قسم هذا الشاعر ثم فسر فأحسن ولم يدع مزيدًا. ومن عجيب ما روي في الحلم
ما أخبرنا به أبو أحمد عن رجاله قال جيء قيس بن عاصم بابن له قتيلًا وابن أخ له كتيفا وقيل له هذا قتل ابنك فلم يقطع حديثه ولا نقض حبوته فلما فرغ من حديثه التفت إلى بعض بنيه فقال قم إلى ابن عمك فأطلقه وإلى أخيك فادفنه وإلى أم القتيل فاعطها مائة ناقة فإنها غريبة لعلها أن تسلو عنه ثم اتكأ على شقة الأيسر وقال:
(إني امرؤٌ لا يعتري خُلُقي ... دَنَسٌ يغيرُهُ ولا أفنُ)
(من مِنقرٍ في بيتِ مَكرُمَةٍ ... والفرعُ يَنبتُ فوقهُ الغصنُ)
(خُطباءُ حينَ يقولُ قائلهم ... بيضُ الوجوهِ مصاقعُ لُسنُ)
(لا يفطنونَ لعيبِ جارهمِ ... وهمُ لحفظِ جوارهم فُطنُ)
ويوصف الحلم بالرزانة وأجود ما قيل في ذلك قول مروان بن أبي حفصة:
(ثلاثٌ بأمثالِ الجبالِ حياهمُ ... وأحلامُهم منها لدَى الوزنِ أثقلُ)
وقد ذكرناه. والعرب تسمي العلم حلمًا قال المتلمس:
(لذي الحلم قبل اليوم ما تُقرع العصا ... وما عُلّم الإنسانُ إلا ليعلما)
ومن أشرف نعوت الإنسان أن يدعى حليمًا لأنه لا يدعاه حتى يكون عاقلًا وعالمًا ومصطبرًا محتسبًا وعفوًا وصافحًا ومحتملًا وكاظمًا، وهذه شرائف الأخلاق وكرائم السجايا والخصال. وقد خولف هؤلاء فقيل في خلاف مذهبهم هذا أنشد المبرد:
(أبا حسنٍ ما أقبحَ الجهلَ بالفتى ... وَللحلُم أحيانًا من الجهلِ أقبحُ)
(إذا كانَ حلمُ المرءِ عَوْنَ عدوِّهِ ... عليه فإن الجهل أعفى وأروحُ)
وقال غيره:
(قليلُ الأذى إلا عن القرن في الوغى ... كثيرُ الأيادي واسعُ الذرعِ بالفضلِ)
(ويحلم ما لم يجلب الحلمُ ذلةً ... ويجهلُ ما شدت قوى الحلمَ بالجهل)
وقال غيره: