت في العام التالي، لا يحملون سوى سلاح الراكب، فتخلي لهم قريش مكة ثلاثة أيام يعودون بعدها إلى المدينة، وقد ثارت نفوس المسلمين لهذا الصلح، ولكن الله ثبت قلوبهم ببركة رسوله الكريم وحكمته التي تجلت آثارها بعد ذلك، وكانت بيعة الرضوان من بركات هذه الغزوة الميمونة.
منك الحنين ومن ما هو أعظم
لو يستطيع أتاك لا يتلوم
البيت أنت به أحق وإن أبى
من أهل مكة جاهل لا يعلم
ما أصدق الرؤيا وأقرب حينها
فاصبر على ثقة وربك أكرم
إن يخل منها اليوم فالغد بعده
بالخير والرضوان منها مفعم
سر يا رسول الله جندك باسل
وقواك محصدة ورأيك محكم
آثرت ربك وحده لا تشتكي
فيه من الأهوال ما تتجشم
ومضيت معتمرا بصحبك محرما
والهدي حال بالقلائد معلم
والمؤمنات الصالحات كأنما
فيهن سارة والرضية مريم
من كل أم برة لم يلهها
بعل ولم يغلب نوازعها ابنم •••
يا طيب ما لبيت ربك إنه
للحق يزلفه فؤادك والفم
أين الشريك لمن تصرف وحده
في ملكه أمن سواه المنعم؟
لبيك ربي إن قضيت لنا الهدى
فكتابك الهادي وأنت الملهم •••
تلكم قريش أقبلت في غضبة
مشبوبة وحمية تتضرم
قالت أيدخلها علينا عنوة؟
السيف أولى أن يحكم والدم
وروى ابن سفيان الحديث فلو درى
لغة السيوف لخالها تتكلم
أصغت إليه فلم يقر بغمده
منها على طول التحلم مخذم
يجد التقاة المحرمون ولا كما
يجد التقي من السيوف المحرم
أبدت تباريح الهموم شديدة
وأشد منها ما تجن وتكتم
ودت لو أن الله قال لها اضربي
فمضت تظللها النسور الحوم •••
قال النبي أنتقيها خطة
هي ما علمتم أم نجد ونقدم؟
فأجابه الصديق بلى نمضي إلى
ما كنت تنوي بالخروج وتعزم
ورمى بها المقداد خطبة مؤمن
يرمي الخطوب بنفسه لا يحجم
ومضوا يرون المشركين بذي طوى
والخيل شتى والخميس عرمرم •••
أبلال أذن للصلاة فإنها
أسنى وأشرف ما يحب المسلم
نهض النبي يقيمها في صحبه
لله تبدأ بالخشوع وتختم
وأعد طائفة تقوم فتتقي
كيد العدو إذا يكر ويهجم
حتى إذا سجد الرفاق تخلفوا
عنهم فضوعف أجرهم والمغنم •••
جيش الهدى واليمن عند جلاله
بيمين قائده يصف وينظم
جعل ابن بشر في الجهاد لخالد
يلقاه إن جمع الفوارس مأزم •••
سلكوا الطريق الوعر يسطع نوره
وأضل غيرهم الطريق المظلم
يمضي الدليل بهم ويذهب موقنا
ثبتا فما يرتاب أو يتوهم
بوركت ناجية بن جندب من فتى
جلد على الضراء لا يتبرم
وجب الثناء لأسلمي ماجد
شرفت به نسبا وعزت أسلم •••
تلك الحديبية المحبب ذكرها
للحق فيها منزل ومخيم
نزل الهداة بأرضها فكأنما
طلعت لأهل الأرض فيها الأنجم
يا مبرك القصوى أتلك رسالة
جاءتك أم هي من كلال ترزم؟
أبت المضي ولم يكن ليعوقها
لو شاء ربك مبرك أو مجثم
لو شاء أرسلها فزلزل مكة
خطب يضج له الحطيم وزمزم •••
أبديل أقبل في رجالك والتمس
علم اليقين لمن يظن ويزعم
قال النبي أتيت غير محارب
وانظر فإن الحرب لا تتلثم
الهدي حولك والسيوف كما ترى
مقروبة وكأنما هي نوم
ما جئت إلا للبنية زائرا
أقضي لربي حقها وأعظم
إرجع إلى القوم الغضاب وقل لهم
ردوا النفوس إلى التي هي أقوم
إن تمنعوا البيت العتيق يكن لكم
يوم من الحدثان أربد أقتم
البيت بيت الله جل جلاله
ولنحن أولى بالمناسك منهم •••
نصح ابن ورقاء الرجال فيا له
من ذي مناصحة يسب ويشتم
قالوا أنذعن صاغرين؟ وأقسموا
أن ينبذوا المثلى فبئس المقسم
وتتابعت رسل فمنهم غادر
يبغي الفساد وحاذر يتأثم
ومقسم الأخلاق يحسن مرة
ويسيء أخرى في الحوار فيعرم
أهوى على يده المغيرة ضاربا
لولا الأناة لطار منه المعصم
ما انفك يضربه بمقبض سيفه
والسيف يغضي والمنية تحلم
أسرفت عروة فاقتصد واقبض يدا
ريع السماك لها وغيظ المرزم
كيف ارتقيت إلى محل ما له
راق ولو أن الكواكب سلم؟
أبلحية المختار تمسك؟ إنها
لتصان في حرم الجلال وتعصم
أحسنت قولك في الذين ذممتهم
وأبى الذين طغوا فأنت مذمم
عابوك إذ قلت الصواب جهالة
أيعاب من يأبى النفاق ويوصم؟
صدق الحليس فأوجعوه ملامة
والقوم لليقظ المسدد لوم
بعث الهداة الهدي ثمت أقبلوا
يلقونه فعناه هم مؤلم
جاءوه شعثا يرفعون لربهم
صوتا يردده الأصم الأبكم
فهفت جوانحه وقال على أسى
سبحان ربي ما لنا نتجرم؟
سبحانه أنصدهم عن بيته؟
إنا إذا قوم نجور ونظلم
مولى الأحابيش الذين تألهوا
لا يتبعون سبيل أقوام عموا
نبذت قريش رأيه واستكبرت
والغي أنكد ما علمت وأشأم •••
اذهب خراش إلى قريش ناصحا
فلعلها تبغي الصواب فتفهم
عقروا بعيرك ناقمين وأوشكوا
أن يقتلوك فليتهم لم ينقموا
لولا الأحابيش استحل بظلمهم
منه دم ما يستحل محرم •••
ذهب ابن عفان إليهم يبتغي
أن يؤثروا الرأي الذي هو أحزم
فأبوا وقالوا لا فكاك لكم وما
نحن الألى نأبى الهوان فنرغم
هم أمسكوه ثلاثة في صحبه
ورموا بها ملمومة تتقحم
أفلا رعوا رسل النبي وصهره؟
إن العقول على المراس لتعقم •••
دب ابن حصن في الظلام فراعه
يقظان مثل الصل ليس يهوم
حمل ابن مسلمة فغادر صحبه
ومضى فلا رجع الجبان الأيهم
جاءوا المعسكر أربعين يقودهم
أسرى عليهم للمذلة ميسم
وأتى الرماة فجال في أحشائهم
سهم تظل به السهام تحطم
منع الأسى وشفى كلوم قتيلهم
شكوى قلوب من قريش تكلم
أشقى الأذى والغدر جد رجالهم
وجرى لهم بالسر طير أسحم
سقطوا فحسب القوم ما يجدونه
وكفى شهيد الحق ما يتسنم •••
بعثت قريش أطلقوا أصحابنا
وخذوا الرهائن والأسارى منكم
صدموا بقارعة تفاقم صدعها
لولا سفاهة رأيهم لم يصدموا
لولا الضراعة من سهيل هدهم
بأس تهد به الجنود وتهدم
بئس المآب لعصبة تأبى الهدى
بيضا معالمه ونعم المقدم
يا تارك الطغيان يعبس جده
أقبل فجدك مقبل يتبسم
من حق ذي النورين أن يدع الدجى
خزيان يطعم وجهه المتجهم
أإليك مد ذوو العمى أظفارهم؟
فانظر إلى الأظفار كيف تقلم •••
هي بيعة الرضوان لم تترك لهم
ليلا ينام ولا صباحا ينعم
سهد يشق على العيون مبرح
وأسى يعض على القلوب مسمم
فكأنما في كل عين مبرد
وكأنما في كل قلب أرقم
المسلمون يبايعون نبيهم
يستمسكون بعروة ما تفصم
لا يحسبون دم المجاهد مغرما
هو عندهم إن لم يرقه المغرم
إن ضمهم عند الشهادة مورد
لذ المذاق لهم وطاب المطعم
الله مولاهم ونصر رسوله
حق عليهم في الكتاب محتم
نهضوا خفافا لو رأيت جموعهم
لعلمت أن الناس إيمانا هم
ما منهم إلا على يده يد
لله ينظر نورها المتوسم
لثمت بإيمان القلوب وإنها
لترى على مر الزمان فتلثم
نعم العطاء لمعشر ما بينهم
نكد يرد ولا شقي يحرم
ما جل مدخر فخيم شأنه
إلا الذي اذخروا أجل وأفخم •••
هذا سهيل جاء يحمل سؤلهم
ويعيب ما صنع الرماة ويندم
ويقول دعها يا محمد خطة
يرمى بها الشرف الرفيع فيثلم
إنا نخاف العار فليك بيننا
صلح ندين به وعهد مبرم
الحرب توضع بيننا أوزارها
وتعود إن جمع الحجيج الموسم
لك من سلاحك ما تقلد منجد
يبغي السلامة أو تزود متهم
واجعل سيوفك في الغمود ولا تضق
بالشر يدرأ والمضرة تحسم
حد المقام ثلاثة فإذا انقضت
فدعوا منازلنا ويثرب يمموا
من جاء منكم لا يرد ومن يجئ
منا فمردود إلينا مسلم
هذا الذي نرضى فهل من كاتب
يشفي الصدور بما يخط ويرقم؟ •••
رضي النبي يريد رحمة ربه
هو عبده وهو الأبر الأرحم
صاح الرجال وراح فاروق الهدى
يهتاج في برديه فحل مقرم
ويقول للصديق من هو يا أبا
بكر؟ وأية ملة نترسم؟
أهو الرسول ونحن نتبع دينه؟
فلم الهوان؟ وما لنا نستسلم؟
اللين من خلق الضعيف ودأبه
ومن العجائب أن يلين الضيغم
مهلا هداك الله والزم غرزه
إن كنت تطلب خير غرز يلزم
إهنأ أبا بكر قضيت بحجة
صدع اليقين بها وأنت مترجم
وأبو عبيدة إذ يعوذ بربه
يخشى بوادر صدعها لا يلأم
يرقى من الفاروق نفسا صعبة
تأبى عوارمها إذا ما تعجم
قال النبي كفاك يا عمر اتئد
فالحق في سلطانه لا يهزم
أرضى وتأبى أنت؟ إن وراءنا
لو كنت تعلم ما نحب ونرأم
إني رسول الله ليس بخاذلي
والله يقدر ما يشاء ويقسم
الأمر غيب ما لمثلك مطمع
في علمه والغيب باب مبهم •••
اكتب علي فلن ترى من جامح
إلا يزم على الزمان ويخطم
وأبى سهيل أن يكون كتابه
سمحا عليه من النبوة روشم
قال امح باسم الله وامح رسوله
أتريدها صابا بسم تؤدم؟
الدين مختلف وليس لنا سوى
ما كان أورثنا الزمان الأقدم
فأبى علي ما أراد وهاجه
حرد الأبي فغيظه ما يكظم
قال النبي افعل وسوف بمثلها
تسقى فتغضي الطرف وهي العلقم •••
نظر ابن عمرو نظرة فرأى ابنه
يبغي الخطى عجلى ويأبى الأدهم
قال ارجعوه فذاك أول عهدكم
فلئن أبيتم لهو عهد أجذم
وانقض يضربه فيا لك مسلما
في الله يضرب من أبيه ويلطم
رقت قلوب المسلمين لخطبه
فجوانح تهفو ودمع يسجم
أخذ النبي بثوبه فأعاده
يبني لأمته البناء ويدعم
قال انقلب وكفى بربك حافظا
إن التوكل للسلامة توأم
فمضى يقول ألا ذمام لامرئ
يبغي الفرار بدينه يستعصم؟
عد في قيودك واصطبر إن الأذى
لأضر ما انتجع الرجال وأوخم
كم للألى اتبعوا الهدى من مغنم
في حرمة تلغى وحق يهضم
خير على خير يضم ركامه
شر على شر يضم ويركم
يترنم الباكي وإن بلغ الأسى
منه ويبكي الناعم المترنم
أخذوا الصحيفة فهي في أوهامهم
كالكنز يأخذه الفقير المعدم
طاروا بها فرحا وبين سطورها
دهياء بارزة النواجذ صيلم
نصر مضى لمظفرين أعزة
لم يمض منهم مخذم أو لهذم
ليس التصرف للقواضب إنها
بالرأي تحكم في الرقاب وتحكم
للبغي حين ثم يقصم صلبه
والعدل صلب قائم ما يقصم
ولقد يقام العرس من سفه الألى
فرحوا وأولى أن يقام المأتم
من مكرمات الحق أن وليه
بأشد ما يرمى يعان ويخدم
وأحق من حمل اللواء مجاهد
ماض على هول الخطوب مصمم
وف المطالب حقها واصبر تفز
ما خاب إلا من يمل ويسأم
هذا نظام للشعوب ومنهج
حق يراه فصيحها والأعجم
نزل الكتاب به فأيقن مهتد
وارتاب ضليل ولج مرجم
طب الهدى الشافي وأعجب ما أرى
طب تصح به النفوس وتسقم
خزاعة وبنو بكر
في هذه الغزوة المباركة دخلت خزاعة في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم ، ودخل بنو بكر في عهد قريش، فساء ذلك كثيرا من رجالهم، ومنهم حويطب بن عبد العزى، فقال لسهيل بن عمرو: بادأنا أخوالك بالعداوة وكانوا يستترون منا، فقال سهيل: ما هم إلا كغيرهم، هؤلاء أقاربنا ولحمتنا قد دخلوا مع محمد، إنهم قوم اختاروا لأنفسهم أمرا، فما نصنع بهم؟
قال حويطب: ننصر عليهم حلفاءنا بني بكر، قال سهيل: إياك أن يسمع هذا منك بنو بكر، فإنهم أهل شؤم، فيسبوا خزاعة فيغضب محمد لحلفائه، وينقض العهد الذي بيننا وبينه .
خزاعة أبشري بالعهد سمحا
وزيدي دولة الإسلام فتحا
كفى بذمام أوفى الناس عهدا
لكل معاهد غنما وربحا
ألح على بني بكر شقاء
تزل له العقول إذا ألحا
هم اتبعوا الألى انقلبوا بقرح
فزادوهم بما اقترفوه قرحا
حويطب ما يغيظك من رجال
همو ضربوا عن الغاوين صفحا؟
أتيح لقدحهم فوز مبين
وخيب من أحب ذويك قدحا •••
رويدك إن أخوال ابن عمرو
لأرفع قبة وأعز صرحا
ولولا ما برأيك من ضلال
لجانبت الملام وقلت مرحى
أمن عرف الرشاد فطاب نفسا
وأقبل يبتغيه كمن تنحى؟
تحاول أن تثير الحرب حتى
تراها تلفح الأبطال لفحا
لقد مضت المقالة من لبيب
يقول الحق لا يألوك نصحا
أتقدح يا حويطب زند سوء
دع الرأي الرشيد وزده قدحا
لعلك إن رأيت له لهيبا
تكون أشد من يصلاه برحا •••
وراءك يا حويطب كل عضب
يسح الموت من حديه سحا
يجرده لنصر الله قرم
يصول فيمسح الأعناق مسحا
سخي النفس والهيجاء تغلي
فتملأ أنفس الشجعان شحا •••
بني بكر أما أبتم حزانى
كما آبت خزاعة وهي فرحى؟
هو الجد الشقي علاه جد
تلقى نعمة وأصاب نجحا
أم كلثوم (رضي الله عنها)
هي بنت عقبة بن أبي معيط، وأخت عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، أسلمت وبايعت النبي
صلى الله عليه وسلم
قبل هجرته إلى المدينة، وخرجت من مكة بعد رجوعه من الحديبية مهاجرة لله ولرسوله، فلما بلغت المدينة ذهبت إلى دار أم سلمة (رضي الله عنها) وهي من أمهات المؤمنين، فرحب بها الرسول الكريم، وخرج أخواها عمارة والوليد في طلبها، يريدان ردها بالحق الذي في العهد، فقالت: يا رسول الله، أنا امرأة ضعيفة لا تردني إلى الكفار، إني أخافهم على ديني، فنزل قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن
الآية، والامتحان أن تستحلف المهاجرة أنها إنما هاجرت لله ورسوله، وبهذه الآية الكريمة خرجت المؤمنات المهاجرات من حكم الرد الذي وضع في ذلك العهد، فبقيت السيدة أم كلثوم وكانت أول مهاجرة، ولم يكن لها زوج بمكة فتزوجها زيد بن حارثة (رضي الله عنه).
أجيبي أم كلثوم أجيبي
ترامت دعوة الداعي المهيب
لمكة إذ يضام الدين فيها
أحق بكل أفاك مريب
خذي قصد السبيل إلى ديار
محببة المسالك والدروب
حمى الإسلام يمنع كل عاد
وغيل الحق يدفع كل ذيب
رعاك الله فانطلقي وسيري
ولا تهني على طول الدئوب
أردت الدين معمور النواحي
فخوضي البيد مقفرة وجوبي
تطيلين التلفت من حذار
وقلبك لا يقر من الوجيب
رويدك إن عين الله ترعى
خطاك فلن يسوءك أن تئوبي
أرى أخويك في أمر مريج
وهم من مصابهما مذيب
يلف حشاهما حزن عجيب
لروعة ذلك الحدث العجيب
لكل منهما في الحي عين
تدور كأنها عين الحريب
وقلب دائم الخفقان هاف
طويل الوجد متصل اللهيب
هنا كانت فأين مضت؟ وأنى
تعاود خدرها بعد المغيب؟
أما عند ابن عفان شفاء
فيكشف كربة العاني الكئيب؟
أتذهب أختنا لا نحن ندري
ولا هو عنده علم اللبيب؟
كفى يا بنت عقبة ما لقينا
من الأحداث بعدك والخطوب •••
قفي يا أم كلثوم فهذا
محط الرحل للنائي الغريب
حللت بفضل ربك خير دار
بطيبة فانعمي نفسا وطيبي
تلقاك النبي فأي بشر
رعت عيناك في الكرم الخصيب؟
يرحب ما يرحب ثم يضفي
عليك حنان ذي النسب القريب
وما نسب بأقرب من سبيل
يؤلف بين أشتات القلوب
سبيل الله ليس إذا ما
بلوت السبل أجمع من ضريب
هدى الساري يسدده فيمضي
بمخترق السباسب والسهوب
يمر بآخرين لهم عواء
يشيع بالتوجع والنحيب
يرى سبل النجاة وكيف ضلوا
فيعجب للمصارع والجنوب
ويحمد فالق الإصباح حمدا
يهز جوانح الوادي الطروب
تعالى الله ينزل كل بر
بعال من منازله رحيب •••
عمارة والوليد ولا خفاء
على فرط التجهم والشحوب
هما عرفا السبيل فلا مقام
وكيف مقام مختبل سليب؟
أهابا بالرسول أعد إلينا
وديعتنا فما بك من نكوب
هو العهد الذي أخذت قريش
وما لك غير نفسك من حسيب
سجيتك الوفاء وما علمنا
عليك الدهر من خلق معيب
برأيك فاقض وارددها علينا
فإنك أنت ذو الرأي المصيب •••
عناها أن ترد ولا ظهير
يقيها ما تخاف من الكروب
فصاحت إنني امرأة وما لي
على المكروه من عزم صليب
بربك يا محمد لا تدعني
فريسة كل جبار رهيب
يعذبني لأترك دين ربي
إلى دين المآثم والذنوب
أأرجع يا حمى الضعفاء ولهى
وما لي في ظلالك من نصيب؟ •••
أتى التنزيل يصدع كل شك
ويجلو ما استكن من الغيوب
ويحكم حكمه عدلا وبرا
فيلقي بالدواء إلى الطبيب
إذا جاء النساء مهاجرات
يردن الله ديان الشعوب
بقين مع النبي وإن تمادت
لجاجة كل عريض شغوب •••
ليهنك أم كلثوم مقام
كريم عند مرجو مثيب
وزوج ذو محافظة نجيب
يفيء إلى ذرى النسب النجيب
يفيء إلى ذرى الإسلام منه
فتى للسلم يرجى والحروب
وما زيد بن حارثة بنكس
إذا التقت الكماة ولا هيوب
أخو المختار من عليا قريش
ومولاه الحبيب أبو الحبيب
أبو بصير وأصحابه (رضي الله عنهم)
جاء أبو بصير (رضي الله عنه) إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ، وكان من المحتبسين بمكة، فبعث أزهر بن عوف - أسلم بعد ذلك - يطلب رده من النبي في كتاب يحمله رجل من بني عامر اسمه خنيس، وجاء معه آخر يهديه الطريق، وقال النبي لأبي بصير: «انطلق إلى قومك فليس الغدر من ديننا، وسيجعل الله لك فرجا»، فرجع معهما، واحتال على أخذ السيف من أحدهما فقتله به، وحمل على الثاني ففر راجعا إلى المدينة وهو يعدو في أثره، وقال الرجل للنبي: قتل صاحبكم صاحبي، وأفلت منه ولم أكد، ثم استغاث به، وقال أبو بصير للنبي: لقد وفيت بذمتك، فقال له: «اذهب حيث شئت».
فذهب إلى محل من طريق الشام تمر به تجارة قريش، وطار الخبر، فقدم إليه أبو جندل في سبعين فارسا، ولحق به آخرون من المسلمين، فكانوا ثلاث مئة مقاتل، ما رأوا عيرا لقريش إلا أخذوها، ولا رجلا إلا قتلوه، فبعثوا يسألون النبي بالأرحام إلا آوى هذه القوة إليه، وقال بعضهم: إنا أسقطنا شرط رد اللاجئين من العهد، فمن جاءك منهم فأمسكه ولا حرج عليك ، فكتب إلى أبي بصير وأبي جندل يستقدمهما إليه، ويأمر أن يذهب من معهما إلى بلادهم وأهليهم غير متعرضين بأذى لقريش، فأخذ أبو بصير الكتاب وهو يحتضر، فمات وهو في يده يقرؤه، فدفنه أبو جندل وعاد مع ناس من أصحابه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم .
رحمة يا أبا بصير ونعمى
أذن الله أن تحل وتحمى
جاءك الغوث فانطلقت حثيثا
سر طليقا كفاك حبسا وهما
أنت أفلت من حبائل قوم
ذقت منهم أذى كثيرا وظلما
جعلوا الحق خصمهم من غباء
وغبي من يجعل الحق خصما
جئت دار النبي فادخل وسلم
وارع حق المقام روحا وجسما
كم تمنيت أن ترى لك حصنا
فتأمل حصون ربك شما
وارض حكم الرسول إنك مرد
ود ومن مثله قضاء وحكما؟
ذا خنيس وذا كتاب ابن عوف
فالزم الصبر أصبح الأمر حتما
سألا العهد عند أكرم مسئو
ل فأعطاهما وفاء وحلما
إنقلب يا أبا بصير فليس الد
ين دين الهداة غدرا وإثما
حسبك الله إنه لك عون
وسيكفيك كل خطب ألما
هو مولى المستضعفين ينجي
هم إذا ما طغى البلاء وطما •••
عاد يخفي لصاحبيه من الشن
آن ما يملأ الجوانح سما
وشفاها بذي الحليفة نفسا
أوشكت أن تزول هما وغما
نظر السيف في يدي أحد الخص
مين يبدى من المنية وسما
وهو يطريه في غرور ويسقي
ه نفوس الكماة ظنا وزعما
قال بل أعطنيه أنظره إني
بسجايا السيوف أكثر علما
ثم غشاه ضربة علمت
كيف يخشى الهزبر من كان شهما
جاء يصطاده غرورا فأردا
ه وكان الغرور شرا وشؤما
صد عنه رفيقه وتولى
يتوقى قضاءه أن يحما
طار يهفو كالسهم يمضي بعيدا
وهو أنأى مدى وأبعد مرمى
طلب السيف نفسه وهي ولهى
لو تذوق الردى لما مر طعما
كذب الوهم ما الحياة سوى الأم
ن وشر الأمور ما كان وهما
وقع الطائر المسف على النس
ر الذي يملأ السماوات عزما
الرسول الذي تدين له الأر
ض وتهفو إليه حربا وسلما
قال إني لهالك فأجرني
لا تدعني لبعض صحبك غنما
رد عني أبا بصير فحسبي
ما جناه علي صدعا وكلما
جرع الحتف صاحبي وانبرى يط
لب قتلي ليتبع الجرم جرما
إنه جاء راكضا يحمل السي
ف فهب لي دمي لك الشكر جما
عف عنه وقال ما ثم شيء
يا نبي الهدى أرى الأمر تما
صدق العهد وانقضى الرد فانظر
ما ترى فاقضه سدادا وحزما
قال فاذهب فقد برئت وظلم
أن يلام البريء أو أن يذما
لك ما شئت أن تحل من الأر
ض سوى أرض يثرب أو تؤما
فتولى إلى مكان يزيد ال
كفر والكافرين خسفا ورغما
كل مال تقل عير قريش
بين عينيه ظاهر ليس يكمى
إنه الأرقم الصم تداعت
فارتمت حوله الأراقم صما
مؤمن حل في العراء محلا
جمع المؤمنين فيه وضما
أقبلوا ينسلون من كل أوب
يطلبون المصال قرما فقرما
لم ذو العرش شملهم بعد صدع
وخليق بشملهم أن يلما •••
يا أبا جندل عليك سلام
جئت بالخيل ترجم الأرض رجما
إغتفر ما جنى أبوك سهيل
يوم يطغى عليك ضربا ولطما
إنما الصابرون أوفى نصيبا
يا أبا جندل وأوفر قسما
أعملوا القتل والنهاب وردوا
كل غنم أصابه القوم غرما
غارة بعد غارة تأكل الما
ل وتطوي الرجال خضما وقضما
زلزلوا من أبي بصير بخطب
بالغ صدعه أبى أن يرما
مخذم قاطع ومسعر حرب
جربته البيض القواطع قدما
ضاقت السبل والفجاج عليهم
واستحال الفضاء سدا وردما
عاد رتقا كأنه سد يأجو
ج ومأجوج ما ترى فيه ثلما
جاروا يشتكون وادكروا الأر
حام يستشفعون جبنا ولؤما
واستمدوا الحنان من أعظم النا
س حنانا وأقرب الرسل رحما
قال ذو أمرهم أغثنا ولا تع
نف علينا إن القلوب لتعمى
أفسد العهد أمرنا فعرفنا
ه وماذا لنا إذا الأمر غما؟
قد تركنا لك الرجال فأمسك
كل من شئت منهم أن تذما
حسبنا السلم يا محمد إن تب
سط علينا ظلاله فنعما
بدد الضر والأذى بكتاب
نظم البر والمروءة نظما
لم يدعه أبو بصير ورامي ال
موت يلقي عليه سهما فسهما
جاد بالنفس وهو في يده يت
لوه ما أعظم المقام وأسمى
آخر الزاد إن أردنا له اسما
وأراه أجل من أن يسمى
قال أقبل وفرق الناس وليع
فوا فحسب الطغاة قمعا ووقما •••
رجع القوم راشدين ومن أر
شد ممن رمى الضلال فأصمى؟
وأبو جندل يؤم رسول الله
في رفقة إلى الله تنمى
كوكب الحق والهدى يتلقى
من ذويه الهداة نجما فنجما
طلعوا والزمان أسود داج
فجلوا من ظلامه ما ادلهما
ورموا بالشعاع مقتل دين
رد وجه الحياة أغبر جهما
إعرف الحق لا ترعك الدعاوى
فالمروءات والمناقب ثما
أي مجد في الأرض أو أي فضل
لم يكونوا له أساسا وجذما؟ •••
إن في حكمة الرسول لذكرى
للبيب أصاب عقلا وفهما
هدم الله ما بنى العهد من آ
مال قوم يبغون للدين هدما
كم رأوا من مشاهد الوهم فيه
مشهدا رائع التهاويل فخما
لا يغرنهم من الغيث وكف
إنه السيل موشك أن يعما
همة من هدى الرسول ولود
تورث الشرك والضلالة عقما
لم تزل تضرب الطواغيت حتى
جرعتها الرزأين ثكلا ويتما
إن للحق بعد لين وضعف
قوة تحسم الأباطيل حسما
غزوة خيبر
كانت هذه الغزوة في المحرم من السنة السابعة، فلما أشرف النبي
صلى الله عليه وسلم
في جيشه على مدينة خيبر عند الصبح، وكان اليهود قد أصبحوا يحملون الفئوس والمساحي ليعملوا في مزارعهم، فأخذهم الرعب وعادوا إلى حصونهم، فبقوا محاصرين فيها، ثم خرج رؤساؤهم يبارزون المسلمين، فيأخذهم الله بسيوفهم، ثم دارت رحى القتال بعد ذلك، وكان علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) قد تخلف بالمدينة لرمد أصابه، فبعث إليه النبي سلمة بن الأكوع، فجاء به يقوده وهو معصوب العينين، وعقد له النبي اللواء فباشر القتال، وفتح الله على المسلمين.
وقد طلب اليهود الصلح على أن تحقن دماؤهم، وتترك لهم النساء والذراري، ثم ينقشعون عن خيبر لا يحمل الواحد منهم سوى ثوب واحد، فقبل النبي، وأراد الله له أن يقرهم على أرضهم عمالا، فساقاهم على النخل وزارعهم على الأرض، وبقي أمرهم كذلك إلى أن كانت خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، فحدث أن ابنه عبد الله ذهب إليهم فأصابوه بسوء بليغ، فأجلاهم عن أرضهم وديارهم، وذهب بعضهم إلى تيماء وبعضهم إلى أريحاء.
أعدي النمل خيبر والذبابا
أعدت يثرب الأسد الغضابا
ومدي من حصونك كل عال
ليرفع في السمارات القبابا
سينزع بأسهم حصنا فحصنا
ويفتح عزمهم بابا فبابا
أتاك الفاتح المقدام يزجي
مع الجيش الدعاء المستجابا
أتوك مكبرين فلا تلوذي
بغير الذعر واضطربي اضطرابا
أما والذاكرين الله فردا
لقد هزوا المخارم والشعابا
أجيبي أين جندك؟ واسأليه
لمن جمع السلاح؟ وكيف غابا؟
تواروا في الحصون وخادعتهم
ظنون كن حلما أو سرابا
ولو جعلوا السحاب لهم محلا
لطار الجيش يقتحم السحابا
جنود محمد كالموت يمضي
على قدر صعودا وانصبابا
وليسوا في الحروب إذا تلظت
كمن جهل الأمور أو استرابا
وفي حصن النطاة لسان صدق
يعلم كل من جهل الحبابا
رأى الرأي الذي ذاقت يهود
مرارته فكان لهم عذابا
أصابتهم حميا اليأس لما
تنحى الجيش يلتمس الصوابا
سل البطل المجرب لو أجابا
أيعلم أي داهية أصابا؟
رماه بعامر قدر إذا ما
رمى المهجات غادرها خرابا
ولكن المنية أخرته
ليبلغ في غوايته الكتابا
وخان السيف صاحبه فأودى
شهيدا بر مصرعه وطابا
هنيئا عامر رضوان رب
حباك الأجر جما والثوابا
بسيفك مت موت فتى كريم
يحاذر أن يعير أو يعابا
برزت لمرحب بطلا مهيبا
أبى أن يتقى أو أن يهابا
ولولا نبوة للسيف طاشت
بمضربه لأورده التبابا •••
توالى الزحف واستعرت نفوس
مضت تنساب في الله انسيابا
لئن خاضت غمار الموت ظمأى
لقد عرفت مشاربه العذابا
سهام بواسل لاقت سهاما
يكاد جبانها يخشى الترابا
تحدث عن مخاوف باعثيها
حديثا يبعث العجب العجابا
دعتهم للوغى بيض المواضي
وصيرت السهام لهم خطابا
ولو ملكت مسامعهم فلبوا
لما ملكوا الجماجم والرقابا
لو أن الحصن أوتي ما تمنى
أبى إلا هويا وانقلابا
رماه محمد فألح حتى
لأوشك أن يقول كفى عقابا
يظل الظرب يحمل منه طودا
طوى الأطواد وانتظم الهضابا
وأمسك هذه الدنيا فأمست
وما تخشى الزوال ولا الذهابا
لواء الفتح في يده رهين
بصاحبه الذي فاق الصحابا
يشير إليه محتجبا بوصف
يكاد سناه يخترق الحجابا
ويذكره وبالفاروق حرص
على أن ليس يعدوه انتخابا
علي للعقاب وما علي
سوى البطل الذي يحمي العقابا
شهاب الحرب لا عجب ولكن
عجبت لفرقد قاد الشهابا
رسول جاء بالفرج المرجى
وبالنور الذي كشف الضبابا
تقدم يا علي رعاك رب
كفى عينيك داءك والعصابا
بطب محمد أدركت ما لو
أراد الطب أعجزه طلابا
شفى الرمد الذي آذاك حينا
وكان لعزمك الماضي قرابا
خذ السيف الذي أعطاك واصدع
ببأسك هذه الصم الصلابا
حصون كلما زيدت دعاء
إلى البيضاء زادتها اجتنابا
تحب الكبر لا ترضى سواه
على آفاته خلقا ودابا •••
تقدم ما لصيدك من قرار
إذا لم تؤته ظفرا ونابا
خذ الذئب اللعين ولا تدعه
صدود الليث يحتقر الذئابا
كفى بالحارث المغرور علما
لمن رزق الغباء ومن تغابى
أرقت حياته فأرقت منها
صريح الكفر يأبى أن يشابا
ورعت به أديم الأرض لما
جعلت عليه من دمه خضابا •••
تخيل مرحب ما ليس حقا
ومنته الظنون منى كذابا
مشى يختال مرتجزا فلاقى
قضاء الله ينسرب انسرابا
سقاه الموت أبيض مشرفي
يذيب الموت يجعله شرابا
لك الويلات من ملك غوي
أحيط بملكه فهوى وذابا
أعدته اليهود لكل خطب
فضل رجاؤهم فيه وخابا
أما نظروه مأخوذا ببأس
يهد البأس أخذا واستلابا؟
وكل مغالب فله علي
غداة الكر يأخذه غلابا
توثب ياسر فتلقفته
مخالب فاتك ألف الوثابا
أما سمعته خيبر حين يهذي
فصدت عنه توجعه عتابا؟
ولو تسطيع لاتخذت حياء
من البيض الرقاق لها نقابا
غراب الشؤم يفزعها نعيبا
فيا لك بومة ولدت غرابا
فتى شاكي السلاح ولا سلاح
لمن يبغي من الموت اقترابا
ألا إن الزبير لذو بلاء
وإن خشيت صفية أن يصابا
حواري الرسول يكون منه
بحيث يريد صبرا واحتسابا •••
تجلت غرة الفتح المرجى
وأمسى النسر قد طرد الذبابا
وأعولت النطاة لفقد حصن
يعم يهود شجوا وانتحابا
هو البأس المدمر يا علي
فدع آطامها العليا يبابا
وحصن الصعب أذعن بعد كبر
وأعلن بعد غلظته المتابا
وأدى ما أعد القوم فيه
فأمسى بين أعينهم نهابا
وراح المسلمون بخير حال
ولولا الله ما برحوا سغابا
أتاح لهم على الضراء رزقا
فأمسى اليسر بعد العسر ثابا
مغانم من عتاد القوم شتى
تجاوز حين تحصيها الحسابا
كفى بالصبر للأقوام عونا
إذا حدث من الأحداث نابا
وما أمر اليهود إلى صلاح
إذا الداعي إلى الهيجا أهابا
مشى لهم الحباب يجر جيشا
شديد البأس يلتهب التهابا
فزلزل حصنهم حتى لودوا
لو أن له إلى الطير انتسابا
ولو ملك الجناح لطار يطوي
طباق الجو ذعرا وارتعابا
تنادوا للقتال فبادرتهم
سيوف الله شيقة طرابا
وليس لقوم يوشع من بقاء
إذا طعموا الطعان أو الضرابا
عباب الموت يملك جانبيهم
فنعم القوم إن ملكوا العبابا •••
تتابعت الفتوح محجلات
تزيد يهود حزنا واكتئابا
أصيبوا بالقوارع راجفات
تهد الشيب منهم والشبابا
فتلك حصونهم أمست خلاء
كأن لم يعمروا منها جنابا
تساقوا بالعراء الذل مرا
يود طغاتهم لو كان صابا
وألقوا بالسلاح وما أصابوا
من الأموال جمعا واكتسابا
وضاقوا بالجلاء فأدركتهم
عواطف محسن تسع الرحابا
أصابوا من رسول الله مولى
يتوب على المسيء إذا أنابا
قضى لهم القضاء فلا انتزاحا
لقوا بعد المقام ولا اغترابا
ثووا في الأرض عمالا عليها
يؤدون الإتاوة والنصابا
ولاة الزرع للإسلام منهم
شريك ليس يظلم أو يحابى
هداة الناس أرشدهم سبيلا
وأحسنهم إذا انقلبوا مآبا
كنز بني النضير
هو حليهم الذي كان سلام بن أبي الحقيق حمله في جلد بعير - وقيل في جلد ثور - يوم إجلاء بني النضير، وهو يقول: إنا أعددنا هذا لرفع الأرض وخفضها؛ لما فتحت خيبر سأل النبي عنه فقالوا: أذهبته الحروب والنفقات، فدفع رجلا منهم اسمه سعية بن عمرو، عم حيي بن أخطب إلى الزبير بن العوام فمسه بعذاب، فدل على مكانه، وكان حيي قد دفنه في ذلك المكان.
منايا القوم في جلد البعير
فأين يضيع كنز بني النضير؟
مرد الأمر في رفع وخفض
لهذي الأرض في الحدث الكبير
كذلك قال أكذبهم مقالا
وأجهلهم بأعقاب الأمور
هم اتخذوا الخداع لهم سبيلا
وكانوا أهل بهتان وزور
فما صدقوا النبي ولا استحبوا
سوى الطمع المخيب والغرور
وما الكنز الذي دفنوه إلا
نذير الويل أجمع والثبور
يقول غواتهم لم يبق شيء
مقال ذوي السفاهة والفجور
فلما مس صاحبهم عذاب
بدا الشر المغيب في الصدور
وجيء بكنزهم إرثا عتيدا
لوراث الممالك والدهور
ولو جحدوه أقبلت المنايا
تؤذن في الرقاب وفي النحور
فبادوا في مصارعهم وعادوا
كطسم أو كعاد في الدثور
وما برحت عوادي الدهر تجري
على أهل المآثم والشرور
لهم في ذمة الفاروق يوم
يطالعهم بشر مستطير
فصبرا إنه لا بد آت
فما ليهود خيبر من مجير
المخلفون
جاء الذين تخلفوا عن غزوة الحديبية إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
ليخرجوا معه طلبا للغنيمة فقال لهم: «لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد، فأما للغنيمة فلا»، ثم أمر مناديا ينادي بذلك.
هو الدين ما في الدين غنم ولا غرم
هو المغنم الوافي هو المقتنى الضخم
أتى القوم يبغون القتال لمأرب
وعند رسول الله من أمرهم علم
فقال ارجعوا لا تجعلوا المال همكم
ولا تجهلوا إن الجهاد هو الهم
فمن جاءنا يبغي مغانم خيبر
فليس له فيها نصيب ولا سهم
هو الدين دين الله يا قوم خالصا
فإن تلحدوا فيه فذلكم الظلم
ألم أدعكم من قبل فانصرفت بكم
عن الله دنيا الناس وانتقض العزم؟
عميتم عن المثلى وأقبل معشر
مناجيد لا عمي القلوب ولا صم
رموا في صدور المبطلين وجاهدوا
لنصرة رب حقه واجب حتم
أولئك أهل الرأي لا النفر الألى
تولوا فلا رأي لديهم ولا حزم
أولئك أوفى الناس قسما وخيرهم
جزاء فعودوا لا جزاء ولا قسم
هو الدم والحق المحتم فاعلموا
ولله ما يقضي له الأمر والحكم
عبد الله بن أبي بن سلول
عقرب السوء تمادى في الأذى
والأذى بعض سجايا العقرب
ويك عبد الله ماذا تبتغي؟
تعب الشر ولما تتعب
إتئب يا ابن أبي واجتنب
خطل الرأي وسوء المذهب
أنت أضللت الألى طمعتهم
من وصاياك ببرق خلب
ليس فيما نابهم من عجب
خائب طاح بقوم خيب
قومك الأبطال ماذا صنعوا
بالحصون الشم؟ قل لا تكذب
أتراها في صياصيها العلى
دافعت عن ياسر أو مرحب؟
إمتلئ يا ابن أبي غضبا
ليس يرضى الحق إن لم تغضب
أفما يرضيك من الدنيا سوى
موقف الجاني ومثوى المذنب؟
لو صدقت الله في دين الهدى
فزت منه بالذمام الأقرب
خطة المؤمن يمن ما له
دونها من خطة أو مركب
لك في الإسلام من أعدائه
خلق الذئب وطبع الثعلب
هكذا قدر ربي وقضى
ما الخبيث النفس مثل الطيب
صفية أم المؤمنين (رضي الله عنها)
هي بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير، وهو من سبط هارون بن عمران أخي موسى (عليهما السلام)، سبيت من حصن الوطيح، وكان اسمها زينب، فلما هداها الله إلى الإسلام سميت صفية، وكانت زوجا لكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، تزوجها بعد أن طلقها سلام بن مشكم الذي روي أنه لم يدخل بها. خيرها النبي
صلى الله عليه وسلم
بين أن يعتقها فترجع إلى من بقي من أهلها، أو تسلم فيتخذها لنفسه، فقالت: أختار الله ورسوله.
إن جل غنم المسلمين بخيبر
فما غنمت أجل منه وأكبر
الله أكبر يا عروس محمد
هذا هو الشرف الأعم الأوفر
هذا مكانك عاليا ما مثله
في السؤدد العالي مكان يؤثر
يا درة صينت لتاج جلالة
الدر من لمحاته والجوهر
الشأن شأنك أنت خير صفية
والتاج أنت به أحق وأجدر
أدركت بالإسلام في حرم الهدى
جهد المنى مما يتاح ويقدر
أدركت دنيا الصالحين ودينهم
فظفرت بالحسنى ومثلك يظفر
ولقد غنيت ودون ما تجدينه
دنيا مذممة ودين منكر
ذعر الوطيح فأسلمتك حماته
وحللت بالحصن الذي لا يذعر
ما مثل رؤياك التي كانت أذى
رؤيا تفسر للنيام وتعبر
أفكنت ناسية فجدد ذكرها
أثر بعينك يا صفية أخضر؟
يا ويلتا لابن الربيع يغيظه
هذا المقام الصعب كيف ييسر
لطمتك من سفه وسوء خليقة
يده وتلك جناية ما تغفر
ماذا رأيت من الذي أبغضته
ونقمت ما يرضى وما يتخير؟
أردى أباك وهد زوجك بأسه
وأصاب قومك منه موت أحمر
ماذا رأيت؟ أما عذرت سيوفه
وعلمت أن عدوه لا يعذر؟
ولقد بلوت خلاله فوجدته
نعم الخليل إذا يسوء المعشر
أحببته الحب الكثير على القلى
ولحب ربك ذي الجلالة أكثر
ذهب الرعاة فما يسرك صاحب
ورعاك صاحبك الأبر الأطهر
آثرته ورضيت ربك إنها
لله عندك نعمة لا تكفر
أعلى محلك فانعمي وتقدمي
بأجل ما يثنى عليه ويشكر
ولأنت إن عظمت فوائد خيبر
أسنى وأعظم ما أفادت خيبر •••
يا قبة المختار دونك ما بنى
في ملكه كسرى وشيد قيصر
مثوى يهول الناظرين ومنظر
عجب يروع مقامه والمظهر
فيه الجلال الضخم ترتد المنى
من دونه مذعورة تتعثر
فيه السلام لكل جيل يبتغي
فيه النظام لكل عصر يذخر
فيه الحياة تسل من أكفانها
هلكى الشعوب إذا تموت وتقبر •••
إيه أبا أيوب ما بك ريبة
إن المحب على الحبيب ليسهر
تأبى الكرى وتطوف حول محمد
والسيف يقظان المضارب ينظر
ماذا تخاف على حبيبك من أذى
والله كاف ما تخاف وتحذر؟
إهنأ بدعوته فتلك وقاية
من كل ذي جبرية يتنمر
تلك الولائم في رحاب محمد
شتى تسر بها النفوس وتحبر
الصحب من فرح عليها عكف
والرسل أجمع والملائك حضر
عرس النبي وأي عرس مثله؟
هيهات تلك فضيلة لا تنكر
رجوع المهاجرين من الحبشة
كانت هجرة المستضعفين من المسلمين من مكة إلى الحبشة مرتين؛ الأولى في شهر رجب من السنة الخامسة للنبوة، والثانية بعد رجوع أكثرهم في شهر رمضان - وقيل شوال - عندما بلغهم أن مشركي مكة أسلموا ثم ظهر لهم غير ذلك.
وسبب هذه الهجرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم
قال للمسلمين لما أصابهم الأذى: «تفرقوا في الأرض»، قالوا: وأين نذهب؟ فأشار إلى جهة أرض الحبشة، وقال: «إن بها ملكا لا يظلم عنده أحد»، وكان عدد المهاجرين في المرتين ثلاثة وثمانين رجلا، وثماني عشرة امرأة، وبعثت قريش في أثرهم عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية إلى النجاشي وعظماء رجاله ليرد هؤلاء المهاجرين إليهم، وقال عمرو وصاحبه: إنهم لا يسجدون لك كما يسجد الناس، ويقولون في عيسى بن مريم (عليه السلام) ما لا يرضيك، فبعث النجاشي إلى الأساقفة فجاءوا بمصاحفهم، وتولى جعفر بن أبي طالب الكلام عن المهاجرين الذين كان يسميهم (حزب الله)، فقال: «إنا لا نسجد إلا لله (عز وجل)، ولا نقول في عيسى (عليه السلام) إلا ما يقول إنه روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم».
قال النجاشي: «يا معشر القساوسة هذا ما عندكم في المصاحف، أشهد أنه رسول الله الذي بشر به عيسى في الإنجيل»، ثم قال للمسلمين: «انزلوا حيث شئتم من أرضي آمنين»، وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق، وقال: «من نظر إلى هؤلاء الرهط نظرة تؤذيهم فقد عصاني، ردوا هذه الهدايا فلا حاجة لي بها»، وكان عودة المهاجرين في غزوة خيبر، فأمر لهم النبي بأخذ أنصبتهم من الغنائم.
مرحبا بالأحبة المقبلينا
أطفئوا شوقكم وقضوا الحنينا
أذن الله باللقاء وكانت
لوعة للفراق دامت سنينا
إن هذي دياركم فادخلوها
طيبات لمعشر طيبينا
ادخلوها بنعمة وسلام
واعمروها بأهلكم والبنينا
أقبلوا أقبلوا وحيوا رسول
الله مستبشرا يمد اليمينا
صافحوه محبب الوجه سمحا
والزموه مباركا ميمونا
وانظروا حوله الجنود ألوفا
بعد أن لم تكن تداني المئينا
واذكروا خطبكم وكيف ذهبتم
خيفة الضيم في البلاد عزينا
تركبون العباب يأخذه الكب
ر، فيأبى عنانه أن يلينا
يضرب الموج في جوانبه المو
ج، وتزجي السفين فيه السفينا
إتخذتم أرض النجاشي دارا
وتركتم دياركم والقطينا
ملك عادل أقام عليكم
من كريم الجوار حصنا حصينا
ورعاكم رعي الحفي يؤدي
حق أضيافه وفيا أمينا
وجد العار في هدية عمرو
فاباها ورد عمرا حزينا
قال يا ويلتا أأهدم مجدي
وأعادي أبوتي الأولينا؟
أأبيع الضيوف يا عمرو دعها
خطة تجعل العزيز مهينا
إنها سبة على الدهر يأبى
كل حر مهذب أن تكونا
راعه جعفر بقول مبين
فرأى الحق واضحا واليقينا
ودرى أنما السجود لغير
الله إثم يحيق بالساجدينا
واهتدى قلبه فآثر دين ال
حق في مجمع القساوس دينا
دلف القوم بالمصاحف لا يد
رون ماذا يريد أن يستبينا
قال ما عندكم؟ أما قال عيسى
سوف يأتي من بعده من يلينا؟
بطل الشرك وانتهى الإفك هذا
خاتم الأنبياء والمرسلينا
كيف نأبى محمدا وهو حق؟
أيقول الهداة إنا عمينا
رب إني آمنت فاغفر ذنوبي
واهدني في عبادك المؤمنينا
هكذا فاز بالكرامة حزب
الله طوبى لحزبه المفلحينا •••
ادن يا جعفر لك الرتب العل
يا وكنت امرأ بهن قمينا
وخذ القبلة التي هي أقصى
ما ترجيه أنفس المتقينا
ادن يا أشبه الرجال بأعلى ال
ناس قدرا وخيرهم أجمعينا
ولك العذر إن رقصت فهذي
نشوة الحب تأخذ المخلصينا
ناد يا شاعر العروبة واهتف
مرحبا بالأماجد الأكرمينا
هذه خيبر العصية دالت
لسيوف البواسل الفاتحينا
نصر الله جنده وحباه
في لواء النبي فتحا مبينا
فخذوا حقكم هنيئا مريئا
واشكروا الله أكرم المنعمينا
أم حبيبة (رضي الله عنها)
هي بنت أبي سفيان، هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش، فارتد عن الإسلام هناك ومات نصرانيا. أرسل النبي
صلى الله عليه وسلم
عمرو بن أمية الضمري (رضي الله عنه) في المحرم سنة سبع إلى النجاشي ليزوجها منه، ففعل ودفع الصداق من ماله أربع مئة دينار، أو أربع مئة مثقال ذهب، ثم أولم للناس بعد ذلك، وكانت إحدى جواريه قد أخذت منها بعض الهدايا والأموال لما بشرتها بخطبة الرسول الكريم، فأمرها برد ما أخذت، وأمر نساءه أن يقدمن لها العطر والطيب، ثم أرسلها إلى النبي مع شرحبيل بن حسنة.
بشراك أم حبيبة بمحمد
تمت لك النعمى ففوزي واسعدي
هذا بشير الخير أي طلاقة
تحكي طلاقة وجهه الغض الند؟
حمل الرسالة مشرعا من رحمة
فيه الشفاء لغلة القلب الصد
بشراك أم المؤمنين فهذه
رؤياك عند أوانها والموعد
بعث النجاشي الوليدة فاسمعي
أشهى الحديث إلى الكرائم واشهدي
هذا عطاؤك لو يكون مكانه
أغلى الكنوز خشيت أن لا تحمدي
نعم العطاء بذلته مرضية
في الله راضية ويا لك من يد
قلدت أمرك خالدا فمضى به
شرفا على شرف أشم مخلد
هتف الرسول أجب وكيل محمد
فمشى إلى الملك الأعز الأصيد
يلقاه في تاج الهدى وسريره
بين الأرائك والجموع الحشد
في مشهد زانته غرة جعفر
زين الندي ونور عين المنتدي
جمع الأحبة والرفاق فأقبلوا
من كل عال في الرجال ممجد
أدى النجاشي الصداق مباركا
ملء اليدين يسوقه من عسجد
وأقام لله الولائم كلما
زادت وفود القوم قال لها ازددي •••
مضت الوليدة بالصداق فصادفت
كرما يجاوز مطمع المسترفد
نالت ولم تسأل ولم تمدد يدا
خمسين دينارا عطاء كالدد
فضل لأم المؤمنين تفجرت
عنه فراح يفيض غير مصرد •••
تلك الوليدة قال سيدها ارجعي
أنسيت حق الضيف عند السيد؟
ردي العطية والهدية واذكري
آلاء ربك ذي الجلال الأوحد
لا ترزئي زوج النبي بأرضنا
شيئا فبئس الزاد للمتزود •••
قالت إليك المال والحلي الذي
أعطيتنيه فليس أمري في يدي
أمر المليك فلا مرد لأمره
ولك الكرامة في الفريق الأرشد
لي في ذمامك حاجة منشودة
لولا الهدى وسبيله لم تنشد
هل تحملين إلى الرسول تحية
مني إذا انطلقت ركابك في غد؟
حييه منعمة وقولي إنني
أحببته حب التقي المهتدي
ورضيت ملته لنفسي إنه
لعلى طريق للسداد معبد •••
رضي المليك وراح يحمد ربه
حمد امرئ للصالحات مسدد
ودعا إلى الصنع الجميل نساءه
فالطيب ذو عبق يروح ويغتدي
تمشي الولائد خلفه يحملنه
في ملتقى بهج وحسن تودد
يأتين أم المؤمنين يزدنها
ويقلن مهلا كلما قالت قدي •••
سيري هداك الله شطر نبيه
في موكب من نوره المتوقد
إلا يكن من هاشم وفد فكم
لله حولك من رسول موفد
جبريل يمشي في ركابك خاشعا
بين الملائك فاشهدي وتفقدي
الله بوأك الكرامة منزلا
وأعز جدك بالنبي محمد
أهل فدك
هم قوم من اليهود بعث إليهم النبي
صلى الله عليه وسلم
محيصة بن مسعود (رضي الله عنه)، وهو على مقربة من خيبر، يدعوهم إلى الإسلام، وينذرهم عاقبة أمرهم إذا عصوا، فقالوا: إن في خيبر عشرة آلاف مقاتل؛ فيهم عامر وياسر والحارث ومرحب، فلن يغلبهم المسلمون، على أننا سنبعث معك بعد يومين رجالا للصلح، وذلك من مكرهم ليروا لمن يكون النصر، فلما جاءهم الذين هربوا من حصن ناعم بعد فتحه، أرسلوا نون بن يوشع، وهو رجل من رؤسائهم، في جماعة منهم إلى النبي يطلبون الصلح فأجاب سؤلهم.
محيصة بلغ ما أمرت فإنما
هو الدين دين المسلمين أو القتل
إلى فدك فاحمل بلاغ محمد
وأنذر بها قوما أضلهم الجهل
أبوا أن يجيبوا داعي الله وابتغوا
سبيل الألى أعماهم الحقد والغل
يقولون لن يسطيع جيش محمد
بخيبر نصرا إنها مطلب بسل
يدافع عنها من صناديد أهلها
رجال إذا خاضوا الوغى بطل الهزل
لها عامر عند البلاء وياسر
لها مرحب والحارث البطل الفحل
وإن بها من كل رام وضارب
ألوفا هم السم الذعاف لمن يبلو
على أننا لا نكره السلم فانتظر
محيصة واصبر إنها خطة فصل •••
كذلك قالوا يمكرون كدأبهم
وماذا يفيد المكر أو ينفع الختل؟
أطالوا المدى حتى يروا جد قومهم
وجد رسول الله أيهما يعلو
فلما رموا بالحق من حصن ناعم
وقيل لهم ضاقت بقومكم السبل
مشت رسلهم للصلح تهوي أمامها
قلوب هي الكتب الحثيثة والرسل
يظل عميد القوم نون بن يوشع
يقول هلموا ذلك المركب السهل
ولاذوا بأكناف النبي فصادفوا
كريما يرجى عنده العفو والفضل
أحل لهم صلحا وإن دماءهم
وأموالهم إن ردهم خيبا حل
لئن خلفوا للؤم أهلا فإنه
لكل الذي يسمو الكرام به أهل
له النصف من تلك الحقول يعده
لكل فقير عضه البؤس والأزل
كذلك مولى القوم يرجون ظله
وما خير مولى لا يكون له ظل؟
بنو غطفان وسيدهم عيينة بن حصن
لما علم أهل خيبر أن المسلمين قادمون لغزوهم بعثوا إلى حليفهم عيينة بن حصن سيد بني غطفان يستعدونه وقومه عليهم، ولهم في ذلك نصف ثمار خيبر، وقيل إن النبي
صلى الله عليه وسلم
بعث إليهم ينهاهم عن مظاهرة اليهود، فأبوا وقالوا: حلفاؤنا وجيراننا، ثم خرجوا لنصرتهم فسمعوا من ورائهم صوتا في ديارهم وقع في نفوسهم أنه صوت الغزاة من المسلمين، فأخذهم الرعب، وارتدوا على أعقابهم مسرعين .
أما تدع العماية يا ابن حصن
وتسلكها معبدة سويه؟
أضلتك اليهود فرحت تبغي
ثمار النخل يا لك من بليه
لبئس الأجر أجرك من أناس
يرون الحق منزلة دنيه
أترضى أن تكون لهم حليفا؟
لعمرك إنهم شر البريه
رموك برسلهم يرجون نصرا
فما وجدوك من أهل الرويه
أهبت بقومك انطلقوا ورائي
فتلك سرية تتلو سريه
تريد محمدا وبني أبيه
أولي النجدات والهمم العليه
حماة الحق ليس له سواهم
إذا غلت الحفيظة والحميه
نهاك محمد فأبيت رشدا
لنفسك إنها نفس غويه
وقلت أنترك الحلفاء نهبا
ونحن أولو السيوف المشرفيه؟ •••
رويدك يا عيينة أي خطب
أصابك؟ ما الحديث؟ وما القضيه؟
وما الصوت المردد يا ابن حصن
وراءك في منازلك القصيه؟
وراءك يا عيينة لا تدعها
فما هي عن دفاعك بالغنيه •••
رجعت بجندك المهزوم رعبا
فمرحى ما الهزيمة كالمنيه
لو أنك جئت خيبر وهي ظمأى
سقتك من الردى كاسا رويه
نويت غياثها فشغلت عنها
وأمر الله يغلب كل نيه
بربك يا فتى غطفان آمن
فإن له لآيات جليه •••
رجعت إلى النبي تقول ما لا
يقول المرء ذو النفس الحييه
ألست لمن ظفرت بهم حليفا؟
فهب لي من مغانمهم عطيه
وإني قد أبيت فلم أعنهم
عليك وما تركتك عن تقيه
فقال كذبت ما لك من خلاق
وما تخفى على الله الطويه
عليك بذي الرقيبة إن فيه
لما أحببت من صلة سنيه
تأمل هل ملكت علي أمري؟
وهل صدقتك رؤياك الغبيه؟
لكل من دعاة الشرك حرب
مظفرة الوقائع خيبريه
سجايا المرهفات البيض أولى
بمن جعلوا النفاق لهم سجيه
حجاج بن علاط السلمي (رضي الله عنه)
قدم على النبي
صلى الله عليه وسلم
بخيبر فأسلم، وكان له مال كثير متفرق في مكة، فاستأذنه في أن يذهب إليها ليجمعه قبل أن يعلم إسلامه، وأن يقول للقوم ما يرضيهم ليعينوه على ذلك، فأذن له، وذهب فرأى عند البيت جماعة منهم يتلمسون أخبار خيبر، فأقبلوا عليه يقولون: إيه يا حجاج، فقال: هزم محمد وأصحابه هزيمة لم يسمع بمثلها، وهو أسير في أيدي اليهود، لا يريدون أن يقتل في غير مكة، ففرحوا وأعانوه، وشاع الخبر فحزن المسلمون، وكان أشدهم حزنا العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه)، فبعث غلامه إلى حجاج يسأله، فعاد يبشره بكذب ما أذيع من هذه الأنباء، فأعتقه سرورا بذلك، وجاءه حجاج فصدقه الحديث، وسأله أن يكتم الخبر ثلاثة أيام حتى ينجو بنفسه وماله ففعل، وخرج العباس بعدها على المشركين في زينة فأنبأهم بما غاظهم وأوجع قلوبهم.
تقدم فهذا مطلع الحق والهدى
ألست ترى النور الذي جاوز المدى؟
أتيت رسول الله تتبع دينه
وتؤثر خير الزاد فيمن تزودا
لك الله يا حجاج أمسيت مشركا
وأصبحت تدعوه تقيا موحدا
سيغفر ما أسلفت من جاهلية
ليالي تأبى أن يطاع ويعبدا
سألت رسول الله ما لو سألته
سواه لأعطاك الحسام المهندا
تقول له دعني أزور مقالة
تسوءك إني أحذر المعشر العدى
بمكة لي مال كثير موزع
أخاف عليه أن يضيع ويفقدا
سأكتم إسلامي وأوذيك إنهم
هم القوم لا يؤذون إلا من اهتدى
ورحت تحابيهم وتشفي صدورهم
بخرقاء تستهوي الغبي المبلدا
تقول لقد فاز اليهود وأدركوا
على الفاتحين الغر نصرا مؤيدا
أغاروا فردوهم وأمسى محمد
أسيرا لدى ساداتهم ليس يفتدى
أبوا أن يذوق القتل إلا بمكة
وإن له عما قريب لموعدا
فطاروا سرورا واستمر غواتهم
يذيعونه زورا وإفكا مرددا
وطاشت عقول المسلمين فأصبحوا
حيارى يرون العيش أغبر أنكدا
وأرضى الألى ضلوا السبيل بشيرهم
لدن جمعوا من ماله ما تبددا
تزود هما كل من كان مسلما
وأعيا على العباس أن يتجلدا
فأرسل ما هذا الذي أنت قائل؟
قل الحق يا حجاج وانقع به الصدى
تبارك ربي إنه جل شأنه
لحق عليه أن يعز محمدا
فقال نعم عد يا غلام وقل له
أبا الفضل أبشر وانتظر مقدمي غدا
فأعتق من فرط السرور غلامه
وراجعه من أمره ما تعودا
ووافاه حجاج بأنباء خيبر
فأمسى الذي أخفى من الأمر قد بدا
وناشده أن لا يذيع حديثه
ثلاثة أيام حذارا من الردى
فلما انقضت راع الرجال بطلعة
تشق على الأعداء مرأى ومشهدا
تدفق بشرا وجهه وجرى السنا
على صفحتيه ساطعا فتوقدا
يقولون لا تحزن فيا للألى عموا
ويا لك من حزن أقام وأقعدا
رماهم بأخبار الفتوح فغاظهم
ورد ذليلا كل عات تمردا
يضجون أين ابن العلاط؟ أما لنا
إليه سبيل؟ إنه كان مفسدا
لقد غرنا كيما يفوز بماله
فحاق بنا من إثمه ما تعمدا
فواها له من ماكر لو نصيبه
إذن لجزيناه الجزاء المشددا
جزاهم إله الناس ما ذنب مسلم
كريم السجايا ما أساء ولا اعتدى؟
رأى شرهم فاحتال يحفظ ماله
عليه ويأبى أن يغادره سدى
الشاة المسمومة
عمدت زينب بنت الحارث أخي مرحب - وهي امرأة سلام بن مشكم - إلى عنز لها فذبحتها، وجاءت بسم قاتل لساعته فأشاعته فيها، وعلمت أن النبي
صلى الله عليه وسلم
يحب الذراعين فأكثرت فيهما من ذلك السم، ثم جاءت فوضعتها بين يديه ومعه طائفة من أصحابه فيهم بشر بن البراء بن معرور (رضي الله عنه)، فلما ذاقها النبي أنبأه الله بأمرها، فقال لأصحابه: «ارفعوا أيديكم»، وكان بشر قد أصاب منها ففعل فيه السم ومات بعد سنة، فأمر النبي بقتل تلك اليهودية الخبيثة.
أكانوا كلهم داء عياء؟
فما يجد الأساة لهم دواء؟
ألا إن النطاسي المرجى
أتى يلقى الألى انتظروا اللقاء
أتى بالحكمة الكبرى رسولا
فكان لعلة الدنيا شفاء
أتطمع زينب بذراع شاة
يسمم أن يضر وأن يساء؟
أبى الملك المهيمن ما أرادت
فخيبها وكان له وقاء
أتت تمشي بها وتقول هذا
طعامك فارضه وانعم مساء
فقال لصحبه رزق أتانا
فباسم الله لا نحصي ثناء
فلما ذاقها قال اتركوها
فإن الله قد كشف الغطاء
طعام السوء مسموم وهذا
أخي جبريل بالأنباء جاء
فكفوا غير بادرة لبشر
مضت قدرا لربك أو قضاء
فيا لك طعنة لم تبق منه
لحاجة نفسه إلا ذماء
إذا رام التحول أمسكته
ولو قدرت مفاصله لناء
قضاها حجة من ذاق فيها
مرارة عيشه كره البقاء
وحم قضاؤه فمضى رضيا
يبوأ جنة المأوى جزاء
وقال محمد يا آل بشر
كفى بدم التي قتلت عزاء
فلاقت زينب قتلا بقتل
وما كانت لصاحبهم كفاء
أمن حمل الخمار من الغواني
كمن حمل العمامة واللواء؟
كذلك حكم ربك في كتاب
أقام السبل بينة وضاء
هو القسطاس أنزل مستقيما
لمن يزن النفوس أو الدماء
أتى يحمي الحقوق ويقتضيها
فلا جنفا يريد ولا عداء
بناء العدل ليس به خفاء
فسبحان الذي رفع البناء
ألا خسر اليهود ولا أصابوا
طوال الدهر خيرا أو نماء
كأن الغدر عند القوم دين
فما يدع الرجال ولا النساء
المؤمنات في جيش الرسول
خرج في هذه الغزوة مع جيش الرسول الأعظم
صلى الله عليه وسلم
عشرون امرأة من نساء المسلمين، فيهن عمته السيدة صفية (رضي الله عنها وعنهن)، وقد أعطين نصيبا من الغنائم.
أتين بهن من شوق غليل
وعدن لهن منقلب جليل
خرجن من الخدور مهاجرات
فلا دعة ولا ظل ظليل
يسرن مع النبي على سواء
ولا هاد سواه ولا دليل
يردن الله لا يبغين دنيا
كثير متاعها نزر قليل
عقائل في حمى الإسلام يسمو
بهن من العلى فرع طويل
يفئن إلى صفية حيث كانت
وكان سبيلها نعم السبيل
عليها من رسول الله وسم
مبين العتق وضاح جميل
عشيرة سؤدد وقبيل مجد
فبوركت العشيرة والقبيل
يجردن النفوس مجاهدات
بحيث يجرد العضب الصقيل
فلا ضعف يعوق ولا لغوب
ولا ولد يشوق ولا حليل
نساء الصدق ما فيهن عيب
وليس لهن في الدنيا مثيل
أخذن عطاءهن على حياء
يزيد جماله الخلق النبيل
لئن قل الذي أوتين منه
فأجر الله موفور جزيل
غزوة وادي القرى
كانت بعد خيبر، وأهل هذا الوادي من اليهود دعاهم النبي
صلى الله عليه وسلم
إلى الإسلام، فأبوا إلا القتال، وحمل ثلاثة منهم في الطليعة واحدا بعد واحد، وحمل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وأبو دجانة فقتلوهم، ثم نشب القتال بين الجيشين فكان النصر للمسلمين، وطلب اليهود الصلح فتركت الأرض والنخيل والبساتين والحدائق في أيديهم يعملون فيها أجراء كإخوانهم يهود خيبر.
خوضوا الوغى يا أهل وادي القرى
واستقبلوا الموت وأسد الشرى
أنكرتم الإسلام دين الهدى
والله والسيف لمن أنكرا
إن تطلبوا البرهان فاستخبروا
جيرانكم أو فاسألوا خيبرا
اقتل علي إنهم معشر
ما مثلهم أعمى الهوى معشرا
ويا حواري الرسول اقتنص
كل غوي جاء مستهترا
وأنت فاضرب في الطلى يا أبا
دجانة اضرب مقبلا مدبرا
كروا جنود الله في نصره
ليس لغير الله أن ينصرا
لا تتركوا جيش الألى استمسكوا
بالكفر حتى يرجع القهقرى
يا صولة هدت فراعينهم
ما أشجع القوم وما أصبرا
أبطال حرب لم يزل بأسهم
يلتهم العسكر فالعسكرا
وادي القرى التف على روعة
يا ويح للمرتاع ماذا يرى؟
من مثل الأغوال تهفو به
أهوالها العظمى؟ ومن صورا؟
بأس رسول الله في صحبه
ما أعظم البأس وما أكبرا
ذلت يهود بعد أن لم تكن
تظن أن تغلب أو تقهرا
إستعمر الفاتح زراعهم
في الأرض لولا الرفق ما استعمرا
فليشكروها منه أكرومة
من حقها الواجب أن تشكرا
وليرقبوا العقبى وزلزالها
إن أظهر الحدثان ما أضمرا
لا حول للقوم ولا حيلة
فيما قضى الله وما قدرا
لن يصحب الإسلام في داره
أصحاب دين غيره مفترى
بشارة الله أتانا بها
أصدق من بشر أو أنذرا
أهل تيماء
رأى أهل تيماء انتصارات المسلمين في خيبر وفدك ووادي القرى، فأرسلوا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
يسألونه الصلح على أن يؤدوا إليه الجزية، فقبل وأقرهم على حالهم.
هو النصر يا تيماء يتبعه النصر
فإن كنت في ريب فقد وضح الأمر
دعي الرسل تمضي ما عليك ملامة
وكيف يعاف الأمن من غاله الذعر؟
فإن تخفضي منك الجناح لتنعمي
بأفياء عيش ساكن فلك العذر
وهل يرفع العصفور يوما جناحه
إذا حلق البازي أو انطلق النسر؟
إذا أمسك الصبر البلاد وأهلها
فليس على هذا قرار ولا صبر
ألم يك أهل الأرض موتى فجاءهم
رسول حياة دينه البعث والنشر؟
أبى أن يظلوا آخر الدهر فوقها
يسيرون في الأكفان وهي لهم قبر
حياة الدنى في سيفه وكتابه
وما منهما إلا لها عنده سر •••
لك الأمن يا تيماء لا الدم دافق
ولا النقع مسود ولا الجو مغبر
ولا أنت ثكلى ما تغبك لوعة
مؤججة كالجمر أو دونها الجمر
أعانك رأي أبصر القصد فانتحى
بأهلك ما لا ينتحي الجاهل الغر
ولو آثروا الإسلام دينا لأفلحوا
ولكنه الشرك المذمم والكفر
أبوا وتولوا يشترون نفوسهم
بأموالهم هذا هو الغبن والخسر
يؤدونها من خيفة القتل جزية
على الهون مما يرزق الحب والتمر
أقاموا يريدون الحياة بأرضهم
وكيف حياة القوم إن فسد الأمر؟
رويد اللى اختاروا الضلالة خطة
فتلك وإن لم يعلموا خطة نكر
يضلون والفجر المنور طالع
ولا عذر للضلال إن طلع الفجر
لكل أناس مدة ثم تنجلي
عمايتهم فليصبروا إنه الدهر
عمرة القضاء
ويقال لها عمرة القضية، والصلح والقصاص، وهي التي أجازها عهد الحديبية للرسول الكريم وأصحابه (رضوان الله عليهم)، وكانت في شهر ذي القعدة من السنة السابعة، وهو الشهر الذي صده المشركون فيه عن البيت سنة ست، ويقال لهذه العمرة غزوة الأمن، ولهذا ألحقت بالغزوات؛ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم
خرج إليها بالخيل والسلاح مخافة أن يغدر المشركون فيقاتلهم، وخرج معه من أصحابه ألفا رجل، أكثرهم ممن شهد الحديبية، فلما رأى احترام القوم للعهد أمر بوضع السلاح في مكان قريب من الحرم يقال له بطن ناجح، ثم دخل مكة هو وأصحابه آمنين، وقضوا مناسكهم من صلاة وطواف ونحر، وخرجوا بعد ثلاثة أيام وفاء بالعهد.
مضى العام وانبعث المنتظر
وخليت السبل للمعتمر
لقد يسر الله تلك الصعاب
فما من عصي ولا من عسر
بدار بدار جنود النبي
فإن الغنيمة للمبتدر
إلى البيت سيروا سراع الخطى
فما ثم من خيفة أو حذر
وسوقوا الهدايا إلى ربكم
فما خاب من ساقها أو نحر
دعوها لناجية إنه
لنعم الفتى أن تمطى السفر
دليلكم الصدق فيما مضى
يشق الصعاب ويهدي الزمر
وللخيل قائدها المجتبى
وفارسها الشمري الأغر
رأوها مطهمة في السلاح
فطاروا يقولون أمر قدر
أيا قومنا إنهم أقبلوا
على الجرد في المرهفات البتر
خذوا حذركم واجمعوا أمركم
ألا إننا لا نرى غير شر
وجاء ابن حصن رسولا يقول
محمد ما شأنكم؟ ما الخبر؟
أتنقض عهدك تبغي القتال
وما كنت ممن بغى أو غدر؟
قريش على العهد ما بدلوا
ولا كان منهم أذى أو ضرر
على م السلاح؟ وماذا تريد؟
أتأبى لأنفسنا أن تقر؟
فقال النبي اهدءوا إنني
لأولى الورى بوفاء وبر
سيبقى السلاح بعيد المكان
ليأمن من قومنا من ذعر
لمكة حرمتها والذمام
ولله سبحانه ما أمر
وأقبل في صحبه الأكرمين
يؤم البنية ذات الستر
فيا ابن رواحة خذ بالزمام
وقل في النبي وفي من كفر
جلا القوم يأبون لقيا النبي
وأصحابه الطاهرين الغرر
فطافوا وصلوا وخفوا معا
إلى الركن يغشونه والحجر
وقضوا المناسك مستبشرين
فلم يبق من مأرب أو وطر
وجاء حويطب يلقى النبي
وصاحبه المرتجى للغير
يقولان إنا على موعد
فما لك عن أرضنا لم تسر؟
قضيت الثلاثة فاذهب إلى
منازل يثرب ما من مفر
فأرعد سعد وجاشت به
حمية مستوفز كالنمر
وألقى بصاعقة تستطير
على جانبيها بروق الشرر
فقال النبي رويدا رويدا
وأطفأ من غيظه المستعر
وحم الرحيل فنعم السبيل
سبيل القبيل الجليل الخطر
همو صبروا فانثنوا ظافرين
وما الصبر إلا بشير الظفر
فشكرا لرب يحب التقي
ويضفي العطاء على من شكر
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية (رضي الله
عنها)
اختارها الله زوجا لرسوله الكريم في هذه العمرة، وكان اسمها قبل ذلك (برة)، فسماها ميمونة، وهي أخت أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب، وأخت أسماء بنت عميس زوج حمزة لأمها.
اسم سما لفظه وازدان معناه
حلاك ربك بالحسنى وحلاه
ميمونة أنت هذا ما تخيره
لك الذي اختاره من خلقه الله
أوفى بحمزة والبعاس مجدهما
يا أخت زوجيهما والناس أشباه
لأنت أكرم عند الله منزلة
يا زوج أحمد إذ أعطاك إياه
لم تعلمي أمطايا الله حاملة
منك الجلال المحلى أم مطاياه؟
إلى المدينة سيري في كلاءته
يا طيب مثواك إن شارفت مثواه
قري ببعلك عينا إنه شرف
ما مثله شرف عال ولا جاه
أطربت فيك وفي المختار مؤمنة
عزت بأبلج ما تحصى مزاياه
عز يوطد للإسلام جانبها
من جانب الله مولاها ومولاه
ما انفك يتخذ الأصهار يجعلهم
لدينه الهادم الباني ودنياه
سياسة ما رمى الطب اللبيب بها
إلا أصاب بإذن الله مرماه
وقوة لرسول الله شائعة
بين القبائل يرعاها وترعاه
وسنة لبني الإسلام يشرعها
والخير أجمع شرع من سجاياه
هم أسرة في ظلال الله واحدة
تمضي على الحق ترجوه وتخشاه
لا تعرف الرشد إلا في شرائعه
ولا ترى الخير إلا في وصاياه
دين الألى يؤثرون العز منزلة
ما كان أهون دنيا الناس لولاه
لكل شعب بناء ليس يمسكه
شيء إذا نام عنه من تولاه
لولا الأواصر والأرحام ما التأمت
منه الصدوع ولا انضمت شظاياه
إسلام خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وعمرو بن
العاص (رضي الله عنهم)
قال خالد (رضي الله عنه): لما جاء النبي
صلى الله عليه وسلم
لعمرة القضية تغيبت ولم أشهد دخوله، وكان أخي الوليد دخل مكة معه، فطلبني فلم يجدني، فكتب إلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وقلة عقلك، ومثل الإسلام هل يجهله أحد؟! سألني عنك رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فقال: «أين خالد؟» قلت: يأتي به الله، قال: «ما مثله يجهل الإسلام، ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين لكان خيرا له»، ولقد مناه على غيره، فاستدرك يا أخي ما فاتك، فقد فاتك مواطن صالحة.
قال خالد: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرتني مقالة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ورأيت في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة، فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة.
ثم خرج إلى المدينة، فلقي صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وعثمان بن طلحة، فعرض عليهم الإسلام، فما قبله إلا عثمان، ولقي خالد وصاحبه عمرو بن العاص فوافقهما، وقدموا على النبي فأسلموا (رضي الله عنهم).
قم ودع الأوثان والأصناما
أفما ترى برهان ربك قاما؟
يا خالد اعمد للتي هي عصمة
لذوي البصائر وانبذ الأوهاما
الله رب العالمين ودينه
دين السلام لمن أراد سلاما
إقرأ كتاب أخيك ما لك مصرف
عما يريد ولن ترى الإحجاما
أقبل رعاك الله إنك لن ترى
كسبيل ربك مطلبا ومراما
سأل النبي بأي حال خالد
أفما يزال يجانب الإسلاما؟
إني رايت لخالد من عقله
فيما يمارس مرشدا وإماما
ما مثله يرتاب في دين الهدى
فيرى الضياء المستفيض ظلاما
إنا لنعرفه رشيدا حازما
ونراه شهما في الرجال هماما
لو أنه جعل المضرة والأذى
للمشركين لما استحق ملاما
ولكان عندي يا وليد مقدما
يلقى لدي البر والإكراما •••
أقبل أخي وتلاف أمرك لا تكن
ممن إذا وضح السبيل تعامى
كم موطن جلل لو أنك لم تغب
عنه لكنت إذن أجل مقاما
يكفيك ما ضيعت ليس بحازم
من لا يزال يضيع الأياما •••
نشط الهمام وراح يدرك نفسه
يبغي لها عند النبي ذماما
ألقى إلى الوادي الخصيب برحله
فأصاب فيه مرتعا ومساما
أيقيم بالوادي الجديب فلا يرى
إلا سرابا كاذبا وجهاما
لاقى بعكرمة وبابن أمية
شرا يعب عبابه وعراما
قال ائتيا نبغي النجاة فأعرضا
وتنازعا قولا يشب ضراما
وأجابها عثمان دعوة ناصح
يأبى الهوى ويجانب الآثاما
مضيا على سنن الطريق فصادفا
عمرا فقالا ما لنا؟ وإلى ما؟
يا عمرو دين الله لسنا كالألى
جعلوا الحلال من الأمور حراما
قال اهتديت ولن أكون كمن يرى
طول الحياة لنفسه ظلاما
ومشوا فما بلغ الرسول حديثهم
حتى بدا متهللا بساما
سرته مكة إذ رمت أفلاذها
كبدا تكن الحب والإعظاما
بعثت إليه من الجبال ثلاثة
رضوى يصاحب يذبلا وشماما
خف الوليد يقول لا تتمهلوا
إن الحديث إلى النبي ترامى
حثوا المطي فإنه مترقب
وأرى جوانحكم ترف أواما •••
وفدوا كراما يؤمنون بربهم
ورسوله بيض الوجوه وساما
نفضوا الهوان عن الجباه فأصبحوا
شم المعاطس يرفعون الهاما
أفيعبدون مع الغواة حجارة؟
أم يعبدون الواحد العلاما؟
كشف اللثام عن اليقين ولن ترى
كالجهل سترا والغرور لثاما
لو طاوع الناس الطبيب لما اشتكى
من يحمل الأدواء والآلاما
إعرف لربك حقه فلحكمة
خلق العقول وأنشأ الأحلاما
أرأيت كالإسلام دينا قيما
ساس الأمور ودبر الأحكاما؟
الله أحكم أمره وأقامه
للعالمين شريعة ونظاما
نادى النبي به فأفزع صوته
أمما بآفاق البلاد نياما
ودعا إليه وسيفه بيمينه
يمضي حياة مرة وحماما
تمضي أباطيل الحياة ولن ترى
لسوى الحقائق في الزمان دواما •••
صعقت نفوس المشركين وهالهم
هم إذا انجلت الهموم أقاما
قالوا فقدناهم ثلاثة قادة
ما مثلهم بأسا ولا إقداما
ما أعظم البلوى ويا لك نكبة
ملكت علينا النقض والإبراما
نزل البلاء بنا فكان مضاعفا
وجرى العذاب معا فكان غراما •••
إني إخال البيت يشرق جوه
وإخال مكة ترفع الأعلاما
يا ابن الوليد لك الأعنة كلها
فالق المقانب وادفع الأقواما
سترى المشاهد ترجف الدنيا لها
وترى الحصون تميد والآطاما
بشر حماة الشرك منك بوقعة
توهي القوى وتزلزل الأقداما
غزوة مؤتة
كانت في جمادى الأولى سنة ثمان، ومؤتة موضع معروف عند الكرك بالشام، وسببها أن النبي
صلى الله عليه وسلم
بعث الحارث بن عمير الأزدى إلى هرقل ملك الروم بالشام بكتاب منه، فلما بلغ مؤتة تعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني من عمال قيصر ثم ربطه وقتله، فسير النبي لمقاتلة ملك الروم ثلاثة آلاف رجل من أصحابه بقيادة زيد بن حارثة، وعقد له لواء أبيض دفعه إليه، وأوصاهم أن يأتوا مؤتة فيدعوا من بها إلى الإسلام، فإن أبوا قاتلوهم.
فلما أتوا معان بلغهم أن هرقل في مئة ألف من قومه، ومثلهم من العرب المتنصرة، ومعهم من الخيل والسلاح ما ليس مع المسلمين، ولقيتهم الجموع فاقتتلوا، وهزم الروم والذين معهم من العرب هزيمة منكرة بعد مقتلة كبيرة على يد خالد بن الوليد (رضي الله عنه)، وقد لقبه النبي
صلى الله عليه وسلم
بسيف الله من يومئذ.
ودع ذويك وسر في شأنك الجلل
لله يا ابن عمير أنت من رجل
سر بالكتاب رسولا حسبه شرفا
أن راح يحمله من أشرف الرسل
يا حامل الجبل المرقوم دونكه
من ذا سواك رعاك الله للجبل؟
إلى هرقل تأنى دون سدته
صيد الملوك وتلقاه على مهل
ترتد عن تاجه الأبصار خاشعة
فما تلاحظه إلا على وجل
إليه يا ابن عمير لست واجده
إلا امرأ هملا في معشر همل
لأنت أعظم منه في جلالته
وما جلالة غاوي الرأي مختبل؟
لا يعرف الدين إلا فتنة وهوى
أعمى المقاصد والآفاق والسبل
هذا كتاب رسول الله ينذره
فاذهب إليه وخذه غير محتفل •••
مهلا شرحبيل لا حييت من رجل
إن هم بالشر لم يحفل ولم يبل
بادي الشراسة عاد ما يلائمه
في موضع الذم إلا أسوأ المثل
هاجته من نزوات الجهل ثائرة
لم تبق من كلب يهتاج أو ثول
فطاح بابن عمير باسلا بطلا
يفل في الروع بأس الباسل البطل
يا للربيط يسل السيف مهجته
في غير معترك حام ومقتتل
كذلك الغدر لا ظلم بمجتنب
في الغادرين ولا لؤم بمعتزل
ما كان ذنب امرئ في الله مرتحل
يرجوه في كل محتل ومرتحل؟ •••
سر يا ابن حارثة بالجيش تقدمه
هذا لواؤك فابعثه على عجل
أدع الألى اتخذوا العمياء وارتكسوا
فيها إلى أرشد الأديان والملل
فإن أبوا فسيوف الله تأخذهم
من كل متقد الحدين مشتعل
أمر النبي فسر يا زيد ممتثلا
والجند جندك ما تأمره يمتثل
فإن أصبت فمن سمى على قدر
وليس للنفس إلا غاية الأجل
إتبع وصاياه فيما لا يحل لكم
ولا يليق بكم من سيئ العمل
دعوا الصوامع واستبقوا النساء ولا
تؤذوا صغيرا ولا تودوا بمكتهل
لا تقطعوا شجرا لا تهدموا جدرا
لا تقربوا ما استطعتم موطن الزلل •••
هذا هرقل يسوق الجيش مرتكما
كالعارض الجون يرمي الأرض بالوهل
يزجي الكتائب من روم ومن عرب
في المرهفات المواضي والقنا الذبل
والصافنات تهادى لا عداد لها
من كل منذلق في الكر منجفل
إن الذين أداروا الرأي وانتظروا
لم يبرح النصر مولاهم ولم يزل
الغالبون وإن قلوا وظن بهم
ما يكره الله أهل الزور والخطل
لم يلبث القوم حتى قال قائلهم
فيم الحوار؟ وهل في الأمر من جدل
إنا خرجنا نريد الله فاستبقوا
من كل منتهب للخير مهتبل
لو زالت الأرض أو حالت جوانبها
بمن عليها من الأقوام لم نحل
هما سبيلان إما النصر ندركه
أو جنة الخلد فيها أطيب النزل
لسنا نقاتل بالآلاف نحشدها
ألفا لألف من الأبطال مكتمل
إنا نقاتل بالدين الذي ضمنت
أعلامه النصر في أيامنا الأول
لولا مقالة عبد الله ما انكشفت
تلك الغواشي ولولا الله لم يقل •••
تقلدوا العزم للهيجاء وادرعوا
من صادق البأس ما يغني عن الحيل
وأقبلوا لو تميل الشم من فزع
لم يضطرب جمعهم خوفا ولم يمل
يا مؤتة احتملي الأهوال صابرة
هيهات ذلك شيء غير محتمل
جن الكريهة يستشري الصيال بهم
في موطن لو رأته الجن لم تصل
ما زال قائدهم يلقي بمهجته
يرمي المنية في أنيابها العصل
يغشى موارد من أهوالها لججا
تلك الموارد ليس الغمر كالوشل
ما من يخوض الوغى تطغى زواخرها
كمن يجانبها خوفا من البلل
يا زيد أديت حق الله فامض على
نهج الألى انتقلوا من قبل وانتقل
آبوا إلى خير دار ما لنازلها
من أوبة تبعث الأشجان أو قفل
يسلو أخو العقل عن دار الهموم بها
ويحتوي منزل الأدواء والعلل
جاهدت في الله ترضيه وتنصره
لم تلق من سأم يوما ولا ملل
هذا الذي نبأ الله الرسول به
فاغنم ثوابك والق الصحب في جذل
وأنت يا جعفر المأمول مشهده
خذ اللواء وجاوز غاية الأمل
هذا جوادك ما حالت سجيته
ولا ارتضى بوفاء الحر من بدل
عقرته وركبت الأرض تمنعه
مواطن السوء من ضن ومن بخل
أكرمته وحرمت القوم نجدته
فصنت نفسك عن لوم وعن عذل
دلفت تمشي على الأشلاء مقتحما
والقوم منجدل في إثر منجدل
فقدت يمناك فانصات اللواء على
يسراك ما فيه من أمت ولا خلل
حتى هوت فجعلت الصدر موضعه
كأنه منه بضع غير منفصل
يضمه ضم صادي النفس يولعه
بمن أطال صداه لذة القبل
يغا قائد الجيش ضج الناس من ألم
وأنت عن دمك المسفوك في شغل
تقضي الذمام وتمضي غير مكترث
كأنما الأمر لم يفدح ولم يهل
لقيت حتفك في شعواء عاصفة
حرى الجوانج ظمأى البيض والأسل
أعطيتها منك نفسا غير واهنة
أعطتك سورة مجد غير منتحل
لك المناقب لم تقدر غرائبها
ملء المشاهد لم تعهد ولم تخل
من يؤثر الحق يبذل فيه مهجته
ومن يكن همه أقصى المدى يصل
لا شيء يعجز آمال النفوس إذا
خلت من الضعف واستعصت على الكسل
إنهض بعبئك عبد الله مضطلعا
بكل ما تحمل الأطواد من ثقل
هذا مجالك فاركض غير متئد
وإن رأيت المنايا جولا فجل
كم جئت بالعربي السمح مرتجلا
واليوم يوم منايا الروم فارتجل
للعبقرية فيه مظهر أنق
يا حسنه مظهرا لو كان يقدر لي
قنعت بالشعر أغزو المشركين به
فلم أصب فيه آمالي ولم أنل
لقطرة من دمي في الله أبذلها
أبقى وأنفع لي من هذه الطول
تقلد القوم ملء الدهر من شرف
وليس لي من غواليها سوى العطل
إن شاء ربي حباني من ذخائرها
أغلى الحلى وكساني أشرف الحلل
الحمد لله أجرى النور من قلمي
هدى لقومي وعافاني من الخبل
أوتيت ما جاوز الآمال من أدب
عالي الجلال مصون غير مبتذل •••
يا شاعر الصدق ما خاب الرجاء ولا
مثل العطاء الذي أدركت والنفل
خذ عند ربك دار الخلد تسكنها
قدسية الجو والأرواح والظلل
آثرته واصطفيت الحق تكلؤه
مما يحاول أهل الغي والضلل
ليس العرانين كالأذناب منزلة
ولا الغطارفة الأمجاد كالسفل •••
يا عقبة اصدع بها بيضاء ناصعة
تنفي الوساوس أو تشفي من الغلل
القتل أجدر بالأحرار يأخذهم
مستبسلين وينهاهم عن الفشل
ويا ابن أرقم نعم المرء أنت إذا
تنوزع الأمر عند الحادث الجلل
قالوا لك الأمر فاخترت الكفي له
وأنت صاحبه المرجو للعضل
لكنها نفس حر ذي محافظة
صافي السريرة بالإيمان مشتمل
صنت اللواء وآثرت الأحق به
إيثار أغلب لا واه ولا وكل
أبى عليه حياء زاده عظما
ما مثله من حياء كان أو خجل
قلت اضطلع خالد بالأمر فاستعرت
منه حمية لا آب ولا زحل
وراح يبدع من كيد الوغى نمطا
طاشت مرائيه بالألباب والمقل
رمى العدى حول شتى مكائده
جم الأحابيل يعيي كل محتبل
ظنوا الجنود تنحت عن مواقفها
لغيرها من عمى بالقوم أو حول
جيش من الرعب يمشي في جوانحهم
لم تعتصم مهجة منه ولم تئل
من خلفه الجيش يمشي ابن الوليد به
في مسبل من مثار النقع منسدل
ضاقوا بمفترس في الهول منغمس
لنفسه في غمار الموت مبتسل
أذاقهم من ذعاف الموت ما كرهوا
ما كف عن علل منه ولا نهل
ما للمسيئين إلا كل معتزم
في الروع يحسن ضرب الهام والطلل
رمت بهم هبوات البأس فانكشفوا
يندس هاربهم في كل مدخل
بئس الجنود أضلتهم عمايتهم
فما لهم بجنود الله من قبل
ظنوا الأمور لغير الله يملكها
إذا جرت بين معوج ومعتدل
وحاربوا الحق من جهل ومن سفه
والحق فوق منال المعشر العثل
ما ينقم الناس من دين يراد به
فك العقول من الأغلال والعقل
فليصبر القوم إن الله مظهره
على الممالك والأديان والنحل
لدولة الله أبقى في خليقته
فلا يغرنك ما استعظمت من دول
أدعوك يا رب للإسلام مبتهلا
وأنت تسمع دعوى كل مبتهل
نام المحامون عنه فهو مضطهد
يشكو الأذى في شعوب خضع ذلل
صرح من العز والسلطان ما برحت
تهوي صياصيه حتى عاد كالطلل
الفتح الأعظم - فتح مكة
كان خروج النبي
صلى الله عليه وسلم
إلى مكة مع جنوده المظفرين في شهر رمضان من السنة الثامنة على أصح الروايات، وكان عدد الجيش عشرة آلاف مقاتل، أو اثني عشر ألفا، وسبب ذلك أن رجالا من بني بكر الذين دخلوا في عهد قريش عهد الحديبية عدوا على رجال من خزاعة فقتلوهم، وكانت خزاعة قد دخلت في عهد النبي، فانتقض العهد بذلك، وحل القتال.
وإنما دخلت خزاعة في عهده
صلى الله عليه وسلم
لحلف كان بينها وبين جده عبد المطلب بن هاشم حين أخذ عمه نوفل ما كان بيده من أمر السقاية، فحالف عبد المطلب خزاعة، وحالف نوفل بني أخيه عبد شمس، وقد جاء رجال خزاعة يوم الحديبية إلى النبي بكتاب جده عبد المطلب في ذلك الحلف، فقرأه عليه أبي بن كعب (رضي الله عنه )، وكان بعرفة قبل ذلك، فقال: «ما أعرفني بحلفكم، وأنتم على ما أسلمتم عليه من الحلف، وكل حلف كان في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا حلف في الإسلام».
حلف عبد المطلب
باسمك اللهم، هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة، إذ قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي منهم يقر بما قاضى عليه شاهدهم، أن بيننا وبينكم عهود الله وعقوده، وما لا ينسى أبدا، اليد واحدة، والنصر واحد، ما أشرف ثبير، وثبت حراء، وما بل بحر صوفة، ولا يزداد بيننا وبينكم إلا تجددا، أبد الدهر سرمدا - وفي رواية: حلفا جامعا غير مفرق - الأشياخ على الأشياخ، والأصاغر على الأصاغر، والشاهد على الغائب، وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد وأوثق عقد، لا ينقض ولا ينكث ما أشرقت شمس على ثبير، وحن بفلاة بعير، وما أقام الأخشبان، واعتمر بمكة إنسان، حلف أبد، لطول أمد، يزيده طلوع الشمس شدا، وظلام الليل مدا، وإن عبد المطلب ومن معه ورجال خزاعة متكافئون، متضافرون، متعاونون ... على عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه على كل طالب، وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو غرب أو حزن أو سهل، وجعلوا الله على ذلك كفيلا، وكفى به حميلا.
بنو بكر وخزاعة
إسلام أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء
بني بكر وما يغني الملام
تلظى البأس وانتفض الحسام
ذمام صادق ودم حرام
وعز من خزاعة لا يرام
يقوم عليه حام لا ينام
أعانكم الألى نبذوا الوفاء
وراح القوم يمشون الضراء
وما تخفى جريرة من أساء
سيوف محمد جعلت جزاء
فما البغي الذميم وما العرام؟
قتلتم من خزاعة بالوتير
رجالا ما أتاهم من نذير
لبئس الغدر من خلق نكير
ويا للناس للحدث الكبير
أكان محمد ممن يضام؟
أتوه ينشدون الحلف وفدا
تهد شكاته الأحرار هدا
فقال لهم نصرتم واستعدا
وراح يسوقه للحرب جندا
تظلله الملائكة الكرام
أبا سفيان ذلك ما تراه
هو البأس المصمم لا سواه
أليس الحلف قد وهنت عراه
فكيف تشد بعدئذ قواه؟
أبا سفيان ليس لكم ذمام
كتمت الحق تطمع في المحال
فما بال الثقات من الرجال؟
فتحتم بالأذى باب القتال
فما دون اللقاء سوى ليال
ويفتح مكة الجيش اللهام
دع الأرحام ليس لكم شفيع
لقد حاولت ما لا تستطيع
رويدك إنه الرأي الجميع
وإن الله ليس له قريع
تعالى جده وسما المقام
رجعت وأزعجتك الحادثات
فسرت تقول هل قدم الغزاة؟
نعم قدم الميامين الهداة
وتلك جيادهم والمرهفات
فدع دين الغواة وقل سلام
أبا سفيان هل أبصرت نارا
كنار القوم إذ باتوا سهارى
أبت وأبوا فما تألو استعارا
ولا تحصى وإن عدت مرارا
هو الفزع المؤجج لا الضرام
لقد أنذرت قومك فاستطاروا
وراحوا ما يقر لهم قرار
نبت بهم المنازل والديار
وضاق سبيلهم فيها فحاروا
وقال سراتهم خطب جسام
فدعهم يا ابن حرب تلق رشدا
وبالحق اعتصم فالحق أجدى
سبيل محمد فاسلكه أهدى
وخذه يا ابن حرب منه عهدا
لبيتك فيه من شرف دعام
مع العباس سرت إلى الرسول
لأعظم مطلب وأجل سول
لدين الله دين ذوي العقول
من النفر المساميح العدول
صدقتك ليس كالنور الظلام
لقيت محمدا حرا رشيدا
فعدت بيمنه خلقا جديدا
هديت وكنت جبارا عنيدا
هنيئا فاصحب الجد السعيدا
بما أولاك صاحبك الهمام
أصبت الخير أجمع والرشادا
على يده ونلت به المرادا
أفادك يا ابن حرب ما أفادا
فبارك فيك ربك ثم زادا
وعند الله يلتمس التمام
نظرت فهل رأيت أشد صبرا
وأحسن منظرا وأجل قدرا؟
كتائب من جنود الله تترى
تمر عليك واحدة فأخرى
لها من دينها العالي نظام
تكبر ربها وتراه حقا
وتبذل فيه أنفسها فتبقى
لك البشرى نعمت وكنت تشقى
فماذا من أيادي الله تلقى؟
لقد جلت فليس لها انصرام
لنعم الصاحبان الناجيان
على طول التردد والتواني
حكيم وابن ورقاء اللذان
أراد الله فيما يبغيان
فليس بغير سنته اعتصام
كلا الرجلين غطريف كريم
له في قومه حسب قديم
زعيم جاء يصحبه زعيم
كذلك يظهر الدين العظيم
فتعرفه الغطارفة العظام
مضى لك يا حكيم ولابن حرب
قضاء زاد حبا كل قلب
ومن أولى من الهادي بحب؟
وأجدر من عشيرته بقرب؟
قريش قومه وهو الإمام
إذا جعلت قلوب الناس تهفو
فمن بيتيكما حرز وكهف
وعندكما ظلال الأمن تضفو
وورد العيش للوراد يصفو
هما البيتان كلهما حرام
وفي حرم اللواء لكل نفس
تلوذ به كفاية كل بأس
يراه سراة مكة فوق رأس
لميمون النقيبة غير نكس
من النفر الألى صلوا وصاموا
لواء أبي رويحة ما أعزا
لواء قام للإيمان رمزا
يهز قلوب أهل الشرك هزا
ويترك بأسهم ضعفا وعجزا
فمن للقوم إن وقع الصدام؟
وقعة الفتح الأعظم
جعل النبي
صلى الله عليه وسلم
لواء المهاجرين مع الزبير بن العوام، وأمره أن يدخل مكة من كداء، وأن يركز رايته بالحجون، ثم يمكث عندها لا يبرح حتى يأتيه، وبعث خالد بن الوليد في كتائب من قضاعة وسلم وأسلم وغفار ومزينة وجهينة وغيرهم، وأمره أن يدخل من أسفل مكة، وقد تجمع بها ناس من بني بكر وبني الحارث بن عبد مناف، وناس من هذيل، فقاتلوا خالدا ومنعوه الدخول، وشهروا السلاح ورموه بالنبل، وقالوا: لا تدخلها عنوة، فقاتلهم وانهزموا.
واشتد الأمر بمكة، فصاح حكيم بن حزام وأبو سفيان: يا معشر قريش على م تقتلون أنفسكم؟ من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، ومن وضع السلاح فهو آمن، فجعلوا يقتحمون الدور ويغلقون أبوابها، ويطرحون السلاح في الطرق فيأخذه المسلمون، وقد أيد الله رسوله وأدخله مكة فائزا منصورا.
ديار مكة هذا خالد دلفا
فما احتيالك في الطود الذي رجفا؟
طود من الشرك خانته جوانبه
لما مشى نحوه الطود الذي زحفا
إن الجبال التي في الأرض لو كفرت
لدكها جبل الإسلام أو نسفا
لما دعاه بسيف الله سيده
زاد السيوف به في عزها شرفا
ديار مكة أما من يسالمه
فلا أذى يتقي منه ولا جنفا
تلك الوصية ما يرضى بها بدلا
ولا يرى دونها معدى ومنصرفا
لا تجزعي إنه العهد الذي انبعثت
أنواره تصدع العهد الذي سلفا
ليل الأباطيل ما التفت غياهبه
على الحقائق إلا انجاب وانكشفا
هن المنايا فيا للقوم من بطل
رموا به حية من حية خلفا
ضاقوا بسعد فقالوا قائد حنق
لو جاوز الحد بعد الحد ما وقفا
واستصرخوا من رسول الله ذا حدب
إذا استغاث به مستصرخ عطفا
هبت إلى الشر من جهالهم فئة
لم تأل من جهلها بغيا ولا صلفا
واستنفرت من قريش كل ذي نزق
إذا يشار إليه بالبنان هفا
فخاضها خالد شعواء كالحة
إذا جرى الهول في أرجائها عصفا
رمى بها مهج الكفار فاستبقت
تلقى البوار وتشكو الحين والتلفا
وقال قائلهم أسرفت من بطل
ما كان أحسنه لو جانب السرفا
وهاج هم أبي سفيان ما وجدوا
فراح يشفع فيهم جازعا أسفا
فلان قلب رسول الله مرحمة
ورق من شدة البطش الذي وصفا
وقال سر يا رسولي فانه صاحبنا
عن القتال فحسبي من جنى وكفى •••
مضى الرسول يقول اقتل فهيجها
مشبوبة هتفت بالويل إذ هتفا
وعاد والدم في آثاره سرب
والقوم من خلفه يدعون وا لهفا
قال النبي ألم تذكر مقالتنا
لخالد؟ أعصيت الأمر أم صدفا؟
فقال بوركت إن الله حرفها
وما تغير لي رأي ولا انحرفا
سبحانه إن أمر الناس في يده
لا يعرف المرء من خافيه ما عرفا •••
لا يجزع القوم إن السيف مرتدع
عما قليل وإن النصر قد أزفا
لم يرفعوا الصوت حتى لاح بارقه
تحت العجاجة يجلو ضوءه السدفا
هذا الزبير ترامى في كتائبه
كالسيل لا تمسك الأسداد ما جرفا
يلقى كداء به والخيل راكضة
ما قال حسان من قبلي وما ازدهفا •••
الله أكبر جاء الفتح وابتهجت
للمؤمنين نفوس سرها وشفى
مشى النبي يحف النصر موكبه
مشيعا بجلال الله مكتنفا
أضحى أسامة من بين الصحاب له
ردفا فكان أعز الناس مرتدفا
لم يبق إذ سطعت أنوار غرته
مغنى بمكة إلا اهتز أو وجفا
تحرك البيت حتى لو تطاوعه
أركانه خف يلقى ركبه شغفا
وافاه في صحبه من كل مزدلف
فلم يدع فيه للكفار مزدلفا
العاكفون على الأصنام أضحكهم
أن الهوان على أصنامهم عكفا
كانوا يظنون أن لا يستباح لها
حمى فلا شمما أبدت ولا أنفا
نامت شياطينها عنها مذممة
وبات ما ردها بالخزي ملتحفا
هوت تفاريق وانقضت محطمة
كأنها لم تكن إذ أصبحت كسفا
ريعت شيوخ قريش من قذائفها
وريع منها الخزاعي الذي قذفا
رأته ينحط من عليائه فزعا
من بعد ما أفزع الأجيال مشترفا
وما درى هبل والطعن يأخذه
هل غور الدمع في عينيه أم ذرفا؟
لو كان للدم يجري حوله دفعا
طول المدى مثعب في جوفه نزفا
رمى به الله يحمي البيت من عبث
يعاف باطله من عاف أو عزفا
لم يبق بالبيت أصنام ولا صور
زال العمى واستحال الأمر فاختلفا
للجاهلية رسم كان يعجبها
في دهرها فعفت أيامها وعفا
لا كنت يا زمن الأوهام من زمن
أرخى على الناس من ظلمائه سجفا
إن الشريد الذي قد كان يظلمه
ذوو قرابته قد عاد فانتصفا
رد الظلامة في رفق وإن عنفوا
ولو يشاء إذن لاشتد أو عنفا
إن الرسول لسمح ذو مياسرة
إذا تملك أعناق الجناة عفا
شكرا محمد إن الله أسبغها
عليك نعمى ترامى ظلها وضفا
وعد وفى لإمام المرسلين به
والله إن وعد الرسل الكرام وفى
خذ المحصب إن وافيته نزلا
واذكر به ذلك الميثاق والحلفا
قد عاد يكلف بالإسلام من رشد
من كان بالكفر من غي الهوى كلفا
ثم استقام على البيضاء يسلكها
من كان يضرب في العمياء معتسفا
مشى طليقا إلى غاياته مرحا
وكان في القيد إن رام الخطى رسفا
يغشى موارد للإيمان صافية
ما امتاح من مثلها يوما ولا اغترفا
عادوا طهارى فلم يعلق بهم وضر
مما جنى الكفر قبل الفتح واقترفا
تتابع القوم أفواجا فآمنهم
دين السلام وأمسى الأمر مؤتلفا
كذلك الحق يعلو في مصاعده
حتى ينال الذرى أو يبلغ الشعفا
مرمى العقول إذا ما غرها هدف
فلن تريد سواه إن رمت هدفا
وما على الحق من بأس ولا حرج
إن هوم العقل عنه مرة فغفا
إن الذي حعل الإسلام معقله
أعلى لأمته الأركان والسقفا
لم يرض ما نال من مجد فأورثه
مجدا طريفا وعزا منه مؤتنفا
شتان ما بين صرح ثابت رفعت
منه القباب وصرح واهن خسفا •••
لتنصت الأرض ولتسمع ممالكها
ماذا يقول لها الرعد الذي قصفا
شرائع الخير يلقيها محببة
شيخ النبيين يبغي البر واللطفا
الناس من آدم والبغي مهلكة
فليتق الله منهم من قسا وجفا
قل للألى خطبوا الأقوام أو كتبوا
دعوا المنابر والأقلام والصحفا
العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه)
خرج العباس بأهله وعياله مهاجرا إلى المدينة، فلقي النبي
صلى الله عليه وسلم
بالجحفة وكان قد أمره بالإقامة بمكة ليكتب إليه أخبار قريش، واستأذنه في الهجرة فكتب إليه: «يا عماه، أقم مكانك الذي أنت فيه؛ فإن الله يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة»، وكان ينفع المستضعفين من المسلمين، وقد أعلن إسلامه يوم الفتح وكان يكتمه قبل ذلك، وكان أجود قريش كفا، وأوصلها رحما، ومن مناقبه أن عمر بن الخطاب كان يستسقي به في خلافته إذا قحط الناس فيسقون، وفي ذلك يقول عقيل بن أبي طالب:
بعمي سقى الله البلاد فأهلها
عشية يستسقى بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب داعيا
فما حاد حتى جاد بالديمة المطر
أبا الفضل أقبل وارفع الصوت شاكرا
فذلك فضل الله أسداه وافرا
أقمت تراعي الركب حران شيقا
هنيئا فهذا الركب وافاك زائرا
هنيئا فقد أوتيت سؤلك كله
ولقيت عن قرب من السعد طائرا
إذا ما التمست الركب أين مكانه
فحيث ترى نور النبوة باهرا
أبا الفضل أقبل واقضها من لبانة
لنفسك تشفي منك داء مخامرا
حبيب نأى يطوي السنين وذو هوى
يعالج وجدا بين جنبيه ثائرا
ويلقى الأذى بعد الأذى في سبيله
فيرضى ويغضي الجفن في الله صابرا
لك الله يا عباس هذا محمد
فسلم وطب ما شئت نفسا وخاطرا
أتى بعد ما جر السنين مهاجرا
يجر السرايا خلفه والعساكرا
رآك فقرت عينه وترافدت
تحياته تلقاك زهرا نواضرا
لها عبق من رحمة الله لم يزل
مكانكما منه إلى اليوم عاطرا •••
أقمت على المستضعفين بمكة
ترد الأذى عنهم وترعى الأواصرا
إذا فزعوا للظلم كنت لهم حمى
وإن أعوز الأنصار ألفوك ناصرا
يظنك أهل الكفر منهم وإنما
أردت بهم أمرا وما كنت كافرا
شددت قوى الإسلام بين ربوعهم
وخادعتهم عنه فأصبح ظاهرا
وكنت له عينا تظاهرها يد
تذيع خفاياهم وتبدي السرائرا
تمد رسول الله بالكتب حفلا
بأنبائهم تطوى الفجاج سوائرا
بريد إذا كف البريد من الونى
مضى دائبا في شأنه متواترا
وكنت إذا استأذنت تبغي جواره
أبى وهواه أن يراك مجاورا
وقال انتظر يا عم إنك مرجأ
إلى موعد يأتي به الله آخرا
فبي ختم الله النبيين كلهم
وتمم هاتيك العلى والمآثرا
وإني لأرجو أن تكون بيثرب
بقية من يأتي إلينا مهاجرا •••
هو الله فانظر يا أبا الفضل ما قضى
من اليسر بعد العسر بوركت ناظرا
تجلت دياجير الهموم دميمة
وأضحت وجوه العيش بيضا سوافرا
ألا رب يوم ذقت من سوء ما جنى
ذوو الشرك فيه ما يشق المرائرا
وليل كما اهتاج الجبان مفزع
طويت دجاه كاسف البال ساهرا
كدأبك إذ قالوا أصيب محمد
وقد جاءهم بالزور من كان ساخرا
فلما عرفت الحق أوفيت ناهضا
تقبل من وافاك يزجي البشائرا
وترسله حرا طليقا وإنه
لفي عزة تعيي النفوس الحرائرا
نهضت خفيف الجانبين ولم تكن
على مثلها من قبل ذلك قادرا
يسرك ما سر الرسول وما يكن
به من أذى ألفيته لك ضائرا
هديت أبا سفيان ترحم نفسه
وتكره أن يبقى مدى الدهر حائرا
وجئت به والجند بالليل راصد
يقلب للحرب الرقاق البواترا
فأسلم يرضي الله من بعد نفرة
ولولاك لم يبرح عن الحق نافرا
وفي ابن حزام وابن ورقاء شاهد
بما لك من فضل لمن كان ذاكرا
ثلاثة أقطاب صرفت قلوبهم
إلى الله تحييهم وترجو المصائرا
ولو أعرضوا لم يردع الحرب رادع
ولم ينتزع أنيابها والأظافرا
حقنت دماء لو يخلى سبيلها
جرت تحت أعلام الغزاة موائرا
فأمست قريش ما لها من بقية
وأمسى الذي اعتادت من العز دائرا
بيمنك يا عم الرسول تتابعت
أياد يراها المسلمون ذخائرا
وكنت امرأ من قبل ذلك محسنا
يقيم بجدواه الجدود العواثرا
عظيما ترجيه قريش لما بها
إذا فزعت للأمر تخشى الدوائرا
وإنك إذ تسقي الحجيج لسيد
يعلم سادات الرجال المفاخرا
لعثمان ما يرضى وما لك غيرها
ولاية من يعطي ويبذل كابرا
وليس التي يأتي الخميلة غارسا
كمثل الذي يأتي الخميلة هاصرا
حرمت الرضى إن عبت عثمان إنه
على سنة غلباء تعيي المكاثرا
له من عطاء الله كنز مبارك
يقيم لدين الله فيه الشعائرا
يضن بمفتاح البنية جهده
ويعرفه مجدا على الدهر غابرا
أمانة رب البيت لم تعط خائنا
يريد بها دنيا ولم تؤت فاجرا •••
أبا الفضل هذا ما أحب محمد
ظفرت به لا زال سهمك ظافرا
إذا أظمأ الله البلاد وأهلها
فباسمك يسقيها الغيوث المواطرا
لعمري لقد غادرت غير منازع
مناقب ذكراها تهز المنابرا
صدقتك إني لو تناسيت حقها
على ما عناني لم أجد لي عاذرا
أعني بروح منك يا رب واهدني
سبيلك إن أضللت في الناس شاعرا
دعوتك للإسلام أمسك مجده
وأدرك منه ما طوى الدهر ناشرا
إسلام هند بنت عتبة زوج أبي سفيان
لما فرغ النبي
صلى الله عليه وسلم
من مبايعة الرجال تقدم إليه النساء يبايعنه، وفيهن هند بنت عتبة زوج أبي سفيان، وكان قد أهدر دمها؛ لأنها مثلت بعمه حمزة (رضي الله عنه) يوم أحد، ولاكت كبده، ولم تقدر على ابتلاعها فلفظتها، واتخذت القلائد من جلده؛ لأنه قتل أباها يوم بدر. تقدمت إلى الرسول الكريم منتقبة خوفا منه فعرفها، وقالت له: اعف عما سلف، عفا الله عنك يا نبي الله، ثم بايعته، ومما يؤثر عنها أنه لما قال: «ولا تزنين»، قالت: أوتزني الحرة يا رسول الله؟!
يا هند حسبك مغنما وكفاك
أن الذي يهدي النفوس هداك
أقبلت ترخين القناع حيية
تخفين نفسك والنبي يراك
أولست هندا؟ قلت في خجل بلى
لا تخجلي فالله قد عافاك
داويت بالإسلام قلبك فاشتفى
وغسلت من تلك الجريمة فاك
لا تذكري الكبد التي مارستها
فأبت عليك لعلها تنساك
ودعي قلائد يوم بدر والبسي
في بهجة الفتح المبين حلاك
أخذ الهدى بك في سبيل محمد
فخذي عن الشيخ الجليل أذاك
ما كان بالمفتون حين شتمته
وبلغت في سوء الصنيع مداك
قلت اقتلوه ولو أطاعك جمعهم
لجرى الدم المسفوك من جراك
يا هند إن الحق أعظم صولة
من أن يهابك أو يهاب أباك
ما مثله إن رمت في الدنيا أبا
يا بنت عتبة من أب يرعاك
من قدم الدنيا فليس ببالغ
ما قدمت عند الرسول يداك
فيم اعتذارك والهدية سمحة
وهواك في تقوى الإله هواك
بايعت أهدى العالمين طريقة
ورضيت منه مهذبا يرضاك
ينسى الإساءة وهي جرح بالغ
ويعوذ بالخلق الكريم الزاكي
مهما تنله المحفظات من الألى
جهلوا فليس بعاتب أو شاك
أعجبت إذ ذكر الفواحش هاديا
فنهى اللواتي جئنها ونهاك؟
إن تعجبي للعرض يبذل هينا
وهو الحياة باسرها فكذاك
عرض الحرائر ما علمت وإنما
يرضى سواهن الزنا وسواك
يحفظنه ويذدن عن ممنوعه
شهوات كل مخادع فتاك
تأبى التي منهن يقتلها الطوى
أن يشترى بذخائر الأملاك
وتصد معرضة تضن بنفسها
ولو أن مضجعها ذرى الأفلاك
عار الزنا يخزي الوجوه وشره
يرمي البلاد وأهلها بهلاك
يا هند إن الله أمضى حكمه
فكفاك سوء عذابه ووقاك
أوتيت زادك من تقى وهداية
فتزودي سبحان من نجاك
إسلام عثمان أبي قحافة والد أبي بكر الصديق (رضي الله عنهما)
لما خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم
من الكعبة وجلس في المسجد والناس حوله، ذهب أبو بكر (رضي الله عنه) وجاء بأبيه عثمان - ويكنى بأبي قحافة - يقوده وقد كف بصره، فلما رآه قال لأبي بكر: «هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه؟»، قال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه، ثم أجلسه بين يديه الشريفتين فمسح صدره وقال: «أسلم تسلم»، ففعل، وهنأ النبي أبا بكر بإسلامه فقال: والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه.
شيخ يقاد إلى النبي على يد
هي للنبي إذا رمى أعلى يد
هذا أبو بكر يقدم شيخه
يهديه إن الألمعي ليهتدي
قال النبي ألا رثيت لضعفه
وتركته في داره لم يجهد؟
لو لم يجئ لمشيت أشهد أمره
وأجله شيخا كريم المشهد
يا والد الصديق خذها نعمة
سيقت إليك من النبي محمد
ما كنت بالمصروف عن دين الألى
كفروا بآلهة كأن لم تعبد
العاكفين على شرائع ربهم
من ركع بيض الجباه وسجد
الظامئين إلى الجهاد فإن دعوا
وردوا حياض الموت عذب المورد
يتهافتون على جوانبها إذا
نادى رسول الله أيكم الصد؟
من كان يسعد في الرجال بوالد
فبمن ولدت أبا قحافة فاسعد
من سؤدد الصديق أن زمانه
لو لم يلده لكان خصم السؤدد
الحاضن الإسلام يجعل صدره
كهفا يقيه أذى العدو المفسد
يعطيه مهجته وصفوة ماله
ويكون للحدث الجليل بمرصد
قال النبي اهنأ فقال وددتها
كانت لعمك ذي الفعال الأمجد
هذا هو الإيثار فاعجب واعتبر
وأعد على الدهر الحديث وردد
كعب بن زهير وأخوه بجير (رضي الله عنهما)
هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، أحد أصحاب المعلقات، كان يرعى غنما مع أخيه بجير، وكان يهجو النبي
صلى الله عليه وسلم ، قال له بجير: اثبت أنت في غنمنا ودعني أذهب إلى محمد فأسمع كلامه وأعرف ما عنده، وجاءه بالمدينة فهداه الله للإسلام، وبعث إلى كعب يخبره بذلك، ويدعوه لمثل ما فعل، فأجابه كعب على رسالته لائما، وكان الرسول الكريم قد أهدر دم كعب لما قال فيه، فأقام يغالب نفسه ثم قدم فأسلم، وقال قصيدته المشهورة: بانت سعاد.
بجير كيف يخطئك السداد
ويجنح ضلة منك القياد؟
ألا إن اللبيب لذو صلاح
إذا ما الرأي خالطه الفساد
تركت أخاك تنشده مرادا
لنفسك صالحا نعم المراد
تقول له أنبقى في ظنون؟
تذود البينات ولا تذاد؟
فدعني وانتظر يا كعب إني
لأخشى أن يطيح بنا العناد
أجيء محمدا فأرى أغي
يراد بمن يليه أم رشاد؟ •••
أتى فرأى اليقين له جلاء
فطابت نفسه وصفا الفؤاد
وأسلم لا يرى لله ندا
تدين له الخلائق والعباد
وأنفذه إلى كعب كتابا
كأن سطوره البيض الحداد
دعاه إليه يكره أن يراه
كمن صدفوا عن المثلى وحادوا
وقال لئن أبيت فلا تلمني
إذا أخذتك داهية نئاد
رميت محمدا فلأنت صيد
له يا كعب والرامي يصاد
إذا لم تأتنا فاذهب بعيدا
عسى منجى يغيثك أو مصاد •••
أتاه نذيره فعناه هم
وطال الليل وامتنع الرقاد
إذا التمس القرار أبى عليه
وغال قواه ذعر وارتعاد
يظن الأرض ترجف أو تنزى
فما ترسو الجبال ولا الوهاد
وأرسل يا بجير صبأت لما
سقاك بكأسه السمح الجواد
أدين أبيك تترك يا بجير
ولا دين سواه ولا اعتقاد؟ •••
وساوس ذاهل يغشاه رعب
فيورثه جنونا أو يكاد
فلما ضاقت الدنيا عليه
وهدت ركنه الكرب الشداد
أتى يبغي الأمان لدى كريم
يرجي الخير منه ويستفاد
تدارك نفسه منه بعفو
فعادت حين لا يرجى معاد
ولاذ بمعقل الإسلام كعب
فلا ركن يميل ولا عماد •••
هلم فلاقه يا كعب رزقا
من الرضوان ليس له نفاد
لنعم الزرع زرعك حين تبغي
جناه وحين يدركه الحصاد
لقيت كرامة وسعدت جدا
فغن إذن وقل بانت سعاد
وخذها بردة للشعر فيها
طريف العز والمجد التلاد
غزوة حنين
لما فتحت مكة اجتمع أشراف هوازن وثقيف يقولون: قد فرغ لنا محمد، فالرأي أن نغزوه نحن قبل أن يغزونا، وجعلوا أمرهم إلى مالك بن عوف - أسلم بعد ذلك - على أن يرجع فيما يريد إلى دريد بن الصمة لسنه وتجربته، وكان عدد جيشهم ثلاثين ألفا - خرجوا بالنساء والأولاد والمواشي، وكان خروج النبي
صلى الله عليه وسلم
من مكة إلى هذه الغزوة يوم السبت سادس شوال من السنة الثامنة في اثني عشر ألفا، وبعد أن رتب الجيش أعطى الرايات إلى علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعمر بن الخطاب، والحباب بن المنذر، وأسيد بن حضير، وقد اشتد القتال في هذه الغزوة، فتراجع المسلمون، ثم نصرهم الله.
لمن الجموع كثيرة تتألب؟
مهلا هوازن أين أين المذهب؟
مهلا ثقيف ركبت من غي الهوى
وعماية الأوهام ما لا يركب
مهلا بغاة السوء ما لمحمد
كفؤ ولا منه لباغ مهرب
قلتم قضى حاجاته وخلا لنا
فبدار إنا معشر لا نغلب
وبعثتموها ظالمين تهزكم
نشواتها فردوا الموارد واشربوا
حمل ابن عوف في الكريهة أمركم
فانهار كاهله وخر المنكب
ولقد دهاكم من دريد أنه
شيخ تساس به الأمور مجرب
فسألتموه الرأي يعصم مالكا
ويريه ما يأتي وما يتجنب
هيهات كل الرأي إن غضب الألى
لا يرتضون سوى الجهاد مخيب
سوقوا النساء وجندوا أنعامكم
ودعوا البنين بكل أرض تدأب
وإذا الحديث الحق جاء كبيركم
فالزور أولى والحماقة أوجب
شتم الألى صدقوه ألا يدعوا
ما لم يروا شططا وألا يكذبوا
ورمى بهم في الحبس خوف حديثهم
فالأمر فوضى والصواب مغيب •••
اغضب دريد أو ارض لست كمالك
في القوم إذا يرضى وإذ يتغضب
ملك القياد فلا مرد لأمره
ولسوف يهلك من يقود ويجنب
أكذاك زعمك يا ابن عوف؟ إنها
لكبيرة بل أنت ويحك تلعب
أزعمت أن محمدا لم يلقه
من قبل قومك من يخاف ويرهب؟
وظننت أنك إن لقيت جنوده
لم تغن عنه كتيبة أو مقنب
إن الذي حدثت قومك جاءه
فلئن عجبت لما أصابك أعجب •••
هو ملتقى الجيشين فانظر هل ترى
قوما تظل عيونهم تتلهب؟
ولع الرماة بهم فتلك سهامهم
ملء القسي إلى النحور تصوب
غفلت مواقعها عن الدم إذ جرى
فكأنها بدم الرماة تخضب
كرهوا السيوف وللوغى أبطالها
تدعى فتستل السيوف وتضرب •••
حيدوا جنود الله ثم تقدموا
فالحرب في أطوارها تتقلب
آنا ترد عن الفريسة نابها
تبغي مقاتلها وآنا تنشب
تزجي رواعدها البروق فصادق
ينهل صيبه وآخر خلب
غرارة يشقى الغبي بكيدها
إن بان من غيب الأمور محجب
تبدي من الحاجات مالا تبتغي
حذرا وتكتم ما تريد وتطلب
علم توارثه الثقات وزاده
شيخ الوغى وأبو الثقات المنجب •••
حمي الوطيس أجل تبارك ربنا
فافزع إليه هو الغياث الأقرب
هذي كتائبه عليك تنزلت
ومضت إلى أعدائه تتوثب
بصروا بها فتزايلت أوصالهم
رعبا وضاق سبيلهم والمذهب
هم في حنين يا محمد مثلهم
في يوم بدر صدعهم ما يرأب
مدد السماء أعده لك منجد
لا جنده يفنى ولا هو يتعب
سبحانه ما من إله غيره
لو يستقيم الجاهل المتنكب •••
يا مولعا بالحرب يستقصي المدى
في وصفها منه البيان المسهب
سل بغلة حملت رسول الله هل
حمدت فوارسها العتاق الشزب؟
طاروا عليها مدبرين ولم يطر
ومضوا فلولا وهو راس يرقب
بطل يرى موج المنايا حوله
فعزيمة تطفو وقلب يرسب
تجري ظنون القوم في حركاته
فيفوت غاية من يظن ويحسب
كل امرئ يأتي الأمور عظيمة
فإليه في الدنيا العريضة ينسب
ما العبقرية في مراتبها العلى؟
هو في سماء العبقرية كوكب
متألق من لم يسر في نوره
أودى الظلام به وطاح الغيهب
أين الألى ملأ الفضاء سوادهم
وأضلهم ساداتهم فتحزبوا؟
غنموا الفرار فما يرى من بعدهم
إلا المغانم تستباح وتنهب
خير أتيح ونعمة مشكورة
سيقت على قدر ورزق طيب
راحت بأيدي المسلمين وإنهم
لأحق من يعطى الجزيل ويوهب
تقضى الديون بها فلا ابن أمية
يشكو المطال ولا حويطب يعتب
ويقام دين الله في القوم الألى
فتنوا بأصنام تقام وتنصب •••
قتلى هوازن هل تفجع مالك
ومضى لمصرعكم ينوح ويندب؟
قم يا دريد فقل لقومك خطبة
تجلو الهموم فقد عهدتك تخطب
انظر إلى الأسرى وسلهم ما لهم
نكبوا وكان الظن ألا ينكبوا
ويح النساء ومن ولدن ألا فتى
يحمي الذمار؟ ألا كمي محرب
إسمع دريد فقد أهاب محمد
يحنو على النشء الضعيف ويحدب
لا تقتلوا الأولاد ما فيهم لنا
خصم ولا منهم أثيم مذنب
أسخرت بالبطل الصغير فهل نجا
منه بمهجته الكبير الأشيب
أعطاك سؤلك ما تردد سيفه
ولأنت سؤل غراره والمأرب
إن ضاق صدرك حين تذكر أمه
فلصدرها لو كنت تعلم أرحب
قالت أتقتله ربيعة؟ إنه
شيخ له فضل يعد ومنصب •••
ما بال سيف الله؟ أين مكانه؟
أيغيب عن نظر النبي ويعزب؟
سأل النبي فقيل عند جراحه
لو يستطيع أتى يهش ويطرب
فمشى إليه يعوده في موكب
لله فيه من الملائك موكب
بوركت خالد ما رأت عين دما
كدم جرى من خالد يتصبب
قم في جراحك إنها لك قوة
تدع القواضب وهي حيرى هيب
قم للشدائد ما تلين صلابها
فلأنت صاحبها الأشد الأصلب
لك همة ما تستطاع ونجدة
مذخورة للأمر ساعة يحزب
من يجهل الرئبال ينفذ نابه
في كل مقتنص ويمضي المخلب؟ •••
إشهد حنين بما رأيت ولا تخف
خصما ينازع أو عدوا يشغب
حدثت عنك وقلت يا أرض اسمعي
فاهتز مشرقها وماج المغرب
ماذا أقول؟ أنا العيي وإن جرى
قلمي بأبلغ ما يقال ويكتب
الأنصار يبكون
جاء النبي
صلى الله عليه وسلم
بعد فتح مكة إلى الصفا، وجعل ينظر إلى البيت، ثم رفع يديه يدعو الله بما أراد، والأنصار حوله، فقال بعضهم لبعض: إنه يحن إلى قريته وعشريته، وظنوا أنه سيقيم بمكة، فجزعوا لذلك وبكوا، وعلم الرسول الكريم بأمرهم، فقال لهم: «هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم»، ففرحوا بذلك وطابت نفوسهم.
ما للدموع على التظنن تذرف؟
الجار واف والهوى متألف
لا تنكروا حب النبي لآله
ودياره الأولى ولا تتأسفوا
أحسبتموه يزيد عنكم مصرفا؟
مهلا فليس عن الأحبة مصرف
لما فزعتم قال يا قوم اسكنوا
هي يثرب ما دونها متخلف
دار الحياة ومنزل الموت الذي
ما لي سواه فإن جهلتم فاعرفوا •••
فرحوا وأشرقت الوجوه فما ترى
عينا تفيض ولا فؤادا يرجف
صدقوا نبيهم الهوى فقلوبهم
من حوله شغفا ترف وتعطف
أنصاره في الحادثات إذا طغت
وجنوده في الحرب ساعة تعصف
هم أنصفوه مشردا يجد الأذى
من كل ذي جبرية لا ينصف
وتكنفوه يعظمون مكانه
وذوو قرابته تصد وتصدف
ما عز منزل قادم أو زائر
إلا ومنزله أعز وأشرف
شدوا عرى الإسلام حتى استحكمت
ولوى السواعد حبله المستحصف
كانوا أساس بنائه وعماده
والأرض تخسف والشوامخ تنسف
انظر بناء الله حول رسوله
وصف الذرى إن كن مما يوصف
في كل سور منه جند يرتمي
يغزو الألى كفروا وموت يزحف
صبوا على المستضعفين نكالهم
وجرى القضاء فهم أذل وأضعف •••
يا معشر الأنصار ما من صالح
إلا لكم فيه يد أو موقف
لكم المواقف ما يذاع حديثها
إلا يهل بها الزمان ويهتف
لا الشعر متهم إذا بلغ المدى
يطري مناقبكم ولا أنا مسرف
أوما كفاكم ما يقول إلهكم
في مدحكم ويضم منه المصحف؟
هدم العزى وسواع ومناة
كانت هذه الأصنام الثلاثة أعظم أصنام قريش بموضع يقال له «نخلة» على ليلة من مكة، وكان عمرو بن لحي قال لهم: إن الرب يشتي عند اللات ويصيف عند العزى، فعظموها وبنوا لها بيتا يهدون إليه كما يهدون إلى الكعبة، ويطوفون وينحرون عنده.
بعث النبي
صلى الله عليه وسلم
بعد الفتح، وهو ما يزال بمكة، خالد بن الوليد مع بعض أصحابه لهدم العزى، وعمرو بن العاص ومعه طائفة أخرى لهدم سواع، وسعد بن زيد لهدم مناة، فهدموها، وعادوا مأجورين.
إلى العزى فقد بلغت مداها
وإن على يديك لمنتهاها
أزلها خالد واهدم بناء
أقيم على جوانبها سفاها
بناه الجاهلون لها ودانوا
بها من دون خالقهم إلها
مذممة تساق لها الهدايا
تظل دماؤها تسقي ثراها
رماها ابن الوليد فأي شر
أزال؟ وأي داهية رماها
وأين غرور سادنها؟ وماذا
أفاد دعاؤه لما دعاها؟
أجل يا ابن الوليد لقد دهاها
من الهون المبرح ما دهاها
ويا عمرو اتخذ لسواع باسا
يذل من الطواغيت الجباها
وينتزع الغواية من نفوس
ألح ضلالها وطغى هواها
هدمت ضلالة شابت عليها
هذيل بعدما قضت صباها
تطاولت القرون وما تناهت
فقل لسواع دهرك قد تناهى
رآه وليه كذبا فولى
يسائل نفسه ماذا عراها؟
وقال شهدت أن الله حق
وأن النفس ينفعها هداها
جعلت محمدا سببي فإني
أرى أسبابه شدت عراها •••
مناة مناة ما لك من بقاء
وأي شقية بلغت مناها؟
رماك الله من زيد بن سعد
بمن ترمي الجبال له ذراها
أما نفضتك من خوف وذعر
عرانين المشلل إذ لواها؟
تبارك هادم الأصنام إني
أرى الأصنام تهدم من بناها
تضل العالمين وقد أتاهم
كتاب الله ينذرهم أذاها
وما للنفس تؤثر أن تحلى
سوى الإيمان يلبسها حلاها
أم سليم زوج أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري (رضي الله عنهما)
كانت (رضي الله عنها) حازمة وسطها ببرد لها، وفي حزامها خنجر، وكانت حاملا بابنها عبد الله بن أبي طلحة، فقال لها زوجها: ما هذا الخنجر الذي معك؟ قالت: إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به، فقال أبو طلحة: ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم؟ وأعاد عليه القول، فجعل عليه الصلاة والسلام يضحك، قالت له: بأبي أنت وأمي، أقتل هؤلاء الذين انهزموا عنك فإنهم لذلك أهل؟ فقال (صلوات الله وسلامه عليه): «إن الله قد كفى وأحسن».
لأم سليم يا أبا طلحة العذر
وهل يأمن الإسلام أن يغدر الكفر؟
سألت فقالت خنجري أتقي به
أذى كل عاد من خلائقه الغدر
أشق به في حومة الحرب بطنه
إذا رامني بالسوء واستوعر الأمر
أتعجب منها كيف تحمي ذمارها
وتدرأ عنها الشر إن هاجها الشر؟
وتدعو رسول الله هل أنت سامع؟
فيفرح من رجع الحديث ويفتر
نعم أنت تحميها ولكن نفسها
لها نخوة من ذاتها وبها كبر
ألم تر إذ قالت أأقتل معشرا
تولوا فلا بأس شديد ولا صبر؟
وماذا عليها حين تكفيك أمرها
وترمي بك الأبطال والنقع مغبر؟
أرادتك للأمر الجليل ولن ترى
كأم سليم حرة حازها حر
ألم تنتظم بالسيف عشرين فارسا
مغانمهم شتى وأسلابهم كثر؟
إذا طار منهم مدبر يتقي الردى
تلقاك منه في مطار الردى الصدر
تخوض الدم المسفوك لا جسر دونه
وما لك كالإيمان في مثله جسر
أبا طلحة اسمع ما يقول ابن حرة
إليه سرى من صفحتي جاره البشر
يقول اطعني أماه من شئت وانصري
ببأسك دينا من كتائبه النصر
فحييت عبد الله ما أنت كالذي
يرى السيف مقروبا فيأخذه الذعر
كلا أبويك استن سنة ماجد
فطبت وطابا لا خفاء ولا نكر
إذا التمس الإسلام في كل حادث
يضيق به ذخرا فأنت له ذخر
قدوم هوازن ورد سبيها عليها
تربص النبي
صلى الله عليه وسلم
بضع عشرة ليلة ينتظر قدوم هوازن، فقدموا مسلمين، وكان قد قسم أموالهم وسباياهم على أصحابه، فلما سألوه إياها أخبرهم بما فعل، وخيرهم بين الأموال والسبي ، فاختاروا الثاني، وكلم النبي المسلمين في ذلك فردوا ما كان معهم من هذا السبي، ثم إنه
صلى الله عليه وسلم
سأل هوازن عن رئيسهم مالك بن عوف النصري: أين هو؟ قالوا: مع ثقيف بالطائف، فقال: «لو جاءني مسلما لرددت عليه أهله وماله، وأعطيته مئة من الإبل» فأخبروه، فجاء وأسلم، ووفى له الرسول الكريم بما وعد.
هوازن أقبلي ماذا التواني؟
أدين العز أم دين الهوان؟
خذي السبي الموزع واشكريها
يدا لمهذب جم الحنان
دعا أصحابه بلسان صدق
إلى الحسنى فيا لك من لسان
أجابوا منعمين ولم يضنوا
بما ملكوا من البيض الحسان
وقال محمد أين ابن عوف؟
سيحمد منتواه إذا أتاني
له إن آثر الإسلام دينا
عطاء لا تجاوزه الأماني
يعود بأهله ويزاد مالا
على مال من الإبل الهجان
فأقبل مسلما ومضى بخير
جميل الذكر محمود المكان •••
حليمة أنت والشيماء أم
وأخت فانظرا ما تصنعان؟
أما لكما الكرامة عند مولى
كريم العهد موف بالضمان؟
وهل بعد الرداء يمد بر
وتكرمة لذي خطر وشان؟
أجلكما وأجزل من عطاء
يعين على تصاريف الزمان
رسول الله كيف وجدتماه؟
وماذا بعد ذلك تبغيان؟
عليه صلاة ربكما جميعا
وبورك في الرضاع وفي اللبان •••
أبا صرد لنعم العم يرجو
غياث الناس من قاص ودان
ظفرت وفاز بالنعمى زهير
وهل لكما سوى ما ترجوان؟
ولم أر حين تلتمس الأيادي
كمثل القول يحسن والبيان
وما ملك الشآم ومن يليه
كمن وافيتما تستعطفان
لقد نالت هوازن ما تمنت
وآبت بالسلامة والأمان
عجوز عيينة بن حصن
أبى عيينة بن حصن أن يرد عجوزا كانت عنده من سبي هوازن، وقال: هذه أم الحي، فلعلهم يفدونها بمال كثير، وكانت هذه العجوز أم زهير بن صرد، فجاء زهير وعرض عليه أن يأخذها بمئة من الإبل، فأبى طمعا في الزيادة، فتركه وذهب، ثم غاب عنه، ومر عليه معرضا، فقال له عيينة: خذها بالمئة، فقال: لا أدفع إلا خمسين، فأبى، ثم غاب عنه ومر معرضا، فقال: خذها بالخمسين، فقال زهير: لا أدفع إلا خمسة وعشرين، فأبى ، وما زال ذلك دأبهما حتى قال زهير: لا أخذها إلا بست نياق، والله ما ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد، ولا صاحبها عند فوتها بواجد، ولا درها بناكد؛ أي غزير، فرضي عيينة وقال: خذها، لا بارك الله لك فيها.
عيينة أمسكت العجوز تريدها
عتادا يفيد اليسر من كان معسرا
ضننت بأم الحي تغلي فداءها
فيا لك رأيا غيره كان أجدرا
تسوم زهيرا أن يزيدك ضلة
على مئة لو كان غرا لأكثرا
رماك به مكرا خفيا فلم يزل
يضيق عليك الأمر حتى تعذرا
لقد كان فيما قال أول مرة
غنى لك لو كنت امرأ متبصرا
يظل يريك الزهد في شيخة له
يراها من الدنيا أجل وأكبرا
فتدعوه أقبل لست فيها براغب
إذا بلغ الأمر الفداء الميسرا
فداها بست لو أبيت لسقتها
إليه بلا شيء وحسبك ما ترى
أليست كما قال ابنها ما لمثلها
على الضن إلا أن تموت فتقبرا؟
أما والذي لو شاء لم تعص أمره
لقد جئت أمرا يا عيينة منكرا
فنفسك فاحملها على البر إنه
لأربح مما تحمل الأرض متجرا
وما طمع الإنسان فيما يفوته
إذا ما دعا الداعي فولى وأدبرا؟
قسمة الغنائم
بدأ النبي
صلى الله عليه وسلم
بالذين أسلموا يوم الفتح تألفا لهم، وتثبيتا للإيمان في قلوبهم، فأعطاهم من هذه الغنائم ما أرضاهم؛ وهم المؤلفة قلوبهم، ومنهم أبو سفيان أعطاه فأجزل، وسأله أن يعطيه لابنيه يزيد ومعاوية ففعل، ومنهم حكيم بن حزام، أعطاه مئة من الإبل، ثم سأله فزاده مئة، ثم سأله ثلاثة فكذلك، وقال له: «يا حكيم إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى».
فأخذ حكيم المئة الأولى وترك ما عداها، وقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعوه في خلافته ليأخذ من الفيء فيأبى، وكذلك كان في خلافة عمر (رضي الله عنهما)، ولم يأخذ الأنصار وكبار المهاجرين شيئا من هذه الغنائم، فقال رجل من المنافقين: هذه قسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله (تعالى)، وأخبر النبي فغضب وقال: «إذا لم أعدل فمن يعدل؟ رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر»، واستأذن خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب أن يضربا عنق هذا المنافق فقال: «لا تفعلا، فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية، لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي».
أرأيت حكمة سيد الكرماء؟
وعرفت شيخ السادة الحكماء؟
تلك السياسة حزمها ودهاؤها
ناهيك من حزم وفرط دهاء
مر يا محمد واقض ما لك عائب
في كل أمر ترتضي وقضاء
ولربما خفي الصواب فأسفرت
عنه وجوه الرأي بعد خفاء •••
بدأ النبي بغير من كانوا له
خير الصحابة عند كل بلاء
يرجو مودتهم ويبني منهم
للدين صرح أمانة ووفاء
أعطى أبا سفيان وابنيه فما
أندى سجايا الواهب المعطاء
وحبا حكيما ما أراد ثلاثة
ونهى هواه فكال خير حباء
وأصابها مئة له من نفعها
ما جل عن عد وعن إحصاء
قال ارعويت فلست أرزأ بعدها
أحدا وآلى حلفة الأمناء
يدعى ليأخذ من أبي بكر ومن
عمر فما يزداد غير إباء •••
يا ويح للعباس يغلب حلمه
أن كان دون مراتب الرؤساء
أبدى الشكاة فكان صنع محمد
صنع الطبيب يريد حسم الداء
قال اقطعوا هذا اللسان بنفحة
عني وتلك سجية العظماء •••
صفوان أسلم فانجلت غمراته
وأفاق بعد غواية وغباء
لما رأى الإسلام يسطع نوره
كره الضلال وضاق بالظلماء
ومشى على الأثر الكريم يزينه
خلق الهداة ومظهر الحنفاء
صفوان سر في نور ربك إنه
يهديك في سير وفي إسراء •••
يا زيد قم بالأمر واكتب واجتنب
خطأ الغواة وكبوة الجهلاء
أحص الرجال وآت كلا حقه
مما أفاء الله ذو الآلاء •••
ما أكرم الأنصار والصحب الألى
حرموا فمن صبر ومن إغضاء
نزلوا على حكم النبي وسرهم
ما كان من ثقة وحسن رجاء
قوم رسا الإيمان ملء قلوبهم
وسما عن الشهوات والأهواء
لا تملك الدنيا عليهم أمرهم
في شدة من دهرهم ورخاء
ما ضر من يسخو بمهجة نفسه
أن لا يفوز من امرئ بسخاء؟
نالوا بفضل الله عند رسوله
ما لم ينل أحد من النعماء
إن الثناء إلى الرجال يسوقه
لأجل من إبل تساق وشاء •••
خسر الذي آذى النبي بقوله
ظلم الرجال ولج في الإيذاء
أثم المنافق إنها لكبيرة
وكذاك يأثم ناطق العوراء
صبرا رسول الله لست بأول
ما حيلة الحكماء في السفهاء؟
موسى أخوك أصيب من أعدائه
بأشد ما ترمي قوى الأعداء
إن أنت لم تعدل فمن ذا يرتجى
للعدل تحت القبة الزرقاء؟
نفر الحفاظ بخالد ورفيقه
والموت مصغ والمهند راء
لولاك إذ جاوزت أبعد غاية
في الحلم جاوز غاية الأحياء
قلت اسكنا لا تقتلاه فإنه
سيكون رأس الشيعة النكراء
يغلون في دين الإله فيخرجوا
منه خروج السهم يوم رماء
لا يذكر الأقوام أن محمدا
يجزي الألى صحبوه شر جزاء •••
تلك النبوة يا محمد فاضطلع
منها بأعباء على أعباء
أدب وعلم تلك مدرسة الهدى
فتحت وأنت مؤدب العلماء
غزوة الطائف
خرج النبي
صلى الله عليه وسلم
من حنين إلى الطائف في ألف من أصحابه، جعل خالد بن الوليد في مقدمتهم، وكانت ثقيف دخلت حصنها، فنزل الجيش قريبا من هذا الحصن، واقترب خالد ينادي: هل من مبارز؟ فلم يخرج إليه أحد، وناداه رجل منهم يقال له عبد يا ليل: إن لدينا طعاما يكفينا سنين، فهل أنت منتظر حتى ينفد فنخرج إليك بسيوفنا مقاتلين؟ ثم أعملت ثقيف السهام فقتلت من المسلمين رجالا منهم عبد الله بن أمية المخزومي أخو أم سلمة (رضي الله عنها)، وجرحت آخرين.
وأشار سلمان الفارسي بصنع دبابتين من الجلد دخل فيها جماعة من المسلمين، ومضوا إلى الحصن لينقبوا سوره، ففطنت ثقيف لذلك وأرسلت عليهما قطعا من الحديد المحمى بالنار، فخرج من كان فيهما، وصبت عليهم السهام فقتل منهم من قتل، وأشار سلمان كذلك بصنع المنجنيق ورمي الحصن به، وقيل إنه هو الذي صنعه بيده يومئذ، وبقي الحصن محاصرا ثمانية عشر يوما، ولم يرد الله أن تستأصل ثقيف، فأخرهم حتى جاءوا طائعين مسلمين مع غيرهم من الوفود، وكانت جملة من قتل في هذه الغزوة من المسلمين اثني عشر رجلا.
ثقيف انظري أين قصد الطريق؟
وكيف يلقى النجاة الغريق؟
مشى البأس في هوله المستطير
له لهب ساطع كالحريق
مشى ترجف الأرض من حوله
فأين الفرار وهل من مطيق؟
ثقيف ادخلي الحصن لا تهلكي
ويا عبد ليل لماذا النعيق؟
دعا خالد يستفز الرجال
فكان فريقك شر الفريق
وكنت عليهم شهيدا بما
يعاب العدو به والصديق
يضيق على العاجزين الفضاء
ويرحب بالقادرين المضيق
وليس الخليق بحر الجلاد
غداة التنادي كغير الخليق
رموا بالسهام ولو أنصفوا
رموا بالطلى كل عضب ذليق
حراص على الأنفس الهالكات
وذلك منهم خبال وموق
ضعاف القلوب قعود جمود
يخافون كل سفوح دفوق
وما يستوي الهبرزي الجسور
غداة الوغى والهيوب الفروق •••
رأوا عجبا من عتاد الحروب
تذوق الحصون به ما تذوق
رماهم فتاها بدبابتين
فيا لك من فارسي لبيق
رميت الألى حبس الفاتحون
بموت حبيس وبأس طليق
وزدت فقلت اضربوا الكافرين
وعلمتهم صنعة المنجنيق
تظل الحجارة مقذوفة
يشيعها من مكان سحيق •••
ونودوا إلينا فمن جاءنا
مننا عليه بعهد وثيق
فأقبل منهم بغاة الأمان
فكل مخلى وكل عتيق
لهم منزل الضيف في المسلمين
رعاة العهود حماة الحقوق •••
عيينة ما قلت للمشركين؟
وهل يقتني الحمد إلا الصدوق؟
كذبت النبي فقلت المحال
وجئت من الأمر ما لا يليق
وأزلفتها توبة تبتغي
بها الخير والخير نعم الرفيق
تبين عيينة عقبى الأمور
لعلك تعقل أو تستفيق •••
سيأتي بهم ربهم مسلمين
فما من ضلال ولا من فسوق
ولو شاء لاجتثهم أجمعين
فبادت أصول وجفت عروق •••
يقول الفوارس كيف الرحيل
وما شرقت بالدماء الحلوق؟
رويدا رويدا جنود النبي
فقد ينفع الناس ما لا يروق
ولله ما شاء فيما يسوق
من الحادثات وفيما يعوق
عين أبي سفيان
أصيبت عين أبي سفيان (رضي الله عنه) بسهم في هذه الغزوة، فأتى النبي
صلى الله عليه وسلم
وعينه في يده، وقال: يا رسول الله، هذه عيني أصيبت في سبيل الله، فقال: «إن شئت دعوت فردت عليك، وإن شئت فعين في الجنة»، قال: في الجنة، ورمى بها من يده، وأصيبت عينه الثانية يوم اليرموك في قتال الروم.
هنيئا أبا سفيان لا الذخر هين
ولا الأجر ممنون ولا أنت مغبون
هو الغنم لم يقدر لغير موفق
له مشهد في حومة الحرب ميمون
حملت أبا سفيان عينك في يد
بها الخير في كل المواطن مقرون
وجئت رسول الله لا الوجه شاحب
ولا العطف مزور ولا القلب محزون
تقول له عيني التي أنت ناظر
مضت في سبيل الله والحافز الدين
فقال إذا أحببت فالرد ممكن
بقدرة رب أمره الكاف والنون
وإلا فأخرى عنده إن لقيته
وذلك وعد عند ربك مضمون
فآثرت هذي ثم ألقيت بالتي
حملت وما في الحق أن يؤثر الدون
ستتبعها في وقعة الروم أختها
إذا حان منها بعد ذلكم الحين
فخير على خير ونعمى تزيدها
من الله نعمى سرها عنك مكنون
هنيئا أبا سفيان لا الرمح آسف
ولا السيف مكروب ولا العزم موهون
عطاؤك في الهيجاء لم يعط مثله
من الناس إلا صادق البأس مأمون
سراقة بن مالك
عند انحدار النبي
صلى الله عليه وسلم
إلى الجعرانة لقيه سراقة بن مالك وهو واضع الكتاب الذي كتب له عند الهجرة بين أصبعيه، ورافع صوته بقوله: أنا سراقة وهذا كتابي، فقال الرسول الكريم: «هذا يوم وفاء ومودة، أدنوه مني» ففعلوا وأسلم (رضي الله عنه).
ارفع كتابك يا سرا
قة إنه علم النجاة
هو جنة لك من سيو
ف الضاربين طلى الكماة
عهد النبي فأي ذخ
ر مثله للحادثات
أسدى الجميل ومن يأ
خذ نفسه بالمكرمات
ويقيم أعلام الهدى
للتابعين من الهداة
لو شاء قتلك يا سرا
قة لم تذق طعم الحياة
إذ جئت تطلب قتله
وتطيع فيه هوى الغواة
أرأيت حلم محمد
وعرفته جم الأناة؟
أدرك بدين الله نف
سك واستقم قبل الفوات
دين المفاخر والمآ
ثر والخلال الصالحات
دين الغطارفة الأما
جد والجهابذة الثقات
دين الرشاد بأسره
والخير من ماض وآت
الله رب العالمي
ن فما اتباع الترهات؟
إن كنت ذا عقل فحس
بك نظرة في الكائنات
تلك المعالم واضحا
ت والشواهد بينات
دع ما مضى لك يا سرا
قة من جنايات العصاة
أيام تضرب في الغوا
ية بالعشي وبالغداة
أنت اتقيت الله رب
ك فاغتنم عقبى التقاة
غزوة تبوك
كانت في شهر رجب من السنة التاسعة، بلغ النبي
صلى الله عليه وسلم
أن الروم جمعوا جموعا كثيرة بالشام، وأن طلائعهم بلغت البلقاء فاستنفر المسلمين للقائهم، وأوصى بالتعاون على تيسير أسباب هذه الغزوة البعيدة الشقة وسد حاجاتها، فجهز عثمان بن عفان عشرة آلاف رجل، أنفق عليهم عشرة آلاف من الدنانير، غير الإبل والخيل والزاد، وجاء إلى النبي بألف دينار صبها في حجره، وجاء أبو بكر بجميع ماله، وهو أربعة آلاف درهم، فقال النبي: «هل أبقيت لأهلك شيئا؟»، قال: أبقيت لهم الله ورسوله، وجاء عمر بنصف ماله، وعبد الرحمن بن عوف بمئة أوقية، والعباس وطلحة بمال كثير، وعاصم بن عدي بسبعين وسقا من التمر، وعلمت النساء فقدمت إلى النبي ما استطاعت تقديمه من الحلي في إيمان قوي، وحماسة بالغة.
وتخلف المنافقون ومعهم عبد الله بن أبي بن سلول، فلم يخرجوا مع الجيش، وكان عدده ثلاثين ألف رجل - وقيل أكثر - وعقد النبي الألوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر، ورايته العظمى إلى الزبير، وجعل راية الأوس لأسيد بن حضير، وراية الخزرج للحباب بن المنذر، وبلغ الجيش تبوك فعسكر فيها انتظارا للقاء العدو، فلم تبد له بادية، وبعد بضع عشرة ليلة استشار النبي عمر بن الخطاب، هل يمضي بالجيش لمهاجمة جموع الروم أم يدعهم إلى ميقاتهم؟ فأشار عمر بهذا، وكانت غزوة تبوك آخر غزواته (صلوات الله عليه).
لمن تجمع الروم أبطالها؟
وتحمل للحرب أثقالها؟
أللجاعلين نفوس العباد
ودائع يقضون آجالها؟
إذا استعجلوها ببيض الظبى
فلن يملك القوم إمهالها
جنود تقدم أرواحها
وتبذل في الله أموالها
لئن جاوزت غاية العاملين
لقد بارك الله أعمالها
ومن مثل عثمان يرعى النفوس
إذا آدها الأمر أو عالها؟
كثير النوال رحيب المجال
إذا رام منزلة نالها
أبا بكر اخترت أبقى الثراء
وجنبت نفسك بلبالها
تمنيتها نعمة سمحة
فألبسك الله سربالها
وإن لصحبك في الباذلين
مناقب ندمن إجلالها •••
ألح النساء على حليهن
وأقبلن في ضجة يا لها
نبي الهدى أتلم الحقوق
فنأبى ونؤثر إهمالها؟
وتذهب منا ذوات الحجال
تجرجر في الحلي أذيالها؟
لقد طاف طائفها بالفتاة
فأرقها ما عنا آلها
فما أمسك البخل دملوجها
ولا ملك الحرص خلخالها •••
مشى الجحفل الضخم في جحفل
يحب الحروب وأهوالها
وخاف من الحر أهل النفاق
فقالوا البيوت وأظلالها
وأهلكهم شيخ أشياخهم
بشنعاء يأثم من قالها •••
بني الأصفر استبقوا للوغى
وخلوا النفوس وآمالها
وقفتم من الرعب ما تقدمون
وما هاجت الحرب أغوالها
فكيف بكم بين أنيابها
إذا جمع الله آكالها؟
رأى عمر رأيه في الرحيل
فلا تكثر الروم أوجالها
لهم دون مهلكهم مدة
من الدهر يقضون أحوالها
تبوك اشهدي نزوات الذئاب
وحي الأسود وأشبالها
أما ينبغي لك أن تعرفي
شيوخ الحروب وأطفالها؟ •••
هي الملة الحق لن تستكين
ولن يدع السيف أقتالها
رأت ملة الكفر تغزو النفوس
فجاءت تمزق أوصالها
لها من ذويها حماة شداد
يبيدون من رام إذلالها
فلن يعرف الناس أمثالهم
ولن يشهد الدهر أمثالها
ولن تستبين سبيل الهدى
إذا اتبع الناس ضلالها
فمن كان يحزنه أن تبيد
قوى الشرك فليبك أطلالها
لأهل المفصل من آيه
موارد يسقون سلسالها
ترد القلوب إلى ربها
وتفتح للنور أقفالها
في دار سويلم اليهودي
اجتمع قوم من المنافقين في دار سويلم اليهودي يقولون كما قال عبد الله بن أبي بن سلول، وعلم النبي بأمرهم فأرسل إليهم عمار بن ياسر وقال: «أدرك القوم فقد احترقوا»، فجاءهم فأنكروا، وجاءوا إليه
صلى الله عليه وسلم
فأخبرهم بما قالوا، فجعلوا يعتذرون ويقولون: كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله (تعالى):
ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ...
الآية.
سويلم ما قول ببيتك يفترى
بألسنة تبغي الفساد فتكذب ؟
ألابن أبي رأيه ما وراءه
لذي نهيه رأي ولا عنه مذهب؟
حقود رمى بالشؤم كل منافق
فيا لك من شر على الناس يجلب
أحس رسول الله ما كان منهم
وجاء بريد الله بالحق يدأب
فقال لعمار أرى القوم أوقدوا
لأنفسهم نارا بعيني تلهب
ألا قم فأدركهم ولما يصيبهم
عذاب غليظ ما لهم منه مهرب
فلما أتاهم أنكروا ثم أقبلوا
بأقوال فجار عن الحق ترغب
فقال رسول الله بل قلتم الذي
علمت وما يخفى علي المغيب
فقالوا على غيظ النفوس وحقدها
ألا إنما كنا نخوض ونلعب
وعادوا خزايا نادمين وإنهم
إلى الشر إلا أن يتوبوا لأقرب
الجد بن قيس
ندبه الرسول الكريم للخروج في هذه الغزوة، فاستأذنه في التخلف وقال له: لا تفتني، فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء مني، وإني لأخشى أن لا أصبر إذا رأيت نساء بني الأصفر، فأعرض عنه النبي، وأقبل عليه ابنه يقول له: والله ما أخرك سوى النفاق.
خف الله يا جد بن قيس ولا تطع
هواك ودعها خطة هي ما هيه
كذبت رسول الله تضمر غير ما
تقول وما تخفى على الله خافيه
تقول له ائذن لي ولا تبغ فتنتي
فإني امرؤ أعطي النساء عنانيه
وإن نساء الروم يغلبنني على
عفافي فدعني ما لهن وما ليه
فأعرض عنه غير راض وساءه
فجور امرئ يبدي الفجور علانيه
وجاء ابنه يصليه نار ملامة
فيا لك من نار على المرء حاميه •••
لك الويل يا جد بن قيس فإن تتب
وقيت وإن تفسق فما لك واقيه
البكاءون
هم سبعة من الفقهاء جاءوا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
يسألونه أن يحملهم إلى تبوك فقال لهم: «لا أجد ما أحملكم عليه»، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ... ورق لهم قوم من كرام الصحابة فحملوهم.
أبوا أن يقعدوا والجيش يزجى
فيوشك أن يكون له انطلاق
وليس لهم سوى القرآن يتلى
فلا خيل ولا إبل تساق
فلاذوا بالنبي وناشدوه
ليحملهم فضاق بهم وضاقوا
تولوا تستهل على لحاهم
دموع ملء أعينهم تراق
أتعوزهم لدى الزحف المطايا
ويسبقهم إلى الله الرفاق؟
فرق لهم من الغازين قوم
رموا منهم بخطب لا يطاق
وجاءوا بالرواحل فاستراحوا
من الهم المبرح واستفاقوا
أمن يهديه إيمان وتقوى؟
كمن يرديه غش أو نفاق؟
أبو خيثمة
كان ممن تخلف عن النبي فدخل يوما على زوجتيه فوجدهما قد رشتا العريش بالماء، وهيأتا طعاما وماء باردا، وكان يوما شديد الحر، فقال: أيكون رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في الحر وأبو خيثمة في ظل بارد وماء مهيأ وامرأتين ناعمتين؟ والله لا كان هذا، ثم أخذ سيفه ورمحه ولحق بالنبي في تبوك.
لك الله أقبل أبا خيثمه
فلله صنعك ما أكرمه
قعدت فلما كرهت القعود
نفرت حثيثا إلى الملحمه
دخلت العريش على نعجتيك
فسبحان ربك ما أعظمه
نعيم يروق وظل يشوق
وعيش يسرك أن تغنمه
فذكرك الله حر الجهاد
وألهم قلبك ما ألهمه
فقلت أيمضي الرسول الكريم
يكابد في الله ما جشمه
وأبقى هنا في هوى نعجتي
وحب العريش كذي الملأمه؟
وسرت فأدركته في تبوك
وللجيش من حوله همهمه
يقولون من ذا؟ وما خطبه؟
ألا إنه أبو خيثمه
ألم يك في المعشر القاعدين؟
فماذا عراه؟ وما أقدمه؟
هو الله يهدي نفوس الرجال
ويرزقها البر والمرحمه
أبو ذر الغفاري (رضي الله عنه)
تخلف به بعيره عن الجيش لما أصابه من الإعياء، فأخذ متاعه وحمله على ظهره، ثم سار حتى أدرك النبي، ورآه بعض الصحابة مقبلا فقالوا: يا رسول الله، هذا أبو ذر قد جاء، فقال: «رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده»، فكان كما قال، فقد مات (رضي الله عنه) بالربذة حين أخرجه عثمان بن عفان في خلافته إليها بعد أن كان في الشام، لشكاية من معاوية، ولم يكن معه فيها إلا امرأته وغلامه، فقال لهما عند موته: غسلاني وكفناني، ثم اجعلاني على قارعة الطريق، وقولا لأول من يمر بي: هذا أبو ذر صاحب رسول الله، فأعينونا على دفنه، ففعلا ذلك، وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق، فوجدوا الجنازة على الطريق قد كادت الإبل تطؤها، فقام إليهم الغلام وقال لهم ما أراد أبو ذر أن يقول، فبكى ابن مسعود ونزل هو وأصحابه فواروه، ومن قول الرسول الكريم فيه: «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر»، وكان من الأقدمين في الإسلام.
أبا ذر رحلت على بعير
لو أن الذر يلمسه لهده
براه السير حالا بعد حال
فأوهن عظمه وأذاب جلده
عدمت إلى متاعك لم تدعه
عليه ولم يدعك الضعف عنده
شددت قواك إذ وهنت قواه
ورضت الأمر إذ أبصرت جده
وسرت فكنت أصلب منه عزما
وأصدق همة وأشد نجده
مشيت تريد وجه الله حتى
بلغت رسوله ولقيت جنده
رأوك تؤمهم فردا فقالوا
أخ في الله يخشى الله جهده
وقال أتى أبو ذر فأهلا
بصاحبنا الذي ما خان عهده
ألا إن الذي يسعى إلينا
ليمشى وحده ويموت وحده
ويبعث وحده من بعد هذا
وسبحان الذي يختار عبده
طلحة بن عبيد الله
كان طلحة بن عبيد الله (رضي الله عنه) في هذه الغزوة مع المسلمين، فنحر لهم جزورا وأطعمهم منها، وكانوا في حالة شديدة من الجوع، فقال له النبي: «أنت طلحة الفياض»، وسماه يوم أحد طلحة الخير، ويوم حنين طلحة الجود، وذلك لكثرة إنفاقه على العسكر.
طلحة الخير طلحة الجود أبشر
صرت تدعى بطلحة الفياض
نفحة بعد نفحة وانتهاض
في مجال السخاء بعد انتهاض
في حنين يد وفي أحد أخ
رى وهذي تبوك ملأى الوفاض
من جزور نحرتها تطعم الجي
ش وتشفيه من أذى وارتماض
ذاق من شدة الطوى ما كفاه
وهو مستحصد العزيمة راض
حزبته الأمور في طاعة الله
فما هم مرة باعتراض
عالم أن أفضل المقادير ما شا
ء وخير الأمور ما هو قاض
لك في المسلمين يا ابن عبيد الله
برق مبارك الإيماض
تستهل الصنائع الغر إن لا
ح وتجري الصلات ملء الحياض
هكذا يكون المؤمن الموفق يغني
في مروءاته غناء المواضي
يدفع الحادث الجليل ويقضي ال
حق سمح اليدين قبل التقاضي
قدوم يحنة بن رؤبة صاحب أيلة ومعه أهل أذرح وجرباء ومقنا
قدم على النبي
صلى الله عليه وسلم
يحنة بن رؤبة صاحب أيلة ومعه أهل أذرح وجرباء ومقنا من قرى الشام، فعرض عليهم الإسلام فأبوا، وصالحوه على الجزية، فكتب لهم العهود بذلك، وكان مع يحنة بغلة بيضاء أهداها إليه (صلوات الله وسلامه عليه)، فكساه بردا من ثيابه الشريفة.
يحنة إن تؤمن فخير وإن ترد
سوى الحق فاعلم أن رأيك عازب
أتى بك من أكناف أيلة ما أتى
وليس لمن يممت في الناس غالب
دعيت إلى الإسلام فاخترت جزية
تنال بها الأمن الذي أنت طالب
ولو كنت ممن يبتغي جانب الهدى
هديت ولكن المضلل خائب
وما رغب المأمون فيها هدية
كساك بها البرد الذي أنت ساحب
أتيت بقوم لو رأوا منك ناصحا
لما عاب منهم خطة الجد لاعب
أتأبون دين الحق يا آل أذرح
وجرباء حتى يجلب الخيل جالب؟
ألا فاشهدوا يا آل مقنا وأيقنوا
بأن سوف تنهى الجاهلين العواقب
خذوا من عهود الذل ما الله ضارب
عليكم وما الداعي إلى الله كاتب
وأدوا إليه المال لا تبخلوا به
ولا تغدروا فالبأس يقظان دائب
وسيروا بأهليكم على الخطة التي
رضيتم لهم إن الطريق للاحب •••
أخا البغلة البيضاء ليتك كنتها
لعلك تدري كيف تعلو المراتب
أتعطى من العز البهيمة رزقها
ويحرم منه المرء؟ تلك العجائب
يحنة هذا ما قضى الله فاعتبر
وكيف اعتبار المرء والعقل ذاهب؟
خالد بن الوليد والأكيدر
أرسل النبي خالد بن الوليد من تبوك إلى دومة الجندل لغزو الأكيدر بن عبد الملك الكندي، فقتل أخاه واستنزله هو من حصنه، ثم جاء به إلى النبي فأسلم، وكتب له ولأهل دومة الجندل كتابا دعوا فيه إلى الإسلام فمن أبى فعليه ما على المشركين، ولما قبض الرسول الكريم ارتد الأكيدر فبعث إليه أبو بكر خالدا بن الوليد فقتله.
أخالد إنك ذو نجدة
فهيا إلى دومة الجندل
إلى معشر كفروا بالكتاب
وحادوا عن المذهب الأمثل
دعاك الرسول فأنت الرسول
وليس له عنك من معدل
أمامك حصن طويل الذرى
فخذه بصمصامك الأطول
ومر بالأكيدر يقذف به
إليه على كبره من عل
قتلت أخاه وألقى إليك
جناح الذليل فلم يقتل
وجئت به سيد الفاتحين
فأوغل في قلبه المقفل
هداه إلى الله بعد الضلال
وبعد العمى لم يكد ينجلي
وأعطاه من عهده موئلا
يقيه فيا لك من مؤئل
فصبرا أكيدر إن الزمان
سيكشف عن غدك المقبل
ستنقض عهدك دأب الشقي
وتجمح في غيبك الأول
فيرميك ربك با ابن الوليد
ويشفيك من دائك المعضل
بصاعقة من يذقها يقل
كأن الصواعق لم ترسل
أتفعل ويحك ما لو عقلت
لأعرضت عنه ولم تفعل؟
أكيدر ليس لنفس وقاء
إذا ما ابتلى الله من يبتلي
خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من تبوك
قال (عليه الصلاة والسلام):
أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله (عز وجل)، والنساء حبالة الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، والسعيد من وعظ بغيره، ومن يغفر يغفر الله له، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، أستغفر الله لي ولكم.
خطب الرسول فكل سمع منصت
في الخافقين وكل قلب خاشع
قل يا محمد كل شيء مطرق
يرجو المزيد وكل شيء سامع
قل ما يعلمك الذي هو عالم
أن النفوس إلى الفساد نوازع
أدب بدين الله قومك إنه
دين لأشتات الفضائل جامع
هذا تراث العالمين بأسرهم
يجري عليهم نفعه المتتابع
فلكل عصر منه ورد سائغ
ولكل جيل منه كنز رائع
قل للذي ترك السبيل ألا استقم
وعن العماية فليزعك الوازع
فإذا غويت فكل شيء ضائر
وإذا اهتديت فكل شيء نافع
الله أنزل في المفصل حكمه
والحق يعرفه التقي الطائع
في العقبة بين تبوك والمدينة
خلا جماعة من المنافقين بأنفسهم، وعدتهم اثنا عشر رجلا، لما آذن النبي بالرجوع من تبوك، فقالوا: إذا عدل محمد عن بطن الوادي إلى العقبة وأبى إلا أن يسلكها وحده تبعناه فزحمناه فيها ، ودفعنا به عن راحلته - يريدون إيذاءه - فنبأه الله بذلك، فلما بلغ العقبة أشار على المسلمين بسلوك بطن الوادي، وسلكها هو بعد أن جعل زمام ناقته في يد عمار بن ياسر، وأمر حذيفة بن اليمان أن يسير خلفها، فتسلل المنافقون خلفه ملثمين تحت جنح الظلام لإمضاء ما أجمعوا عليه.
يقول دعاة الشر ليت محمدا
إذا نحن عدنا يسلك الجانب الوعرا
إذن لدفعنا إلى الجانب الذي
تنكب نؤذيه ونرهقه عسرا
ونبأه مولاه فازداد قوة
على قوة واختار ما يقمع الشرا
فلما دنا من يثرب قال قائل
أطيعوا رسول الله وامتثلوا الأمرا
على السهل فامضوا واتركوا الحزن إنه
سيسلكه فردا يريد بكم يسرا
وقال تقدم ناقتي يا ابن ياسر
وسر خلفها يا ابن اليمان فما أحرى
وسار فجاء القوم يعدون خلفه
وقد نشر الإظلام من حولهم سترا
ونكر كل وجهه بلثامه
وما نكروا إلا الخيانة والغدرا
رموا ناقة الهادي بأشخاص جنة
تخوض إليها الليل فانتفضت ذعرا
وأمسى رسول الله يهوي متاعه
على الأرض إلا ما تماسك فاستذرى
وقال انطلق يا ابن اليمان فردهم
ويا صاحبي لا تبتئس والزم الصبرا
فكر عليهم كرة الليث ضاربا
وجوه مطاياهم ولم يألهم زأرا
إليكم إليكم شيعة الكفر إنكم
لأعداء رب الناس أعظم به كفرا
تولوا سراعا لم يصيبوا شفاءهم
ولم يطفئوا من حقدهم ذلك الجمرا
وجاء أسيد لا يرى غير قتلهم
فقال رسول الله لا تبغها نكرا
أأقتل قوما ظاهروني وحاربوا
معي؟ حسبهم أن يحملوا الإثم والوزرا
وجاءوا على خوف يقولون ما بنا
سوى الظن فاغفر إنها الفتنة الكبرى
وضجوا بأيمان هي النار أوقدت
بألسنة ظلت أكاذيبها تترى
كفاهم عقاب الله والدعوة التي
يظل لظاها ينفذ الظهر والصدرا
في المدينة - النبي يعرض عن المنافقين ويأمر بمقاطعتهم
لما رجع النبي إلى المدينة استقبله المنافقون الذين لم يخرجوا معه إلى تبوك بغير عذر، فأعرض عنهم وقال لأصحابه: «لا تكلموا أحدا منهم ولا تجالسوهم حتى آذن لكم»، فجعل الرجل يعرض عن أبيه وأخيه، فاشتد الأمر عليهم، وأخذهم من الهم والغم ما أخذهم .
خفوا يلاقون النبي بيثرب
من بعدما كرهوا الخروج فأحجموا
فنأى وأعرض لا يريد لقاءهم
وتكشفوا فمبغض ومذمم
وتقطعت أسبابهم فكأنهم
سرح يبدد أو بناء يهدم
سود الوجوه ترى العيون قتامها
فتظل تطعن باللحاظ وترجم
يتلفتون إذا مشوا وإخالهم
لو يقدرون من الحياء تلثموا
يتقلب الآباء في حسراتهم
وكأنما الأبناء ليسوا منهم
هجر وإعراض وطول قطيعة
فالعيش سم ناقع أو علقم
هم أجرموا فهو الجزاء وهكذا
يجفى ويجتنب المسيء المجرم
ويح الثلاثة إنهم مما لقوا
لأشد خطبا في الرجال وأعظم
ودوا لو أن الأرض زالت فانطوت
ثم انطووا فكأنهم لم يأثموا
ضاقت جوانبها فلا متأخر
فيها لأنفسهم ولا متقدم •••
كل له في العالمين جزاؤه
ومن الجماعة حاكم لا يظلم
يقضون إن عقلوا قضاء صالحا
هو للنفوس مهذب ومقوم
فإذا همو جهلوا فليس لدائهم
طب وليس لمثلهم أن يحكموا
سبحان ربك ذي الجلالة إنه
لم يوجب الشورى لمن لا يفهم
الرأي رأي ذوي المعارف والنهى
ومن الرجال بهائم لا تعلم
مسجد الضرار
لما اقترب النبي من المدينة علم أن بني غنم بن عوف إخوة بني عمرو بن عوف أصحاب مسجد قباء بنوا مسجدا ينافسون به إخوتهم ويصرفون الناس إليه، وأن أبا عامر الراهب الملقب بالفاسق هو الذي زين لهم ذلك، فقال لجماعة من المسلمين، منهم وحشي قاتل حمزة: «انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فأحرقوه واهدموه»، ففعلوا ما أمرهم به.
يا بني غنم بن عوف ما لكم
تجعلون الدين كيدا وضرارا؟
أغضبتم إذ بنى إخوتكم
في قباء مسجدا يهدي الحيارى؟
فاتخذتم غيره تبغونه
فتنة للناس جهلا واغترارا؟
وجمعتم فيه من أشياعكم
كل غاو يجعل السوأى شعارا
مفتر يهذي بقول الزور في
سيد الرسل ويؤذيه جهارا
يا بني غنم بن عوف إنها
شيم الحمقى وأخلاق السكارى
إستفيقوا إنه قد جاءكم
من جنود الله أقوام غيارى
قال مولاهم هلموا فاهدموا
مسجد السوء جدارا فجدارا
وابعثوا النار عليه جهرة
إنما المؤمن من يصليه نارا •••
صدعوا بالأمر وازداد الألى
طاوعوا الفاسق ذلا وصغارا
زين الفاحشة الكبرى لهم
فأتوها لا يخافون البوارا
عام الوفود
وفد نصارى نجران
كانوا ستين رجلا وفدوا على النبي
صلى الله عليه وسلم ، عليهم أردية الحرير وخواتم الذهب، ومعهم هدية بسط فيها تماثيل ومسوح، فرد البسط وأخذ المسوح، ولما رأى فقراء المسلمين ما عليهم من الزينة تشوفوا إلى الدنيا فنزلت:
قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار
الآيات.
أبوا الإسلام وصالحوه على ألف حلة في صفر، ومثلها في رجب، ومع كل حلة أوقية من الفضة، وقالوا له: أرسل معنا أمينا، فأرسل أبا عبيدة عامر بن الجراح، وقال لهم: «هذا أمين الأمة».
وفد نجران إن أردت الرشادا
فاتق الله واتبع ما أرادا
وتأمل فتلك حجته البي
ضاء لم تبق ظلمة أو سوادا
وضح الحق وانجلى الشك فانظر
إنه النور قد أضاء البلادا
إنه الدين قيما يصلح الأم
ر وينفي الأذى معا والفسادا
جئت في زينة وبسطة حال
تزدهيك الجياد إذ تتهادى
وهداياك من مسوح وبسط
زيد فيها الفن البديع وزادا
صدقت صنعة التصاوير فيها
وهي إفك سبيله أن يعادى •••
ردها الصادق الأمين تقاة
وقضى الأمر حكمة وسدادا
ودعاهم إلى التي هي أهدى
فأبى الظالمون إلا عنادا
زعموا أنهم على الحق ما حا
دوا ولكنه عن الحق حادا
أيظن المسيح عبدا وقد كا
ن إلها أتى يدين العبادا
قال لا تكذبوا عليه وتوبوا
واتبعوا الحق ملة واعتقادا
إن عيسى صلى الإله عليه
كان للحق قوة وعتادا
هو من روح ربه مستفاد
وسبيل المخلوق أن يستفادا
كان في قومه رسولا رضيا
يتقي ربه ويرجو المعادا
لا أب كالذي زعمتم ولا ابن
فدعوا الشرك وانبذوا الإلحادا
وحدوا الله ما لكم منه واق
واحذروا الخيل والسيوف الحدادا
ضل من يدعي لمن هو فرد
في علاه الأبناء والأندادا
فتنتهم أعماله وهي من قدرة الله
وشر الضلال أن يتمادى
رميت يثرب بوفد جماد
هل رأى العالمون وفدا جمادا؟
عدم العقل فهو يمعن في الجه
ل ويأبى فما يريد اتئادا
أنزل الله آية لو وعاها
راح بعد اللجاج يلقي القيادا
لم يكن دون أن يبيد محيص
ليته باهل النبي فبادا
منعتهم آجالهم فتفادوا
ما يود الحريص أن يتفادى
وأتوا مذعنين يبغون صلحا
يدفع الويل والخطوب الشدادا
سيد الرسل أملوه ففازوا
إنما أملوا الكريم الجوادا
اشتروا منه أنفسا نجسات
زادها البيع والشراء كسادا
حلل لا تكون إن هي عدت
دون ألف ولا تجيء فرادى
يبعث القوم مثلها من لجين
يعجب الناظرين والنقادا
سر حثيثا أبا عبيدة واملأ
أرض نجران همة واجتهادا
أنت أنت الأمين عز بك الصن
ع الذي يرفع الرجال وسادا
خلصت للنبي منك خلال
أفعمت نفسه هوى وودادا •••
أخذوا العهد رحمة وسلاما
بعد أن ضل سعيهم أو كادا
يبلغ الحق مبتغاه وتزدا
د قواه تماديا واطرادا
وأضل الرجال من لا يلبي
داعي الله طائعا إذ ينادى •••
أيها المؤمنون توبوا إلى الله
وكونا لدينه أوتادا
أرغبتم إذا أقبل الوفد في الد
نيا وكنتم من قبله زهادا؟
إن خيرا من ذلكم جنة الله
فلا تعدلوا بتقواه زادا
ما للنفس من غبطة أو سرور
بمتاع تخشى عليه النفادا
وفد الأشعريين
قدموا من اليمن مع جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) في قدومه من الحبشة على النبي
صلى الله عليه وسلم
في خيبر، ومعهم أبو موسى الأشعري، قال لما رآهم: «أتاكم أهل اليمن، أرق أفئدة وألين قلوبا، الإيمان يمان والحكمة يمانية، يريد أقوام أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم».
قدوم من أبي موسى الهمام
ووفد الأشعريين الكرام
وعود من غريب الدار ناء
رمى برحاله للبين رام
يفر بدينه ويريد ربا
أقام رسوله دين السلام
أبا موسى لك البشرى وأهلا
بركبك في حمى خير الأنام
لقيت من الأحبة كل سمح
وفي العهد مأمون الذمام
ونلت بدارهم ما رمت منهم
فهل لك بعد ذلك من مرام
إذا رقت قلوب القوم كانت
بعافية من الداء العقام
تجول حقائق الأشياء فيها
فمن غلق يفض ومن ختام
وتوقظها إذا الأكوان نامت
فما تلهو بأحلام النيام
إلى الإيمان والحكم الغوالي
سما نسب بكم عالي المقام
شهادة أصدق الشهداء طرا
وأنطقهم بمأثور الكلام
أبا موسى نهضت إلى محل
يشق على ذوي الهمم العظام
وفزت بها حياة ما لنفس
تجانبها سوى الموت الزؤام
نظام الدين والدنيا جميعا
وهل شيء يكون بلا نظام
وفد ثقيف
كان في رمضان سنة تسع بعد غزوة تبوك، وكان من خبرهم أنه لما عاد النبي
صلى الله عليه وسلم
من محاصرتهم تبعه عروة بن مسعود فأسلم، وسأله أن يرجع ليدعو قومه إلى الإسلام، فقال له: «إنهم قاتلوك»، قال: أنا أحب إليهم من أبكارهم وأبصارهم، وذهب إليهم فقتلوه بعد أن أسمعوه كثيرا من الأذى، فسمعه أحدهم يتشهد وقت السحر عند الفجر على غرفة في داره فرماه بسهم فمات، وهو يقول: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها إلي، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم ففعلوا، وقال الرسول الكريم في حقه: «إن مثله في قومه كمثل يس - يريد المذكور في سورة يس - إنه قال لقومه اتبعوا المرسلين، فقتلوه».
أقامت ثقيف بعد مقتل عروة أشهرا ثم استولى عليها الذعر، فأجمعوا أن يوفدوا رجالا منهم إلى النبي، فجاءوا وفيهم شرحبيل بن غيلان وعثمان بن أبي العاص، وهو أصغرهم سنا، فأسلموا، وسألوه أن يؤمر عليهم رجلا فكان عثمان، ورجعوا إلى قومهم، وهم يكتمون إسلامهم كما أمرهم سيدهم كنانة بن عبد ياليل، وأخذوا يخوفونهم فأسلموا.
أقبلوا راشدين فالأمر جد
أي نهج للحق لم يبد بعد؟
أقبلوا راشدين ما لثقيف
وسواها مما قضى الله بد
يا ابن غيلان مرحبا جئت في الرك
ب وحادي الهدي يسوق ويحدو
أين من قومك الألى ركبوا الغي
فلم يثنهم عن الإثم رشد؟
قتلوا عروة الشهيد على أن
آثر الله فهو للشرك ضد
جاء إثر النبي يشهد أن الله
حق عالي الجلالة فرد
وأتى قومه يظن بهم خي
را فمالوا عن السبيل وصدوا
هكذا أخبر النبي ولكن
ليس للأمر حين يقدر رد
قال دعهم لمالك الملك واعلم
أنهم قاتلوك فالقوم لد
غره رأيه فلم يك حب
غير حب الأذى ولم يك ود
بورك الوفد إذ أتى الكوكب الد
ري في نوره يروح ويغدو
يتلقى السنا تبين به السبل
وضاء بعد الخفاء وتبدو
ورد الدين صافيا ما يضاهيه
لمن يبتغي السلامة ورد
وقضى أمره فغادر منه
حيلة أحكمت ورأي أسد
راح يخفي إيمانه ويهد الق
وم رعبا وكل واه يهد
ليس للشرك قوة تعصم النف
س ولا فيه منعة تستمد
قال يا قوم إنه يتلظى
في إباء ما ينقضي منه وقد
سامنا خطة تشق علينا
وهو عال في قومه مستبد
نهدم اللات صاغرين ونلغي
ما درجنا عليه فالعيش رغد
هاجهم جهلهم فقالوا رويدا
ما لنا بالذي تقولون عهد
قيل فالحرب لا هوادة فيها
فاجمعوا أمركم إذن واستعدوا
هفا الذعر بالنفوس فلانوا
بعد حين وللجهالة حد
أقبلوا يرغبون في ملة الله
فلم يغنهم إباء وزهد
عجبوا للألى رموهم بمكر
هو أقوى من مكرهم وأشد
سألوهم أن يسلموا فأذاعوا
ما أسروا وطاح بالهزل جد
رضي الله عنهم ورعاهم
هم جميعا لملة الحق جند
وفد بني عامر بن صعصعة
جاء وفيهم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس «أخو لبيد الشاعر»، وجبار بن سلمى، وكان عامر قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل «النبي
صلى الله عليه وسلم » فإني شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف، فلما قدموا جعل عامر يكلم الرسول الكريم وينتظر أن يمضي أربد أمره وقد يبست يده على السيف فلم يستطع سله، وقال عامر للنبي: ما لي إن أسلمت، قال: «لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم»، قال: أتجعل لي الأمر بعدك؟ قال: «ليس ذلك لك ولا لقومك إنما الأمر لله يجعله حيث يشاء»، فقال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا، قال: «يمنعك الله (عز وجل)»، ومكث أياما يقول: «اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت، وابعث به داء يقتله»، فاستجاب الله له، وأسلم جبار بن أبي سلمى (رضي الله عنه) فيمن أسلم:
بني عامر ردوا عن الشر «عامرا»
ولن يجد الباغي عن البغي ناصرا
أصاب هوى من نفس «أربد» فابتغى
من الأمر ما يعيي الكمي المقامرا
وجاء بمكر لا محالة خائب
وأخيب أهل السوء من كان ماكرا
أناشدكم هل صاحب الوفد منهما «بني عامر» إلا أثيما وفاجرا؟
هما أزمعا أن يأخذا الليث خادرا
على غرة والجهل يعمي البصائرا
دنا الأحمق المخبول منه وهذه
يد السوء منه تحمل السيف باترا
يشير إليه ابن الطفيل أن اقتحم
وماذا يرد السيف لو كان قادرا؟
أبى الله إلا أن يعز «رسوله»
ويرجع من يبغي به السوء صاغرا
أطاع هواه جاهلا وخلا به
يخادعه كيما يرى الدم مائرا
أتسأله يا ابن الطفيل خلافة
وتطمع أن تدعى الشريك المشاطرا؟
لك الويل ما هذا الذي أنت قائل؟
أكنت امرءا من نفسه راح ساخرا؟ «جبار» استقم واشهد فربك واحد
وخذ حظك الأوفى من الخير شاكرا
وبشر رعاك الله صحبك أنهم
أصابوه غنما من هدى الله وافرا
ودع «عامرا» يهوي به الداء خاسئا
و«أربد» يلقى الحتف خزيان خاسرا
رماه الذي يرمي القوى فيهدها
فهد قواه إنه كان كافرا
بصاعقة مما رمى الله إذ رمى «ثمودا» و«عادا» والقرون الغوابرا
رماه بها نارية لو تنزلت
على جبل لاندك في الأرض غائرا
أبى «عامر» من شيمة جاهلية
لقاء الردى عند التي جاء زائرا
يقول أطاعونا وموتا بمنزل
يضيق بأمثالي؟ إذن لست «عامرا»
جوادي جوادي ليس (لي) غير متنه
ألاقي عليه عادي الموت كابرا
وجاءوا به يزجيه «عزريل» فاستوى
على سرجه وانساب حران ثائرا
يجول عليه يحمل الرمح ما يرى
سوى حتفه المقدور قرنا مغاورا
فما هو إلا أن هوى غير معقب
سوى الخزي من ذكر لمن كان ذاكرا
مضى الأمر لم يسمع عكاظ نداءه
ولم تشهد الأقوام تلك المفاخرا
إذا المرء لم يؤمن ولم يخش ربه
فليس إلى شيء سوى الخسر صائرا
ألحت عليه دعوة من محمد
رمته بداء يترك الطب حائرا
رسول الهدى والخير من يرع حقه
فليس يرى شيئا على الدهر ضائرا
لقد كان فيما قال أربد زاجر
عن الشر لو يخشى امرؤ السوء زاجرا
رأى آية تغتال همة نفسه
وتذهل منه اللب لو كان ناظرا
كلاءة رب كل أصيد غالب
يبيد ويبقى غالب البأس قاهرا
ضمام بن ثعلبة (رضي الله عنه)
بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن الإسلام فأكثر، وهداه الله فأسلم، ثم رجع إلى قومه فقال لهم: إن الله (تعالى) قد بعث رسولا، وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه، وقيل إنه أول ما تكلم سب اللات والعزى، فقال له قومه: مه يا ضمام، اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون، فقال لهم: ويلكم، والله إنهما لا يضران ولا ينفعان، ثم وصل ذلك بما تقدم من القول، ونطق بالشهادتين، فأسلموا جميعا.
أنخ البعير فقد بلغت المسجدا
واخشع ضمام فأنت في حرم الهدى
اضللت حين سألت أين محمد؟
أفما رأيت الكوكب المتوقدا؟
إن كنت تعرف مطلع النور الذي
صدع الظلام فقد عرفت محمدا
هو ذاك فاصدع يا ضمام بنوره
ليل العمى وحذار أن تترددا
اسأله واسمع ما يقول وواله
واتبع شريعته إماما مرشدا
اجمع قواك فقد بلغت المنتهى
وانقع صداك فقد أصبت الموردا
قل ما تشاء فلن يضيق بسائل
يرجو الصواب وإن ألح وشددا
كل الذي قال النبي وقلته
حق وحسبك مغنما أن تشهدا
ولقد سعدت بها شهادة مؤمن
ما كنت لو كبرت عليك لتسعدا
حمد النبي وصحبه لك شيمة
ما كنت تطمع قبلها أن تحمدا
ولربما ازدان الفتى بسجية
كانت له شرفا أشم وسؤددا •••
رضي الهدى دينا وعاد بنعمة
يدعو إلى الله النفوس الشردا
وضح السبيل لقومه فتدفقوا
زمرا يريدون النجاة من الردى
خلصوا على يده فيا لك من يد
فتحت لدين الله بابا موصدا
أبشر ضمام فأنت جاوزت المدى
وبلغت في الحسنى المكان الأبعدا
وفد بني عبد القيس من بلاد هجر بالبحرين
جاءوا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
قبل فتح مكة، وفيهم الجارود، وكان نصرانيا، وقال له : إن كنت نبيا فأخبرنا بما أضمرنا، فأخبرهم فأسلموا، كان رئيسهم عبد الله بن عوف الأشج، وكان أصغرهم سنا، وفيه دمامة، ولحظ هذا المعنى في نفس النبي، فقال: يا رسول الله، إنه لا يستقى في مسوك - جلود - الرجال، وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه.
قال لهم (صلوات الله وسلامه عليه): «مرحبا بالقوم الذين جاءوا غير خزايا ولا ندامى»، ثم أمرهم بإقامة الدين، ونهاهم عن الخمر، فألحوا ليأذن لهم فأبى، وذكر لهم صفة بلادهم فتعجبوا، وكان فيهم شيخ مجنون فمسح على ظهره ودعا له فبرئ، وكسي شبابا وجمالا.
مرحبا بالوفد وافى من هجر
يبتغي الدين ويأبى من كفر
لا خزايا لا ندامى إنهم
زمرة ما مثلها بين الزمر
ظفروا إذ قبلوا خير يد
وخيار الناس أولى بالظفر
نزل الحق على شاعرهم
ساطعه الحجة وضاح الأثر
صدق الجارود إن الله قد
أرسل القوم إلى هادي البشر
جاء في إنجيل عيسى ذكره
فأتى ينظر مصداق الخبر
لم يزل يسأله حتى بدا
من يقين الأمر ما كان استتر
زادهم من علمه ما زادهم
ولديه من مزيد مدخر
كشف الله له عما انطوى
في زوايا الغيب عنه فظهر
هذه الأرض وهذا نخلها
تتراءى فيه أنواع الثمر
آثروا الإسلام دينا وانقضى
ما أضل القوم من دين نكر
أمروا بالخير طرا ما لهم
منه بد ونهوا عن كل شر
لهجوا بالخمر ثم ازدجروا
وعن الخمر غنى للمزدجر
وفد عبد القيس لا تعدل بكم
ظلمة الرأي عن النهج الأغر
ليس في الخمر شفاء لامرئ
من سقام أو وقاء من ضرر
إحذروها إنها المكر الذي
مكر الشيطان في ماضي العصر
هي للأقوام شر وأذى
وهي للبغضاء نار تستعر
ليس من بر فأرضى ربه
مثل من أرضى هواه وفجر
حسبكم ما كان منها وكفى
ما رأيتم أو سمعتم من عبر
في رسول الله إذ نبأكم
ببلايا الخمر آيات كبر
انتهوا عن كل ما عنه نهى
وافعلوا من كل أمر ما أمر •••
اسألوا هذا الفتى عن شيخكم
واسألوني عن أعاجيب القدر
صورة زالت وأخرى برزت
من تصاوير المليك المقتدر
اسألوا الحاضر عمن غاب أو
فاسألوا الغائب عمن قد حضر
ذهب المجنون مهدود القوى
وأتى العاقل مشدود المرر
قدرة الله تجلت في يد
لعظيم الجاه ميمون الأثر
وفد بني حنيفة
جاءوا ومعهم مسيلمة الكذاب يسترونه بالثياب، سأل النبي
صلى الله عليه وسلم
أن يشركه في الأمر «النبوة» وكان في يده عسيب فقال: «لو سألتني هذا ما أعطيتكه»، ولما عاد إلى اليمامة ادعى أنه أشركه معه، وصار يهذي بما يضاهي القرآن الكريم، كقوله: لقد أنعم الله على الحبلى، فأخرج منها نسخة تسعى، من بين شغاف وحشا، وقوله: والطاحنات طحنا، والعاجنات عجنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، اللاقمات لقما، ووضع عنهم الصلاة، وأحل لهم الخمر والزنا، وعمل أعمالا للبركة فكانت شؤما، وكتب إلى النبي يقول له: أما بعد، فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأمر، وليس قريش قوما يعدلون، فكتب إليه
صلى الله عليه وسلم : «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين».
بني حنيفة ما أشقى مسيلمة
وما أضل الألى أمسوا له تبعا
جئتم به في ثياب ملؤها دنس
تكاد تلفظه من هول ما صنعا
ترمي به الأرض شيطانا وتقذفه
رجسا مغطى وشرا جاء مبتدعا
يا ويله إذ تريه النجم في يده
نفس مضللة هاجت له طمعا
رام النبوة شطر للذي اجتمعت
فيه وشطر له يا سوء ما اخترعا
قال النبي له لو جئت تسألني
هذا العسيب الذي عاينت لامتنعا
أنا النبي وما أمري بمشترك
فاعص الهوى وارتدع إن كنت مرتدعا
أضله غيهب للجهل مرتكم
أحاط بالقوم حينا ثمت انقشعا
خفوا إلى الحق يرتادون منبته
وليس كالحق مرتادا ومنتجعا
وجاء في فتنة عمياء زينها
له الغرور وسوء الرأي فانخدعا
إن الفساد جميعا والضلال معا
إلى اليمامة في أجلاده رجعا
تلقف الناس يغويهم ويكذبهم
فهل رأوا مثله من كاذب برعا؟
يقول إن رسول الله أشركه
في الأمر يحمل شطرا منه فاضطلعا
وراح يدعو إلى دين يزينه
أشقى الدعاة جميعا من إليه دعا
ألغى الصلاة وأعطى الناس بغيتهم
من الزنا ومن السم الذعاف معا
دين الفجور ومكروه الأمور ألا
لا بارك الله في الدين الذي شرعا
لو راح صاحبه يرمي به جبلا
يعلو الجبال من الأخلاق لانصدعا
ما الطاحنات وتاءات يرددها؟
لا كان من فاجر لا يعرف الورعا
صبرا حنيفة إن الله قاتله
ولا مرد لأمر الله إن وقعا
عدي بن حاتم
كان عدي بن حاتم شريفا في قومه، يأخذ المرباع - ربع الغنائم - على عادة سادات العرب، فلما سمع بقدوم جيش المسلمين إلى بلاده لحق بالشام ليبقى على دين النصرانية مع أهله وترك أخته سفانة - ومعناها الدرة، فلم يأخذها معه، وجيء بها إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
سبية مع السرية التي أرسلها لهدم «الفلس» - صنم طيء - والإغارة عليها، فقامت إليه تذكر أباها، وما كان له من أعمال مشكورة، وتسأله أن يمن عليها ففعل، فأسلمت وكساها ثم حملها وأعطاها مالا، فذهبت إلى أخيها وأشارت عليه بالدخول في دين الله، فجاء وأسلم.
إلى الله فارغب يا عدي بن حاتم
ودع دين من يبغي العمى غير نادم
إلى الله فارغب واتبع دينه الذي
يدين به المبعوث من آل هاشم
خرجت حذار القتل من آل طيء
وما أنت من بلوى القتيل بسالم
كفى النفس قتلا أن تضل حياتها
وتذهب حيرى في مدب الأراقم
أما ضقت ذرعا إذ علمت من العمى
مكانك أم أنت امرؤ غير عالم
عدي استمع أنباء أختك واستعن
برأي يجلي ظلمة الشك حازم
صغا قلبه فاختارها خطة هدى
تجنب من يختارها كل لائم
وسارت مطاياه تؤم محمدا
وضاء الحوايا والخطى والمناسم
فأنزله في داره وأحله
محلا تمنى مثله كل قادم
وقال له إني لأعلم بالذي
تدين به فاشهد تكن غير آثم
ألم تأخذ المرباع وهو محرم
كدأب الألى سنوه من كل ظالم؟
فقال بلى إني إلى الله تائب
وإني رأيت الحق ضربة لازم
لأنت رسول الله ما فيك مرية
لمن يمتري والحق بادي المعالم
تداركت بالإسلام نفسي فأصبحت
بعافية من دائها المتفاقم
هو العصمة الكبرى إذا لم تفز بها
نفوس البرايا خانها كل عاصم •••
تأمل عدي ما يقول محمد
ونبه من القوم العدى كل نائم
سيبسط دين الله في الأرض ظله
ويحكم من ساداتها كل حاكم
وسوف يفيض المال في كل موطن
وأرض فما من آخذ أو مزاحم
وتخرج ذات الخدر ما إن تروعها
إساءة جان أو مضرة جارم
فتقبل من بصرى إلى البيت ما لها
على الضعف وال من حماة المحارم
هو الله فاعرف يا عدي سبيله
ودع خطرات الوهم من كل واهم
عروة بن مسيك المرادي واسمه فروة في بعض الروايات
ترك ملوك كندة وراء ظهره، ووفد على النبي
صلى الله عليه وسلم ، وكان بين قومه مراد وبين همدان قبيل الإسلام وقعة أصابت فيها الثانية من الأولى ما أرادت في يوم يقال له الروم، فقال له النبي: «هل ساءك ما أصاب قومك يوم الروم؟»، قال: يا رسول الله، من ذا يصيب قومه ما أصاب قومي يوم الروم، ولا يسوءه؟ فقال له: «أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرا»، وقد استعمله على مراد وزبيد، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
ترك الملوك ملوك كندة وانتحى
من يترك التيجان واهية العرى
حييت عروة إنه لك مقدم
يمن وحسبك ما تشاهد أو ترى
عطف النبي عليك وانبسطت له
نفس تريك مكانه والمظهرا
ما كان يوم الروم من أوطاره
بل هز نفسك واعظا ومذكرا
ما أورث الإسلام قومك زادهم
خيرا وكان لهم أجل وأكبرا
الجاهلية قد عفت آثارها
فيهم وأصبح عهدها قد أدبرا
كانت لهم موتا فتلك حياتهم
في دولة الإسلام عالية الذرى
هذا رفيقك ما لقومك غيره
نعم الرفيق إذا اللبيب تخيرا
إني جعلت لخالد صدقاتهم
تجبى إلي فما أحق وأجدرا
ولقد أقمتك عاملا فكن امرءا
للخير في كل الأمور ميسرا
سيرا على بركات ربكما ولا
تنيا إذا أحد ونى أو قصرا
وفد بني زبيد
جاءوا ومعهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وقد كان قال لابن أخيه قيس المرادي: إنك سيد قومك، فانطلق بنا إلى محمد لنبلوا أمره، فإن كان نبيا كما يقول فلن يخفى عليك، فأبى عليه قيس وسفه رأيه، وجاء عمرو فأسلم، فلما علم قيس قال: خالفني وترك أمري ورأيي، وتوعد عمرا، فقال عمرو من أبيات:
فمن ذا عاذري من ذي سفاه
يريد بنفسه شد المزاد
أريد حياته ويريد قتلي
عذيرك من خليلك من مراد
وفد الفارس الذي تفرق الأب
طال منه وتفزع الفرسان
جاء عمرو وأي قرم كعمرو
حين تدعى القروم والشجعان
ما له في الرجال كفؤ إذا ما
حمي الضرب واستحر الطعان
راع صماصمه وشاع له في الأر
ض ذكر مجلجل رنان
قال يا قيس أنت سيد قوم
ليس فيهم لغيرك اليوم شان
أيما خطة أردت فلا تع
دل عنها وحيثما كنت كانوا
سر معي تنظر الذي راح ينهى
أن تقام الأصنام والأوثان
إنه إن يكن نبيا فلن يخ
فى علينا الدليل والبرهان
ومن الحق أن يكون مطاعا
فعلينا الولاء والإيمان
قال يا عمرو هل أصابك مس
فتمادى الهراء والهذيان؟
ما أنا بالذي يلين عناني
لابن أنثى إن لان منك العنان
إن تكن مذعنا لمن فتن النا
س فما بي لمثله إذعان
ذهب الفارس الزبيدي فردا
وتقضى النداء والبهتان
يطلب الساحة التي يطلب الخي
ر بأرجائها ويرجى الأمان
مهبط الوحي يرتع الروح فيها
كل حين ويسطع الفرقان
رضي البر والمروءة دينا
فصفت نفسه وطاب الجنان
زال عنه الأذى فما خطب قيس؟
إن قيسا لثائر حران
قال يا ويحه أآمره أم
ري فمنه الإباء والعصيان؟
لأذيقنه الجزاء أليما
فيرى موضعي وكيف يدان •••
هكذا تصنع الجهالة بالنا
س فتعمى العقول والأذهان
ومن الناس مبصرون يرون الح
ق ومنهم عميان
وفد كندة
كانوا ثمانين أو ستين رجلا، فيهم الأشعث بن قيس، جاءوا وعليهم جبب الحرير الحبرة من صنع اليمن ، وقد سرحوا شعورهم، فلما دخلوا على النبي
صلى الله عليه وسلم
حيوه تحية الجاهلية «أبيت اللعن»، فقال: «لست بملك، وإنما أنا محمد بن عبد الله»، قالوا: لا نخاطبك باسمك، قال: «أنا أبو القاسم»، فقالوا: يا أبا القاسم، إنا خبأنا لك شيئا فما هو؟ وكانوا خبئوا عين جرادة في ظرف سمن ليختبروه، فقال: «سبحان الله! إنما يفعل ذلك بالكاهن»، قالوا: كيف نعلم أنك رسول الله، فأخذ كفا من حصباء وقال: «هذا يشهد أني رسول الله» فسبح الحصى في يده، فأسلموا وتلا عليهم:
والصافات صفا
حتى بلغ قوله تعالى:
رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ، فسكت ودموعه تجري، فقالوا: أمن مخافة من أرسلك تبكي؟ قال: «إن خشيتي منه أبكتني، بعثني على صراط مستقيم مثل حد السيف إن زغت عنه هلكت»، ثم تلا:
ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك
الآية، ثم نهاهم عن لبس الحرير، فشقوه من أعناقهم وألقوه.
ألا إن هذا وفد كندة قد أتى
عليه من النعماء أردية الحبر
رواء من العيش الرخي وبهجة
من الكحل في الأجفان أو مرسل الشعر
دنا ثم حيا سيد الرسل بالتي
تحيا بها أهل الصوالج والسرر
يقول أبيت اللعن قول الألى خلوا
من المعشر الضلال في سالف العصر
أباها رسول الله منه تحية
رآها من اللغو المذمم والهذر
وقال دعوها عادة جاهلية
فلا أنا ذو ملك ولا بي من أشر
خذوا هذه عني فإني محمد
وإني ابن عبد الله من ذلك النفر
فقالوا له ندعوك باسمك؟ إنه
لعمرك أمر ما يلائمنا عسر
فماذا به تكنى؟ فقال لهم أنا
أبو القاسم ادعوني بها كنية تسر
دعوه فقالوا يا أبا القاسم استجب
أأنت رسول الله يهدي بك البشر؟
فإن يك حقا ما تقول فما الذي
خبأنا من الأشياء نبلو ونختبر؟
فقال رويدا إنني لست كاهنا
ومهلا فهذا شاهد صادق الخبر
ومد يمين الخير يملؤها حصى
فلم يك فيها بالعيي ولا الحصر
قضوا عجبا مما يسبح ربه
وقالوا شهدنا ما بك الآن من نكر
هداهم إلى دين الحياة وزادهم
هدى من كتاب محكم الآي والسور
تلا ما تلا فالقلب لله خاشع
من البر والإيمان والدمع منهمر
فقالوا أمن خوف الذي أنت مرسل
إلى الناس منه دمع عينيك يبتدر؟
فقال أجل إني أخاف عذابه
وأية نفس تأمن الله إن مكر
بعثت بدين إن أمل عن صراطه
فما لي من واق يقيني ولا وزر
صراط كحد السيف لا يبرح الفتى
وإن جد كل الجد منه على خطر
فلا تغترر نفسي بشاهد حالها
فلله علم الغيب والغيب منتظر
من الخير فاستكثر لنفسك واستزد
وما تستطع من صالح الأمر فادخر
لكل امرئ من شأنه ما أعده
كذلك يجزي الله من بر أو فجر
نهى القوم عن لبس الحرير نبيهم
ولا شيء إلا ما نهى عنه أو أمر
أطاعوه لا يبغون غير سبيله
إذا اتبعوه من سبيل ولا أثر
وإن الذي ينهى النفوس عن الهوى
هو الدين لا دين المخيلة والبطر
أدأب الألى في الحرب يصلون نارها
كدأب اللواتي في المقاصير والستر؟
إذا ترك القوم الجهاد رأيتهم
وإن أشبهوا الأحياء موتى من الخور
وإن لم تكن أظفارهم جنة لهم
تقلب في أحشائهم كل ذي ظفر
وفد أزد شنوءة
قدم على الرسول الكريم جمع من الأزد، وفيهم صرد بن عبد الله الأزدي، وكان أفضلهم، فجعله أميرا على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بهم من يليه من المشركين من قبائل اليمن، فخرج حتى إذا أتى مدينة جرش من مدائنهم حاصرها بمن معه من المسلمين قريبا من شهر، ثم رجعوا عنها، فظن أهلها أنهم ارتدوا منهزمين، فانطلقوا وراءهم، فأدركوهم عند جبل يقال له: شكر، فقتل المسلمون منهم خلقا كثيرا.
هنا يا سراة الأزد حطوا رحالكم
فما أطيب المثوى وما أشرف الحمى
هنا البر والتقوى هنا الخير كله
لمن كان يرجو أن يفوز ويغنما
هنا المنزل الميمون ما من موفق
يريد سواه منزلا أو مخيما
أجل يا ابن عبد الله عينيك واقتبس
من النور ما يجلو الغياهب عنهما
تبين هداك الله إنك ناظر
أجل بني الدنيا جميعا وأعظما
هداكم به رب تدارك خلقه
فجاد به نورا مبينا وأنعما
وولاك أمر القوم تمضي مجاهدا
بهم من يليهم من رجال ذوي عمى
شكت جرش طول الحصار وما اشتكت
لكم همم يرمي بها الله من رمى
رجعتم تريدون المكيدة فاعترى
أذى الوهم من عمارها من توهما
رأى شكر من خطبهم وبلائكم
مشاهد هزته فحيا وسلما
أكنتم كما ظنوا تخافون بأسهم؟
ألم يكفهم أن يضحكوا السيف والدما؟
هم البدن بدن الله ضلت فما لها
سوى النحر تلقاه قضاء محتما
كذلك قال الصادق البر إنه
ليلقي الذي يلقي من القول ملهما
أكان حديثا للرسولين ساقه
لقومهما أم كان جيشا عرمرما؟
هما نبآهم فارعووا عن ضلالهم
وقالوا رسول جاء بالدين قيما
وأصبح نور الله ملء ديارهم
يضيء لهم ما كان من قبل مظلما
رسول ملوك حمير وحامل كتابهم
جاء رسول ملوك حمير وحامل كتابهم إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
بعد غزوة تبوك، وفي الكتاب إخبار بإسلام الحارث بن عبد كلال والنعمان ومعافر وهمدان قبيلة وأنهم قتلوا المشركين، فكتب إليهم يوصيهم بالصلاة والزكاة وجمع الكلمة على الحق، وأنه قد أرسل إلى زرعة ذي يزن يوصيه خيرا برسله، معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة، وعقبة بن نمر ومالك بن مرارة وأصحابهم، وأنه قد جعل أمرهم إلى معاذ فلا يرجعن إلا راضيا.
جاء الرسول كتابه بيمينه
واليمن في فمه وفوق جبينه
وافى إمام المرسلين مبشرا
بالمؤمنين من الملوك بدينه
بعثوا إليه رسولهم وكتابهم
أن ليس متبع لهم من دونه
قالوا اعتصمنا باليقين فزادنا
دين الهدى والمرء عند يقينه
ولقد قتلنا المشركين نريده
فتحا يشج الشرك في عرنينه
أقيال حمير لان جانب عزهم
لمسلط لين الظبى من لينه
سن السبيل بسيفه ولسانه
فتهافت الأقوام في مسنونه
لا شيء كالحق المسلح للفتى
يشفيه من كلب الهوى وجنونه
الليث في محرابه وكتابه
والليث في أشباله وعرينه
رجع الرسول على هدى برسالة
فيها الهدى يمحو الظلام لحينه
فيها قوى الإسلام محكمة العرى
لمن ابتغى الخيرات في تمكينه
فيها شعائره ومظهر مجده
ونظام دولته وأس شئونه
أخذ الملوك بواضح من هديه
متبلج لم يأل في تبيينه
ورمى إليهم بالوصية سمحة
يقضي الأمين بها زمام أمينه
إن أكرموا رسلي الذين ترونهم
يرجون فضل الله عند ديونه
أوصيت زرعة أن يكون لهم يدا
كيد القرين يشد أزر قرينه
ولقد جعلت إلى معاذ أمرهم
فجعلته لزعيمه وضمينه •••
لا يرجعن إلي إلا راضيا
والله عون نصيره ومعينه •••
يا حارث اشكر فضل ربك إنه
أعطاك حظا زاد في تحسينه
أولست أول مسلم من حمير
ورد الهدى ومضى بصفو معينه؟
وأقام للشرك المذمم مأتما
يستعذب الإسلام رجع أنينه؟
أبشر بخير غير مقطوع الجنى
من ربك الأعلى ولا ممنونه
رسول فروة بن عمرو الجذامي
وفد رسول فروة على النبي
صلى الله عليه وسلم
يخبره بإسلامه، وحمل إليه هديته، وهي بغلة بيضاء يقال لها فضة، وحمار يقال له يعفور، وفرس يقال لها الظرب، وثياب معها قباء مرصع بالذهب، وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب، فلما أسلم أخذوه وحبسوه، ثم ضربوا عنقه وصلبوه بعد أن قال له الملك: ارجع عن دين محمد، ونحن نعيدك إلى ملكك، قال: لا أفارق دينه فإنك تعلم أن عيسى (عليه السلام) بشر به، ولكنك تضن بملكك.
هذا السبيل فأين يذهب من أبى؟
أوليس نور الله قد كشف الدجى؟
ليس الذي ركب الغواية فالتوى
كمن استقام ولا الضلالة كالهدى
أحسنت فروة إن دين محمد
لهو الذي يشفي القلوب من العمى
هذا رسولك جاءه بهدية
فيها لنفسك كل ما تهب المنى
أنت السعيد بها ولو أتبعتها
كل الذي لك لم تزد إلا غنى
ماذا يغيظ الروم من مستبصر
صرف العنان عن الغواية وارعوى؟
سجنوه حين رأوه يطلق نفسه
في المعشر الطلقاء من سجن الهوى
وتكنفوه ليفتنوه فزاد في
إيمانه ما جرعوه من الأذى
لو يعقل الملك الغبي لما رأى
رأي الألى ضلوا السبيل ولا غوى
قال اعتزل دين الذين هم العدى
إن كنت تؤثر أن ترد على رضى
لك عند قومك ما تحب وتشتهي
في ذلك الحرم الممنع والحمى
المجد والشرف الرفيع وما ترى
من نعمة خضراء دانية الجنى
قال اقتصد ما أنت أنت ولا أنا
أنا قد مضى من أمرنا ما قد مضى
إني اصطفيت محمدا وهو الذي
أوصى به عيسى فنعم المصطفى
وأراك تعلم غير أنك مولع
بالملك تكره أن يكون له مدى
قال اقتلوه فراح يلقى ربه
فرحا بما حفظ الأمانة واتقى
صلبوه من حنق عليه فويحهم
أفلم يكن في قتل فروة ما كفى
نعم الشهيد وبئس ما صنعوا به
وسيعلمون لمن يكون المنتهى
تلك العقيدة حكمها وسبيلها
إما سبيل المؤمنين أو الردى
وفد بني الحارث بن كعب
بعث النبي
صلى الله عليه وسلم
خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم، فخرج حتى قدم عليهم، وبعث الركبان يضربون في كل وجه، ويقولون: أيها الناس أسلموا تسلموا، فأسلموا، وقام فيهم يعلمهم شرائع الإسلام، وكتب بذلك إلى النبي، فكتب إليه أن يوافيه ومعه وفدهم، فجاءوا وفيهم قيس بن الحصين... ذو الغصة، وحين اجتمعوا به قال: «بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟»، قالوا: كنا نجتمع ولا نتفرق، ولا نبدأ أحدا بظلم، قال: «صدقتم»، وأقر عليهم زيد بن الحصين، ومات
صلى الله عليه وسلم
بعد رجوعهم إلى قومهم بأربعة أشهر.
يا بني الحارث بن كعب سلام
أذهب الرجس عنكم الإسلام
جاءكم خالد بدعوة حق
فاستجبتم ما عابكم إحجام
عظمت نعمة النبي عليكم
فاعرفوا دينه كيف يقام
كل ما تكره النفوس من البغ
ي وسوء الصنيع فيه حرام
لا يحل القتال إلا بحق
وهو حق مؤكد وذمام
أنتم القوم ما عليكم ملام
قضي الأمر واستراح الحسام
وعجيب إذا بدا الحق طلقا
أن تضل العقول والأحلام
يا بني الحارث بن كعب نزلتم
في حمى الله منزلا لا يرام
ها هنا ها هنا يطيب المقام
هذه يثرب وهذا الإمام
أرأيتم عز النبوة فيما
عرف الناس أو رأى الأقوام
لا النبيون أول الدهر نالوا
بعض هذا ولا الملوك العظام
قال وهو العليم إذ كلم القو
م ومن مثله يطيب الكلام
بم كنتم في الجاهلية تستعلون
بالنصر حين يحمي الضرام
فأجابوه ذلكم أننا كنا
جميعا تضمنا الأرحام
صادقي البأس للقلوب اتحاد
حين تمضي وللصفوف التئام
صخرة ما تطير أو تتفرى
إن تفرى الحصى وطار الرغام
ثم كنا لا مبدأ الناس بالظل
م نعاف الذي الذي يعاف الكرام
نكره الشر قادرين ونأبا
ه وللشر في النفوس اضطرام
قال حقا صدقتم وما كا
ن ليرجى للظالمين دوام
إن زيدا أميركم فاعرفوه
واستقيموا لكل أمر نظام
سنة الله ليس للقوم بد
من رئيس يلقى إليه الزمام
عد بخير يا ابن الحصين ونعمى
إنك اليوم للرئيس الهمام
رفاعة بن زيد الخزاعي
وفد على الرسول
صلى الله عليه وسلم
وأهدى إليه غلاما كان معه، وأسلم وحسن إسلامه، فأرسل معه كتابا إلى قومه بأنه موكل بدعوتهم إلى الإسلام لمن يجيب الدعوة مهلة شهرين فأسلموا.
أقبل رفاعة لا معرج لامرئ
يبغي الذي تبغي ولا متلوم
جئت الرسول المجتبى من ربه
وقدمت تتبعه فنعم المقدم
أكرمت نفسك فانطلقت تريده
دينا هو الشرف الأجل الأعظم
يبني الحياة على أساس ثابت
من قوة الله التي لا تهدم
إن شئت أن ترقى بنفسك صاعدا
فعليك بالإيمان فهو السلم
وهو الجناح فإن ظفرت به فطر
واطو الجواء فأنت أنت القشعم
لا تنهض الهمم الكبار بغيره
سببا ولا تسمو النفوس الحوم
سعد الغلام كما سعدت وربما
خدم السعيد فكان ممن يخدم
عزت بسيده العوالم أرضها
وسماؤها وهو الأعز الأكرم
أمضى إليه بأمر قومك فاضطلع
واعزم رفاعة إن مثلك يعزم
وخذ الكتاب مباركا ما مثله
كتبت يد فيما يخط ويرقم
اقرأه متئدا عليهم وادعهم
أن يتبعوك إلى التي هي أقوم
ولمن عصاك مدى فإن بلغوا المدى
فالله يقضي ما يشاء ويحكم
أوما كفى شهر يجر وراءه
شهرا لمن يبغي المحجة منهم؟ •••
لله قومك يا ابن زيد إنهم
سمعوا الكتاب فشايعوك وأسلموا
نور على نور ونعمى زادها
من فضله الأوفى الكريم المنعم
علمت خزاعة بعد جهل فاهتدت
وإلى الحقائق يهتدي من يعلم
إن تذكروا فضل الرجال وأيهم
أربى فأنت السابق المتقدم
وفد همدان
وفد منهم على النبي
صلى الله عليه وسلم
جمع فيهم مالك بن نمط، وكان شاعرا مجيدا، فلقوه عند مرجعه من تبوك عليهم مقطعات من الحبرات؛ ثياب قصار من برود اليمن، وعمائم عدنية، على الرواحل المهرية والأرحبية، وجعل مالك يرتجز بين يديه.
إليك جاوزنا سواد الريف
في هبوات الصيف والخريف
مخطمات بحبال الليف
وقد أمره الرسول الكريم على من أسلم من قومه، وفي رواية مرجحة أنه أرسل إليهم خالد بن الوليد يدعوهم إلى الإسلام، فأقام ستة أشهر وهم لا يجيبون، فبعث إليهم عليا (كرم الله وجهه)، وأمر خالدا بالرجوع إليه، فصف علي أصحابه وقرأ عليهم كتاب النبي فأسلموا جميعا، وكتب بذلك إليه، فخر ساجدا ثم رفع رأسه وقال: «السلام على همدان» مرتين.
هو وفدهم وهم الفريق الطيب
ما فاتهم من كل خير مطلب
طابت منابتهم فطاب صنيعهم
إن الرجال إلى المنابت تنسب
إلا يطيعوا خالدا إذ جاءهم
فلكل أمر موعد يترقب
سدوا السبيل عليه ستة أشهر
وأتى علي بالكتاب فرحبوا
همدان أهل للجميل وعندهم
غوث الصريخ ونجدة ما تكذب
نصر الحماة الصادقين وصبرهم
والحرب حرى والفوارس هيب
شهد النبي لهم فتلك صفاتهم
تملي محاسنها علي وأكتب
يرضون ملته فيسجد شاكرا
لله جل جلاله يتقرب
ويذيقهم برد السلام مرددا
عذبا كماء المزن أو هو أعذب
أوتاد هذي الأرض أو أبدالها
منهم فمشرقها لهم والمغرب
يمضي الزمان وهم ولاة أمورها
في دولة أبدية ما تذهب
تلك الولاية لا ولاية معشر
يبقون ما غفل الزمان القلب
جاءوا عليهم رونق ونضارة
يصف النعيم لباسهم والمركب
صنع البرود لهم فأحسن صنعها
وأجادها صنع اليدين مدرب
تهفو يمانية على أجسادهم
فتكاد حسنا بالنواظر تنهب
من كل وضاح الجبين معمم
وكأنه مما يهاب معصب
زانوا الرحال بما أفاءت مهرة
من نسلها الغالي وأنجب أرحب
جاءوا بشاعرهم فمن أنفاسه
أرج كنفح الطيب أو هو أطيب
حيا رسول الله يظهر حبه
إن الكريم إلى الكريم محبب
حيا الشمائل كالخمائل فالربى
تبدي البشاشة والخمائل تطرب
حياه مرتجزا وإن لمالك
لأعز ما ملك البيان المعجب
قل يا أخا همدان واشهد أنه
للحق ما لك دونه متنكب
هو ذلكم ما من رسول غيره
فيميل عنه أخو الرشاد ويرغب
ما فيه من شك وليس كمثله
للعالمين معلم ومهذب
أنت الأمير على الألى اتبعوا الهدى
والحق من همدان أو أنت الأب
خذهم بآداب الكتاب وكن لهم
مثلا من الشيم الرضية يضرب
واعمل لربك جاهدا لا تأله
دأبا فليس يفوز من لا يدأب
وفد تجيب
تجيب - ويجوز فتح تائها - قبيلة من كندة، جاء وفدها إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
وكانوا ثلاثة عشر رجلا يسوقون صدقات أموالهم، فسر بهم وأكرم مثواهم، وقالوا: إنا جئنا بحق الله في أموالنا، فقال: «ردوها فاقسموها على فقرائكم»، قالوا: ما جئنا إلا بما فضل عنهم، فقال أبو بكر: ما قدم علينا مثلهم، قال الرسول الكريم: «إن الهدى بيد الله (عز وجل)، فمن أراد به خيرا شرح صدره للإيمان»، وسألوه عن القرآن والسنن فزاد سرورا بهم، واستأذنوه في الرجوع، ودعوه، فأرسل إليهم بلالا بأسنى الجوائز، وقال: «هل بقي منكم أحد؟»، قالوا: غلام خلفناه على رحالنا، قال: «أرسلوه»، فأقبل يقول: قد قضيت للناس حوائجهم، فاقض لي حاجتي، وهي أن تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني، ويجعل غناي في قلبي، ففعل وأمر له بجائزة.
تجيب بعثت الوفد أما سبيله
فسمح وأما منتواه فصالح
أتى في ذمام الله يؤتيه حقه
من المال يهديه سنا منه واضح
فأكرم مثواهم وأعلى مكانهم
رسول لمن يبغي المحجة ناصح
وقال لهم ما بي إلى المال حاجة
وحسبي من الخيرات ما الله مانح
خذوه فردوه على فقرائكم
فينعم مكروب وينهض رازح
فقالوا كفيناهم فما منهم امرؤ
له حاجة تطوى عليه الجوانح
وقال أبو بكر هم القوم ما رأت
كمقدمهم منا العيون اللوامح
وسر رسول الله حسن صنيعهم
فما مثله إذ يمدح القوم مادح
فلما استزادوه من الحق زادهم
ولن تسأم الحق العقول الرواجح
رأوا موردا عذبا فألقوا بأنفس
ظماء بها من وقدة اللوح لافح
فما مثلهم فيمن هدى الله وارد
ولا مثله فيمن شفى الداء ناصح
هم استأذنوه في الإياب وودعوا
تشيعهم منه العطايا الدوالح
بلال انطلق خلف الرجال فأعطهم
جوائزهم إن التقي لرابح
وسلهم أفيهم من تأخر رفده؟
فيعطى ويلقى قومه وهو فارح
فقالوا غلام في الرحال مخلف
على وجهه وسم من الخير لائح
وجاء يقول القول برا وحكمة
فواعجبي أين النهى والقرائح؟
قضيت رسول الله حاجة قومنا
ولي حاجة بالباب والله فاتح
سل الله أن يرضى فيغفر حوبتي
ويرحمني إني إلى ذاك طامح
بهذين فادع الله لي ثم بالغنى
غنى القلب إن المعدم القلب طائح
دعا بالذي ود الفتى وأجازه
فلم يبق من حاجاته ما يطارح
صفا قلبه من كل شيء يشوبه
وطابت بتقوى الله منه الجوارح
وإن له بعد النبي لمشهدا
يهون به عاد من الخطب فادح
سيكفي أبا بكر تقلب قومه
إذا جهل الأقوام والجهل فاضح
هم النفر الأخيار ما في رحالهم
شقي ولا ناء عن الرشد جامح
أقاموا كراما ثم عادوا أعزة
لهم شرف عال مقيم وبارح
فما فاتهم خير ولا نال سعيهم
من الناس غاد في البلاد ورائح
ألا إنه الإسلام لا مجد مثله
وإن صاح بالبهتان والإفك صائح
أغني به فليطرب الدهر ولتدع
تطاريبها هذي الطيور الصوادح
وإني لأقضي للعروبة حقها
وإن لج مفتون وأرجف كاشح
وماذا على الأعداء إن قام ماجد
يناضل عن أحسابها وينافح؟
نصبت لها نفسي فما لان جانبي
وجلت فما ضاقت علي المنادح
لك الحمد ربي إنها لك نعمة
وإني لما يرضيك مني لكادح
فيا رب هل للشعر بعدي خليفة
يقوم به إن غيبتني الصفائح؟
أرى الجد أودى إذ أبى الجد أهله
فلم يبق إلى ما تعود مازح
ألحوا على الأخلاق فانقض ركنها
وحاقت بأبناء البلاد الجوائح
بقية الوفود
توالت وفود الله تختار دينه
وترضاه ربا ما لها غيره رب
دعاها فلبت تبتغي الحق مذهبا
وجاءت يظل الركب يتبعه الركب
هداها إلى الإسلام رأي مسدد
فلا شغب يؤذي النفوس ولا حرب
إذا المرء لم يزجر عن الغي نفسه
فلا الطعن يهديه السبيل ولا الضرب
وشر سجايا المرء أن تؤثر العمى
وتكره أن يستل أدواءها الطب
ترامت بهم آمالهم ومطيهم
إلى واسع الأكناف منزله رحب
جليل الأيادي ما يعب نزيله
قرى فاضل من جوده وندى سكب
إذا جاءهم المكروه والهم جاثم
كفى ما به حتى كأن لم يكن كرب
وإن راح يستسقي به الغيث مسنت
تقشع عنه الجدب واطرد الخصب
لكم جاحد لما رأى نور وجهه
تجلى العمى عن عينه وصحا القلب
به عرف القوم السبيل إلى الهدى
فلا مسلك وعر ولا مركب صعب
وفي ظله الممدود حطوا ذنوبهم
فعادوا ولا وزر عليهم ولا ذنب
طهارى عليهم من سنا الحق بهجة
لها وهج باق على الدهر لا يخبو
بني الدهر ناموا آخر الدهر أو هبوا
تكشفت الظلماء وانجابت الحجب
أبى الله إلا أن يؤيد دينه
فليس لمن يأباه عقل ولا لب
إذا أخذ السيل الأتي سبيله
فلا الشرق مسدود الفجاج ولا الغرب
وما الدين إلا ما محا الشر والأذى
فلا أمة تشكو الشقاء ولا شعب
وما يستوي البحران هذا مذاقه
أجاج وهذا طعمه سائغ عذب
قضاها لنا رب السماء شريعة
مطهرة لا الظلم منها ولا الغصب
لنا ديننا نسمو به وكتابنا
إلى حيث لا الأديان تسمو ولا الكتب
رعى الله قوما ما رعوا غير حقه
ولا راعهم فيه ملام ولا عتب
يحبونه حبا تلين قلوبهم
به وهو فيها مثل إيمانها صلب
فمن يك عن حال المحبين سائلا
فتلك سجاياهم وهذا هو الحب
تعلم سجايا القوم واسلك سبيلهم
أولئك حزب الله ما مثله حزب
كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك
أرسل النبي
صلى الله عليه وسلم
ثمانية كتب إلى تسعة من الملوك يدعوهم إلى الإسلام، فمنهم من أسلم ومنهم من أخذته العزة بالإثم، وهم هرقل ملك الروم على يد دحية الكلبي، وكسرى ملك فارس على يد عبد الله بن حذافة، والنجاشي على يد عمرو بن أمية الضمري، والمقوقس ملك القبط بمصر على يد حاطب بن أبي بلتعة، والمنذر بن مساور العبدي بالبحرين على يد العلاء بن الحضرمي، وجيفر وعبد ابنا الجلندي ملكا عمان على يد عمرو بن العاص، وهوذة بن علي صاحب اليمامة على يد سليط بن عمرو العامري، والحارث بن أبي شمر الغساني بدمشق على يد شجاع بن وهب.
الكتب تترى والكتائب تدلف
والبأس منها يثور ويعصف
الله وكل بالملوك رسوله
فإذا العروش بهم تميد وترجف
أهي القلوب تلج في خفقاتها
أم تلك أجنحة تظل ترفرف؟
رسل النبي بكل أرض جول
ترمي بهم همم نواهض قذف
حملوا القلوب الصم يعصمهم بها
دين لهم صلب ورأي محصف
ترمي الجلامد والحديد بقوة
تمضي فتصدع ما تشاء وتقصف
يخشى العتي المستبد نكالها
ويهابها المستكبر المتغطرف
سر في ذمام الله دحية إنها
لك حاجة ما دونها متخلف
أيقظ هرقل فقد تطاول نومه
وأبت عمايته فما تتكشف
أيقظه إن الله ليس كدينه
دين وليس له شريك يعرف
أخذ الكتاب وراح يسأل كلما
وضح اليقين له يلح ويلحف
ماذا أراد الله ما شأن الذي
بعث الكتاب بأي شيء يوصف؟
قل يا أبا سفيان لا تطع الهوى
ودع الملام لمن يجور ويجنف
أبدى هرقل لقومه أن قد صغا
منه إلى الإسلام قلب منصف
غضبوا فقال رويدكم ما بي سوى
أن أستبين وأين منا المصرف؟
بعث الكتاب فقال إني مسلم
لكنهم قومي الألى أتخوف
واختارها مما يحب هدية
ألقى بها من مكره يتزلف
قال النبي رسالة من كاشح
يبدي الرضى ومنافق يتكلف
وهدية ساءت وساء حديثها
فالزور من أسمائها والزخرف •••
كسرى لك الويلات ماذا تبتغي؟
ماذا تظن؟ بمن تغاث وتسعف؟
مزقت من كتب النبي تميمة
فيها منابع رحمة لا تنزف
وذخيرة يجد الذخائر كلها
بيديه حين يصيبها المتلقف
أطلبت من باذان رأس محمد؟
إن لم يتب؟ بل أنت غاو مسرف
سترى اليقين على يد ابنك فانتبه
لك موعد عما قليل يأزف
صدق النبي وذاق كسرى حتفه
من شيرويه فما له من يعطف
ورأى الهدى باذان بعد ضلاله
فمضى على البيضاء لا يتعسف
نبذ الهوى فصحا وأصبح مسلما
ودعا الألى معه فلم يتخلفوا
لا خاب جد القوم إن إلههم
جمع القلوب على الهدى فتألفوا
وأتى النجاشي الكتاب فلم يكن
ممن يصد عن الصواب ويصدف
شرف أتيح له وعز زانه
إن التقي هو الأعز الأشرف
وأبى المقوقس أن يفارق دينه
يخشى الذي يخشى الغبي المترف
بعث الهدايا يتقي بحسانها
ما يتقي ذو البغضة المتلطف
ضن الخبيث بملكه وغدا يرى
يد عزه في ملكه تتصرف
هذا الذي قال النبي وهكذا
صنع الذي يبني العروش وينسف
والمنذر اتخذ السبيل مسددا
قبل الكتاب يخف فيه ويوجف
سأل النبي فقال ما أنا فاعل
بالقوم إذ ضلوا السبيل وزيفوا؟
فقضى إليه الأمر يأخذهم به
ويقيمه بالحق لا يتحرف
للمسلمين أمورهم وله على
من ضل جزية عادل لا يجحف
وطحا بجيفر جهله وعناده
فأبى على عمرو وأعرض يأنف
ورآه يهدر بالوعيد فراعه
وأتى غد فانقاد لا يتوقف
وانساق يتبعه أخوه وإنه
لمهذب سمح الخلال مثقف
وأتى اليمامة بالكتاب رسولها
فكذاك يهذي الطامح المتعجرف
طغيان شاعرها وجهل خطيبها
وغرور صاحبها المبيد المتلف
طلب المحال من النبي ولم يزل
ذو الجهل يولع بالمحال ويشغف
يهذي ببعض الأمر يقطعه له
والأمر ما قطع الحسام المرهف
والحارث المأفون طاح بلبه
خبل يصاب به العقول فتضعف
ألقى الكتاب وقال ملكي ليس لي
كفؤ فينزع من يدي ويخطف
انظر شجاع الخيل والجند الألى
تلقى العدو بهم تكر وتزحف
واذكر لصاحبك الحديث فربما
كف المناجز وارعوى المستهدف
ثم استعد وجاء قيصر وافد
بصحيفة منه تصر وتصرف
حمقاء يطغى الغيظ بين سطورها
وتشب بالشنئان منها الأحرف
ركب الغرور وقال إني قاذف
بالجيش يثرب فهي قاع صفصف
قال ازدجر ما أنت من أكفائها
واسكن فإنك للغوي المرجف
فأفاق واتخذ الخداع سجية
لا يستحي منها ولا يتعفف
بعث السلام مع ابن وهب وادعى
دعوى الذي يرخي القناع ويغدف
قال ادخرني يا شجاع فإن لي
قلبا إلى دين الهدى يتشوف
إني لمتبع سبيل محمد
وإليك ردفك بالكرامة يردف
سمع النبي حديثه فتكشفت
نفس مقنعة وقلب أغلف
ملك يبيد ومالك يرجى إلى
أجل يحين وموعد ما يخلف
يأبى الغوي الرشد يرفع شأنه
فإذا هوى ألفيته يتأسف
للحق مئذنة وداع مسمع
في كل شيء بالخلائق يهتف
عجب الملوك لكابرين سمت بهم
همم تميل عن العروش وتعزف
المتقون هم الملوك وإن أبوا
رغد الحياة ولينها فتقشفوا
عكفوا على آي الكتاب فأفلحوا
والجاهلون على المآثم عكف
السرايا
سرايا زيد بن حارثة
السرية الأولى
كانت عقب وقعة بدر على عير لقريش فيها أبو سفيان وصفوان بن أمية وعبد الله بن أبي ربيعة وحويطب بن عبد العزى، وكانت العير ذاهبة إلى الشام عن طريق غير التي تسلكها من قبل، فخرج إليها زيد بن حارثة في مئة راكب، فأصابها وهرب القوم، وبلغ الخمس ما قيمته عشرون ألف درهم، وكان دليلهم رجلا من أسارى بدر ثم هرب، جيء به إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
فعرض عليه الإسلام فأسلم.
نهض الغزاة فأين تمضي العير؟
أعلى الغمام إلى الشآم تسير؟
زيد بن حارثة يطير وراءها
ما ظنها بالنسر حين يطير؟
مهلا أبا سفيان إن طلابكم
عسر وإن مصابكم لكبير
صفوان يرعد خيفة وحويطب
مما عراه مروع مذعور
زولوا بأنفسكم فتلك حتوفها
غضبى إليها بالسيوف تشير
هي غارة البطل المظفر ما لكم
منه إذا خاض الغمار مجير
ظنوا الظنون به فلما استيقنوا
زالوا عن الأموال وهي كثير
أمست تساق إلى النبي غنيمة
لله فيها فضله المشكور
هذا دليل العير غودر وحده
خلف الألى خذلوه فهو أسير
الله أطلقه على يد منقذ
هو للأسارى المرهقين بشير
عقدت من الإسلام فوق جبينه
تاجا عليه من الجلالة نور
من علم القوم العكوف على الهوى
أن الحياة جهالة وغرور
تلك المغانم ما لها كمحمد
في الناس من أحد إليه تصير
هي قوة للمسلمين ومظهر
للقائمين على الجهاد خطير
بوركت يا زيد بن حارثة فما
لك في الموالي الصالحين نظير
إيه أمير الجند ليس كمثله
جند ولا مثل الأمير أمير
السرية الثانية
كانت إلى بني سليم بالجموم - اسم لناحية من بطن من نخل - سار في جنده إلى ذلك المحل، فأصابوا فيه امرأة من مزينة دلتهم على محلة من محال القوم، فأصابوا فيها إبلا وشاء، وأسروا منها جماعة منهم زوج المرأة، ثم عادوا إلى المدينة، فوهب النبي
صلى الله عليه وسلم
لها نفسها وزوجها.
بني سليم أعدوا الخيل واحترسوا
إن كان ينفعكم كر وإقدام
زيد بن حارثة زيد بن حارثة
خطب جليل وجرح ليس يلتام
هل عندكم إن تغشتكم سريته
للسيف سيف وللضرغام ضرغام؟
مشى إليكم فهل قرت منازلكم؟
واستمسكت منكم الأعناق والهام
لولا التي انطلقت تهديه ما عرفت
منكم ومنهن آيات وأعلام
فما الجموم وما ضمت منازله
إلا ظنون خفيات وأوهام
أين الأناسي جل الله هل مسخوا
لما رأوك فهم يا زيد أنعام؟
ما ثم إلا الألى أدركتهم قنصا
لم يغنه إذ هوى خوف وإحجام
عد بالأسارى وبالغنم التي قسمت
لك القواضب إن الغنم أقسام
يا زيد ما حق من دلتك إذ صدقت
أسر تضيق به ذرعا وإرغام
من النبي عليها ثم أكرمها
في مشهد كله من وإكرام
نالت بنعمته من بعلها هبة
زالت لها كرب شتى وآلام •••
بني سليم أفي دين الفسوق لكم
إلا ذنوب تغشاكم وآثام؟
ما أخيب النفس في الدنيا وأخسرها
إن أخطأ النفس إيمان وإسلام
يا للبلاء أيعصى الله ليس له
كفو وتعبد أوثان وأصنام؟
السرية الثالثة
كانت إلى العيص، وهو محل بينه وبين المدينة أربع ليال، أقبلت عير لقريش من الشام فيها أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي
صلى الله عليه وسلم ، فخرج إليها زيد في سبعين ومئة راكب، فقدموا به وبالعير إلى المدينة، واستجار بزينب فأجارته، وسألت النبي أن يرد عليه ماله، ففعل، وعرض عليه بعضهم الإسلام ليغنم أموال أهل مكة فأبى، وذهب إليهم، فأعطى كل ذي حق حقه، ثم أعلن إسلامه هناك ، وقدم على النبي فرد عليه زينب.
يا أبا العاص أي أرض تريد؟
إن ما تبتغي لصعب شديد
سدت السبل يا أبا العاص فانظر
أين تمضي إذن وأين تحيد؟
أرأيت الحديد يزجيه زيد
مستطير السنا عليه الحديد؟
إيه يا ابن الربيع تلك جنود
تتهاوى عن جانبيها الجنود
ليس للعير غيرها فدع العير
وعد سالما وأنت حميد
بعدت مكة فلا تردنها
وإلى يثرب فثم الورود
جاء صهر النبي في ناب مولا
ه ولليث حكمه إذ يصيد
رام من زينب الجوار فقالت
إن في ذا الحمى يجار الطريد
ومشت تخبر الرسول وترجو
عنده الخير والفؤاد كميد
قال إني أجرته فله ما
شئت عندي وماله مردود
أكرميه فما عليك جناح
وامنحيه الجميل وهو بعيد
إنه مشرك فأنت حرام
شرعة الله فليكن ما يريد •••
قال قوم أسلم يا أبا العاص تغنم
مال قوم هم العدو اللدود
قال كلا فلست أبدأ ديني
بالتي يأنف الشريف الرشيد
وتولى فجاء مكة ما يج
حد فيها مقامه المشهود
قال يا قوم ليس بي من جحود
إنه مالكم إليكم يعود
فخذوه فقد وفيت ورب البي
ت سبحانه علي شهيد
أشهد الآن موقنا مطمئنا
أنه الله ربنا المعبود
بعث الصادق الأمين رسولا
يهدم الشرك دينه فيبيد
بكتاب فيه الشرائع تهدي الن
اس أعلامها وفيها الحدود
ما حياة الشعوب في الرشك فوضى؟
الحياة الإيمان والتوحيد •••
يا أبا العاص عدت برا تقيا
فهنيئا لك المعاد السعيد
اعتزل ما مضى لنفسك في دن
يا الخطايا فأنت خلق جديد
أنت صهر النبي لا الود ممنو
ع ولا الباب موصد مسدود
زال ما كان من حجاب فلا الإس
لام ينهى ولا الكتاب يذود
ليس من حاجة لم تتح لك بع
د ولا ثم مطلب منشود
ساعفتك المنى وطاب لك العي
ش ألا هكذا تواتى الجدود
السرية الرابعة
كانت إلى بني ثعلبة بالطرف - مكان - بعثه النبي
صلى الله عليه وسلم
في خمسة عشر رجلا فلم يجد أحدا، لأنهم ظنوا أن الغازي لهم هو الرسول الكريم، فهربوا، وأصابت هذه السرية نعما وشاء عادت بها إلى المدينة، وقد خرج القوم في طلب زيد بن حارثة فلم يدركوه.
بني ثعلبة هبوا
فإن الليث قد عزما
رماكم بابن حارثة
رسول الله حين رمى
زعمتم أنه هو زع
م من يهذي وما علما
فطارت قبل مقدمه
نفوس أشعرت لمما
ونعم أخو الوغى زيد
إذا ما جد فاقتحما
يخوض النقع مرتكما
ويحمي السيف والعلما
تولى جمعهم فرقا
ولو لاقاه ما سلما
لبئس الجمع ما صدقت
قواه وبئس ما زعما
تلمسه ابن حارثة
فلا صددا ولا أمما
تسرب في مخابئه
فكان وجوده عدما
هلم هلم يا زيد
هلم الشاء والنعما
رويد القوم هل طلبوا
سوى ما يعجز الهمما؟
مضوا في إثره ومضى
يجر حسامه قدما
فما بلغوه إذ جهدوا
ولا رزأوه ما غنما
رويدا عابدي الأصنا
م إن الله قد حكما
رضيتم ظلم أنفسكم
فأرداكم وما ظلما
السرية الخامسة
كانت إلى جذام بمحل يقال له «حسمى» وراء وادي القرى، سببها أن دحية الكلبي (رضي الله عنه) أقبل من عند قيصر ملك الروم ومعه من عنده مال وكساء، فلما كان بهذا المحل لقيه الهنيد وابنه في ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق وسلبوه ما معه، فسمع بذلك نفر من مسلميهم من بني الضبيب، فنفروا إليهم واستنقذوا منهم ما أخذوه من دحية، فأخبر النبي
صلى الله عليه وسلم
فبعث زيدا في خمس مئة رجل، ورد دحية معهم، فأقبل حتى هجم على الهنيد وابنه ورجاله فقتلوهم جميعا، وأخذوا من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف، ومئة امرأة وصبي، وجاء بنو الضبيب فقال رجل منهم لزيد: إنا مسلمون، فقال له: اقرأ أم الكتاب إن كنت صادقا فقرأها، وذهب منهم جماعة إلى النبي يقولون مثل ذلك، فأرسل عليا بن أبي طالب بسيفه إلى زيد ليطلق سباياهم، ويرد عليهم الإبل والشاء ففعل.
أما ومضارب البيض الرقاق
تضيء النقع للجرد العتاق
لقد غر الهنيد بني جذام
فما للقوم مما جر واق
دعا سفهاءهم فمشوا إليه
وما التفت لهم ساق بساق
لصوص ما يبالون الدنايا
إذا عقدوا العزائم لانطلاق
أحاط بدحية منهم أناس
تعدهم الذئاب من الرفاق
مضوا بحباء قيصر وهو جم
فما منه لدى الكلبي باق
أتى مستصرخا فأصاب مولى
يغيث صريخه مما يلاقي
وما لمحمد كفؤ إذا ما
سقى الأبطال كأس الموت ساق
دعا زيدا فأقبل في جنود
تبيت إلى الملاحم في اشتياق
إلى حسمى فما للداء حسم
إذا لم ترقه بدم مراق
إليه يا ابن حارثة إليه
فثم البغي ممتد الرواق
لدحية حقه والسيف ماض
وما لبني جذام من إباق
عبيد الشرك أوثقهم فقروا
بدار الهون يا لك من وثاق
ألا إن الهنيد أديل منه
فهل وجد الردى عذب المذاق؟
وهل نظر ابنه لما تردى
وعاين روعة الموت الذعاق
توالى القوم في الهيجاء صرعى
كأن صراعهم خيل السباق
فأهلا بالشوي تساق نهبا
وأهلا بالجمال وبالنياق
ويا ويح الحلائل والذراري
تعاني البرح من ألم الفراق •••
أتى النفر الأماجد من ضبيب
وقد شد البلاء عرى الخناق
فقال إمامهم إنا جميعا
من الدين القويم على وفاق
هو الإسلام يجمعنا فلسنا
بحمد الله من أهل الشقاق
ألا اكشف ما بنا يا زيد عنا
فليس بمستطاع أو مطاق
وجاء الكتاب ببينات
فما يرمى بكفر أو نفاق
وسار إلى رسول الله منهم
بغاة الخير والكرم الدفاق
فقال إلى السرية يا ابن عمي
فإن تلحق فنعم أخو اللحاق
وذا سيفي فخذه دليل صدق
فيا لك من دليل ذي ائتلاق
مضى أمر النبي فيا لخطب
تكشف ليله بعد اطراق
أينصر كل لص من جذام
ويقهر رافع السبع الطباق؟
تعالى الله لا يرقى إليه
من العالين فوق الأرض راق
السرية السادسة
كانت إلى مدين قرية سيدنا شعيب (صلاة الله وسلامه عليه)، وهي تجاه تبوك، وقد أصابت هذه السرية سبيا عادت به إلى المدينة، وفرق المسلمون في بيعه بين الأمهات والأولاد، وسمعهم النبي يبكون فأمر ألا يفرقوا بينهم.
يمينا ما لمدين من قرار
فبعدا للقطين وللديار
شعيب كيف أنت وأين قوم
عصوك؟ وما الذي فعل الذراري؟
هم اتخذوا الهوى ربا وساروا
من العهد القديم على غرار
أتى الإسلام فاجتنبوه حرصا
على دين المهانة والصغار
وصدوا عن سبيل الله بغيا
وكان البغي مجلبة الدمار
سما زيد إليهم بالمنايا
تريك مصارع الأسد الضواري
تأمل يا شعيب أما تراه
شديد البأس ملتهب المغار؟
توقى القوم صولته فضنوا
بأنفسهم وجادوا بالفرار
لبئس الجود تلبسه سوادا
وجوه القوم من خزي وعار
تلفتت النساء ولا رجال
سوى السرج الزواهر كالدراري
وضجت تستغيث ولا غياث
سوى العبرات والمهج الحرار •••
تولى الجند بالسبي المخلى
وبالنصر المحجل والفخار
فيا لبضاعة للكفر تزجى
ويا للشوق يجمع كل شار
ويا لك من بكاء كان حقا
لدين الله داعية افترار
أتمسي الأم تعزل عن بنيها
لمولى غير مولاهم وجار؟
أبى البر الرحيم فقال رفقا
وتلك إهابة الهمم الكبار
فأمسك كل دمع مستهل
وسكن كل قلب مستطار
تتابعت المواهب والعطايا
على قدر من الرحمن جار
فغنم بعد غنم وانتصار
ينير المشرقين على انتصار
أصاب الدهر بغيته وأمست
تجلت حكمة الفلك المدار
السرية السابعة
كانت في رمضان من السنة السادسة، وسببها أن زيد بن حارثة (رضي الله عنه) خرج في تجارة إلى الشام، ومعه بضائع لأصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم ، فلما كان بوادي القرى لقيه ناس من فزارة فضربوه هو وأصحابه، وأخذوا ما كان معهم، ثم قدم على النبي فبعثه إليهم في جيش داهمهم، وأعمل فيهم القتل.
أمنك فزارة انبعث الغزاة؟
فما تغني السيوف ولا الحماة؟
لعمرك ما ابن حارثة بحل
وإن زعم القراصنة الجفاة
أثاروا الشر لا هو يبتغيه
ولا أصحابه الغر الهداة
أصابوهم على ثقة وأمن
فلا سيف يسل ولا قناة
وجاءوا يشتكون إلى أبي
على الأعداء تحرجه الشكاة
رسول الله ليس له كفاء
إذا التقت الفوارس والكماة
دعا زيدا هلم إلى قتال
تنال به من القوم الترات
قد الأبطال للهيجاء واصبر
فنعم الصبر فيها والثبات
إليها يا ابن حارثة إليها
ولا يحزنك ما صنع الطغاة
مشى البطل المقذف لا اتئاد
تضيق به السيوف ولا أناة
يخف بها إلى الأعداء بيضا
عليها من مناقبها سمات
أقامت حائط الإسلام ضخما
تدين له الجبال الراسيات
وجاءت بالفتوح محجلات
له في ظلها الضافي حياة
توقتها فزارة وهي حتم
فما عصمت مقاتلها التقاة
رأوها بعدما هجعوا بليل
لها فيهم وللقدر انصلات
هداها في الدجى منهم دليل
تسدده الأواصر والصلات
لواه عن السبيل قضاء رب
له الحكم الصوادع والعظات
يسوق الأمر ظاهره عناء
وباطنه كما اقترح العناة
كمثل الورد أوله أجاج
وآخر مائه عذب فرات
ظبى طرقت جماجمهم بياتا
وما خيف الطروق ولا البيات
توثبت الحتوف فلا فرار
وأبرقت السيوف فلا نجاة
نقيع شقاوة يسقاه قوم
هم الشرب المذمم والسقاة
تردوا في مصارعهم فأمسوا
كسرب الوحش صرعه الرماة
وحاق بأم قرفة ما أرادت
بأكرم من تفدى الأمهات
أرادت قتله فجرى عليها
قضاء القتل وانتصف القضاة
فيا لك منظرا عجبا تناهت
به الصور الروائع والصفات
أحيط بها وبابنتها جميعا
فما نجت العجوز ولا الفتاة
لتلك جزاؤها المردي وهذي
لها الأسر المبرح والشتات
تساق ذليلة من بعد عز
كما سيقت غداة النحر شاة
هو ابن الأكوع البطل المرجى
سباها حين أسلمها الرعاة
قنيصة نافذ الأظفار ضار
له في كل ذي ظفر شباة
هي الهبة الكريمة صادفتها
يمين ما تفارقها الهباة
يمين محمد لا خير إلا
له فيها معالم بينات
حباها خاله في غير ضن
وأين من الضنين المكرمات؟
رسول الله أكرم من أناخت
به الآمال وانتجع العفاة
بنى دين السلام بكل ماض
به وبمثله ارتفع البناة
لإنقاذ النفوس من البلايا
تلح على مباضعها الأساة
تأملت الحياة وكيف تبقى
حقائقها وتمضي الترهات
فأدبني اليقين وهذبتني
وصاة الله بوركت الوصاة
هنيئا يا ابن حارثة وأنى؟
وما ترقى إليك التهنئات
سموت فما تطاولك الأماني
ولا ترجو مداك النيرات
ظفرت من النبي بخير نعمى
تطيب بها النفوس الصالحات
بلثم زان وجهك واعتناق
شفاك فما بجارحة أذاة
على النور الذي انجلت الدياجي
به وعليك يا زيد الصلاة
سرايا خالد بن الوليد (رضي الله عنه)
وهي ثلاث؛ أولاها لهدم العزى، والثانية إلى بني جذيمة ، والثالثة إلى أكيدر بدومة الجندل، وقد ذكرت الأولى في الفتح الأعظم، والأخيرة في غزوة تبوك. بعث خالد في خمسين وثلاث مئة رجل إلى بني جذيمة بناحية «يلملم» ليدعوهم إلى الإسلام، وكان النبي
صلى الله عليه وسلم
يومئذ بمكة، وكانوا قد قتلوا الفاكه عم خالد في الجاهلية وأخاه، وقتلوا والد عبد الرحمن بن عوف، وكانوا شرارا يسمون لعقة الدم، وكان في هذه السرية جمع من بني سليم قوم مالك بن الشريد الذي قتله بنو جذيمة قبل ذلك هو وأخوه في موطن واحد، فنشأت عن ذلك حالة كان لها أثرها في أنفسهم، فلبسوا السلاح وخرجوا إلى خالد ومن معه، يظنون شرا ويظن بهم كذلك، وكانوا قد أسلموا فلم يعلم النبي وأصحابه بإسلامهم، فلما دعاهم خالد إلى الإسلام، قالوا: صبأنا، يريدون أنهم رجعوا عن جاهليتهم إلى الإسلام، ولكن هذا المعنى لم يقع في نفس خالد على الوجه الذي أرادوه، فأعمل فيهم القتل والأسر، وذهب جماعة منهم إلى النبي يذكرون خبرهم، وما صنع خالد بقومهم، فغضب وبعث عليا بن أبي طالب، ومعه مال يدي به قتلاهم ورسالة إلى خالد أن يكف عنهم، ويطلق أساراهم.
بني جذيمة ما في الأمر من عجب
جرى القضاء على ما كان من سبب
أظلكم خالد لا شيء يبعثه
إلا الجهاد يراه أعظم القرب
لما دعاكم إلا الإسلام حين دعا
قلتم صبأنا فلم يأثم ولم يحب
إن كان للمرء من أعمامه نسب
فالدين عند ذويه أقرب النسب
بنو سليم وإن خفتم فليس بهم
وبابن عوف سوى الأوهام والريب
فيا لها غمرة ما اسود جانبها
حتى تجلت سراعا عن دم سرب
سيء النبي بها فالنفس آسفة
والقلب مما أصاب القوم في تعب
المسملمون دم لله أو عصب
ما مثله من دم جار ولا عصب
هم في الحوادث إن قلوا وإن كثروا
بأس جميع ورأي غير منشعب
كل حرام على كل فإن فئة
بغت على فئة فالله في الطلب
أثارها خالد شعواء عاصفة
ما كان فيها لدين الله من أرب
رمى بها وغواشي الظن تأخذه
من كل صوب فلم يرشد ولم يصب
إليك أبرأ ربي من جنايته
وأنت فيما عناني منه أعلم بي
قم يا علي فواف القوم معتذرا
وانشر عليهم جناح العاطف الحدب
وخذ من المال ما يقضي الديات وما
يرضي النفوس ويشفيها من الغضب
حق علينا دم القتلى ونحن على
عهد وثيق وحبل غير مضطرب
القوم إخوتنا في الله يجمعنا
دين الإخاء على الأيام والحقب •••
رد الإمام نفوس القوم فائتلفت
واستحكم الود وانحلت عرى الشغب
بالجاهلية مما هيض جانبها
ما ليس ينفذ من هم ومن وصب
سلها وقد رجعت حسرى مذممة
هل زادها الله إلا سوء منقلب
سرايا محمد بن مسلمة (رضي الله عنه)
السرية الأولى
كانت إلى القرطاء، وهم بطن من بني بكر بن كلاب، خرج إليهم محمد بن مسلمة في المحرم من السنة السادسة ومعه ثلاثون راكبا فيهم عابد بن بشير، فأغار عليهم، وأخذ منهم نعما وشاء وسبيا، ولم يتعرض للنساء، ثم عادت السرية ومعها ثمامة بن أثال الحنفي - نسبة إلى حنيفة - سيد أهل اليمامة أسيرا، فربط بسارية من سواري المسجد وأمر النبي أهله بإطعامه، وجعل له لبن ناقة يأتيه صباحا، وما زال يتعهده ببره وفضله، ويقول: «ما عندك يا ثمامة»، فيقول: إن تقتل تقتل ذا كرم، أو ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر، فإنه جاءه قبل ذلك رسولا من مسيلمة ليغتاله، فعصمه الله منه، وقد أمر بإطلاقه، فاغتسل وذهب إلى مكة معتمرا، فأخذته قريش، وقالت: لقد صبأت عن ديننا، فقال: إنما أسلمت وتبعت خير دين، ولن تصل إليكم بعد اليوم حبة من اليمامة حتى يأذن رسول الله، فهموا بقتله ثم رأوا أن يخلوا سبيله، فحبس عنهم ما كان يأتيهم من اليمامة حتى أضر بهم الجوع، وأكلوا الطهز، وهو الدم يخلط بأوبار الإبل فيشوى، فكتبوا إلى النبي يناشدونه الرحم، فبعث إليه يأمره أن يخلي بينهم وبين ما يريدون ففعل، وفي ذلك نزل قوله تعالى:
ولقد أخذناهم بالعذاب .
محمد يا ابن مسلمة سلام
وحمد من شعائره الدوام
إلى القرطاء لا كانوا رجالا
هم البرحاء والداء العقام
رجال السوء لا حق يؤدى
لخالقهم ولا دين يقام
تنبهت القواضب والعوالي
بأيدي الفاتحين وهم نيام
بني بكر ألما تبصروها
يشب ضرامها البطل الهمام
ألا إن السرية فاحذروها
ليرهب بأسها الجيش اللهام
هم الأبطال عدتهم قليل
ومشهدهم كثير لا يرام
تقدم عابد ومشى إليهم
عباد الله واستعر الصدام
فتلك جماجم القتلى وهذي
فلول القوم ليس لها نظام
وخليت النساء فلا ذمار
لبكري يصان ولا ذمام
وليس لعرض مغلوب وقاء
ولكن الألى غلبوا كرام
أعفاء النفوس ذوي حفاظ
عليهم كل فاحشة حرام
هو الإسلام إحسان وبر
وأخذ بالمروءة واعتصام
تخلوا عن حلائلهم فردت
عليهم تلكم المنن الجسام
بني بكر غدا الوادي خلاء
فأين الشاء والكوم العظام؟
وأين ثمامة بن أثال هلا
حمته حنيفة مما يسام؟
يسام الهون ما جزعت عليه
ولا بكت اليمامة إذ يضام
أما بصرت بسيدها ذليلا
عبوس الوجه يعلوه القتام
أصاب من الرسول حمى منيعا
وكهفا فيه للهمم ازدحام
أصاب قرى يحدث عن جواد
يصيب الري من يده الغمام
أصاب كرامة وأفاد خيرا
فلا مثوى يذم ولا مقام
تعهده كريم أريحي
له في كل آونة لمام
ثمامة كيف أنت وأي نعمى
ظفرت بها فأعوزها التمام؟
أما مكنت منك وكنت خصما
تفاقم شره وطغى العرام؟
طحا بك من مسيلمة خبال
فلا رسن يرد ولا زمام
يقول لئن أردت اليوم قتلي
فلا شكوى لدي ولا ملام
وإن يك منك مغفرة وعفو
شكرتك والقوي له احتكام
هداه إلى سبيل الله هاد
له بمخائل الخير اتسام
ثمامة لا تخف ما عشت شرا
تجلى النور وانقشع الظلام
إلى البيت العتيق فسر رشيدا
ولا يحزنك عتب أو خصام
تأجج في صدور القوم غيظ
له في كل جانحة ضرام
أتسلم يا ثمامة إن هذا
وإن كذبتنا لهو الأثام
ثمامة خنتنا وصبأت عنا
فليس لصدع أنفسنا التئام
لأنت لنا عدو نتقيه
فلا صلح يكون ولا سلام •••
ألا فدعوا الجهالة واستفيقوا
فما يغني عن الغيث الجهام
حذار فما ثمامة غير عضب
لكم في حده الموت الزؤام
يقول لكم لئن لم تتبعوني
لسوف يبيدكم مني انتقام
أسد عليكم الأسواق حتى
يصيح جياعكم أين الطعام؟
أبوا فأذاقهم منه عذابا
غراما ما لدائبه انصرام
أذاب الجوع أنفسهم فضجوا
وضجت في جلودهم العظام
أهابوا بالنبي ألا أغثنا
فما يرضيك أن يشقى الأنام
أغثنا إنها يا خير مولى
عرى الأرحام ليس لها انفصام
رمينا من ثمامة بالدواهي
وفي يدك الكنانة والسهام
نهاه فلا دم في الحي يشوى
ولا شيخ يجوع ولا غلام
تدارك فضله منهم نفوسا
تمنت لو تداركها الحمام
فأمسى الأمر فيهم مستقيما
ولو عرفوا المحجة لاستقاموا
السرية الثانية
وتسمى سرية ذي القصة - موضع قريب من المدينة - كانت إلى بني ثعلبة وبني عوال لما بلغهم محمد بن مسلمة وأصحابه كمنوالهم، ثم انقضوا عليهم وهم نيام فأعملوا فيهم الرماح، وجرحوا محمدا ثم جردوه من ثيابه، وهم يظنون أنه قد مات، ومر به بعض المسلمين فاسترجع، فلما سمعه تحرك فحمله إلى المدينة، وبعث النبي
صلى الله عليه وسلم
أبا عبيدة بن الجراح فلم يجد أحدا من القتلى، ووجد نعما وشاء فرجع بها.
ويح ذي القصة ماذا يشهد
ويحه من وقعة لا تحمد
يا بني ثعلبة ما خطبكم؟
أكذا تقرى الليوث الهجد؟
إنه الجبن وأخلاق الألى
يحسبون الختل حربا توقد
فقدوا البأس فدبوا خفية
وانتضوها أنفسا لا تفقد •••
يا جريح الحق هل مت وهل
قضي الأمر وحم الموعد
فرح القوم فقالوا مغنما
ساقه الجد ورأي محصد
جردوا الفارس من أثوابه
ليت شعري أي سيف جردوا
عرف السيف فتى من قومه
ضج يسترجع مما يشهد
أيها الميت تحرك لا تخف
حضر الفادي وجاء المنجد
بورك الحامل ما أحسنها
من يد معروفها لا يجحد •••
يا رسول الله بشرى إنها
نعمة تزجى وخير يوفد
وبريد من بني ثعلبة
وعوال بالغوالي يبرد
جعلوا للسيف فيهم حكمه
فله من هامهم ما يحصد
ليتهم كانوا رجالا فأبوا
إذ دنا موعدهم أن يبعدوا •••
ذهب الحشد فلم ينظر سوى
نعم تزجى وشاء تحشد
ساقها ما جعلت من همه
همه تلك النفوس الشرد
اللواتي تبعث الشر فإن
عصف الشر تولت تركد
بئسما توردها أهواؤها
من حياض مرة ما تورد
فتنة الشرك وما من فتنة
مثلها بين البرايا توجد
ليس غير الله في سلطانه
من إله يتقى أو يعبد
مالك الملك تعالى ما له
في علاه من شريك يعهد
السرية الثالثة لقتل كعب بن الأشرف
كانت في ربيع الأول من السنة الثالثة، وكان كعب من أشد الناس عداوة للرسول الكريم وللمسلمين، وكان يهجوه ويحرض المشركين على قتاله، عاهده على ألا يعين عليه أحدا فنقض العهد، وخرج بعد وقعة بدر إلى قريش يبكي قتلاهم ويستفزهم للحرب، ومن سيئاته أنه صنع طعاما، ودعا إليه النبي على نية الفتك به، فنبأه الله فلم يأكل منه، وكان (لعنه الله) كثير المال، يعطي الأحبار ويصلهم، فلما قدموا عليه بعد هجرة النبي سألهم: ما يظنون به؟ قالوا: هو الذي كنا ننتظره، فغضب ولم يعطهم، ثم رجعوا إليه وخدعوه بما يرضيه من القول، فرضي عنهم ووصلهم.
قال النبي: «من ينتدب لقتل كعب بن الأشرف؟» فقال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله، فقال له: إن كنت فاعلا فشاور سعد بن معاذ، فأشار عليه سعد أن يذهب إليه يشكو حاجته، ويطلب أن يسلفه طعاما، فمكث ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب، وأتى أبا نائلة، وعباد بن بشر، والحارث بن أوس، وأبا عبس بن جبر أن يصحبوه، ثم جاءوا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
يستأذنونه في أن يقولوا لكعب ما يرضيه، فأذن لهم، وذهبوا إليه فقتلوه وحملوا رأسه إلى النبي، وجاءه اليهود مذعورين يقولون: قتل سيدنا، وعقدوا صلحا.
يا ناقض العهد لا شكوى ولا أسف
الله منتقم والسيف منتصف
تهجو النبي وتغري المشركين به
مهلا لك الويل ماذا أنت مقترف؟
كم جيفة خرجت من فيك منكرة
لما تردت ببدر تلكم الجيف
إن الوليمة أخزى الله صانعها
كانت ضرارا فلا ود ولا لطف
أتحسبون رسول الله يجهلها
مكيدة فضحت أسرارها السجف؟
بل أظهر الله ما تخفون فانكشفت
يا ويلكم أي خاف ليس ينكشف؟
لقد هممتم بمن لا حي يعدله
إن نوزع المجد بين الناس والشرف
يا ويل من ظن أن الله يخذله
وأنه من يمين الله يختطف
يا كعب ما لك تؤذيه وتنكره
وما الولوع بقول الزور والشغف؟
جعلت مالك للأحبار مفسدة
يمتاح فيها الأذى حينا ويغترف
رموك بالحق لما رحت تسألهم
وأعلنوا من يقين الأمر ما عرفوا
فقلت عودوا فما عندي لكم صلة
جف المعين فلا قصد ولا سرف
حسبي الحقوق فمالي لا يجاوزها
إلى الفضول وما عن ذاك منصرف
عادوا يقولون ما أشقاه من رجل
لا يرتضي القول إلا حين ينحرف
ثم انثنوا ينطقون الزور فانقلبوا
بالمال يصدف عنه المعشر الأنف
بئس العطاء وبئس القوم أمرهم
وأمر سيدهم في الغي مؤتلف
هم اليهود لو أن المال لاح لهم
في عين موسى كليم الله ما صدفوا
هب ابن مسلمة للحق ينصره
وللرسول يريه كيف يزدهف
فقال دونك سعدا إن هممت بها
شاوره فيها فنعم الحاذق الثقف
قضى ثلاثة أيام على سغب
وللمجرب ذي التدبير ما يصف
وجاء في صحبه يستأذنون على
تقوى من الله ما مالوا ولا جنفوا
قال الرسول لكم في القول مأربكم
ماذا على الدر مما يوهم الصدف؟
هي القلبو فإن طابت سرائرها
فما بأفواهكم عيب ولا نطف •••
مضوا فقالوا لكعب أنت موئلنا
أنت الحمى المرتجى في الأزل والكنف
أما ترانا جياعا لا طعام لنا
حتى لقد كاد يغشى أهلنا التلف
لم يبق صاحبنا شيئا نعيش به
فالزاد منتهب والمال مجترف
إن أنت أسلفتنا ما نستعيد به
روح الحياة فغيث ودقه يكف
قال الحلائل رهن لا طعام لكم
إلا بهن فقالوا مطلب قذف
تأبى علينا سجايانا ويمنعنا
هذا الجمال الذي أوتيت والترف
قال البنون فقالوا لا تكن عسرا
البؤس أهون مما رمت والشظف
خذ السلاح وإن كلفتنا شططا
إن الشدائد فيها تسهل الكلف
لم يدر مأربهم إذ يسخرون به
وإذ يريدونها دهماء تلتحف
قال ارتضيت فقالوا غمة ذهبت
عنا غياهبها وانجابت السدف
وأرجأوه إلى إبان مورده
يعب من سمه المردي ويرتشف
جاءوه بالليل مسرورا بغرفته
وليس ينجي الفتى من حتفه الغرف
ورن صوت أخيه عند مضجعه
اخرج إلينا أما تنفك تعتكف؟
فهب يركض وارتاعت حليلته
مهلا فإن فؤادي خائف يجف
أنت امرؤ ذو حروب لا يلائمه
أن يستجيب ذوي الأضغان إن دلفوا
إني لأسمع صوتا لست آمنه
كأنه الدم يجري أو هو الجدف
قال اسكتي ودعيني إنه لأخي
يخشى علي فيرعاني وينعطف
وراح يلقاه والإسلام مبتسم
والشرك متسم بالحزن مرتجف
وافاه في صحبه يدني الخطى عبقا
كأنه ذات دل زانها هيف
قالوا أتمشي إلى شعب العجوز ففي
هذا الخلاء جنى للنفس يخترف؟
وانظر إلى القمر الزاهي وبهجته
واعجب له بعد هذا كيف ينكسف
ساروا إلى الشعب والأقدار تتبعهم
على هدى الله ما زاغت ولا اعتسفوا
حتى إذا قعدوا ظلت بموقفها
وأقبل الموت عن أيمانها يقف
وتلك كف أخيه فوق مفرقه
كأنها من جني الزهر تقتطف
يشمها ويقول القول يخدعه
في الطيب وهو له من خلفه هدف
ظلت سيوف رسول الله تأخذه
تشق ما ضربت منه وتنتقف
يا حسنها صيحة من فيه يرسلها
كادت تخر لها من داره السقف
لم تستطع عرسه صبرا فجاوبها
صوت يجلجل أودى السيد اللقف
بني قريظة هبوا من مضاجعكم
بني النضير انفروا للثأر وازدلفوا
عدا الرجال على كعب فوا لهفا
أين الحماة؟ وماذا يصنع اللهف؟
تبكي عليه وماذا بعد مصرعه
إلا البكاء وإلا الأدمع الذرف؟
إن الذي كان يثني عطفه صلفا
أمسى صريعا فلا كبر ولا صلف
عادوا بهامته تلقى مذممة
عند الرسول ومنه الصد والنكف
كان اليهود على آثارهم فأبت
أن يدركوا همم ترمى بها عصف
الله أكبر والحمد الجزيل له
نصر جديد وفضل منه مؤتنف
ريعت يهود فجاءت تبتغي حلفا
عودي يهود فنعم العهد والحلف
هيهات ما لك من عهد ولو حملت
ملء البسيطة من أيمانك الصحف
عباد قل إن في الأشعار تذكرة
وإن أحسنها ما أورث السلف
غن الرفاق بوحي الحق تنشده
مضى النعيب وأودى الشاعر الخرف
سرايا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)
السرية الأولى
كانت إلى بني سعد بن بكر بفدك «قرية بينها وبين المدينة ست ليال»، بلغ النبي
صلى الله عليه وسلم
أنهم يريدون أن يمدوا يهود خيبر على أن يجعلوا لهم تمرها، فلما اقترب الإمام والذين معه، وكانوا مئة رجل من هذه القرية، وجدوا رجلا فسألوه عن بني سعد، فقال: لا علم لي بهم، فشددوا عليه، فأقر أنه عين لهم، ثم دل المسلمين عليهم، ولكنهم خافوهم فلم يظهروا للقائهم، وغنمت السرية خمس مئة بعير وألفي شاة.
يا بني سعد بن بكر مرحبا
بادروا القوم فرادى وثبى
غشيتكم من يهود فتنة
كالحبي الجون يرخي الهيدبا
إن في خيبر من سحر القنا
عدد التمر ومن بيض الظبى
هي للأبطال أزكى مطعما
يا بني سعد وأشهى مشربا
هل ترون اليوم إلا مقنبا
من حماة الحق يتلو مقنبا
إنه يوم «علي» فاصبروا
أو فحيدوا عنه يوما أشهبا
يا بني «سعد بن بكر» إنه
مارج الهيجاء يزجي اللهبا
احذورها واحموا أنفسكم
لا تكونوا في لظاها حطبا
دله منكم عليكم رجل
خشي القتل وخاف العطبا «عينكم» صيرها عينا لكم
فاعجبوا للأمر كيف انقلبا
زحف الجيش فذبتم فرقا
وارتمى البأس فطرتم هربا
ليس غير النهب ما يمنعه
منكم اليوم امرؤ أن ينهبا «نكبة التمر» فلولا شؤمه
لم يذق آلامها من نكبا
أفما جربتم القوم الألى
خلقوا للشر فيمن جربا؟
هم وباء الأرض أو طاعونها
شرعوا السحت ودانوا بالربا
غضب الله عليهم فرضوا
رب زدهم كل يوم غضبا
هالك من ظن ممن يعتدي
ويعادي الله أن لن يغلبا
وأضل الناس في دنياه من
وضح الحق فولى وأبى
السرية الثانية
كانت لهدم «الفلس» صنم طيء والإغارة عليها، بعث إليهم في خمسين ومئة رجل من الأنصار، فهدموا الصنم وأحرقوه واستاقوا الشاء والنعم والسبي، وكان في السبي أخت عدي بن حاتم الطائي واسمها سفانة، ومعناها الدرة، مر عليها النبي
صلى الله عليه وسلم
فقامت إليه وذكرت له أباها وما كان له من أعمال مشكورة، ثم سألته أن يمن عليها ففعل، وأسلمت فكساها ثم حملها وأعطاها مالا، فذهبت إلى أخيها وأشارت عليه بالقدوم على النبي ليدخل في دين الله، فجاء وأسلم، وقد وجدوا في خزانة الصنم ثلاثة أسياف معروفة عند العرب؛ وهي الرسوب واليماني والخذم، وثلاث أدراع آلت إلى النبي
صلى الله عليه وسلم .
إلى طيء يا ابن عم النبي
إلى معشر يعبدون الصنم
إلى الفلس في جندك الغالبين
فلن يلبث الشرك أن يصطلم
أضل العقول وأعمى القلوب
وأشقى النفوس وهد الهمم
أرى طيئا خذلت ربها
فما من ملاذ ولا معتصم
فيا لك ربا يذوق الهوان
فيغضي عليه ولا ينتقم
مضى عزه وانطوى مجده
فزال الجلال وبار العظم
وأصبح تذروه هوج الرياح
فتلك تفاريقه ما تلم
وهاتيك أسلابه أطلقت
وكانت حبائس منذ القدم
سيوف بقين طوال العصور
ودائع للوارثين الأمم
مللن لدى الفلس عهد الظلام
فأصبحن ميراث ماحي الظلم
أضاء الرسوب به واليماني
وأشرق في راحتيه الخذم
وما نظرت أعين الدارعين
كأدراعه الغاليات القيم
رجعت بها يا ابن عم النبي
وبالشاء مجلوبة والنعم
وبالسبي مغتنما ما رأى
حماة المحارم إذ يغتنم
ومر النبي بسفانة
فقامت إليه تبث الألم
وقالت نشدتك فامنن علي
فما حق مثلي أن يهتضم
أنا ابنة من كان في قومه
عقيد السخاء حليف الكرم
وما بك في حاتم ريبة
بلى إنه للجواد العلم
يفك العناة ويعطي العفاة
ويكسو العراة ويحمي الحرم
ويفشي السلام ويرعى الذمام
ويقري الضيوف ويشفي القرم
فقال لها صفة المؤمنين
فلو أنه كان فيهم رحم
كريم يحب حسان الخلال
ويكره من حبها أن يذم
مننت عليك فإن تفرحي
فغيرك أولى بحزن وهم
فقالت شهدت مع الشاهدين
فذلك دين الهدى لا جرم
رأيت السبيل فآثرته
وفارقت دين العمى والصمم
كساها وأركبها واستهل
عليها بغمر من المال جم
فراحت بخير وراح الثناء
يجوب السهول ويطوي الأكم
وجاءت أخاها فقالت عدي
أرى الحق أخلق أن يلتزم
وإني استقمت على واضح
من الأمر يا ابن أبي فاستقم
دع الشرك واذهب إلى يثرب
فثم هدى الله باري النسم
هناك هناك جلاء العمى
وري الصدى وشفاء السقم
هناك النبي العظيم الجلال
هناك الرسول الكريم الشيم
هناك النجاة لهلكى النفوس
فطوبى لمن رامها فاعتزم
السرية الثالثة
كانت إلى بلاد مذحج - أبو قبيلة من اليمن - وهي من بلاد اليمن، بعث إليها في ثلاث مئة فارس، عقد النبي له لواء وعممه بيده، فلما بلغها فرق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم وأطفال ونساء ونعم وشاء وغير ذلك، ثم لقيهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا المسلمين بالنبل والحجارة، فصف أصحابه، ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان، ثم حمل عليهم فقتل منهم عشرين رجلا فانهزموا وتفرقوا، فكف عنهم، ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرع إلى إجابته ومتابعته نفر من رؤسائهم، وقالوا: هذه صدقاتنا فخذ منها حق الله (تعالى) ونحن على من وراءنا من قومنا، فعاد فوافى النبي بمكة في حجة الوداع.
بني مذحج ما ثم من متردد
هو الدين أو حد الحسام المهند
ألا فانظروا سيف الإمام وبأسه
تروا عجبا من مشهد ليس بالدد
بليتم بمعقود اللواء على يد
يشد عيلها مالك الملك باليد
بني مذحج ما ظنكم بمدجج
تعممه للحرب كف محمد؟
غزاكم بمن لا تعرف الحرب غيرهم
إذا انتسب الأبطال في كل مشهد
أصابوا من الأسلاب والسبي ما ابتغوا
وأنتم بمنأى بين صرعة وهجد
فلما لقوكم قال صاحب أمرهم
هو الحق من يؤثره يرشد ويهتد
فإن تسلموا فالله بيني وبينكم
وإن تعرضوا فالسيف عضب المجرد
صددتم صدود الجاهلين وردكم
عن الحق رأي طائش لم يسدد
جرى النبل يهوي واستطارت حجارة
تتابع شتى بين مثنى وموحد
رميتم بها جند النبي وإنما
رميتم بأحلام عوازب شرد
مضى السيف يجزيكم على الشر مثله
فلا دمكم بسل ولا هو معتد
فوليتم الأدبار وارتد جمعكم
شرازم شتى كالشعاع المبدد
وآمن منكم معشر عاد جدهم
سعيدا ومن يرغب إلى الله يسعد
وجاءوا فقالوا هذه صدقاتنا
فخذها بإحسان وإن شئت فازدد
ندين بأن البر لا شيء مثله
ونبذل حق الله غير منكد
وأنا لكم عون على ما وراءنا
نناجز منهم كل غاو ومفسد
وندعو إلى الإسلام ننشر نوره
ونورد منه قومنا خير مورد
لك الشكر فارجع يا علي مظفرا
وبشر رسول الله يشكر ويحمد
سرية أبي سلمة إلى قطن
هو عبد الله بن عبد الأسد القرشي المخزومي، بعثه النبي
صلى الله عليه وسلم
إلى قطن - جبل بناحية فيد، اسم ماء لبني أسد - في المحرم من السنة الرابعة، ومعه مئة وخمسون رجلا من المهاجرين والأنصار؛ منهم أبو عبيدة، وسعد، وأسيد بن حضير وأبو نائلة، لطلب طليحة وسلمة ابني خويلد الأسديين؛ لأنهما كانا يدعوان قومهما ومن أطاعهما لحربه، وكان قيس بن الحارث ينهاهما عن ذلك فلا ينتهيان، فلما بلغت السرية أرض بني أسد خاف القوم فهربوا وأصاب المسلمون إبلا وغنما فأخذوها.
يا ابني خويلد أي شر هجتما
إن كان من يبغي المحال فأنتما
أفتدعوان إلى قتال محمد؟
هلا إلى غير القتال دعوتما؟
ما كان قيس في النصيحة جاهلا
بل كان أعلم بالصواب وأحزما
ينهاكما أن تفعلا ويخافها
مشبوبة تجري جوانبها دما
بعث النبي الجيش تحت لوائه
بطل إذا نكص الفوارس أقدما
هو ذاك عبد الله في أصحابه
يمشي إلى قطن قضاء مبرما
فتأهبا يا ابني خويلد واجمعا
للحرب جمعكما ولا تتندما •••
سر يا دليل الجيش في بركاته
واسلك إلى فيد الطريق الأقوما
هي منتواه فليس يبغي غيرها
لشبا القواضب منتوى وميمما
يا دائبا يصل الدياجر بالضحى
سر في سبيلك إن أردت المغنما
إن الألى جعلوك رائدهم أبوا
إلا السخاء فما أبر وأكرما
درجوا على دين الفداء فما بهم
عند الحفيظة ما يعاب ويحتمى
أين الرجال ألا فتى ذو نجدة
يرمي بمهجته العجاج الأقتما؟
أين الرجال؟ أفارقوا أوطانهم
أم أصبحوا ملء المضاجع نوما؟
يا ابني خويلد جردا سيفيكما
حذر العدى وتقدما لا تحجما
يا ابني خويلد أين ما أعددتما
للحرب تستلب الكمي المعلما؟
أعددتما الجبن المذل لتسلما
فهلكتما وكذاك يهلك ذو العمى
أسلمتما النهب السليب وإنه
لأجل منزلة وأعظم منكما
رجع الغزاة به كراما ما لقوا
كيدا يرد ولا أصابوا مجرما
الله طهرهم وصان سيوفهم
سبحانه أسدى الجميل وأنعما
هم حزبه لا حزب إلا دونهم
ولو أنه اتخذ الكواكب سلما
عبد الله بن أنيس الأنصاري (رضي الله عنه)
بعثه النبي
صلى الله عليه وسلم
وحده في المحرم من السنة الرابعة لقتل أبي سفيان بن خالد الهزلي الذي جمع الجموع لحربه، ولم يكن عبد الله يعرفه، فقال: صفه لي يا رسول الله، فقال: «إذا رأيته هبته وفرقت منه، ووجدت له قشعريرة وذكرت الشيطان»، ثم استأذنه أن يقول له ما يرضيه، فأذن له وأمره أن ينتسب إلى خزاعة، وكان بموضع قريب من عرفة يقال له عرنة، فأخذ سيفه وخرج إليه فوجده كما وصف، وقال له ما أرضاه حتى اطمأن إليه فقتله وجاء برأسه إلى النبي.
سرية أنت وحدك
فاجعل سجاياك جندك
لا تخش يا ابن أنيس
فليس سفيان ندك
احشد قواك وخذه
فليس يسطيع ردك
إن غره حد عزم
فسوف يعرف حدك
يهول في الوصف جدا
حتى ليعظم عندك
لكنه الله أعلى
عليه في البأس جدك
أقبل فتى البأس أقبل
واعمل لربك جهدك •••
أخذته بخلاب
كذبته فيه ودك
أوردته القول حلوا
ولو درى عاف وردك
ويلمه من غبي
لو كان يعرف قصدك
أحبب به من رسول
لقتله قد أعدك
يظن أنك ضد
له فدونك ضدك
بوركت يا ابن أنيس
من فارس ما أشدك
ضربته فتردى
وكان ذلك وكدك
وعدت لا مجد إلا
أراه يحسد مجدك •••
سفيان هل كنت طودا
فمن رماك فهدك؟
أم كنت للشر ذخرا
تخشى الطواغيت فقدك؟
أودى بك ابن أنيس
فأقفر الحي بعدك
ورد عزك ذلا
فما تصعر خدك
ملأت صدرك حقدا
فهل شفى السيف حقدك؟
ومت من قبل وجدا
فهل محا الموت وجدك؟
أين الجموع؟ أتدري
من خط في الترب لحدك؟
وأين رأسك هلا
صدقت نفسك وعدك؟
أغواك جهلك حتى
لقيت في النار رشدك
أنضجت نفسك غيظا
فاليوم تنضج جلدك
يغيظك الدين حقا
فأنت تقدح زندك
هيجت للشر وقدا
فأين غادرت وقدك ؟ •••
يا صاحب الغار من ذا
بنصره قد أمدك
أليس ربك؟ فاجعل
له على الدهر حمدك
رد العدى لم يفوزوا
وأنت بالفوز ردك
ألق الهدية واسحب
في ساحة الفخر بردك
دعا الرسول وأثنى
فاحمد لك الخير رفدك
وقل تباركت ربي
يسرت للخير عبدك
سرية عكاشة بن محصن
بعثه النبي
صلى الله عليه وسلم
إلى الغمر - غمر مرزوق - وهو ماء لبني أسد على ليلتين من «فيد»، ومعه أربعون رجلا، في ربيع الأول من السنة السادسة، فخافهم القوم وتركوا مساكنهم وأصاب المسلمون غنما وإبلا فعادوا بها إلى المدينة.
عكاشة ما في الغمر من متخلف
خلا الغمر من عماره فهو مقفر
تناذر أهلوه سيوفك فانجلوا
وغودر وحشا خاليا ليس يعمر
خذ الشاء والإبل السمان فإنهم
إلى أجل ما دونه متأخر
فإما حمى الإسلام أو حد قاضب
على متنه منهم دم يتفجر
عكاشة عد بالجند غير مخيب
كفى القوم خزيا أن يفروا ويدبروا
لكل امرئ من نفسه ما توده
وما يك من شيء فربك أكبر
له الدين والدنيا وما بعد هذه
فلا شيء إلا ما يشاء ويقدر
سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل
وهي حصن وقرى من طرف الشام، بينها وبين دمشق خمس ليال، وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة، كانت هذه السرية في شعبان من السنة السادسة، سيرها النبي
صلى الله عليه وسلم
بعد أن عمم أميرها عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) بيده الشريفة، ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء، وقال له ولمن معه: «اغزوا جميعا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، فهذا عهد الله وسنة نبيه فيكم»، فمكث عبد الرحمن ثلاثة أيام يدعو القوم إلى الإسلام فيأبون إلا السيف، ثم أسلم رئيسهم الصبغ بن عمرو الكلبي، وكان مسيحيا، وأسلم معه كثيرون، وتزوج ابنته وقدم بها المدينة، فولدت له بعد عشرين سنة وبضع من الهجرة أبا سلمة، الحافظ الثقة والعالم الكبير.
يا ابن عوف سر حثيثا باللواء
واقدم الجيش بعزم ومضاء
سر حثيثا يا ابن عوف إنها
دومة الجندل والقوم البطاء
سبقوا للحق ما يأخذهم
ذلك النور ولا هذا الرواء
ويحهم ماذا عليهم لو رضوا
شرعة الله ودين الحنفاء؟
اتق الله ولا تبغ الأذى
واتبع ما قال خير الرحماء
إن للحرب لديه أدبا
يزع السيف ويحمي الضعفاء
من يدعه لا ينل مجدا وإن
فتح الأرض وأقطار السماء •••
أعرض القوم وقالوا ديننا
يا ابن عوف ديننا لا ما تشاء
ليس غير السيف يقضي بيننا
وهو أولى يا ابن عوف بالقضاء
ورأى سيدهم ما هاله
من أمور لا يراها الجهلاء
إنه الأصبغ لا يخدعه
باطل الوهم ومكروه الهراء
قال أسلمت فيا قوم اشهدوا
واهتدوا فالله حق لا مراء
شرع الدين الذي وصى به
عمدة الرسل وشيخ الأنبياء
هو دين الله حقا ما به
إن رضينا أو أبينا من خفاء •••
أسلمت من قومه طائفة
وأبت طائفة كل الإباء
ما على ذي همة من حرج
إن تراخى الجد أو زاغ الرجاء
كل أمر فله ميقاته
طابت الأنفس أم طال العناء •••
يا ابنة الأصبغ هذا ما قضى
ربك الأعلى ففوزي بالرفاء
ملة فضلى وبعل صالح
حبذا القسم وما أسنى العطاء
إنه أمر النبي المجتبى
معدن التقوى ومولى الأتقياء
يا ابن عوف لو رأى الغيب امرؤ
لرأت عيناك ما تحت الغطاء
لك من زوجك كنز جلل
من كنوز الله أغنى الأغنياء
يستمد العلم منه والهدى
ويقام الدين قدسي البناء
نعمة الله ما أعظمها
فله الحمد جميعا والثناء
سرية عبد الله بن عتيك الخزرجي الأنصاري
كانت لقتل أبي رافع بن عبد الله، أو سلام بن أبي الحقيق اليهودي، وهو من الذين حزبوا الأحزاب يوم الخندق وأعان المشركين بالمال الكثير، بعثه النبي
صلى الله عليه وسلم
إليه في شهر رمضان سنة ست، وقيل في ذي الحجة سنة خمس بعد وقعة الأحزاب، ومعه عبد الله بن أنيس، وأبو قتادة واسمه الحارث بن ربعي، والأسود بن خزاعي، ومسعود بن سنان الأسلمي من الخزرج، فذهبوا إلى خيبر، فلما أمسوا جاءوه في حصن له، فقال ابن عتيك لأصحابه: دعوني أحتال للدخول عليه، ثم تقنع بثوبه، فظنه البواب من أهل الحصن الذين خرجوا لطلب حمار فقد منه فأدخله، ثم أخذ المفاتيح التي علقها البواب وراء الباب بعد إغلاقه، فلما ذهب عن أبي رافع أهل سمره صعد إليه ابن عتيك يفتح الأبواب ويغلقها وراءه، ثم انتهى إليه فإذ هو وسط عياله في بيت مظلم، وقال لامرأته: إني جئته بهدية، ثم ضربه فلم يقتله، وصاح أبو رافع، فخرج ابن عتيك ثم عاد، وقد غير صوته يسأله عن سبب صياحه، ثم قتله، وخرج فسقط وانكسرت ساقه فاختبأ، وخرج اليهود باحثين، ثم عادوا وهو كامن، وبقي إلى أن يسمع الناعي، فلما نعي انطلق إلى أصحابه، ثم عادوا، ومسح النبي على رجله، فكأنها لم تصب.
أبا رافع لا يرفع الله طاغيا
ولا يدع الخصم المشاغب ناجيا
جمعت من الأحزاب ما شئت تبتغي
لنفسك من تلك العقابيل شافيا
ورحت تصب المال في غير هينة
تريد بدين المسلمين الدواهيا
هو ابن عتيك إن جهلت وصحبه
فلست بلاق من حمامك واقيا
يدب وقد جن الظلام مقنعا
يريدك مغتالا ويلقاك غازيا
كأن حمار الحصن أوتي رشده
فأجمع ألا يصحب الدهر غاويا
أعان عليك السيف يكره أن يرى
دما فاجرا في مسبح الكفر جاريا
يقول له البواب ما لك جالسا؟
وقد دخل الرهط الذي كنت رائيا؟
إلى الحصن فادخل لست تارك بابه
لأجلك مفتوحا ودعني وما بيا
فقام ولو يدري خبيئة نفسه
أعض وريديه الحسام اليمانيا
ولاحت لعينيه الأقاليد فانتحى
يضم عليها مخلب الليث ضاريا
فلما غفا السمار أقبل صاعدا
إلى الأخرق المغرور يعلو المراقيا
سقاه بحد الهندواني حتفه
فبوركت من سيف وبورك ساقيا •••
هوت رجله من زلة قذفت به
إلى الأرض في ظلماء تخفي الدراريا
فما برحت حتى أصيب صميمها
بصدع فأمسى واهن العظم واهيا
وبات يواري نفسه في مكانه
ويزور في برديه يخشى الأعاديا
تنادوا فقالوا فاتك من عدونا
رمى السند الأعلى فلا كان راميا
متى جاء؟ كيف انسل في غسق الدجى ؟
وماذا جرى ؟ من كان للحصن حاميا؟
من الجن هذا أم من الإنس يا له
مصابا ينسينا الخطوب الخواليا؟
وراحوا سراعا مهطعين يهيجهم
طلاب الذي ما زال في الحصن ثاويا
فما تركوا في أرض خيبر بقعة
ولا غادروا مما هنالك واديا
وعادوا يعضون البنان ولو رأوا
مكان الردى المجتاح ألفوه جاثيا
فما زال حتى أذن الديك وانبرى
من القوم داع يرفع الصوت ناعيا
هنالك وافى صحبه فتحدبوا
عليه وكان الظن أن لا تلاقيا
فتى يركب الأهوال لا يتقي الردى
ولا يتوقى الحتف يلقاه عاديا
قصاراه أن يرعى أمانة ربه
ويلقى رسول الله جذلان راضيا
شفى رجله مما بها فكأنها
بخيبر لم تكسر ولم يك شاكيا
أبا رافع ماذا لقيت بحفرة
طوت منك جبارا قضى العمر عاتيا؟
عكفت على البغي المذمم والأذى
فذب أسفا واعكف على النار صاليا
سرية عبد الله بن رواحة الأنصاري إلى أسير بن رزام اليهودي بخيبر
لما قتل أبو رافع أمرت اليهود عليها أسير بن رزام، فغضب لقومه وسار في غطفان وغيرهم يجمعهم للحرب، وبلغ النبي
صلى الله عليه وسلم
ذلك فوجه عبد الله بن رواحة وبعض أصحابه في رمضان من السنة السادسة يستطلعون الخبر، وعادوا بعد ثلاثة أيام يذكرون ما رأوا وسمعوا، فبعثه إلى أسير في ثلاثين رجلا، فعرضوا عليه أن يسير معهم إلى النبي ليحسن إليه ويستعمله على خيبر، فشاور قومه فرضي بعض وأبى بعض، وسار ومعه جمع منهم، فلما كان في الطريق ندم على سيره، وأراد الفتك بابن رواحة فقتله، وقتل المسلمون من كان معه إلا رجلا اشتد في الهرب، وكان ذلك في شوال من السنة السادسة.
أأنت يا ابن رزام تغلب القدرا؟
جرب لك الويل من غر وسوف ترى
جرب أسير ولا تجزع إذا عثرت
بك التجاريب إن الحر من صبرا
كذبت قومك إن الحر ليس له
من غالب فاعتبر إن كنت معتبرا
هيهات ما لك إلا الغي تتبعه
والغي يتبعه في الناس من فجرا
بئس الأمير وبئس القوم إذ جعلوا
لك الإمارة كيما يدركوا الظفرا
الظافرون بنو الإسلام لا فزعا
يرى العدى في الوغى منهم ولا خورا
هم الألى يلبسون الحرب زينتها
إذا تعرت وولى الذادة الدبرا
ماذا تحاول بالأشياع تندبهم؟
حاولت يا ابن رزام مطلبا عسرا
ظننتها غزوة تخفى مكائدها
فما احتيالك في السر الذي ظهرا؟
لو لم يواف رسول الله مخبره
وافاه من ربه من يحمل الخبرا
كم فض جبريل من صماء مغلقة
أنحى على سترها المكنون فاشتهرا •••
على أبي رافع فلتبك من أسف
واستبق نفسك إن كنت امرأ حذرا
ذلت يهود فما يرجى لها خطر
على يدي من نهى فيها ومن أمرا
دعها أسير لك الويلات من رجل
ضل السبيل فأمسى يركب الغررا
ألست تبصر عبد الله في نفر
أعظم به وبهم من حوله نفرا؟
جاءوك يا ابن رزام لو تطاوعهم
لأذهب الله عنك الرجس والوضرا
لكنك المرء لو ترميه صاعقة
تنهاه عن نزغات الغي ما ازدجرا
ردوا لك الخير تسديه إليك يد
ما مثلها من يد نفعا ولا ضررا
قالوا انطلق معنا إن كنت منطلقا
فأت الرسول وسله تبلغ الوطرا
ما شتئ من سؤدد عال ومن شرف
على اليهود ويجزي الله من شكرا
أبى وراجعه من نفسه أمل
أغراه بالسير حتى جد مبتدرا
ثم انثنى يتمادى في وساوسه
يظن ذلك رأيا منه مبتسرا
واختارها خطة شنعاء ماكرة
فحاق بالجاهل المأفون ما مكرا
أراد شرا بعبد الله فانبعثت
منه صريمة عاد ينقض المررا
رآه أخون من ذئب فعاجله
بالسيف يورده منه دما هدرا
وانقض أصحابه يلقون من معه
من قومه فاستحر القتل واستعرا
لم يترك السيف منهم وهو يأخذهم
إلا حشاشة هاف يسبق البصرا
مضى مع الريح لا يأسى لمهلكهم
ولا يبالي قضاء الله كيف جرى
كذلك الغدر يلقى الويل صاحبه
وكيف يأمن عقبى السوء من غدرا؟
عمرو بن أمية الضمري يوفد إلى مكة لقتل أبي سفيان
اختار أبو سفيان رجلا من أجرأ الناس وأقدرهم على الشر، ثم أعطاه نفقة وبعيرا، وبعثه لقتل النبي
صلى الله عليه وسلم ، فخرج يحمل خنجرا حتى جاءه فانحنى عليه يريد أن يفعل، فأخذته الرهبة، وكان أسيد بن حضير مع النبي فشد على خناقه حتى ظهر الخنجر، إذ كان يخفيه في ثيابه، وقد استجار بالنبي فعفا عنه وأسلم، ثم ذهب فلم يعرف اسمه ولم ير بعد ذلك.
أرسل النبي عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان، وكان فاتكا في جاهليته شجاعا في إسلامه، فأخذ خنجرا، وخرج معه رجل آخر اختلف في اسمه، فقيل هو سلمة بن أسلم، وقيل جبار بن صخر، فجعل عمرو يتنكر بمكة حتى لا يعرفه أحد لشهرته، فعرفه معاوية بن أبي سفيان وأشاع خبره، فخف الناس يطاردونه، فاختبأ في غار وخرج فقتل رجلا من الكفار، ورأى رجلين منهم في طريقه إلى المدينة كانا يتجسسان على المسلمين، فقتل أحدهما برمية سهم، وأسر الآخر.
أبا سفيان أي دم تريد؟
هي العنقاء مطلبها بعيد
بل العنقاء أقرب من مرام
هو الأمل المحبب أو يزيد
أغرك خنجر بيدي شقي؟
وما يدريك أيكما السعيد؟
رأى رجلا ترى الشم الرواسي
جلالته فترجف أو تميد
فلم تنفعه من فزع قواه
ولم ينهض به البأس الشديد
وشد خناقه بيدي أسيد
فلولا الرفق لانقطع الوريد
تلقاه بمخلب مكفهر
يثور فتقشعر له الجلود
وأظهر ما يواري من سلاح
يدب بمثله الشنف الحقود
وأيقن أن دين الله حق
فما يجدي الضلال وما يفيد
أصاب الخير من بركات رب
هداه رسوله الهادي الرشيد
وجاءك يا أبا سفيان عمرو
فأين تزيغ ويحك أو تحيد
هو البطل الذي عرفت قريش
فلا نكر بذاك ولا جحود
يخادعهم وما تخفى عليهم
مكيدة من يخادع أو يكيد
بدا لهم المغيب فاسترابوا
ولج الذعر واضطرم الوعيد
وأبصره معاوية فجلى
سريرة نفسه النظر الحديد
وشدوا خلفه فإذا سليك
أعير جناحه البطل النجيد
وغيبه ببطن الأرض غار
فما يدرون أين مضى الطريد؟
أعين بصاحب لا عيب فيه
فنعم الصاحب الثبت الجليد
وجاء لحينه منهم غوي
له في الشعر شيطان مريد
يدير الكفر في فمه نشيدا
يردده فيعجبه النشيد
أصاخ له فأوقد منه نارا
لها من كل جارحة وقود
تلهب واستطار فيا لنفس
طغت حينا فأدركها الخمود
رماها في لهيب البأس رب
لها في ناره الكبرى خلود •••
كلا الرجلين يا عمرو عدو
فدونك إنه صيد جديد
هما عينا الخيانة من قريش
وأنت يد النبي بها يذود
رميت عن النبي فمن صريع
أراق حياته السهم السديد
ومن فزع مضيت به أسيرا
على جزع يذل ويستقيد
جلبت على أبي سفيان شرا
فأصبح وهو محزون كميد
تجرع ثكل من فقدا ذعافا
وأهلكه الأسى فهو الفقيد
ستدركه الحياة ولا حياة
لغير المؤمنين ولا وجود
رجال لا تبيدهم المنايا
وكل من بني الدنيا يبيد
هو الإيمان لا دنيا حلوب
يعاش بها ولا ملك عتيد
سرية أبي بكر (رضي الله عنه) إلى بني كلاب
ويقال إلى بني فزارة بناحية «هرية» بنجد، خرج إليهم في شعبان من السنة السابعة في رجال منهم سلمة بن الأكوع، فبعد أن صلوا الصبح شنوا الغارة عليهم فقتلوا وسبوا، وكان من السبايا امرأة استوهبها سلمة من أبي بكر فجعلها له ثم استوهبها النبي
صلى الله عليه وسلم
من سلمة، فوهبها له، فأرسلها (صلوات الله وسلامه عليه) إلى مكة ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا عند المشركين.
جرد السيف أبا بكر فما
طبع السيف ليبقى مغمدا
تلك نجد خيم الكفر بها
فاستعن بالله واذهب منجدا
جاهد القوم وزلزل دينهم
أين دين الكفر من دين الهدى؟
سرت في بأس بعيد المرتمى
ما له في الله جد أو مدى
إنها الحرب فسر لا تتئد
ودع السيف وأعناق العدى
فارم يا ابن الأكوع القوم فما
خلق المخلب لليث سدى
هدهم أسرا وسبيا وسقى
من سقى منهم أفاويق الردى
جال فيهم جولة عاصفة
فهووا صرعى وأمسوا همدا
صدفوا عن ربهم سبحانه
وأبوا أن يتقى أو يعبدا
فجزاهم من نكال ما لقوا
وي كأن الله يجزي المفسدا •••
يا أبا بكر وأنت المرتجى
أعطه المرأة يشكرها يدا
إن تكن سيدة في قومها
فكفاها أن أصابت سيدا
عاد منصورا وسارت معه
فرقدا يتبع منه فرقدا
نظر الله إليها فبدا
لرسول الله فيها ما بدا
قال هبها لي فلم يبخل بها
ومضى من أمرها ما سددا
هبطت مكة في حاجته
فهي للصحب من الأسر فدى
سره أن أطلق الشرك بها
من نفوس حرة ما قيدا •••
اذهبي ما أنت من شأن الألى
أوردوا قومك ذاك الموردا
كذب الجهال فيما زعموا
ما المباتير المواضي كالمدى
سرايا غالب بن عبد الله الليثي
السرية الأولى
كانت في شهر رمضان سنة سبع إلى أهل الميفعة بناحية نجد، وهي على ثمانية برد من المدينة، خرج إليها في مئة وثلاثين رجلا، فهجموا على أهلها في مساكنهم، وقتلوا من تصدى لهم، واستاقوا النعم والشاء، وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) نهيك بن مرداس الأسلمي، وقيل الغطفاني، بعد أن قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلامه النبي
صلى الله عليه وسلم
فقال: إنما قالها تعوذا من القتل، قال: «هلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟»، قال أسامة: لن أقتل بعده من قالها، وفي ذلك نزل قوله (تعالى):
يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا
الآية، وورد أن النبي
صلى الله عليه وسلم
دفع الدية إلى أهله، وأمر أسامة أن يعتق رقبة.
اسألي يا نجد أهل الميفعة
كيف أمسوا بعد أمن ودعه
وانظري ما صنع الكفر بهم
من أذى يعجبه أن يصنعه
هو صنو الشر أو توأمه
ما ثوى في موطن إلا معه
ما الذي يعصمهم من غالب
جذوة الحرب وليث المعمعه؟
جاءهم يقدم من أبطاله
كل ماض لا يبالي مصرعه
يمنع الإسلام من أعدائه
بدم يأبى له أن يمنعه
لو تمشى الموت في بردته
حين يمشي للوغى ما روعه
أخذوهم أخذة رابية
صادفت منهم نفوسا فزعه
ثم آبوا كالنجوم الزهر في
نعمة مما أصابوا وسعه •••
يا ابن زيد قدم العذر وقل
يا رسول الله هل من تبعه؟
رجل أجمع أن يخدعني
فجعلت السيف يعلو أخدعه
أعلن الإسلام يحمي دمه
وله بالكفر نفس مولعه
قال هل شق الفتى عن قلبه
فيرى السر ويدري موضعه
يا ابن زيد يا له من خلق
لست بالمؤمن حتى تدعه
ساءه اللوم فقلب آسف
يتقي الله ونفس موجعه
تاب مما سول الظن له
وأباها سنة مبتدعه
ليس للمرء من الأمر سوى
ما رآه ظاهرا أو سمعه
وخفايا الغيب لله الذي
يعلم السر ويدري موقعه
احترس ما الظن إلا شبهة
تتقيها كل نفس ورعه
واتبع الحق فهذا حكمه
جاء في القرآن كيما تتبعه •••
ما سبيل المرء يرتاد الهدى
كسبيل المرء يبغي المنفعه
ما نأى المؤمن عن عادته
حين ينأى عن هوان وضعه
السرية الثانية
كانت إلى بني الملوح بالكديد - اسم ماء بين عسفان وقديد - خرج إليها في صفر من السنة الثامنة، وكان من رجال هذه السرية جندب بن مكيث الجهني (رضي الله عنه) قال: لما بلغوا قديد وجدوا الحارث بن مالك الليثي المعروف بابن البرصاء فأخذوه، فقال: إني جئت أريد الإسلام وما خرجت إلا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: إن تكن مسلما فلن يضرك رباط يوم وليلة، ثم وضعوا عليه حارسا، وأمروه أن يقتله إذا ظهر منه سوء، وساروا حتى أتوا الكديد، فجعله أصحاب جندب بن مكيد ربيئة لهم، فأشرف على رأس تل فرآه رجل من بني الملوح فرماه بسهمين، وقع الأول بين عينيه فنزعه، والثاني في منكبه فكذلك، ثم نام القوم فحمل المسلمون عليهم سحرا، فقتلوا منهم من قتلوا واستاقوا النعم، واستصرخ القوم، فاجتمع عدد كثير وحملوا على المسلمين، فأرسل الله السيل في الوادي، وادي قديد، من غير سحابة ولا مطر فحال بينهم، وأسلم ابن البرصاء وهو صحابي توفي آخر خلافة معاوية.
بني الملوح لا حام ولا واق
طاف الردى وتلاقى الشرب والساقي
أتتكم المرهفات البيض زائرة
فاستقبلوها بهامات وأعناق
مشى بها غالب في غير ما وهن
يلف للحرب آفاقا بآفاق
رمت به همم الإيمان ممعنة
فالشرك يرجف من خوف وإشفاق
ما خطب هذا الذي لاقت فوارسه
عند القديد أيمضي غير معتاق؟
كلا فإن يك حقا ما يقول فما
فيما يريدون من ظلم وإرهاق
يقيم حتى يعودوا ثم يصحبهم
إلى الرسول على عهد وميثاق
وإن يكن كاذبا فالسيف صاحبه
والسيف صاحب صدق غير مذاق •••
جاءوا «الكديد» فما يعفى ربيئتهم
والنوم يلهو بأجفان وأحداق
ولاح بالليل فوق التل منظره
لساهر قام من ذعر على ساق
رمى بسهمين لم يخطئ له نظر
ولم يجاوزه في نزع وإغراق
انزعهما ابن مكيث لا تكن جزعا
ولا ترع لدم في الله مهراق
ويا سيوف رسول الله لا تدعي
للعاكفين على الأصنام من باق
النازلين وراء الحق منزلة
ما اختارها غير فجار وفساق
ما ينكرون من الدين الذي كرهوا؟
هل جاء إلا بآداب وأخلاق؟
دين السجايا العلى تمضي بهم صعدا
ما تستطيع مداها همة الراقي
دين هو الغل ينهى كل مبتدع
يرمي النفوس بأغلال وأطواق
لا يحبس النفس إلا حين يطلقها
وليس يظلم في حبس وإطلاق •••
بني الملوح ردوا من غوايتكم
فالحق ذو وضح باد وإشراق
هو الشقاء لأدواء النفوس إذا
حار الطبيب وأمسى رهن إخفاق
أتصدفون عن المثلى وقد هتفت
بها الدعاة فلبى كل سباق؟
لولا العمى ما اقتديتم في ضلالتكم
بمعشر من قريش غير حذاق
والناس من زعماء السوء في خبل
يؤذي الطبيب ويعيي حكمة الراقي
يا ويلكم إن رضيتم جوف مظلمة
مسجورة ذات أطواء وأعماق
ماذا صنعتم بخيل الله حين دعا
يستصرخ الحي منكم كل نعاق؟
طارت بكم غارة حرى فأطفأها
وادي قديد بسيل منه دفاق
لا تنكروا وقضاء الله يرسله
ما كان من دهش جم وإطراق
أعظم بها آية لولا جهالتكم
كانت لخير البرايا خير مصداق
سيقت لنصرته الأقدار تمنعكم
أن تدركوا جنده كل منساق
وأنا يا أيها المزجي مطيته
إلى الرسول يوالي سير مشتاق
أصبت من نعمة الإسلام كنز هدى
أغناك ربك منه بعد إملاق
فاسعد برزقك واشكر من حباك به
سبحانه من عظيم الفضل رزاق
السرية الثالثة
لما عاد غالب بن عبد الله الليثي (رضي الله عنه) من الكديد أرسله النبي
صلى الله عليه وسلم
إلى موضع مصاب أصحاب بشير بن سعد «بفدك» في صفر سنة ثمان، ومعه مئة رجل، فأغاروا على بني مرة فقتلوا وغنموا، وكان بشير (رضي الله عنه) قد سار إليهم في شعبان سنة تسع ومعه ثلاثون رجلا، فما رأوا منهم أحدا وعادوا بالنعم والشاء، فأدركوهم وجعلوا يرمونهم بالنبل، فقتل من قتل وولى الباقون إلا بشيرا، فقد ثبت لقتالهم حتى جرح فسقط وبه رمق، وعمد القوم إلى اختباره بضربة في كعبه فلم يتحرك، فظنوا أنه قد مات، وانصرفوا عنه لنعمهم وشائهم، فتحامل هو فذهب في الليلة التالية إلى فدك، فأقام فيها عند بعض اليهود حتى قوي ثم عاد إلى المدينة بعد أيام.
بني مرة اقضوا أمركم قبل غالب
وذوقوا منايا القوم من كل ذاهب
بشير بن سعد والذين أصابهم
أذاكم رموكم بالقروم المصاعب
جهلتم جزاء البغي والبغي مركب
لذي الجهل يؤذي شؤمه كل راكب
خذوا جزاء من يد الله عادلا
يدمر منكم كل راض وغاضب
بليتم بخصم لا تنام سيوفه
عن الوتر إن نامت شفار القواضب
أبي على الكفار يسقيهم الردى
ويأخذهم بالخسف من كل جانب
حفي بدين الله يمنع حوضه
ويكفيه أضغان العدو المشاغب
هو الدم لا يشفي من الجهل غيره
إذا لم يفد فيه ضروب التجارب
أجل يا ابن عبد الله إن الوغى لها
رجال يرون الحزم ضربة لازب
شددت قوى الأبطال بالموثق الذي
عقدت على تلك القوى والجواذب
فعهد على عهد من الله ثابت
وإلف على إلف من الدين راتب
أخ لأخ جم الوفاء وصاحب
أمين الهوى يرعى الذمام لصاحب
ويا لك إذ تلقي بما أنت قائل
على الجند آداب الكمي المحارب
أخذت رماة النبل بالسيف ما رمى
بغير المنايا عن يدي كل ضارب
سقاهم نقيع الحتف من كل ماجد
جرى الحتف صرفا في دم منه ذائب
لذي الحلم من حسن المثوبة ما ابتغى
وللجاهل المغرور سوء العواقب
دعاك رسول الله أصدق من دعا
إلى الحق ترمي دونه غير هائب
فكنت أمام الجيش أكرم قادم
وكنت وراء النهب أكرم آيب
مقام تمناه الزبير ومطلب
يراه الفتى المقدام أسنى المطالب
ظفرت به يا توأم النصر توأما
لما نلت من مجد على الدهر دائب
مضى لك يوم في الكديد مشهر
يحدث عن جد امرئ غير لاعب
فيا حسنها من وقعة غالبية
ويا لك من يوم جليل المناقب
سرية بشير بن سعد (رضي الله عنه)
وهي السرية الثانية له بعد التي ورد ذكرها في السرية السابقة، كانت إلى عين وجبار، وهي أرض لغطفان، وقيل لفزارة، خرج إليها في شوال سنة سبع ومعه ثلاث مئة رجل، وسبب خروج هذه السرية أن عيينة بن حصن أعد جمعا بأرض غطفان للإغارة على المدينة، فلما بلغهم مسير بشير إليهم هربوا، وأصاب هو وأصحابه نعما كثيرة لهم فغنموها، ثم لقوا الجمع وهو لا يشعر بهم فانهزم بغير قتال، وتبعوهم فأسروا منهم رجلين أسلما وخلى سبيلهما.
عيينة ماذا أنت - ويحك - صانع؟
وما ذلك الذي أنت جامع
رويدك هل يغزو المدينة حانق
ويطمع فيها يا عيينة طامع؟
هي الصخرة العظمة فلا البأس نافع
إذا جئت تبغيها ولا السيف قاطع
لها من جلال الله حصن ممنع
يرد الأذى عنها وجيش مدافع
وفيها رسول الله والنفر الألى
يهون عليهم أن تهول الوقائع
إذا وردوا الهيجاء فالنقع قاتم
وإن صدروا بالخيل فالنصر لامع
بشير بن سعد يا عيينة قادم
فهل أنت بالجمع المضلل راجع؟
أتاكم على بعد المزار حديثه
فلا قلب إلا واجف منه جازع
فررتم تريدون النجاة وقد بدا
لكم منه يوم هائل البأس رائع
وغادرتم الأنعام تعوي رعاتها
وتندبها آثارها والمراتع
فيا لك من نهب تولى حماته
وأقبل يزجى سربه المتتابع
ويا للأسيرين اللذين نهاهما
عن الشرك ناه من هدى الله رادع
هما أسلما لما بدا الحق واضحا
وللحق نور للعماية صادع
أطاعا رسول الله فاهتديا به
وما يستوي في الناس عاص وطائع
عيينة من ينزع إلى الرشد لا يزل
على لاحب منه فهل أنت نازع
سرية عمرو بن العاص (رضي الله عنه) إلى بلاد بلي
وعذرة
تقع هذه البلاد وراء وادي القرى، بينها وبين المدينة عشرة أيام، وبلي قبيلة كبيرة تنسب إلى بلي بن عمرو بن إكاف بن قضاعة، وتنسب عذرة إلى عذرة بن سعد بن قضاعة، وتسمى هذه السرية ذات السلاسل؛ لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، والمراد أنهم تجمعوا وانضم بعضهم إلى بعض، وقيل لأن بهذه البلاد ماء يسمى: السلسل.
كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان، وسببها أن جمعا من قضاعة أرادوا الإغارة على المدينة، فبعثها النبي
صلى الله عليه وسلم
تحت إمرة عمرو بن العاص، وعددها ثلاث مئة رجل من سراة المهاجرين والأنصار، فلما اقترب من القوم بعث رافع بن مكيث الجهني إلى النبي يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مئتين من أكابر المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر، وأوصاه بطاعة عمرو، فأراد أن يؤم الناس في الصلاة، فأبى عمرو وقال: أنا الأمير، فأطاع أبو عبيدة، وما زال عمرو يصلي بالناس، وحمل المسلمون على العدو، فهربوا بعد أن اقتتلوا ساعة، فقتلوا وغنموا، وأمر عمرو أن لا يوقدوا نارا، فأنكر عمر ذلك، فقال أبو بكر: دعه، فما بعثه النبي إلا لعلمه بالحرب، وأرادوا أن يتبعوا العدو وهو مدبر فمنعهم، فلما عاد سأله النبي فقال: كرهت أن يوقدوا نارا فيرى العدو قلتهم، وأن يتبعوهم فيكون لهم مدد.
إلى ذات السلاسل من بلي
وعذرة فامض بورك من مضي
تدفق بالألى جاشت قواهم
إليك تدفق السيل الأتي
إلى قوم من الأعداء تطوى
جوانحهم على الداء الدوي
تألب جمعه من كل أوب
يحاول بالسيوف حمى النبي
أهزل من قضاعة أم خيال
غوي جال في جو غوي؟
تولى الكفر أمر القوم فيه
فسوف يرون عاقبة الولي
جمعت لحربهم يا عمرو بأسا
يزلزل كل جبار عتي
رأيت جموعم شتى فهذا
رسولك جاء بالمدد القوي
عليه أبو عبيدة في سلاح
يمج عصارة الموت الوحي
نهاه محمد عن كل أمر
تضيق به وما هو بالعصي
ينازعك الإمامة ثم يرضى
وتلك سماحة الخلق الرضي
رميت الكافرين بكل ماض
من الأبطال يعصف بالرمي
فزالوا عن حظائرهم سراعا
ولم تغن الرباق عن الشوي
تواصوا بالثبات فزلزلتهم
صواعق ما تكف عن الهوي
هو البأس استطار فلا ثبات
لغير السيف والبطل الكمي
قضيت السؤل من قتل وغنم
ونلت ذؤابة الشرف العلي
وكنت القائد الفطن الملقى
فنون المكر والكيد الخفي
منعت النار خيفة أن تعري
جنودك شيمة الحذر الذكي
تدافع دون عدتهم عدوا
تخادعه عن الأمر الجلي
ولم تتبع قضاعة إذ تولت
وإذ ذهل الصفي عن الصفي
تقاتلها بسيف من دهاء
يمزقها بحد لوذعي
رمى الفاروق من عجب بقول
يثير حمية الرجل الأبي
فقال له أبو بكر رويدا
ولا تعدل عن السنن السوي
رسول الله أكثر منك علما
بصاحبه ولست له بسي
وما للحرب إلى كل طب
يصرفها برأي عبقري •••
أمير الجند يا لك من سري
أصاب أمارة الجند السري
مشى الصديق والفاروق فيه
على أدب من الخلق السني
وهل يقضى على اسم الله أمر
فينكره التقي على التقي؟
إذا استوت المراتب وهي شتى
فما فضل اللبيب على الغبي؟
أجل يا عمرو ما بك من خفاء
إذا فزع الرجال إلى الكفي
شأوت السابقين إلى محل
يجاوز غاية الأمد القصي
وذلك فضل ربك زيد فيه
على يده لذي الجد الحظي
سرية أبي عبيدة بن الجراح
وتسمى سرية الخبط، وذلك لما أصابها من الجوع فألجأها إلى أكل الخبط، وهو ورق السلم؛ فإنها خرجت للجهاد، ولم يكن معها من الزاد سوى جراب تمر زودها النبي
صلى الله عليه وسلم
إياه، وسماها البخاري سرية سيف البحر؛ أي ساحله، بعث أبو عبيدة في رجب من السنة الثامنة بعد أن نقضت قريش عهد الرسول الكريم، وقبل فتح مكة، ومعه ثلاث مئة وبضعة عشر رجلا من المسلمين، فيهم عمر بن الخطاب، إلى أرض جهينة ليلقى عيرا لقريش، ويحارب حيا من هذه القبيلة، فلما اشتد بهم الجهد ابتاع قيس بن سعد بن عبادة من أحد رجال جهينة خمس جزائر بخمسة أوسق من التمر يؤديها أبوه عنه بالمدينة، فنحر لهم ثلاثا، وبقي اثنان عاد بهما إلى المدينة يتعاقب المسلمون عليهما.
هم سادة الحرب من شيب وشبان
ساروا سراعا فما في القوم من وان
حيدي جهينة أو بيدي مذممة
حم القضاء وخفت أسد خفان
سرية الله ترمي عن يدي بطل
عالي اللواء رفيع القدر والشان
أبا عبيدة أوردها مظفرة
موارد النصر تشفي كل حران
ما للحفيظة إن جاشت مراجلها
إلا القواضب تسقى بالدم القاني
خانت قريش وأمسى عهدها كذبا
فبادر العير واضرب كل خوان
لا يعجبن جناة الشر إن حصدوا
ما يزرع الشؤم من بغي وعدوان
لا تبتئس بجراب التمر يحمله
أولو الحمية من صحب وإخوان
أعجوبة ما لها في الدهر من مثل
لكن ربك ذو فضل وإحسان
إن ينفد الزاد أغناكم وزودكم
ما ليس ينفد من تقوى وإيمان
كلوا من الخبط نعم الخبط من أكل
لكل ذي سغب في الله طيان
حياكم الله من صيد غطارفة
يلقون في البؤس عيش الناعم الهاني
هي النفوس بناها الله من شمم
نعم البناء وجلت قدرة الباني
وأنت يا قيس فانحرها مباركة
تجني بها الحمد يستعلي به الجاني
أسديتها يا ابن سعد خير عارفة
جاءت على قدر في خير إبان
ما في صنيعك من بدع ولا عجب
قيس ووالده في الجود سيان
كلاكما وسيوف الله شاهدة
غوث اللهيف وروح البائس العاني
ما أقرب الحق مما يبتغي عمر
لو لم تكن لأب للحق صوان
يقضيه عنك وإن أربيت تجعله
ما تحمل الأرض من إبل ومن ضان
ما مثل ما قدمت لله منك يد
ما قدم الناس من هدي وقربان •••
أبا عبيدة لولا أن عزمت على
قيس لأمعن قيس أي إمعان
يقول إذ رحت تنهاه وتمنعه
أبا عبيدة مهلا كيف تنهاني؟
أنا ابن سعد وسعد أنت تعرفه
مولى العشيرة من قاص ومن دان
يكفي المهم إذا ضاق الكفاة به
ويطعم الناس من مثنى ووحدان
أأصنع الصنع محمودا فيخذلني
أب أراه لغيري خير معوان؟
لا يبعد الله منه والدا حدبا
سمح الخلائق أرعاه ويرعاني
يا قيس إن رسول الله شاهده
فعد نفسك عن وصف وتبيان •••
رمت جهينة بالأبصار من فزع
فلم تجد غير أبطال وفرسان
لاذات بأكنانها القصوى ولو قدرت
لاذت من الزاخر الطامي بأكنان
وولت العير يخشى أن يحاط بها
من الألى هم ذووها كل شيطان
ماذا على القوم يرضى البأس إن غضبوا
أن لا يفوزوا بأكفاء وأقران؟
آبوا بخير وآبت كل طائفة
من الألى كرهوا الحسنى بخسران •••
للحق سلطانه فليأت منكره
إن استطاع له ردا بسلطان
ما حجة الشرك والأكوان شاهدة
بواحد سرمدي الملك ديان؟
سبحانه لن يصيب الجاهلون على
طول التوهم من رب لهم ثان
طاحت بهم غمرة ما تنجلي وطغت
على عقول لهم مرضى وأذهان
تلك البراهين تترى كل آونة
لو كان ينتفع الأعمى ببرهان •••
أخا جهينة عد في منظر بهج
عود امرئ مرح الأعطاف جذلان
تمر وكسوة معطاء وراحلة
بشرى الصديق وبؤس الحاسد الشاني
عرفت قيسا فتى مجد ومكرمة
صدقت إنك ذو علم وعرفان
نبئ جهينة واذكرها يدا عظمت
فليس في الحق أن يجزى بنسيان •••
إذا تدفق دين المرء في دمه
سرت معانيه في روح وجثمان
ما الدين يشرع من صدق ومن ورع
كالدين يشرع من زور وبهتان
سرية بشر بن أبي سفيان (رضي الله عنه) إلى بني تميم
أرسله النبي
صلى الله عليه وسلم
إلى بني كعب لأخذ صدقاتهم، وكانوا من بني تميم على ماء فمنعه هؤلاء من أخذها، فعاد إليه بخبرهم، فأرسل معه عيينة بن حصن - بعد إسلامه - في خمسين فارسا، فأغار على بني تميم وأخذوا منهم رجالا ونساء وصبيانا، وعادوا إلى المدينة، فجاء في أثرهم من رؤسائهم عطاء بن حاجب والزبرقان بن بدر والأقرع بن حابس، وأخذوا ينادون النبي وهو في داره أن اخرج إلينا نفاخرك ونشاعرك، وكان يستعد لصلاة الظهر، فلما خرج للصلاة تعلقوا به، وبعد أن قضاها عاد إليهم، فتكلم خطباؤهم وشعراؤهم، وأذن لثابت بن قيس وحسان بن ثابت، فخطب الأول وقال الثاني شعرا، ثم إنهم أسلموا فرد الأسارى إليهم، وأعطوا الجوائز السنية ، وأقاموا مدة بالمدينة يتعلمون القرآن.
سبيلك في مرضاة ربك يا بشر
وفي حقه فادأب وإن فدح الأمر
عليك بني كعب فخذ صدقاتهم
ولا تألهم نصحا لهم ولك الأجر
أطاعوك في ذات الإله وأقبلوا
كراما يرون الدين أن يبذل البر
فما لتميم ساء ما صنعت بنو
تميم أما للقوم رأي ولا حجر
أبوا أن يؤدوا الحق واهتاج جمعهم
فعب عباب البغي واحتدم الشر
يقول بنو كعب دعونا وديننا
وهيهات لج الشرك واستكبر الكفر
لك الله يا بشر فعد غير آسف
لربك فيهم حكمه ولك العذر
أتيت رسول الله تروي حديثهم
فهيجت بأسا مثلما يقد الجمر
أعد ابن حصن للوغى وأمده
بكل شديد البأس مطعمه مر
إذا ذاقه في غمرة الحرب قرنه
تنكب يلوي أخدعيه ويزور
أغار عليهم فاستباح نفوسهم
وأموالهم فلينظروا لمن الخسر؟
تساق سباياهم وأنعامهم معا
بأعينهم من كل أوب وهم كثر
تود لو أن القوم يستنقذونها
وهيهات لج الرعب واستفحل الذعر
أقاموا على غيظ وعاد عيينة
مغانمه شتى وآثاره غر
عليه من النصر المحجل بهجة
إذا ائتلفت أوضاحها ضحك النصر
يظل أسارى القوم في دار «رملة»
مجازيع مما يصنع الحبس والأسر
رأوا سوء عقباهم فأقبل وفدهم
وضج الأسارى إننا مسنا الضر
تصيح ذراريهم وتبكي نساؤهم
وجهد الأسى أن تهطل الأدمع الغزر
أتوا دار أمضى الناس رأيا وهمة
لنائبة تعتاد أو حادث يعرو
ينادونه في ضجة من ورائها
ولو ملكوا صبرا لأغناهم الصبر
ألا اخرج إلينا وانظر اليوم أينا
له الشرف العالي الذرى وله الفخر؟
فلما رأوه خارجا علقوا به
ولم يثنهم صوت الأذين ولا الزجر
قضاها صلاة يحمل الروح نشرها
فلا أرج يحكي شذاها ولا نشر
وعاد حميدا ينظر القوم حوله
لهم صلف ما ينقضي وبهم كبر
يقولون قول الجاهلين وقلما
يفيد الهراء القوم أو ينفع الهجر
عطارد مهلا وانه صحبك إنما
أردتم مقاما دونه الشعر والنثر
ألا إن قول الصدق ما قال ثابت
وحسان فاشهد إنما يشهد الحر
خطيب رسول الله ما فيه مرية
وشاعره ما مثله شاعر بر
غلبتم فأسلمتم فبشرى بنعمة
حباكم بها رب له الحمد والشكر
خذوا السبي والأسرى وهذا عطاؤكم
عطاء كريم ما لآلائه حصر
أحبوا رسول الله يا قوم إنه
محبته غنم ومرضاته ذخر
عطوف على ذي الضعف يؤتيه فضله
عفو حليم ما يضيق له صدر
أقيموا على الفرقان تتلون آيه
فذلك نور الله ما دونه ستر
كتاب يضيء السبل في كل مطلع
لكل ابن ليل من مطالعه الفجر
خذوا زادكم منه وعودوا لقومكم
فما ثم زاد مثله أيها السفر
سرية أبي سفيان والمغيرة بن شعبة (رضي الله عنهما) لهدم
اللات
أرسلهما النبي
صلى الله عليه وسلم
بعد رجوعه من تبوك، لهدم اللات صنم ثقيف، فذهبا في بضعة عشر رجلا فهدموها، وأراد المغيرة أن يسخر بثقيف، فلما علاها ليهدمها بالمعول ألقى بنفسه، فقالوا قتلته، وخرج النساء حسرا يبكون عليها.
هدموها وأخذوا حليتها وكسوتها، وما كان فيها من ذهب وفضة وطيب، وأقبلوا على النبي فحمد الله.
ثقيف اجمعي للات ما شئت من عزم
ولا تسلميها للمعاول والهدم
أتاها أبو سفيان يرمي كيانها
بخطب يزيد الكفر رغما على رغم
وإن لها عند المغيرة همة
تبيت لها الكفار صرعى من الهم
علاها بنعليه وألقى بنفسه
يخادع من لا يستفيق من الوهم
ظننتم به شرا وقلتم أصابه
من اللات ما ينهى الغوي عن الإثم
ألا فانظروها كيف أضحت صخورها
تطير فضاضا من صلاب ومن صم
تهد وتبكيها العقائل حسرا
فها عندها بالمأتم الضخم من علم؟
وهل منعت أسلابها إذ أصابها
رسول هدى يزداد غنما على غنم؟
له من دم الكفار ما شاء ربه
ومن مالهم في غير بغي ولا ظلم
هم البغي والظلم المذمم والأذى
وما ثم من عيب شنيع ومن ذم
علت قبة الإسلام واعتز جنده
فمن شرف واف ومن سؤدد جم
هو الدين لا دين الجهالة والعمى
وهل يستحب الجهل من كان ذا حلم؟
قضى الله ألا يعبد الناس غيره
فما لسواه من قضاء ولا حكم
وليس له غير الذي عاب دينه
وأعرض عنه من عدو ولا خصم
سيصليه نارا ينضج الجلد حرها
ويذهب يوم الدين باللحم والعظم
سرية أسامة بن زيد بن حارثة (رضي الله عنهما)
كانت هذه السرية إلى «أبنى»، ناحية بالبلقاء من أرض الشام، وهي آخر السرايا، أمره النبي
صلى الله عليه وسلم
يوم الاثنين السادس والعشرين من صفر من السنة الحادية عشرة بالتهيؤ لغزو الروم، فلما كان من الغد دعاه وقال له: «سر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل، وقد وليتك أمر هذا الجيش»، فلما كان يوم الأربعاء حم وصدع (صلوات الله وسلامه عليه)، فلما أصبح يوم الخميس عقد له لواء وقال له: «اغز باسم الله وفي سبيل الله»، وخرج أسامة فدفع اللواء إلى بريدة بن الحصيب، وتهيأ المهاجرون والأنصار للخروج، وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، واستنكف قوم من تأمير أسامة، وقالوا: غلام، وكان سنه 17 أو 19 أو 20 سنة، وبلغت النبي مقالتهم، فغضب كثيرا وخرج وقد عصب رأسه فصعد المنبر، وقال: «أما بعد، أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟ ولئن طعنتم في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق بالإمارة، وإن كان من أحب الناس إلي، وإنه لمظنة كل خير، فاستوصوا به فإنه من خياركم».
وكان ذلك يوم السبت عاشر شهر ربيع الأول، وأمر النبي أبا بكر بالتخلف ليصلي بالناس، فلما كان يوم الأحد اشتد وجعه، فجاء أسامة وطأطأ فقبله، ثم رجع إلى معسكره «بالجرف»، ثم عاوده يوم الاثنين فقال له: «اغد على بركة الله» فودعه وخرج، وأمر الجيش بالرحيل، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول: لا تعجل، فإن المرض قد اشتد على الرسول، فأقبل وأقبل معه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة، وانتهوا إليه
صلى الله عليه وسلم
وقد توفي، وعاد الجيش إلى المدينة، وعاد بريدة باللواء، فغرزه عند النبي، فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة، وأن يمضي أسامة لما أمر به ، فخرج وسار أبو بكر (رضي الله عنه) يودعه ماشيا، وقد نصره الله وأيده.
سر يا أسامة ما لجيشك هازم
أنت الأمير وإن تعتب واهم
قالوا غلام للكتائب قائد
وفتى على الصيد الخضارم حاكم
غضب النبي وقال إني بالذي
جهل الغضاب الساخطون لعالم
إن يجهلوه فقد عرفت مكانه
والعدل عندي لا محالة قائم
ولئن رموه بما يسوء فقد رموا
من قبل والده ولج الناقم
نقموا الإمارة فيهما وهما لها
أهل فكل أحوذي حازم
الخير فيه وفي أبيه فآمنوا
يا قوم وانطلقوا لما أنا عازم •••
ساروا وظل مع النبي خليله
والخطب بينهما مقيم جاثم
ينتاب مضجعه وينظر ما الذي
صنع القضاة فهمه متراكم
مرض النبي طغى عليه فقلبه
يغشاه موج للأسى متلاطم
ودرى أسامة فانثنى في جيشه
والحزن طام والدموع سواجم •••
مات الرسول المجتبى مات الذي
أحيا نفوس الناس وهي رمائم
مات الرسول فكل أفق عابس
أسفا عليه وكل جو قاتم
مات الذي شرع الحياة كريمة
والناس شر والحياة مآثم
مات الذي كانت عجائب طبه
تشفي العقول وداؤها متفاقم
طاشت لمصرعه عقول رجح
ووهت قوى مشدودة وعزائم
دنيا الممالك بعد عصر محمد
حزن يجدد والعصور مآتم
صلى عليك الله إن قضاءه
حتم وإن زعم المزاعم حالم •••
عاد ابن زيد بالكتائب ما لوى
من عزمه الحدث الجليل العارم
يمشي الخليفة لائذا بركابه
وكأنما هو سائق أو خادم
وأبى الأمير فقال دونك مركبي
لا تمش إني إن فعلت لغانم
ولئن أبيت لأنزلن كرامة
لك فاقض أمرك لا نبا لك صارم
قال الخليفة ما أراك بمنصفي
دعني فللإسلام حق لازم
أنا من جنودك لو ملكت رأيتني
تحت اللواء فهالك أو سالم •••
قضي الوداع وعاد مشكور الخطى
يرعاه للإسلام رب راحم
سر يا أسامة فالقواضب لم تمت
هي ما ترى وهو الجهاد الدائم
وإذا البواتر واللهاذم أعوزت
فالمسلمون بواتر ولهاذم
يا لاثم القمر المنير مودعا
هل كان قبلك للكواكب لاثم؟
هي يا أخا الشوق المبرح قبلة
ما ذاق لذتها مشوق هائم
ولقد تكون وفي حلاوتها أسى
مر مذاقته ووجد جاحم •••
زلزل جنود الروم واهدم ملكهم
في عزه العالي فنعم الهادم
قتلوا أباك فلا تدعهم واعتصم
منهم بربك إنه لك عاصم
ولقد هزمت جموعهم فتفرقوا
وشفاك منهم جيشك المتلاحم
وأجلت خيلك في عراص ديارهم
وفعلت فعلك والأنوف رواغم
قتل وأسر هد من عزماتهم
وأذلهم وكذاك يجزى الظالم
ولئن أزلت ديارهم ونخيلهم
من بعدما ظلموا فما لك لائم •••
عد يا ابن زيد باللواء مظفرا
وانعم فبال محمد بك ناعم
هذا أبو بكر مشى في صحبه
يلقاك مبتهجا وركبك قادم
هم هنأوك وأنت أهل للذي
صنعوا وحسبك أن يفيق النائم
اشكر صنيع الله يا شيخ الوغى
إن الذي عاب الغلام لنادم
حب الرسول لك البشارة إنه
شرف له فوق النجوم دعائم
ماذا يقول ذوو الحفيظة بعدما
شكرت أمية ما صنعت وهاشم
عفوا فتلك حمية عربية
أعيا الأوائل عهدها المتقادم
للمرء من نور الحقائق ما يرى
لا ما تريه وساوس ومزاعم
والناس عند فعالهم إن يفعلوا
خيرا فأحرار النفوس أعاظم
لا حكم للأنساب أو للسن في
ما قال فيهم مادح أو واهم
Page inconnue