وقد أحسن في هذه الأبيات ما شاء وفي قوله أيضًا لمالك بن طوق وقد حجبه:
(قل لابنِ طوقٍ رحا سعدٍ إذا خبطتْ ... نوائبُ الدَهرِ أعلاها وأسفلَها)
(أصبحتَ حاتمها جودًا وأحنفها ... حلمًا وكيسها علمًا ودغفلها)
(مالي أرى الحجرةَ الفيحاء مقفلةً ... عني وقد طالَ ما استفتحتُ مقفلَها)
(كأنها جَنةُ الفردوسِ معرضةً ... وليس لي عملٌ زاكٍ فأدخلَها)
وليس لهذا التمثيل نظير في حسنه وبراعته. وكتب الصاحب أبو القاسم إلى بعضهم يعاتبه في صغر كتابه إليه: كتابي وعندي نعم من أعظمها خلوص ودِّك وبقاء عهدِك ورد لي كتاب حسبته يطير من يدي لخفته ويلطف عن حسي لقلته وعهدي بك تروي إذا سقيت وتجزل إذا أعطيت فما الذي أحالك وبدل حالك أملال أم كلال أم إقلال وليس عندي أنك تملُ صديقًا صدوقًا وشفيقًا شقيقًا ولا عندي أنك تكلُ ولو ملأت الأرض كلامًا وشحنت صفحات الجوِّ نظاما ولا عندي أنك تقلُّ وبحر فضلك فياض وثوب علمك فضفاض فما أملك وقد نبوت وزهدت وجفوت إلا أن أصبر على هجرتك كما تمتعت بصلتك لتكون عني نسخة أخلاقك إذا قربت وبعدت ووصلت وصددت وأكره أن أطيل وقد قصرت وأكثر وقد أقللت فتسأمني كما سئمت عادتك وتتركني وقد تركت شيمتك فأحب أن تطالعني بأخبارك وعوارض أوطارك إن شاء الله تعالى:
(إذا أنتَ عاتبتَ الصديقَ ولم يكنْ ... يودُّك لم يعتبك حينَ تعاتُبه)
(ومن يرعَ شرقيَ البلادِ سوامهُ ... وغربيها يملكه؟ صاحبه)
(ومن يخلط الماءَ الزُلالَ بآجنٍ ... من الماء تخبث ما تطيب مشاربه)
وكتبت جوابًا عن كتاب نقصت فيه من الخطاب: وقفت على الفصل المؤذن بالجفاء المشتمل على سوء الجزاء وعلى ما احتواه من دنئ الخطاب ووضيع الدعاء