الجزء الأول
أبو الزهراء
مصر
يوم السلام
رثاء سعد
إبراهيم بطل الشرق
الحب والحرب
رشيد
أبو الأشبال ...
الأعمى
رثاء إسماعيل صبري باشا
الفخر
اللغة العربية ودار العلوم
ضحك القدر
الجامعة المصرية
العروبة
أفول نجمين
من شاعر إلى شاعر
تحية الإياب
العيد المئوي لوزارة المعارف
كل بيت فيه سعد ماثل
وصية
ذكرى قاسم أمين
دار العلوم
مولد الفاروق
قبعة بعد عمامة
رثاء زعيم
التاجية الكبرى
السودان
إلى الأستاذ أحمد لطفي السيد باشا
العاشق الغضبان
عيد الجلوس الملكي
دمعة على صديق
الدعوة إلى الوئام
إلى مجلة الهلال
تهنئة الفاروق بعيد الفطر
أعلام المجمع
بغداد
صومان
الزفاف الملكي
جرح لم يندمل
تحية دار الإذاعة
نقيب
وفاء صديق
رشيد تحيي الفاروق
إلى روح داود بركات
لبنان الثائر
ذكرى الغرب
شروق كوكب
مصر تعزي العراق
صدى أنات حائرة
غزل شاعرين
صبح باسم
يوم عبوس
ضيف كريم
نصل الموت
أفراح مصر
الحرب
يا أبا الأمة
ميلاد الأميرة فريال
ضن الشعر بالمديح (عام 1945م)
نشيد التاج
تقريظ
تحية الشعر للأميرة
إلى جريدة
نشيد المعلمين
الإسكندرية
الجزء الثاني
محمد رسول الله
فلسطين
رثاء شوقي
إسماعيل العظيم
الحب
مصيف رشيد
زيارة ملك
الشريد
قبر حفني
قبلة
اللغة العربية
حنين طائر
عيد جلوس الملك فؤاد
الجامعة العربية
خلود
الشباب
في الزيارة الملكية
المجمع اللغوي
مصر الوالهة
إلى الأستاذ الإمام
رثاء الزهاوي
افتتاح الإذاعة
ميلاد الفاروق
الشيخ الغزل
رثاء محمود فهمي النقراشي باشا
الزفاف الملكي
تمثال سعد
الدكتور علي إبراهيم باشا
ليلة وليلى
عيد جلوس الفاروق في السودان
رثاء أمين
وزارة سعد
إلى نادي المعلمين
تهنئة المليك بالعيد (فاروق الأول)
عبد العزيز جاويش
الصلح بين القبائل
ثقيل!!
ذكرى الزفاف الملكي
رثاء عاطف
عيد دار الإذاعة
تكريم
من أخبر الجمل؟!
هجاء ...
رثاء أنطون الجميل باشا
لبنان
برنادوت
الملك
فارس الصحافة
إلى علي إبراهيم باشا
الوباء
رضا اليأس
عيد الأعياد
صديق عدو وعدو صديق
الوطن
نجيب متري
تغريد
ذكرى وتاريخ
مصطفى النحاس باشا
درة التاج
تهنئة صديق
بهجة الأفراح
دعابة
إلى أنطون الجميل
الفيوم
جورجي زيدان
باريس
معاهدة 19361
الجزء الأول
أبو الزهراء
مصر
يوم السلام
رثاء سعد
إبراهيم بطل الشرق
الحب والحرب
رشيد
أبو الأشبال ...
الأعمى
رثاء إسماعيل صبري باشا
الفخر
اللغة العربية ودار العلوم
ضحك القدر
الجامعة المصرية
العروبة
أفول نجمين
من شاعر إلى شاعر
تحية الإياب
العيد المئوي لوزارة المعارف
كل بيت فيه سعد ماثل
وصية
ذكرى قاسم أمين
دار العلوم
مولد الفاروق
قبعة بعد عمامة
رثاء زعيم
التاجية الكبرى
السودان
إلى الأستاذ أحمد لطفي السيد باشا
العاشق الغضبان
عيد الجلوس الملكي
دمعة على صديق
الدعوة إلى الوئام
إلى مجلة الهلال
تهنئة الفاروق بعيد الفطر
أعلام المجمع
بغداد
صومان
الزفاف الملكي
جرح لم يندمل
تحية دار الإذاعة
نقيب
وفاء صديق
رشيد تحيي الفاروق
إلى روح داود بركات
لبنان الثائر
ذكرى الغرب
شروق كوكب
مصر تعزي العراق
صدى أنات حائرة
غزل شاعرين
صبح باسم
يوم عبوس
ضيف كريم
نصل الموت
أفراح مصر
الحرب
يا أبا الأمة
ميلاد الأميرة فريال
ضن الشعر بالمديح (عام 1945م)
نشيد التاج
تقريظ
تحية الشعر للأميرة
إلى جريدة
نشيد المعلمين
الإسكندرية
الجزء الثاني
محمد رسول الله
فلسطين
رثاء شوقي
إسماعيل العظيم
الحب
مصيف رشيد
زيارة ملك
الشريد
قبر حفني
قبلة
اللغة العربية
حنين طائر
عيد جلوس الملك فؤاد
الجامعة العربية
خلود
الشباب
في الزيارة الملكية
المجمع اللغوي
مصر الوالهة
إلى الأستاذ الإمام
رثاء الزهاوي
افتتاح الإذاعة
ميلاد الفاروق
الشيخ الغزل
رثاء محمود فهمي النقراشي باشا
الزفاف الملكي
تمثال سعد
الدكتور علي إبراهيم باشا
ليلة وليلى
عيد جلوس الفاروق في السودان
رثاء أمين
وزارة سعد
إلى نادي المعلمين
تهنئة المليك بالعيد (فاروق الأول)
عبد العزيز جاويش
الصلح بين القبائل
ثقيل!!
ذكرى الزفاف الملكي
رثاء عاطف
عيد دار الإذاعة
تكريم
من أخبر الجمل؟!
هجاء ...
رثاء أنطون الجميل باشا
لبنان
برنادوت
الملك
فارس الصحافة
إلى علي إبراهيم باشا
الوباء
رضا اليأس
عيد الأعياد
صديق عدو وعدو صديق
الوطن
نجيب متري
تغريد
ذكرى وتاريخ
مصطفى النحاس باشا
درة التاج
تهنئة صديق
بهجة الأفراح
دعابة
إلى أنطون الجميل
الفيوم
جورجي زيدان
باريس
معاهدة 19361
ديوان علي الجارم
ديوان علي الجارم
تأليف
علي الجارم
الجزء الأول
مقدمة المؤلف
بقلم علي الجارم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة على جميع رسله وأنبيائه، وبعد فإني لا أريد أن أسهب في الكلام على معنى الشعر وخصائصه. ومبعث الروحانية فيه؛ ذلك لأن هذا المبحث طرقه الباحثون كثيرا فأخفقوا. وأطالوا فيه فكانت إطالتهم أول دليل على العي والحصر، ومن العي إطالة الكلام، وتكرار تاء التمتام.
أرادوا أن يحدوا روحانيته بالألفاظ. فعجزت الألف، وضلت الباء، وكيف يحيط المحدود بغير المحدود؟ وكيف تكشف ظلمة المادة توهج النور؟
إن شرح آثار الإحساس الجسمي من أبعد الأمور تأتيا، وأدخلها في باب الاستحالة. أرأيت لو أنك ذقت سكرا أو ملحا، ثم سألك سائل متعنت أن تشرح له طعم السكر أو الملح، أكنت مستطيعا؟ أرأيت لو شممت وردا أو نرجسا، ثم بدهك إنسان يفقد حاسة الشم أن تبين له في وضوح ودقة ذلك الأثر الذي شعرت به. أكنت قادرا على أن تجد له اللفظ إن وجدت المعنى؟
فإذا كان هذا الشأن. وتلك الحال في إحساس الأجسام، فكيف في إحساس العقول؟ وإذا كانت الألفاظ عاجزة عن وصف أثر المادة الجامدة في الأجسام، فكيف تكون إذا همت بوصف أثر الروح النورانية في النفوس والأرواح؟
حاول عبد القاهر الجرجاني في كتابيه «أسرار البلاغة» و«دلائل الإعجاز»، أن يشرح ما بهر نفسه من ضروب البلاغة في بعض ما ساق من الشواهد فأخفق وأخفق، وطالما نظرت مبتسما إليه وهو يكد ويكدح، ويعلو ويسفل، ويحاول الوصول إلى مواطن السحر فلا يستطيع، ويتلمس اللفظ لشرح ما يجول بنفسه فلا يوفق، والغيظ ينفخ أوداجه، والألم تسمعه في نبرات لفظه. يرسل الصيحة إثر الصيحة، كأنما يدعو إلى اصطياد ظبي نافر، أو إلى التوثب إلى أجنحة طائر، ثم هو بعد طول الصياح وشدة الإلحاح لم يعمل شيئا، ولم يترك في كف القارئ شيئا!
إنك تهتز للبحتري، وتطرب له، ولكنك لا تستطيع أن تفض خاتم سحره ، ولا أن تنقل إلى نفس غيرك صدى جرسه في نفسك حين يقول في الفتح بن خاقان:
ولما حضرنا ساحة الإذن أخرت
رجال عن الباب الذي أنا داخله
فأفضيت من قرب إلى ذي مهابة
أقابل بدر التم حين أقابله
فسلمت فاعتاقت جناني هيبة
تنازعني القول الذي أنا قائله
السحر في اختيار النظم، وفي إبداع التصوير، وفي وضع الكلمة في موضعها، وفي الجرس والنغم، ولكن أين السبيل إلى إبانة ذلك؟
قف أمام صورة بديعة لمصور ماهر، وكن ممن يفهمون سر الفن، ومعنى الألوان وامتزاجها وتشاكلها، ثم اشرح لصديق آيات النبوغ فيها، فإن فعلت - ولن تفعل - فتجرأ على إفشاء سر البيان، وتصوير الخيال.
والناس يلهجون قديما بقول عروة بن أذينة:
إن التي زعمت فؤادك ملها
خلقت هواك كما خلقت هوى لها
بيضاء باكرها النعيم فصاغها
بلباقة فأدقها وأجلها
منعت تحيتها فقلت لصاحبي:
ما كان أكثرها لنا وأقلها!
فدنا وقال: لعلها معذورة
في بعض رقبتها فقلت: لعلها
ويقولون: إن أبا السائب المخزومي نزل بعروة بن عبيد الله، فقال له: ألك حاجة؟ قال نعم، أبيات لعروة بن أذينة، بلغني أنك سمعته ينشدها، فأنشده الأبيات، فلما بلغ قوله:
فدنا وقال: لعلها معذورة
في بعض رقبتها فقلت: لعلها
طرب وقال: هذا والله الدائم الصبابة، الصادق العهد، لا الذي يقول:
إن كان أهلك يمنعونك رغبة
عني، فأهلي بي أضن وأرغب
لقد عدا هذا الأعرابي طوره! وإني لأرجو أن يغفر لصاحب هذه الأبيات لحسن الظن بها، وطلب العذر لها، ثم عرض عروة الطعام فقال: لا والله، ما كنت لأخلط بهذه الأبيات طعاما حتى الليل!
إن الأديب وحده هو الذي يفهم الشعور الذي ملك على المخزومي نواحي نفسه، واللذة الفنية التي لم يرد أن يفسدها بطعام طول يومه.
ثم انظر إلى قول سعد بن ناشب وكان من مردة العرب، وشياطين الإنس، تجد فخامة وجزالة وبطولة لا يصورها إلا الشعر، ولا يدركها إلا ذوق الشاعر:
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه
ونكب عن ذكر العواقب جانبا
ولم يستشر في رأيه غير نفسه
ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا
ومن التصوير الرائع الذي يملك الجنان، ويعقل اللسان قول أبي نواس:
ركب تساقوا على الأكوار بينهم
كأس الكرى فانتشى المسقي والساقي
كأن أرؤسهم والنوم واضعها
على المناكب لم تخلق بأعناق
ساروا فلم يقطعوا عقدا لراحلة
حتى أناخو إليكم بعد أشواق
من كل جائلة الطرفين ناجية
مشتاقة حملت أوصال مشتاق
قالوا: إن محمد بن زياد الأعرابي كان يطعن على أبي نواس، ويعيب شعره. ويضعفه ويستلينه، فجمعه مع رواة شعر أبي نواس مجلس، فأنشده أحدهم الأبيات السابقة، فقال: لمن هذه الأبيات؟ وكتبها، فقال: للذي تذمه وتعيب شعره أبي علي الحكمي، قال: اكتم علي، فوالله لا أعود لذلك أبدا.
وإذا أردت لهو أبي نواس وعبثه الذي يبعث في النفس إعجابا يروغ من التصوير، ونشوة تفر من الوصف والتعبير، فاستمع إليه حين يقول:
غننا بالطلول كيف بلينا
واسقنا نعطك الثناء الثمينا
من سلاف كأنها كل شيء
يتمنى مخير أن يكونا
فإذا ما اجتلينها فهباء
يمنع الكف ما يبيح العيونا
ثم شجت فاستضحكت عن لآل
لو تجمعن في يد لاقتنينا
في كؤوس كأنهن نجوم
دائرات، بروجها أيدينا
طالعات مع السقاة علينا
فإذا ما غربن يغربن فينا
هذا فن يدركه الذوق، ولا يشرح تشريح الجثث.
ومن الأبيات التي يروعك جمالها، ويهتز وجدانك لتأثيرها، ويبهر نفسك تصويرها، قول الشريف الرضي:
ولقد مررت على ديارهم
وطلولها بيد البلى نهب
فتلفتت عيني فمذ خفيت
عني الطلول تلفت القلب
ولو أردنا أن نقول في لطف جمال الشعر وروحانيته، وعجز الألفاظ عن الإحاطة بسره، وإماطة اللثام عن مكنون سحره، لطال حبل الكلام، وحاد القلم عن الجادة، ولكنا نستطيع أن نقول في جملة قصيرة: إن جمال الشعر في نظمه وجرسه ورنينه، وفي انتفاء ألفاظه وتجانسها. وفي ترتيب هذه الألفاظ ترتيبا يبرز المعنى في أروع صورة وأبدعها، وفي اختيار الأسلوب الذي يليق بالمعنى ويلبق به. فمرة يكون إخبارا، ومرة يكون استفهاما، ومرة يكون استنكارا، ومرة يكون نفيا، ومرة يكون تعجبا. كل ذلك يكون مع المحافظة على الأسلوب العربي الصميم.
ثم في المعاني وابتكارها أو توليدها من القديم في صورة جديدة رائعة. ثم في الخيال وحسن تصويره والتزام الذوق العربي فيه. ثم في إحكام القافية والتمهيد إليها، ثم في انتقاء البحر الذي يلائم موضوع القصيد، ثم في التنقل في القصيدة في فنون شتى من القول مع المحافظة على الوحدة الشعرية، ثم في روح الشاعر وخفة ظله، وانسياقه مع الطبع. وتعمده لمس مواطن الشعور.
ولا يكون جمال الشعر دائما بالمجاز والتشبيه وضروب التزويق اللفظي. وإنما جماله في استعداده للنفاذ إلى النفس، والوصول إلى القلب على أي صورة كان. وفي أي ثوب يكون، ولأمر ما كان لبعض الشعر الجاهلي منزلته التي لا تسامى. ومحله الذي لا ينازع. ولأمر ما هوى الشعر صريعا يلهث حينما أثقله المتأخرون بنفائس الحلي وأنواع الحلل.
وقد يخلط من لا بصر له بالشعر بين تأثير الحال التي قيل فيها الشعر وتأثير الشعر نفسه، وكثيرا ما نال الشاعر تصفيق الجماهير واستحسانهم؛ لأنه يتجه إلى عاطفة فيهم سريعة الالتهاب سهلة الإثارة، وكثيرا ما يلجأ بعض الشعراء في موضوع بعيد عن عاطفة العامة إلى الاستطراد إلى ذكر ما يثير نفوسهم استجداء لصيحات الاستحسان وطلب الإعادة.
هذا دجل أدبي نعوذ بالله منه، وهذا إفساد للفن ممن يريدون الالتصاق بالفن. شأن هؤلاء شأن صغار المصورين الذين يعمدون إلى دريهمات العامة بالإكثار من الألوان الزاهية البراقة، وإن ضاع الانسجام، وقتل الفن الرفيع قتلا.
وربما كان الشعر أعصى الفنون على التعلم، وأبعدها من أن ينال بالدرس والتدريب، إنما هو شعاع يضعه الله في قلب من يشاء، وهبة يمنحها لمن يشاء، وحاسة معنوية يزيدها في خلق نفر من عباده يحسون بها ما لا يحسه كثير من الناس، فيترجمونه بيانا ساحرا، وقولا مبينا.
والشعر طريق معبدة بين عالم الأجسام وعالم الأرواح، ينقل إلى المادة الفانية نفحات الروح الخالدة، ويرسل إلى ظلمات الحياة نورا قدسيا، يبدد غيوم الغموم، ويكشف السبيل للأمل الحائر.
فليس الشعر الوزن وحده، ولا القافية وحدها، ولا الكلمات التي تملأ فراغ التفاعيل ، وإن عذبت ولطفت، وإنما الشعر ما وراء كل بيت من ضوء روحاني وجد له بين ألفاظه منفذا، ومن سحر سماوي زحزح البيت دونه طرف الستار.
وشأن الشعر شأن الفنون كلها، إما أن يكون فنا، وإما ألا يكون، وإما أن يكون شعرا، وإما ألا يكون، فليس فيه كبقية منتجات العقول جيد ومتوسط ورديء. فهو إما أن يكون جيدا، وإما ألا يكون شعرا، نعم إن الجودة متفاوتة، ولكنها إذا نزلت إلى حد التوسط فقد الشعر مميزاته، وسلب مقوماته، وأصبح كلاما، كما يجرد القائد المذنب من رتبه وألقابه فيصبح جنديا.
والكلام في الشعر يطول، وبحور الشعر فياحة النواحي، بعيدة الغور، ولكني أريد هنا أن أقدم للأدباء وجمهرة المثقفين مجموعة أشعاري، بعد أن أرجأت طويلا نشرها، وأهملت كثيرا في جمعها، وبعد أن ألح علي كثير من أصدقائي في إبرازها لتنال حظها في سوق الأدب.
فإذا استطاعت هذه الأشعار أن تزيد في بناء العربية صفا، أو أن تضيف إلى آياتها البينات حرفا. أو أن تذيع من مسكي معانيها شذا طيبا وعرفا، فقد بلغت المنى، وحمدت السرى، ونلت التوفيق كله، وسكنت نفسي أن قدمت بين يدي عملا أشعر أن فيه أداء لحق لغتي وأمتي، وأن فيه غذاء صالحا للناشئة المصرية الكريمة التي بذلت حياتي، وأبذل ما بقي منها في تثقيفها، وإنهاضها إلى الأوج الذي تريد وأريد.
أبو الزهراء
في ذكرى المولد النبوي الكريم جادت قريحة الشاعر بهذه القصيدة العصماء عام 1948م.
أطلت على سحب الظلام ذكاء
وفجر من صخر التنوفة ماء
1
وخبرت الأوثان أن زمانها
تولى، وراح الجهل والجهلاء
فما سجدت إلا لذي العرش جبهة
ولم يرتفع إلا إليه دعاء
تبسم ثغر الصبح عن مولد الهدى
فللأرض إشراق به وزهاء
وعادت به الصحراء وهي جديبة
عليها من الدين الجديد رواء
2
ونافست الأرض السماء بكوكب
وضيء المحيا ما حوته سماء
له الحق والإيمان بالله هالة
وفي كل أجواء العقول فضاء
تألق في الدنيا يزيح ظلامها
فزال عمى من حوله وعماء
ورد إلى العرب الحياة وقد مضى
عليهم زمان والأمام وراء
حجاب طوى الأحداث والناس دونهم
فأظهر ما تجلو العيون خفاء
بنت أمم صرح الحضارة حولهم
وأقنعهم إبل لهم وحداء
3
عقول من الأحجار هامت بمثلها
وكل بكيم للبكيم كفاء
فكم كان للرومان والفرس صولة
وهم في بوادي أرضهم سجناء
عراك وأحقاد يشب أوارها
جحيما، وكبر أجوف وغباء
عجبت لأمر القوم يحملون ناقة
وساداتهم من أجلها قتلاء •••
بدا في دجى الصحراء نور محمد
وجلجل في الصحراء منه نداء
نبي به ازدانت أباطح مكة
وعز به ثور وتاه حراء
4
ينادى جريء الأصغرين بدعوة
أكب لها الأصنام والزعماء
5
دعاهم لرب واحد جل شأنه
له الأمر يولي الأمر كيف يشاء
دعاهم إلى دين من النور والهدى
سماح ورفق شامل ووفاء
دعاهم إلى نبذ الفخار وأنهم
أمام إله العالمين سواء
دعاهم إلى أن ينهضوا بعفاتهم
كراما، فطاح الفقر والفقراء
6
دعاهم إلى أن يفتحوا القلب كي ترى
بصيرته ما يبصر البصراء
دعاهم إلى القرآن نورا وحكمة
وفيه لأدواء الصدور شفاء
دعاهم إلى أن يهزموا الشرك طاغيا
تسيل نفوس حوله ودماء
دعاهم إلى أن يبتنوا الملك راسخا
له العدل أس والطموح بناء
دعاهم إلى أن الفتى صنع نفسه
وليس له من قومه شفعاء
دعاهم إلى أن يملكوا الأرض عنوة
مساميح، لا كبر ولا خيلاء
فلباه من عليا معد غضافر
كماة إذا اشتد الوغى شهداء
7
أشداء ما باهى الجهاد بمثلهم
وهم بينهم في أمرهم رحماء
أساءوا إلى الأسياف حتى تحطمت
وما مرة للمستجير أساءوا
وقد حملوا أرواحهم في أكفهم
وليس لهم إلا الخلود جزاء
إذا أحكموا في أمة لان حكمهم
فما هي أنعام ولا هي شاء
8
فهل تعلم الصحراء أن رعاءها
حماة بآفاق البلاد رعاء
9
وأنهم إن زاولوا الحكم ساسة
وإن أرسلوا أحكامهم فقهاء
لقد شربوا من منهل الدين نغبة
مطهرة، فالظامئون رواء
10
وقد لمحوا من نور طه شعاعة
فكل ظلام في الوجود ضياء
نبي من الطهر المصفى نجاره
سماحة نفس حرة وصفاء
11
وصبر على اللأواء ما لان عوده
ولا مسه في المعضلات عناء
12
وزهد له الدنيا جناح بعوضة
وكل الذي تحت الهباء هباء
تراه لدى المحراب نسكا وخشية
وتلقاه في الميدان وهو مضاء
إذا صال لم يترك مصالا لصائل
وإن قال ألقت سمعها البلغاء
كلام من الله المهيمن روحه
ومن حلل الفصحى عليه رداء
13
كلام أرادته المقاويل فالتوى
عليها، وضلت طرقه الحكماء
14
كلام هو السحر المبين وإن يكن
له ألف مثل الكلام وباء
عجيب من الأمي علم وحكمة
تضاءل عن مرماهما العلماء
ومن يصطف الرحمن! فالكون عبده
ودهم الليالي أين سار إماء
15 •••
نبي الهدى قد حرق الأنفس الصدى
ونحن لفيض من يديك ظماء
أفضها علينا نفحة هاشمية
يلم بها جرح ويبرأ داء
فليس لنا إلا رضاك وسيلة
وليس لنا إلا حماك رجاء
حننا إلى مجد العروبة سامقا
وما نحن في ساحاته غرباء
زمان لواء العرب يزهى بقومه
وما طاله في العالمين لواء
زمان لنا فوق الممالك دولة
وفي الدهر حكم نافذ وقضاء
فيا رب هيئ للرشاد سبيلنا
إذا جار خطب أو ألم بلاء
ونصرا وهديا إن طغى السيل جارفا
وفاض بما يحوي الإناء إناء
نناجيك هذي راية العرب فاحمها
فمن حولها أجنادك البسلاء
رمينا بكف أنت سددت رميها
فما طاش سهم أو أخل رماء
أعرنا بحق المصطفى منك قوة
فليس لغير الأقوياء بقاء
16
وأسبغ علينا درع لطفك إنها
لنا في قتام الحادثات وقاء
17 •••
إليك أبا الزهراء سارت مواكبي
مواكب شعر ساقهن حياء
وأنى لمثلي أن يصور لمحة
كبا دون أدنى وصفها الشعراء
18
ولكنها جهد المحب فهل لها
بقدسك من حظ القبول لقاء
ولي نسب ينمى لبيتك صانني
وصانته مني عزة وإباء
19
عليك سلام الله ما ذر شارق
وما عطر الدنيا عليك ثناء
20
هوامش
مصر
أنشدها الشاعر بقاعة المحاضرات بالجامعة المصرية في افتتاح المؤتمر الطبي العربي الثاني في 30 من يناير سنة 1939م.
صور الله فيك معنى الخلود
فابلغي ما أردته ثم زيدي
أنت يا مصر جنة الله في الأر
ض، وعين العلا وواو الوجود
أنت أم المجدين بين طريف
يتحدي الورى وبين تليد
كم جديد عليه نبل قديم
وقديم عليه حسن جديد!
قد رآك الدهر العتي فتاة
وهو طفل يلهو بطوق الوليد
شاب من حولك الزمان وما زل
ت كغصن الريحانة الأملود
1
أنت يا مصر بسمة في فم الحس
ن، ودمع الحنان فوق الخدود
أنت في القفر وردة حولها الشو
ك، وفي الشوك عزة للورود
2
يلثم البحر منك طيب ثغور
بين عذب اللمى وبين برود
3
يا ابنة النيل أنت أحلى من الحب
ب وأزهى من ضاحكات الوعود
نثر النيل فيك تبرا وأوهى
لينه من قساوة الجلمود
4
فتن الأولين حتى أشاروا
نحو قدسي مائه بالسجود
ووشى للرياض ثوبا وحلى
كل جيد من الربا بعقود
5
أنت للاجئين أم، وورد
لظماء القلوب عذب الورود •••
قد حملت السراج للناس، والكو
ن غريق في ظلمة وخمود
لا نرى فيك غير عهد مجيد
قرنته العلا بعهد مجيد
وجهود تمثلت في صخور
وصخور تشبهت بجهود
عظم يبهر السماء، وشأو
عاق ذات الجناح دون الصعود
6
أنت يا مصر صفحة من نضار
لمعت بين سالفات العهود
أين رمسيس والكماة حوالي
ه مشاة في الموكب المشهود؟
7
ملأ الأرض والسماء، فهذي
بجنود، وهذه ببنود
8
وجموع الكهان تهتف بالنص
ر وتتلو النشيد إثر النشيد
وبنات الوادي يمسن اختيالا
ويحيين بين دف وعود
9
أين عمرو فتى العروبة والإقدا
م، أوفى مجاهد بالعقود؟
10
شمري يحطم السيف بالسي
ف، ويرمي الصنديد بالصنديد
11
لم يكن جيشه لدى الزحف إلا
قوة العزم صورت في جنود
قلة دكت الحصون وبثت
رعدة الرعب في الخضم العديد
ذعر الموت أنهم لم يخافو
ه ولم يرهبوا لقاء الحديد
ينظرون الفردوس في ساحة الحر
ب فيستعجلون أجر الشهيد
صعدوا للعلا بريش نسور
ومضوا للردى بعزم أسود
أينما ركزوا الرماح ترى العد
ل مقيما في ظلها الممدود
12
وترى الملك أريحيا، عليه
نضرة من سماحة التوحيد
وترى العزم عابسا لوثوب
وترى السيف ضاحكا في الغمود
وترى العلم يلتقي بهدى الد
دين على منهج سوي سديد
13
ملكوا الأرض لم يسيئوا إلى شع
ب ولم يحكموه حكم العبيد
هم جدودي، وأين مثل جدودي
إن تصدى مفاخر بالجدود؟ •••
فسحوا صدرهم لحكمة يونا
ن وآداب فارس والهنود
وأصاروا بالترجمات علوم الرو
م وردا للناهل المستفيد
حذقوا الطب والزمان غلام
والثقافات رضع في المهود
وشعوب الدنيا تعالج بالسح
ر وحرق البخور والتعقيد
هل ترى لابن قرة من مثيل؟
أو ترى لابن صاعد من نديد؟
14
والطبيب الكندي لم يبق في الطب
ب مزيدا لحاجة المستزيد
15
أين أين الرازي، أين بنو زه
ر دعاة النهوض والتجديد؟
16
وابن سينا، وأين كابن نفيس
عجز الوهم عن مداه المديد؟
17 •••
هذه أمة من الصخر. كانت
في قفار من الحياة وبيد
تأكل القد والدعاع من الجو
ع وتهفو شوقا لحب الهبيد
18
وتثير الحروب شعواء جهلا
وتدس الوئيد إثر الوئيد
19
نبع النور بالنبوة فيها
فطوى صفحة الليالي السود
ومضى يملأ الممالك عدلا
باسم الوعد مكفهر الوعيد
أطلق العقل من سلاسله الدهم
ونحاه عن صليل القيود
بلغت مصر في التآليف أوجا
فات طوق المنى بمرمى بعيد
20
فاسأل الفاطمي كم من كتاب
زان تاريخه وسفر فريد؟
21
والصلاحي والمماليك كانوا
موئل العلم في عصور الركود
22
تلك آثارهم شهودا على المج
د. وما هم بحاجة لشهود •••
ائتد أيها القصيد قليلا
أنا أرتاح لاتئاد القصيد
23
وإذا ما ذكرت نهضة مصر
فاملأ الخافقين بالتغريد
24
ثم مجد محمدا جد «إسما
عيل» واصعد ما شئت في التمجيد
جاء والناس في ظلام من الظل
م وعصف من الخطوب شديد
25
حسرات للذل في كل وجه
وسمات للغل في كل جيد
26
فأزاح الغطاء عنهم فقاموا
في ذهول. وأقبلوا في سمود
27
وهداهم إلى الحياة فساروا
في حمى من لوائه المعقود
كم بعوث للغرب بعد بعوث
ووفود للشرق بعد وفود!
غرس الطب في ثرى ملكه الخص
ب، وروى من دوحه كل عود
28
وأتى بعده المجدد «إسما
عيل» ذخر المنى ثمال الجود
29
و«فؤاد» تعيش ذكرى «فؤاد»
في نعيم من رحمة وخلود!
رد مجدا لمصر لولا نداه
وحجاه ما كان بالمردود
30
كل يوم له بناء مشيد
للمعالي، إلى بناء مشيد
ما اعتلى الطب قمة النجم إلا
بجناح من سعيه المحمود
سعدت مصر بالجهابذ في الطب
ب، فكم من محاضر ومعيد!
31
وعلى رأسهم أبو الحسن الجرا
ح، من كالرئيس أو كالعميد؟
32
أيها الوافدون من أمم الشر
ق وأشباله الأباة الصيد
33
اهبطوا مصر، كم بها من قلوب
شفها حبكم، وكم من كبود
34
قد رأينا في قربكم يوم عيد
قرنته المنى إلى يوم عيد
35
إن مصرا لكم بلاد وأهل
ليس في الحب بيننا من حدود
جمعتنا الفصحى فما من وهاد
فرقت بيننا ولا من نجود
36
يصل الحب حيث لا تصل الشم
س، ويجتاز شامخات السدود •••
أمة العرب آن أن ينهض النس
ر، فقد طال عهده بالرقود
صفقي بالجناح في أذن النجم،
ومدي فضل العنان وسودي
وأعيدي حضارة زانت الدنيا فكم
ودت المنى أن تعيدي
إنما المجد أن تريدي وتمضي
ثم تمضي سباقة وتريدي
لا ينال العلا سوى عبقري
راسخ العزم كالصفاة جليد
37 •••
قد أعدنا عهد العروبة في مص
ر، وذكرى فردوسها المفقود
38
وبدأنا عصرا أغر سعيدا
بمليك ماض أغر سعيد
39
قد حباه الشباب رأيا وعزما
علوي المضاء والتسديد
40
قام بالأمر أريحيا رشيدا
فذكرنا به عهود «الرشيد»
41
إن حب «الفاروق» وهو وحيد
في مكان من القلوب وحيد
ألسن العرب كلها دعوات
ضارعات بالنصر والتأييد
أبصروا في السماء ملكا عزيزا
رافع الرأس فوق صخر وطيد
ورأوا عاهلا يفيض جلالا
من هدى ربه العزيز الحميد
عاش للملك والعروبة ذخرا
في نعيم من الحياة رغيد
هوامش
يوم السلام
نشرت هذه القصيدة في صباح إعلان انتهاء الحرب العالمية الثانية في أوائل مايو سنة 1945م.
داعب الشرق باسما وسعيدا
وائتلق يا صباح للناس عيدا
1
نسيت لحنها الطيور فصور
لبنات الغضون لحنا جديدا
2
فزعتها عن الرياض خفافي
ش تسد الفضاء غبرا وسودا
3
ألفت موحش الظلام فودت
أن تبيد الدنيا وألا يبيدا
فاسجعي يا حمامة السلم للكو
ن، وهزي أعطافه تغريدا
4
غردي فالدموع طاح بها البش
ر، وأضحى نوح الثكالى نشيدا
5
واسمعي! إن في السماء لحونا
أسمعت الترتيل والترديدا؟
6
كلما اهتز للملائك صوت
رجعته أنفاسنا تحميدا
7
رنة النصر في السماوات والأر
ض، أعادت إلى الوجود الوجودا
مولد للزمان ثان شهدنا
ه، فيا من رأى الزمان وليدا! •••
سكن السيف غمده بعد أن صا
ل عنيفا مناجزا عربيدا
8
ما احمرار الأصيل إلا دماء
بقيت في يد السماء شهودا
9
طائرات ترمي الصواعق لا تخ
شى إلها، ولا تخاف عبيدا
أجهدت في السرى خوافق عزري
ل فرفت من خلفهن وئيدا
10
كلما حلقت بأفق مكان
تركت فيه كل شيء حصيدا
كم سمعنا عزيفها من قريب
فغدا الرأي والسداد بعيدا
11
يلفح الشيخ والغلام لظاها
ويصيب الشجاع والرعديدا
12
كم وحيد بين الرجام بكى أم
ا، وأم بكت فتاها الوحيدا!
13
مدن كن كالمحاريب أمنا
ترك الخسف دورهن سجودا
14
وقصور كانت ملاعب أنس
أصبحت بعد زهوهن لحودا
15 •••
لهف نفسي على دماء زكيا
ت كقطر الغمام طهرا وجودا!
16
سلن من خد كل سيف نضارا
بعدما حطم الحديد الحديدا
17
لهف نفسي على شباب تحدى
عذبات الفردوس زهرا وعودا!
لهف نفسي والنار تعصف بالجي
ش فتلقاه في الرياح بديدا!
18
ذكرتنا جهنما كلما أل
قي فوج صاحت تريد المزيدا
19
كالبراكين إن تمشت، وكالبح
ر إذا جاش بالحميم صهودا
20
وإذا الماء كان نارا فمن ير
جو لنار إذا استطارت خمودا؟
21
أمم تلتقي صباحا على المو
ت لتستقبل المساء همودا
22
وفريق للفتك يلقى فريقا
وحشود للهول تلقى حشودا
كم حطام في الأرض كان عقولا
ورماد في الجو كان جهودا!
وأمان ونشوة وشباب
ذهبت مثل أمسها لن تعودا
قبلات الحسان ما زلن في الخد
د، فهل عفر التراب الخدودا؟
ووعود الغرام ماذا عراها
أغدت في الثرى الخضيب وعيدا؟
23
كم دموع، وكم دماء، وكم هو
ل، وكم أنة، تفت الكبودا!
24
إنما الحرب لعنة الله في الأر
ض، وشر بمن عليها أريدا
صدقت ما رأى الملائك من قب
ل، وما كان قولهم تفنيدا
25
إن لله حكمة دونها العق
ل فخل المراء والترديدا
26
كيف نصفو ونحن من عنصر الطي
ن، فسادا وظلمة وجمودا؟ •••
ذهب الموت بالحقود فماذا
لو محوتم قبل الممات الحقودا؟
شهوات تدمر الأرض كي تح
يا، وتجتاح أهلها لتسودا!
وجنون بالملك يعصف بالدن
يا، لكي يملك القبور سعيدا!
يذبح الطفل أعصل الناب شيطا
نا، ويحسو دم النساء مريدا!
27
ويسوي جماجم الناس أبرا
جا؛ ليبغي إلى السماء صعودا!
قد رأينا الأسود تقنع بالقو
ت، فليت الرجال كانت أسودا! •••
قتل العلم، كيف دبر للفت
ك عتادا، وللدمار جنودا!
فهو كالخمر تنشر الشر والإث
م وإن كان أصلها عنقودا!
أبدع المهلكات ثم توارى
خلفها يملأ الورى تهديدا
28
مادت الراسيات ذعرا وخفت
من أفانين كيده أن تميدا
29
وقلوب النجوم ترجف أن يج
تاز يوما إلى مداها الحدودا
30
محدثات عزت على عقل إبلي
س فعض البنان فدما بليدا
31
عالم في مكانه ينسف الأر
ض، وثان يحز منها الوريدا
32
حسرتا للحياة! ماذا دهاها؟
أصبح الناس قاتلا وشهيدا •••
أصحيح عاد السلام إلى الكو
ن، وأضحى ظلا به ممدودا؟
ورنين الأجراس يصدح بالنص
ر، فيا بشره صباحا مجيدا!
سايرتها قلوبنا ثم زدنا
فأضفنا لشدوهن القصيدا!
رددي رددي ترانيم إسحا
ق، وهزي الحسان عطفا وجيدا
33
أنت صور الحياة قد بعث النا
س، وكانوا جماجما وجلودا
34
قد سئمنا بالأمس صفارة الإن
ذار والويل والعذاب الشديدا
رددي صوتك الحنون طويلا
وابعثي لحنك الطروب مديدا
واهتفي يا مآذن الشرق بالله
ثناء، وباسمه تمجيدا
واسطعي أيها المصابيح زهرا
واجعلي شوقنا إليك وقودا
35
قرت النفس واطمأنت وكانت
أملا حائر الطريق شريدا
36 •••
ليت شعري ماذا سنجني من النص
ر وهل تصدق الليالي الوعودا؟
وهل «الأربع الروائع» كانت
حلما، أو مواثقا وعهودا؟
37
وهل انقادت الممالك للعد
ل، فلا سيدا ترى أو مسودا؟
وهل الحق صار بالسلم حقا
وأذابت لظى الحروب القيودا؟
وهل العرب تسترد حماها
وتناجي فردوسها المفقودا؟
وترى في السلام مجدا طريفا
جاء يحيي بالأمس مجدا تليدا؟
بذلت مصر فوق ما يبذل الطو
ق، وقد يسعف النديد النديدا
في فيافي صحرائها لمع النص
ر، وولى «روميل» يعدو طريدا
38
فهي إذ تنثر الورود تناغي
أملا ضاحكا يفوق الورودا
وهي ترجو، لا، بل تريد، وأجدر
بابنة النيل وحدها أن تريدا!
هوامش
رثاء سعد
فجعت الأمة المصرية بموت زعيمها «سعد زغلول باشا» في 23 من أغسطس سنة 1927م، فكان لموته حزن عام شمل جميع أرجاء القطر، فانبرى الأدباء والشعراء لرثائه وذكر مآثره وتعداد فضائله، والإشادة ببطولته وعظمته، وندبوا فيه العزيمة الصادقة، والهمة العالية، والعزة والإباء، وأكرم صفات الرجولة الكاملة.
لا الدمع غاض، ولا فؤادك سالي
دخل الحمام عرينة الرئبال
1
وأصاب في الميدان فارس أمة
رفع الكنانة بعد طول نضال
2
رشقته أحداث الخطوب فأقصدت
حرب الخطوب الدهم غير سجال
3
للموت أسلحة يطيح أمامها
حول الجريء، وحيلة المحتال
4
ما كان سعد آية في جيله
سعد المخلد آية الأجيال
5
تفنى أحاديث الرجال وذكره
سيظل في الدنيا حديث رجال
سار كمصباح السماء يحثه
كر الضحى وتعاقب الآصال
6 •••
أرأيت مصر تهب لاستقلالها
والسيف يلمع فوق كل قذال
7
والذعر يعصف بالقلوب كما جرت
هوج الرياح على كثيب رمال
والأرض ترجف، والسماء مريضة
والنفس حيرى والهموم توالي
والناس في صمت المنون كأنهم
صور كساها الحزن ثوب خبال
إن حدثوك فبالعيون ليتقوا
رصد العيون، وشرة المغتال
8
والموت يخطر في الجموع وحوله
أجناده، من أنصل وعوالي
9
ريان من مهج الشباب كأنما
مهج الشباب سلافة الجريال
10
وجنان مصر على جناحي طائر
مما ألح عليه من أهوال
11
ترنو إلى أبنائها بنواظر
غرقت بماء شؤونها الهطال
12
وإذا بصوت هز مصر زئيره!
غضب الليوث حماية الأشبال
صوت كصور الحشر جمع أمة
منحلة الأطراف والأوصال
13
فتطلعت عين، وأصغت بعدها
أذن، وهمت ألسن بسؤال
من ذلك الشعشاع طال كأنه
صدر القناة وعامل العسال؟
14
من ذلك النمر الوثوب؟ وذلك ال
أسد المزمجر ذو النداء العالي؟
ومن الذي اخترق الصفوف كأنه
قدر الإله يسير غير مبالي؟
سعد، وحسبك من ثلاثة أحرف
ما في البرية من نهى وكمال
15
كتب الكتائب حول مصر، سلاحها
صبر الكريم، وهمة الفعال
16
ومن السيوف إرادة مصقولة
طبعت ليوم كريهة ونزال
17
ومن السوابغ حكمة سعدية
تزري بوقع أسنة ونبال
18
ومن الحصون فؤاد كل مصابر
جهم العزيمة ضاحك الآمال
19
فمضى إلى النصر المبين مؤزرا
والشعب يهتف باسمه ويغالي
وهدى الشباب إلى الحياة فأدركوا
معنى الحياة وعز الاستقلال
وجرى يغبر، لا العسير بخاذل
أملا، ولا نيل السها بمحال
20
فكأنه سيف المهيمن «خالد»
وكأن دعوته أذان «بلال»
21
ما راعه نفي، ولا لعبت به
في حب مصر زعازع الأوجال
22
ويرى الحتوف وقد ملأن طريقه
نار الحباحب، أو وميض الآل
23
يزداد في عصف الشدائد قوة
ويجول حين يضيق كل مجال
كالشعلة الحمراء لو نكستها
لأضفت إشعالا إلى إشعال
والسيل إن أحكمت سد طريقه
دك الحصون فعدن كالأطلال
والصارم الفصال لم يك حده
لولا اللهيب بصارم فصال
24 •••
خصم شريف نال من خصمائه
ما نال من إجلال كل موالي
عرفوه وضاح السريرة طاهرا
شر البلاء خصومة الأنذال!
إن الشجاعة أن تناضل مصحرا
لا أن تدب كفاتك الأصلال
25 •••
إن قام يخطب قلت: حيدرة انبرى
للقول في سمت وصدق مقال
26
إعجاز عارضة، ونور بديهة
وبديع تنسيق، وحسن صقال
27
يحتار من آي الكلام جواهرا
درر البلاغة كاسمهن غوالي!
ما عقه حر البيان، ولا جزت
أم اللغات وفاءه بمطال
28
والسامعون كأنما لعبت بهم
صهباء قد نفحت بريح شمال
29
فإذا أثير رأيت (بركانا) رمى
حمما، ودك الأرض بالزلزال
متنمرا كالليث ديس عرينه
متوثبا يدعو الرجال نزال
كلم إذا حدر اللثام رأيتها
حالت إلى مسنونة ونضال
30
لا تذكروا نار الصواعق عندها
نار الصواعق عندها كذبال!
31 •••
نفس كأنفاس الملائك طهرت
وشمائل أحلى من السلسال
32
وتواضع النساك فيه يزينه
شمم الملوك وعزة الأقيال
33
وخلائق كالزهر سار عبيره
ما بين أمواه وبين ظلال
34
وعزيمة جبارة لو حملت «أحدا» لما شعرت له بكلال
35
وشجاعة في الله يكلؤها الحجا
والحزم في الإدبار والإقبال
36
وعقيدة لو هزت الأجبال من
ذعر لما اهتزت مع الأجبال •••
دار النيابة عوجلت في مدره
كان الزمان به من البخال
37
ضربت به الأمثال لما أن غدا
في دهره فردا بلا أمثال
38
قد كان فيصلها إذا عجت بها
لجج الخلاف ولج كل جدال
39
يزن الكلام كما يوازن صيرف
في النقد مثقالا إلى مثقال
40
وإذا الحقيقة أظلمت أسدالها
صدع الدجى فبدت بلا أسدال
41
جمع القلوب على الوفاق وصانه
من وهن رعديد وطيش مغالي
42
لم ينتقل حتى تفجر نبعه
وشفى النفوس نميره بزلال
43
عقد الإله عراه - جل جلاله -
أترى لعقد الله من حلال؟
44 •••
لهفي عليه وهو رهن فراشه
متفززا من دائه القتال!
45
لهفي على ليث الكنانة أغمدت
أظفاره من بعد طول صيال!
46
قنصت بنات الدهر واحد دهره
ورمته من أدوائها بعضال
47
يرنو إليه العائدون بأعين
غزر الدموع كثيرة التسآل
متقدمين، تسوقهم لمع المنى
متراجعين، مخافة الإعوال
48
والموت يسخر بالحياة وطبها
جهد الحياة نهاية الآجال!
والشعب يسأل: كيف سعد؟ ما له؟
والناس في ذعر وفي بلبال
49
يفدون للبيت الكريم كأنهم
زمر الحجيج تسير في أرسال
50
يفدون بالنفس الرئيس، وإنما
نفس الرئيس بقبضة المتعالي!
عرفوا الجميل، ولا تزال بقية
في الناس للإحسان والإجمال!
51
من يشتري حسن الثناء فإنما
بفعاله يشريه، لا بالمال •••
يأيها الناعي! حنانك! إنما
هي أمة أضحت بغير ثمال!
52
ماذا تقول وللرزيئة روعة
تغني بلاغتها عن الأقوال؟
53
من كان يرثي أمة في واحد
تكفيه بارقة من الإجمال
54
وإذا البيان أبى عليه فريده
فالدمع فيه فرائد ولآلي
55 •••
سارت مطية نعشه عجبا به
تختال بين الوخد والإرقال
56
فيها - كتابوت الكليم - سكينة
وبقية من هيبة وجلال
57
لا تحملوه على المدافع إنما
فخر الزعيم قيادة الأعزال
أجدر بمن حملوه في غزواته
أن يحملوه عشية الترحال
سيروا على سنن الزعيم، فإنه
سنن الهدى وجلائل الأعمال
58
قد خط من أخلاقه وجهاده
للفتية السارين خير مثال
إن كان لم ينجل فإن له بكم
عدد النجوم الزهر من أنجال
59
لا تيأسوا، فلكم أبيدت قبلكم
أمم بيأس قاتل وملال
إن الشعوب تصاب في أبطالها
وحياتها في سيرة الأبطال!
هي قدوة للعاملين، وأسوة
المستبسلين، وقصة الأطفال
سعد حياة في الممات، وقبره
مهد الجهاد ومجد الاستقبال
60
أحرى بمن وهب الحياة لقومه
ألا تمس حياته بزوال
هوامش
إبراهيم بطل الشرق
بمناسبة مرور مائة عام على وفاة إبراهيم باشا، وإزاحة الستار عن لوحة نقشت على قاعدة تمثاله المقام بميدان الأوبرا بالقاهرة عام 1948م.
طموح! وإلا ما صراع الكتائب؟
وعزم ! وإلا فيم حث الركائب؟
1
إذا المجد لم يترك وراءك صيحة
مدوية، فالمجد أوهام كاذب
يخوض الهمام العبقري بعزمه
ظلام الفيافي في ظلام الغياهب
2
وأروع ما تهفو له العين راية
تداعبها الأرواح في كف غالب
وكم بطل في الأرض غاب وذكره
يحلق في الآفاق ليس بغائب!
يدونه الميلاد بين لداته
ويكتبه التاريخ بين الكواكب
3
وما مات من أبقى لمصر مجادة
تطاول أعنان السماء بغارب
4
حماها بعزم لو رأته قواضب
لأضحى سناه حسرة في القواضب
5
ومن مثل إبراهيم إن حمي الوغى
وأمطرت الأرض السماء بحاصب
6
صواعق تلقى للحتوف صواعقا
وسحب عجاج تلتقي بسحائب
7
وزمزمة تنسي الرعود هزيمها
وتثقب آذان النجوم الثواقب
8
سلوا عنه «عكا» إنها إن تكلمت
معاقلها حدثتكم بالعجائب
9
رماها بجيش لو رمى مشرق الضحى
لفر حسير الطرف نحو المغارب
10
رماها فتى لا يعرف الشك رأيه
ويعرف بالإلهام سر العواقب
11
ممنعة ما راضها عزم قائد
وعذراء لم تظفر بها كف خاطب
12
أتاها «بنوبارت» يداوي ندوبه
وآب يصك الوجه صك النوادب
13
أتاها يجر الذيل في تيه واثق
فعاد يجر الذيل في خزي خائب
14
رآها وفي العنقود والكرم ما اشتهى
وأين من العنقود أيدي الثعالب؟
15
وكم وضعت من إصبع فوق أنفها!
وكم غمزت أسوارها بالحواجب!
رأت فاتح الدنيا يفر جبانة
ويلقي على الأقدار نظرة عاتب
16
ولكن إبراهيم في الروع كوكب
إذا انقض فالآطام لعبة لاعب
17 •••
ويوم «نصيبين» التي قام حولها
بنو الترك والألمان حمر المخالب
18
علاها فتى مصر بضربة فيصل
ولكنها للنصر ضربة لازب
19
فريع لها البوسفور وارتج عرشه
وصاحت ذئاب الشر من كل جانب
20
أبى الغرب أن تختال للشرق راية
وأن يقف المسلوب في وجه سالب
21
أيدعى سليل الشرق للشرق غاصبا
ومغتاله في الغرب ليس بغاصب؟
22
سياسة حقد أين من نفثاتها
لعاب الأفاعي أو سموم العقارب؟
23 •••
حنانا لإبراهيم لاقى كتائبا
من الكيد لم تعرف نضال الكتائب
غزوه بجيش بالدهاء محارب
ولكنه بالسيف غير محارب
فما لينوا منه قناة صليبة
ولا كدروا من صفو تلك المناقب
24 •••
عرفنا لحامي القبلتين جهاده
وكم هان مطلوب لعزة طالب
25
له العرب ألقت في إباء زمامها
وكانت سرابا لا ينال لشارب
26
فوحدها في دولة عربية
تزاحم في ركب العلا بالمناكب
27
يقولون: قف بالجيش ماذا تريده؟
وماذا ترجي من وراء السباسب؟
28
فقال: إلى أن تنتهي «الضاد» أنتهي
وحيث تسير العرب تسري نجائبي
29
لقد زهيت مصر بباعث شعبها
لكسب المعالي واقتناء الرغائب
30
وكم كتب التاريخ لابن محمد
خوالد، والتاريخ أصدق كاتب
31
وكم صان مصرا من بنيه مملك
بعيد منال العزم جم المطالب
32
شمائل «فاروق» وعزة ملكه
تزيد جلالا في جلال المناسب
33
هوامش
الحب والحرب
سنة 1916م
ما لي فتنت بلحظك الفتاك
وسلوت كل مليحة إلاك؟
يسراك قد ملكت زمام صبابتي
ومضلتي وهداي في يمناك
فإذا وصلت، فكل شيء باسم
وإذا هجرت، فكل شيء باكي
هذا دمي في وجنتيك عرفته
لا تستطيع جحوده عيناك!
لو لم أخف حر الهوى ولهيبه
لجعلت بين جوانحي مثواك
إني أغار من الكؤوس فجنبي
كأس المدامة أن تقبل فاك
خدعتك ما عذب السلاف وإنما
قد ذقت لما ذقت حلو لماك
1
لك من شبابك أو دلالك نشوة
سحر الأنام بفعلها عطفاك
2 •••
قالت خليلتها لها لتلينها
ماذا جنى لما هجرت فتاك؟
هي نظرة لاقت بعينك مثلها
ما كان أغناه وما أغناك!
قد كان أرسلها لصيدك لاهيا
ففررت منه وعاد في الأشراك
عهدي به لبق الحديث فما له
لا يستطيع القول حين يراك؟
إياك أن تقضي عليه، فإنه
عرف الحياة بحبه إياك
إن الشباب وديعة مردودة
والزهد فيه تزمت النساك
فتشممي ورد الحياة، فإنه
يمضي، ولا يبقى سوى الأشواك
لم تنصتي، ومشيت غير مجيبة
حتى كأن حديثها لسواك
وبكت علي، فما رحمت بكاءها
ما كان أعطفها، وما أقساك! •••
عطفت علي النيرات وساءلت
مذعورة قمر السماء أخاك
3
قالت: نرى شبحا يروح ويغتدي
ويبث في الأكوان لوعة شاكي
أنات مجروح يعالج سهمه
وزفير مأسور بغير فكاك
يقضي سواد الليل غير موسد
عين مسهدة، وقلب ذاكي
4
حتى إذا ما الصبح جرد نصله
ألفيته جسما بغير حراك
إنا نكاد أسى عليه، ورحمة
لشبابه ، نهوي من الأفلاك
من عهد قابيل وليس أمامنا
في الأرض غير تشاكس وعراك
5
ما بين فاتكة تصول بقدها
وفتى يصول برمحه فتاك •••
يا أرض ويحك قد رويت فأسئري
وكفاك من تلك الدماء كفاك!
6
في كل ربع من ربوعك مأتم
وثواكل ونوادب وبواكي
7
قد قام أهل العلم فيك ودبروا
برئت يدي من إثمهم ويداك!
كاشفتهم سر العناصر فانبروا
يتخيرون أمضها لرداك
8
نثروا كنانتهم، وكل سهامها
للفتك والتدمير والإهلاك
9
دخلوا على العقبان في أوكارها
وتسربوا لمسابح الأسماك!
10
فتأملي، هل في تخومك مأمن؟
أم هل هنالك معقل بذراك؟
11
ظهر الليوث وذاك أصعب مركب
أوفى وأكرم من أديم ثراك
12
ليت البحار طغت عليك وسجرت
أو أن من يطوي السماء طواك!
13 •••
لم يبق في الإنسان غير دمائه
فدراك يا رب السماء دراك!
14
وإذا النفوس تفرقت نزعاتها
قامت إذا قامت بغير مساك
15
والسيف أظلم ما فزعت لحكمه
والحزم خير شمائل الأملاك
16
ومن الدماء طهارة وعدالة
ومن الدماء جناية السفاك
17
والعلم ميزان الحياة فإن هوى
هوت الحياة لأسفل الأدراك
هوامش
رشيد
غاب الشاعر عن بلده رشيد فترة طويلة، فأنشأ هذه القصيدة عام 1941م يشيد فيها بجمالها وبمجدها القديم، ويتألم لانتشار داء الفيل فيها، ويحث أهلها على استئصاله:
جددي يا رشيد للحب عهدا
حسبنا حسبنا مطالا وصدا
1
جددي يا مدينة السحر أحلا
ما، وعيشا طلق الأسارير رغدا
2
جددي لمحة مضت من شباب
مثل زهر الربا يرف ويندى
3
وابعثي صحوة أغار عليها الش
شيب، حتى غدت عناء وسهدا
4
وتعالي نعيش في جنة الما
ضي، إذا لم نجد من العيش بدا
ذكريات، لو كان للدهر عقد
كن في جيد سالف الدهر عقدا
5
ذكريات مضت كأحلام وصل
وسدى نستطيع للحلم ردا
6
قد رشفنا مختومهن سلافا
وشممنا ريا شذاهن ندا
7
والهوى أمرد المحيا يناغي
فتية تشبه الدنانير مردا
8
عبثوا سادرين، فالجد هزل
ثم جدوا، فصيروا الهزل جدا
9
ويح نفسي، أفدي الشباب بنفسي
وجدير بمثله أن يفدى
إن عددنا ليومه حسنات
شغلتنا مساوئ الشيب عدا
جذوة للشباب كانت نعيما
وسلاما على الفؤاد وبردا
10
قد بكيناه حين زال؛ لأنا
قد جهلنا من حقه ما يؤدى
وقتلناه بالوقار ضلالا
وهو ما جار مرة أو تعدى
11
ما عليهم إن هام عمرو بهند
أو شدا شاعر بأيام سعدى؟!
12
شغف الناس بالفضول وبالحق
د، فإن تلق نعمة تلق حقدا •••
أرشيد، وأنت جنة خلد
لو أتاح الإله في الأرض خلدا
حين سموك «وردة» زهي الحس
ن، وود الخدود لو كن وردا
13
توجت رأسك الرمال بتبر
وجرى النيل تحت رجليك شهدا
وأحاطت بك الخمائل زهرا
كل قد فيها يعانق قدا
14
والنخيل النخيل! أرخت شعورا
مرسلات، ومدت الظل مدا
كالعذارى يدنو بها الشوق قربا
ثم تنأى مخافة اللوم بعدا
15
حول أجيادها عقود عقيق
ونضار، صفاؤه ليس يصدا
16
يا ابنة اليم لا تراعي فإني
قد رأيت الأمور جزرا ومدا
17
قد يعود الزمان صفوا كما كا
ن، ويمسي وعيده المر وعدا
18
كنت مذ كنت والليالي جواري
ك، وكان الزمان حولك عبدا
كلما هامت الظنون بماضي
ك رأت عزمة وأبصرن مجدا
19
بك أهلي، وفيك ملهى شبابي
ولكم فيك لي مراح ومغدى
20
لو أصابتك مسة الريح ثارت
بفؤادي عواصف ليس تهدا
21
أنا من تربك النقي وشعري
نفحات من وحي قدسك تهدى
22
كنت أشدو به مع الناس طفلا
فتسامى فصرت في الناس فردا
23
من رزايا النبوغ أنك لا تل
ق أنيسا، ولا ترى لك ندا
24
قد جزيناك بالحنان حنانا
وجزينا عن خالص الود ودا
25
ليت لي بعد عودتي فيك قبرا
مثلما كنت منبتا لي ومهدا •••
أصحيح أن الخطوب أصابت
ك، وأن الأمراض هدتك هدا؟
وغدا «الفيل» فيك داء وبيلا
نافثا سمه مغيرا مجدا؟
26
كم رأينا من عامل هده الدا
ء، وأرداه وقعه فتردى
كان يسعى وراء لقمة خبز
ولكم جد في الحياة وكدا
فغدا كالصريع يلتمس الجه
د ليحيا به فلم يلق جهدا
إن مشى يمش بائسا مستكينا
كأسير يجر في الرجل قدا
27
خلفه من بنيه أنضاء جوع
وهو لا يستطيع للجوع سدا
28
كلما مد كفه لسؤال
أشبعتها اللئام نهرا وطردا
أمن الحق أن نعيش بطانا
ويجوع العليل فينا ويصدى؟
29 •••
ولكم تلمح العيون فتاة
مثل بدر السماء لما تبدى
هي من نعمة البشائر أحلى
وهي من نضرة الأزاهر أندى
30
تتمنى الغصون لو كن قدا
حين ماست، والورد لو كان خدا
31
حومت حولها القلوب فراشا
ومشت خلفها الصواحب جندا
وارتدت بالخمار فاختبأ الحس
ن، يثير الشجون لما تردى
32
لعبت بالنهى فأصبح غيا
كل رشد، وأصبح الغي رشدا
33
حسد الدهر حسنها فرماها
بسهام من الكوارث عمدا
طرقتها الحمى الخبيثة ترمي
بشواظ، يزيده الليل وقدا
34
روضة من محاسن غالها الإع
صار حتى غدت خمائل جردا
35
حل داء الفيل العضال برجلي
ها، وألقى أثقاله واستبدا
كم بكت أمها عليها فما أغ
نى نواح، ولا التحسر أجدى
ويحها، أين سحرها؟ أين صارت؟
أين ولى جمالها؟ أين ندا؟
36
أين أين ابتسامها؟ ذهب الأن
س، ومال الزمان عنها وصدا
أين فتك العيون؟ لم يترك الده
ر سيوفا لها، ولم يبق غمدا
أين خلخالها؟ لقد خلعته
وهي تبكي أسى وتنفث صهدا
37
طار خطابها فلم يبق فرد
وتولى حشد يحذر حشدا
لسعتها بعوضة سكنت بئ
را، وقد كان جسمها مستعدا
38
إن هذا البعوض أهلك «نمرو
ذ» وأفنى ما لم يعد وأعدى
39
فاحذروه فإنه شر خصم
وتصدوا لحربه إن تصدى
جردوا حملة على الفيل أنجا
دا كراما، ومزقوا الفيل أسدا
40
أرشيد دون المدائن تبقى
مستراضا لكل داء ووردا؟
41
يفتك السم في بنيها فلا تر
فع كفا، ولا تحرك زندا؟
42
ثم تلقي السلاح إلقاء ذل
والجراثيم حولها تتحدى
يا لعاري! فليت لي بين قومي
بطلا يكشف الشدائد جلدا
43
ظمئ الشعر للثناء، فهل آ
ن له أن يفيض شكرا وحمدا؟
هوامش
أبو الأشبال ...
نشرت هذه القصيدة يوم أزيح الستار عن تمثال الخديو إسماعيل بالإسكندرية في شهر ديسمبر عام 1938م.
مجد على الأمواج يشرف عالي
هذا جهادك مصر في تمثال
1
هذا ابن ابراهيم واهب قومه
نعم الحياة وباعث الآمال
2
هذا الذي جلت عظائم سعيه
عن أن تصورها بنات خيال
3
هذا المليك العبقري، عنت له
أمم ودانت صولة الأبطال
4
هذا أبو الأشبال، سل عنه العلا
تنبئك حقا من أبو الأشبال
هذا أبو التاريخ من أضحى اسمه
أنشودة الأجيال للأجيال
هذا الذي يبني فينشئ دولة
أبقى على الدنيا من الأجبال
هذا أبو الذهب الذي غمر المنى
بعوارف الإحسان والأفضال
5
هذا الهمام، وهذه أعماله
أرأيت كيف جلائل الأعمال؟
هذا الذي فاروق مصر حفيده
زين الشباب وسيد الأقيال
6
هوامش
الأعمى
أقامت جمعية رعاية العميان بمصر في 15 من أبريل سنة 1937م حفلة بدار الأوبرا؛ لحض المحسنين على مد يد الإحسان إلى هذه الطائفة البائسة؛ لتتمكن الجمعية من توسيع نطاقها وتثقيف عدد كبير من هؤلاء المكفوفين ليستطيعوا العيش وحدهم، وليستغنوا عن ذل السؤال، وقد ألقيت هذه القصيدة في هذا الحفل.
من مجيري من حالكات الليالي؟
نوب الدهر ما لكن وما لي!
1
قد طواني الظلام حتى كأني
في دياجي الوجود طيف خيال
2
كل ليل له زوال وليلي
دق أطنابه لغير زوال!
3
كل ليل له نجوم، ولكن
أين أمثالهن من أمثالي؟
تثب الشمس في السماء وشمسي
عقلت دونها بألف عقال
4
لا أرى حينما أرى غير حظي
حالك اللون عابس الآمال
5 •••
هو جب أعيش فيه حزينا
كاسف النفس دائم البلبال
6
ما رأت بسمة الشموس زوايا
ه، ولا داعبت شعاع الهلال
7
فإذا نمت فالظلام أمامي
أو تيقظت فالسواد حيالي
أتقرى الطريق فيه بكفي
بين شك وحيرة وضلال
8
وأحس الهواء فهو دليلي
عن يميني أسير أو عن شمالي
كلما رمت منه يوما خلاصا
عجزت حيلتي ورثت حبالي
عبثا أرسل الأنين من الجب
ب إلى ساكني القصور العوالي!
من لسار بليلة طولها العم
ر، يجوب الأوجال للأوجال؟
9
مترد في هاويات وهاد
لاهث فوق شامخات جبال
10
عند صحراء للأعاصير فيها
ضحك الجن أو نحيب السعالى
11
لم يزرها وشي الربيع ولكن
لك ما شئت من نسيج الرمال
12
ليس للطير فوقها من مطار
أو بني الإنس حولها من مجال
13
خلق الله قفرها ثم سوى
من ثراه أنامل البخال
رهبة تملأ الجوانح رعبا
وأديم وعر كحد النصال
14
وامتداد كأنه الأمل الطا
ئش ما ضاق ذرعه بمحال
15
سار فيها الأعمى وحيدا شريدا
حائرا بين وقفة وارتحال
في هجير ما خف حر لظاه
بنسيم، ولا ببرد ظلال
16
مل عكازه من الضرب في الأر
ض على خيبة ورقة حال
يرفع الصوت لا يرى من مجيب
أقفر الكون من قلوب الرجال! •••
من لهاو في لجة هي دنيا
ه وأيام بؤسه المتوالي؟
17
ظلم بعضها يزاحم بعضا
كليال كررن إثر ليالي
يفتح الموج ماضغيه فيهوي
ثم يطفو محطم الأوصال
18
لا ترى منه غير كف تنادي
حينما عقه لسان المقال
19
والرياح الرياح تعصف بالمس
كين عصف الأيام بالآجال
20
يسمع السفن حوله ماخرات
من يبالي بمثله من يبالي؟
21
يسمع الرقص والأهازيج تشدو
بين وصل الهوى وهجر الدلال
22
شغل القوم عنه بالقصف والله
و وهاموا بحب بنت الدوالي
23
ما لهم والصريع في غمرة اللج
ج يصد الأهوال بالأهوال
24
لا يريدون أن يشاب لهم صف
و بنوح للبؤس أو إعوال
25
هكذا تمحل القلوب، وأنكى
أن تباهي بذلك الإمحال!
26
هكذا تقبر المرءوة في النا
س، ويقضى على كريم الخلال! •••
من لهذا الأعمى يمد عصاه
عاصب البطن لم يبح بسؤال؟
27
من رآه يرى خليطا من البؤ
س هزيلا يسير في أسمال
هو في ميعة الصبا وتراه
مطرق الرأس في خشوع الكهال
28
ساكنا كالظلام، يحسبه الرا
ءون معنى لليأس في تمثال
فقد الضوء والحياة، وهل بع
د ضياء العينين سلوى لسال؟
مطلته الأيام والناس حقا
فقضى عيشه شهيد المطال
29 •••
ما رأى الروض في مآزره الخض
ر يباهي بحسنها ويغالي
30
ما رأى صفحة السماء وما ركب
فيها من باهرات اللآلي
31
ما رأى النيل في الخمائل يختا
ل بأذياله العراض الطوال
ما رأى فضة الضحى في سناها
أو تملى بعسجد الآصال
32
فدعوه يشهد جمالا من الإحسا
ن، إن فاته شهود الجمال
ودعوه يبصر ذبالا من الرح
مة إن عقه ضياء الذبال
33
قد خبرت الدنيا فلم أر أزكى
من يمين تفتحت عن نوال! •••
أيها الوادعون يمشون زهوا
بين جبرية وبين اختيال
34
ينفقون القنطار في ترف العي
ش، ولا يحسنون بالمثقال
35
ويرون الأموال تنثر في الله
و، فلا يجزعون للأموال
إن في بلدة المعز جحورا
مترعات بأدمع الأطفال
36
كل جحر بالبؤس والفقر مملو
ء، ولكنه من الزاد خالي
بسقت فيه للجراثيم أفنا
ن تدلت بكل داء عضال
37
لو رأيت الأشباح من ساكنيه
لرأيت الأطلال في الأطلال!
يرهب النور أن يمر به م
را، ونخشى أذاه ريح الشمال
تحسب الطفل فيه في كفن المو
تى وقد ضمه الرداء البالي
أيها الأغنياء أين نداكم؟
بلغ السيل عاليات القلال
38
هم عيال الرحمن ماذا رأيتم
أو صنعتم لهؤلاء العيال؟
39 •••
رب أعمى له بصيرة كشف
نفذت من غياهب الأسدال!
40
أخذ الله منه شيئا وأعطى
وأعاض المكيال بالمكيال
41
يلمح الخطرة الخفية للنف
س لها في الصدور دب النمال
42
ويرى الحق في جلالة معنا
ه فيحيا في ضوء هذا الجلال
كان شيخ المعرة الكوكب السا
طع في ظلمة القرون الخوالي
43
فأتى وهو آخر (مثلما قا
ل) بما ند عن عقول الأوالي
44 •••
أنقذوا العاجز الفقير وصونوا
وجهه عن مذلة وابتذال
علموه، يطرق من العيش بابا
وامنحوه مفاتح الأقفال
لا تضموا إلى أساه عمى الجه
ل فيلقى النكال بعد النكال
45
كل شيء يطاق من نوب
الأيام إلا عماية الجهال
46
علموه، فالعلم مصباح دنيا
ه ولا تكتفوا بصنع السلال
47
إن جفاه الزمان والآل والصح
ب فكونوا لمثله خير آل
48
نزل الوحي في الترفق بالأع
مى وبسط اليدين للسؤال
49
سوف تتلو الأجيال تاريخ مصر
فأعدوا التاريخ للأجيال
بالأيادي الحسان يمحى دجى البؤ
س وتسمو الشعوب نحو الكمال
يذهب الفقر والثراء ويبقى
ما بنى الخيرون من أعمال!
هوامش
رثاء إسماعيل صبري باشا
أنشد الشاعر هذه القصيدة في حفل التأبين الذي أقيم في فناء مدرسة المعلمين العليا بالمنيرة في مايو سنة 1923م:
صادح الشرق قد سكت طويلا
وعزيز عليه ألا تقولا
أين ذاك الشعر الذي كنت تزجي
ه فيسري في الأرض عرضا وطولا؟
1
قد سمعناه في المزاهر لحنا
وسمعناه في الحمام هديلا
2
وشممناه في الكمائم زهرا
وشربناه في الكؤوس شمولا
3
تنهب الدر من عقود الغواني
ثم تدعوه فاعلاتن فعولا!
خطرات تسير سير الدراري
آبيات على الزمان أفولا
4
تخدع الجامح الشموس من القو
ل فيلقي العنان سهلا ذلولا
5
غزل كالشباب أسجح ريا
ن يذيب القاسي ويدني الملولا
6
ونسيب يكاد يبعث فينا
من جديد كثيرا وجميلا
7
وقواف سالت من اللطف حتى
لحسبنا المجتث منها طويلا
8
نقدت جيد الكلام وخلت
سقطا من ورائها وفضولا
9
عبثت «بالوليد» ثم أرته
منه أنقى معنى وأقوم قيلا
10
لو وعاها ما اهتز ينشد يوما (ذاك وادي الأراك فاحبس قليلا)
11 (قف مشوقا أو مسعدا أو حزينا
أو معينا أو عاذرا أو عذولا)
برزت نفسه بها فرأينا
ه نبيلا ينث قولا نبيلا
12
هبطت حكمة البيان عليه
فاذكروا في الكتاب إسماعيلا
13 •••
لو شهدت الردى يحوم عليه
والمنايا ترمي له الأحبولا
14
لرأيت الطود الأشم الذي كا
ن منيع الذرا كثيبا مهيلا
15
ورأيت الصمصام لا يقطع الضغ
ث وقد كان صارما مصقولا
16
ورأيت الروح الخفيفة حيرى
إن عبء السقام كان ثقيلا
شيع الدمع يوم شيع «صبري»
دولة فخمة وعصرا حفيلا
17 •••
خلق لو يمس هاجرة القي
ظ لأمست على الأنام أصيلا
18
وخلال مثل النسيم وقد مر
ر بزهر الربا عليلا بليلا
وحديث حلو الفكاهة عذب
لم يكن آسنا ولا مملولا
19
يذهل الصب عن أحاديث ليلا
ه وينسيه حوملا والدخولا
20
يقصر الليل حين يسمر «صبري»
بعد أن كان نابغيا طويلا
21 •••
يوم «صبري» هدمت للمجد ركنا
وتركت العلياء أما ثكولا
يوم «صبري» أغمدت في الترب سيفا
حين جردت سيفك المسلولا •••
إنما نحن في الحياة إلى حي
ن شبابا وفتية وكهولا
نتمنى الحياة جد تمن
وهي ليست إلا متاعا قليلا
وقف الطب حائرا والمنايا
ساخرات يغتلن جيلا فجيلا
دورة الأرض كم أمدت قبيلا
بحياة وكم أبادت قبيلا
22
نضرة في أزاهر الصبح تمسي
بعد لأي تصوحا وذبولا
23
رب قصر قد كان ملعب أنس
صيرته الأيام ربعا محيلا
24
وفتاة طوى محاسنها الده
ر بنانا غضا وخدا أسيلا
25
نأكل الأرض ثم تأكلنا الأرض
دواليك أفرعا وأصولا
26 •••
يا مليك البيان دعوة خل
وجد الصبر بعدكم مستحيلا
27
أنا أرثيك شاعرا وأديبا
ثم أبكيك صاحبا وخليلا
قل لحسان: إن مررت عليه
في ظلال الفردوس يطري الرسولا
28
إن مصرا أحيت موات القوافي
وأقامت عمودها أن يميلا
وأعادت إلى سليلة عدنا
ن شبابا غضا ومجدا أثيلا
29
قل له غير فاخر: إن «صبري»
بعد «سامي» هدى إليها السبيلا
30 •••
ويك يا قبر صرت للفضل مثوى
لا يسامى وللنبوغ مقيلا
31
فيك كنز لم تحو أرض الفراعي
ن له بين لابتيها مثيلا
32
فيك سر الجلال والخطب فيه
كان يا قبر لو علمت جليلا
ضمه ضمة الكمي حساما
ترك النصر حده مفلولا
33
لهف نفسي عليه يفترش التر
ب وقد كان للسماك رسيلا
34
لهف نفسي عليه لو كان يجدي
لهف نفسي أو كان يغني فتيلا
35
كن عليه يا قبر روحا وريحا
نا ومثوى رحبا وظلا ظليلا
36
لم يمت من يزول من عالم الحس
س وتأبى آثاره أن تزولا
هوامش
الفخر
من قصيدة (سنة 1900م)
طريق العلا وعر مطيته الجد
وهل يعتلي من غيره البطل الفرد؟
1
إذا وهنت فيه القلاص وأدبرت
فذاك شديد الحول محتمل جلد
2
يخب فلا الأخطار تلوي زمامه
ولا عن بعيد القصد يقعده الجهد
3 •••
سئمت حياتي بين قوم فضائلي
لديهم يغطيها التدابر والحقد
إذا ما بدت ترنو إليهم فضيلة
تصدى لها نذل وكر لها وغد
إذا كان عيبي بينهم أنني فتى
صغير وشعري بالشبيبة مسود
فمهلا أنا النجم الذي يبصرونه
صغيرا ويحفي قدره عنهم البعد
إذا صال عزمي فهو سيف مهند
له الحلم والإغضاء من خلقي غمد
4
تمد المعالي نحو مجدي رقابها
وجذت إذا كانت لغيري تمتد
5
ستندبني الفصحى إذا مت قبلها
ومات الذي في الناس ليس له ند
إذا قل مالي فالقناعة ثروتي
وما كثر قوم ما ورى لهم زند؟
6
ورب غني في احتياج إلى يد
تروح بما يحوي من المال أو تغدو
7
أرى المال مثل الماء يخبث راكدا
ويزكيه الاستعمال والأخذ والرد
وكيف يفيد المال وهو بحرزه
يحيط به سور ويحجزه حد؟
8
وهل قطع الصمصام في جوف غمده
وهل طاب نشرا قبل إحراقه الند؟
9
هوامش
اللغة العربية ودار العلوم
أهدى الشاعر هذه القصيدة إلى صحيفة دار العلوم في سنة 1934م؛ لتنشر في أول جزء من أجزائها.
يا ابنة السابقين من قحطان!
وتراث الأمجاد من عدنان!
1
أنت علمتني البيان فما لي
كلما لحت حار فيك بياني؟
رب حسن يعوق عن وصف حسن
وجمال ينسي جمال المعاني
كنت أشدو بين الطيور بذكرا
ك فتعلو ألحانها ألحاني
وأصوغ الشعر الذي يفرع النج
م وتصغي لجرسه الشعريان
2
يا ابنة الضاد أنت سر من الحس
ن تجلى على بني الإنسان
3
كنت في القفر جنة ظللتها
حاليات من الغصون دواني
4
لغة الفن أنت والسحر والشع
ر، ونور الحجا، ووحي الجنان
رب جيش من الحديد تولى
واجف القلب من حديد اللسان
وبيان بنى لصاحبه الخل
د مطلا من قمة الأزمان
وقصيد قد خف حتى عجبنا
كيف نالته كفة الأوزان! •••
بلغ العرب بالبلاغة والإسلا
م أوجا، أعيا على كيوان
لبسوا شمس دولة الفرس تاجا
ومضوا في مغافر الرومان
5
وجروا ينشرون في الأرض هديا
من سنا العلم أو سنا القرآن
6
لا تضل الشعوب مصباحها العل
م، يؤاخيه راسخ الإيمان
فإذا أطفئ السراج فمين
وضلال ما تبصر العينان!
7
أين آل العباس ريحانة الده
ر، وأين الكرام من مروان؟
8
خفت الصوت، لا البلاد بلاد
يوم بانوا، ولا المغاني مغاني!
9
أزهرت في حماهم الضاد حينا
وذوت بعدهم لغير أوان
إن أصاخت، فالقول غير فصيح
أو رنت، فالوجوه غير حسان
10
فمضت نحو مصر مثل قطاة
فزعتها كواسر العقبان
11
يكدر العيش مرة ثم يصفو
كم لهذي الحياة من ألوان!
ثم هبت زعازع تركتها
بين مر الأسى، وذل الهوان
12
وإذا نهضة تدب بمصر
كدبيب الحياة في الأبدان
13
وإذا اليوم باسم، والليالي
مشرقات، والدهر ملقي العنان
14
وإذا الضاد تستعيد جمالا
كاد يقضي عليه ريب الزمان
15
نزلت في حمى فؤاد فأضحت
من أياديه في أعز مكان
ملك شاد للكنانة مجدا
فسمت باسمه على البلدان
كل يوم يمد للعلم كفا
خلقت للوفاء والإحسان •••
إن دار العلوم بنية إسما
عيل تزهى به على كل بان
من يسامي أبا المواهب والأشبال
في فيض جوده أو يداني ؟
16
هي في مصر كعبة بعث الشر
ق إليها طوائف الركبان
قد أعادت عهد الأعاريب في مص
ر إلى ناعم من العيش هاني
17
وأظلت بنت الفدافد والبي
د بأفياء دوحها الفينان
18
درجت بين فتية وشيوخ
كلهم ينتمي إلى سحبان
19
وأطلت من الخباء عليهم
فسبتهم بسحرها الفتان
20
فتنوا بالعذيب والسفح والجز
ع ووادي العقيق والصمان
21
يتلقون وحيها كل حين
ويناجون طيفها كل آن
ويغنون باسمها مثل ما غن
نى زهير بسيرة ابن سنان
22
نثرت درها الفريد فكانوا
أسرع الناس في التقاط الجمان
23 •••
رب شيخ أفنى سواد الليالي
ساهد العين جاهدا غير واني
من بحوث إلى كتابة نقد
ثم من معجم إلى ديوان
24
يقنص الآبدات عزت على الصي
د، فماست بين الربا والرعان
25
سارحات كأنها قطع الوش
ي يطرزن سندس القيعان
26
إن تسمعن نبأة غبن في الري
ح، كسر يصان بالكتمان
27
فإذا ما أمن يخرجن أرسا
لا، كخيل نشطن من أرسان
28
كل جزء في جسمهن له عي
ن على الشر، أو له أذنان
لم يزل صاحبي يعالج منهن
ن نفارا مستعصيا، ويعاني
29
في فلاة لا تحمل الريح فيها
غير رنات قوسه المرنان
30
كلما طار خلفهن تسربن
هباء، في غيهب النسيان
31
فتراه حينا كما وثب الليث
وحينا ينساب كالأفعوان
32
وهي تلهو به، فآنا تجافيه،
وآنا تملي له فتداني
33
مرة في مدى يديه، وأخرى
ما له باقتناصهن يدان
34
لم يقف نادما يقلب كفيه،
فعال المجوف الحيران
35
ثم كانت عواقب الصبر أن ذلت
له الشاردات بعد الحران
36
ملكته أعناقها في خضوع
وحبته قيادها في ليان
37
رب شعر له يردده الده
ر، فتصغي مسامع الأكوان
يتمنى الربيع لو تخذت من
ه حلاها ذوائب الأغصان
38
من بنات الخيال لو كان يسقى
لعددناه من بنات الدنان
39
رددته القيان يكسبنه حسنا،
فأربى على جمال القيان
40
قد أثار الغبار في وجه ميمو
ن، وعفى على فتى ذبيان
41 •••
شيخة الدار، أنتم خدم الفص
حى وحراس ذلك البنيان
لبست جدة الصبا في ذراكم
وغدت من حلاه في ريعان
42
غير أن الحياة تعدو، ولا يد
رك فيها طلابه المتواني
43
سابقوها بالدين والخلق السم
ح وصدق الوفاء للإخوان
سابقوها بالجد، فالجد والمج
د - كما شاءت العلا - توءمان
ذللوا للشباب مستعصي الفص
حى، فإن الرجاء في الشبان
وانثروها قلائدا وعقودا
تتحدى قلائد العقيان
44 •••
بسم الدهر أن رآكم بناء
عبقريا موطد الأركان
كم رجا الدهر أن يشاهد يوما
جمعكم سالما من الشنآن
45
إنما الكف بالبنان، ولا تج
دي فتيلا كف بغير بنان
46
جمعتكم أواصر وصلات
طهرت من دخائل الأضغان
47
فاسلكوا المهيع القويم وسيروا
في شعاع المنى وظل الأماني
48
واشكروا للوزير بيض أياديه،
ومدرار فيضه الهتان
49
يبذل الخير فطرة، ليس يثنيه
عن الخير والصنيعة ثاني
50
هو ذخر الطلاب، كما وجدوا في
ه أمانا من طارق الحدثان
51
يبعث الغيث والرجاء لقاص
ويمد اليمين برا لداني
كم له منة على الضاد هزت
كل لفظ فيها إلى الشكران
52
سعد العلم واستعز «بحلمي»
وغدا دوحه قريب المجاني
53
سار مسترشدا بهدي مليك
ما له في أصالة الرأي ثاني
54
ملك تسعد البلاد بنعما
ه، ويزهى بنوره القمران
55
عاش للدين والمكارم والنب
ل وبث الحياة والعرفان
56
وليعش للبلاد فاروق مصر
قدوة الناهضين رمز الأماني
هوامش
ضحك القدر
قال الشاعر هذه الأبيات سنة 1910م حينما كان طالبا بإنجلترا، وقد زار «لندن» في فصل الشتاء، ومن العجيب بها أن الضباب يتكاثف أحيانا فيحجب الأضواء، ويجعل المدينة في ظلام دامس، وحينئذ يحار المبصر ويضل الطريق، وقد يهدي العمي المبصرين في هذه الحالة لاعتيادهم الضرب في الأرض على أي حال.
أبصرت أعمى في الضباب بلندن
يمشي فلا يشكو ولا يتأوه
فأتاه يسأله الهداية مبصر
حيران يخبط في الظلام ويعمه
1
فاقتاده الأعمى فسار وراءه
أنى توجه خطوه يتوجه
وهنا بدا القدر المعربد ضاحكا
ومضى الضباب ولا يزال يقهقه!
هوامش
الجامعة المصرية
ألقيت في احتفال علمي رائع في سنة 1932م، احتفالا بافتتاح الجامعة المصرية.
دعوت بياني أن يفيض فأسعدا
وناديت شعري أن يجيب فغردا
وأبدعت نظما كالربيع مفوفا
يجمل عصرا كالشباب مجددا
1
وما الشعر إلا ترجمان مخلد
يقص على الأجيال مجدا مخلدا
فلولا السجايا الغر ما قال قائل
ولولا «فؤاد» ما غدا النيل منشدا
2
فسلساله أضحى بنعماه كوثرا
وقيعانه أمست بمسعاه عسجدا
3
مليك حبته مصر محض ولائها
صميما، وأولى مصر عزا وسؤددا
أصالة عزم أخجلت كل صارم
من البيض، حتى خاف أن يتجردا
ورأي كوجه الصبح ما ذر نوره
على مدلهم الخطب حتى تبددا
4
ووجه كأنوار اليقين رأيته
فأبصرت فيه المجد والنبل والندى
ألم يعل صرح العلم شما قبابه
تطالعها زهر الكواكب حسدا؟
5
فمن معهد يبنى على إثر معهد
إلى أن غدت أرض الكنانة معهدا! •••
زهينا على الدنيا بجامعة غدت
حديثا بأذن الشرق حلوا مرددا
ترد الشباب الغض حزما وحكمة
وتصقله صقل القيون المهندا
6
تزوده التوفيق في كل مطلب
ومن طلب العلم الجليل تزودا
غدت دوحة فينانة حلوة الجنى
بعيدة مد الظل فياحة المدى
غرست وهذا فضل ما قد غرسته
وهذا هو الغصن الذي كان أملدا
7
تعهدته كالزارع الطب نومه
غرار إلى أن يبصر الزرع أحصدا
8
بكف من الإحسان والرفق صورت
وعين ترى في يومها ما ترى غدا
كذاك ابن إسماعيل ينتهب المنى
دراكا، ويمضي للمحامد مصعدا
9
ويدرك ما يعيي الجحافل وحده
ويبلغ شأوا يعجز الجمع مفردا
ويسعى إلى أن يذهل النجم سعيه
ويبذل حتى يدهش الجود والجدا
10
ويرقب رب العرش فيما يريده
وينصر دين الحق والنور والهدى
11
إذا ما انتهى من مقصد لان صعبه
دعاه هوى مصر فجدد مقصدا
12
رويدك أجهدت المؤرخ! ما ونى
ولا فارقت يوما براعته اليدا
هززت إلى التأليف كل مبرز
أديب إذا ما أرسل الفكر سددا
13
ففاضت بجدواك العقول وبللت
بمصر ظماء كان حرقها الصدى
14
ففي كل يوم للعلوم مجلد
حقيق بما أسديت يتلو مجلدا
سلوا مكتبات العلم تنطق كتبها
بآثار مجد ينتمين لأحمدا
ومن بين فوق العلم والعدل ملكه
رفيعا، فقد أرسى الأساس ووطدا
بهرت رجال العلم في الغرب فانثنوا
إليك يسوقون الثناء المنضدا
15
وأولوك ألقابا نواصع كالضحا
ضخاما على آثار فضلك شهدا
وأصبحت رمزا عالميا سعت له
جهابذ أهل الأرض مثنى وموحدا
16
فخارا أبا الفاروق لم يبق منهج
إلى العلم إلا صار سهلا معبدا
تطلعت الآمال شرقا ومغربا
فلم تجد الآمال إلاك معقدا
وحامت قلوب الشعب حولك مثلما
تحوم عطاش الطير أبصرن موردا
17
فعش لبني مصر غياثا ورحمة
فآمالهم في أن تعيش وتسعدا
18
وعاش ولي العهد قرة أعين
ودام من الله العزيز مؤيدا
19
هوامش
العروبة
ألقيت هذه القصيدة بمؤتمر الثقافة العربي الأول، والذي أقامته جامعة الدول العربية بلبنان عام 1947م.
لبنان روض الهوى والفن لبنان
الأرض مسك، وهمس الدوح ألحان
1
هل الحسان على العهد الذي زعمت؟
وهل رفاق شبابي مثلما كانوا؟
أين الصبا؟ أين أوتاري وبهجتها؟
طوت بساط لياليهن أزمان
أرنو لها اليوم والذكرى تؤرقني
كما تنبه بعد الحلم وسنان
2
هبني رجعت إلى الأوتار رنتها
فهل لشرخ الصبا واللهو رجعان؟
3
لا الكأس كأس إذا طاف الحباب بها
بعد الشباب، ولا الريحان ريحان
4
ما للخميلة؟ هل طارت بلابلها
وصوحت بعد طول الزهو أفنان؟
5
وهل رياض الهوى ولت بشاشتها
وغادرت ضاحك النوار غدران؟
6
كم مد غصن بها عينا مشردة
إلى قدود العذارى وهو حيران
7
لقد رأى البان لا تسعى به قدم
فيا لدهشته لما مشى البان
8
غيد لها من شذى لبنان نفحته
ومن مجانيه تفاح ورمان
9
من نبعه خلقت، ما بالها صرفت
سرب الشفاه الحيارى وهو ظمآن؟
10
عينان أسكرتا شعري فإن عثرت
به السبيل، فعذرا فهو نشوان
11
وطلعة كخدود الزهر غازلها
من الأصائل أطياف وألوان
12
من الملائك إلا أنها بشر
وأن نظرتها البهماء شيطان
13 •••
لله أيامنا الأولى التي سلفت
وللصبابة ميدان وميدان
14
والحب كالطير رفاف على فنن
له إلى الإلف تغريد وتحنان
15
هيمان والماء في لبنان عن كثب
لكنه بسوى الأمواه هيمان
16
بدت له جارة الوادي الخصيب ضحا
كل الأحبة في لبنان جيران
فأرسل العين في صمت بلاغته
بكل ما قاله في دنياه سحبان
17
وللعيون أحاديث بلا كلم
وكم لها في الهوى شرح وتبيان
والحب سر من الفردوس نبعته
وخير ما يحفظ الأسرار كتمان
18
رنا لها فتمادت في تدللها
العين غاضبة، والقلب جذلان
19
وغطت الوجه بالمنديل في خفر
كما توارى وراء الشك إيمان
20
وأعرضت وإباء الغيد لعبتها
فكلما اشتد عنفا فهو إذعان
21
إن العذارى - حماك الله - أحجية
بها النفور رضا، والحق نكران
22
هززت أوتار شعري حول شرفتها
كما ترنم بالأسحار رعيان
شعر من الله تلحينا وتهيئة
لا الناي ناي، ولا العيدان عيدان
إذا شدا أنصتت أذن الوجود له
وللوجود كما للناس آذان
شدا لها فرأى ليل الهوى عجبا
ولهى يجاذبها الأشواق ولهان
ريا حوت فتنة الدنيا غلائلها
يضمها شاعر للعيد صديان
23
لانت لشعري كما لانت معاطفها
والشعر سحر له بحر وأوزان
24
فتنتها حينما همت لتفتنني
والشعر للخفرات البيض فتان
25
سلاحها لحظها الماضي وأسلحتي
فن يجرده للغزو فنان
26
كان الشباب شفيعي في نضارته
الزهر مؤتلق، والعود فينان
27
ماذا إذا لمحتني اليوم في كبري
وملء بردي أسقام وأشجان؟
28
طويت من صفحات الدهر أكثرها
وعرقتني تصاريف وحدثان
29
إني كتاب إلى الأجيال تقرؤه
له التغني بمجد العرب عنوان •••
مجد على الدهر مذ كانت أوائله
ودولة لبني الفصحى وسلطان
صوارم ريعت الدنيا لوثبتها
وحطمت صولجانات وتيجان
30
الناس عندهم أبناء واحدة
فليس في الأرض سادات وعبدان
31
تراكضوا فوق خيل من عزائمهم
لهم من الحق أسياف وخرصان
32
وكلما هدموا للشرك باذخة
أقيم للدين والقسطاس بنيان
33
في السلم إن حكموا كانوا ملائكة
وفي لظى الحرب تحت النقع جنان
34
أقلامهم سايرت أسياف صولتهم
للسيف فتح، وللأقلام عرفان
35
فأين من شرعهم روما وما تركت؟
وأين من علمهم فرس ويونان؟
36
كانوا أساتذة الآفاق كم نهلت
من فيضهم أمم ظمأى وبلدان
37
كانوا يدا ضمت الدنيا أصابعها
ففرقتها حزازات وأضغان •••
تنمر الغرب واحمرت مخالبه
وأرهفت نابها للفتك ذؤبان
38
ثارات طارق الأولى تؤرقهم
وما لما تترك الثارات نسيان
39
تيقظ الليث ليث الشرق محتدما
فارتج منه الشرى واهتز خفان
40
غضبان رد إلى اليافوخ عفرته
ومن يصاول ليثا وهو غضبان؟
41
لقد حمينا أباة الضيم حوزتنا
من أن تباح، ودناهم كما دانوا
42 •••
بني العروبة إن الله يجمعنا
فلا يفرقنا في الأرض إنسان
لنا بها وطن حر نلوذ به
إذا تناءت مسافات وأوطان
غدا الصليب هلالا في توحدنا
وجمع القوم إنجيل وقرآن
ولم نبال فروقا شتتت أمما
عدنان غسان أو غسان عدنان
43
أواصر الدم والتاريخ تجمعنا
وكلنا في رحاب الشرق إخوان •••
قلبي وفيض دموعي كلما خطرت
ذكرى فلسطين خفاق وهتان
لقد أعاد بها التاريخ أندلسا
أخرى، وطاف بها للشر طوفان
ميراثنا في فتى حطين أين مضى؟
وهل نهايتنا يتم وحرمان؟
44
ردوا تراث أبينا ما لكم صلة
به، ولا لكم في أمرنا شان
مصيبة برم الصبر الجميل بها
وعز فيها على السلوان سلوان
بني فلسطين كونوا أمة ويدا
قد يختفي في ظلال الورد ثعبان
وكيف يأمن رعيان وإن جهدوا
إذا تردى ثياب الشاء سرحان؟!
45 •••
ومصر والنيل ماذا اليوم خطبهما؟
فقد سرى بحديث النيل ركبان
كنانة الله حصن الشرق تحرسه
شيب خفاف إلى الجلى وشبان
46
أبوا على القسر أن يرضوا معاهدة
بكل حرف بها قيد وسجان
47
وكم مشوا للقاء الموت في جذل
والموت منكمش الأظفار خزيان
48
لكل جسم شرايين يعيش بها
ومصر للشرق والإسلام شريان •••
بني العروبة مدوا للعلوم يدا
فلن تقام بغير العلم أركان
جمعتم لشباب الشرق مؤتمرا
بمثله تزدهي الفصحى وتزدان
فقربوا نهجهم فالروح واحدة
وكلهم في مجال السبق أقران
لا تبتغوا غير إتقان وتجربة
فقيمة الناس تجريب وإتقان
وحببوا لغة العرب الفصاح لهم
فإن خذلانها للشرق خذلان
قولوا لهم: إنها عنوان وحدتهم
وإنهم حولها جند وأعوان
وكملوهم بأخلاق ومرحمة
فإنما المرء أخلاق ووجدان
هوامش
أفول نجمين
في 18 من نوفمبر سنة 1933م غادر سرب الطائرات الحربية المصرية إنجلترا قاصدا إلى مصر، وفيما كان السرب طائرا في سماء فرنسا سقطت إحدى طائراته محترقة في بلدة «مونشو سورنج»، واحترق طياراها المرحومان «فؤاد حجاج» و«شهدي دوس»، وبذلك أفل نسران من نسور مصر، وفقدت وهي في مستهل نهضتها شابين من خيرة شبابها جرأة وشهامة وإقداما.
وهكذا أبى القدر إلا أن يكون لمصر ذات التاريخ المجيد أثر جليل خالد في هذا الميدان الفسيح، الذي احتسبت فيه الأمم المتمدينة الألوف من أبنائها؛ لتسخير الريح وتدليل الهواء في سبيل العز والمنعة والحضارة والفخار.
وفي هذه القصيدة يصور الشاعر هذا الحادث الجلل، ويصف وقعه وآثاره:
جمع الشجون وبدد الأحلاما
خطب أناخ بكلكل وأقاما
1
أخلى الكنانة من أمر سهامها
عودا، وراع النيل والأهراما
2
وعدا على روض الشباب وظله
فغدا به روض الشباب حطاما
غصنان، هزهما الصبا فتمايلا
وسقاهما الأمل الروي جماما
3
نجمان، غالهما الزمان فأصبحا
بعد التألق والسطوع ركاما
4
نسران، لو رضي القضاء لحلقا
دهرا، على أفق الديار وحاما •••
ابك الشباب الغض في ريعانه
وأفض عليه من الدموع سجاما
5
وانثر أزاهيرا على الزهر الذي
كانت له كل القلوب كماما
6
وابعث أنينك للسحاب شكاية
فإلام تحتبس الأنين إلاما؟
لهفي على أمل مضى في لمحة
لو دام في الدنيا السرور لداما!
لم نشكر الأيام عند بريقه
حتى أخذنا نشتكي الأياما
لم تلمح العين الطموح شعاعه
حتى رأت ذاك الشعاع ظلاما •••
حجاج! لاقيت اليقين مكافحا
بطلا، ويا شهدي! قضيت هماما
ركبا الهواء، وكل نفس لو درت
غرض تنازعه المنون سهاما
والموت يلقى الأسد في عريسها
ويغول حول كناسها الآراما
7
لا الدرع تصبح حين تبطش كفه
درعا، ولا السيف الحسام حساما
ركبنا جموح الجو يلوي رأسه
كبرا، ويأنف أن ينيل زماما
في عاصفات لم تزعزع منهما
عزما كحد السيف أو إقداما
والجو أكلف، والسماء مريضة
والليل داج، والخطوب ترامى
8
والموت يخفق في جناحي جارح
ملأ الفضاء شراسة وعراما
9
بسما إلى الخطب العبوس، وإنما
يلقى الكمي قضاءه بساما
10
لهفي على البطلين غالهما الردى
لم يملكا دفعا ولا إحجاما!
11
الموت تحتهما يصول مخاتلا
والموت فوقهما يحوم زؤاما
12
ثبتا لحكم الله - جل جلاله -
والخطب يلقاه الكرام كراما
والسيف أكثر ما يلاقي حتفه
يوم الكريهة صارما صمصاما
13
قد ينسئ الموت النمال بجحرها
ويغول في آجامه الضرغاما
14
يا هولها من لحظة لا نارها
برد، ولا كان اللهيب سلاما
هل أخطرا فيها على باليهما
النيل والآباء والأعماما؟
والموطن الصديان يرقب عودة
ويلاه! قد عادا إليه رماما
15
أتقاسما فيها الوداع بلفظة
أم لم تدع لهما المنون كلاما
هل فكرا في الأم تندب حظها
والزوج تسكت والهين يتامى
16
إن السلامة قد تكون مذلة
ويكون إقدام الجريء حماما
17
والمرء يلقى باختيار كليهما
حمدا يحلق باسمه أو ذاما
18
والمجد يعتد الحياة قصيرة
ويرى فناء الخالدين دواما!
19
هوامش
من شاعر إلى شاعر
حينما توافد أدباء الأقطار العربية لتكريم المرحوم أحمد شوقي بك في سنة 1927م، وتوليته إمارة الشعر حيا الشاعر صديقه بهذه القصيدة:
وقفت تجدد آثارها
وتنشر للعرب أشعارها
1
وترجع بغداد بعد الفناء
تحدث للناس أخبارها
2
وتبعث حسان من رمسه
وتحيي عكاظ وسمارها
3
بشعر له نبرات تهز
نياط القلوب وأوتارها
4
أطاعت قوافيه بعد الشماس
جريء القريحة جبارها
5
ونظم له نفحات الرياض
إذا نقط الطل أزهارها
6
فمن حكمة علمتها السنون
جوار النفوس وإسرارها
لها صفحة الكون منشورة
يترجم بالشعر أشطارها
7 •••
وتشبيب لاه لعوب الشباب
يناجي السماء وأقمارها
8
تراه وظل الصبا وارف
جموح العريكة موارها
9
يغني كما صدحت أيكة
وقد نبه الصبح أطيارها
10
ويبكي فيبكي رسوم الديار ، حنانا عليه، وآثارها
11
وينسب حتى يلين الهوى
وتقضي الصبابة أوطارها
12
وتنسى الكواعب آي الحجاب
وتبكي العجائز أعمارها
13 •••
وتصوير طب صناع اليدين
حبته الطبيعة أسرارها
14
كأن (رفائيل) في كفه
يعيد الفنون وأعصارها
15
يريك إذا خط في طرسه
حياة القرون وأدوارها
16
ويرسم (أندلسا) باليراع
فتلمس كفك أسوارها
17
وإن وصف الحرب خلت الحراب
تسد من الأرض أقطارها
فتمسك جنبك ذعرا تخاف
قناها وترهب بتارها
أشوقي وأنت طبيب النفوس
وضعت عن النفس آصارها
18 •••
نصرت الفضيلة، من بعد أن
طواها الزمان، وأنصارها
وجئت لمصر كعيسى المسيح
تفتح للنور أبصارها
19
بآي تفصلها محكمات
كأن من الوحي أفكارها
ترد الشبيبة للصالحات
وترجع للدين هتارها
20
جزيت بشعرك شعرا وهل
تجازي الخمائل أمطارها؟
21
فكنت شريف قوافي البيان
وكنت بفضلك مهيارها
22
فغرد كما شئت لا فض فوك
وعش بطل الضاد مغوارها
هوامش
تحية الإياب
استقبل الشاعر الملك فؤاد عند عودته من أوروبا في نوفمبر سنة 1927م.
ذاك لألاؤه وهذا رواؤه
والضياء الذي ترون ضياؤه
1
وبهاء الرياض كللها الغي
ث فتاهت بنورهن بهاؤه
2
والنسيم الذي جرى طيب النش
ر جرى ذكره به وثناؤه
3
ذاك وجه المليك، وجه أبي الفا
روق هذا سناه هذا سناؤه
4 •••
ظهر الركب والقلوب حوالي
ه ترجيه والنفوس فداؤه
تجتليه العيون مستبشرات
وبريق السرور فيها وماؤه
5
وهتاف الإخلاص يخترق الجو
و فتمليه واضحا أصداؤه
6
ودت النيرات لو هبطت في
ه فزاد ازدهاءهن ازدهاؤه
7
موكب لم ينله رمسيس ذو التا
جين في عصره ولا خلفاؤه
8
حكموا شعبهم ولم يملكوه
مقود الشعب حبه وولاؤه
9 •••
عاد للقطر ربه مثلما عا
د إلى المدنف العليل شفاؤه
10
وبدا كالصباح فانهزم اللي
ل وولت مذعورة ظلماؤه
ملك شاد للكنانة مجدا
أحكمت وضع أسه آباؤه
كلهم كان للمحامد بنا
ء أبيا على الزمان بناؤه
همة تفرع السماء وعزم
ليس للسيف حده ومضاؤه
11
ونفاذ في المعضلات برأي
ثاقب يكشف الغيوب ذكاؤه
ومحيا فيه من الله سر
كاد يعشيه نوره وحياؤه
صفحة خطها الإله ففيها
ألف النبل - لو قرأت - وياؤه
12 •••
بهر الغرب طلعة منك كادت
تتمشى شوقا لها أرجاؤه
لمحوا عزة وشاموا بكفي
ك غماما هتانة أنداؤه
13
وبدا للعيون والدك المس
ماح تحييه ثانيا أبناؤه
فيك منه الجبين والخلق الرح
ب وبعد المدى وفيك إباؤه
لحت فيهم فأدركوا صولة الشر
ق ومرت بذكرهم أنبياؤه
ورأوا في الجلال «توتنخمونا»
صاعدا جده رفيعا لواؤه
14
أينما سار فالعيون نطاق
وقلوب المجاهدين وقاؤه
تتمشى في ركبه الشمس إكبا
را وينشق عن سناها رداؤه
15
أنت أعلى كعبا وأبقى على الده
ر وإن زاحم الخلود بقاؤه
16
لو وزنا بما أقمت من الدس
تور آلاءه اختفت آلاؤه
17
عجز الدهر أن يحيط بمعنا
ك وألقت قيادها شعراؤه
18
إن من رام للكواكب عدا
يتساوى ابتداؤه وانتهاؤه
19
هوامش
العيد المئوي لوزارة المعارف
احتفلت وزارة المعارف المصرية في اليوم الثلاثين من شهر مارس سنة 1937م بعيدها المئوي، وقد أنشدت هذه القصيدة في هذا اليوم بدار الأوبرا في حشد حافل جمع عظماء مصر وكبار علمائها وأدبائها.
أخرج الروض أطيب الثمرات
هات ما شئت من قريضك هات
زهرات تتيه بالغصن زهوا
وغصون تتيه بالزهرات
صيرت صفحة الرياض سماء
وتجنت فيها على النيرات
1
لم تفارق كمامها، وشذاها
ينشر الطيب في جميع الجهات
2
ترهب الريح أن تخد لها خد
دا فتجري في خشية وأناة
3
مصغيات إذ الحمائم رنت
بين تلك الخمائل النضرات
ضاحكات إذا بكى عابس الغي
ث وفاضت عيناه بالعبرات
وإذا ما جرى الغدير تدانت
لتحيي الغدير بالقبلات
إن للروض في معانيه حسنا
فوق حسن الملامح الفاتنات
كم من الزهر فيه من سحر عين
ومن النبت فيه من قسمات!
4
فانظر الروض لا ترى غير تبر
من تراب ودرة من حصاة
5
حبة أنبتت سنابل سبعا
ثم ملء الفضاء من سنبلات
6
ونواة جادت بنخل ونخل
وارف الظل دائم الثمرات
يرسل الطير في مداه نشيدا
موصلي الأداء والنبرات
7
يملك النفس أينما نظرته
فهو قيد النفوس والنظرات
كم تهادى مع النسيم اختيالا
كالعذارى يمسن في الحبرات
8
تتناءى به الظلال لجمع
ثم تدنو مدلة لشتات
9
مثل كف الرسام جاءت وراحت
بين قرطاسه وبين الدواة
10
أو كوجه الحسناء يبدو ويخفى
بين ميل الهوى وخوف الوشاة
11
كلما رمت منه قطف جناة
سبقت راحتيك ألف جناة
12
وإذا بارك الإله بأرض
جعل التبر في مكان النبات
وحباها خصبا إذا مس صحرا
ترك الصخر جنة الجنات •••
رب أرض للغافلين موات
وهي للعاملين غير موات
إن تطلعت للرغائب فابذل
تلك في الدهر سنة الكائنات
لك كفان، تلك تعطي وهذي
تتلقى مثوبة الحسنات
ترتجي الحصد ثم تقعد في الشم
س، لك الله يا أخا الترهات!
13
ضلة تطلب الزلال من النا
ر وتبغي غضارة من فلاة
14
ليس يجني من السبات سوى الأح
لام فانهض، وقيت شر السبات •••
قد غرسناه روض علم فأزرى
حسنه بالحدائق الباسقات
وبذرنا به القلوب صغارا
وكرام النفوس والمهجات
15
وسقينا ثراه ماء من الأذ
هان أحلى من كل ماء فرات
16
وغذوناه طيبا بجهود
ضاعفت من ثماره الطيبات
17
وحميناه أن تعيث به الأي
دي وتجني عليه كف الجناة
18
وجعلنا له من الخلق العا
لي سياجا موثق اللبنات
19
وحفظنا من الرياح جناه
ووقيناه شرة الحشرات
20
إيه يا روضة المعارف لا زل
ت مثاب الخيرات والبركات
21
أنت أنبت في ثرى النيل شعبا
نافذ الرأي طاهر النزعات
أعجز الغرب همة وذكاء
وكذا الشرق موطن المعجزات
خطوات نحو المعالي فساح
لا عداها السداد من خطوات
22
سلكت أوسط الطريق وجازت
كل ما في الطريق من عقبات
23
وجهود تمضي وتأتي جهود
محكمات موصولة الحلقات
نسجت من جهادها لبني مص
ر دروعا حصينة سابغات
24 •••
إنما مولد المعارف في مص
ر دبيب الحياة بين الرفات
جل ربي! آمنت بالله ربي!
فالق الحب باعث الأموات
أرسل الله للكنانة ندبا
هبرزي الأعراق والعزمات
25
فأتاه (محمد) جد (إسما
عيل) بالخصب مورقا والحياة
26
هل رأيت النجم الذي يبهر العي
ن ويمحو دياجر الظلمات؟
27
هل رأيت الغدير ينساب في القف
ر فيهتز محصب الجنبات؟
28
هل رأيت الحياة تسري إلى الجس
م فتحيي عظامه النخرات؟
29
هل رأيت الآمال بعد نفار؟
واقتبال الشباب بعد فوات؟
30
لقيت مصر قبله ما يلاقي
غرض جاء في اتجاه الرماة
31
جهلوا داءها الدفين وشر
من دفين الأدواء جهل الأساة
نكثوا جرحها فسالت دماها
قطرات تجري إلى قطرات
32
لا ترى في الظلام للعلم إلا
مقفرات من دوره دارسات
33
يكره الظلم كل شيء من الضو
ء ولو كان في ابتسام الفتاة
لم يكن منه غير ومض من (الأز
هر) يبدو مفزع اللمحات
34
كذبال المشكاة قد جف إلا
أثرا من بلالة المشكاة
35
فأتى منقذ البلاد فأحيا
ها برأي وعزمة وثبات
لو دعا أنجم السماء للبت
مهطعات لأمره صاغرات
36 •••
شاد في مصر للمعارف ديوا
نا منيع الأعلام والشرفات
وبنى للعلوم خير بناء
علوي فكان خير البناة
نهضت مصر بعده نهضات
تستحث الخطا إلى نهضات
أرسل العلم نوره فسرى الرك
ب يقود المنى إلى الغايات
ورأينا بكل أرض رياضا
دانيات قطوفها زاهيات •••
كل يوم عند الصباح ترى جي
شا من النشء صادق الوثبات
جعلوا كتبهم مكان المواضي
ويراعاتهم مكان القناة
37
طلعوا أول الغداة فزانوا
بسنا ضوئهم جمال الغداة
38
مثل سرب للطير همت خفافا
ثم راحت لوكرها مثقلات
39
نثروا جمعهم فأبصرت فيهم
أنجما في الفضاء منتثرات
ورأيت الفلذات تمشي على الأر
ض فخلوا الطريق للفلذات
40
هم أماني (مصر)، هم مرتجاها
هم حنايا ضلوعها الخافقات •••
مائة من سني (المعارف) مرت
زاهيات بما حوت حافلات
بلغت مصر في مداهن شأوا
فوق شأو الكواكب السابحات
41
وغدا مجدها الحديث - وقد شا
ع شذا عطره - حديث الرواة
42
أصبحت كعبة يحج إليها الشر
ق بين الخشوع والإقنات
43
تتهادى وحق أن تتهادى
بين ماض زاهي الجبين وآتي
كل تاريخها كتاب من المج
د كريم مطرز الصفحات
بعثت دارس الفنون وأحيت
بعد يأس الزمان أم اللغات
44
وأعادت إلى العلوم منارا
كان صبح الدجى وهدي السراة
45
أنجبت للبلاد أبطال عزم
هم دروع البلاد في الأزمات
دعوا الشعب للعلا فرأينا
خير شعب أجاب خير الدعاة
أنجبت كل عالم بهر الكو
ن بآيات علمه البينات
أنجبت كل شاعر عبقري
صادق الحس بارع اللفتات
تتمنى الأزهار لو كن يوما
في قوافيه موضع الكلمات
أنجبت كل كاتب يملك السم
ع، بآثار فنه الخالدات
أنجبت كل مدره وخطيب
ساحر القول، صادق الحملات
46
وحمت شرعة الخلائق أن يغ
بر صافي نميرها بقذاة
47
قد ولجنا الحياة من كل باب
فرأينا الأخلاق باب النجاة
أصبحت مصر معهدا لشباب الش
شرق، يسعون نحوها بالمئات
عقدت بيننا الليالي صلات
محكمات أحبب بها من صلات •••
إن عيد المعارف اليوم عيد
للنهى والجهود والذكريات
48
عيد يمن لمصر، فالدهر دان
خاضع الرأس، والزمان مواتي
بلغت مصر ما ترجي وفازت
بعد طول الأسى، وذل الشكاة
وأطاحت قيودها فاستقلت
وامحى ما تركن من ندبات
واستعزت بطلعة الملك الفا
روق، زين الحمى وفخر الحماة
يشرق الملك بالمليك ويزهى
بمجالي آلائه المشرقات
تجتليه العيون بدرا، وتفدي
ه عيون الزمان بالحدقات
49
عهده في العهود أنضر عهد
كجمال الربيع في الأوقات
بهر الشعر أن يحيط بمعنى
من معاني صفاته الباهرات
عاش للعلم والبلاد هماما
أريحيا، وعاش للمكرمات
هوامش
كل بيت فيه سعد ماثل
نشرت هذه القصيدة حينما نقل رفات المغفور له سعد زغلول باشا إلى الضريح الذي أعد له في يونيه سنة 1936م.
اكشفوا الترب عن الكنز الدفين
وارفعوا الستر عن الصبح المبين
1
وابعثوه عسجدا مؤتلقا
زاد في لألائه طول السنين
2
وانتضوا من غمده سيف وغى
كان إن صال يقد الدارعين
3
وقناة جل من ثقفها
للحفاظ المر والعزم المكين
4
لوت الدهر على باطله
وهي كالحق صفاة لا تلين
5
هزمت جيش الأباطيل فما
غادرت غير جريح أو طعين
6
كتب الله على عاملها
إنما الخلد جزاء العاملين
7 •••
جدث ضم سناء وسنا
ومصاص الطهر في دنيا ودين
8
طاعة الأملاك فيه امتزجت
في السموات بعز المالكين
فتشوا في الترب عن عزمته
وعن الإقدام والرأي الرصين
واخفضوا أبصاركم في هيبة
إن رأت أبصاركم نور اليقين
واخشوا بالصمت في محرابه
أفصح الألسن صمت الخاشعين!
وانتحوا من قبره ناحية
واحذروا أن تزحموا الروح الأمين
9
وحنانا بضريح طالما
صقلته قبلات الطائفين
وجثت مصر به خاشعة
تذرف الدمع على خير البنين
10
صيحة قدسية إن سكتت
فلها في مصر رجع ورنين
11
وعرين حل فيه ضيغم
رحمة الله على ليث العرين!
12
ومضاء عرفت مصر به
أن للحق يمينا لا تمين
13
لا أرى قبرا ولكني أرى
صفحة من صفحات الخالدين
أو أراه قصب المجد الذي
دونه ينفق جهد السابقين
أو أراه علما في فدفد
لمعت أضواؤه للحائرين
14
أو أراه روضة إن نفحت
خجل الورد وأغضى الياسمين
15
أو أراه دوحة وارفة
نشرت أفياءها للاجئين
16
أو أراه قلب مصر نابضا
بمنى تمحو من القلب الأنين •••
نقلوا التابوت تحتف به
رحمات من شمال ويمين
17
ذاك بعث حييت مصر به
من جديد، تلك عقبى الصابرين!
18
هل علمتم أن من واريتم
في حنايا كل مصري دفين؟
19
ما لسعد خفرة واحدة
هو ملء القلب، ملء الأرضين
20
كل بيت فيه سعد ماثل
في إطار من حنان وحنين
نظرة الرئبال في نظرته
وانبلاج الحق في ضوء الجبين
21
وضعت مصر به آمالها
فاستقرت منه في حصن حصين
هو للأبناء علم وأب
وهو للآباء خل وخدين
22
كان سعد علما منفردا
هل يرى للشمس في الأفق تنين ؟
23
إن أم المجد مقلات فكم
سوفت بين جنين وجنين!
24
تبخل الدنيا بآساد الشرى
أيها الدنيا إلى كم تبخلين؟
25
أنت قد أنجبت سعدا بطلا
وقليل مثله من تلدين
وجدت مصر به واحدها
رب فرد بألوف ومئين!
ومن الناس نضار خالص
ومن الناس غثاء وغرين
26
ومن الناس أسود خدر
ومن الناس ذباب وطنين
27
قاد للمجد مناجيد الحمى
كلهم أروع منبت القرين
28
تقرأ الأقدام في صفحته
مثلما تقرأ خط الكاتبين
كلما مرت به عاصفة
زعزع، مرت على طود ركين
29
تقرع الأقدار منه عزمة
أنفت صخرتها أن تستكين
يا بني الربان لا تستيئسوا
إن مضى الموت بربان السفين
إن سعدا أخضع الريح لكم
والبقيات على الله المعين
لاحت الفرصة في إبانها
إنها لا ترتجى في كل حين
30
فهلموا فاقنصوا طائرها
كلكم بالسبق والنصر قمين
31
صدق الله تعالى وعده
إنما الفوز ثواب المخلصين!
هوامش
وصية
عرض على الشاعر بعض أصدقائه قطعة نثرية باللغة الفرنسية يوصي فيها كاتبها ابنته بالتحلي بكريم الصفات، ثم طلب إليه أن يقول شعرا على مثالها، فنظم هذه القصيدة في سنة 1918م.
يا بنتي إن أردت آية حسن
وجمالا يزين جسما وعقلا
1
فانبذي عادة التبرج نبذا
فجمال النفوس أسمى وأعلى
يصنع الصانعون وردا ولكن
وردة الروض لا تضارع شكلا
صبغة الله صبغة تبهر النف
س، تعالى الإله عز وجلا
ثم كوني كالشمس تسطع للنا
س سواء: من عز منهم وذلا
فامنحي المثريات لينا ولطفا
وامنحي البائسات برا وفضلا
زينة الوجه أن ترى العين فيه
شرفا يسحر العيون ونبلا
واجعلي شيمة الحياء خمارا
فهو بالغادة الكريمة أولى
2
ليس للبنت في السعادة حظ
إن تناءى الحياء عنها وولى
والبسي من عفاف نفسك ثوبا
كل ثوب سواه يفنى ويبلى
وإذا ما رأيت بؤسا فجودي
بدموع الإحسان يهطلن هطلا
3
فدموع الإحسان أنضر في الخد
وأبهى من اللآلي وأغلى
وانظري في الضمير - إن شئت مرآ
ة - ففيه تبدو النفوس وتجلى
ذاك نصحي إلى فتاتي وسؤلي
وابنتي لا ترد للأب سؤلا
هوامش
ذكرى قاسم أمين
أذيعت بدار الإذاعة في سنة 1938م لمرور ثلاثين سنة على وفاته.
مل من وجده ومن فرط ما به
وأراق الشراب من أكوابه!
وإذا القلب أظمأته الأماني،
فماذا يريده من شرابه؟
وإذا النفس لم تكن منبت الأن
س، تناءى القريب من أسبابه
وأشد الآلام أن تلزم الثغر ابتسا
ما، والقلب رهن اكتئابه •••
كلما اختال في الزمان شباب
عصفت ريحه بلدن شبابه!
والنبوغ النبوغ يمضي، وتمضي
كل آمال قومه في ركابه
غرد، ما يكاد يصدح حتى
يسكت الدهر صوته بنعابه
1
وحباب، إذا علا الماء ولى
فاسأل الماء هل درى بحبابه؟
2
وسفين، ما شارف الشط حتى
مزق اليم دسره بعبابه
3 •••
بخل الدهر أن يطول للعقل،
فيجري إلى مدى آرابه
4
كلما سار خطوة وقف المو
ت، فسد الطريق عن طلابه
وابتداء الكمال في عمل العا
مل بدء الشكاة من أوصابه
5
ضلة نكتم المشيب فيبدو
ضاحكا ساخرا خلال خضابه
6
أين من يستطيع أن يرشد الدنيا،
وسوط المنون في أعقابه؟
7
أيها الموت: أمهل الكاتب المس
كين يرسل أنفاسه في كتابه
آه لو يشتري الزمان قريضي
بسنين تعد لي في حسابه
ما حياتي؟ والكون بعد جهاد
لم أزل واقفا على أبوابه
تظمأ النفس في حياة هي القف
ر، فترضى بنهلة من سرابه
أنا قلبي من الشباب وجسمي
أثخن الشيب رأسه بحرابه
أمل هذه الحياة، فهل يعثر بي
الموت دون وشك طلابه؟
كلما رمت لمحة من سناه
هالني بعده وطول شعابه
8
ما الذي تبتغي يد الدهر مني؟
ودمي لا يزال ملء لعابه
9
دع يراعي يا دهر يملأ سمع الني
ل، من شدوه وعزف ربابه
كل شيء له نصاب سوى الفن
ن، فلا حد ينتهي لنصابه
10 •••
عصفت صيحة الردى بخطيب
وهو لم يعد صفحة من خطابه
سكتة أسكتت نئيج خضم
عقد النوء لجه بسحابه
11
سكتة أطفأت منار طريق
كم مشت مصر في ضياء شهابه
ومضى (قاسم) وخلف مجدا
تفرع النجم راسيات قبابه
12 •••
قد نكرناه حين قام ينادي
وفهمنا معناه يوم احتسابه
رب من كنت في الحياة له حر
با، شققت الجيوب عند غيابه
وتحديت شمسه، فإذا ولى
تمنيت لمحة من ضبابه
لم يفز منك مرة بثناء
فنثرت الأزهار فوق ترابه
يعرف الورد حينما ينقضي الصي
ف ، ويبكى النبوغ بعد ذهابه
كم ندبنا الشباب حين تولى
وشغفنا بالبدر بعد احتجابه!
كتب الله أن يعيش غريبا
كل ذي دعوة إلى الحق نابه
لا ترى فوق قمة الطود إلا
بطلا لا يهاب هول صعابه
كل ذات الجناح طير، ولكن
عرف الجو نسره من غرابه
كم رأينا في الناس من يبهر العي
ن، وما فيه غير حسن ثيابه
يملأ الأرض والسماء رياء
وعيوب الزمان ملء عيابه
13 •••
نقد الناس (قاسما) فرأوه
أصبر الناس في تجرع صابه
14
حجة الجاهل المراء، فإن شا
ء سموا، أمدها بسبابه
15
قد يغشي الوجدان باصرة العق
ل، فيعميه عن طريق صوابه
صال بالرأي (قاسم) لا يبالي
ومضى في طريقه غير آبه
كم جريء لا يرهب السيف إن سل
ل ونكس يخاف مس قرابه
والشجاع الذي يجاهر بالحق،
ولو كان فيه مر عذابه
كيف يهدي النصيح إن ريع يوما
من قلى من يحب أو إغضابه؟
16
وطريق الإصلاح في كل شعب
عسر المرتقى على مجتابه
يعشق الشعب من يدلله زو
را، بمذق من سخفه وكذابه
17 •••
قمت للجهل تقلم الظفر منه
وتفض الحداد من أنيابه
18
في زمان كان القديم به قد
سا، يذاد الجديد عن محرابه
19
يا نصير النساء، والدين سمح
لو وعينا السري من آدابه
20
قد خشينا على الحمائم في الدو
ح، أظافير بازه أو عقابه
21
إن أردت الظباء تمرح في السه
ل، فطهر أكنافه من ذئابه
22
كم ضراء وسط المدائن أنكى
من ضراء الضرغام في وسط غابه!
23
وشباك، من الجرائم والختل،
حواها شيطانهم في جرابه
24
وإذا ما الحياء لم يستر الحسن،
فماذا يفيده من نقابه؟ •••
قمت تدعو البنات للعلم فانظر
كيف حلقن فوق شم هضابه
25
وزها النيل بابنة النيل فاختا
ل، يجر الذيول من إعجابه
وغدا البيت جنة بالتي فيه،
خصيبا بالأنس بعد يبابه
26
يا فتى الكرد، كم بززت رجالا
من صميم الحمى، ومن أعرابه!
27
نسب المرء ما يعد من الأع
مال، لا ما يعد من أنسابه
كم سؤال بعثت إثر سؤال
أيقظ النائمين رجع جوابه
كنت في الحق للإمام نصيرا
والوفي الصفي من أصحابه
28
نم هنيئا، فمصر نالت ذرا المج
د، وفازت بمحضه ولبابه
29
منك عزم الداعي، وفضل المجلي
ومن الله ما ترى من ثوابه
30
هوامش
دار العلوم
احتفل كبار خريجي دار العلوم في شهر أغسطس سنة 1927م بانقضاء خمسين عاما منذ إنشائها. وقد حضر هذا الحفل الجامع علية رجال مصر، وخيرة علمائها وأدبائها. وأنشد الشاعر هذه القصيدة في هذا المهرجان:
يا خليلي خلياني وما بي
أو أعيدا إلي عهد الشباب
حلم قد مضى، وأيام أنس
ذهبت غير مزمعات الإياب
وأزاهير كن تاج عروس
غفرت بعد ليلة في التراب
وبساط للشاربين يصلي
فيه إبريقهم بلا محراب
1
في حديث أحلى من الأمل الحل
و وأصفى ديباجة من شراب
2
كل فصل كأنه صفحة الرو
ض وعند العقار فصل الخطاب
3
ومجون يحوطه الأدب الجم
م فما راعه اللسان بعاب
يتغنون بالنواسي حينا
وبشعر الفتى أبي الخطاب
4
كلما هزت المدام يديهم
قهقهت ثلة من الأكواب
5
صاح فيهم ديك الصباح فطاروا
كل جمع لفرقة واغتراب! •••
يا شبابا أقام أقصر من حسوة
طير على وحي وارتياب
6
لك عمر الندى يطير مع الشمس
وعمر البروق بين السحاب
كنت فينا كما لمحنا حبابا
فنظرنا فلم نجد من حباب
7
وعرفناك مذ ذهبت كما يعرف
فضل النبوغ بعد الذهاب
مذ خلعنا ثيابك القشب
لم ننعم بشيء من منفسات الثياب
8
ورأينا في لونك الفاحم اللما
ح هزوا بلون كل خضاب
أين لون الحياة والقهر والقوة
من لون ناصل الأعشاب؟
9 •••
يا سواد العيون! يا حبة القلب!
ويا خال كل خود كعاب!
10
سرق الليل منك لونا فأمسى
مسرح اللهو موطن الإطراب
ورأى فيك أحمد لون كافو
ر فغنى خوالد الآداب
11
بسمة للزمان أنت، تلتها
كثرة للزمان عن أنياب
كلما رمت خدع نفسي بنفسي
كشفت لي المرآة وجه الصواب
رب صدق تود لو كان كذبا
وكذاب لو كان غير كذاب!
ليت لي لمحة أعيد بها من
ك بقايا تلك الأماني العذاب
حيث أختال ناضر العود بسا
ما كثير الهوى قليل العتاب
في صحاب مثل الدنانير لا تب
لى موداتهم بطول الصحاب
بوجوه غر تراها فتتلو
في أساريرها سطور كتاب
12
تسبق الخطو للشرور وثابا
لا تنال المنى بغير الوثاب
وتجر الذيول في غير نكر
طاهري النفس طاهري الجلباب
13
إن دعانا الهوى لغير سديد
سددتنا كرائم الأحساب
زينب، أين منك زينب، والشمل
جميع والعيش خصب الجناب؟
14
وبنات الثغور يلعبن بالأل
باب لعب الشمول بالألباب
15
يتظاهرن بالحجاب، وهل أذ
كى الجوى غير لؤم ذاك الحجاب؟
16
كم وجوه تنقبت بسفور
ووجوه قد أسفرت بنقاب!
أين تلك الأيام؟ بانت وبنا
وتولت بشاشة الأحباب!
17 •••
ليت شعري، أيرجع الأمس عهدا
غصبته الأيام أي اغتصاب؟
عهد دار العلوم، أنت يد الده
ر، جمال الدهور والأحقاب
18
إن ذكرناك هزنا الشوق للشو
ق ولهو اللدات والأتراب
19
أنت خدن الشباب، بينكما في ال
وهم قربى وشيجة الأنساب
20
فكأني أرى الزمان وقد دا
ر وعاد الصبا نضير الإهاب
21
وأرى «الجارم» الفتي يقود ال
حشد في جحفل من الطلاب
واثبا لاهيا، لعوبا ضحوكا
غير ما واجل ولا هياب
22
واثقا بالإله، ليس يرى الصعب
سوى أن تهاب خوض الصعاب
فهو كالطائر الطليق فحينا
في وهاد ومرة في هضاب
عابث بالغصون في ظل روض
حاك أفوافه ملث الرباب
23
يحمل الكتب في الصباح، وللآ
مال في صدره نئيج العباب
24
رأسه رأس ماله، وامتلاء الرأ
س خير من امتلاء الوطاب
25
كل يوم في الامتحانات هين
خطبه غير خطب يوم الحساب
26 •••
إيه دار العلوم، كنت بمصر
في ظلام الدجى ضياء الشهاب
27
في زمان من كان يمسك فيه
قلما عد أكتب الكتاب!
أنت أم الأشبال، إن غاب ليث
صال للحق بعده ليث غاب
تلدين البنين من كل ماض
شمري مزاحم وثاب
28
شاعر ينصت الوجود إذا قا
ل ويهتز هزة الإعجاب
شعره زفرة الغرام، تعالت
عن قيود الأوتاد والأسباب
29
تتغنى به العذارى فيبعثن
الهوى بعد صحوة ومتاب
30
تخذت فيك بنت عدنان دارا
ذكرتها بداوة الأعراب
31
عادها الحسن في ذراك وروا
ها على غلة نمير الشباب
32
وغدت في عكاظ بين شيوخ
فتنتهم بسحرها الخلاب
33
خلعوا في طلابها جدة العمر،
وقدر المطلوب قدر الطلاب
34
ودنوا من خبائها فأرتهم
ثمرات النهى وسر الكتاب
35 •••
لك دار العلوم في كل نفس
أثر القين في صقال الحراب
36
حسب مطريك أن كل نجيب
نفحة من رجالك الأنجاب
أنت كالنيل، كلما مس جدبا
هزه بالنماء والإخصاب
كيمياء العقول أنت، تصوغي
ن نضارا من النحاس المذاب
37
إن خمسين حجة قد كفت
منك لملء الدنيا بكل عجاب
38
نهضت مصر نهضة النسر فيها
واستوت فوق مستقر العقاب
39
كل عام كأنه خطوة الجبار
أو وثبة الأسود الغضاب
كل عام كأنه علم النصر
بكف المظفر الغلاب
كل عام كطالع السعد شمنا
ه على طول غيبة واحتجاب
40
كل عام كالفجر يهزم ليلا
نابغي الهموم والأوصاب
41
كل عام كأنه الأمل الضا
حك، وافاك بعد طول ارتقاب
كل عام كوافد الغيث تلقا
ه وجوه الرياض بالترحاب •••
لا تهابي دار العلوم ملما
آفة المجد والعلا أن تهابي!
42
إن في مصر لو علمت قلوبا
واجفات لقلبك الوجاب
43
ستنالين بالمليك فؤاد
كل ما ترتجين من آراب
44
لا تراعي وفي الكنانة سعد
بين أشباله الشداد الصلاب
45
واطلبي الخير والمنى من فؤاد
ناشر الفضل، ناصر الآداب
لا خلت مصر من نداه فقد صا
ر عنان القلوب طوق الرقاب
46
هوامش
مولد الفاروق
نظم الشاعر هذه القصيدة بمناسبة احتفال البلاد بذكرى مولد الملك فاروق آخر ملوك مصر سنة 1943م.
هات من وحي السماء الكلما
واجعل الأيام والدنيا فما
وابعث الشعر جناحي طائر
كلما شارف أفقا دوما
1
أي يوم سعدت مصر به
كان في طي الأماني حلما
مولد الفاروق يوم بلغت
راية الإسلام فيه القمما
طافت الأملاك ترقي مهده
وتناجي ربها أن يسلما
2
فرأت لما رأته ملكا
نوره من نور سكان السما
3
يطبق الغيم لدى عبسته
ثم ينجاب إذا ما ابتسما
4
ورأت في ابن فؤاد ناشئا
يملأ الدنيا ويحيي أمما
5
وكريما بشر استهلاله
أن في فيه الهدى والحكما
6
وجبينا علويا مشرقا
يبهر العين ويمحو الظلما
7
كتب الله عليه أسطرا
تقرأ النبل بها والشمما
8
ويدا إن سكنت في يومها
هزت السيف غدا والقلما
يتمنى الغيث لو ساجلها
أو تلقى عن نداها الكرما
9
زهي المهد فمن أنبأه
أنه يحوي العلا والهمما؟
وشدا الكون لدى مولده
أينما سرت سمعت النغما
وتنادت بشريات باسمه
صدحا في كل أفق حوما
10
ومضت أصداؤها هاتفة
أنجبت مصر فتاها المعلما
11
ومشى الدهر إلى ساحته
رأسه كاد يداني القدما
12
والليالي خاشعات حوله
يترقبن رضاه خدما
ولد السعد على أبوابه
ونما في ظله لما نما
فأتى التاريخ في أبطاله
يلمحون العبقري الملهما
وبدا العرش وقد حل به
يفرع الشمس ويعلو الأنجما
13
ما رأى بعد سليمان له
مشبها في عدله إن حكما
14
زانه الفاروق من خير أب
فدع المأمون والمعتصما
15
حين عز الدين والملك به
هنأ المنبر فيه العلما
لا ترى العين به إلا علا
كلما تسمو له العين سما
أين شعري وفنوني من مدى
لو مضى حسان فيه أفحما
16
أنا من فيض له متصل
أنعم تمضي فألقى أنعما
ليس بدعا أن زها شعري به
يزدهي الروض إذا الغيث هما
هوامش
قبعة بعد عمامة
كان الشاعر عضوا في بعثة أرسلتها الحكومة المصرية إلى إنجلترا سنة 1908م، فأرسل وهو هناك إلى والده صورته وهو بالقبعة وكتب تحتها هذين البيتين:
لبست الآن قبعة بعيدا
عن الأوطان، معتاد الشجون
فإن هي غيرت شكلي فإني «متى أضع العمامة تعرفوني»
رثاء زعيم
أنشدت هذه القصيدة في حفلة تأبين المغفور له محمد محمود باشا بدار الأوبرا عام 1941م.
جودي بما شئت من ذوب الأسى جودي
أودت صروف الليالي بابن محمود
1
أودت بأشجع من حف الرعيل به
يوم النضال، ومن نادى ومن نودي
2
أودت بمن تعرف الساحات كرته
إذا تنكب عنها كل مزءود
3
ويشهد الحق أن الحق في يده
سيف يروع المنايا غير مغمود
4 •••
دعته مصر وللأحداث ملحمة
والخطب ما بين تهدار وتهديد
5
وأنفس الناس في ضيق وفي كمد
كأنها زفرة في صدر معمود
6
حيرى تلوذ بآمال محطمة
كما يلوذ غريم بالمواعيد
7
طارت شعاعا وهولا مثلما عصفت
هوج الرياح برمل البيد في البيد
8
والجو أكلف، والدنيا مقطبة
أيامها البيض من ليلاتها السود!
9
ومصر ليس لها حصن ولا وزر
إلا الغطاريف من أبنائها الصيد
10
لها سلاح من الإيمان تشرعه
ينبو له كل مصقول ومحدود
11
فجاءها خالدي العزم في نفر
شم الأنوف صناديد مناجيد
12
من كل أروع عنوان الجهاد به
قلب ركين، ورأي غير مخضود
13
جاءوا يزاحمهم عزم وتفدية
كما تصادم جلمود بجلمود
14
كأنهم حينما شدوا لغايتهم
سهم المقادير في قصد وتسديد
صدورهم بلقاء الهول شاهدة
والطعن في الظهر غير الطعن في الجيد!
15
جادوا لمصر وفدوها بأنفسهم «والجود بالنفس أقصى غاية الجود»
كم هشم الدهر من سن ليعجمهم
ولم تزل في يديه نضرة العود
16
إن الذي خلق الأبطال صورهم
من ثورة البحر أو بأس الصياخيد
17
يمشي الشجاع لحد السيف مبتسما
ويرهب الغمد ذعرا كل رعديد
18
كم همة تفرع الأجيال سامقة
وهمة ركدت بين الأخاديد
19
وكم فتى تسبق الأيام وثبته
وللبطولة أفق غير محدود
وخامل ما لآثار الحياة به
إلا ورود اسمه بين المواليد
وميت بعث الدنيا وعاش بها
ما كل من ضمه قبر بملحود!
20
سبحانك الله، إن تحرم فتزكية
وإن تثب فعطاء غير محدود
21
تعطي النفوس على مقدار جوهرها
ما كان لليث منها ليس للسيد
22
والمجد عزمة أبطال مسددة
بريئة النصل من شك وترديد
وللعلا من صفات الغيد أن لها
دلا يروع تقريبا بتبعيد •••
جاءوا إليك كموج البحر عدتهم
رأي أصيل، وصدر غير مفئود
23
فقدتهم غير هياب ولا فزع
إلى لواء بحبل الله معقود
24
تمشي بهم في فيافي الشوك معتزما
من يطلب المجد لا يبخل بمجهود
25
لا يستبيك سوى مصر ونهضتها
فكل شيء سواها غير موجود
26
من يقصد النجم في عليا سماوته
نأى بجانبه عن كل مقصود
وراءك الركب في يأس وفي أمل
لما يرون، وتصديق وتفنيد
27
تحنو على ضعف من طال الطريق به
حنان والدة ثكلى بمولود
وتلمح الأفق، هل بالأفق من نبأ؟
وهل من الدهر إنجاز لموعود؟
وهل طيوف الأماني وهي حائرة
تدنو بطيف من الآمال منشود؟
وهل ترى مصر صبحا بعد ليلتها؟
وهل تقر عيون بعد تسهيد؟
وهل لمعتقل في البحر من أمل
في أن يرى قومه من بعد تشريد؟
28
حتى بدت غرة الدستور عن كثب
كما تبدى هلال العيد في العيد
29
فأرسلت مصر بنت النيل من دمها
وردا تزين به هام الصناديد
30
وصفقت لحماة الغيل تنشدهم
من البطولة مأثور الأناشيد
والناس بين بشاشات وتهنئة
وبين شكر وتكبير وتحميد
جاء الزمان فلا قول بممتنع
على اللسان، ولا حر بمصفود
31
وأشرق الصبح والدنيا مهللة
كأنه بسمات الخرد الغيد
32
من ينصر الله لا جور يحيد به
عن الطريق، ولا جهد بمفقود!
33
سيكتب الدهر، فليكتب! فليس يرى
إلا صحائف تشريف وتمجيد •••
نمت خلائقه في بيت مكرمة
في سوحه المجد فينان الأماليد
بيت دعائمه نبل وتضحية
إذا بنى الناس من صخر ومن شيد
34
وسار في سنن الآباء متئدا
أمر مطاع، ورأي غير مردود
35
وهمة تتأبى أن يقال لها:
إن جازت النجم في مسعاتها: عودي
36
تجردت لصعاب الدهر واثبة
ويل المصاعب من عزم وتجريد
37
وفكرة لو تمشت نحو معضلة
صفت مواردها من كل تعقيد
وعزة نظرت للكون من شرف
عال، يعز على رقي وتصعيد
38
قالوا: هي الكبر، قلت: الكبر محمدة
إذا تساميت عما بالعلا يودي
39
ترنو إليه فتغضي من مهابته
فالطرف ما بين موصول ومصدود
خاض السياسة نفاذ الذكاء فما
رأي بناب، ولا عزم بمكدود
40
فكم له وقفة فيها مجلجلة
وكم مقام عزيز النصر مشهود!
وكان خصما شريف الصدر مرتفعا
عن الدنيات إن عادى وإن عودي
فاسأل مناصره، أو سل مخالفه
فليس فضل ابن محمود بمجحود
41
لما رمى زخرف الدنيا وباطلها
ألقت إليه المعالي بالمقاليد
خذ الرثاء نواحا ملؤه شجن
لم تبق بعدك أدواح لتغريدي!
42
ما في يدي غير أوتار محطمة
يبكي لها العود، أو تبكي على العود
وكل جمع إلى بين وتفرقة
وكل شمل إلى نأي وتبديد!
43
أمست تجاليده في جوف مظلمة
كم صولة وإباء في التجاليد!
44
نم ملء جفنيك في رحمى ومغفرة
ووارف من ظلال الله ممدود
إن البطولة والأجساد فانية
تبقى على الدهر في بعث وتجديد
لم يحل منك مكان قد تركت به
ما يملأ الأرض من ذكر وتخليد
هوامش
التاجية الكبرى
قيلت هذه القصيدة في تهنئة الملك فاروق بتولي سلطته الدستورية يوم الخميس 21 من جمادى الأولى سنة 1356ه/29 يوليه سنة 1937م.
خشعت لفيض جلالك الأبصار
وذكت بمسك خلالك الأشعار
وتوسمت مصر العلا في طلعة
قد حفها الإجلال والإكبار
1 •••
ملك تغار النيرات إذا بدا
أسمعت أن النيرات تغار؟
2
ودت لو اشتملت بفضل ردائه
هيهات ثوب المجد ليس يعار
شتان بين النيرات ومن به
سبل البطولة والحياة تنار
تهدى العيون بضوئهن وضوءه
تهدى البصائر فيه والأبصار
3
ولها مدار من فضاء مبهم
ولك العلا والمكرمات مدار
غضي جفونك يا نجوم فدونه
تتضاءل الآمال والأقدار
أنتن أقرب مشبه لهباته
فكلاكما من راحتيه نثار
4 •••
من حسنه اختلس الأصيل جماله
وببشره تتبسم الأسحار
5
تبدو سجايا النبل وهي قلائل
فإذا حللن ذراه فهي كثار
أبصرن فيه نصير كل كريمة
إن قلت الأعوان والأنصار •••
لله يومك والضياء يعمه
فعشيه سيان والإبكار
نسيت به الآمال جفوة دلها
ومن الدلال تحجب ونفار
6
يوم تمناه الزمان وطالما
مدت إليه رءوسها الأعصار
7
سفرت به البشرى فطاح قناعها
عمدا وطار مع الهواء خمار
8
والنفس أغرى بالجمال محجبا
إن زحزحت من دونه الأستار
9
ما صبح يوم والسماء مريضة
كصباح يوم والنهار نهار
10
يوم غدا بين الدهور مملكا
يومأ إليه مهابة ويشار
11
الأمس يجزع أن تقدم خطوة
وغد أطار صوابه استئخار
12
يوم جثا التاريخ فيه مدونا
لله ما قد ضمت الأسفار!
13
وتصفح الأخبار يبغي مثله
هيهات تحوي مثله الأخبار
يوم كأن ضياءه من أعين
من طول ما اتجهت له الأنظار •••
يكفيه أن ينمى لأكرم سدة
سعدت بها الأيام والأمصار
14
بيت له عنت الوجوه خواشعا
كالبيت يمسح ركنه ويزار
15
ضمت به فلذ القلوب فكونت
بيتا، فلا صخر ولا أحجار
16
الدين والخلق المتين أساسه
وحياطة المولى له أسوار
رحبت به الساحات فهو مثابة
وعلا علو الحق فهو منار
17
غيل تهاب الأسد بطش ليوثه
وتخونها الأنياب والأظفار
18
من كل خطار إلى غاياته
يزهى به الصمصام والخطار
19
ندب إذا حل الحباء لغارة
ألقى السلاح الفارس المغوار
20
حامت نسور النصر حول جيوشهم
حتى كأن غبارها أوكار
21
شمس العداوة والحسام مجرد
فإذا انطوى فملائك أطهار
22
سبقوا وثوب الحادثات وبادروا
إن الحياة توثب وبدار
23
وعلوا لنيل المجد كل مطية
لو كان نجما في السماء لطاروا
الخالدون على الزمان وأهله
تفنى الرجال وتخلد الآثار
جاءوا ومصر عفت معالم مجدها
لا مصر مصر ولا الديار ديار
24
العلم يخفق للزوال سراجه
والعدل مندك الذرا منهار
25
والناس في حلك الظلام يسوقهم
نحو الفناء تخبط وعثار
26
فبدا (محمدكم) فهب صريعهم
حيا، كذاك البعث والإنشار
27
والتفت الرايات حول لوائه
ودعا الغفاة إلى المسير فساروا
28
وأعاد مجد الأولين بعزمة
إيرادها لله والإصدار
29
إن النفوس تضيق وهي صغيرة
ويضيق عنها الكون وهي كبار
فاروق، عيدك هز أدواح المنى
وتعطرت بعبيره الأزهار
اليمن يسطع في جبين نهاره
والسعد كوكب ليله السيار
رقصت به الرايات بادية الحلى
الحب رنحها والاستبشار
متلفتات حول ركبك حوما
لا يستقر لوجدهن قرار
30
متدللات ما عرفن صبابة
نشوى وما لعبت بهن عقار
31
جعلت سماء النيل روضا أخضرا
هيهات منه الروضة المعطار •••
والناس قد سدوا الفضاء كأنهم
بحر يعج عجيجه زخار
32
لو صبت الأمطار صبا فوقهم
ما مس موطئ نعلهم أمطار
متجمعين كأنهم سرب القطا
متدفقين كأنهم أنهار
33
قد لوحوا بالراحتين وزاحموا
وتلفتوا بالناظرين وماروا
34
لهم دوي بالهتاف وضجة
ولهم بصدق دعائهم تهدار
35
رفعوا العمار وبعثروا أزهارهم
فالجو زهر ناضر وعمار
36
حب المليك الأريحي شعارهم
لو كان ينسج للولاء شعار
37
قرءوا السعادة في جبينك أسطرا
بيد المهيمن هذه الأسطار
38
ورأوا شبابا كالجمان يزينه
أنى التفت جلالة ووقار
39
سست القلوب فنلت أكرم ودها
وعرفت بالإحسان كيف تثار
ومن القلوب حدائق بسامة
ومن القلوب سباسب وقفار
40
من يغرس الصنع الجميل بأمة
فله من الشكر الجميل ثمار
لما رأوك رأوا بشاشات المنى
الوجه نضر والشباب نضار
41
متسربلا ثوب الهدى متواضعا
لله، لا صلف ولا استكبار
42
نور الإله يدور حولك هالة
لم تزدهر بمثيلها الأقمار
43
في موكب للملك يختلب النهى
وتتيه في تصويره الأفكار
44
فتن العيون الشاخصات بسحره
إن الجمال لفاتن سحار
45 •••
فاروق، تاجك رحمة وسعادة
للواديين وعزة وفخار
46
تتألق الآمال في جنباته
ويدور نجم السعد حيث يدار
ما ناله (كسرى) ولم يظفر له
بمماثل يوم الفخار (نزار)
47 •••
نور الجبين السمح مازج ضوءه
فتشابه الأضواء والأنوار
الملك فيك طبيعة ووراثة
والمجد فيك سليقة ونجار
48
أعليت دين الله جل جلاله
فرسا له أصل وطال جدار
الدين نور النفس في ظلماتها
والعقل يعثر والظنون تحار
بين المنابر والمآذن بهجة
وتحدث بصنيعكم وحوار
آيات نبلك في شبابك سبق
للمجد لم يشقق لهن غبار
يبدو شذا الريحان أول غرسه
ويبين قدر الدر وهي صغار
49
فتحت لك الدنيا كنوز هباتها
تختار منها اليوم ما تختار
يمناك يمن للبلاد ورحمة
غدق ويسرى راحتيك يسار
بهرت رجال الغرب منك شمائل
خلق أغر وراحة مدرار
عرفوا بمجدك مجد مصر ونبلها
وتحدثت بخلالك السمار
وغدوت فألا للعلا فتحققت
فيك المنى وانحطت الآصار
50
وتخطرت مصر إلى فاروقها
غيداء ما شان الجمال إسار
51
شماء يحني الدهر أصيد رأسه
لجلالها وتطأطئ الأقدار
52
فانعم بما أوتيت واهنأ شاكرا
نعم الإله فإنهن غزار
لا زلت بالنصر المبين متوجا
تحيا بك الأوطان والأوطار
53
هوامش
السودان
أنشد الشاعر هذه القصيدة في جمع حافل بالخرطوم في زيارة للسودان الشقيق عام 1941م.
يا نسمة رنحت أعطاف وادينا
قفي نحييك، أو عوجي فحيينا!
1
مرت مع الصبح نشوى في تكسرها
كأنما سقيت من كف ساقينا
2
أرخت غدائرها أخلاط نافجة
وأرسلت ذيلها وردا ونسرينا
3
كأنها روضة في الأفق سابحة
تمج أنفاس مسراها الرياحينا
4
هبت بنا من جنوب النيل ضاحكة
فيها من الشوق والآمال ما فينا
إنا على العهد لا بعد يحولنا
عن الوداد، ولا الأيام تنسينا
أثرت يا نسمة السودان لاعجة
وهجت عش الهوى لو كنت تدرينا
5
وسرت كالحلم في أجفان غانية
ونشوة الشوق في نجوى المحبينا
ويحي على خافق في الصدر محتبس
يكاد يطفر شوقا حين تسرينا
مرت به سنوات ما بها أرج
من المنى فتمنى لو تمرينا!
6 •••
نبهت في مصر قمريا بمعشبة
من الرياض كوجه البكر تلوينا
7
فراح في دوحه، والعود في يده
يردد الصوت قدسيا فيشجينا
صوت من الله تأليفا وتهيئة
ومن حفيف غصون الروض تلحينا
يطير من فنن ناء إلى فنن
ويبعث الشدو والنجوى أفانينا
يا شادي الدوح، هل وعد يقربنا
من الحبيب، فإن البعد يقصينا؟
تشابهت نزعات من طبائعنا
لما التقت خطرات من أمانينا
8
فجاء شعري أنات منغمة
وجاء شعرك غمر الدمع محزونا
شعر صدحنا به طبعا وموهبة
وجاش بالصدر إلهاما وتلقينا
والنفس إن لم تكن بالشعر شاعرة
ظنته كل كلام جاء موزونا
تعز يا طير، فالأيام مقبلة
ما أضيق العيش لو عز المعزونا!
خذ الحياة بإيمان وفلسفة
فرب شر غدا بالخير مقرونا
فكم وزنا فما أجدت موازنة
في صفحة الغيب ما يعيي الموازينا
الكون كونه الرحمن من قدم
فهل تريد له يا طير تكوينا؟!
إن المنى لا تواتي من يهيم بها
كالغيد ما هجرت إلا الملحينا
9
تبكي وبين يديك الزهر من عجب
والأرض تبرا وروضات الهوى غينا
10
والماء يسبح جذلان الغدير إلى
منابت العشب يحييها فيحيينا
والزهر ينظر مفتونا إلى قبس
يطل بين ثنايا السحب مفتونا
قد حزت ملك سليمان ودولته
لك الرياح بما تختار يجرينا
11
ما أجمل الكون لو صحت بصائرنا
وكيف نبصر حسن الشيء باكينا؟
الله قد خلق الدنيا ليسعدنا
ونحن نملؤها حزنا وتأبينا •••
إن جزت يوما إلى السودان فارع له
مودة كصفاء الدر مكنونا
12
عهد له قد رعيناه بأعيننا
وعروة قد عقدناها بأيدينا
ظل العروبة والقرآن يجمعنا
وسلسل النيل يرويهم ويروينا
أشع في غلس الأيام حاضرنا
وضاء في ظلمة التاريخ ماضينا
13
مجد على الدهر، فاسأل من تشاء به
عمرا إذا شئت، أو إن شئت آمونا
14 •••
تركت مصر وفي قلبي وقاطرتي
مراجل بلهيب النار يغلينا
15
سرنا معا فبخار النار يدفعها
إلى اللقاء، ونار الشوق تزجينا
16
تشق جامحة غلب الرياض بنا
كالبرق شق السحاب الحفل الجونا
17
وللخمائل في ثوب الدجى حذر
كأنها تتوقى عين رائينا
كأنهن العذارى خفن عاذلة
فما تعرضن إلا حيث يمضينا
وللقرى بين أضغاث الكرى شبح
كالسر بين جنايا الليل مدفونا
نستبعد القرب من شوق ومن كلف
ونستحث وإن كنا مجدينا
وكم سألنا وفي الأفواه جابتنا
وفي السؤال عزاء للمشوقينا
18
وكم وكم مل حادينا لجاجتنا
وما علينا إذا ما مل حادينا
حتى إذا ما بدت «أسوان» عن كثب
غنى بحمد السرى والليل سارينا
19 •••
وما شجاني إلا صوت باخرة
تستعجل الركب إيذانا وتأذينا
20
لها ترانيم إن سارت مهمهمة
كالشعر يتبع بالتحريك تسكينا
يا حسنها جنة في الماء سابحة
تلقى النعيم بها والحور والعينا
21
مرت تهادى، فأمواج تعانقها
حينا، وتلثم من أذيالها حينا
22
والنخل قد غيبت في اليم أكثرها
وأظهرت سعفا أحوى وعرجونا
23
ما لابنة القفر والأمواه تسكنها؟
وهل يجاور ضب الحرة النونا؟
24
سر أيها النيل في أمن وفي دعة
وزادك الله إعزازا وتمكينا
أنت الكتاب كتاب الدهر، أسطره
وعت حوادث هذا الكون تدوينا
فكم ملوك على الشطين قد نزلوا
كانوا فراعين أو كانوا سلاطينا
فنونهم كن للأيام معجزة
وحكمهم كان للدنيا قوانينا
مروا كأشرطة «السيما» وما تركوا
إلا حطاما من الذكرى يؤسينا
إنا قرأنا الليالي من عواقبها
فصار ما يضحك الأغرار يبكينا!
25 •••
ثم انتقلنا إلى الصحراء، توسعنا
بعدا، ونوسعها صبرا وتهوينا
26
كأنها أمل المأفون أطلقه
فراح يخترق الأجواء مأفونا
27
والرمل يزخر في هول وفي سعة
كالبحر يزخر بالأمواج مشحونا
تطل من حولها الكثبان ناعسة
يمددن طرفا كليلا ثم يغفينا
وكم سراب بعيد راح يخدعنا
فقلت: حتى هنا نلقى المرائينا!
أرض من النوم والأحلام قد خلقت
فهل لها نبأ عند «ابن سيرينا»؟
28
كأنما بسط الرحمن رقعتها
من قبل أن يخلق الأمواه والطينا
تسلبت من حلي النبت آنفة
وزينت بجلال الله تزيينا
29
صمت وسحر وإرهاب وبعد مدى
ماذا تكونين؟ قولي، ما تكونينا؟
صحراء فيك خبيئا سر عزتنا
فأفصحي عن مكان السر واهدينا
إنا بنو العرب يا صحراء كم نحتت
من صخرك الصلد أخلاقا أوالينا
عزوا، وعزت بهم أخلاق أمتهم
في الأرض، لما أعزوا الخلق والدينا
منصة الحكم زانوها ملائكة
وجذوة الحرب شبوها شياطينا
كانوا رعاة جمال قبل نهضتهم
وبعدها ملأوا الآفاق تمدينا
إن كبرت بأقاصي الطين مئذنة
سمعت في الغرب تهليل المصلينا •••
قف يا قطار فقد أوهى تصبرنا
طول السفار، وقد أكدت قوافينا
وقد بدت صفحة الخرطوم مشرقة
كما تجلى جلال النور في «سينا»
جئنا إليها، وفي أكبادنا ظمأ
يكاد يقتلنا لولا تلاقينا
جئنا إليها، فمن دار إلى وطن
ومن منازل أهلينا لأهلينا
يا ساقي الحي جدد نشوة سلفت
وأنت «بالجبنات» الحمر تسقينا
30
واصدح بنونية لما هتفت بها
تسرق السمع «شوقي» و«ابن زيدونا»
31
وأحكم اللحن يا ساقي وغن لنا «إنا محيوك يا سلمى فحيينا»
32
هوامش
إلى الأستاذ أحمد لطفي السيد باشا
أرسل الشاعر هذه الأبيات إلى صديقه الأستاذ أحمد لطفي السيد بمناسبة انتخابه رئيسا لمجمع اللغة العربية عام 1945م.
وقالوا: غدا لطفي رئيسا فحيه
وهنئه واهتف باسمه في المحافل
فقلت: وهل يرضى لي العقل أنني
إذا صغت مدحا قيل: تحصيل حاصل
فقالوا: رفيع زاد قدرا ورفعة!
فقلت: نعم، لو صح تكميل كامل
فقالوا: عليك الشعر ويحك إنه
فسيح المرامي لا يضيق بقائل
فقلت: وأين الشعر؟ أين خياله؟
وأين الثريا من يد المتناول؟
1
فقالوا: فماذا أنت في الجمع صانع؟
فقلت لهم: صنع العيي المجامل
2
ففي سكتة المبهور أصدق مدحة
وكل كلام بين حق وباطل
3
هوامش
العاشق الغضبان
سنة 1904م
هجرتنا وهجرنا زينبا
وصحا القلب الذي كان صبا
1
طالما سقت فؤادي نحوها
فنبت عنه مطالا، ونبا
2
ودعوت الوجد للهو بها
فأبت دلا عليه، وأبى
نعب البين بنا، سقيا له!
فاستعدت البين لما نعبا
3
ومضى الشوق فما جادت له
مقلتي بالدمع لما ذهبا
علقت غيري وترجو صلتي؟
عجبا مما ترجي عجبا!
4
هل يحل الغمد سيفان معا؟
أو يضم الغيل إلا أغلبا؟
5 •••
إن هذا الحسن كالماء، إذا
كثر الناهل منه نضبا
6
وهو مثل الزهر، إن أكثرت من
شمه يا زين، أمسى حطبا
7
وهو مثل المال، إن أسرفت في
بذله للسائليه، سلبا •••
قدك المائس قد بغض لي
8
كل غصن بين أنفاس الصبا
وجنى خديك قد زهدني
في حديث الورد يزهى في الربا
9
أبصروا البدر فقالوا: وجهها!
فتغشيت بثوبي هربا
10
فاحتجب يا بدر عن أعيننا
وعزيز عندنا أن تحجبا! •••
أنا يا زينب ماء، فإذا
هجتني صرت لظى ملتهبا
11
أركب المركب صعبا خشنا
إن دعتني همتي أن أركبا
ضاربا في سبل المجد ولو
رصفوها بالعواليوالظبا
12
هوامش
عيد الجلوس الملكي
بمناسبة تولي الملك فاروق سلطته الدستورية في مايو سنة 1938م.
جمعت من فرع ذات الدل أوتاري
وصغت من بسمات الغيد أشعاري
1
وعشت للفن أحيا في بدائعه
بين الظلال، وبين السلسل الجاري
أشدو، فإن شئت أن تصغي لساجعة
من الخلود فأنصت تحت أوكاري
كادت تزق يراعي الطير تحسبه
وقد تغنى بشعري سن منقار
2
قد علمته التغني فوق أيكته
ففاقها في التغني فوق أسطار
كأن داود ألقى عند بريته
أثارة من ترانيم وأسرار
3
أعددته قبسا يذكي توقده
عزم الشباب، ويهدي ليلة الساري
4
ويكشف الأمل المحجوب ساطعه
واليأس تغشى بأسداف وأستار
5 •••
الشعر عاطفة تقتاد عاطفة
وفكرة تتجلى بين أفكار
الشعر إن لامس الأرواح ألهبها
كما تقابل تيار بتيار
الشعر مصباح أقوام إذا التمسوا
نور الحياة، وزند الأمة الواري
6
الشعر أنشودة الفنان يرسلها
إلى القلوب، فتحيا بعد إقفار
الشعر همس غصون الدوح مائسة
ودمعة الطل في أجفان أزهار
الشعر للملك جيش لا يصاوله
جلاد مرهفة أو فتك بتار
7
يغزو وينصر. لا أشلاء معركة
ترى ولا وثبات حول أسوار
إذا تخطر في الأفواه تنشده
غض الجفون حياء كل خطار
8
وإن أغار تنادى كل ذي هلع
إلى الفرار، وأودى كل مغوار
9
قد كان حسان جيشا في قصائده
أشد من كل زحاف وجرار
10
وكان ملك بني مروان في أطم
عال من الشعر، يرمي الشهب بالنار
11
وهل زهت ببني العباس دولتهم
إلا بأمثال حماد وبشار؟
12
فقل لمن راح للأهرام يرفعها:
الخلد في الشعر لا في رصف أحجار
كم حكمة فيه لا تفنى بشاشتها
ومن حديث على الأيام سيار
الشعر للملك مرآة مخلدة
على تعاقب أجيال وأدهار
صورت فيه سنا الفاروق مؤتلقا
يزدان باثنين: إجلال وإكبار
13
وصغته فاتن الألوان مزدهرا
كأنما نقشته كف آذار
14 •••
ملك من النور قد ضاءت دعائمه
كأنما شيد من هالات أقمار
ودولة ركز الإسلام رايته
فيها على طود تاريخ وآثار
وعاهل من صميم النيل نبعته
أما ترى ليديه وكف أمطار!
15
أحيا النفوس بآمال تضاحكها
فاليأس فيها غريب الأهل والدار •••
كأن أيامه والبر يغمرها
صحائف الطهر في أيمان أبرار
كأنما عهده والبشر يملؤه
تبسم الشرق عن أنفاس أسحار
كأن ذكراه لما سار سائرها
عبير دانية الظلين معطار
16
كأن أمداحه في أذن سامعها
مساقط الشهد من أعواد مشتار
17
كأن طلعته والشوق يرقبها
وجه الصباح يحيي نضو أسفار
18 ••• «فاروق» يا زينة الدنيا وبهجتها
وأسعد الناس في ورد وإصدار
19
وابن الملوك الألى فلت عزائمهم
من حد كل صليب الحد جبار
20
أقمار مملكة، آساد ملحمة
أملاك مرحمة، صناع أقطار
21
من كل ندب بعيد الرأي مستبق
إلى الجهاد مغار الفتل صبار
22
المجد أبقى لهم ذكرى مخلدة
أعمارهم وصلت منها بأعمار •••
الشعب شعبك، والأيام باسمة
والدهر كالزهر، في صفو وإنضار
أحبك الشعب فانعم في محبته
فأنت ملء قلوب، ملء أبصار
مر وانه في الحق، فالأسماع مصغية
فداؤك النفس من ناه وأمار
وارفع لواءك فوق الشرق تلثمه
أفواه أودية فيه وأمصار •••
ذكراك في الدهر آيات مطهرة
تحلو بغن وترتيل وتكرار
شدوت باسمك حتى كدت من طرب
أظنني ذا جناح بين أطيار
فإن سمعت رنينا كله عجب
فالعود عودي، والأوتار أوتاري
جلوسك اليوم أثمار المنى ينعت
يا حسنها من منى خضر وأثمار!
عيد به الأرض والآفاق مشرقة
تمازجت فيه أنوار بأنوار
23
عيد كأن الليالي قد وهبن له
ما في الخليقة من يمن وإيسار
النيل فيه جرى يملي بشائره
وينثني بين أدواح وأشجار
إذا الربيع رمى فيه أزاهره
جزاه بالتبر دينارا بدينار
أو الحمائم غنت فوق مائجة
حبا الحمائم تهدارا بتهدار •••
يا كالئ الدين والدستور من جنف
وحارس النيل من أوضار أكدار
24
وحافز الشعب يدعوه فيتبعه
إلى النجوم جريئا غير خوار
25
العلم للشعب ركن غير منصدع
والشعب بالعلم صف غير منهار
اختارك الله للإسلام تنصره
فكنت مؤئله يا خير مختار
عش في القلوب فقد أعطت مقالدها
وفي نعيم عميم الغيث مدرار
هوامش
دمعة على صديق
في اليوم الأول من شهر مارس سنة 1936م انتقل إلى جوار ربه المرحوم الأستاذ «أبو الفتح الفقي» وكيل دار العلوم، ورئيس جماعة دار العلوم، فكان لنعيه وقع على القلوب أليم، وفقدت مصر بفقده عالما من أفاضل علمائها، ورجلا من خيرة رجالها.
وكان - رحمه الله - صديقا حميما للشاعر، فبكاه ورثاه بهذه القصيدة التي ألقيت في الحفلة التي أقامتها لتأبينه جماعة دار العلوم بدار الأوبر في مساء الاثنين 20 من أبريل سنة 1936م.
ملك المصاب عليه كل جهاته
إن كان من صبر لديك فهاته!
أسوان تعرفه إذا اختلط الدجى
بالنبرة السوداء في أناته
1
يبكي وينظر في السماء مصعدا
ما يبتغي الحيران من نظراته؟
2
خفقان نجم الأفق من خفقانه
وهجير قيظ البيد من زفراته!
وبكاء كل غمامة هتانة
من بعض ما يبديه من عبراته
ونواح ذات الطوق في أعوادها
ما ترسل الأقلام من نفثاته
يرثي فيحتبس البكاء بصوته
أين الرخيم العذب من أصواته؟
في صدره قلق الجوانح موجع
ملت نجوم الليل من دقاته
كالطير في قفص الحديد موثقا
قد أوهن الأسلاك من خفقاته
يبكي ويضرب بالجناح مجرحا
يا ويل، ما فعلت يمين رماته! •••
نوب كليلات المحاق تتابعت
متشابهات، هذه من هاته
3
وبنات دهر قد زحمن مناكبي
ويلاه! لو أسطيع وأد بناته!
4
أودى (أبو الفتح) المرجى واختفى
علم طواه الدهر في طياته
5
وانحاز للركب الذي من آدم
ما زال يزعجنا رنين حداته
6
سارت به الأحباب تستبق الخطا
والقلب مكظوم على حسراته
فوقفت أنظر في الفلاة فلم أجد
إلا جلالا في فسيح فلاته!
7 •••
يا جامعا شمل الشيوخ بحزمه
من ذا يلم اليوم من أشتاته؟
يمشي الرعيل نواكسا أبصاره
من بعد ما عبث الردى بحماته
8
ألوى بعزمته وهد شماسه
قدر أطاح القرم عن صهواته
9
حيران يعثر بالأعنة مثلما
يتعثر التمتام في تاءاته
يطفو نشيج اليأس من لهواته
وتئز نار الشوق في لباته
10
سارت به الفرسان تخبط في الدجى
والركب قد زاغت عيون هداته
يبكون للطرف المخلى سرجه
والفارس المنبت عن غاياته
11
يبكون للدرع المطرح حطمت
أيدي الزمان العسر من حلقاته
12
يبكون أطولهم يدا، وأبرهم
كفا، وأسبقهم إلى قصباته
13 •••
خلق كما يصفو النضار وطلعة
أزهى من ابن الليل في هالاته
من صار في الخمسين فخر بلاده
قد كان في العشرين فخر لداته
والدهر لا ينشي الرجال صوارما
إلا إذا نضجوا على جمراته
صان الكرامة أن تمس، وإنما
إذلال نفس المرء من زلاته
منع الرقيق ولا تزال عصابة
تهفو إلى أغلاله وسماته!
قد كان كالفلك الدءوب نشاطه
لا يستريح الدهر من دوراته
فإذا تراءى ساكنا فلأنه
في أسرع الأحوال من حركاته!
الحق والإيمان ملء فؤاده
وبلاغة الأعراب ملء لهاته
فإذا تخطر للجدال مصاولا
فاحذر فتى الفتيان في صولاته!
السيل في دفعاته، والسيف في
عزماته، والموت في وثباته
لبس القوي بنابه وبظفره
مثل القوي برأيه وثباته
والحجة البيضاء أفضل مقطعا
من نصل كل مهند وشباته
14 •••
ماذا أصاب الليث عن غدواته
صبحا، وماذا نال من روحاته؟
سمحت له الدنيا بماء سرابها
فابتاعه منها بماء حياته
إن الأماني الحسان جميلة
لو حقق الإنسان أمنياته!
فلرب روض للنواظر معجب
كمنت سموم الصل في زهراته!
15
قد كان لي أمل سقيت فروعه
بدمي وغذيت المنى بعذاته
16
أحنو عليه من الهجير يمسه
ومن النسيم يهز من أسلاته
17
وأذود عنه الطير إن حامت على
زهر يضيء الأفق في عذباته
18
الليل ينفحه بذائب طله
والصبح يمنحه شعاع إياته
19
حتى إذا قويت لدان غصونه
واستحصد المرجو من ثمراته
20
وأخذت أستجلي السنا من نوره
وأشم ريح الخلد من نفحاته
21
وأفاخر الزراع أن غراسهم
لم يزك مثل زكائه ونباته
22
عصفت به هوج فخر معفرا
وجنى عليه الحين قبل جناته
23
ووقفت أنظر للحطام محطما
متفتت الأفلاذ مثل فتاته
24
أهون بدنيا ما لحي عندها
وعد ينجز غير وعد وفاته!
سل كل من كتب الكتائب غازيا
هل رد عنه الجيش سهم مماته؟
إن ابن داود على سلطانه
قد خر منفردا على منساته
25
وهو الذي ملك الملوك ببأسه
وأخاف جن الأرض من سطواته
كل ابن أنثى في الحياة إلى مدى
والمرء في الدنيا إلى ميقاته •••
أأخي! دعوت فلم تجب، ولربما
قد كنت أسبق ناهض لدعاته
قد كان عهدك في بشاشة أنسه
عهد الشباب مضى إلى طياته
26
كان الزمان يظلنا بربيعه
فتركتني للقر من مشتاته
27
أبكي الشباب وزهوه وصحابه
والمشرق الوضاح من بسماته
كنا كفرعي بانة فتفرقا
والدهر لا يبقى على حالاته!
28
والعمر أضيق أن يمد لسالك
إن أوسع الخطوات في ساحاته
أصفيتني محض الوداد وطالما
خلط المماذق ملحه بفراته
29
ورفعت من شعري، وكنت تحبه
وتحس سر الفن في أبياته
فاسمعه من باك أطاع شجونه
فطغت زواخرها على مرثاته
30
نظم الدموع فكن بحرا كاملا
وأقام بالزفرات تفعيلاته
31
أنشده حسانا إذا لاقيته
في جنة الفردوس بين رواته
32
وافخر بقومك أن أعادوا للورى
عهد البيان ومجتلى آياته
33
وانعم برضوان الإله وظله
واسعد بعيش الخلد في جناته
34
إن الذي خلق البكاء أغاثه
باللطف والإحسان من رحماته
هوامش
الدعوة إلى الوئام
أنشدها الشاعر بين يدي سعد زغلول باشا سنة 1921م.
لبيك يا ملء القلو
ب وأثبت الأبطال قلبا
ناديت قومك للحيا
ة فأقبلوا عدوا ووثبا
ورفعت صوتك والقلو
ب خوافق وهلا ورعبا
1
ألفت بين العنصرين
وكنت للرحمن حزبا
2
نبذوا الشجار وأبدلو
ه لمصر إخلاصا وحبا
وتبادروا صوب النجا
ة لعلهم يجدون ثقبا
3
وسعى الهلال إلى الصليب
وأقبلا جنبا فجنبا
والسيف مسلول وسيل ال
مرجفين يعب عبا
4
والأرض واجفة ومصر
ترقب القدر المحبا
فوقفت فانحنت الرءو
س فكنت أعلى الناس كعبا
وخطبت بالصوت الجهي
ر فما امرؤ إلا ولبى
وبرزت كالليث الهصو
ر دعته أشبال فهبا
كالسيف سل من القرا
ب مثقف الحدين عضبا
5
يا سعد أنت لها إذا
لهب الجدال علا وشبا
يا سعد أنت لها إذا
ما صرصر الأحداث هبا
6
تسعى إلى باريس كالمخت
ار ضم إليه صحبا
7
يا خادم الوطن الأمي
ن خدمته شرقا وغربا
كن للوزارة ساعدا
وتوحدا رأيا ولبا
8
سعد وعدلي يعملا
ن فما أجل وما أحبا
سعد وعدلي يعملا
ن فلا نخاف اليوم خطبا
صنوان في حب البلا
د ونيلها الميمون شبا
كونا يدا في الحادثا
ت وذللا ما كان صعبا
دام الوفاق ودام سعد
صائب الآراء ندبا
9
الشعب أنت فمن رآ
ك فقد رأى فردا وشعبا
هوامش
إلى مجلة الهلال
سنة 1947م
قد قرأت الهلال خمسين عاما
فاق فيها بدر السماء اكتمالا
وعجيب يزيد في كل شهر
ثم يدعى برغم ذاك هلالا
تهنئة الفاروق بعيد الفطر
سنة 1356ه/1937م
تبلج بالبشرى ولاحت مواكبه
ورفت بأنفاس النسيم سبائبه
1
أطل صباح العيد جذلان ضاحكا
يمازح وسنان الدجى ويلاعبه
2
وكيف ينام الليل في صحوة المنى
وقد سهرت شوقا إليها كواكبه؟
تناجيه ألحان الهوى فيجيبها
وتستر لوعات المحب غياهبه
3
تردى مسوح النسك في زي راهب
وطارت تسد الخافقين ذوائبه
4
وأعجبه أن دارت الأرض تحته
كدور شريط ما تناهى عجائبه
إذا أبصر الإحسان فيها تلألأت
أساريره واهتز بالعجب جانبه
يموج فيعلو البر والبحر موجه
وتملك أرجاء الفضاء مذاهبه
5
عليه النجوم السابحات سفائن
يغالبها آذيه وتغالبه
6
سفائن لم يعرف لها الدهر ساحلا
وسفر على الأيام ما مل دائبه
7
رآه سليل الطين يجتاب ليله
فهل هدأت دون المسير جوائبه؟
8
تلقاه فجر العيد في عنفوانه
تصول بشهب الصافنات كتائبه
9
تألق كالحق المبين إذا بدا
تولى ظلام الشك وارتاع شاحبه
10
وللصبح عندي منة كلما نبا
بي الليل أو طالت علي هيادبه
11
أراه فألقى البشر في قسماته
طهورا كثغر الطفل حين تداعبه
وأشعر أن الكون عادت حياته
إليه وأن الأنس قد آب غائبه
يهش إليه كل حي كأنما
أشعته حلم الصبا ورغائبه
وتصحو له الأزهار من وسناتها
تضاحكه والطل لم يجر ذائبه
12
وتستقبل الأطيار بسمة نوره
فيبهرنا من كل لحن غرائبه
تراها على الأفنان سكرى من السنا
يناغي أليف إلفه فيجاوبه
قيان أدق الله أوتار عودها
فأحيت أغانيه وأشجت مضاربه
13
كأن ضياء الصبح والكون مشرق
سنا طلعة الفاروق لاحت ركائبه
أطل هلال العيد يحظى بنظرة
فأبصر نورا يبهر النور ثاقبه
14
وشاهد في طهر الملائك سيدا
سمت فوق أفلاك السماء مناسبه
15
تراه فتلقى أمة في شبابها
وتصغي إلى الآمال حين تخاطبه
أصالة رأي في ابتسام سماحة
وصولة عزم يرهب الدهر قاطبه
16
تأثر خطو الحزم في كل مطلب
وهل يعظم المطلوب والحزم طالبه؟
17
مليك من الأفلاذ أعواد عرشه
فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه؟
18
محبته في كل قلب شغافه
وإحسانه في كل كف رواجبه
19
حوت ريشة الرسام بعض سماته
وعزت على ريش القريض مناقبه
لكل خيال في فم الشعر غاية
ولا تنتهي غاياته ومآربه
صف البحر في أمواجه وكنوزه
وقل: هذه آلاؤه ومواهبه
20
صف الهمم الجرد التي تقنص المنى
وقل: هذه أفراسه ونجائبه
21
صف الأنجم الزهر اللوامع في الدجى
وقل: هذه أقداره ومراتبه
22
صف السحب أين السحب من فيض جوده
إذا وكفت للبائسين سحائبه؟
23
تمنت زهور الروض لو أن طيبها
له نفحة الذكر الذي هو كاسبه
24
فما كرم إلا ومنه انبعاثه
ولا شرف إلا وفاروق صاحبه
إذا اصطنع الله أمرا جل سعيه
وعمت أياديه وطابت نقائبه
25
به ازداد دين الله عزا ورددت
منابره آلاءه ومحاربه
وقور بدرس الدين يطرق خاشعا
من النسك يرجو ربه ويراقبه
26
بجانبه الشعب الوفي يحوطه
وتزحمه أعضاده ومناكبه
وجبريل يهفو فوقه بجناحه
حنانا، وفيض الله ينهل ساكبه
تجلى به عصر الرشيد وعزه
وسالف عهد الراشدين وذاهبه
27
إذا الشعب والاه فذلك فرضه
وإن هو فداه فذلك واجبه
28 •••
شهدتك يوم العيد والشعب حاشد
تهيم به أشواقه وتجاذبه
له صوت صدق بالدعاء مجلجل
يفتح أبواب السموات صاخبه
فعين اشتياق ترتجي لقية المنى
وصدر ولاء خافق القلب واجبه
رأيت كأن البحر مد بمثله
وقد زأرت أمواجه وغواربه
هناك بدا العيدان: وجهك والضحى
مشارقه وضاءة ومغاربه
طلعت فأبصرنا الجلال مصورا
نراه فيغضي طرفنا وهو هائبه
29
لك البسمة الزهراء تختلب النهى
ويمحى بها من كل هم شوائبه
30
طلعت فقلنا: خير من ساس أمة
وأشرف من شدت عليه عصائبه
31
لدى موكب للملك عز مثاله
تحيط به فرسانه وكواكبه
يشاهده التاريخ والعجب ملؤه
فيذهل عن حصر الذي هو كاتبه
فمن شاء مجد الملك في بعد شأوه
فهذي عواليه وتلك قواضبه
32
وهذا الذكاء العبقري مليكه
وهذي الجنود الزاخرات مواكبه
مليك له عزم الصبا ووثوبه
وآراء ما بعد الصبا وتجاربه •••
تخطر شهر الصوم يسحب ثوبه
فتنشر مسكا في الفضاء مساحبه
33
تحمل للفاروق أجر مجاهد
يتيه به إن حاول العد حاسبه
وعاد إلى مولاه جما ثوابه
مليئا من الإحسان بجرا حقائبه
34
تحدثت في المذياع عن فضل صومه
وكم مثل عالي الذرا أنت ضاربه
35 •••
هنيئا لك العيد الذي بك أشرقت
منازله بشرا، وضاءت رحائبه
رأت فيه مصر همة علوية
يرى كل بأس عزمها فيجانبه
36
وأبصر فيه النيل خير مملك
تجل مساعيه، وتصفو مشاربه
بصير إذا ساس الأمور تكشفت
وبان له من كل أمر عواقبه
يزاولها منه حصيف مدرب
بعيد المرامي صادق الرأي صائبه
37
إذا مد زند العزم في إثر مطلب
تدانت أقاصيه، ولانت مصاعبه
38
نعمنا بالاستقلال في يمن عهده
وأسفر ليل لم ينم فيه ناصبه
39
وعز حمى مصر بجهد رجالها
وعاد لها من لامع المجد عازبه
40
فعش للهدى والمكرمات فإنما
سجاياك آيات الهدى وجوالبه
41
هوامش
أعلام المجمع
في رثاء الأساتذة أحمد الإسكندري وحسين والي ونلينو أعضاء مجمع اللغة العربية. أنشدت بدار الأوبرا في فبراير سنة 1939م.
غدا في سماء العبقرية نلتقي
وتجتمع الأنداد بعد التفرق
ونذكر عيشا كالأزاهر لم يطل
وودا كمشمول الرحيق المصفق
1
ونضحك من آمالنا كيف أنها
أصاخت إلى وعد الزمان الملفق
ونسبح في أنهار عدن كأنما
سرائرنا من مائها المتدفق
ونخترق الأجواء بين مدوم
يمد جناحيه وبين مصفق
2 •••
ذكرت أحبائي وقد سار ركبهم
إلى غير آفاق على غير أينق
3
أودعهم ما بين لوعة واجد
تطير به الذكرى وزفرة مشفق
وأبعث في الصحراء أنات شيق
وهل تسمع الصحراء أنات شيق؟!
تعلقت بالحدباء حيران والها
وكيف! وماذا نافعي من تعلقي؟!
4
لمست فلم ألمس سوى أريحية
من النور لفت في رداء مخلق
5 •••
أتدفن في الأرض الكنوز وفوقها
خلاء إلى لألائها جد مملق
6
ويمضي الحجا ما بين يوم وليلة
كلمحة طرف أو كومضة مبرق
7
يضيق فضاء الأرض عن همة الفتى
ويجمع في لحد من الأرض ضيق
تباب لهذا الدهر ماذا يريده؟
وأي جديد عنده لم يمزق؟
8
يصدع من أعلامنا كل راسخ
ويطفئ من أنوارنا كل مشرق
هو الموت ما أغنى اسمه عن صفاته
وعن كل ألوان الكلام المنمق!
رمتني عواديه فإن قلت: إنها
مضت بأماني الحياة فصدق! •••
أأحمد أين الأمس والأمس لم يعد
سوى ذكريات للخيال المؤرق
كأني أراك اليوم تخطب صائلا
وتهدر تهدار الفينق المشقشق
9
تنافح عن بنت الصحاري مشمرا
وتفتح من أسرارها كل مغلق
10
مضى حارس الفصحى فخلده اسمه
كما خلد الأعشى حديث المحلق
11
فقدنا به زين الفوارس إن رمى
أصاب وإن يرخ العنانين يسبق
فقل للذي يسمو لذيل غباره
ظلمت العتاق الشيظميات فارفق
12
إذا ما رمى عند الجدال عباءه
رماك بسيل يقذف الصخر مغرق
فجانب إذا كنت الحكيم سؤاله
وأطرق إلى آرائه ثم أطرق •••
أأحمد، إن تمرر بوالي فحيه
وبلغه أشواق الفؤاد المحرق
13
طويناه صياد الأوابد لم يدع
عزيزا على الأفهام غير موثق
14
له نظرة لم يحتمل وقع سحرها
غريب ابن حجر أو عويص الفرزدق
15
أحاط بآثار الخليل بن أحمد
إحاطة فياض البيان مدقق
إذا مس بالكف الجبين تدافعت
جيوش المعاني فيلقا إثر فيلق
16 •••
ويوما مع الإسكندري رأيته
يجاذبه فضل الحديث المشقق
17
فهذا يرى في لفظة غير ما يرى
أخوه ويختار الدليل وينتقي
فقلت: أرى ليثا وليثا تجمعا
وأشدق ملء العين يمشي لأشدق
18
وأعجبني رأي سليم ومنطق
يصول على رأي سليم ومنطق
وقد لوحت أيديهما فكأنها
إشارات رايات تروح وتلتقي
ولم أر في لفظيهما نبر عائب
ولم أر في عينيهما لمح محنق
19
فقلت: هي الفصحى بخير وإنها
بأمثال هذين الحفيين ترتقي •••
ولم أنس نلينو وقد جاء فيصلا
بحجة بحاث ورأي محقق
20
وفكر له من فطرة الروم دقة
ومن نفحات العرب حسن تألق
ينسق علم الأولين مجاهدا
ولا خير في علم إذا لم ينسق
تقاسمه غرب وشرق فألفت
مناقبه ما بين غرب ومشرق
فدع ما يغطي الرأس واسمعه لا تجد
سوى عربي في العروبة معرق
إذا صال ألقى الرمح كل منازل
وإن هو دوى سف كل محلق
21
عشقناه وضاح الخلائق مخلصا
ومن يك وضاح الخلائق يعشق
فيا مجمع الفصحى عزاء فكلنا
إلى الشاطىء الموعود ركاب زورق
وما عقمت أم اللغات ولا خلت
خمائلها من سجع كل مطوق
هوامش
بغداد
ألقيت في حفل افتتاح المؤتمر الطبي العربي ببغداد في 9 من فبراير سنة 1938م.
بغداد، يا بلد الرشيد!
ومنارة المجد التليد!
1
يا بسمة لما تزل
زهراء في ثغر الخلود
يا موطن الحب المقي
م ومضرب المثل الشرود
2
يا سطر مجد للعرو
بة خط في لوح الوجود
يا راية الإسلام، وال
إسلام خفاق البنود
يا مغرب الأمل القدي
م، ومشرق الأمل الجديد
يا بنت دجلة، قد ظمئ
ت لرشف مبسمك البرود
3
يا زهرة الصحراء، رد
ي بهجة الدنيا وزيدي
يا جنة الأحلام، طا
ل بقومنا عهد الرقود
يا بهرة الملك الفسي
ح، وصخرة الملك الوطيد
4
يا زورة تحيي المنى
إن كنت صادقة فعودي! •••
بغداد، يا دار النهى
والفن، يا بيت القصيد
نبت القريض على ضفا
فك بين أفنان الورود
سرق التدلل من «عنا
ن» والتفنن من «وحيد»
5
يشدو كأن لهاته
شدت على أوتار عود
بغداد، أين البحتري؟
وأين أين ابن الوليد؟
6
ومجالس الشعراء في
بيت ابن يحيى والرشيد؟
7
أين القيان الضاحكا
ت يمسن في وشي البرود؟
8
الساحرات الفاتنا
ت النجل من هيف وغيد
9
الساهرات مع النجو
م الآنفات من الهجود
من كل بيضاء الطلى
مهضومة الكشحين رود
10
يخطرن حتى تعجب ال
أغصان من لين القدود
11
وإذا سفرن فأين ضو
ء الشمس من شفق الخدود؟
يعبثن بالأيام، وال
أيام أعبث من وليد!
خبأ الجمال لهن كنزا
بين سالفة وجيد
12 •••
كم جاش جيشك بالفوا
رس من أساورة وصيد!
13
للنصر في أعلامهم
صلة بأبناء الغمود
14
ملك إذا صورته
عجز الخيال عن الصعود
وجهود جبارين تص
غر دونها شم الجهود
15
الرسل تتلو الرسل من
بيض صقالبة وسود
16
ساروا «لقصر الخلد» يع
شي طرفهم وهج الحديد
17
يتعثرون، كأنهم
يمشون في حلق القيود
18
الجو يسطع بالظبا
والأرض تزخر بالجنود
19
حتى إذا رجعوا بدا
بجباههم أثر السجود •••
الفلسفات عرفتها
والعلم طفل في المهود
والغرب ينظر في خمود
نحو قاتلة الخمود
كم موئل للمستجي
ر، ومنهل للمستفيد
و«الجاحظ» المرح اللعو
ب يغوص للدر الفريد
20
بغداد، يا وطن الأديب،
وأيكة الشعر الغريد
جددت أحلامي، وكنت
صحوت من عهد عهيد
21
جمع الخيال فما اطمأن،
ولا استقر إلى خلود
جاز القرون النائيا
ت، وفك أسرار العقود
22
ذكر العهود فأن للذ
كرى، وحن إلى العهود
واهتاجه الطيف البعيد،
فجن للطيف البعيد
وصبا إلى ظل العرو
بة في حمى الملك العتيد
23 •••
يا أمة العرب اركضي
ملء العنان، ولا تهيدي
24
سودي، فآمال المنى
والعبقرية أن تسودي
هذا أوان العدو لا ال
إبطاء والمشي الوئيد
المجد أن تتوثبي
وإذا وثبت فلا تحيدي
وتحلقي فوق النجو
م بلا شبيه أو نديد
وإذا شدا الكون المفا
خر كنت عنوان النشيد
لا تخطئي حد العلا
ما للمعالي من حدود!
من يصطد النمر الوثو
ب يعف عن صيد الفهود •••
هذي طلائع نهضة
ذهبت بآثار الركود
بغداد أشرق نجمها
وبدا بها سعد السعود
سلكت إلى المجد القدي
م محجة النهج السديد
25
وزهت بأقمار الهدى
وسطت بأظفار الأسود
26
بغداد، إنا - وفد مص
ر - نفيض بالشوق الأكيد
27
جئنا نحيي العلم وال
آداب في العدد العديد
مرآك عيد للمنى
فزنا به في يوم عيد
28
أهلوك أهلونا، وأبنا
ء العشيرة والحدود
بين القلوب تشوف
كتشوف الصب العميد
29
حتى يكاد يحب نخلك
نخل أهلي في «رشيد»
30
شطت منازلنا، وما
احتاج الفؤاد إلى بريد
31
الرافدان تمازجا
في الحب بالنيل السعيد
32
وتعانق الظلان: ظل الط
طاق والهرم المشيد
33
جئناك نستبق الخطا
أنضاء أودية وبيد
34
طالت بنا الصحراء حت
تى خلتها أبد الأبيد
35
يتخلص المرمى المدي
د بها إلى مرمى مديد
كتخلص الحسناء من
وعد طوته إلى وعود
بحر بلا شطين يز
خر بالتنائف والنجود
36
وسفينتي «نرن» بها
ما في فؤادي من وقود
37
جئنا إلى الغازي سلي
ل العرب والحسب المجيد
38
نختال بين هباته
في ظل إحسان وجود
أحيا المنى بالعزم والتد
بير والسعي الحميد
وغدت به سوح العرو
بة منهلا عذب الورود
39
في نهضة «الفاروق» وال
غازي غنى للمستزيد «فاروق» منبثق الرجا
ء وملتقى الركن الشديد
40
عاشا وعاش الشرق في
عز وفي عيش رغيد
هوامش
صومان
نزل الشاعر ضيفا في أحد الرمضانات ببعض أثرياء قومه وكانوا بخلاء، فقال هذين البيتين. 1905م.
أتى رمضان غير أن سراتنا
يزيدونه صوما تضيق به النفس
يصومون صوم المسلمين نهاره
وصوم النصارى حينما تغرب الشمس
الزفاف الملكي
أنشدت بدار الأوبرا في الحفل الذي أقامه الأدباء والشعراء؛ لتهنئة الملك فاروق بزفافه في يناير سنة 1938م.
صفا ورده عذبا وطابت مناهله
وجلت يد الدهر الذي عز نائله
1
وأقبل منقاد العنان مذللا
تطامن متناه، ودانت صوائله
2
يطأطئ للفاروق رأسا، وتنحني
أمام سنا الملك المهيب كواهله
3
تلفت في الآفاق شرقا ومغربا
فلم ير في أنحائها من يماثله
رأى ما رأى! لم يلق عزما كعزمه
تقد مواضيه، وتفري مناصله
4
يذوب مضاء السيف عند مضائه
فما هو إلا غمده وحمائله
5
إذا ما انتضاه، فالسعود أعنة
إلى ما يرجي، والليالي رواحله
6
رأى طلعة، لو أن للبدر مثلها
لما انحدرت دون النجوم منازله
عليها شعاع، لو رمى حائل الدجى
لفاخر وجه الصبح في الحسن حائله
7
تراها، فتغضي للجلال، وربما
تشوف لحظ العين لو جال جائله!
8
هو الشمس يدنو في الظهيرة ضوءها
ويصعب مرآها على من يحاوله
هو الروض أو أزهى من الروض نضرة
إذا داعبت وجه الربيع خمائله
9
هو الأمل البسام، رف جناحه
فطارت به من كل قلب بلابله
10
هو الكوكب اللماح، يسطع بالمنى
وتنطق بالغيث العميم مخايله
11
ترى بسمة الآمال في بسماته
وتلمح سر النبل حين تقابله
شباب كما يصفو اللجين كأنما
تملأ من ماء الفراديس ناهله
12
يفديه غصن الدوح ريان ناضرا
إذا اهتز في كف النسائم مائله
13
تطلع رمح الخط يبغي اعتداله
فعاد حسيرا ينكت الأرض ذابله
14
ومن أين للرمح المثقف عزمه
ومن أين للرمح الطويل طوائله؟
15
إذا حفزته الحادثات رأيته
وقد شك أحشاء الحوادث عامله
16
علاء تحدى الدهر في بعد شأوه
فمن ذا يدانيه، ومن ذا يفاضله؟
17
ورأي كأنفاس الصباح وقد بدا
تشف مجاليه، وتهفو غلائله
18
وخلق كمخضل النسيم بروضة
ذوائبه نفاحة وجدائله
19
يمس جبين النيل في رفق عاشق
وتفتح أكمام الزهور مساحله
20 •••
دعوت إليك الشعر فانقاد صعبه
وقد كان قبل اليوم شمسا جوافله
21
وما كدت أدعو الوحي حتى سمعته
تبادهني آياته ورسائله
22
خيال إذا أرسلته إثر نافر
أتت بأعز الآبدات حبائله
23
ولفظ كوجه الروض في ميعة الضحى
وقد صدحت فوق الغصون عنادله
24
إذا قلته ألقى عطارد سمعه
وساءل شمس الأفق من هو قائله!
25
وإن سارت الريح الهبوب بجرسه
فآخر أكناف الوجود مراحله
26
إذا ذكر الفاروق فاض معينه
وثجت قوافيه، وعبت حوافله
27
يقول: وما لي حين أكتب قوله
من الفضل شيء، غير أني ناقله
رأى ملكا يحيا القريض بوصفه
فضائله جلت، وعمت فواضله
رأى ملكا يزهى به الدين والتقى
شمائل أملاك السماء شمائله
رأى ملكا كالنيل: أما عطاؤه
فغمر، وأما المكرمات فساحله
فغرد في الأجواء باسمك طيره
وردد في الآفاق ذكرك هادله
28
وصاغت لك التبر المصفى فنونه
وحاكت لك البرد الموشى أنامله
29
ولم يبق من نسج السحائب زهرة
ترف ندى إلا حوتها فواصله
30
وصب شعاع الشمس تاج مهابة
لمن توجته بالفخار فضائله
وفك رموز السحر من أرض بابل
لأجلك، حتى استنجدت بك بابله
31
أعدت له عهد الرشيد فأسرعت
إلى سدة الفاروق تشدو بلابله
32
وما أنت في الأملاك إلا قصيدة
تفاعيلها البر الذي أنت فاعله
33
يهب طريح الشعر في دولة النهى
وتلهم أسرار البيان مقاوله
34
حملت له الريحان يوم زفافه
نضير الحواشي ينشر المسك خاضله
35
أزاحم للفاروق حشدا كأنه
خضم من الأمواج ضاقت سبائله
36
يغطي أديم الأرض عز اختراقه
وسدت على أقوى الرجال مداخله
37
إذا أنت لم تعرف مدى أخرياته
فسل طرفك الممدود أين أوائله ؟
حملت له الريحان أرفع معصمي
إلى الملك الفرد الذي فاز آمله
38
وقد ملأ الأنس الوجوه فأشرقت
من البشر حتى كاد يقطر سائله
طلعت على الجمع الحفيل بموكب
يبادلك الشعب المنى وتبادله
39
مواكب لم يعرف لرمسيس مثلها
ولا خطرت في مثلهن قنابله
40
يحيط بها عز المليك ومجده
وتزحمها فرسانه وصواهله
إذا امتلك الحب النفوس هفت له
سراعا وأعطت فوق ما هو سائله
41
رأوك فعالوا بالهتاف كأنما
ينافس ند نده ويساجله
42
كأنهم جيش الغمائم أرقت
رواعده جفن الدجى وزواجله
43
فلا عين إلا وهي ترتقب المنى
ولا صدر إلا فارح القلب جاذله
44
وقد رفعت أعلام مصر خوافقا
يغازلها مس الصبا وتغازله
45
فإن كان من عين فإنك نورها
وإن كان من قلب فإنك آهله
46
وإن كان من دهر فأنت نعيمه
وإن كان من فضل فإنك باذله
رأى فيك هذا الشعب آماله التي
تمنى على الأيام وهي تماطله
أحبك حتى صار حبك روحه
ونور أمانيه الذي لا يزايله
47
فمن شاء برهانا على صادق الهوى
فهذي الجموع الزاخرات دلائله
نثرت بذور الحب في كل مهجة
وتلك التي تهفو إليك سنابله
حياتك يا فاروق للدين عصمة
وأعمالك الغر الجسام معاقله
48
منابره تهتز باسمك فوقها
وتلتف من شوق عليك محافله
تعفر بالترب الجبين الذي عنا
له الشرق وانقادت إليه جحافله
له لمعات المشرفي ازدهت به
على كل أبناء الغمود صياقله
49
لياليك أقمار الزمان وسعده
وأيامك البيض الحسان أصائله
50
قد اختارك الرحمن موضع فضله
إذا عز موصول فقد جل واصله
51
هنيئا لك اليوم السعيد الذي زها
على الدهر لما لم يجد ما يشاكله
يذكرنا المأمون يوم زفافه
وقد مشت الدنيا إليه تجامله
وسال به سيل النضار كأنما
تفجر من بين السحائب وابله
وأين من المأمون أو من زفافه
جلالة ملك أعجزت من يطاوله
أبى الدهر أن يلقى ليومك ثانيا
يقاربه في نبله أو يعادله
تخيرت من وادي الكنانة زهرة
تتيه بها جناته وظلائله
52
فريدة مجد يعرف المجد قدرها
وتزهى بها الفخار عقائله
53
ودرة خدر أقسم الخدر إنه
على مثلها لم تلق يوما سدائله
54
يتيه بها ضافي الشباب ونضره
وتسمو حواليه بها وعواطله
55
تخيرتها فوق السحاب مكانة
وأصفى من الماء الذي هو حامله
حباها إله العرش أكبر نعمة
فجلت أياديه وعمت جلائله
فعش في رفاء بالبنين ممتعا
يضيء بك الوادي ويخضر ماحله
56
ودم لبني مصر أمانا ورحمة
فأنت حمى النيل الوفي وعاهله
هوامش
جرح لم يندمل
أنشدت هذه القصيدة في حفلة تأبين المغفور له الشيخ عبد الوهاب النجار في دار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة عام 1942م.
أقاموا بعض يوم فاستقلوا
فطار القلب يخفق حيث حلوا
1
مضت بهم النجائب مصعدات
تمل بها الطريق ولا تمل
2
زوامل لم يعوقهن ليل
ولم يثقل كواهلهن حمل
3
رآها آدم، وعدت بنوح
وولى بعدها نسل ونسل
4
يسايرهن أنى سرن بين
ويتبعهن حيث ذهبن ثكل
5
هوت أم الركائب؟ كيف سارت؟
وهل تدري الركائب من تقل؟
6
أسائلها - وقد شطت - وقوفا
وأين من الوقوف المشمعل؟
7
طفقت أمد نحو الركب طرفي
فغص الطرف كثبان ورمل
8
وقمت أطل من شرف عليهم
فخانتني الدموع فما أطل
9
وناديت الحبيب فعاد صوتي
وفي نبراته هلع وخبل
10
أصاخ له من الصحراء نجد
فردده من الصحراء سهل
11
إذا بدت الغزالة ثم غارت
علمنا أن هذا العيش ظل!
12 •••
هي الدنيا، فليس لها ذمام
وليس لها على الأيام خل
13
إذا أعطت فقد أعطت قليلا
ولا يبقى القليل ولا الأقل!
تدور: فبين شيخ أسكتته
منيته، وطفل يستهل
لها نهل من الأمم المواضي
ومما تنسل الأيام عل
14
نعود إلى التراب كما بدأنا
فكل حياتنا نقض وغزل!
15
رأيت لكل مشكلة حلولا
ومشكلة المنية لا تحل!
إذا كان الفناء إلى بقاء
فأنجع ما يصحك ما يعل!
16 •••
بنفسي في الثرى غصنا رطيبا
يرف من الشباب ويخضئل!
17
تضاحكه لدى الإصباح شمس
ويلثمه لدى الإمساء طل
18
كأن حفيفه نضرا وريقا
بسمعي حلي غانية يصل
19
يميل به النسيم كأن أما
يميل بصدرها الخفاق طفل
إذا اشتبهت غصون الروض شكلا
فليس لقده في الحسن شكل
20
ضننت به وجدت له بنفسي
وإن الحب تبذير وبخل
وكنت أشم ريح الخلد منه
وأهنأ في ذراه وأستظل
21
وقلت: لعله يبقى ورائي
بدوحته، فما نفعت «لعل»
فسل عنه العواصف: أي نوء
أطاح به؟ وأي ثرى يحل؟
22
نأى عني وخلف لي فؤادا
يذوب أسى عليه ويضمحل
23
يبل على التداوي كل جرح
وجرح القلب دام لا يبل!
24 •••
أشرتم بالرثاء فهجتموني
وتعذيب الذبيحة لا يحل
فضل الشعر في وادي الثكالى
وكان إذا تحفز لا يضل
25
خذوا مني الرثاء دموع عين
تكل المعصرات ولا تكل
26
وآلام الجريح، أطل نبل
يزاحم جانبيه وغار نبل
27
وشعرا يلهب الأشجان جزلا
كما أذكى لهيب النار جزل
28
فليس له مع الأنات خبن
وليس به مع الزفرات خبل
29
له نغم يعز عليه مثل
على ماض يعز عليه مثل
لعل به لمن فجعوا عزاء
فإن جميعنا في الحزن أهل
فقد يشفي بكاء من بكاء
كما يشفى أليم الجرح نصل
30
بكى خير البرية خير طفل
ودمع العين في الأحداث نبل
31 •••
مضى «النجار» والعلياء حصن
عليه بعده باب وقفل
به جمع الحجا للعلم شملا
فبدد بعده للعلم شمل
32
له حجج يسميها كلاما
وما هي غير أسياف تسل
إذا فاضت ينابعه خطيبا
علمت بأن ماء البحر ضحل
يذل له شموس القول طوعا
ويستخذي له المعنى المدل
33
بيان مشرق اللمحات زاه
وقول صادق النبرات فصل
34
وآيات ترى فيها «ابن بحر»
يصول كما يشاء ويستدل
35
يفل شبا الخصومة كيف كانت
برأي كالمهند لا يفل
36
فذاك الفضل، جل الله ربي!
فليس يحد للرحمن فضل
رأيتك والردى يدنو رويدا
إليك كما دنا للفتك صل
37
فوجهك ذابل، والصمت همس
ومشيك واهن الخطوات دأل
38
تجر وراءك السبعين عاما
وللسبعين أرزاء وثقل
39
مشيت كأن رجلا في بساطي
تسير بها، وفوق القبر رجل
أتيت تزورني فهرعت أسعى
إليك، ودمع عيني يستهل
40
وكان عناقنا لما افترقنا
وثاقا للمودة لا يحل
ذممت لي المشيب وفيه حزم
وأطريت الشباب وفيه جهل
وأين الحزم ويحك يا ابن أمي
إذا ما خانني جسم وعقل؟
أتذكر إذ تمازحنا لتنسى
وقد أدركت أن المزح ختل؟
41
إذا أمل الفتى فالهزل جد
وإن يئس الفتى فالجد هزل
فديتك! هل إلى الأخرى بريد؟
وهل لتزاور الأرواح سبل؟
42
وهل يبقى الفتى بعد المنايا
له بالأهل والإخوان شغل؟
وهل تصل الدموع إلى حبيب
ويعلم حرقة الأشجان نجل؟
43
وهل لي بين من أهوى مكان
إذا قوضت رحلي أو محل؟
44
وهل في ساحة الجنات نهر
يزول بمائه حقد وغل؟
45
وهل إن ساءل الأحياء قبرا
يجاب لصيحة الأحياء سؤل؟
لقد جل المصاب، وجل صبري
عليك، وأنت من صبري أجل!
فقم واخطب بحفلك، كم تغنى
وهام بصوتك الرنان حفل!
وذكرنا اليقين فكم عقول
تكاد عليك من شجن تزل
وقل: إن الفناء إلى خلود
وإن زخارف الأيام بطل
46
وإن الموت إطلاق لروح
معذبة، وإن العيش غل
47
شباب المسلمين بكل أرض
عليك ثناؤهم فرض ونفل
48
أخذت عليهم للحق عهدا
فوفوا بالعهود وما أخلوا
شباب إن دعا القرآن شمس
وإن تستصرخ النجدات بسل
49
بنو العرب الذين علوا وسادوا
سما فرع لهم واعتز أصل
50
فنم ملء الجفون «أبا صلاح»
ففي الجنات للأبرار نزل
51
يطوف بقبرك الزاكي سلام
وينضحه من الرحمات وبل
52
وهاك رثاء محزون مقل
وما أوفى إذا بذل المقل!
53
هوامش
تحية دار الإذاعة
احتفلت دار الإذاعة في شهر أبريل سنة 1937م بانتهاء العام الثالث من إنشائها، ودعت لذلك نخبة من رجال العلم والأدب في مصر؛ ليذيع كل منهم كلمة في هذا الصدد، فاختصها الشاعر بهذه القصيدة وأذاعها في هذه المناسبة.
ساري الهواء ملكت أي جناح!
وحللت أي مشارف وبطاح!
1
وبأي ناحية أقمت؟ فإنني
ألقاك بين توثب وجماح
في كل مغدى من ذيولك مسحب
وخطاك ماثلة بكل مراح
2
تجري فتنتظم المدائن والقرى
وتفوتهن إلى مدى فياح
3
لا البرق يسري حيث سرت ولا رمى
نسر إلى ما رمته بجناح
4
يكبو الظليم، وأين منك عداؤه؟
ويكل جهد الأجرد السباح
5
تمضي فلا تقف العوائق حائلا
وتمر بين الصلد والصفاح
6
دان وما علقت بشخصك أعين
يوما، ولا مست يداك براح
7
تتمايل الأشباح إن تخطر بها
ومن السرور تمايل الأشباح
8
وتهز أدواح الرياض فتنثني
شوقا إليك بواسق الأدواح
لولاك ما صب الغمام عيونه
تسقي البطاح بوابل سحاح
9
لولاك ما زهت الربا بمرقش
من نسج منثور ووشي أقاحي
10
قدح الحياة. وأنت أغلى مشربا
من صفوة الماذي في الأقداح
11 •••
سر يا هواء فأنت أوطأ مركب
واهتف بصوت الطائر الصداح
12
واحرص على سحر البيان ووحيه
وارفق بآي في القريض فصاح
جمعت من الزهر الندي قوافيا
تسبي النهى بعبيرها الفواح
درر صحاح لو تقاس بشبهها
لبدت دراري الليل غير صحاح
13
ما السيف في كف المفزع قلبه
كالسيف في كف الفتى الجحجاح
14
الشعر من سر السماء فهمسه
وحي النفوس وراحة الأرواح
كملت صفات الراح في نشواته
ونجا فلم يوصم بإثم الراح
15 •••
سر يا قريض إلى العروبة مسرعا
وانزل بآفاق بها ونواحي
وامزج بمسكي الأثير تحية
لعشائر شم الأنوف سماخ
16
شحوا بأن تلد المكارم غيرهم
وهم على النجدات غير شحاح
جعلوا من الفصحى ومن آياتها
نسبا مضيئا كالنهار الضاحي
الضاد تجمعهم وترأب صدعهم
سيان في الأفراح والأتراح
17
دار الإذاعة، لا تملي إنني
أطلقت للأمل البعيد سراحي
18
حب العروبة قد جرى بمفاصلي
بالرغم من هذر الحديث ملاحي
19 •••
دار الإذاعة، أنت بنت ثلاثة
مرت كومض البارق اللماح
كم فيك للقرآن رنة قارئ
تحلو لدى الإمساء والإصباح
كشفت عن النفس الملول حجابها
فتوجهت للخالق الفتاح
الدين سلوى النفس في آلامها
وطبيبها من أدمع وجراح
أودعته حزني فلم تعبث به
شكوى ولا صدع الدجى بنواح
20
دار الإذاعة، كم نشرت ثقافة
جلت مآثرها عن الإفصاح!
كم جاز صوتك من بحار سجرت
وفدافد شعث الفجاج فساح!
21
أصبحت أستاذ الشعوب وكافحت
نجواك جيش الجهل أي كفاح
22
وملأت بالعلم البلاد فنوره
في كل منعطف وبهرة ساح
23
تتلقف الدنيا حديثك مثلما
يتلقف الأبرار وحي الواحي •••
دار الإذاعة، أنت أمرح أيكة
صدحت فكانت أيكة الأفراح
صاحت بلابلك الحسان فأخملت
في الجو صوت البلبل الصياح
من كل شادية كأن حنينها
همس المنى لليائس الكداح
الليل إن نادته ماس بعطفه
فتراه بين المنتشي والصاحي
كم فيك من لهو به ري النهى
وفكاهة محبوبة ومزاح!
24
النفس تسأم إن تطاول جدها
فاكشف سآمة جدها بمباح •••
زمر الشباب، ولي ملامة ناصح
لو تسمعون نصيحة النصاح!
بالعلم «مركوني» تسلق للعلا
وبعزمة الوثابة الطماح!
25
رجل عصامي الأرومة لم ينل
مجدا «بآمون» ولا «بفتاح»
26
تتطلع الدنيا إليه وتمتطي
ذكرى مآثره متون رياح
إن التفاخر بالقديم تعلة
والجهل للمجد المؤثل ماحي
27
والعلم مصباح الحياة فنقبوا
من قبل أن تثبوا عن المصباح
بلي السلاح مع القديم وعهده
والآن صار العلم خير سلاح
28
اليوم فكرة عالم في مصنع
تغني عن الأسياف والأرماح
وتصد كل كتيبة موارة
خضراء تفذف بالكماة رداح
29
أمضوا الجهود وأخلصوا لبلادكم
في الجهد والإخلاص كل نجاح
لا يرتجى من أمة مفتونة
باللهو والتسويف أي فلاح
خوضوا الصعاب ولا تملوا إنما
نيل المنى بالصبر والإلحاح
قد ينجد اللج الغريق بقذفه
حيا فيلقى الموت في الضحضاح
30
العهد مثلكم جديد مشرق
فهلم للإنتاج والإصلاح
ومليككم مثل الشباب مجمل
بخلائق غر الوجوه صباح
31
يتفاءل النيل الوفي بعهده
وبيمن طلعة وجهه الوضاح
سارت محامده وسارت خلفها
تشدو بسابغ فضله أمداحي
هوامش
نقيب
نظم الشاعر هذه الأبيات بمناسبة انتخاب الدكتور علي إبراهيم نقيبا للأطباء عام 1943م.
قالوا: «علي» غدا نقيبا
قلت: متى لم يكن نقيبا؟!
المسك مسك، فإن تبالغ
في وصفه لم تزده طيبا
لو اشتكى الدهر من سقام
لم يتخذ غيره طبيبا
وفاء صديق
بعث الشاعر بهذه القصيدة إلى صديقه الدكتور علي توفيق شوشة وكيل وزارة الصحة اعترافا بفضله في استئصال الأوبئة بمصر سنة 1947م.
نظمت لآلىء الفردوس عقدا
ومن ذهب الأصيل وشيت بردا
1
وسار مع النسيم نسيم شعري
فكان أرق أذيالا وأندى
2
غلائله ترف بكل أرض
فتنشر حوله مسكا وندا
3
تلقاه الخمائل ضاحكات
تهز معاطفا وتمد خدا
4
ويرقم في الغدير سطور وحي
وعاها الطير حين شدا فأشدى
5
وكم همست بمسمعه غصون
فردد همسها ولها ووجدا
6
إذا ما الشعر كان شعاع نور
أعار الشمس إشراقا وخلدا
يشيب فيسترد صباه غضا
وما أحلى الشباب المستردا
7
طوى الدنيا فليس الوعر وعرا
لوثبته، وليس النجد نجدا
8
إذا كف الزمان رمت رماها
وإن جدت به الأحداث جدا
9
وإن بسمت له الدنيا سمعنا
نشيدا يملأ الأطيار حقدا
تمنت أن يكون لها صداه
فصعر خده ونأى وصدا
10
وأين لمثلها وتر مرن
من الإلهام إحكاما وشدا؟
11
يغرد للخلود بكل أفق
وما عرفت له الآفاق حدا
لمست جناحه رفقا فوافى
وأغريت الوداد به فودا
12
له حب القلوب فليس يطوى
وماء المقلتين فليس يصدى
13
أداعبه فيصدح عبقريا
فتمتد الرقاب إليه مدا
ضننت به فلم يهتف بعمرو
ولم تستهوه بسمات سعدى
14
وصنت لهاته عن كل لغو
له خد الفتى العربي يندى
15
تلثم بالإباء فعاش حرا
ولو عرف الرياء لمات عبدا
يهز حمية الفتيان نصلا
ويحشد رابض العزمات جندا
ويشعل في القلوب وميض نار
كنيران «الكليم» هدى ورشدا
16
ويشدو بالمروءة إن تراءت
وبالصنع الجميل إذا تبدى
تلفت حوله فرأى (عليا)
ولم يبصر له في الطب ندا
حوى همم الرجال فكان جمعا
وأفرد بالنبوغ فكان فردا
عزيمته ترد الغمد سيفا
وحكمته ترد السيف غمدا
يحب دماثة ويهاب خوفا
كغمر السيل خيف وطاب وردا
17
وفاء لو تقسم في الليالي
لما نقضت لراجيهن عهدا
وعلم يملأ الآفاق نورا
وذكر يملأ الأيام حمدا
وصولة حازم ما حاد يوما
عن القصد السوي ولا استبدا
وفكر يلمح الأقدار حتى
يكاد يردها للغيب ردا
ووجه مشرق القسمات سمح
يفيض بشاشة ويلوح سعدا
رآه الصبح منه فزاد حسنا
وغار البدر منه فزاد سهدا
دنا كالشمس حين دنت شعاعا
وحلق مثلها في الأفق بعدا
فلم نعرف له في الفضل قبلا
ولم نعرف له في النبل بعدا
فتى مصر وهل تلقى بمصر
فتى أمضى وأورى منه زندا؟
18
تدارك مصر (والميكروب) يطغى
وينفث سمه ويؤد أدا
19
طوى آجال أهليها هباء
وبدد نسلها فتكا ووأدا
20
فشد عليه مقداما جريئا
كما هيجت يوم الروع أسدا
تحداه وصال ولو سواه
أراد لما استطاع ولا تحدى
فطهر أرضها وحمى حماها
وصان شبابها وهدى وأهدى
تطير بها البعوضة وهي تدري
بأن وراءها للموت حشدا
ويمشي القمل (والدي دي) رصيد
يصوب خلفه السهم الأسدا
21
وما طن الذباب سوى نواح
وقد حصدته أيدي العلم حصدا
إذا الحشرات في مصر تصدت
مناجزة، فأنت لها تصدى
أننسى (الجامبيا) والموت فيها
يزمجر، والقلوب تذوب كمدا؟
22
وكاد اليأس يوهن كل عزم
ومصر تصارع الخصم الألدا
23
فخضت غمارها صمدا هماما
ورعت بها جيوش الموت جلدا
24
وأنقذت الكنانة من فناء
وكنت لقومك الركن الأشدا
نحيي المرء إن نجى حياة
فكيف إذا نجا الوطن المفدى؟
فعش للطب والفصحى إماما
وكن لكليهما عضدا وزندا
25
مدحتك كي أشيد بمجد مصر
وأرسم للشباب النهج قصدا
26
وليس ينال شأوك وصف شعري
ولو أفنيت عمر الشعر كدا
27
ومن أحصى مآثرك الغوالي
فقد أحصى نجوم الليل عدا
هوامش
رشيد تحيي الفاروق
نظم الشاعر هذه القصيدة في شهر نوفمبر سنة 1936م يحيي فيها الملك فاروق حينما زار مدينة رشيد بلد الشاعر بالمرور عليها بسفينته.
أغدق عليها سحابا
واملأ مداها شبابا
وافتح على الناس فيها
للخير بابا فبابا
جزت الطريق فصارت
تبرا وكانت ترابا
اليمن يحدو ذهابا
والسعد يشدو إيابا
والنخل ماست ومالت
تشوقا واجتذابا
قد هزها الشوق حتى
كادت تجاري الركابا •••
والزهر ينضح عطرا
بين الربا وملابا
1
له ابتسام حبيب
أنسى المحب العتابا
يرنو فيرخي حياء
من الكمام نقابا
رأى شبابا وضيئا
عم القرى والرحابا
رأى خلائق زهرا
كالمسك طابت وطابا
2 •••
تطامنت هضبات
ماذا أصاب الهضابا؟
3
كانت تسامي الثريا
واليوم تحني الرقابا
4
رأت جلالا مهيبا
فما ونت أن تهابا
وهالها منك عزم
لو لامس الصخر ذابا •••
والبحر يدنو ويعلو
تطلعا وارتقابا
لما تلقاك قلنا:
لاقى العباب العبابا «فاروق» أعظم نفسا
منه وأسخى جنابا
5
يزجي السحاب ثقالا
وأنت تزجي الرغابا
6 •••
والنيل ينساب تيها
بين المروج انسيابا
كالخود ضمت ثيابا
عجبا وأرخت ثيابا
7
صفا لجينا نقيا
وماج تبرا مذابا
8
ألقى الدراهم بشرى
بكم فكانت حبابا
9
توثب الموج فيه
لنظرة ثم ثابا
10
جرى ذلولا بملك
ماض أذل الصعابا
إذا رأى كان حقا
أو قال كان صوابا •••
والناس من كل صوب
تهوي إليك انصبابا
جاءوا شعوبا شعوبا
حتى أسالوا الشعابا
11
يرجون منك دنوا
فيرجعون اهتيابا
12
والشمس أعلى مكانا
من أن تنال اقترابا
لهم دعاء أماطت
له السماء الحجابا
13
إن تلقهم تلق موجا
إن قارب الشط آبا
14
تلقى عجيجا وشوقا
وزفرة واصطخابا
15
قلوبهم في يديهم
تهدى إليك احتسابا
16
وحبهم في وجوه
فاقرأه فيها كتابا
لاح السفين فهامت «رشيد» تعدو وثابا
وأقبلت وهي ترنو
مآذنا وقبابا
تود خوضا إليه
لو استطاعت ذهابا
والشوق إن غال نفسا
لا تستطيع غلابا
17
أعلامها خافقات
كما هززت القضابا
18
قد زارها منك غيث
فانهل فيها انسكابا
ولحت فيها فصارت
خصبا وكانت يبابا
19
الله أكبر عادت
بعد المشيب كعابا!
20
إن سوئلت عن سنيها
قالت: نسيت الحسابا
فيها نهى ثاقبات
كما أضأت الثقابا
كالتبر غطاه ترب
والدر في البحر غابا
كم عامرات عقول
تأوي الديار الخرابا!
صحبت فيها شبابي
فما ذممت الصحابا
سقيا لملعب أنس
شاب الزمان وشابا!
إن يجر في الوهم يوما
جرت دموعي اكتئابا
من غاض ماء صباه
رأى الحياة سرابا
أبوك راش جناحي
حتى لمست السحابا
21
وكان يصغي لشعري
وكان شعري عجابا ••• «رشيد» لاقت رشيدا
شهما مجيبا مجابا
سواه مولاه نورا
صرفا، ومجدا لبابا
نالت بيمن سناه
مصر المنى والطلابا
هوامش
إلى روح داود بركات
جزع الشاعر أشد الجزع لموت صديقه الأستاذ داود بركات، رئيس تحرير جريدة الأهرام، فرثاه بهذه القصيدة سنة 1933م:
ظننت الدمع يسعد بالعزاء
فهل أجدى بكاؤك أو بكائي؟
وقلت: بأنة المحزون أشفى
فأحوجك الشفاء إلى شفاء
ومن يغسل بأدمعه جواه
أراد البرء من داء بداء
1
بنفسي الراحلين مضوا سراعا
لورد الموت كالهيم الظماء
2
تولى عهدهم وبقيت وحدي
أقلب طرف عيني في السماء
رثيتهم فأدمى الحزن قلبي
فهل ندب يخف إلى رثائي؟
3
وكم حي يعيش بنفس ميت
طوت آمالها طي الرداء
مضت بهم النجائب مصعدات
وللباكين رنات الحداء
4
تجلوا في النجاد ضحى صباح
وغابوا في الوهاد دجى مساء
5
وقفت أزود النظرات منهم
وأصغي للنوادب من ورائي
فلم أر إذ نظرت سوى جلال
يهول وما لمست سوى هباء
وناديت الصحاب فبح صوتي
وعاد إلي مكدودا ندائي
تفرقنا الحياة فإن أردنا
لقاء لم نجد غير الفناء
طريق عبدت من قبل نوح
ولم تلق التمائم عن ذكاء
6
بها الأضداد تجمع في صعيد
وفيها يلتقي دان بناء
7
إذا لبس الربيع شباب قوم
فأسرع ما يفاجأ بالشتاء
وكل نضيرة فإلى ذبول
وكل مضيئة فإلى انطفاء
وهل تهوي ثمار الروض إلا
إذا أدركن غايات النماء •••
أيا «داود» والذكرى بقاء
ظفرت بكل أسباب البقاء
نعاك لي النعاة فقلت: مين
وكم يأس تشبث بالرجاء
نماري كلما فدحت خطوب
فترتاح النفوس إلى المراء
8
ملكت يراعة وملكت قلبا
فكانا سلمين إلى العلاء
9
شباة شقها الباري فشقت
طريقا للمجادة والسراء
10
إذا ما أشرعت في الخط مالت
رماح الخط ميلة الازدهاء
11
وإن هي جردت لمضاء عزم
توارى السيف من هول المضاء
وإن هي لامست يده أضاءت
فهل أبصرت فعل الكهرباء
كأن لعابها قطع الليالي
تنفس عن تباشير الضياء
12
كأن النقس فوق الطرس غيث
أعار الأرض ثوبا من رواء
13
بيانك واضح القسمات صاف
يكاد يشع من فرط الصفاء
يكاد يسيل في القرطاس لطفا
فتحبسه علامة الانتهاء
14
بيان لو صدعت به الليالي
رأيت الصبح منها في العشاء
15
له نور يكاد يسير فيه «رهين المحبسين» بلا عناء
16
له النبرات ندعوها غناء
فتأبى أن تعد من الغناء
سلاف تنهل الأرواح منه
وتحمله السقاة بلا إناء
17
وروضات حلت في كل عين
وأغرت بالأزاهر كل رائي
طلبن إلى الغمام كساء حسن
فكلف قطره وشي الكساء
تريك عجائب الألوان شتى
كما عكست أشعتها المرائي
18
أو العذراء حين رأت غريبا
فلثمت الملاحة بالحياء •••
بني لبنان خطبكم جليل
دعونا نقتسمه على السواء
مضى شيخ الصحافة أريحيا
مبيد الوفر جماع الثناء
19
خلال كلها أنفاس روض
ونفس كلها قطرات ماء
نعزي فيه لبنانا ونبكي
فمن أولى وأجدر بالعزاء؟
مصابكم - وقد أدمى - مصابي
ورزء العبقرية والذكاء
له اهتزت بواسق نخل مصر
وهال الأرز إرجاف الفضاء
20
بني القطر الشقيق لنا صلات
كريمات عقدن على الوفاء
بنو أعمامنا أنتم وفيكم
حفاظ للمودة والإخاء
وفي الفصحى لنا نسب كريم
كقرص الشمس شماخ السناء
21
أعدناها نزارية عروبا
لها حسن التفات وانثناء
22
إذا خطرت بنادي القوم حلوا
من الإكبار معقود الحباء
23
تجاوزنا بها أطلال سعدى
وبدلنا المقاصر بالخباء
24
وجئنا بالعجاب يخال سحرا
وكل السحر من ألف وباء
وكانت قبل نهضتنا نحاسا
وكنا سادة في الكيمياء
25
قضى داود فالأقلام حسرى
نواكس خاشعات للقضاء
هي الأيام تهدم ما بنته
فماذا يبتغين من البناء؟
حياة المرء في الدنيا هباء
وآمال المؤمل من هواء
وما للجازعين سوى اصطبار
وما للساخطين سوى الرضاء
هوامش
لبنان الثائر
نظم الشاعر في القصيدة عندما ثار لبنان ثورته الوطنية في أواخر عام 1943. ففاز بانتخاب نوابه. وكان الشاعر ينوي زيارة بيروت في ذلك الحين:
هاج شوق الواله المضطرب
حلم شق ظلام الحجب
1
جرد الليل عليه غيهبا
فتخطى عقبات الغيهب
2
زارني والليل في غفوته
يتمطى عن دثار السحب
3
طائف إن رمته لم تلقه
وهو من جفنك بين الهدب!
4
بارع الريشة حتى لترى
غائب الشخص كأن لم يغب
5
بسمات الروض من ألوانه
وسنا الكأس ودر الحبب
6
في يديه مجهر من عجب
تفتح العين به عن عجب
7
قلت: هذي جنة؟ أم ما أرى؟
أم تهاويل خيال كذب؟
أم أنا غيري؟ وإلا من أنا؟
أم هو السحر غدا يلعب بي؟
ما الذي يبدو لعيني سامقا
يتحدى سبحات الكوكب؟
8
أرضه مسك، وفي تربته
ينبت الفن مكان العشب
9
وإذا شاد يغنى مرح
لؤلؤي الصوت، حلو المذهب
10
صاح: ذا لبنان فانزل سفحه
قلت: ما لي غيره من أرب
11
هو عريس لآساد الحمى
وكناس لظباء الربرب
12
قد تمناه الهوى من بعد
كيف لو أبصره عن كثب؟!
الأزاهير به من قبل
والينابيع رحيق العنب
وقدود الهيف في روضاته
قضب تمرح بين القضب
13
جمعت ليلاته من دعج
وسنا إصباحه من لبب
14
وسجايا أهله أنسامه
كم نعمنا بشذاها الطيب!
كتب المجد لهم تاريخهم
في جبين الدهر لا في الكتب
كل شهم أريحي أغلب
من كريم أريحي أغلب
بين عدنان وغسان لهم
نسب يرفع شأو النسب
15
نصبوا في كل أرض رايهم
ما دروا في المجد معنى النصب
16
وأذلوا الصعب في رحلاتهم
أي صعب عندهم لم يركب؟
وطووا شرقا بشرق، وجرى
سيلهم يزحم شط المغرب
17
ينزح النازح ما في رحله
غير إقدام وعزم ذرب
18
ورجاء برجاء يلتقي
وكفاح للقاء النوب
19
رأس مال المرء ما في رأسه
من ذكاء، لا حطام النشب
20
ملكوا الدنيا فلما جمحت
ملكوها برفيع الأدب
21
ليس للسيف على حدته
صولة الشعر. ووخز الخطب
22
هذبوا الفصحى ولموا شملها
بعد أن كانت صدى في سبسب
23
جمعوها حلوة الجرس كما
تجمع النحلة حلو الضرب
24
أنت يا لبنان عزم ونهى
لست من صخر ولا من حصب!
25
كلما أطلعت ليلا شفقا
موهت صفحته بالذهب
26
ظنت الغيد وما أجرأها!
أنه من خدها المختضب
27
سحر شعر ومجالي فتنة
وعيون أغرمت باللعب
وابتسام فيه أشراك الهوى
وحديث فيه عذر المذنب
28
أين قلبي؟ غصبوه، فاسألوا «جارة الوادي» عن المغتصب
29
واشفعوا لي، واحذروا غضبتها
آه من صولة هذا الغضب!
ثم قولوا: مستهام وصب
ويلتا للمستهام الوصب
30
طائر غرد في دوحتكم
علم الأطيار معنى الطرب
طار من مصر يحيي أمة
توجت بالمجد هام الحقب
31
قاهري أخجلت ألحانه
رنة العود، وشدو القصب
32
خلقت أوتاره قدسية
من حنان الحب، لا من عصب
33
فارحمي مغتربا ليس اسمه
في ربا لبنان بالمغترب
34
جاء يبغي الحب لا الحب فهل
جاوز المسكين حد الطلب؟
35
فنصبت الفخ خداع المنى
خشن الكف، حديد المخلب
36
وأتى هيمان يشدو واثبا
ليته في يومه لم يثب!
فارتمى بين جناح هائض
وجناح خافق مضطرب
37
واجب القلب، ولولا نظرة
عرضت لاهية لم يجب
38
أطلقيه وابعثي آماله
وثواب الله فيه احتسبي
39
هل على الهاتف بالحسن إذا
ما شدا من حرج أو عتب؟
قد براه السقم إلا فضلة
من فؤاد حائر ملتهب
40 •••
كم هفا القلب للبنان وكم
عاقه صرف الزمان القلب!
أصبح الحكم به في نخبة
من بنيه الكرماء النجب
41
كلهم حر أبي ينتمي
في ذرا المجد إلى حر أبي
42
وهبوا الروح للبنان فدى
وضنين كل من لم يهب
43
خلق مثل أزاهير الربا
ضحكت للعارض المنسكب
44
وسياسات ورأي ساطع
يضع الحق مكان الريب
45
قادهم خير رئيس للعلا
شمري العزم عالي الحسب
عاش لبنان وعاشت راية
للكرام العرب فوق الشهب
هوامش
ذكرى الغرب
بعض ذكريات الشاعر بعد عودته من أوروبا سنة 1912م.
يا دار فاتنتي حييت من دار!
سيرت فيك وفي من فيك أشعاري
رحلت عنها وللأشجان ما تركت
في العين والقلب من ماء ومن نار
كانت مجال صبابات لهوت بها
ومستراض لبانات وأوطار
1
أسائل الطير عنها لو تنبئني
أو تنقل الطير عنها بعض أخبار!
ينسى بها كل نائي الدار موطنه
وما تجشم من بين وأسفار
2
يلقى بها أينما ألقى عصاه بها
أهلا بأهل، وأصهارا بأصهار
وفتية كرماح الخط إن خطروا
فديت بالنفس منهم كل خطار
3
بيض الوجوه مساميح الأكف منا
جيد الصريخ سراة غير أغرار
4
لا ينزل الضيف صبحا عقر دارهم
إلا ويمسي عشاء صاحب الدار
قد آمنوا بإله الحب وارتقبوا
آياته بين إجلال وإكبار
5
وصوروه فتى أعمى إذا رشقت
يداه بالنبل أصمى كل جبار
6
عريان إن مسه برد الشتاء فما
له سوى زفرات الوجد من نار
يغشى الفتاة ولم ترقب زيارته
وخدرها بين أغلاق وأستار
فطرفها خاشع من بعد زورته
وقلبها نهب أوهام وأفكار
7
تشكو إلى أمها ضيفا ألم بها
والأم إن تستطع باحت بأسرار
ويصرع الفارس المغوار إن لعبت
كفاه بالسيف أردى كل مغوار
فلا تراه سوى شاك لساجعة
أو نادب إثر أطلال وآثار
8
ويطرق الشيخ في المحراب قد فنيت
عظامه، وبرته خشية الباري
فلم تكن لمحة إلا ليفتله
من الصلاة ومن ترتيل أذكار
9 •••
يبرزن في الليل مثل الشهب ساطعة
ما بين سيارة تجري لسيار
10
من كل خمصانة الكشحين ناصعة
كأنها درة في جوف زخار
11
تسعى إلى أغيد ما طر شاربه
كأنما صفحتاه وجه دينار
12 •••
أرض كأن إله الأرض أودعها
بدائع الحسن من عون وأبكار
13
ألقوا خدود العذارى في حدائقها
ولقبوها بأثمار وأزهار
وجردوا كل حسن من قلائده
فصرن حصباء في سلسالها الجاري
14
لو كان في عنصري صلصال طيبتها
ما راعني الدهر في يوم بأكدار
15
أو كنت أظفر في الأخرى بجنتها
غسلت بالدمع آثامي وأوزاري
هوامش
شروق كوكب
ألقيت هذه القصيدة في الاحتفال بميلاد الملك فاروق آخر ملوك مصر في سنة 1934م، حينما كان وليا للعهد.
لله يوم جرى باليمن طائره
ورددت في فم الدنيا بشائره
1
يوم تحلى بحسن الوعد أوله
كما تلألأ بالإنجاز آخره
2
ترقبت مصر فيه الصبح مبتسما
يلوح بالخير والإسعاد سافره
3
يوم أعاد إلى الأيام نضرتها
كما أعاد جمال الروض ماطره
يوم تجلى به الفاروق مؤتلقا
كالبدر يجتذب الأبصار باهره
بدا فكبرت الدنيا لمولده
واستبشر الدين واهتزت منابره
سلالة الشرف العالي وصفوته
ونخبة الجوهر الصافي ونادره
زين الشباب لهم من هديه قبس
ما ضل فيه طريق المجد عابره
4
أقام في كل قلب فهو حبته
وحل في كل طرف فهو ناظره
5
رقت شمائله، عزت أوائله
لاحت مخايله، طابت عناصره
6
فاروق يا ابن الألى شادوا بهمتهم
ملكا على الدهر لا تبلى مفاخره
7
آثارهم تبهر الأيام جدتها
والنيل يشهد ماضيه وحاضره
راضوا الجموح فأعطاهم مقادته
وذللوا الصعب حتى لان نافره
8
يا ابن المليك الذي عمت فواضله
وكللت هامة الدنيا مآثره
9
أحيا لنا المجد حتى عاد دارسه
وأشرقت في ربا الوادي أزاهره
10
جرت على ألسن الأيام مدحته
حتى توهمت أن الدهر شاعره
الملك في ظله طابت مشارعه
والدين في عهده قامت شعائره!
11
فانظر تجد أملا في كل ناحية
العزم يمليه والحسنى تؤازره
12
فاروق، أنت لآمال الشباب حمى
وباعث المثل الأعلى وناشره
لما دعيت أميرا للصعيد زهت
به القبائل، وازدانت حواضره
13
وعاده مجده الخالي يشافهه
وجاء تاريخه الماضي يسامره
14
لا زلت قرة عين الملك تحرسه
عين المهيمن، والدنيا تظاهره!
15
ودام ملك فؤاد في علا وسنا
وعاش للنيل مولاه وناصره!
16
هوامش
مصر تعزي العراق
أنشد الشاعر هذه القصيدة مندوبا عن مصر في حفل تأبين الملك غازي ملك العراق، وكان الحفل يجمع قادة العرب وشعراء البلاد العربية سنة 1939م.
بكينا النضار الحر والحسب العدا
بكينا، فما أغنى البكاء ولا أجدى
1
بكينا لعل الدمع يطفئ حرقة
من الشوق، فازدادت بتذرافه وقدا
2
حشاشة نفس صورت في مدامع
وجذوة نار في الحشا سميت وجدا
3
ولوعة مكلوم الفؤاد وساده
يحن له قربا. فيوسعه صدا
4
يقلب طرفا في الظلام من الأسى
ويرسل في الآفاق أنفاسه صهدا
5
بكينا وما تبكي الرجال، وإنما
يعود الفتى للطبع إن لم يجد بدا
6
هو القدر الماضي إذا انساب سهمه
فلن يستطيع العالمون له ردا
هو الدهر، ما بضت بخير يمينه
يجمعنا سهوا، وينثرنا عمدا
7
يجرد سيفا في الظلام من الردى
ويخبط لا يبقي مليكا ولا عبدا! •••
مصاب أصاب الهاشمية سهمه
وهد من العلياء أركانها هدا
8
وغال شباب الملك في عنفوانه
وأطفأ نور الشمس واخترم المجدا
9
وطار بأحلام، وفرق أنفسا
شعاعا، ترى نور السبيل وما تهدى
10
حشود على الآلام والحزن تلتقي
يقاسم حشد في رزيئته حشدا
11
ففي كل قلب مأتم ومناحة
وفي كل دار أنة تصدع الصلدا
12
وفي كل أرض للعروبة صيحة
إذا رددتها أبكت الترك والهندا •••
فقدناه ريان الشباب تضوعت
شمائله مسكا وآثاره ندا
13
فقدناه والأحداث تغشى غيومها
وتنتظم الآفاق عابسة ربدا
14
فقدناه والآمال تومي بإصبع
إليه، وتمتد العيون له مدا
15
فقدناه أزهى ما نكون بمثله
وأعلى به كعبا وأقوى به زندا
16
فقدناه سيفا هاشميا. إذا سطت
سيوف الليالي كان أرهفها حدا
حسام بكف الله كان صياله
فأصبحت الأرض الطهور له غمدا
17
وروح سرى السارون في نور هديه
فلم يخطئوا للمجد نهجا ولا قصدا
18
أطل عليهم من بعيد فشمروا
إلى قمة الدنيا غطارفة جردا
19
إذا بعدت آمالهم فترددوا
دعاهم إلى الإقدام، فاستقربوا البعدا
يقودهم «الغازي» إلى خير غاية
فأكرم به ملكا وأكرم بهم جندا
نسور إذا طاروا ليوم كريهة
وإن بطشوا يوم الوغى بطشوا أسدا
سل السيف عنهم كيف صال بكفهم
شيوخا لهم قلب الجلاميد أو مردا
20
كأن غبار النصر في لهواتهم
سلاف من الفردوس مازجت الشهدا
21
أولئك أبناء الفتوح التي زها
بها الدين، واجتاح الممالك وامتدا
لهم في سجل المجد أول صفحة
كفاتحة القرآن قد ملئت حمدا
22
ومن كتب النصر المبين بسيفه
على جبهة الدنيا، فقد كتب الخلدا •••
حمامة وادي الرافدين ترفقي
بعثت الجوى . ماكان منه وما جدا
23
حنانك، إن الصبر من زينة الفتى
إذا غاص في ظلمائه الأمر واشتدا
طرحنا رداء اليأس عنا بواسلا
وإن هزنا يوم العراق وإن أدا
24
حمامة وادي الرافدين ابعثي الهوى
حنينا. فما أحلى الحنين وما أشدى
ففي النيل أرواح ترف خوافق
تقاسمك التاريخ والدين والودا
25
ظماء إلى ماء بدجلة سلسل
تود بنور العين لو رأت الوردا
26
إذا مست البأساء أذيال دجلة
قرأت الأسى في صفحة النيل والكمدا
27
وإن طرفت عين ببغداد من قذى
رأيت بمصر أعينا ملئت سهدا
28
إخاء على الفصحى توثق عقده
وشدت على الإيمان أطرافه شدا
لنا في صميم المجد خير أبوة
زهينا بها أصلا. وتاهت بنا ولدا
29 •••
مضى الهاشمي السمح زين شبابه
وأعرقهم خالا وأكرمهم جدا
أطلت شموس الدين من حجراتهم
على الكون، لا وهدا تركن ولا نجدا
30
خططنا له لحدا فضاق بنفسه
وإن له في كل جانحة لحدا
31
فتى تنبت الآمال من غيث كفه
فلله ما أولى ولله ما أسدى
32 •••
أتينا إلى بغداد والقلب واجف
يهز جناحا لا يقر ولا يهدا
تطوحنا الصحراء ليس بعيدها
بدان ولم نعرف لآخرها حدا
33
كأن الرمال الجاثمات بأرضها
جمال أناخت لا تساق ولا تحدى
34
عددنا بها الساعات حتى تركننا
وقد سئمت منها أصابعنا عدا
أتينا نؤدي للعروبة حقها
يسابق وفد في تلهفه وفدا
يحملنا النيل الوفي تحية
ويهدي من الآمال أكرم ما يهدى
عزاء، مضى «الغازي» كريما لربه
فما أعظم الجلى، وما أفدح الفقدا
35
عزاء، ففينا فيصل شبل فيصل
نرى في ثنايا وجهه الأسد الوردا
36
له في اسمه أوفى اتصال بجده
فيا حسنه فألا، ويا صدقه وعدا
37
بدا نجمه في الشرق يمنا ورحمة
وأشرق في الأيام طالعه سعدا
عهدتم إلى «عبد الإله» وإنه
لأكرم من يرعى القرابة والعهدا
38
إذا رنت الآمال كان ثمالها
وإن حارت الآراء كان لها رشدا
39
سلام على الغازي سلام على الندى
إذا مابكى من بعده الترب والندا
40
هوامش
صدى أنات حائرة
بعث الشاعر بهذه القصيدة إلى الأستاذ عزيز أباظة عام 1944م، حينما كان مديرا للبحيرة عندما أهدى إليه «أنات حائرة»، وهي طائفة من الشعر الحزين في رثاء زوجه:
رحمتا للجريح من أناته
ولسمع الوساد من آهاته!
غربت شمسه فقام يناجي
ساهدات النجوم في ليلاته
1
إنها بينهن تسمع نجوا
ه، وتبكي لبثه وشكاته
2
أرسلت من شعاعها ذكريات
هاجت الكامنات من ذكرياته
ولها في سمائها خفقات
أسرعت في فؤاده خفقاته
سبحت في عوالم النور «زين»
أين منها الغريق في ظلماته؟
3
كم يمد اليدين أسوان مضنى
فيفر الشعاع من قبضاته!
4
ويسوق الأشعار في نبرات
ظنها ابن الهديل من نبراته
5
سمع الدوح نوحها عبقريا
فتمنى لو نحن في عذباته
6
مشجيات يود كل ابن غصن
أن أنغامها جرت من لهاته
7
قلت شعرا فلم يكن غير بحر
من دموع طفا بتفعيلاته
وبعثت الشجون في كل صدر
وأثرت المكبوت من زفراته
فاقتسمنا لوعات قلبك فانظر
هل أفاق المسكين من لوعاته؟
8
إن ماء الدموع أطفأ للوج
د، وأشفى للصب في خلواته
9
فاسكب الدمع وابعث الشعر واملأ
أذن الخافقين من آياته
10
كنت قيسا بكى على قبر ليلا
ه، وروى الضريح من عبراته
11
بي جرح مضى عليه زمان
حرت في أمره وأمر أساته
12
كلما صاح نادب هاج شكوا
ه، ومس الأليم من ندباته
13
أنا أبكي لكل باك ونفسي
حسرات تذوب في حسراته
بائع الصبر، إن يكن عشر مثقا
ل بأغلى ما في الحياة فهاته!
كلنا مسه من الدهر ظفر
آه من ظفره ومن فتكاته!
وأدتنا بناته برزايا
ها، ومن ذا يسطيع وأد بناته؟
14
فكرهنا حتى النعيم لأنا
قد رأينا اجتماعه لشتاته
15
لذة المرء من جنى ألم المر
ء وتأتي الآلام من لذاته!
16
ما حياة المحب بعد حبيب
قبس النور والهوى من حياته؟
17
حسبه أنه إذا رام قربا
لم يجد للوصول غير مماته
18
عش أبا واثق لواثق البا
كي، وللثاكلات من أخواته
19
هوامش
غزل شاعرين
قام الشاعر في هذه القصيدة بتشطير قصيدة للشاعر إسماعيل صبري في عام 1901م. (يا لواء الحسن أحزاب الهوى)
أججوا في الحب نيران الجفاء
1
مذ رأوا طرفك يبدو ناعسا (أيقظوا الفتنة في ظل اللواء)
2 (فرقت أهواءهم ثاراتهم)
كل حب بين أشواك عداء
جمعوا بغضاءهم فافترقوا (فاجمعي الأمر وصوني الأبرياء) (إن هذا الحسن كالماء الذي)
راق حتى كاد يخفيه الصفاء
والرضاب الحلو لو جدت به (فيه للأنفس ري وشفاء)
3 (لا تذودي بعضنا عن ورده)
كلنا يشكو الجوى والبرحاء
4
فانظري، ليس الصدى في بعضنا (دون بعض واعدلي بين الظماء)
5 (وتجلي واجعلي قوم الهوى)
للهوى فيك وللحسن فداء
6
هم فداء لك، لا، بل كل من (تحت عرش الشمس في الحكم سواء) (أقبل نستقبل الدنيا وما)
يملأ الأعين حسنا ورواء
7
أنت كالجنة ضمنت الذي (ضمنته من معدات الهناء) (واسفري تلك حلى ما خلقت)
لسوى لثم وضم واجتلاء
8
ما رأينا آية الله أنت (لتوارى بلثام وخباء)
9 (واخطري بين الدامي يحلفوا)
أنك الغصن ازدهارا واستواء
10
أخبرتهم نفحة منك سرت (أن روضا راح في النادي وجاء) (وانطقي ينثر إذا حدثتنا)
لفظك العذب عن القلب العناء
إنه الدر، فهل يمنحنا (ناثر الدر علينا ما نشاء؟) (وابسمي من كان هذا ثغره)
فتن الزهر أريجا وبهاء
11
فدعيه ينشر الطيب كما (يملأ الدنيا ابتساما وازدهاء) (لا تخافي شططا من أنفس)
داولت بين خضوع وإباء
12
إن أجابت دعوة الحب مشت (تعثر الصبوة فيها بالحياء)
13 (راضت النخوة من أخلاقنا)
فخضعنا وجمحنا كرماء
14
وسمت فوق الهوى أحسابنا (وارتضى آدابنا صدق الولاء) (فلو امتدت أمانينا إلى)
أسد ما لاث كفا بدماء
15
أو سرت أنفاسنا في جانبي (ملك ما كدرت ذاك الصفاء) (أنت يم الحسن فيه ازدحمت)
زمر العشاق كل بسقاء
16
أنقدتهم بعد يأس مغرق (سفن الآمال يزجيها الرجاء)
17 (يقذف الشوق بها في مائج)
ما له من ساحل إلا اللقاء
18
فهي تجري والجوى يبعثها (بين لجين عناء وشقاء)
19 (شدة تمضي وتأتي شدة)
واعتداء للهوى بعد اعتداء
لو علت للنجم نفسي لأتت (تقتفيها شدة، هل من رخاء؟)
20 (ساعفي آمال أنضاء الهوى)
يقتل الداء إذا عز الدواء
21
واكشفي حجب النوى ينتعشوا (بقبول من سجاياك رخاء) (أنت روحانية لا تدعي)
غيرها، فالأمر كالصبح جلاء
22
فاسألي المرآة هل يوما رأت (أن هذا الشكل من طين وماء؟) (وانزعي عن جسمك الثوب يبن)
رب حق ضاع في ثوب رياء
23
وارفعي شعرك عنه ينجلي (للملا تكوين سكان السماء) (وأري الدنيا جناحي ملك)
منهما تستمنح النور ذكاء
24
نشرا في مجتلى ضوء الضحا (خلف تمثال مصوغ من ضياء)
25
هوامش
صبح باسم
نشرت هذه القصيدة بمناسبة احتفال مصر بعيد جلوس الملك فاروق آخر ملوك مصر سنة 1945 ميلادية.
بسمت تتيه مدلة بصباحها
زهراء يعبث عقدها بوشاحها
نهبت من المسك الفتيق سواده
فأغار موتورا على أنفاحها
1
وتزينت بحلى الكواكب مثلما
تتزين الحسناء في أفراحها
أرخى غدائرها الحياء كأنها
عذراء تخلط لينها بجماحها
هي ليلة مزج السرور صباحها
بمسائها ومساءها بصباحها
نور الملائك من سني ضيائها
وشذى جنان الخلد من أرواحها
2
نشرت جناح السلم يخفق بالمنى
فارتاحت الدنيا لخفق جناحها
ومضى بها شبح الخطوب مفزعا
ولكم لقينا الويل من أشباحها!
فتنت بصفحتها القلوب فهل رأت
في لون صفحتها عيون ملاحها؟
3
لو أنها عادت فكانت روضة
لتغنت الدنيا على أدواحها
هي ليلة الفاروق تتلو مجده
والدهر والأيام من ألواحها
4
قد أسفرت عن صبح يوم باسم
براق سافرة المنى لماحها
5
يوم على مصر أغر محجل
لمست به الأمل البعيد براحها
6
مدت له الأيام فضل عنانها
من بعد طول نفارها وشياحها
7
وسما بها الفاروق نحو مطامح
جاز الشباب بها مدى أطماحها
8
غصن من المجد النضير بدوحة
كم أصغت الدنيا إلى أصداحها
9
إن أشكلت دهم الأمور وأغلقت
أبوابها، فسلوه عن مفتاحها
10
تبنى الممالك، والبطولة أسها
وعزائم الأحرار من صفاحها
11
والمجد أن ترد الصعاب بهمة
شم الرواسي عندها كبطاحها
12
تلقى على الأحداث من بسماتها
ما يذهل الأحداث عن إلحاحها
ولرب نفس ضمها صدر الفتى
ويضيق صدر الأرض عن فياحها
13
شرت المكارم حلوة بجهادها
مرا، فكان الحمد من أرباحها
والناس أشباه ولكن العلا
عرفت فتى العزمات من مزاحها
14 •••
فاروق أنت فتى العروبة وابنها
وبشير وحدتها وزند كفاحها
جمعت فرقتها فأضحت أمة
أقوى وأصلب من حديد رماحها
بسمت لها الدنيا وأشرق وجهها
من بعد ما عبست لطول نواحها
وشفى الزمان جراحها، ولطالما
ضاق الزمان وطبه بجراحها
وتوحدت راياتها في راية
تزهى الرياح بعجبها ومراحها
أمم لها خلق السماح سجية
ودماؤها في الحرب رمز سماحها
15
في جبهة التاريخ منها أسطر
كتب الإباء حروفها بسلاحها
آيات مجد مشرقات فاسألوا
عمروا وسيف الله عن أوضاحها
16
نهضت بفاروق فكانت آية
للبعث بعد شتاتها وطراحها
17
ورأت بشائر يمنها في طلعة
تغنى بها البسمات عن إفصاحها
18
وجه كأن البدر ألقى فوقه
لألاءه والشمس نور لياحها
19
ومضاء نهاض العشيرة باسل
حمال ألوية العلا كداحها
20
هبت به مصر إلى قصباتها
ريحا تسابق عاصفات رياحها
21
رسم النجاح لها فسارت حرة
من بعد ما التبست طريق نجاحها
والناس من همم الملوك، وثوبهم
من وحيها، وصلاحهم بصلاحها
وإذا السفينة لم تبال زعازعا
فاسأل كبير الشط عن ملاحها •••
عيد الجلوس وفي جبينك آية
للسلم تنجي الأرض من أتراحها
حرب طوى الحلفاء فيها صيحة
للظلم أزعجت الورى بنباحها
22
والحرب تبدأ كالحصاة بزاخر
لم يدر إن قذفت مدى منداحها
23
كم هزت الدنيا صواعق نارها
وأصاب وجه الأرض من لواحها
24
نفسي فداء البسل في حوماتها
وفدى الشباب يسيل فوق صفاحها
25
تشري شعوب الحق فيها مبدأ
بالنقد من دمها ومن أرواحها
26
النصر قد خفقت لهم أعلامه
والحرب قد صاح البشير بساحها
وغدت على الظمآن للدم غصة
وجهنما أخرى على سفاحها
27 •••
عيد الجلوس وللقوافي رنة
ألهت غصون الدوح عن صداحها
أرسلتها ملء الأثير كأنما
وحي السماء اختار غر فصاحها
28
ونثرتها دررا فودت أنجم
لو عدهن الحسن بين صحاحها
29
عيد الجلوس وفيك ضاحكة المنى
دب السرور بروحها وبراحها
30
ثملت وأغصان الربيع تمايلت
فكأنهن شربن من أقداحها
فاروق ذكرك في الورى متجدد
كالشمس بين غدوها ورواحها
31
أجهدت سارية الخيال فأجبلت
ماذا تقول اليوم في أمداحها؟
32
هوامش
يوم عبوس
نظم الشاعر هذه الأبيات في يوم اشتد فيه البرد بإنجلترا عام 1909م، وقد كان موفدا إليها في بعثة تعليمية.
ويلاه من يوم الخمي
س فإنه يوم عبوس
فيه تحاربت الريا
ح فلا تقل: حرب البسوس
1
خافت غوائله الغزا
لة، فالغمام لها تروس
2
يوم أحطنا باللظى
فيه، ونكسنا الرءوس
3
فكأننا قمنا نؤي
يد فيه معتقد المجوس
4
هوامش
ضيف كريم
نشرت هذه القصيدة في يونيو عام 1947م، حينما تخلص الأمير محمد عبد الكريم الخطابي من الأسر، ونزل ضيفا على مصر وملكها السابق فاروق.
حلق النسر كما شاء وصاح
ورمى بالقيد في وجه الرياح
وجلا عن ريشه العار كما
تنجلى الأصداء عن بيض الصفاح
1
وأطاح القفص المشئوم، لا
تعرف الجن متى أو أين طاح
2
كم قضى الليل به مستيئسا
جزعا، بين أنين ونواح
ولكم حن إلى أوطانه
قلق الأضلاع، خفاق الجناح
3
يرسل العين فلا يلقى سوى
لجج خضر دميمات شحاح
4
يشتكي لليل في وحشته
فإذا غاب تشكى للصباح
ذهب الماضي مجيدا حافلا
رحمة الله عليه! أين راح؟ •••
أإسار الحر حق سائغ
وإباء الحر شيء لا يباح؟!
5
وإذا مدت لإحسان يد
هزت الفتنة أطراف الرماح؟!
6
وإذا جفت لهاة ظمأ
ضنت الأنفس بالماء القراح؟!
وإذا مال أخ نحو أخ
ملأ الأفواه شغب وصياح؟!
وإذا أن جريح دنف
لطبيب، قيل: لا تشك الجراح؟!
7
هل على المفجوع في أوطانه
حرج إن ردد الشكوى وباح؟!
8
أو على من رام أن يحيا كما
يتمنى الحر ذنب أو جناح؟!
9
أو على المعاني ملام إن رنا
بعد عشرين، لإطلاق السراح؟!
10 •••
ثم قالوا: لم يصن ميثاقه
ونبا عن خلق العرب السماح
11
أي عهد يرتضيه باسل
عربي النبع، ريفي الجماح؟!
12
أي عهد هو أن أذبح من
غير سكين، ولا أشكو الذباح؟!
هو عهد الذئب يمليه على
شاته المخلب والناب الوقاح!
13
وهو القوة، ما أجرأها!
إن مشت يوما إلى الحق الصراح
كم سلاح صال من غير يد
ويد تدفع من غير سلاح!
قصد الفاروق يبغي موئلا
في رحاب لبني العرب فساح
14
همة جاءت تناجي همة
ويد مدت إلى أكرم راح
ملك يرنو لعليا ملك
وطماح يتسامى لطماح
15
فثوى في خير غمد آمنا
صارم أرهفه طول الكفاح
16
لم يجد غير بشاشات المنى
وارتياح للندى أي ارتياح!
17
هوامش
نصل الموت
يرثي الشاعر صديقه الدكتور علي إبراهيم باشا بهذه الأبيات سنة 1947م.
إن جرد الموت نصلا ما صمدت له
فطالما رد نصل منك أرواحا
1
قد كنت تهزمه في كل معترك
يزاحم الشمس أسيافا وأرماحا
وكان جرحك يأسو كل ما جرحت
يد الزمان، ويحيي كل ما اجتاحا
2
اليوم يثأر، والأيام عدته
لا الطب يجدي، ولا الجراح جراحا
لو حزت كل حياة ضنت مهجتها
خلدت كالشمس إشراقا وإصباحا
ما أقصر العمر في الدنيا لنابغة
إذا تطلعت الدنيا له راحا!
سبعون؟! أولها لهو، وآخرها
لو يعرف المرء لاقى الموت مرتاحا
لقد شربنا بكأس الراح أولها
حلوا، فماذا أصاب الكأس والراحا؟
3
ليت الشباب الذي أقداحه عجب
أبقى لفوت الصبا والشيب أقداحا!
قد كنت تصغي لشعري إن صدحت به
فاليوم تسمع إن أصغيت أنواحا
أقض موتك من مصر مضاجعها
وأسكت الخطب أطيارا وأدواحا
هوامش
أفراح مصر
أنشدت هذه القصيدة بدار الأوبرا في حشد اجتمع للاحتفال بزواج الأميرة السابقة فوزية من شاه إيران السابق في سنة 1939م.
خلوا السجوف تذع مجلى محياها
وتنشر المسك من أنفاس رياها
1
عقيلة في جلال الملك ناعمة
النبل يحرسها والله يرعاها
2
ودرة لم تر الأصداف مشبهها
بين الكنوز الغوالي من خباياها
وزهرة ما رأى النيل الوفي لها
بين الأزاهر في واديه أشباها
ترنو إليها نجوم الأفق معجبة
تود لو قبست من نور مرآها
3
كأنما قطرات المزن صافية
فوق الخمائل طهر في سجاياها
4 •••
أميرة النيل، والأيام مسعدة
بلغت من ذروة العلياء أقصاها
5
إن يسطع الصبح قلنا: الصبح أشبهها
أو يسطع المسك قلنا: المسك حاكاها
6
مجد تمنت سماء الأفق لو ظفرت
بلمحة من ثرياه ثرياها
7
ونفس طاهرة الجدين يسرها
رب البرية للحسنى وزكاها
8
اليسر يختال تيها حول يسراها
واليمن يجري يمينا حول يمناها
نمت بظل فؤاد خير من وجدت
بظله زمر الآمال مثواها
9
أحيت له مصر ذكرا خط من ذهب
على جبين الليالي حين أحياها
10
وكان عنوانها الغالي الذي اتجهت
إليه باسطة الأيدي فأعلاها •••
أميرة النيل، غنى الشعر من طرب
في ليلة غنت الدنيا ببشراها
طافت كئوس التهاني وهي مترعة
من المنى فانتشينا من حمياها
11
تجمع الأنس حتى لم يدع أملا
للنفس تبعث شوقا خلفه: واها
12
في ليلة من سواد العين قد خلقت
جل الذي من سواد العين جلاها!
13
يخالها الفجر فجرا حين يطرقها
فيختفي من حياء في ثناياها
14
كأنها بسمات الغيد قد ملأت
بالحب والبشر أحداقا وأفواها
15
كانت يدا من أيادي الدهر أرسلها
بيضاء مشرقة النعمى وأسداها
16
هنا زفاف، وفي الأفلاك هاتفة
من الملائك تدعو ربها الله
17
لها أناشيد في الأسماع ساحرة
لو كن من لغة الدنيا رويناها
18
لكنها نفحات الله خص بها
من البرية أنقاها وأصفاها «فوزية» درة التاج التي لمعت
فوق الجبين فحيته وحياها
شعوب مصر تفديها ولو نطقت
للنيل ألسنة فصح لفداها •••
أميرة النيل، غنى الشعر من طرب
لولا قرانك ما غنى ولا فاها
19
إني وألحان شعري صنع بيتكم
فكم من الفضل أولاني وأولاها!
لولا مدائحكم ما كان لي قلم
يوما على الأيك وابن الأيك تياها
20
تألقي بسمة زهراء مشرقة
بأرض إيران، أنت اليوم دنياها
كوني بها قرة للعين غالية
فأنت أكرم من لاقته عيناها
ومثلي مصر والشأو الذي بلغت
فأنت أصدق برهان لدعواها
21 •••
لقد قطفنا لك الأزهار باسمة
وفي عقود من الفصحى نظمناها
وقد جمعنا من الألحان أغنية
لو يفهم الطير معناها لغناها
ولم ندع من رموز السحر سانحة
طافت بمعنى العلا إلا لمحناها
22
قد ذكرتنا لياليك التي سطعت
أفراح «قطر الندى» والعز والجاها
23
عرس الأماني أحيا كل ذي أمل
وطاف بالغلة الظمأى فرواها
24
وليلة ظفر الشعب الوفي بها
وكم على الدهر مشغوفا تمناها
في كل بيت أغاريد مرددة
سرت فجاوز نجم الليل مسراها
25
وكل روض يرجي لو سعت قدم
به ليهدي من الأزهار أزكاها
26
وكم تمنى الربيع النضر لو سعدت
بحلة العرس كفاه فوشاها
27
البشر يضحك. والدنيا مصفقة
يهتز من نشوة الأفراح عطفاها
28 •••
يا ابن الأماجد من إيران نلت يدا
أصفى من الكوكب الدري أمواها
29
بنيتم الملك فوق الشمس من همم
شماء من خلق الأطواد أرساها
30
لم يتخذ من منار يستضيء به
لدى الشدائد إلا العزم والشاها
31
جلالة كم تغنى البحتري بها
وكم ترنم مهيار بذكراها!
32
ودولة للعلا والسبق حاضرها
وللخلود وللإبداع أولاها
لنا صلات قديمات محببة
لخدمة الدين والفصحى عقدناها
ثقافة الفرس قد كانت ثقافتنا
في كل ناحية عنهم أخذناها
تألقت في بني العباس آونة
ما كان في أعصر التاريخ أزهاها
33 •••
فاروق كم لك عند النيل من منن
كصفحة الشمس بيض ليس ينساها
34
وصلت مصر بإيران كما اتصلت
فرائد العقد أغلاها بأغلاها
35
مصر المجيدة تزهى في حمى ملك
لولاه لم تشرق الدنيا ولولاها
36
سعى إلى المجد نهاضا فأنهضها
لله والحق مسعاه ومسعاها!
في كل نفس له ذكرى مخلدة
وصورة من جلال في حناياها
37
شمائل السلف الأطهار شيمته
لما تجلت بفاروق عرفناها
38
سجية من فؤاد فيه قد رسخت
إذا دعت للعلا والمجد لباها
39
في ساحة الجيش حيته فوارسه
وفي المساجد حياه مصلاها
40
له أياد على الأيام سابغة
في كل جيد من الأيام نعماها
41 •••
يا أسرة الملك صاغ الشعر تهنئة
من حبة القلب معناها ومبناها
أهدى الوفاء جميلا حين أرسلها
وأرسل الود محضا حين أهداها
لا زال ملككم جما بشائره
ونال من بسمات الدهر أسناها!
42
وعاش للنيل رب النيل سيده
وللرعية والآمال مولاها
هوامش
الحرب
حينما شبت نار الحرب العالمية الأولى، وشاعت الأخبار بوصف ويلاتها وأرزائها، واقترب الألمان من باريس في أول الأمر ثارت شاعرية الشاعر، واشتدت آلامه لما يصيب الإنسانية في سبيل أطماعها، فأنشأ هذه القصيدة في سنة 1914م.
من سلب الأعين أن تهجعا؟
وبز ذات الطوق أن تسجعا؟
1
ومن رمى بالشوك في مضجعي
فبت مكلوم الحشا موجعا؟
2
روعني والليل في زيه
من مرجفات الخطب ما روعا!
3
طاحت بأهل الغرب نار الوغى
وهبت الريح بهم زعزعا
4
طاف عليهم بالردى طائف
فاخترم الأنفس لما سعى
5
وصاح فيهم للتوى صائح
فصمت الأسماع مذ أسمعا
6
في البر، في البحر، ومن فوقهم
لم يترك الموت لهم موضعا
يجمعهم جبارهم عنوة
وإنما للموت من جمعا!
7
يحسو دم القتلى، فأظمئ به
وينهش اللحم، فما أجشعا!
8
لم يكفه رمح ولا مرهف
فاتخذ المنطاد والمدفعا
وخب فيها راكبا رأسه
للشر ما خب وما أوضعا
9
قد غصت الأرض بأشلائهم
وأصبح البحر بها مترعا
10
وآن للعقبان أن تكتفي
وآن للحيتان أن تشبعا
11
صواعق المنطاد لا تتقى
وصولة الألغام لن تدفعا
أطلق عزرائيل من قده
يرتع أنى شاء أن يرتعا
12
تطربه الحرب بأزجالها
ويستبيه السيف إن قعقعا
13
كأنما في صدرهم غلة
أبت بغير الموت أن تنقعا
14
كأنهم سرب قطا عطش
صادفن من ورد الردى مشرعا
15
كأنهم والنار من حولهم
جن تألوا أن يبيدوا معا
16
صاروا من العثير في ظلمة
لا تبصر العين بها الإصبعا
17 •••
كم فارس يمرح في سرجه
يهتز كالغصن وقد أينعا
كأنه الصمصام إذ ينتضى
وعامل الرمح إذا أشرعا
18
ما ضن بالرفد على وافد
ولا لوى حقا ولا ضيعا
19
تمشي بنات الحي في إثره
يرشقنه بالزهر إذ ودعا
20
من كل بيضاء الطلى طفلة
أسطع من بدر الدجى مطلعا
21
تكف غرب الدمع أن يرتأى
وتحبس الزفرات أن تسمعا
22
لج به الموت فأودى به
وحز منه الليت والأخدعا
23
مات فلا قبر له ماثل
ولا بكى الباكي ولا شيعا •••
سل «ليج» ما حل بأرجائها
فقد غدت أرجاؤها بلقعا
24
واسأل «نمورا» ما دهى أهلها
فقد نعاها البرق فيما نعى
25
وسائل الروض ذوى نبته
وسائل الأطلال والأربعا
26 •••
باريس! والعسرى إلى يسرة
وغاية العارض أن يقشعا
27
أعزك الخطب بأوجاله؟
وكنت عش النسر أو أمنعا
28
كنت لطلاب الهدى معهدا
وكنت روضا للهوى ممرعا
29
ما أحسن السين وجيرانه
وأحسن المصطاف والمربعا
30
أريعت الحسناء في خدرها؟
نعم، دعاها الذعر أن تهلعا!
عهدي بها كانت نؤوم الضحى
ملولة ناعمة رعرعا
31
ما خطبها والنار من حولها
والموت لم يترك لها مفزعا؟
32 •••
ضراغم الماء ثبوا وثبة
آن لهذا الغيل أن يمنعا!
33
دعاكم الجار فكنتم إلى
دعائه من صوته أسرعا
34
وسرتم للموت في جحفل
ما ضم رعديدا ولا إمعا
35
من كل شعشاع خفيف الخطا
ذي مرة منجرد أروعا
36
لو مادت الأجبال من تحته
أو خرت الأفلاك ما زعزعا
37
سلوا بحار الأرض عن مجدكم
إن بها سرا لكم مودعا
كانت ولا زالت لكم ساحة
تبنون فيها الشرف الأفرعا
38
تهوى طيور الماء أعلامكم
فتقتفيها حوما وقعا
39
قد طاف «نلسن» حول أسطولكم
مستصرخا غضبان مستفزعا
40
يغضبه يا خير أشباله
أن يبلغ القرن بكم مطمعا
41 •••
يا خالق الناس طغى شرهم
فاهد الحيارى واكشف المهيعا!
42
لم يشبهوا الإنسان في خلة
وأشبهوا الحيات والأسبعا
43
قد رفع الإحسان من بينهم
وأوشك الإيمان أن يرفعا
لولا سنا هديك في بعضهم
لدكت الأرض بهم أجمعا
هوامش
يا أبا الأمة
تهنئة سعد زغلول باشا من خطر العدوان عليه، وقد ألقيت هذه القصيدة في حفل حاشد في 21 من يوليو سنة 1924م.
يا أبا الأمة يا من ذكره
ملأ الدنيا حديثا عطرا
هز مصرا نبأ فاضت له
عبرات القوم تجري مطرا
هرعوا نحوك كالبحر إذا
سجرت أمواجه أو زخرا
1
بين شك ويقين قاتل
ينشر الخوف ويطوي الحذرا
2
بوجوه مرة آملة
وهي حينا باسرات كدرا
3
ترتجي الرحمن في محنتها
ثم تخشى في المصاب القدرا
كلهم يسأل عن سعد ومن
عينه ماء الشئون انهمرا
4
إن سعدا غرس النبت وقد
شاء ربي أن يذوق الثمرا
كلما راموا بسعد ضررا
صانه الله وكف الضررا
إن سيفا في يمين الله قد
هزه بارئه لن يكسرا
5
عش لمصر وزرا يكلؤها
لم نجد غيرك فيها وزرا
6
أنت مصر، عش لمصر إنها
بك تحيا وتنال الوطرا
7
بطل أيقظ مصرا بعدما
كاد يردي أهلها طول الكرى
8
بعث الله به فانبعثت
رسل الآمال تترى زمرا
9
وطوى الله به عهدا مضى
تهلع النفس له إن ذكرا
قاد جيشا من قلوب حوله
خاضعات إن نهى أو أمرا
تركب الصعب إلى مرضاته
وتلاقي في هواه الخطرا
10
شل زند قد رمى زند العلا
وحمى الله الرئيس الأكبرا
محق الله أبا لؤلؤة
ووقى مصرا فأبقى عمرا
11
إن من يحرسه بارئه
لا يبالي بالردى إن خطرا
12
فهناء بنجاة كشفت
غمة القطر وطابت أثرا
13
عاش سعد والمليك المرتجى
موئل الأمة في أسمى الذرا
14
هوامش
ميلاد الأميرة فريال
أنشدت بدار الأوبرا في الحفلة التي أقامتها دار الإذاعة المصرية ابتهاجا بمولد الأميرة فريال، أولى بنات الملك السابق فاروق في أول أيام عيد الفطر سنة 1357ه/1937م.
بين صحو المنى وحلم الخيال
سبح الشعر في سماء الجمال
ومضى سانحا يهز جناحي
ه على شاطئ السنين الخوالي
1
لمح الدهر وهو يحبو من المه
د، عليه غدائر من ليالي
2
وأزاح التاريخ عن عينه الحج
ب، فمرت تخوض في الأجيال
ورأى الشمس طفلة ترسل الأض
واء فوق الكهوف والأدغال
صفحات من الزمان توالى
وهو يتلو سطورها بالتوالي
وتصاوير للحوادث تبدو
في شتيت الألوان والأشكال
3
وإذا رنة، كما تضحك الآ
مال، بعد النوى وطول المطال
4
وقف الشعر شاخصا حين مست
ه بسحر من الفنون حلال
5
نغمات لم يعهد الروض مثلا
لصداها بين الربا والظلال
ولحون لها مثال عجيب
أو إذا شئت قل بغير مثال
6
بين عود كم هز أعطاف رمسي
س، وحيا مواكب الأقيال
7
ودفوف عزفن لابنة فرعو
ن، فماست بين الهوى والدلال
ومزامير أطلقت من فم السح
ر، فمادت لها رواسي الجبال
8
ورنت كل سرحة تسرق السم
ع، وتعطو بغصنها الميال
9
وأهازيج رددتها الأزاهي
ر، وغنى بها نسيم الشمال
10
ذهل الشعر، فاستفاق، فألفى
موكبا حف بالسنا والجلال
11
ساطعات الشموس فيه مشاعي
ل، وأضواؤه بنات الهلال
12
زحم الأرض بالجياد، وغشى
صفحة الجو بالظبا والعوالي
13
وهفت راية على قمة النجم،
ورفت فوق السحاب الثقال
14
موكب يجمع الشعوب، وتمشي
تحت أعلامه العصور الأوالي
15
سار فيه الملوك من كل جيل
في احتفاء ضافي السنا واحتفال
ذاك مينا، وذاك عمرو فتى العر
ب، وهذا المعز جم النوال
16
وبدا بينهم محمد الأكبر،
محيي البلاد منشي الرجال
17
صادع الجهل، هادم الظلم في مص
ر، مبيد القيود والأغلال
18
خلفه زينة الخلائف إسما
عيل، ذخر المنى أبو الأشبال
19
وفؤاد مجدد الجيل والآ
مال، سر العلا والاستقلال
20
سأل الشعر أين يقصد هذا الر
ركب، بعد الطواف والتجوال؟
فأجابت من فوقه هاتفات
تملأ الجو، واضحات المقال
أسرعوا نحو عابدين مقام ال
ملك والنبل والنجار العالي
21
وقف الركب عند سدة فارو
ق، فكانت نهاية الترحال
22
ورأى الشعر محفلا لملوك الد
دهر ما مر مثله بخيال
جلسوا جاذلين، بين ابتهاج
ضاحك كالمنى وبين ابتهال
23
ثم نادى ذو أمرهم: «نحن في يو
م سعيد الغدو والآصال»
24 «يوم يمن لمصر، ليس له مث
ل، ولا جال للدهور ببال» «ولد المجد، فيه والشرف السا
مي، ونور الحجا ونبل الخلال»
25 «نجل السيد المملك فيه
فهناء بأكرم الأنجال»
26 «قد سعينا لسوحه فقضينا
حاجة في نفوسنا للمعالي»
27
بهر الشعر فانثنى يلثم الأر
ض، ويدعو بالعز والإقبال
وشدا مثلما شدت بنت أيك
بين ظل وكوثر سلسال
28
نعمت بالأليف، لا هو ناء
إن دعته يوما، ولا هو سالي
29
لم تر النسر في مخالبه الزر
ق، ولا روضت بصيد حبال
30
تحتها الزهر فاتن اللون رفا
ف جميم الندى دميث الرمال
31
صدحت للدجى، ولليل حسن
حين يطوي الوجود في سربال
32
صدحت للصباح يلمع في الشر
ق، طهورا كبسمة الأطفال
إن للطبع والبديهة سحرا
فوق طوق الجهود والإيغال
33 •••
غردي كيف شئت يا سرحة الوا
دي، وهزي فضل الغصون الطوال
34
واجمعي اليوم كل ذات جناح
إن يوم الفاروق في الدهر غالي
أرسلي البلبل الفريد ينادي
تستجبه الطيور في أرسال
35
إن يوم الميلاد يوم على الده
ر قليل الأنداد والأمثال
36
صفق النيل فيه زهوا وعجبا
وجرى في تخطر واختيال
37
ساحبا ذيله يمر على الزه
ر، فتمضي الزهور في الأذيال
38
لا يبالي، فقد تملكه ال
حب، وأوحى إليه ألا يبالي
وهو لولا عذوبة الحب ما فا
ض بعذب من النمير زلال
39
أنت مولاه، أنت علمته البذ
ل، وبذل العبيد فضل الموالي
غمرتنا نعماك في كل حال
فحمدنا نعماك في كل حال
40
أيها الراكبون في طلب الغي
ث سراعا والغيث ملء الرحال!
لا تريموا، مكانكم، لا تريموا
ساحة الملك مورد السؤال
41 •••
يا لها فرقدا أطل على الدن
يا، فأمست نجومها كالذبال
42
سطعت بالسعود، تستقبل الكو
ن فتحظى بأشرف استقبال
استهلت بالسلم واليمن والعي
د، فكانت براعة استهلال
43
أغمد السيف بعد طول جدال
وجدال السيوف شر جدال
أنا في السلم عبقري القوافي
ليس لي في الظبا ولا في النصال
أنا شعري كالطير يفزعه الفخ
ويرتاع من حفيف النبال
لا تعيش الفنون بين كفاح
راكب رأسه، وبين نضال
خفت إن أشعلت لظى الحرب أن
نشد بيتا جرى مع الأمثال
44 «لم أكن من جناتها (علم الله)
وإني بحرها اليوم صالي»
45
فمتى تهدأ القلوب إلى الحب،
وتهدى النفوس بعد ضلال؟ •••
أشرقي عابدين، فالملك زاه
صاعد الجد، والزمان موالي
46
أنت أطلعت في سمائك بدرا
علم ابن السماء معنى الكمال
دوحة المجد أنت، كم من أصول
راسيات، ومن فروع هدال
47
دوحة أرضها من الطيب والمس
ك، وأثمارها سموط اللآلي
48
كم أظلت مصرا وحاطت بنيها
من هجير الخطوب والأهوال
أنت يا عابدين خير بناء
مد أفياءه على خير آل
49
صفقت مصر حينما جاءت البش
رى، فأهلا بمولد الآمال
كم بسطنا الأكف نضرع للرح
من، والليل مسبل الأسدال
50
وسبقنا دق البشائر شوقا
وبعثنا السؤال إثر السؤال
ووددنا لو استقر التمني
واستراح الرجاء بعد كلال
51
وإذا أنعم الإله توالى
بعميم الإحسان والإفضال
52
وإذا الفجر صادق يملأ الشر
ق، فيمحو غياهب الأوجال
53
وإذا المهد فيه درة مجد
لكريم الجدود والأخوال
54
وإذا مصر أعينا وقلوبا
تقبس النور من سنا «فريال»
55
فهناء مليكة النيل، كم حق
ققت للنيل من أمان غوالي
وهناء مليك مصر المفدى
نلت - فاشكر الله - خير منال
عش، وعاشت أميرة الملك واسلم
للمعالي وصالح الأعمال
هوامش
ضن الشعر بالمديح (عام 1945م)
قد قرأنا الحياة سطرا فسطرا
وشهدنا صروفها ألوانا
1
ورأينا المقدام يسمو إلى العز
ز ولا يرتضي النجوم مكانا
2
ولمحنا بجانبيه أناسا
قتلوا ذلة وماتوا هوانا
إنما المنصب الكريم بمن في
ه، وليس القناة إلا سنانا
3
قد حبسنا المديح عن كل مستا
م، وأجدر بشعرنا أن يصانا
4
لا تزين العقود جيدا إذا لم
يك، بالحسن قبلها مزدانا
رب در لاقى من الصدر درا
وجمان في النحر لاقى جمانا!
5
لو مدحنا من لا يحق له المد
ح لوى الشعر رأسه فهجانا
الرسول الكريم أنطق حسا
نا، ولولاه لم يكن حسانا
6
وابن حمدان لقن المتنبي
غرر المدح في بني حمدانا
7
يصدق الشعر حينما يصدق النا
س فيشدو بمدحهم نشوانا
8
وإذا عزت المكارم ولى
مطرق الرأس واجما خزيانا
ومضى يشتكي الزمان ويبكي
دارسات الطلول والأظعانا
9
فإذا شئت أن أكون زهيرا
فأعني وهات لي ابن سنانا
10
هوامش
نشيد التاج
أنشدته فرقة معهد الموسيقى العربية بقصر عابدين بمناسبة تولية الملك فاروق آخر ملوك مصر سلطته الدستورية سنة 1937م.
بسمت لمقدمك الأماني
وشدت لطلعتك الأغاني
ونزلت أحناء القلو
ب، فكنت في أوفى مكان
1
كم نعمة أسديتها
ما للزمان بها يدان!
2
اليوم تلبس تاج مص
ر مملكا ملء الزمان
تاج أضاء كأنه
من صنع أيديك الحسان
مجد أناف على السما
ء فمن يقارب أو يداني؟
3
فاروق يا نجم الهدى دم للعلا
أدركت غايات المنى متمهلا
الشعب يلمح نوركم متفائلا
مجد أثيل، دهر منيل، ملك نبيل
زين الحمى سبط البنان
4
لله تاجك إنما
لمحاته بشر الأماني!
قد صيغ من حب القلو
ب، فجل عن حب الجمان
5
بهر العيون الخاشعا
ت جلالة وعلو شان
وزها وعز بجبهة
هي أول والبدر ثاني
شذراته صفو الولا
ء، ودره صدق التهاني
6
كم رحمة ضمت لأ
لئه لمصر وكم حنان!
اليوم عيد باسم عيد الأمل
تزهى به مصر على كل الدول
من كالمليك بنبله ضرب المثل؟
نفحاته، وصفاته، وهباته
قد أعجزت وحي البيان
حصنته بفواتح ال
قرآن والسبع المثاني
7
نالت به مصر المنى
وتفيأت ظل الأمان
ملك مشى الدهر الجمو
ح إليه مرخي العنان
أعلى أبوك بناء مص
ر وكان جدك خير باني
الخير أسبق للبقا
ء من السوابق في الرهان
والبر في آن يفا
د، وذكره في كل آن
فاهنأ بملكك إنه بك يحتمي
واسعد فكل مجادة لك تنتمي
واسلم لمصر عمادها في المعظم
عاش الملك، عاش الملك، عاش الملك
بالقلب يحمد واللسان
هوامش
تقريظ
بعث الشاعر بهذه القصيدة لأحد أصدقائه الأدباء بمناسبة كتابته لقصة مصرية عام 1905م.
كفاك، حسبك هذا، أغمد القلما
أصبحت في الكتابين المفرد العلما
1
ملأت للشرب كاسات مشعشعة
ماذا عليك إذا سميتها كلما؟
2
أهديتها من عصير الفكر صافية
فما أثمت، ولا شرابها أثما
3
تفل من موطن الأسرار سورته
وتوقظ الدين والآداب والكرما
4
نراك فينا غلاما في غضارته
وفي كتابك شيخا ينثر الحكما
5
بدا الخيال به في زي ذي شبح
فكاد يلمسه قراؤه وهما
6
مالت له أذني من بعد جفوتها
وكم حديث تمنت عنده الصمما!
أبدعت فيه، فآلى كل ذي قلم
من المجيدين ألا يحمل القلما
7
وسقت فيه حكيم الرأي منتحلا
وصغت فيه كريم اللفظ ملتئما
8
ورعت كل فتاة في قلادتها
بدر لفظك منثورا ومنتظما
9
كأنما لفظه ألحان ساجعة
بدائع الكون فيها صورت نغما
10
أو روض حزن أعار المسك نفحته
إذا بكى الغيث في أنحائه ابتسما
11
أقسمت أنك في الكتاب سيدهم
لا يرهب الحنث من لم يخطئ القسما!
12
هوامش
تحية الشعر للأميرة
أرادت مدرسة الأميرة فوزية الثانوية للبنات سنة 1933م أن تتوج أول جزء من أجزاء مجلتها، فصدرته بهذه القصيدة.
حي الخلال الطاهرات
واصدح بخير الآنسات
حي الأميرة في جلا
ل الملك، باهرة الصفات (فوزية) بنت الملو
ك الصيد والغر السراة
1
الواهبين لمصر فيما
أجزلوا نور الحياة
2
والناشرين لواءها
يختال بين الخافقات
3
والنازعين تراثها
من بين أطواء الرفات
4
قامت بهم مصر تتي
ه على البلاد الأخريات
في حاضر كالروض زا
ه بالقطوف الدانيات
5
وجلائل قد زينت
جيد العصور الخاليات
6
يا درة التاج الرفي
ع وقبلة المتعلمات
هذي مجلتنا إليك،
وكل فضل منك آت
جهد الفتاة، فشجعي
بقبولها جهد الفتاة (فاروق) زين الناشئي
ن وأنت زين الناشئات
7
والشمس إحدى النيرا
ت وأنت أسمى النيرات
8
الله جمع فيك شمل الن
نبل من بعد الشتات
خلق كما خطر النسيم
فهز أعطاف النبات
9
أنقى من الدر الفر
يد يزين صدر الحاليات
وشمائل علوية
أصفى من الماء الفرات
10
الطالبات - كما تر
ين - وأنت ذخر الطالبات
يبعثن آيات الولا
ء إلى الأميرة مخلصات
11
ويطفن بالبيت الكر
يم مكبرات داعيات
بيت بناه محمد
فوق النجوم السابحات
12
لبناته المجد العر
يق وصخره خلق الثبات
13
فيه فؤاد باعث ال
آمال فياض الصلات
14
الدهر يروي فضله
والدهر راوية الرواة
والملك مؤتلق السنا
فيه العشية كالغداة
15
عاش المليك وعشتم
رمز العلا والمكرمات
هوامش
إلى جريدة
عام 1906م
محوت الليل ناصعة الجبين
فكنت بشائر الصبح المبين
1
وأرسلت الصحائف منك نورا
ففر الشك من وضح اليقين
وكان الحق مذءوما سجينا
فحطمت القيود عن السجين
2
وكنت صحيفة الأبرار حقا
تلقتك الكنانة باليمين
3
سواد مدادك اللماح سحر
تمنت مثله سود العيون
4
أثيري الترب عن حق مضاع
فقد طال المقام على الدفين!
ومدي الصوت صخابا جريئا
فمعنى الموت من معنى السكون!
5
وذودي عن حمى الوطن المفدى
وردي حرمة الحق المصون
وصولي صولة الرئبال يعدو
على من حام من حول العرين
6
فنحن الآن نحيا في زمان
تنكر للضعيف المستكين!
هوامش
نشيد المعلمين
نشأ الجارم معلما وأستاذا، فلا أقل وهو الشاعر المبدع أن يشيد - من خلال شعره ومن موقع الوفاء - بهذه المهنة الشريفة وبأربابها الشرفاء من معلمي مصر. فكان هذا النشيد «نشيد المعلمين» عام 1938م.
ملكت مصر زمام العالمين - بالعلوم - في حديث للمعالي وقديم
1
ذكرها حلق بين الأولين - للنجوم - ووعاه الدهر والدهر فطيم
2
كوكب في الظلمات - روضة وسط فلاة - رمز عزم وحياة
3
مصر أنت - مذ نشأت - صفحة المجد سجل الخالدين •••
نحن حراس على الكنز المصون -العقول - كنز مصر ومنى المستقبل
نحن للأخلاق في مصر حصون - لا تزول - عزة الشعب بعز المعقل
4
كم غرسنا من نبات - عبقري النفحات - مورق داني الجناة
5
كم جهدنا - كم سهدنا - نهدم الجهل ونبني الناشئين •••
تلك في الأرض حياة الأنبياء -والهداة - شرف أعظم به من شرف
نحن للأرواح إن عز الدواء - الأساة - كم وقينا مهجة من تلف
6
وألنا من قناة - في اعتزام وأناة - بالخلال الطيبات
7
كم بلغنا - ما أردنا - من صلاح النفس في رفق ولين •••
نرقب الله ونرجوه الثواب - في العمل - وعلا مصر المنال الأوحد
ما لنا إلا نهوض بالشباب - من أمل - قوة الأوطان عقل ويد
حسبنا من حسنات - أننا في النهضات - أهل جد وثبات
الكفاح - والفلاح - شيمة الحر ودأب العاملين
8 •••
كم صنعنا من عقول ورجال - للوطن - عرفوا بالنبل فيمن عرفا
ليس فيهم من دعا الحق فمال - أو وهن - هو مصري صميم وكفى
9
هو من نسل الكماة - الأماجيد السراة - من أتوا بالمعجزات
10
من يباهي؟ - من يضاهي؟ - ما لمصر في مدى المجد قرين
11 •••
منشئ الأجيال أستاذ الشعوب - والأمم - قلما يبلغ في الدنيا مناه
شعلة تعلو وتخبو وتذوب - في الضرم - لتقود النشئ في ليل الحياة
12
يا لها من صفحات - طاهرات ناصعات - ملئت بالصالحات
كل خطب - كل صعب - هين إن صح عزم الصابرين •••
عاش فاروق أمانا ورجاء - عاش عاش - رافع العلم ومحيي الأمل
بلغت مصر به أوج السماء - عاش عاش - وغدت سيدة في الدول
عاش رب المكرمات - والأيادي السابغات - يفتدى بالمهجات
المليك - المليك - حبه ملء قلوب المخلصين
هوامش
الإسكندرية
أنشد الشاعر هذه القصيدة في حفل افتتاح المؤتمر الطبي العربي الذي عقد بحديقة النزهة بالإسكندرية عام 1943م أثناء الحرب العالمية الثانية.
بدت أعلامها فهفا وهاما
سلاما درة الوادي سلاما
1
بعثنا بالتحية خفق قلب
يطير إليك شوقا واضطراما
2
تحيات إذا رفت أثارت
أريج المسك أو ريح الخزامى
3
نظمنا لؤلؤ الفردوس فيها
وسميناه تضليلا كلاما •••
عروس الشرق دونك كل مهر
وأين لمثل مهرك أن يساما؟
4
فجوهر ثغرك الفتان فرد
تأبى أن يرى فيه انقساما
5
بهرت بني الزمان حلى وحسنا
ودلهت الأواخر والقدامى
6 «فمكسك» مشرق البسمات ضاح «ورملك» جنة طابت مقاما
7
ترامى الموج فوق ثراه صبا
وكم صب تمنى لو ترامى!
8 «ونزهتك» البديعة ما أحيلى
وما أبهى اتساقا وانسجاما
9
إذا انتثرت أزاهرها نثارا
جمعن الحسن فانتظم انتظاما
10 •••
جرى التاريخ بين يديك طفلا
وشمس الأفق لم تعد الفطاما
11
وصال البحر حولك منذ «مينا»
عظيما يدفع الكرب العظاما
12
يحوط حماك أبيض أحوذيا
كما جردت من غمد حساما
13
فكم غاز به أمسى رميما
وكم فلك به أمست حطاما
14
يمد يديه نحوك في حنان
ويغمرك اعتناقا واستلاما
15
ويشدو في مسامعك الأغاني
بلحن علم السجع الحماما
16
بعثت النور من زمن تولى
وكنت لنهضة العلم الدعاما
وفي فجر الزمان طلعت فجرا
على الدنيا ، فأيقظت النياما •••
دهتك نوازل لو زرن «رضوى»
لما أبقين «رضوى» أو «شماما»
17
فكم بعثوا على ظمأ غماما
لئيم البرق قد حجب الغماما!
18
أبابيلا نشأن ملعنات
تسوق أمامها الموت الزؤاما
19
وأسراب الجحيم محلقات
إذا ما حومت قذفت ضراما
20
فلا أما تركن ولا رضيعا
ولا شيخا رحمن ولا غلاما
وخلفك رابضا جيش لهام
يصول مناجزا جيشا لهاما
21
إلى «العلمين» أبدى ناجذيه
وزمجر غاضبا وسطا وحاما
22
وهول ما يهول واستطارت
بروق تنشر النبأ الجساما
23
فما أطلقت صيحة مستجير
ولا شردت عن عين مناما
24
تحديت الخطوب تزيد هولا
فتزدادين صبرا واعتزاما
25
إذا عصفت بجوك عابسات
ملأت الجو هزءا وابتساما
26 «عمودك» في سمائك مشمخر
عليه السحب ترتطم ارتطاما
27 «وحصنك» لا يلين له حديد
ولو شهب الدجى كانت سهاما
28
وصخرك لا يزال اليوم صخرا
يفل عزائما ويشق هاما
29
أتوك مناجزين أسود غاب
وشالوا بعد نكبتهم نعاما
30
ومن يكن الإله له نصيرا
فحاشا أن يضيع أو يضاما!
31 •••
أحقا أن ليلك صار ليلا
ومغنى اللهو قد أمسى ظلاما؟
32
وأن حداد ليلك طرزته
دموع للثواكل واليتامى؟
33
وأن ملاعبا ضحكت زمانا
غدت بيد البلى طللا ركاما؟
34
وأن الغيد فيك وكن زهرا
تخيرن الخدور لها كماما؟
35
وأن البحر لم ينعم بوجه
صباحي، ولم يهصر قواما؟
36
ولم تمش السواحر فيه صبحا
ولم تملأ شواطئه غراما؟
37
حنانا إنها شيم الليالي
إذا كشفن عن غدر لثاما
38
ولولا صولة الأحداث فينا
لما عرف الورى حمدا وذاما
39
وقد يخفي الهلال محاق ليل
ليظهر بعده بدرا تماما
40 •••
أبنت البحر، والذكرى شجون
إذا لمست فؤادا مستهاما
41
ذكرت صباي فيك، وأين مني
صباي؟ إلام أنشده إلاما؟
فعذرا إن وصلتك بعد هجر
وما هجر الذي حفظ الذماما
42
فهل تدري النوى أنا التقينا
كما ضم الهوى قبلا تؤاما؟
43
وأنا بين عتب واشتياق
نناغي الحب رشفا والتزاما؟
44 •••
سعى لك من حماة الطب حشد
فكنت كريمة لاقت كراما
45
إذا اختلفوا لوجه الحق يوما
مشوا للحق فالتأموا التئاما
ملائكة إذا لمسوا عليلا
أزاحوا الداء واستلوا السقاما
46
وجند في شجاعتهم حياة
إذا جلب الجنود بها الحماما
47
فكم أودى بهم داء عقام
إذا ما حاربوا داء عقاما!
48
أماما يا رجال الطب سيروا
فإن لكل مرحلة أماما
أقمتم مهرجان الطب يحيي
معالم درسه عاما فعاما
وطفتم حول شيخ عبقري
فألقيتم بكفيه الزماما
49
دعوناه أبا حسن «عليا»
فقلتم: نحن ندعوه الإماما
50 •••
وفود العرب غناكم قريضي
وحن إلى معاهدكم وهاما
رمى الشرق الغمامة بعد لأي
وألقى تحت رجليه الخطاما
51
عقدنا للعروبة فيه عهدا
فلا وهنا نخاف ولا انفصاما
52
تلم شتاتنا أنى نزلنا
حجازا أو عراقا أو شآما
53
ونمشي إن دعت صفا فصفا
نصافح تحت رايتها الوئاما
54
هوامش
الجزء الثاني
تقديم
بقلم علي الجارم
هذا هو الجزء الثاني من شعري، أضعه بين يدي كل أديب، وأنشر صفحاته أمام كل شاعر، وأرسل صيحاته في سماء مصر وأرجاء العروبة.
شعر كانت أوزانه من نبضات قلبي، وبحوره من قطرات دمعي، هتفت به فكان صدى لروحي وخفقة لنفسي، ثم أهديته إلى مصر وأبناء مصر، وأشدت فيه بالشرق وأبناء الشرق، وشدوت بالبطولة والأبطال، وحفزت به شباب العرب إلى الاعتزاز بقومهم والتغني بالشرف التالد والمجد القديم.
شعر نصر الفصحى فنصرته، وصان لها ديباجتها فصانته، وخط للناشئين مثالا فيه نبل القديم وجدة الحديث. وأبان أن العربية تستطيع أن تقول في كل شيء دون أن يمسها من آفات العجمة شيء.
والشعر لا يقاس بالكثرة، ولا يوزن بالقنطار، وإنما هو فن من أدق الفنون حسا، وأبعدها عن طالبيه منالا. فليس كل ما صحت تفاعيله شعرا، وليس كل ما حواه إطار فنا.
إنما الشعر على كثرته
لا ترى فيه سوى إحدى اثنتين
نفحة قدسية أو هذر
ليس في الشعر كلام بين بين!
محمد رسول الله
ألقى الشاعر هذه القصيدة احتفاء بالمولد النبوي الشريف سنة 1362ه/1943م.
تحية ناء من شذى المسك أطيب
ومن قطرات المزن أصفى وأعذب
1
وتبريح أشواق إذا ما تنفست
يكاد لها فحم الدجى يتلهب
2
وقلب يضيق الصدر عن نبضاته
فيخفق غيظا بالجناح ويضرب
تلفت في الأضلاع حيران يائسا
وأن كما أن السجين المعذب
تعاوده الذكرى فتنكأ جرحه
ويا رب جرح حار فيه المطبب!
3
ويخدعه طيف الخيال إذا سرى
فيبعث آمال الشجي ويذهب
ومن أبصر الأيام خلف قناعها
رأى الدهر يلهو، والأماني تكذب
عجائب أحداث تليها عجائب
وصبري على تلك العجائب أعجب
ولولا حياة الوهم أودى بأهله
زمان بأشواك الحقائق مخصب
4
تبسم إذا ما الدهر قطب وجهه
وصفق له في دوره حين يلعب
5
يموت الفتى من قبل أن يعرف الفتى
من الأمر ما يأتي وما يتجنب
وسيان ما يدريه والشعر فاحم
أثيت، وما يدريه والشعر أشيب
6
وقالوا: حياة المرء درس فقهقهت
صروف الليالي والقضاء المغيب
7
إذا ما جهلت النفس وهي قريبة
فأي المعاني بعد نفسك أقرب •••
حنانا لقلبي كيف طاحت به المنى
وعز على الأيام ما يتطلب؟
8
يغازله في مطرح النسر مأرب
ويختله في مسبح الحوت مأرب
9
يكاد إذا مر الحجاز بذكره
وجيرته من صدره يتوثب
بلاد بها الرحمن ألقى ضياءه
على لابتيها والعوالم غيهب
10
تكاد إذا مرت بها الشمس غدوة
حياء بأهداب السحاب تنقب
11
يجللها قدس من الله سابغ
وينفحها نشر من الخلد طيب
12
إذا نسب الناس البلاد رأيتها
إلى جنة الفردوس تعزى وتنسب
13
وإن نضبت أنهارها فبحسبها
من الدين نهر للهدى ليس ينضب
14
إذا ما جرى في الأرض فالجدب مخصب
وإن هو جافى الأرض فالخصب مجدب
يفيض على الأقطار يمنا ورحمة
ويزأر في أذن العتاة ويصخب
تفجر من نبع النبوة ماؤه
له الحق ورد والسماحة مشرب
ووحد بين الناس، لا البعد مبعد
عن الساحة الكبرى، ولا القرب مقرب
فليس لدى الإسلام شرق ومشرق
وليس لدى الإسلام غرب ومغرب
هم الناس إخوان سواء على الهدى
بطيء المساعي والشريف المهيب
15
فما حط من قدر الفزاري فاقة
ولا زاد في قدر ابن أيهم منصب
16
يجمعهم قلب على الحق واحد
وإن فرقت أوطانهم وتشعبوا
17
إذا صاح في «جيحون» يوما مؤذن
أجاب على «التاميز» داع مثوب
18
وإن ذرفت من جفن دجلة دمعة
رأيت دموع النيل حيرى تصبب
19
وإن مس جرح من فلسطين إصبعا
شكا حاجر منه وأن المحصب
20 •••
بنفسي وليدا في أباطح مكة
تتيه به الدنيا ويشرف يعرب
21
أطل عليها مثلما تبسم المنى
ويسطع في الليل الخداري كوكب
22
وكان لها رمز الحياة فأشرقت
كما هز أفنان الخمائل صيب
23
وكم مدت الأعناق ترقب لمحة
فطال عليها صبرها والترقب
توالت بها الأيام، تذهب أحقب
وتأتي على اليأس المبرح أحقب
24
إلى أن بدا نور الإله فأقلبت
عوالمها تشدو بطه وتطرب
وليد له عليا معد ذؤابة
جلالة أنساب، ومجد مؤشب
25
حوته كما اعتاد الأعاريب جفنة
وقد ضاق عن آماله القيح سبسب
26
يحييه من طيف الملائك موكب
ويرعاه من طيف النبيين موكب
فهل علم الرومان أن مهاده
قراب به ماضي الغرار مشطب
27
وأن به نفسا يحطم دونها
منيع الصياصي، والحديد المذرب؟
28
وأن به من صولة الله جحفلا
يثل عروش القاسطين ويسلب؟
29
له الكون ميدان إذا سل سيفه
وقال لفرسان الملائكة: اركبوا
30
يطير عداه منه ذعرا وخشية
وإن ملأوا الأرض الفضاء وأجلبوا
ومن لم يؤدبه البيان وهديه
فإن الحسام العضب نعم المؤدب
31
فقد أنزل الله الحديد وبأسه
لمن سد أذنيه الهوى والتعصب
وفي صدعة الإيوان إنذار أمة
بأن من الأشياء ما ليس يشعب
32 •••
محمد أنقذت الخلائق بعدما
تنكبت الدنيا بهم وتنكبوا
وأطلقت عقلا كان بالأمس مصفدا
فدان له سر الوجود المحجب
33
وأرسلتها من صيحة نبوية
يمور لها قلب الحيال ويرعب
34
إذا كان صوت الله في صيحة الفتى
فأي عباد الله يخشى ويرهب؟
وبلغت آيات، روائع لفظها
من الصبح أهدى أو من النجم أثقب
35
كأن، وما تغني كأن؟ فخلها
فإن من التشبيه ما يتصعب
وماذا يقول الشعر في آي رحمة
لها الله يملي والملائك تكتب؟
خطبت لنا يوم الوداع مشرعا
وهل لك ند في الورى حين تخطب؟
فكشفت أسرار السياسة موجزا
وجئت بما يعيا به اليوم مسهب
36
وأمليت دستورا شقينا بتركه
فثرنا على الأيام نشكو ونعتب •••
إليك رسول الله طار بنا الهوى
وحلو الأماني والرجاء المحبب
أفضها علينا نفحة هاشمية
تلم شتات المسلمين وترأب
37
وترجع فيهم مثل سعد وخالد
وترفع من راياتهم حين تنصب
38
سنصحو فقد مل الطريح وساده
وفي نورك القدسي نسعى وندأب
39
عليك سلام الله ما حن واجد
وفاخرت الدنيا بقبرك يثرب
40
هوامش
فلسطين
نظم الشاعر هذه القصيدة عندما توالت انتصارات الجيش المصري في فلسطين عام 1948م، إلى أن وصل إلى مشارف «تل أبيب»، فتدخلت أمريكا وفرضت الهدنة على الجانبين من أجل صالح إسرائيل؛ لتجنبها عار هزيمة محققة:
تألق النصر فاهتزت عوالينا
واستقبلت موكب البشرى قوافينا
1
غنى لنا السيف في الأعناق أغنية
عزت على الأيك إيقاعا وتلحينا
2
هزته كف من الفولاذ قبضتها
في الهول ما عرفت رفقا ولا لينا
من صخر «خوفو» لها دون الورى عضل
جرى به دم عدنان شرايينا
3
نفسي فدى الفارس المصري إن خطرت
به المواكب أو خاض الميادينا
تلقاه في السلم ماء رف سلسله
وفي الحروب إذا ما ثار أتونا
4
يرى الدماء عقيقا سال جامده
ويحسب النقع فيها مسك دارينا
5
ما بين «عمرو» و«مينا» زانه نسب
فمن كآباته عربا فراعينا
6
سل مصر عنهم سل التاريخ إن به
سرا من المجد لا ينفك مكنونا
7
سيوفهم كن للطغيان ماحقة
وعدلهم كان للدنيا موازينا
8
وجيشهم هزت الدنيا كتائبه
وحكمهم ملأ الآفاق تمدينا
إنا بني الأسد أمضى مخلبا ويدا
لدى الصراع وأحمى الناس عرنينا
9
إذا دعا الحق لبته جحافلنا
وإن سطا الجور ردته مواضينا
عشنا أعزاء ملء الأرض ما لمست
جباهنا تربها إلا مصلينا
لا ينزل النصر إلا فوق رايتنا
ولا تمس الظبا إلا نواصينا
10 •••
أليس من أحجيات الدهر قبرة
رعناء تزحم في الوكر الشواهينا
11
وتائه ما له دار ولا وطن
يسطو على دارنا قسرا ويقصينا
12
فيا جبال اقذفي الأحجار من حمم
ويا سماء أمطري مهلا وغسلينا
13
ويا كواكب آن الرجم فانطلقي
ما أنت، إن أنت لم ترم الشياطينا؟
14
ويا بحار اجعلي الماء الأجاج دما
إذا علت راية يوما لصهيونا
15
العهد عندهم خلف ومجحدة
فما رأيناهم إلا مرائينا
16
ما ذلك السم في الآبار؟ ويلكم!
ومن نحارب؟ جندا أم ثعابينا
17
مرحى بدولتهم! ماتت لمولدها
فكان ميلادها حزنا وتأبينا
جاءوا مهنين أرسالا على عجل
فحينما نطقوا كانوا معزينا
وآض تصفيقهم نوحا ومندبة
وأصبح البشر تقطيبا وتغصينا
18
رواية ما أقاموا سبك حبكتها
ولا أجادوا لها لفظا وتلقينا
19
قد حيرتنا، أمأساة؟ أمهزلة؟
فالسخف يضحكنا والجهل يبكينا
أهلا بها دولة ضاق الفضاء بها
فتحا وغزوا وإعزازا وتمكينا
لها قوانين من عدل ومرحمة
قد نفذوا بعضها في «دير ياسينا»
20
أسطولها يملأ البحر المحيط دما
وجيشها يملأ الآطام تحصينا
21 •••
نفسي فداء فلسطين وما لقيت
وهل يناجي الهوى إلا فلسطينا؟
نفسي فداء لأولى القبلتين غدت
نهبا يزاحم فيه الذئب تنينا
22
قلب العروبة إن تطعنه زعنفة
كنا لها ولأشقاها طواعينا
23
وقلعة الشرق إن مست جوانبها
خضنا لها جثث القتلى مجانينا
وأسطر من تواريخ مخلدة
كانت لمجد بني الفصحى عناوينا
فقبلوا ترب «حطين» فإن به
دم البطولة من أيام «حطينا»
24
أرض بذلنا بها الأرواح غالية
داعين لله فيها أو ملبينا
ومسجد نزل المختار ساحته
نموت فيه ونحيا مستميتينا
25
أنرتضي أن نرى ميراثنا بددا
ونكتفي بدموع في مآقينا؟!
ما قيمة النفس إن هانت لطائفة
الله صور فيها الذل والهونا؟
26
وما نقول لأبطال لنا سلفوا
إذا تهدم ما كانوا يشيدونا؟
وما نقول لعمرو حين يسألنا
إن لم نجب قبله بالسيف غازينا؟
27
أتلك أندلس أخرى؟ فقد نبشت
من حقد ساداتهم ما كان مدفونا
28
سحقا لسكين «فرديناند» كم ذبحت
واليوم تشحذ أمريكا السكاكينا!!
29
قد شردوا العرب واستاقوا حرائرهم
فأين فتياننا؟ أين المحامونا؟
30
من كل عاد له في الشر فلسفة
أسرارها عند موشى وابن غريونا
31
لا يعرف الرزء في أهل ولا ولد
ولا يرى غير جمع المال قانونا
32
الألف تصبح في كفيه بين ربا
وبين ما لست أدريه ملايينا
إن كان يحميهم المال الذي جمعوا
فإن خالق هذا المال يحمينا
قالوا: أسود. فقلنا: في الجحور نعم
فإن خرجتم يعد كوهين كوهينا •••
بني العروبة هذا اليوم يومكم
سيروا إلى الموت إن الموت يحيينا
وخلفوا للعلا والمجد خالدة
تبقى حديث الليالي في ذرارينا
33
لقد صدئنا ودون الغمد منفسح
فجردوا حد ماضينا لآتينا
وقربوهم قرابينا محورة
للسيف إن يرض هاتيك القرابينا
34
ماذا إذا ما فقدنا إرث أمتنا
وما الذي بعده يبقى بأيدينا
ذودوا كما يدفع الضرغام في غضب
عن العرين أباة شمريينا
35
لا ترهبوا القوم في مال وفي عدد
إن الفقاقيع تطفو ثم يمضينا •••
إن لم تصونوا فلسطينا وجبهتها
ضاعت عروبتنا وانفض نادينا
فإن للشرق أعداء ذوي إحن
الله يكفيه نجواهم ويكفينا!
36
لهم سهام خفيات مسممة
من السياسة ترميه وترمينا
كم نمقوا صورا شتى وكم خلقوا
للغدر والفتك أشكالا أفانينا •••
يا جيش مصر ولا آلوك تهنئة
حققت ظن الليالي والمنى فينا
37
وصلت آخر عليانا بأولها
فما أواخرنا إلا أوالينا
أعدتها وثبة بدرية صرعت
دهاة جيش يهوذا والدهاقينا
38
شجاعة مزقت أحلام ساستهم
وعلمت مترفيهم كيف يصحونا
تسير من ظفر حلو إلى ظفر
مبارك الفتح والرايات ميمونا
فيك الملائك أجناد مسومة
أعلامها تتهادى حول جبرينا
39
وفيك من مهجات النيل ناشئة
فيها مطامحنا، فيها أمانينا
يمشون للموت في شوق وفي جذل؛
لأنهم في ظلال الله يمشونا
إن شك في عزمة المصري مختبل
فبين فتياننا يلقى البراهينا
لا يستطيع خيال وصف جرأتهم
ويعجز الشعر تصويرا وتلوينا
هم رياحين مصر نضرة وشذا
لا أذبل الله هاتيك الرياحينا
صان الإله لجيش الشرق عزته
وصان أبطاله الغر الميامينا
40
هوامش
رثاء شوقي
احتفلت الحكومة المصرية بتأبين المرحوم أحمد شوقي بك، فاجتمع لذلك بدار الأوبرا حفل حاشد في سنة 1932م، حضره شعراء بعض الدول العربية، وقد ألقيت هذه القصيدة في هذا الحفل.
هل نعيتم للبحتري بيانه!
أو بكيتم لمعبد ألحانه!
1
أو رأيتم روض القريض هشيما
بعدما قصف الردى ريحانه!
فزعت طيره، فحومن يبكي
ن ذبول الخميلة الفينانه
كن في ظلها يغنين للشر
ق وينهضن للعلا شبانه
كن في ظلها يحيين مجدا
صاعدا، ضلت النجوم مكانه
كن في ظلها يناغين آما
لا ويبعثن همة وهنانه
أيها الطير ضن ماء القوافي
فبذلنا دموعنا الهتانه
2
مات يا طير صادح تسجد الطي
ر إذا رجع الصدى تحنانه
نبرات تخالها صوت داو
د بلفظ تخاله تبيانه
3
علمت الابتسام زنبقة الوا
دي وأوحت لغصنه ميلانه
4
مات شوقي، وكان أنفذ سهم
صائب الرمي من سهام الكنانه
5
ابك للشمس في السماء أخاها
وابك للدهر قلبه ولسانه
وابكه للنجوم، كم سامرته
مالئات بوحيها آذانه
6
وابك للروض واصفا يخجل الرو
ض إذا هز باليراع بنانه
7
وابكه للخيال صفوا نقيا
إنه كان في الورى ترجمانه •••
ملأ الشرق موت من ملأ الشر
ق حياة وقوة وزكانه
8
كم يتيم من المعاني غريب
مسحت كفه عليه فصانه
9
وشموس رنا إليه، فألقى
رأسه خاضعا وأعطى عنانه
10
ونفور أزرى بصياده الطب
ب وأعيا قسيه وسنانه
11
نظرة تلتقي به ينهب الوا
دي، وأخرى تراه يطوي رعانه
12
تسبق السهم عينه، فتراه
يتلوى تلوي الخيزرانه
13
ثم يخفى، فلا تراه عيون
ثم يبدو، فلا تشك عيانه
أجهد الفارس الملح، وأفنى
نبله حوله، وأضنى حصانه
وهو يعدو: لا الرأس مال من الأي
ن، ولا قلبه شكا خفقانه
14
مد شوقي إليه نظرة سحر
عوقت دون شوطه جريانه
فأتى مشية المقيد يسعى
بين هول وذلة واستكانه
15 •••
غزل كالشباب ينضح آما
لا ويهتز في حلى فتانه
تسمع الحب في نواحيه همسا
يتناجى، ويشتكي أشجانه
وتحس الهوى يرف حنانا
شرك الحب أن تحس حنانه!
16
وإذا جال واصفا راعك الحس
ن، وأكبرت فنه، وافتنانه
صور زيتها بيان سري
مزج الله وحده ألوانه
17
لو (رفائيل) راءها، غاله البه
ر، وألقى ألواحه ودهانه
18
عالم بالنفوس ما غاص ميل
في خفايا النفوس حتى أبانه
أودع الدهر مسمعيه عن الكو
ن حديثا فلم يطق كتمانه
19
ذاك سر الإله يختص من شا
ء بآثار فضله سبحانه!
ورثاء لو كان يسمعه المي
ت لأحيا بسحره جثمانه
عرف الموت والحياة جميعا
ورأى بعد حيرة برهانه
والروايات، أدهشت كل لب
ثم أربت، فأدهشت شيطانه
20
يغمض العين في اضطراب إذا حس
س طروق الإلهام أو غشيانه
21
ثم يملي كأنه من كتاب
قارئ في سهولة ومرانه
22
جوهري ود الكواعب لو يشري
ن يوما بحسنهن جمانه
23
زان مصرا بلؤلئ يبهر العي
ن، وأولى تاريخها عقبانه
24 •••
كان صبا بمصر كم هام شوقا
برباها وبثها أحزانه
دفن اللهو والصبا في ثراها
وطوى من شبابه عنفوانه
هي بستانه، فغرد فيه
وحبا كل قلبه بستانه
يحرس الفن في ظلال نواحيه
ويرمي عن دوحه غربانه
يعشق النيل، والخمائل ته
تز بشطيه خضرة ولدانه
25
يعشق النيل، والجزيرة تغري
ه، وقد لف حولها أردانه
26
يعشق الجسر، والسفائن تهفو
حوله كالحمائم الظمآنه
27
ويحب السواد من عين شمس
مالئا من روائه أجفانه
28
كل شيء بمصر يبهر عيني
ه جمالا، ويستثير جنانه
29
كلما هزه إلى الشعر شوق
جذب الحب نحوها وجدانه
فشدا باسمها كما تصدح الطي
ر، وقد شمر الدجى طيلسانه
30
وجلا مجدها القديم جديدا
بعدما هدم البلى أركانه
31
في خشوع يشيد باسم (فؤاد)
مثلما ردد المصلي أذانه
32
ملك مد للفنون يمينا
علمت كل محسن إحسانه
نظرة منه زادت الشعر زهوا
وأعادت لعهده ريعانه
33
نحن في ظل تاجه في زمان
ود (هارون) أن يكون زمانه
34 •••
أول السابقين شوقي، إذا جا
ل ذوو السبق يبتغون رهانه
شعره حكمة، وصدق خيال
وجمال، وروعة، ورصانه
ومعان شوقية، في سياق
بحتري، ورقة في متانه
يا مجير الفصحى وقد عقها
الدهر وأغرى بقومها حدثانه!
35
نزلت في ذراك روضا مريعا
هدل النور والجنى أغصانه
36
واستعادت حسن الشباب وكانت
رمقا بين كبرة وزمانه
37
وحمتها يداك من شر باغ
في زمان طغت عليه الرطانه
38
ذكرتها رنات صوتك قوما
سلفوا من هوازن وكنانه
39 •••
رفعت مصر راية الشعر في الشر
ق، وأولت أميره صولجانه
40
ومشى الدهر في الوفود إلى ال
بيعة يحتث نحوه ركبانه
41
ورأينا مجدا يشاد لمصر
يعجز الوهم أن ينال قنانه
42
وسمعنا بكل أفق رنينا
رددته القصائد الرنانه
هكذا كل من يريد خلودا
يجعل الكون كله ميدانه
هكذا فليسر إلى المجد من شا
ء، ويرفع بذكره أوطانه •••
خلق كالندى وقد نقط الزه
ر، فحلى وشي الرياض وزانه
43
وصبا، يملأ الزمان ابتساما
وحجا، يملأ الزمان رزانه
44
وسماح يلقى الصريخ بوجه
تحسد الشمس في الضحا لمعانه
45
شمم في تواضع، وحياء
في وقار، وفطنة في لقانه
46
وحديث حلو، له روعة الشعر،
فلو كان ذا قواف لكانه
ويقين بالله، ما مسه الضعف،
ولا طائف من الشك شانه
هو في الشمس والكواكب نور
وهو في الأرض والجبال ركانه
47
ملك الدين قلبه وهواه
وجلا الشعر ساطعا إيمانه
يمدح المصطفى، فتلمح حبا
عاصفا آخذا عليه كيانه
48
وتراه يذود عن آله الغر،
وفاء لحبهم وصيانه
حسبه أن يجيء في موقف ال
حشر فيلقاه مالئا ميزانه
49 •••
طوفت حوله الملائكة الطه
ر، ومست بطيبها أكفانه
إن معنى الحياة فيه من المو
ت معان، لو يفهم المرء شانه
يهدم المرء كل يوم ويبنى
ثم يهوي فلا ترى بنيانه
نحن حب في قبضة الدهر يل
قيه، ويجنيه مدركا إبانه
نحن في دوحة الأماني زهر
يهصر الموت للبلى أفنانه
إن هذي الحياة بحر، وكل
بالغ بعد سبحه شطآنه
قد قضى الله أن نكون فكنا
وقضينا، وما قضينا لبانه
50 •••
أيها الراحل الكريم لقد كن
ت سواد العيون أو إنسانه
51
نم قريرا في جنة الخلد، وانعم
برضا الله، واغتنم غفرانه
52
والتمس نفحة الرسول، وطارح
في أفانين مدحه حسانه
53
كيف يوفي الشعر الذي ملك الشع
ر، وألقى لغيره أوزانه؟
ورثاء البيان جهد مقل
للذي خلد الزمان بيانه
هوامش
إسماعيل العظيم
نشرت هذه القصيدة عندما احتفلت مصر في عام 1945م بمرور خمسين سنة على وفاة الخديو إسماعيل.
حسام له مجد الخلود قراب
يحوم شعري حوله فيهاب
وطود من العز الأشم عنت له
وجوه، ودانت بالولاء رقاب
1
وسر سماوي ثوى في ضريحه
له من جناحي جبرئيل قباب
2
وقبر كمحراب الصلاة مطهر
عليه نعيم وارف وثواب
وكنز به من جنة الخلد درة
ترد ثمين الدر وهي سخاب
3
وزهر من الآمال رف بروضة
بها الأرض مسك، والنسيم ملاب
4
إذا جاوزتها للرباب غمامة
سقاها من الحب الندي رباب
5
قلوب بني مصر خوافق حولها
لها كل حين جيئة وذهاب
إذا غاب شخص العبقري برمسه
فليس لفضل العبقري غياب!
6
وإن حجبت بيض الأيادي منية
فليس على آثارهن حجاب!
7
وكم من فتى جاز الحياة وذكره
له كل يوم زورة وإياب
8
وما مات من رد الحياة لأمة
وأحيا بها الآمال وهي يباب
9
إذا المرء لم يخلده فضل جهاده «فكل الذي فوق التراب تراب»
وهل مثل إسماعيل في الناس عاهل
له فوق أحداث الزمان وثاب؟
10
طموح له في ذروة الدهر مأرب
وفوق مناط الفرقدين طلاب
11
إذا صح عزم المرء فالبحر ضحضح
وإن خار فالنضح اليسير عباب
وليست شباك العز إلا عزيمة
وما المجد إلا صولة وغلاب!
تمد الليالي للجريء زمامها
وتعنو له الأيام وهي صعاب
12
وما كل من أرخى العنانين فارس
ولا كل داع للنهوض مجاب!
13
إذا ما عددنا مأثرات يمينه
على مصر لم ينفد لهن حساب
14
دعاها فسارت خلفه تسرع الخطا
وهمتها للمعضلات ركاب
فما الشوك في أقدامها حين صممت
بشوك، ولا صم الهضاب هضاب
15
إذا وهنت أذكى لظى رغباتها
همام له عند النجوم رغاب
16
وإن أظلمت طرق المعالي أنارها
من الرأي منه والذكاء شهاب
17
رأت مصر فيه عاهلا عز نده
ومن أين للبدر المنير صحاب؟
حباها أبو الأشبال جرأة ضيغم
له ظفر يفري الخطوب وناب
18
وأزلفها ملء النواظر جنة
تميد بها الأغصان وهي رطاب
19
وألبسها من نهضة الغرب حلة
وكم زانت الغيد الملاح ثياب!
ففي كل حي للعلوم منابر
وفي كل ركن للفنون رحاب!
وأين رميت الطرف تلقى معالما
سوامقها فوق السحاب سحاب
20
عجائب صنع يصغر الدهر دونها
وكل فعال الخالدين عجاب!
21
وجهد من الفولاذ ما كل زنده
وصادق عزم ليس فيه كذاب
22
وللجهد في الدنيا نصاب وطاقة
وليس لجهد العبقري نصاب!
23 •••
أبا مصر، هل تصغي وللشعر دمعة
بها الحب صفو، والوفاء مذاب؟
أتذكر يوما بالقناة وقد سعت
شعوب، وسالت بالملوك شعاب؟
24
وأنت تؤم الحشد جذلان هانئا
ونجمك لم يحجب سناه ضباب
25
ومصر بمحييها تتيه وتنثني
كما لعبت بالعاشقين كعاب
26
موائد لو مرت بأوهام حاتم
رأى أن مدح المادحين سباب
27
وموكب عز ما رأى النيل مثله
ولا خطه في السابقين كتاب
تمنت نجوم الأفق روعة زهوه
وسال لشمس أبصرته لعاب
28 •••
تفيأت ظل الله خمسين حجة
وجناته للعاملين مثاب
29
وأدرك مصرا من بنيك صوارم
مواض إذا اشتد الزمان صلاب
30
كرام إذا نودوا أجابوا، وإن هم
رموا جبهة الرأي البعيد أصابوا
وهل كفؤاد في البرية مالك؟
وهل كلباب المجد فيه لباب؟
31
له عزمة وثابة علوية
ترد صروف الدهر وهي حراب
32
إذا ما امترى في المعجزات مكابر
فسيرته للممترين جواب
33
ومن مثل فاروق وللعرش عزة
وللملك والمجد الأثيل مهاب؟
34
مضاء وإقدام وجود وصولة
وآمال حر طامح وشباب
35
سعى لرسول الله يحدوه شوقه
وللشوق والحب الصميم جذاب
36
يناجيه فياض المدامع خاشعا
صموتا، وصمت الخاشعين خطاب
رأى فيه رضوى مثله في ثباته
وحياه من رحب البقيع جناب
37
حصيف له في موقف الحق صولة
ورأي إذا غم الصواب صواب
38
يجمع شمل العرب في ظل وحدة
كما جمع الأسد الضراغم غاب
39
إذا ابتسموا فالباترات بواسم
وإن غضبوا فالباترات غضاب
40
وفي كل يوم منة بعد منة
إذا ما انقضى باب تفتح باب
41
وكل أيادي غيره حلم حالم
وكل نوال من سواه سراب
42
عتبنا على الدنيا فمذ أشرقت به
تقضى خصام بيننا وعتاب
43
وصغنا له من كل ما تبدع النهى
روائع، لم يبذل لهن نقاب
44
فلا زال موفور الجلال مسددا
يجيب إذا تدعو العلا ويجاب!
45
هوامش
الحب
نظمت هذه القصيدة في صيف سنة 1916م.
عاج الخيال فلم يبل أواما
ومضى وخلف في الضلوع ضراما
1
ما لي وللكحلاء! هجت عيونها
فملأن قلبي أنصلا وسهاما
2
يا قلب ويحك! ما سمعت لناصح
لما ارتميت، ولا اتقيت ملاما
3
لعبت بك الحسناء، تدنو ساعة
فتثير ما بك، ثم تهجر عاما
والحب ما لم تكتنفه شمائل
غر يعود معرة وأثاما!
4
والحب أحلام الشباب هنيئة
ما أطيب الأيام والأحلاما!
والحب نازعة الكريم تهزه
فيصول سيفا أو يسيل غماما!
5
والحب ملهاة الحياة وطبها
ولقد تكون به الحياة سقاما!
6
والحب نيران المجوس، لهيبها
يحيي النفوس، ويقتل الأجساما!
7
والحب شعر النفس إن هتفت به
سكت الوجود وأطرق استعظاما!
والحب من سر السماء فسمه
وحيا إذا ما شئت أو إلهاما
لولاه ما أضحى وليد زبيبة
يوم التفاخر سيدا مقداما
8
ولما رمى في الجحفلين بصدره
لا يتقي رمحا ولا صمصاما
الحب ألبسه المروءة يافعا
وأعده للمكرمات غلاما •••
يا شد ما فعل الغرام بمهجة
ذابت أسى وصبابة وهياما!
كانت صؤولا لا تنيل خطامها
فغدت أذل السائمات خطاما!
9
سكنت إلى حلو الغرام ومره
ورعت عهودا للهوى وذماما
10
وطوت أحاديث الجوى فطوت بها
داء يدك الراسيات عقاما
11
نال الضنى منها الذي قد ناله
فعلام روعها الصدود علاما؟
12 •••
يا زهرة نم النسيم بعرفها
وجرى بها ماء النعيم جماما
13
يا جنة لو كان ينفع عندها
نسك لبتنا سجدا وقياما
يا طلعة الروض النضير تحية!
ومجاجة المسك الذكي سلاما!
14
هوامش
مصيف رشيد
أنشد الشاعر هذه القصيدة في احتفال كبير أقيم ببلد الشاعر «رشيد» بمناسبة افتتاح مصيفها سنة 1939م.
أرشيد لا جرح ولا إيلام
عاد الزمان وصحت الأحلام!
1
وتمثلت فيك الحياة فتية
من بعد ما عبثت بك الأيام
2
يا زينة بين الثغور وفتنة
سحر الممالك ثغرك البسام
3
يا وردة بين الرمال نضيرة
تزهى بها الأغصان والأكمام
4
يا درة البحر التي بوميضها
ضحك الصباح، وأشرق الإظلام
5
يا دوحة نبت القريض بأرضها
فأصولها وفروعها إلهام
6
يا روضة فتن العيون جمالها
وتحدثت بأريجها الأنسام
7
يا همسة الأمل الوسيم رواؤه
لو كان للأمل الوسيم كلام!
8
يا صحوة المجد القديم تحدثي
طال الزمان بنا ونحن نيام!
يا طلعة للحسن شاع ضياؤها
وانجاب عنها البحر وهو لثام
9 •••
أرشيد يا بلدي ويا ملهى الصبا
بيني وبين مدى الصبا أعوام!
10
أيام لي في كل سرح نغمة
وبكل ركن وقفة ولمام
11
أيام لا أمسي يجر وراءه
أسفا، ولا يومي علي جهام
12
ألهو كما تلهو الطيور، حديثها
شدو، ورف جناحها أنغام
13
متنقلات بين أزهار الربا
الجو متن، والنسيم زمام
14
ومطالبي لم تعد مدة ساعدي
بعدا، فما استعصى علي مرام
لهو الطفولة خير أيام الفتى
إن الحياة وكدحها أوهام! •••
أرشيد، فيك لبانتي وصبابتي
والصهر والأخوال والأعمام
15
لمست حنو الحب فيك تمائمي
ورأيت فيك الدهر وهو غلام
16
ونشأت في ظل النخيل يهزني
شوق إلى أفيائها وغرام
17
أرخت شعورا للنسيم كأنما
أظلالها تحت الغمام غمام
18
تهفو ويمنعها الحياء فتنثني
كالغيد روع سربها اللوام
19
إنا كبرنا يا نخيل وحبنا
بين الجوانح شعلة وضرام
20
كم طوقت منك القدود سواعدي
ولكم شفاني من جناك طعام
21
ولكم هززت فتاك حين حملته
كالأم تلهي الطفل حين ينام
إن يقصني عنك الزمان وأهله
فالحب عهد بيننا وذمام
22
ميسي كأيام الطفولة وارفلي
فالجو صفو، والنعيم جمام
23
غنى لك القلم الذي أرهفته
أرأيت كيف تغرد الأقلام؟
هذا وليدك جاء ينشد شعره
ما كل ما تحوي الخيوط نظام
24
أصغى له الوادي، وغنت باسمه
بغداد، واهتزت إليه الشام
25
إن قال مال له الوجود برأسه
ورنت له الأسماع والأفهام
26
ملك العصي من القريض بسحره
طوعا، فما استعصى عليه خطام
27 •••
أرشيد، هل في أن يبوح أخو الهوى
حرج، وهل في أن يحن ملام؟
28
يا مرتع الآرام رنحها الصبا
كيف المراتع فيك والآرام؟
29
من كل لفاء المعاطف طفلة
جيد كما يهوى الهوى وقوام
30
سترت ملاحتها الملاءة مثلما
ستر الغمام البدر وهو تمام
31
يدنو الجمال بها فيحجبها التقى «كظباء مكة صيدهن حرام»
فإذا نظرت فخذ لنفسك حذرها
إن العيون - كما علمت - سهام •••
أرشيد، مجدك في القديم صحيفة
بيضاء، لا لبس ولا إبهام
32
ملأت مآذنك السماء شوامخا
بين السحاب كأنها أعلام
كم شاهدت قوما زهت أيامهم
حينا، وجاءت بعدهم أقوام
سبحان من لا مجد إلا مجده
نفنى ويبقى الواحد العلام
33
خذ من زمانك ما استطعت فما لما
أخذت يداك من الزمان دوام
34
وارض الحياة نعيمها أو بؤسها
نعمى الحياة وبؤسها أقسام
35 •••
أرشيد، لم نسمع لصدرك أنة
للنازلات الدهم وهي جسام
36
أجملت صبرا للحوادث فانثنت
إن الكرام على الخطوب كرام
37
اليوم جددت الشباب فأقدمي
معنى الشباب العزم والإقدام
سعت الوفود إلى مصيفك سبقا
يتلو الزحام إلى سناه زحام
38
النيل والبحر الخضم يحوطه
والباسقات على الطريق قيام
39
والتوت والصفصاف يهتف طيره
فتردد الكثبان والآكام
40
والزهر في جيد الرياض قلائد
والنهر في خصر الرياض حزام
41
والموج كالخيل الجوامح أطلقت
وانحل عنها مقود ولجام
42
تجري السفائن فوقه وكأنها
والريح تدفع بالشراع، حمام
43
ومناظر يعيا القريض بوصفها
ويضل في ألوانها الرسام
44
والناس بين ممازح ومداعب
والأنس حتم والسرور لزام
من شاء في ظل السعادة ضجعة
فهنا تشاد صروحها وتقام
45
أو رام نسيان الهموم فها هنا
تنسى الهموم، وتذهب الآلام
46
هوامش
زيارة ملك
زار السلطان «حسين كامل» دار العلوم في أول ولايته سنة 1915م، فألقيت أمامه هذه الأبيات:
يا مالكا ملك القلو
ب ولم أشتات الرعيه
1
لك في العلا كعب وكف
ف في المكارم حاتميه
2
لك سيرة كصحيفة الأ
برار طاهرة نقيه
3
لك فكرة يجري الهدى
فيها وتكلؤها الرويه
4
كالسهم لا تنبو إذا
نظرت ولا تخطي الرميه
5
العلم طاب ثواؤه
في ظل تلك الأريحيه
6
أعلى أبوك بناءه
وعليك إتمام البقيه
7 «دار العلوم» تشرفت
بشروق طلعتك السنيه
8
فلو أنها نطقت لكا
نت تملأ الدنيا تحيه
فاهنأ بما أولى الإله
وعش تعش كل البريه
9
هوامش
الشريد
نشرت في صيف سنة 1938م.
أطلت الآلام من جحره
ولفت الأسقام في طمره
1
بردته الليل، على برده
وكنه القيظ، على حره
2
مشرد يأوي إلى همه
إذا أوى الطير إلى وكره!
3
ما ذاق حلو اللثم في خده
ولا حنان المس في شعره
ولا حوته الأم في صدرها
ولا أب ناغاه في حجره
قد صبر النفس على ما بها
وانتظر الموعود من صبره •••
البطن مهضوم، طواه الطوى
ونام أهل الأرض عن نشره
4
والوجه لليأس به نظرة
يقذفها الحقد على دهره
جرحه الدهر، فمن نابه
تلك الأخاديد، ومن ظفره
5
قد كتب الله على خده
خطا يبين البؤس في سطره
وغار ضوء الحس من عينه
وفر لمح الأنس من ثغره
والبشر، أين البشر؟ ويحي له!
يا رحمة الله على بشره
يجر رجليه بطيء الخطا
كالجعل المكدود من جره
6
إن نام أبصرت به كتلة
تجمع ساقيه إلى نحره
7
احتبست «أواه» في قلبه
واختنقت «ويلاه» في صدره
8
وجف ماء العين في موقها
ماذا أفاد العين من همره؟
9
سالت به نهرا على لقمة
فعاد كالسائل في نهره!
لا يجد المأوى، ولو رامه
أحاله الدهر على قبره
هناك يثوي هادئا آمنا
من شظف العيش ومن وعره
10
فكم بصدر القبر من ضجعة
أحنى من الدهر ومن نكره!
11 •••
متعبة الإنسان في حسه
وشقوة الإنسان من فكره
كيف يرجى الصفو من كائن
الحمأ المسنون في ذره؟
12
لم يسم للأملاك في أوجها
ولا هوى للوحش في قفره
13
رام اللباب المحض من سعيه
فلم ينل منه سوى قشره
14
يسعى، وما يدري إلى نفعه
سعى حثيثا، أم إلى ضره
15
آمنت بالله! فكم عالم
أعجزه المحجوب من سره •••
الله في طفل عزاه الضنى
بأدهم الخطب ومغبره
16
في ظلمات، موجها زاخر
كأنه ذو النون في بحره
17
والناس بالشاطئ، من غافل
أو ساخر، أمعن في سخره
والموج كالذؤبان حول الفتى
يسد أذن الأفق من زأره
18
نادى، وما نادى سوى مرة
حتى طواه اليم في غمره
تظنه طفلا، فإن حققت
عيناك، لم تعثر على عشره
كأنه الشك إذا ما مشى
أو ما يرى النائم في ذعره
طغى به الجوع، ففي دمعه
ما فعل الجوع، وفي نبره •••
واها لكف لصقت بالثرى
وائتدمت بالبؤس من عفره
19
ماذا على الإحسان لو ردها
ندية الأطراف من بره؟
20
ماذا على الإحسان لو ردها
رطيبة الألسن من شكره؟
21
كم بسمة أرسلها محسن
أزهى من الروض ومن زهره!
ولقمة سدت فما جائعا
رجحت الميزان في حشره!
ومنة كانت جناحا له
طار به الذائع من ذكره
ودمعة يذرفها مشفقا
أصفى من المدخور من دره
22
لا تزهر الجنة إلا بما
يسفحه الباكي على وزره
لو عرف الإنسان ما أجره
ما ضن بالنفس على أجره
يبقى قليل المال من بعده
ويذهب المال على كثره
بيض أيادي المرء في قومه
أغلى من البيض ومن صفره
23
والحر، لا ينعم في وفره
حتى ينال الناس من وفره
24
والمرء، لا يعرف مقداره
أو تنبئ الأحداث عن قدره
والناس كالماء، فمن ضحضح
ومن عميق، حرت في سبره
25
ليس الذي ينفق من يسره
مثل الذي ينفق من عسره
كم درهم ألقي في سجنه
ولم ينل عفوا مدى عمره!
26
لم ير حسن الصبح في شمسه
ولا جمال الليل في بدره
يطمع وخز الجوع في وصله
ويرسل الزفرات من هجره
27
والمال كالخمر، إذا ما طغى
ضاقت فجاج الأرض عن شره
28
متى يهب العقل من نومه؟
أو يستفيق المال من سكره؟
متى أرى النفس، وقد أطلقت
من ربقة المال ومن أسره؟
29
متى أرى الحب كضوء الضحى
كل امرئ يسبح في طهره؟
متى أرى الناس، وقد نزهوا
عن شره الذئب وعن غدره؟
أخوة الغصن إلى صنوه
وبسمة الزهر إلى قطره
30
ورحمة، رفافة لم تدع
قلبا يواري النار في صخره
31
لا يحسد الجاه على ماله
أو ينهر البؤس على فقره •••
كم شارد في مصر، يا كثره
من عدد، يسخر من حصره!
ذخيرة الأمة أبناؤها
ماذا أفاد النيل من ذخره؟
ماذا أفاد النيل من ساعد
أسرع من ضغث إلى كسره؟
32
وأرجل أوهن من همسة
ومن نسيم الصبح في مره؟
ومن فتاة، فجرها ليلها
ومن غلام، ضل في فجره؟
ألقته مصر هملا ضائعا
فصال يبغي الثار من مصره
33
غاص من الآثام في آسن
يكرع ملء الفم من مره
34
أسرى من الليل، وأمضى يدا
من عبث الليل، ومن مكره
35
كم ضاق من شقوته عصره
وضاق بالسخط على عصره!
36
شجا بحلق الوطن المفتدى
وشوكة كالنصل في ظهره
37
مدرسة النشل وسل المدى
أسسها الشيطان في جحره
إذا هوى الخلق، وضاع الحجا
فكل شيء ضاع في إثره!
38
من يصلح الأسرة يصلح بها
ما دمر الإفساد في قطره •••
جناية الوالد نبذ ابنه
في عسره، إن كان، أو يسره
لا تترك الذئبة أجراءها
ولا يغيب الكلب عن وجره!
39
البيت صحراء إذا لم تجد
طفولة تمرح في كسره
40
فعاقبوا الآباء إن قصروا
لا بد للسادر من زجره
41
وأنقذوا الطفل، فما ذنبه
إن جمح الوالد في خسره؟
42
ربوه، ينمو ثمرا طيبا
لا ييأس الزارع من بذره
وعلموه عملا صالحا
يشد - إن كافح - من أزره
43
ربوه في الريف، لعل القرى
تصلح ما أعضل من أمره
النفس مرآة، وغصن النقا
يطيب أو يخبث من جذره
لعل همس الغصن في أذنه
ينسيه ما أضمر من ثأره!
لعل أنفاس نسيم الربا
في صدره، تبرد من جمره!
النيل يستنجد مستنصرا
فأسرعوا الخطو إلى نصره
لا يذهب المعروف في لجة
ولا يكف المسك عن نشره
44
هوامش
قبر حفني
ألقى الشاعر هذه القصيدة بدار الإذاعة في رثاء العالم الأديب الشاعر حفني ناصف عام 1938م.
يا قبر حفني أجبني
ماذا صنعت بحفني؟
ماذا صنعت بعلم؟
وما صنعت بفن؟
وما صنعت بفكر
ماضي الشباة وذهن؟
1
طويت خير مثاب
للطائفين وركن!
2 •••
في كل يوم رثاء
لصاحب أو لخدن
3
حتى لقد كاد شعري
يبكي لضعفي ووهني
4
فإنما أنا منه
وإنما هو مني
الوزن من نبض قلبي
والبحر من ماء جفني
5
رحا المنايا رويدا
خلطت طحنا بطحن!
6
وإنما الناس ظعن
يسير في إثر ظعن
7
فما حديد بباق
ولا حذار بمغني
8
وكل عقل مضيء
إلى خمود وأفن
9
يكاد إن مال غصن
يشكو الزمان لغصن
تعسا له، كم نعزي
حينا، وحينا نهني!
10
من اجتماع لعرس
إلى اجتماع لدفن
والمرء يحيي الأماني
والدهر يبلي ويفني
فكم تمنيت لكن
ماذا أفاد التمني؟
دعني أقلب طرفي
في ظلمة الليل دعني
11
حيران أضرب كفي
أسى وأقرع سني
12
قد خانني الدهر يوما
يا ليته لم يخني!
13
أكلما مر نعش
أو طاف نعي بأذني
طار الفؤاد، فلولا
بقية، ند عني
14
لولا التقى لم أجده
بجانبي أو يجدني
15 •••
قالوا: أجدت المراثي
فقلت: إن، وإني
16
دموع عيني قريضي
وزفرة الوجد لحني
17
علي أداوي حزينا
فالحزن يمحى بحزن
أو يشتفي ببكاء
من شأنه مثل شأني
18 •••
أين النبوغ توارى؟
يا قبر حفني أجبني
أكلما لاح بدر
رمته ريح بدجن؟
19
وخلف الأرض حيرى
سهل يموج بحزن
20
ورب زهر شذاه
يزري بأرواح عدن
21
كأنما منحته
ألوانها ذات حسن
22
جماله الغض أغرى
أغصانه بالتثني
23
غذته أطباء طل
حينا، وأثداء مزن
24
تسري به الريح رفقا
في خشية وتأني
25
كأنها فم أم
يمر في وجنة ابن
26
النحل ترشف منه
رحيقه وتغني
تجني ولم تدر يوما
أن الردى سوف يجني
27
طغت عليه سموم
حرى كأنفاس جن
28
فغادرته ركاما
أجف من عود تبن
29
والدهر أحرى رفيق
بأن يخون ويخني
30 •••
يا قبر حفني أجبني
وارحم بقية سني
قد راعني منك صمت
بحقه لا ترعني
31
ففيك أمضى جنانا
من كل فصح ولسن
32
وفيك شعر نقي
من كل وقص وخبن
33
كأنه بسمات
للوصل بعد التجني
34
أو نفحة من «جميل»
طافت بأحلام «بثن»
35
أو رغوة من سلاف
تفيض من رأس دن
36
كم نكتة فيه كادت
تخفى على كل ظن!
مصرية جال فيها
ذوق الأديب المفن
37 •••
لو كنت تعرف حفني
لقلت: زدني وزدني!
نحو يصك الكسائي
ويزدري بابن جني
38
وإن أثير جدال
رأيته خير قرن
39
العلم أمضى سلاح
له وأوقى مجن
40
قد كان ضخما جسيما
يبدو كشامخ حصن
اللحم رخو بدين
له نعومة قطن
41
والصدر رحب فسيح
ما جاش يوما بضعن
42
في وجهه الجهم حسن
من روحه المستكن
43 •••
قد زارني ذات يوم
في وقت قيظ وكن
44
فكان أنسا تدانت
به المنى بعد ضن
45
فاض الحديث زلالا
عذبا وما قال قطني
فكاهة من لدنه
ونكتة من لدني
46
في الأذن قهوة كرم
والكف قهوة بن
47
أروي ويروي القوافي
كالدر وزنا بوزن
يا مجلسا عاد وجدا
يذكي الفؤاد ويضني
48
ضاع الصبا ورجعنا
منه بصفقة غبن
49
حفني، سلام ونور
لقلبك المطمئن
فارقت أهلا وسكنا
لخير أهل وسكن
تثني إليك القوافي
أعناقها حين تثني
50
هوامش
قبلة
الصغيرة الحسناء (1912م)
رأيتها في سربها
كالبدر بين أنجم
1
جاءت فقبلت يدي
بثغرها المنظم
2
فليت كفي خدها
وليت ثغرها فمي!
هوامش
اللغة العربية
أنشدها الشاعر في افتتاح دور الانعقاد الثالث لمجمع اللغة العربية سنة 1934م.
ماذا طحا بك يا صناجة الأدب
هلا شدوت بأمداح ابنة العرب؟
1
أطار نومك أحداث وجمت لها
فبت تنفخ بين الهم والوصب
2
واليعربية أندى ما بعثت به
شجوا من الحزن أو شدوا من الطرب
3
روح من الله أحيت كل نازعة
من البيان وآتت كل مطلب
4
أزهى من الأمل البسام موقعها
وجرس ألفاظها أحلى من الضرب
5 •••
وسنى بأخبية الصحراء يوقظها
وحي من الشمس أو همس من الشهب
6
تحدى بها اليعملات الكوم إن لغبت
فلا تحس بإنضاء ولا لغب
7
تهتز فوق بحار الآل راقصة
والنصب للنيب يجلو كربة النصب
8
لم تعرف السوط إلا صوت مرتجز
كأن في فيه مزمارا من القصب
9
تصغي إلى صوته الأطيار صامتة
إذا تردد بين القور والهضب
10
كأنه وظلام الليل يكنفه
غثاءة قذفت في مائج لجب
11
قد خالط الوحش حتى ما يروعها
إذا تعرض لم تنفر ولم تثب
12
يرنو بعين على الظلماء صادقة
كأعين النسر أنى صوبت تصب
هو الحياة بقفر لا حياة به
كالماء في الصخر أو كالماء في الحطب
يبيت من نفسه في منزل خضل
ومن شبا بيضه في معقل أشب
13
يهتز للجود والمشتاة باخلة
والقر يعقد رأس الكلب بالذنب
14 •••
تهفو إليه بنات الحي معجبة
والحب ينبت بين العجب والعجب
15
إذا تنقبن إذ يلقينه خفرا
فشوقهن إليه غير منتقب
16
تراه كل فتاة حين تفقده
في البدر والسيف والضرغام والسحب
17
زين الفناء إذا ما حل حبوته
للقول لباه منه كل منتخب
18
أو هز شيطانه أوتار منطقه
فاخش الأتي وحاذر صولة العبب
19
ما مس بالكف أوراقا ولا قلما
ورأيه زينة الأوراق والكتب
يطير للحرب خفا غير مدرع
في شدة البأس ما يغني عن اليلب
20
إذا دعاه صريخ كان دعوته
وإن دعته دواعي الذعر لم يجب
21
لا ترهب الجارة الحسناء نظرته
كأن أجفانه شدت إلى طنب
22 •••
جزيرة أجدبت في كل ناحية
وأخصبت في نواحي الخلق والأدب
جدب به تنبت الأحلام زاكية
إن الحجارة قد تنشق عن ذهب
23
تود كل رياض الأرض لو منحت
أزهارها قبلة من خدها الترب
24
وترتجي الغيد لو كانت لآلئها
نظما من الشعر أو نثرا من الخطب
25 •••
يا جيرة الحرم المزهو ساكنه
سقى العهود الخوالي كل منسكب
26
لي بينكم صلة عزت أواصرها؛
لأنها صلة القرآن والنسب
27
أرى بعين خيالي جاهليتكم
وللتخيل عين القائف الدرب
28
وأشهد الحشد للشورى قد اجتمعوا
ولست أسمع من لغو ولا صخب
من كل مكتهل بالبرد مشتمل
للقول مرتجل للهجر مجتنب
29
وألمح النار في الظلماء قد نصبت
لطارق الليل والحيران والسغب
30
نار ولكنها قد صورت أملا
بردا إذا خابت الآمال لم يخب
رمز الحياة ورمز الجود ما فتئت
فوق الثنيات ترمي الجو باللهب
31
يشبها أريحي كلما هدأت
ألقى على جمرها جزلا من الحطب
32
وأبصر القوم يوم الروع قد حشدوا
للموت يجتاح، أو للنصر والغلب
33
يرمون بالشر شرا حين يفجؤهم
ورايهم فوقهم خفاقة العذب
34
وأحضر الشعراء اللسن قد وقفوا
وللبيان فعال الصارم الذرب
35
أبو بصير له نبر لو اتخذت
منه السهام لكانت أسهم النوب
36
إذا رماها كما يختار قافية
دارت مع الفلك الدوار في قطب
37 •••
وأغمض العين حينا ثم أفتحها
على جلال بنور الحق مؤتشب
38
نور من الله هال القوم ساطعه
وليس يحجب نور الله بالحجب
39
تكلمت سور القرآن مفصحة
فأسكتت صخب الأرماح والقضب
40
وقام خير قريش وابن سادتها
يدعو إلى الله في عزم وفي دأب
41
بمنطق هاشمي الوشي لو نسجت
منه الأصائل لم تنصل ولم تغب
42
طابت به أنفس الأيام وابتهجت
ومر دهر ودهر وهي لم تطب
وهزت الراسيات الشم، وارتعدت
لهوله الباترات البيض في القرب
43
وأصبحت بنت عدنان بنفحته
تيها تجرر من أذيالها القشب
44
فازت بركن شديد غير منصدع
من البيان وحبل غير مضطرب
45 •••
ولم تزل من حمى الإسلام في كنف
سهل ومن عزه في منزل خصب
46
حتى رمتها الليالي في فرائدها
وخر سلطانها ينهار من صبب
47
وعاثت العجمة الحمقاء ثائرة
على ابنة البيد في جيش من الرهب
48
يقوده كل ولاغ أخي إحن
مضمخ بدماء العرب مختضب
49
لم يبق فيها بناء غير منتقض
من الفصيح وشملا غير منقضب
50
كأن عدنان لم تملأ بدائعه
مسامع الكون من ناء ومقترب
مضت بخير كنوز الأرض جائحة
وغابت اللغة الفصحى مع الغيب
51
لولا (فؤاد) أبو الفاروق ما وجدت
إلى الحياة ابنة الأعراب من سبب
52
أعز منها حمى ريعت كرائمه
وكان ممنوعه نهبا لمنتهب
53
ورد بالمجمع المعمور غربتها
وحاطها بكريم العطف والحدب
54 •••
يا عصبة الخير للفصحى وشيعتها
حياك صوب الحيا يا خيرة العصب!
55
هلم فالوقت أنفاس لها أمد
ولا أقول بأن الوقت من ذهب
56
فإنما المرء في الدنيا إقامته
إقامة الطيف والأزهار والحبب
57
الدهر يسرع والأيام معجلة
ونحن لم ندر غير الوخد والخبب
58
والمحدثات تسد الشمس كثرتها
ولم تفز بخيال اسم ولا لقب
والترجمات تشن الحرب لاقحة
على الفصيح فيا للويل والحرب
59
نطير للفظ نستجديه من بلد
ناء وأمثاله منا على كثب
كمهرق الماء في الصحراء حين بدا
لعينه بارق من عارض كذب
60
أزرى ببنت قريش ثم حاربها
من لا يفرق بين النبع والغرب
61
وراح في حملة رعناء طائشة
يصول بالخائبين: الجهل والشغب
62
أنترك العربي السمح منطقه
إلى دخيل من الألفاظ مغترب؟؟
63
وفي المعاجم كنز لا نفاد له
لمن يميز بين الدر والسخب
64
كم لفظة جهدت مما نكررها
حتى لقد لهثت من شدة التعب
65
ولفظة سجنت في جوف مظلمة
لم تنظر الشمس منها عين مرتقب
66
كأنما قد تولى القارظان بها
فلم يؤوبا إلى الدنيا ولم تؤب
67
يا شيخة الضاد والذكرى مخلدة
هنا يؤسس ما تبنون للعقب
68
هنا تخطون مجدا ما جرى قلم
بمثله في مدى الأدهار والحقب
69 •••
لبيك يا ملك الوادي ومنشئه
يا حارس الدين والآداب والحسب
70
هذا غراسك قد ماست بواسقه
تداعب الريح في زهو وفي لعب
71
الملك في بيتكم كسبا وموهبة
يزهى على كل موهوب ومكتسب
72
سفينة أنت مجريها وكالئها
من الزعازع لا تخشى أذى العطب
73
وأمة أنت مجريها وحافزها
في حلبة السبق لا تبقي على القصب
74
وديعة الله صينت في يدي ملك
لله مرتقب لله محتسب
بصيرة كضياء الصبح لو لطمت
غياهب الليل لم يظلم ولم يهب
75
وعزمة كحديد النصل لو طلبت
زهر الكواكب نالت غاية الطلب
76
قد صممت فمضت عجلى لمقصدها
تحثو التراب بوجه الشك والريب
77
فانظر ترى مصر هل تلقى لها مثلا
في صولة الملك أو في قوة الأهب؟
78
فثروة من سري العلم واسعة
وثروة من سري الجاه والنشب
79
بنى (فؤاد) بناء الخالدين كما
بنى الغطاريف من آبائه النجب
80
إذا الغمائم جافت مصر واحتجبت
فإن بر يديه غير محتجب
81
من مبلغ العرب أن الضاد قد بلغت
بقرب صاحب مصر أرفع الرتب؟
أعاد مجدا لها مالت دعائمه
فيا لها قربة من أعظم القرب
82
وحفها بسياج من عنايته
كما تحف جفون العين بالهدب
إن عقها أهل واديها وجيرتها
فأنت أحنى عليها من أخ وأب
رأت بربعك عز الملك فانصرفت
عن ذكر لبنى وذكرى ربعها الخرب
83
لاذت بأكبر معوان لذي أمل
ناء وأشرف عنوان لمنتسب
عش للكنانة تبلغ أوج عزتها
وللعلا والندى والعلم والأدب
84
وعاش (فاروق) نجما في تألقه
سعد السعود وفيه منتهى الأرب
هوامش
حنين طائر
نظمت هذه القصيدة في سنة 1915م.
طائر يشدو على فنن
جدد الذكرى لذي شجن
قام والأكوان صامتة
ونسيم الصبح في وهن
هاج في نفسي وقد هدأت
لوعة لولاه لم تكن
هزه شوق إلى سكن
فبكى للأهل والسكن
ويك لا تجزع لنازلة
ما لطير الجو من وطن
1
قد يراك الصبح في حلب
ويراك الليل في عدن
2
أنت في خضراء ضاحكة
من بكاء العارض الهتن
3
أنت في شجراء وارفة
تارك غصنا إلى غصن
4
عابث بالزهر مغتبط
ناعم في الحل والظعن
5
في ظلال حولها نهر
غير مسنون ولا أسن
6
في يديك الريح ترسلها
كيفما تهوى بلا رسن
7 •••
يا سليمان الزمان أفق
ليس للذات من ثمن
8
وابعث الألحان مطربة
يا حياة العين والأذن
غن بالدنيا وزينتها
ونظام الكون والسنن
9
وبقيعان هبطت بها
وبما شاهدت من مدن
10
وبأزهار الصباح وقد
نهضت من غفوة الوسن
11
وبقلب شفه وله
حافظ للعهد لم يخن
12
كل شيء في الدنا حسن
أي شيء ليس بالحسن
13
خالق الأكوان كالئها
واسع الإحسان والمنن
14 •••
كان لي إلف فأبعده
قدر عني وأبعدني
15
أنا مد الدهر أذكره
وهو مد الدهر يذكرني
16
قد بنينا العش من مهج
غسلت من حوبة الدرن
17
من لدنه الود أخلصه
والوفا والطهر من لدني
كانت الأطيار تحسده
جنة المأوى وتحسدني
وظننا أن نعيش به
عيشة المستعصم الأمن
فرمت كف الزمان به
فكأن العش لم يكن
طار من حولي وخلفني
للجوى والبث والحزن
18
ونأى عني وما برحت
نازعات الشوق تطرقني
19
ومضى والوجد يسبقه
ودموع العين تسبقني
20 •••
إن تزر يا طير دوحته
بين زهر ناضر وجني
21
وشهدت «التمس» مضطربا
واثبا كالصافن الأرن
22
عبثت ريح الشمال به
فطغى غيظا على السفن
فانشد الأطيار واحدها
في الحلى والحسن والجدن
23
وتريث في المقال له
قد يكون الموت في اللسن!
24
صف له يا طير ما لقيت
مهجتي في الحب من غبن
25
صف له روحا معذبة
ضاق عن آلامها بدني
صف له عينا مقرحة
لأبي الدمع لم تصن •••
يا خليلي والهوى إحن
لا رماك الله بالإحن
26
إن رأيت العين ناعسة
فترقب يقظة الفتن
27
أو رأيت القد في هيف
فاتخذ ما شئت من جنن
28
قد نعمنا بالهوى زمنا
وشقينا آخر الزمن!
هوامش
عيد جلوس الملك فؤاد
في سنة 1934م
العيش مخضل الجوانب أخضر
واليوم من نسج السحائب أنضر
1
والروض يصدح بالبشائر أيكه
فالعود عود والأزاهر مزهر
2
يجري النسيم به فيجتاز الربا
صعدا، وتجذبه الغصون فينفر
كم زهرة علقت بفضل ردائه
فالورد ملء ردائه والعبهر
3
إن ضج من آب وحر وثاقه
فاليوم يدرج ما يشاء ويخطر
4
يطفو على وجه الجداول طائرا
غردا يصفق بالجناح ويطفر
5
في كفه البشرى، وفي همساته
نعمى الحياة وعز مصر الأوفر
6
والشمس ضاحكة، كأن شعاعها
أمل الوجوه المشرق المستبشر
تختال في يوم ترقبت العلا
ميلاده، ورنت إليه الأعصر
7
نهضت به آمال مصر وأقسمت
من بعد هذا اليوم لا تتعثر
فلكم تمنى الدين طالع صبحه
واهتز من شوق إليه المنبر
8
تمشي المنى فيه تجر خمارها
خفرا، ويزهوها الجمال فتسفر
9
فازت به مصر بخير متوج
ينهى كما يرضى الإله ويأمر
يوم إذا زهي الزمان بمثله
فبمثله يزهى الزمان ويفخر
10
السعد في ساعاته مستوطن
والعز في جنباته متبختر
11
هو في فم الدنيا حديث خالد
يحلو على الأيام حين يكرر
هو طلعة الروض النضير وظله
ونميره ونسيمه المتعطر
12
أمل البلاد تمسكت بحباله
في الحادثات وعيد مصر الأكبر •••
عيد بأنوار الجلال متوج
وبمنة النصر العزيز مؤزر
13
هو صورة للبشر أحكم رسمها
لو أن أيام السرور تصور
لانت به الدنيا وأخصب عيشها
وبيمنه اخضر الزمان المقفر
14
وشدت لمطلعه القلوب كأنها
طير تغرد للرياض وتصفر
15
هو في كتاب الدهر سطر مجادة
خشعت لهيبة ما حواه الأسطر
16
وثبت به مصر وقد طال الكرى
ومضت إلى قصب الفخار تغبر
17
وعلت بفضل مليك مصر مكانة
لم تقتعدها في السماء الأنسر
18
تتقطع الآمال دون بلوغها
وتود رؤيتها العيون فتحسر
19
ترنو لها الجوزاء نظرة حاسد
وبذكرها تلهو النجوم وتسمر
20
وإذا سما الملك الهمام لغاية
فالصعب هين والعسير ميسر
21 •••
عيد الجلوس وأنت عزة أمة
تعلو بمولاها العظيم وتكبر
غناك شعري فاستمع لغنائه
إن البلابل في الخميلة ندر
ما كل من عرك المزاهر معبد
يوما ولا كل المواضع عبقر
22
إن الرماح حدائد منبوذة
حتى يثقف جانبيها سمهر
23
حيت طلائعك القوافي هتفا
وشدت لمقدمك الكريم الأشطر
24
والشعر مرآة النفوس وصورة
محسوسة مما تكن وتشعر
25
يا عيد كم بك من جمال زاهر
يبهى بإشراق المليك ويبهر!
26
كم من مواكب واردات ترتجي
شرف المثول ومن مواكب تصدر
27
والشعب يزحم بالمناكب طامعا
في نظرة تحيي القلوب وتجبر
28
ضاقت به الساحات حتى أصبحت
كالبحر يقذف بالعباب ويزخر
29
حتى إذا ظهر المليك كأنه
بدر به انجاب الظلام الأخدر
30
في برده أمل الكنانة باسم
وبوجهه نور الجلالة مسفر
31
شخصت له الآمال تسرع خطوها
ودنا لرؤيته العديد الأكثر
32
ترنو العيون فتجتلي من نوره
فيضا ويغلبها السنا فتحير
33
والناس بين مسبح ومكبر
لبى نداه مسبح ومكبر
34
والبشر قد ملأ الوجوه نضارة
فتكاد من فرط النضارة تقطر
والقطر يهتف أن يعيش فؤاده
والشعب يجهر بالدعاء ويجأر
35
في موكب لم يلق (كسرى) مثله
في السابقين ولم ينله قيصر
36
قدروا مآثرك النبيلة قدرها
وكذاك محمود المآثر يقدر
أحسنت للشعب الكريم رعاية
فشدا بنعمتك التي لا تكفر
الله قد خلق المكارم والندى
شجرا يظلل في الهجير ويثمر
37
إن الذي ملك القلوب بعطفه
أولى بتمجيد القلوب وأجدر •••
شعري استبق في الحاشدين مبادرا
لا يدرك الآمال من يتأخر
وانزل (برأس التين) واخشع مطرقا
مما تحس من الجلال وتبصر
38
فهنالك المجد المؤثل سامقا
والملك حولك واسع مستبحر
39
هذا (ابن إسماعيل) فانثر حوله
دررا تدوم على الزمان وتذخر
40
ساس البلاد بحكمة علوية
بسدادها تعتز مصر وتنصر
41
عزم كما صال الحسام وهمة
أسمى من النجم البعيد وأبهر
ومضاء رأي لو رمى حلك الدجى
لمضى الدجى متعثرا يتقهقر
بلغت به مصر منازلها العلا
يومي إليها طرفه فتشمر
42
تمضي، كما يمضي الشهاب، مجدة
لا يبلغ الشأو البعيد مقصر
43
ملأ البلاد عوارفا ومعارفا
تزجى إلى أقصى البلاد وتنشر
44
وأعاد مجد الخالدين بنهضة
تحتاج شم الراسيات وتقهر
45
فتلفت التاريخ مشدوه النهى
وتطلعت من حجبهن الأدهر
46
لا تدهش الدنيا، فصولة عزمه
أقوى على كبح الصعاب وأقدر
47
الخالدون على الزمان جدوده
والسابقون قبيله والمعشر
48
النهضة الكبرى إليهم تنتمي
وجلائل الآثار عنهم تذكر
درجوا وأما مجدهم فمخلد
باق، وأما ذكرهم فمعمر
49 •••
أفؤاد عش للنيل ذخرا إنما
بنداكما تحيا البلاد وتنضر
50
قد فاض في طول البلاد وعرضها
لكنه في جنب فيضك يصغر
يتبرك الوادي بلثم بنانه
فيعود وهو المعشب المخضوضر
51
الخصب والإغداق فيض يمينه
والمسك كدرة مائه والعنبر
52
تبر إذا غمر البلاد رأيتها
والدر ملء نحورها والجوهر
والأرض وشي طرزت أفوافه
والزهر منه مدرهم ومدنر
53
أنى جرى همس الخمائل باسمه
وتبسم النسرين والنيلوفر
54
وسرت بمقدمه البشائر حوما
السحب تنبئ والنسائم تخبر
إن أصبحت مصر الخصيبة جنة
في عهدك العمري فهو الكوثر
55
عش في حمى الرحمن جل جلاله
ترعاك عين لا تنام وتخفر
56
واهنأ بعيدك إنه فأل المنى
فبيمنه تعلو البلاد وتظفر
لا زلت ترفل في مطارف صحة
هي كل ما يرجو الزمان ويؤثر
57
واسلم لمصر فأنت أنت فؤادها
وحياتها ولبابها المتخير
58 •••
فاروق زين الناشئين المرتجى
كرمت أوائله وطاب العنصر
59
مجد الشباب مناط آمال العلا
وسنا الحياة ونجم مصر النير
60
أنبته خير النبات يزينه
خلق كأمواه السحاب مطهر
الفضل يلمع في وضيء جبينه
زهوا كما ابتسم الربيع المبكر
إن الصعيد لمزده بأميره
جذلان يصدح بالثناء ويجهر
61
لو تستطيع الباسقات بأرضه
سعيا لجاءت نحو بابك تشكر
62
عاش المليك وعاش فاروق الحمى
يزهو بطلعته الوجود ويزهر
63
هوامش
الجامعة العربية
أنشدت هذه القصيدة في حفل حاشد أقيم بالقاهرة تكريما لزعماء الأقطار العربية سنة 1944م، بمناسبة إنشاء جامعة الدول العربية بالقاهرة.
سنا الشرق، من أي الفراديس تنبع؟
ومن أي آفاق النبوة تلمع؟
1
وفي أي أطواء القرون تنقلت
بمصباحك الدنيا يشب ويسطع
2
طلعت على الأهرام والكون هامد
وأشرقت بالإلهام والناس هجع
3
طلعت شعاعا عبقريا كأنما
من الحق أو نور البصائر تطلع
4
وجمعت أسرار العقول فهل درت
مخابئ فرعون بما كنت تجمع؟
5
وجملت أفق الشرق والأرض كلها
سهوب تضل العين فيهن بلقع
6
أذاك ابتسام الغيد ما أشرقت به
ثناياك، أم زهر: الربا المتضوع؟
7
رأيت ابن عمران على الطور شاخصا
يهيب به الوحي الكريم فيسمع
8
وأبصرت عيسى ينشر الرفق والرضا
ويستل أحقاد القلوب وينزع
9
وشاهدت وسط الجحفلين محمدا
وبين هدى الإيمان والشرك مصرع
10
إذا صال فالدنيا مجر رماحه
وإن قال فالأيام عين ومسمع
11
ألم تره في بردة الليل ساجدا
ومنه دروع الروم حيرى تفزع؟!
12 •••
سنا الشرق، أشرق وابعث النور ساطعا
يشق دياجير الظلام ويصدع
13
أعد شمسك الأولى إلى الأفق مثلما
أعاد ضياء الشمس للأفق يوشع
14
نزفنا دموع المقلتين تفجعا
فهل مرة أجدى علينا التفجع؟
وعشنا بآمال كأطياف نائم
يروعها من دهرنا ما يروع
15
شعاعك تاريخ، ونورك حكمة
ولمحك آمال، ونهجك مهيع
16
إذا ضيع التاريخ أبناء أمة
فأنفسهم في شرعة الحق ضيعوا!
17
أبى الدهر أن ينقاد إلا لعزمة
يخر لها الدهر العتي ويخنع
18
وسر العلا نفس كما شاءت العلا
طموح، ورأي من شبا السيف أقطع
19
ومن يتجنب في الحياة زحامها
فليس له في ساحة المجد مشرع!
20 •••
خذي مصر أسباب السماء لموطن
من العز لا يسمو إليه التطلع
21
سحرت عيون الخافقين كأنما
بأرضك سحر للفراعين مودع
22
قباب تروم السحب إدراك شأوها
ومن دونه أعناقهن تقطع!
23
وآثار عرفان تضيء كأنما
تناثر حول النيل عقد مرصع
دعونا نباهي بالحياة فطالما
طوى أمم الشرق الحياء المقنع!
24
خلعنا رداء رث من طول لبسه
وكل رداء رث باللبس يخلع
25
صحا الشرق وانجاب الكرى عن عيونه
وليس لمن رام الكواكب مضجع!
26
إذا كان في أحلام ماضيه رائعا
فنهضته الكبرى أجل وأروع!
توحد حتى صار قلبا تحوطه
قلوب من العرب الكرام وأضلع
وأرسلها في الخافقين وثيقة
لها الحب يملي والوفاء يوقع
لقد كان حلما أن نرى الشرق وحدة
ولكن من الأحلام ما يتوقع
إذا عددت راياته فهي راية
وإن كثرت أوطانه فهي موضع
فليست حدود الأرض تفصل بيننا
لنا الشرق حد، والعروبة موقع
تذوب حشاشات العواصم حسرة
إذا دميت من كف بغداد إصبع!
27
ولو صدعت في سفح لبنان صخرة
لدك ذرا الأهرام هذا التصدع!
28
ولو بردى أنت لخطب مياهه
لسالت بوادي النيل للنيل أدمع!
29
ولو مس رضوى عاصف الريح مرة
لباتت له أكبادنا تتقطع!
30
أولئك أبناء العروبة ما لهم
عن الفضل منأى، أو عن المجد منزع
31
هم في ظلال الحق جمع موحد
وعند التقاء الرأي فرد مجمع
وقد يدرك الغايات رأي مدرع
إذا ناء بالأمر الكمي المدرع
32
لهم أمل لا ينتهي عند مطلب
لقد ذل من يعطى القليل فيقنع
غبار رحى الهيجاء في لهواتهم
من الشهد أحلى، أو من المسك أضوع
33
إذا لم يكن حلم الحليم بنافع
فإن صدام الجهل بالجهل أنفع!
سلوا عنهم عمرا وسعدا وخالدا
وملكا له يرنو الزمان فيخشع
34
تحدثت الدنيا بهم في شبابها
وجاءت إلى أبنائهم تتطلع •••
فيا زعماء الشرق، والشرق أمة
على الدهر لا تفنى ولا تتضعضع
نزلتم كأطياف الربيع بشاشة
يضاحككم من روض النيل ممرع
35
وخلفتم أهلا كراما وأربعا
فحياكم أهل كرام وأربع
36
هنا علم الشرق الذي في يمينكم
ستعنو له الأيام والدهر أجمع!
فسيروا بحمد الله للحق عصبة
وإن أسرعت دهم الليالي فأسرعوا
37
ففي همة الفاروق أفياء عزة
وركن على اللأواء لا يتزعزع
38
دعانا إلى الجلى فأكرم بمن دعا
إلى الوحدة الوثقى وأعزز بمن دعوا!
39
مليك له عزم هو السيف ماضيا
ورأي إذا ما أظلم الشك ألمع
40
أعاد إلى الشرق الشباب وقد مضى
وأيأس ما يرجى الشباب المودع
41
فلا زال دوحا للعروبة وارفا
يغني بذكراه الزمان ويسجع
42
هوامش
خلود
نظم الشاعر هذه القصيدة في ذكرى الشاعرين أحمد شوقي وحافظ إبراهيم عام 1947م.
ضل شعري وند عني بياني
ما على الشاعرين لو أرشداني؟
1
ضاع في ظلمة المشيب أنينا
وبكى في الصبا بياض الأماني
مزهر أن في قفار فلاة
وابن غصن شدا بلا أغصان!
2
بين قوم ما رن في سمعهم أح
لى نشيدا من أصفر رنان
3
صدفتهم عن خالد الفن أضغا
ث وزهو من كاذب العيش فاني
4
هات سمعا أسمعك رائع أنغا
مي، وإلا فاذهب ودعني وشاني
أنا في أمة بها جدول الضر
ب طغى سيله على الأذهان
إن رأوا صفحة بها بيت شعر
تركوه يبكي على كل باني
صحت فيهم فعاد صوتي مع الري
ح، وعادت حزينة ألحاني
في كساد القريض أخفيت دري
وخزنت الغريب من مرجاني
5
وتمنيت كل شيء على الله
سوى أن أعيش من أوزاني
6
كل شبر بمصر خصب على الهرا
ج، جدب الثرى على الفنان!
7 •••
سكت العندليب في وحشة الدو
ح، وغنت نواعق الغربان
8
فسمعنا من النشوز أفاني
ن يروعن صادح الأفنان
9
أسمعونا برغمنا فصبرنا
ثم ثرنا غيظا على الآذان
جلبوا للقريض ثوبا من الغر
ب، ولم يجلبوا سوى الأكفان!
ثم قالوا: مجدون فأهلا
بصناديد أخريات الزمان!
10
لا تثوروا على تراث امرئ القي
س، وصونوا ديباجة الذبياني
11
واتركوا هذه المعاول بالله،
فإني أخشى على البنيان
12
واحفظوا اللفظ والأساليب والذو
ق، وهاتوا ما شئتم من معاني
ما لسان القريض من عربي
كلسان القريض من طمطماني!
13
إنما الشعر قطعة منك ليست
من دماء اللاتين واليونان
14
كل فن له مكان وأهل
إن غدا العلم ما له من مكان
إن رأيتم أخوة العود للجز
بند، فابكوا سلالة العيدان
15
لا يهز النخيل إلا حنان الن
ناي، في صمت ليلة من حنان!
وجهة الشرق غيرها وجهة الغر
ب، فأنى وكيف يلتقيان! •••
أين عهد الشباب واللهو يا شع
ر؟ وأين الهوى؟ وأين المغاني؟
ذبل الورد وانقضى موسم الري
حان، وا حسرتا على الريحان!
وانطوى مجلس الصحاب بمن في
ه وما فيه من أمان لدان
16
كان أشهى للنفس من حسوة الكأ
س، وأحلى من صادحات الأغاني
17
لم تدر كأسه على واغل فد
م، ولا واكل عن المجد واني
18
ينثر الشعر فيه كالزهر ريا
ن، بلحن من الصبا ريان
19
كان فيه «شوقي» وكان «أبو الحف
ظ» و«حفني» وجملة الإخوان
20
و«إمام العبد» الذي كان رمزا
لتآخي المصري والسوداني
21
كان شوقي يصغي وما كان يصغي
هو في عالم من الفن ثاني!
كلما مد رأسه يرقب الوح
ي، رأيت العينين تختلجان
ثم يغضي مهمهما مثلما جر
بت بالجس شاديات المثاني
22
ينظم الشعر وهو يلقي الأحادي
ث، فيأتي بآبدات البيان
23
روحه في السماء، وهو على الأر
ض، كلا العالمين مختلفان
هو شوقي جسما يرى ويناجى
وهو في الشعر طائف نوراني
شركسي أعيا على العرب مأتا
ه، فحسان ليس بالحسان
24
وله في المديح ما لم يداني
ه ابن عبدان في بني حمدان
25
حكمة مشرقية، في خيال
فارسي، في منطق عدناني
ينثر الدر عبقريا عجيبا
ليس من «مسقط» ولا من «عمان»
26
أنا بالدر أخبر الناس لكن
ذلك النوع ند عن إمكاني!
27
فاسألا كل جوهري فإن قا
ل لديه مثل له فاسألاني
28
يا خليلي لا تهيجا لي الذك
رى، فقد نالني الذي قد كفاني
ناولاني بالله ديوان شوقي
لأراه كعهده ويراني
ثم سيرا على الأصابع في صم
ت، وفي حضرة «الأمير» دعاني
29
مرة ألتقي به أملد العو
د نضير الصبا طليق العنان
30
بين راح وروضة وغدير
وحسان، مضى زمان الحسان!
31
ووجوه الآمال أزهى من الزه
ر، وغصن الشباب في ريعان
غزل أذهل الغواني عن الحس
ن، ومن أين مثله للغواني؟
حين يشدو يصغي له الطير حيرا
ن مغيظا مسائلا من حكاني؟
ذاك صوت به خصصت من الله
فمن أين جاء للإنسان؟
يصف الجسر والجزيرة تهت
ز حواليه هزة النشوان
32
في ثياب من الطبيعة وشا
ها كما شاء مبدع الألوان
33
ويرى حبه لدولة عثما
ن شعارا لصادق الإيمان
34
ذاك شعر الشباب والدار دار
وأيادي «العباس» بيض دواني
35 •••
ثم ألقاه وهو في الأسر يشكو
فيثير الكمين من أشجاني
ويناجي شعره «نائح الطل
ح» فيبكيه مثلما أبكاني
36
زحمت مصر بالبغاث من الطي
ر، وعيق الشادي عن الطيران!
37
أسروه ليحبسوا صوته العا
لي، فنادى بصوته الخافقان
38
احبسوا السيل إن قدرتم وسدوا
إن أردتم منافذ البركان
ودعوا الشعر فهو طير من الفر
دوس يأبى مسيسه بالبنان
ثم طار الهزار للعش غري
دا وعاد الغريب للأوطان!
39
عاد «زرياب» بعد أن زاد أوتا
را لأوتار عوده المرنان
40
فتغنى بمصر في موكب الشر
ق، وعز التاجين والصولجان
وشدا بالشموس من عبد شمس
والغطاريف من بني مروان
41
ألهب العزم في بني مصر نارا
أي خير في هذه النيران!
ودعا بالشباب فابتدروا السب
ق، وآمال مصر في الشبان
42
والروايات أعجزت كل شيطا
ن، وأعيت في وصفها شيطاني
43
حكمة الشيب في مراس التجاري
ب، وفكر أمضى شبا من سنان
44
جنت السن ما جنت غير عقل
زاد بالسن صولة ولسان
45
كلما هدت الليالي قواه
بلغ الشعر قمة العنفوان
شعر شوقي وديعة الزمن البا
قي، وشوقي وديعة الرحمن! •••
قد شغلنا عن حافظ بأمير الشع
ر، ويلي! لو كان يدري لحاني
46
كان يجري على أعنة شوقي
ويعاني من ركضه ما يعاني
47
لا الجوادان في النجار سواء
حين تبلوهما ولا الفارسان
48
يلهب الشعر حافظ أرعن السو
ط، وشوقي في آخر الميدان!
ليت شعر القريض أي سباق
بين شعريهما؟ وأي رهان؟!
حافظ زين القريض بفن
بحتري عذب رشيق المباني
49
لفظه في يديه يختار منه
صحفة الدر في يدي دهقان
50
ولكم قد أعاد بيتا مرارا
باحثا عن فريدة من جمان
51
يتقرى في الشعر ميل الجماهي
ر، ليحظى بصيحة استحسان
52
جال في حومة السياسة وثا
با، فأذكى حماسة الفتيان
53
ورمى الاحتلال حرا جريئا
وتحدى «العميد» ثبت الجنان
54
في زمان قد ذل كل إباء
فيه، وانقاد كل صعب الحران
55
وظفوه فأسكتوه فألقى
شعره في مهامه النسيان
56
ويح هذا الكروان! هل راقه الحب
س وأغراه عسجد القضبان؟
57
هشموا نابي «ابن برد» وحالوا
بين كاس الطلا وبين ابن هاني!
58
كان شوقي وحافظ إن دجى الخط
ب، شعاعين في الدجى يلمعان
59 «فهما في أواخر الليل فجرا
ن، وفي أولياته شفقان»
60 •••
أيها الشاعران قد صوح الدو
ح، وولت بشاشة البستان!
61
وخلا الربع لا قراع كئوس
ضاحكات، ولا رنين قيان!
62
وتولى القطان لم يبق إلا
حسرات لفرقة القطان!
63
ومضى الركب بالرفاق وخلا
ني وحيدا أبكي على خلاني
أيها الشاعران في جنة الخل
د، هناء بالخلد والرضوان
مهدا لي إلى جواركما مث
وى، إذا آن للرحيل أواني
64
هوامش
الشباب
نشرت هذه القصيدة بمجلة الهلال في سنة 1947م.
أهبت بالشعر أن يعودا
إلى الصبا ناعما رغيدا
1
يذكر ما مر من عهود
لله ما أنضر العهودا!
في كل يوم أرى فناء
وهو يرى حوله خلودا
طار حثيثا بكل أفق
لما مشت خطوتي وئيدا
وصوحت دوحتي ومالت
ولم يزل صادحا غريدا
2
يأخذ ما أبقت الليالي
ويبتغي فوقه مزيدا
تجاربي الباكيات عادت
تجري بأوتاره نشيدا
في حكمة الشيب لي عزاء
وكم وعيد حوى وعودا!
3
كادت أياديه وهي بيض
تنسى حلي الشباب سودا
4 •••
علوت طود الزمان حتى
رأيت من فوقه الوجودا
5
وبان ما لم يبن لغيري
وكان عن عينه بعيدا
كان شبابي رفيق عمري
فعشت من بعده وحيدا
غاب فلما مضى وولى
جعلت شعري له بريدا
أبعث بالشوق كل يوم
ويبعث الهجر والصدودا
6
وكم محوت السطور لثما
أحسبها للصبا خدودا
يصور الحب في إطار
فأبصر الغيد فيه غيدا
ويرسم الماضي المولي
كعهده باسما سعيدا
ألمح شخصي به كأني
ألمح شخصا به جديدا
أين ورودي وأين كأسي؟
ماذا دهى الكأس والورودا؟
لم يبق مني سوى لسان
يجيد ما يشاء أن يجيدا
وفكرة صورت نضارا
وحكمة نظمت عقودا
7 •••
فيا شباب البلاد صونوا
شرخ الصبا قبل أن يبيدا
8
يعود في الكون كل شيء
وذاهب العمر لن يعودا
إن اشتكى النيل مس ضيم
فحرموا حوله الورودا
9
تجارة الرق قد تولت
فما لنا نلمح القيودا؟
10
قد ذهب العمر في جدال
كنا لنيرانه وقودا
لا يدرك السؤل غير عزم
مثابر يقرع الحديدا
فأيقظوا مصر من جديد
فإنها ملت الرقودا
لا ترسموا للطموح حدا
فالمجد لا يعرف الحدودا
العلم أمضى من المواضي
فجردوا نحوه الجهودا
مصر تريد السماء وثبا
وأول النجح أن تريدا
هوامش
في الزيارة الملكية
أنشدت أمام الملك فؤاد بمدينة أسيوط في 21 من ديسمبر سنة 1930م، حينما زار المدينة لزيارة معاهدها العلمية.
طلعت فأبصار الرعية خشع
وأشرقت مثل النجم في الأفق يلمع
1
وأقبلت تبني المجد في كل موضع
فلم يخل من آثار مجدك موضع
خوالد آثار تمنى مثالها
على الدهر رمسيس العظيم وخفرع
2
بنوها لما بعد الحياة وأبدعوا
وإنك تبني للحياة وتبدع
معاهد علم تنشر النور والهدى
وتطوي ظلام الجهل من حيث تسطع
3
وآثار فضل في البلاد رفعتها
كما كان (إسماعيل) للبيت يرفع
4
إذا تممت من فيض جدواك نعمة
فأنت بأخرى ساهر الطرف مولع
5
جريت على آثار آبائك الألى
مضوا ثم أبقوا ذكرهم يتضوع
6
هم غرسوا دوح الحضارة وارفا
تظللنا منه غصون وأفرع
أفي كل يوم من نداك صنيعة
تعيد إلى مصر الشباب وترجع؟
أفي كل يوم للمليك عزيمة
تخر لها شم الجبال وتخشع؟
7
ملكت زمام النيل يا شبه فيضه
فلم يبق في مصر بيمنك بلقع
8
وعلمته من جود كفيك خلة
فما سال إلا وهو بالتبر مترع
9
علوت مطاه وهو للأرض مشرع
وأنت لآمال الرعية مشرع
10
فسال يجر الذيل تيها بمالك
له المجد تاج بالجلال مرصع
وأشرق إقليم الصعيد بطلعة
تخر لها الأعناق طوعا وتخضع
بدت مثل مصباح السماء تعاونت
على تمه في الأفق عشر وأربع
11
لدى موكب ما سار فيه ابن منذر
ولا ناله في سالف الدهر تبع
12
يحيط به نور الإله ونصره
وتحرسه عين الإله وتمنع
13
سمعت به حتى إذا ما رأيته (رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع)
14
وللشعب قلب حول ركبك خافق
ورأي على الإخلاص والود مجمع
15
يزاحم كي يحظى بنظرة عاجل
فيبهره من نور شمسك مطلع
هتاف من الحب الصميم انبعاثه
تردده أصداؤه وترجع
ملكتهم ملك الكريم فأخلصوا
وقدتهم نحو المعالي فأسرعوا
فخارا (سيوط) فيك خير مملك
تحج له آمال مصر وتهرع
16
بدا مثل ما يبدو الربيع بشاشة
ووافى كما وافى الرجاء الممنع
فماؤك سلسال، وطيرك صادح
وغصنك ريان، وواديك ممرع
17 (فؤاد) ابق للقطر الخصيب تحوطه
وتدفعه نحو الحياة فيدفع
وعاش بك (الفاروق) في ظل نعمة
يلم شتات المكرمات ويجمع
18
هوامش
المجمع اللغوي
ألقيت في الاحتفال بالدورة الثانية لمجمع اللغة العربية سنة 1934م.
ذكريات ردد الدهر صداها
وعهود يحسد المسك شذاها
وصل العرب الغطاريف إلى
غاية، لا تبلغ الطير ذراها
1
وجروا صوب العلا في طلق
زاحم الأنجم واجتاز مداها
تقف الأوهام حسرى دونه
لاهثات قصر الأين خطاها
2
مر بالشمس فلم تشعر به
إذ جرى إلا ظنونا واشتباها
أمة الصحراء أقوى جلدا
من مهاريها وأهدى من قطاها
3
صخرها أوحى إليها عزمة
من بني رضوى وثهلان بناها
4
وسكون البيد في رهبتها
جرد الروح وبالنور كساها
5
رب صدر نافس الحلم به
كل صحراء بعيد منتهاها
وخلال أنبت الجدب بها
عزة اليأس فما لانت قناها
6
أبت الضيم فما مدت يدا
لذوي النعمى ولم تعفر جباها
7
تحفظ العرض مصونا ناصعا
وإلى الطراق مبذول قراها
8
أمم إن يهلك المال، فإن
لمست أعراضها حلت حباها
9
رددت أشعارها شمس الضحا
وسراج الليل لما أن تلاها
10
آية من نفحة الله، فلو
كان للنسيان كف ما محاها
روضة قد لقبوها كلما
تخجل الحسن إذا الحسن رآها
كم حكيم أوتي الحكم فتى
وفتاة ملأ التبيان فاها
11
ترسل الأمثال تسري شردا
لا تبالي أينما كان سراها
قف على الأطلال واذكر أمة
خلد الأطلال مأثور بكاها
12
بعث الله بها نور الهدى
من قريش فاصطفاه واصطفاها
13
أشرق الصبح على الدنيا به
بعد أن طال على الدنيا دجاها
وجرى في الأرض ينبوع هدى
بعد أن حرقها حر صداها
14
قلد الفصحى حلى قدسية
فزهاها من حلاها ما زهاها
15
وبيانا هاشميا لو رمى
قلل الأجيال لانهدت قواها
16
أسهم من كلم مسنونة
جاهدت في الله والله براها
17
كلما صاح بها في طيبة
مستثيرا رددتها لابتاها
18
يزعم الشعر سفاها أنه
لو عفت عنه القوافي لحكاها
19
نزل القرآن بالضاد فلو
لم يكن فيها سواه لكفاها
20
حسبها أن صورت من آيه
معجزات عظمت أن تتناهى
21
وبنو مروان لله هم
عدة الفصحى وحراس حماها
22
رب مأثور لهم ود له
صدف اللؤلؤ لو كان شفاها
23
خطب هز لها منبرهم
يقذف الهول دراكا من رماها
24
وقواف سل أبا حزرتها
وسل الأخطل كيف ابتدعاها
25
طف ببغداد وسل آثارها
أي سر كتمته شفتاها!
26
كل رسم قد وعى نادرة
لو جرى النطق عليه لحكاها
27
مشت الدنيا إليها تتقي
سخط بغداد وتستجدي رضاها
وأبو المأمون في مملكة
يتحدى المزن أن تعدو قراها
28
بلغت بنت قريش ذروة
ببني العباس صعبا مرتقاها
29
بين شعر كأزاهير الربا
عكف الغيث عليها فسقاها
هو دل رددته قينة
وهو وجد فاض من نفس فتاها
30
وعلوم ترجمت واستنبطت
وفصول بهر الدنيا حجاها
31
آبدات القول ولت بعدهم
طيب الله ثراهم وثراها!
32
يا بني العباس في مصرعكم
عظة الكون وعاها من وعاها
أطفئ النور ودالت دولة
وطوى الدهر المنى حين طواها
شد هولاكو على أرباضها
شدة الذؤبان أبصرن شياها
33
وجرى من حوله عقبانه
كلما أطعمها هاج ضراها
34
لهف نفسي بنت عدنان هوت
وأسود الغيل قد ديس شراها!
35
سائلوا دجلة عما راعها
أو دعوها فكفاها ما دهاها
36
قذف الكتب بها طاغية
هل درى ما كنزته دفتاها؟
فتأمل إذ جرى آذيها
أترى فيه عقولا أم مياها؟
37
ذهب العسف بآثار النهى
كيف تحيا أمة ضاعت نهاها؟
38
طارت الفصحى لمصر تبتغي
ناعم العيش خصيبا في ذراها
39
بقيت فيها تلاقي شظفا
في أحايين، وفي حين رفاها
40
ثم هبت حولها عاصفة
خلط الذعر ضحاها بمساها
وإذا نجم بدا مؤتلق
شخصت نحو سناه مقلتاها
41
وإذا منقذ مصر ماثل
وإذا مصر وقد شدت عراها
42
وإذا العلم يدوي صوته
وإذا الضاد أضاءت صفحتاها
43
ظفرت بالعبقري المرتجى
فاستجابت للعلا لما دعاها
دولة العلم به ردت إلى
عرش مصر بعد أن طال نواها
44
من كإسماعيل في آلائه
ينفد القول ولا يفنى جداها؟
45
زهيت مصر جمالا وسنا
بأبي الأشبال، واهتزت رباها
46
تخجل السحب إذا ما وازنت
مرة بين نداه ونداها
47
غرس العلم بمصر دوحة
كلما أخضلها طاب جناها
48
سمت الآداب والدنيا به
وبدت تخطر في أزهى حلاها
49
يا ابن إسماعيل يا ذخر النهى
جددت مصر بكم عهد صباها
50
كل أشتات الندى إن فرقت
فإلى باب فؤاد ملتقاها
51
همة شادت بمصر دولة
صانها الإنصاف والعلم وقاها
مسحت مصر به عين الكرى
بعد أن طال على مصر كراها
52
وثبت وثبتها دائبة
كلما أجهدها السعي زجاها
53
أينما أبصرت تلقى نهضة
تملأ العين، وإقبالا وجاها
وقصورا لامعات كالضحا
ردد العرفان في مصر صداها
يا نصير العلم في مملكة
بلغت بالعلم غايات مناها
54
كل يوم لك حفل للعلا
وأياد تبهر الدنيا لهاها
55
وجدت بنت قريش موئلا
في ذرا الملك وحصنا من عداها
56
لغة القرءان تزهى شرفا
أن حامي الدين والملك حماها
حكمة المأمون عادت دارها
بابن إسماعيل من بعد بلاها
57
مجمع الفصحى تجلى مشرقا
في سماء المجد مجتازا سهاها
58
هو في مصر منار كلما
أرسل الأضواء في مصر هداها
رأت البصرة فيه حفلها
ورأت بغداد فيه منتداها
59
من رسولي لأعاريب اللوى؟
أين أعراب اللوى أين لواها؟
60
أن مصرا بعثت آدابها
وأبا الفاروق قد أحيا لغاها
وبنى اليوم عكاظا ثانيا
تاه إعجابا به الدهر وباهى
61
هل حبا الآداب تاج مثلما
صاحب التاج بمصر قد حباها؟
62
أنهض التأليف من كبوته
فسقى الأحلام رشدا وغذاها
63
كم كتاب دونت أخباره
مننا، كان فؤاد مبتداها
64
رحل الأعلام في الغرب إلى
سدة يسطع بالعلم سناها
65
فرأوا مملكة وثابة
ومليكا بهدى الله رعاها
دم فؤاد القطر، تحيا أمة
لم يكن إلاك يوما مرتجاها
66
وسما الفاروق نجما ساطعا
لبني مصر وعنوان علاها
هوامش
مصر الوالهة
في رثاء الملك فؤاد المتوفى في الثامن والعشرين من أبريل سنة 1936م.
جلل، هز كل ركن وهدا
ومصاب، رمى القلوب فأردى
1
كل صدر به أنين ووجد
مرسل خلفه أنينا ووجدا
عبرات، من ساكب ليس ترقا
ووجيب، من خافق ليس يهدا
2
ونشيج، أقض من مضجع اللي
ل، وماجت له الكواكب سهدا
3 •••
فزعت مصر فزعة طار فيها
كل عقل عن الرشاد، وندا
4
هرعت ساعة الوداع تفيض الدم
ع بحرا، وترسل الشوق وقدا
5
أمة هالها المصاب فهامت
تستحث الخطا، شيوخا ومردا
6
خرجت من خبائها كل خود
لم تقنع رأسا، ولم تخف خدا
7
أعجلتها مصيبة الوطن المف
جوع أن تختبي، وأن تتردى
8
زمر تلتقي على الحزن واليأ
س، وحشد باك يزاحم حشدا
وبحار من الأناسي ماجت
مزبدات، يجشن جزرا ومدا
9
وجبال تسير في يوم حشر
كل فند تراه يتبع فندا
10
فوق سطح البيوت كالنحل فانظر
ثم إياك أن تحاول عدا
كل بيت قد عاف أحجاره الصم
م، وأضحى دما ولحما وجلدا
11
والميادين كلها أمم تز
جى، كما تكدس السحائب ربدا
12
فإذا شئت أن ترى الأرض أرضا
كنت ممن يحاول الأمر إدا
13
نفس واحد جميعا، وقلب (لفؤاد) يئز شوقا وصهدا
14
ودعاء يمر بالصدر برقا
فإذا انساب منه أصبح رعدا
وخشوع من الجلال تراءى
وجلال من الخشوع تبدى
حملوه، وإنما حملوا آ
مال شعب، بزهرها الغض تندى
حملوا حامي الحقيقة والدي
ن، كما تحمل الملائك عهدا
حملوا كوكبا أشع على مص
ر سنا مبصرا وهديا وسعدا
15 •••
ما على الدهر مرة لو توانى؟
أو على الدهر ساعة لو تهدا؟
16
لفحت ريحه أزاهير آما
ل، ملأن الوجود مسكا وندا
17
وعدت كفه على دوحة كا
نت تمد الظلال في مصر مدا
وجدت مصر في ذراها سلاما
وطوت في ظلالها العيش رغدا
18
قد نعينا فردا به كان عصرا
وفقدنا عصرا به كان فردا
دولة فاقت الكواكب نورا
وأنافت على الكواكب بعدا
19
علمت كل مالك كيف ترعى
أمم حاطها الملوك وتهدى •••
رفع الشرق رأسه (بفؤاد)
ونضا عنه يأسه فاستجدا
20
ومضى يسبق الخواطر وثبا
وجرى يجهد الأماني وخدا
21
وأتت كل أمة ترتجي (مص
ر) ودادا، وتنهل العلم وردا
22
كعبة حجت الوفود إليها
تستحث الركاب وفدا فوفدا
23
حفزتها لعرش (مصر) أمان
بنشيد الولاء والحب تحدي
24
فرأت حزم جاهد لن يبارى
ورأت جهد حازم لن يحدا
أبصروا الملك في جلالة معنا
ه، يباهي السماء عزا ومجدا
أبصروا دولة وملكا كبيرا
ومراسا يعيي الزمان وجهدا
همة تفرع النجوم، وعزم
سلب السيف حده والفرندا
25
ومضاء في الحادثات برأي
فضح الصبح نوره وتحدى
يستمد الإلهام من عالم الغي
ب، وأجدر بمثله أن يمدا •••
دفع الشعب للسبيل فكانت
من سنا هديه أمانا ورشدا
26
ملهبا عزمه إذا اجتاز غورا
مستحثا إذا تسلق نجدا
27
كلما خار أجزأت بسمة من
ه، فمد الخطا حثيثا وجدا
28
ومضى كالقضاء يهوي لمرما
ه، جريئا مجمع القلب جلدا
29
يبهر الصخر أن يرى منه صلدا
آدمي الرواء، يقرع صلدا
30
لا يبالي إذا سعى للمعالي
خبط الشوك، أم توطأ وردا؟
31
و(فؤاد) أمامه خير هاد
قاد للغاية البعيدة جندا
كان للمقدمين روحا وقلبا
ولركب السارين كفا وزندا
32
لو دعاهم إلى النجوم لساروا
خلفه يزمعون للنجم قصدا
وإذا اليأس مسهم كان عطفا
وسلاما على القلوب وبردا
33
نظرة منه تبعث الأمل الوا
ني، وتحيي منه الذي كان أودى
34 •••
كان ردءا لمصر إن جار دهر
وصماما لأمنها إن تعدى
35
ساس بالحكمة البلاد، فكانت
من عوادي الزمان درعا وسدا
فهو إن شاء صير الغمد سيفا
وإذا شاء صير السيف غمدا
قد أعدته رحمة الله للحك
م، كريما مباركا، فاستعدا
ورعى الله في الرعية والمل
ك، فوفى حق الإله وأدى
أينما سرت مشرقا تلق شكرا
أو توجهت مغربا تلق حمدا
وإذا الله رام إصلاح شعب
سلك القائد الطريق الأسدا
إنما الناس بالملوك، وأغلى ال
ملك شأوا ما كان حبا وودا
36 •••
رد بالحزم كل خطب سوى المو
ت، وللموت صولة لن تردا
37
والفتى في الحياة رهن عواد
لا يرى دون ملتقاهن بدا
38
حكم الموت في الأنام فسوى
لم يدع سيدا، ولم يبق عبدا
بينما يسحق المال تراه
باسطا كفه ليقنص أسدا •••
يا مليكي، والحزن يطحن نفسي!
كلما قلت: خف. قال: سأبدا
أين عز الملك الذي كان للآ
مال في سوحه مراح ومغدى؟
39
أين تلك الهبات للعلم تزجى
كل رفد فيها يزاحم رفدا؟
40
أين أين القصاد في ساحة القص
ر؟ وأين الصلات تعطى وتسدى؟
أين ذاك الجبين ينضح نورا؟
أين ذاك الحديث يقطر شهدا؟
قد فقدناه والمصاب جليل
وجميل العزاء بالحر أجدى
نحن لله راجعون، وكل
بالغ في مجالة العمر حدا
41
غير أن الفتى يغالبه الدم
ع ، فلا يستطيع للدمع صدا
كل مهد يصير من بعد حين
قصر العمر أو تطاول لحدا •••
قد ملأت الوجود شدوا بمدحيك،
وهل غير مزهري بك أشدى؟
42
خالدات من الجلائل أولت
شعري المزدهي بوصفك خلدا
43
كتب الله أن يعود رثاء
وبكاء يدمي العيون وكمدا
قد نظمت العلا قلادة در
فنظمت الدموع أرثيك عقدا
44 •••
أمل الشعب في خليفتك الفا
روق أحيا آماله وأجدا
45
قرأ الشعب في ملامحه الغر
ر سطور المنى وأبصر جدا
46
ورأى فيه نبعة المجد والنب
ل: أبا مفرد الجلال وجدا
47
لم يجد للعلا سواه مثيلا
ولبدر السماء إلاه ندا
رحمة الله للمليك المسجى!
ورعت عينه المليك المفدى
48
هوامش
إلى الأستاذ الإمام
قيلت هذه القصيدة والشاعر طالب بالأزهر سنة 1901م، وكان يتلقى دروس البلاغة والتفسير على الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده. فمدحه بهذه القصيدة ونحا فيها منحى الشعراء المتقدمين في الوصف والأسلوب. وند عن الذاكرة عدد غير قليل من أبياتها.
المجد فوق متون الضمر القود
تطوي الفلا بين إيجاف وتوخيد
1
إذا رمت عرض صيهود مناسمها
رمت إليها الليالي كل مقصود
2
أو مزقت طيلسان الليل من خبب
كست خيال الأماني ثوب موجود
3
تدنى من المجد إن شط المزار بها
فحبذا هو تقريب بتبعيد!
4
المجد بالسيف إن عزت وسائله
لا يغمد الحق سيف غير مغمود
فكم شققت فؤاد البيد منصلتا
من يطلب المجد لا يبخل بمجهود
ترمي التنوفة بي أخرى بجانبها
وأقطع البيد بعد الجهد للبيد!
5
كأنني الكأس بين الشرب مترعة
يديرها القوم من بنت العناقيد
6
في كل بهماء لم يعبر مناكبها
طيف من الجن إلا خاف أن يودي
7
لا يرسل الطرف في ميدانها قدما
إلا بزجر وإيعاد وتهديد
8
إذا بدا الفجر ظنته ضراغمها
سيفا فكرت إليه كر صنديد
وأقبلت لغدير الماء واثبة
تظنه لأمة من نسج داود
9
فكنت بين مروع القلب مرتجف
كأنني صارم في كف رعديد
10
أطوي الدجى فإذا ما اليأس أدركني
وفل عزمي بسيف منه محدود
11
ذكرت عزما من الأستاذ فاتجهت
عزيمتي بين إقدام وتسديد
12
وسرت مثل قضاء الله ليس له
نقض ولا سهمه يوما بمردود
مولاي علمتني كيف الثبات إذا
لم يترك الرعب قلبا غير مزءود
13
علوت فازددت بين الناس معرفة
والنجم يعلو فيبدو شبه مفقود!
وأصبح الدين تياها بناصره
والضاد تزهى بتجميل وتجديد
دع الحسود، أما يكفيك أن له
نفسا تفور، وحظا غير مجدود؟
14 •••
يا فارس الشعر لا تجزع لنازلة
إذا دعوت إليها فارس الجود
15
فنظرة منه لو مست ظلام دجى
ما زمل الليل في أثوابه السود
16
هوامش
رثاء الزهاوي
أقامت الحكومة العراقية حفلا جامعا لتأبين شاعرها الكبير «جميل صدقي الزهاوي»، دعت إليه شعراء الأقطار العربية ومن بينهم الشاعر . وقد ألقيت هذه القصيدة ببغداد في 12 من فبراير سنة 1937م.
جفا الروض مغبر الأسارير ماطره!
وغادره قفر الخمائل طائره!
1
ذوى نبته بعد البشاشة وارتمت
مصوحة أثماره وأزاهره
2
تلفت: أين الروض، أين مكانه
وأين مجاليه، وأين بواكره؟
3
وأين الذي لم يطرق الأذن مثله
إذا صدحت فوق الغصون مزاهره؟
4
حمائم ألهاها النعيم عن البكا
وأذهلها عن عابس العيش ناضره
إذا أرسلت ألحانها في خميلة
توثب زهر الروض واهتز عاطره
5
لها صوت داود وحسن رنينه
إذا ما علت متن النسيم مزامره
6
إذا بدأت أشجاك أول صوتها
وإن سكتت أعيا بيانك آخره
وإن هتفت في الدوح مال كأنما
يسايرها في لحنها وتسايره
7
تحدت فنون الموصلي وطوحت
بأنفس ما ضمت عليه بناصره
8
أولئك أوتار الإله وصنعه
إذا عزفت فليسكت العود واتره
9
ألمت بأسرار النفوس فترجمت
كما فسر الحلم المحجب عابره
يصيخ إليها أسود الليل باسما
فتفتر عن زهر النجوم مشافره
10
يود لو أن الغيد ضمت شعورها
إلى شعره الداجي فطالت غدائره
ويرجو لو أن الفجر عوق خطوه
وطاش به نائي الطريق وجائره
11
وزلت بشطآن المجرة رجله
فطوحه في غمرة اليم زاخره
12
سل الروض إن أصغت إليك رسومه
متى روعت أطلاؤه وجآذره؟
13
وأين الغدير العذب طاب وروده
لذي الغلة الصادي وطابت مصادره؟
14
إذا فاض بين الزهر تحسب أنه
يماني برد أذهل التجر ناشره
15
تأزر من أثوابه الروض واكتسى
فرقت حواشيه، وطالت مآزره
16
تدور به جم البلابل مطرقا
ولم تدر أن الدهر دارت دوائره!
17
وتصغي، فلا يجتاز سمعك نغمة
سوى أنة يلهي بها الحزن قاهره
وتدعو، فلا تلقى مجيبا سوى النوى
تطارح مطوي الأسى وتحاوره
18
وقفت به، والقلب يحبس وجده
فيطغى، ودمع العين ينهل بادره
19
وما وقفتي بين الرياض وقد عفت
سوى حاجة يقضي بها الحق ناذره
20
أرى! ما أرى إلا غبارا أثاره
خميس الليالي حينما ثار ثائره
21
مضى الطائر الصداح فالأفق موحش
حزين النواحي، عابس الوجه باسره
22
وأودى (الزهاوي) فانتهى ملعب النهى
وأطفئت الأنوار، وانفض سامره
23
أقام على رغم النبوغ بحفرة
وسارت على رغم المنون سوائره
24
وغادر عرش اللوذعية ربه
وخلى ندي العبقرية شاعره
25
دعوا ذكر إعجاز البيان وسره
فقد غاب عنه طيلة الدهر ساحره
له خاطر لو سابق البرق في الدجى
لجلى على برق السموات خاطره!
26
تملك حر الشعر سن يراعه
فيا عجبا أن حرر الشعر آسره
27
تمنى العذارى لو تقلدن دره
ورفت على أجيادهن جواهره
ويزهي العيون الدعج أن سوادها
شبيه بما ضمت عليه محابره
28
وما جاشت الصهباء إلا لأنها
وقد صفقوا مشمولها، لا تناظره
29
تمر به مرا فيسبيك بعضه
وتقرؤه أخرى، فيسبيك سائره
30
ترى فيه هذا الكون صورة حاذق
أحاطت بأسرار الحياة بصائره
وتلمح فيه الرأي في بعد غوره
كما غاص تحت الماء للدر ذاخره
31
وتلقى به الآذي في ثورانه
إذا عقله الجبار مارت موائره
32
له قلم لو لامس الطرس مرة
تدانى له صعب القريض ونافره
33
لقد كان منظار النفوس فلم يجل
بنفس هوى إلا وطرفك ناظره
34
يلوح بعيد الرأي خلف زجاجه
وحاضر تاريخ الحياة وغابره
35
براه إله الخلق عزما وجرأة
تهاب الرواسي حده وتحاذره
36
وصوره غضبا تفر لهوله
ذئاب الدنايا شردا وهو شاهره
37
كأن عصا موسى أعيدت بكفه
يصاول من يرمي بها ويغاوره
38
يقول جريئا ما يريد، وربما
يقول الفتى ما لم ترده سرائره
39
وكم من فتى يقضي بنفسين عيشه
مظاهره نفس، ونفس مخابره
40
تراه مع النساك في خلواتهم
وفي الحان قد نمت عليه ستائره
41
لسان كما طال الجرير مسبح
رياء ، ومن خلف اللسان جرائره
42
إذا لم يكن في الحرب قلبك باترا
فماذا يفيد المرء في الحرب باتره؟
حنانا له! كيف استقرت به النوى؟
وكيف ثوى بعد التلهف حائره؟
43
وهل بعد ليل في الحياة مؤرق
كثير التظني أبصر الصبح ساهره؟
44 •••
شققت إليك الطرق والقلب خافق
تراوحه آلامه وتباكره
45
تذكر ألافا ألموا فودعوا
كطيف خيال أرق الصب زائره
ونحن حياة، والحياة إلى مدى
ولولا المنى لم يبذر الحب باذره
46
وإن المهود الزهر - لو علم الفتى
وفكر في غاياتهن - مقابره
47
سموت إلى بغداد والشوق نحوها
يساورني حينا وحينا أساوره
48
كلانا نأى عن أهله وعشيره
ليلقاه فيها أهله وعشائره
حبيب إلى نفسي العراق وأهله
وسالفه الزاهي المجيد وحاضره
49
ديار بها الإسلام أرسل ضوءه
فسار مسير الشمس في الأفق سائره
ومدت بها الآداب ظلا على الورى
تساوت به آصاله وهواجره
50
تجلى بها عهد الرشيد وعزه
وزاهر ملك الفاتحين وباهره
51
إذا شئت مجد العرب في عنفوانه
فهذي مغانيه، وهذي منائره!
52
أطلت على الدنيا فأبصرت الهدى
كما لمعت في جنح ليل زواهره
53
تفاخر بالغازي الذي سار ذكره
ودوت بآفاق البلاد مفاخره
54
هو الملك أمضى من شبا السيف عزمه
وأغزر من ماء السحائب هامره
55
نماه بناة المجد من آل هاشم
فجلت مراميه، وطابت عناصره
56
أعاد إلى عهد البيان شبابه
فهب فتيا ينفض الترب داثره
57
يريك به المنصور مأثور حزمه
وتذكرك المهدي فيه مآثره
58
ذكرنا اسمه طول الطريق فذللت
مصاعب متنيه وضاءت دياجره
59 •••
جميل، نداء من أخ يقدر النهى
وإن لم يمتع باجتلائك ناظره
عرفتك في آثارك الغر مثلما
تنبئ عن وجه الصباح بشائره
60
عرفت (جميلا) في جميل بيانه
يشاطرني وجدانه وأشاطره
تجاورني في دوحة النيل روحه
وروحي بدوح الرافدين تجاوره
61
إذا اجتمع القلبان فالكون كله
مكان، وإن شقت وطالت معابره
62
لنا نسب في المجد يجمع بيننا
تعالت أواسيه، وشدت أواصره
63
ألسنا حماة القول في كل محفل
تتيه بنا في كل أرض منابره؟ •••
صببت عليك الدمع سحا، ومدمعي
غزير، ولكن أجود الدر نادره
64
وأرسلت فيك الشعر لوعة موجع
تئن قوافيه، وتبكي صدائره
65
عليك سلام الله نورا ورحمة
وغادتك من سيب الإله مواطره
66
هوامش
افتتاح الإذاعة
ألقيت بدار الإذاعة يوم الاحتفال بافتتاحها في 31 من مايو سنة 1934م.
يا ساري الشعر يطوي الجو في آن
ويملأ الأفق تغريدا بألحاني
يختال في بردة الفصحى وتسعده
بدائع الحسن من آيات عدنان
1
سر أيها الشعر واركب كل ناجية
من الرياح فقد ألقت بأرسان
2
سر بالرياض وخذ منها نضارتها
وناغ ما شئت من ورد وريحان
الكون أذن لما تلقيه واعية
فاملأ مداه بصوت منك رنان
وبلغ الأرض أنا في حمى ملك
صوب الحيا وندى كفيه سيان
3
وإن تزر كعبة الآمال مشرقة
من (عابدين) فطف منها بأركان
4
وقف وأطرق خشوعا أنت في قدس
ضافي المهابة عالي الشأو والشان
5
قصر بناه بناة المجد من همم
فلم يطاول علاه أي بنيان
فأين كسرى وما أعلى مشارفه
في بهرة الملك من صرح وإيوان
6
أساسه عزمات جل خالقها
لا ما يرى الناس من صخر وصوان
يطل منه على آمالنا ملك
يزهى به الشعب في سر وإعلان
في وجهه قسمات قد دللن على
ما ضمه القلب من نبل وإيمان
7 •••
يا ابن الألى بعثوا مصرا لنهضتها
وأيقظوا من بنيها كل وسنان
8
وأرسلوها إلى العلياء فانطلقت
تعدو إلى المجد في جد وإمعان
9
كأنها تبتغي في الشمس حاجتها
أو أنها أودعت سرا لكيوان
10
آثارهم في ضفاف النيل ماثلة
أبقى على الدهر من رضوى وثهلان
11
كأنها وهي في الوادي قد انتثرت
عقد تناثر عن در وعقيان
12
جاءوا بما عز في الآذان مسمعه
عن الملوك ولم تبصره عينان
في باحة السلم كانوا رحمة وهدى
وفي الكريهة كانوا أسد خفان
13
قد حاولوا الصعب حتى ذل شامسه
ومال بالرأس عن يسر وإمكان
14 •••
غفرا (فؤاد) أبا (الفاروق) إن عجزت
عن عد آلائك الغراء أوزاني
15
حاولت تصويرها جهدي فما اتسعت
لبعض ذلك ألواحي وألواني
والبحر تبصر جزءا حول ساحله
وليس في دركه طوق لإنسان
في كل يوم لكم في مصر عارفة
في طيها من نداكم ألف برهان
16
نشرت فيها ربوع العلم زاهرة
جلالة الملك في علم وعرفان
17
غرسته دوحة غناء وارفة
قريبة المتمنى ذات أفنان
وساسنا منك رأي زانه خلق
قد صاغه الله من رفق وإحسان
الدين زاه ووجه الملك مؤتلق
كالروض جاد ثراه صوب هتان
18
رددت للغة الفصحى بشاشتها
من بعد أن هجرتها منذ أزمان
قد ذكرتها أياديك التي عظمت
منازل العز في دارات قحطان
19
أوليتها (مجمعا) طابت مشارعه
وبل منه صداه كل صديان
20
أعاد في مصر عهدا للرشيد مضى
أيام أشرقت الدنيا (ببغدان)
21
سعت لساحتك الدنيا ويممها
جهابذ القوم من قاص ومن داني
22 •••
هذي الإذاعة يا مولاي قد نطقت
بما بذلت بإفصاح وتبيان
من قبلها سار سير الشمس ذكركم
يطوي الجواء بأقطار وبلدان
23
أنشأتها جنة غنت بلابلها
وغردت بين أوراق وأغصان
فيها الثقافات ألوان منوعة
تزجى إلى الشعب من آن إلى آن
24
قد أصبحت منهلا يسعى لطالبه
فاعجب إلى منهل يسعى لظمآن
25
عش للبلاد (أبا الفاروق) نور هدى
وأعل رايتها في كل ميدان
وعاش فاروق للدنيا يجملها
ويزدهي بمحياه الجديدان
26
لما دعوه أميرا للصعيد سما
به الصعيد وأضحى جد جذلان
لا زال زينة عهد طاب مورده
مجمل بجلال الملك مزدان
هوامش
ميلاد الفاروق
تهنئة الملك فاروق الأول بعيد مولده، وقد قيلت هذه القصيدة في الحادي عشر من فبراير سنة 1937م.
بهر الوجود بلؤلؤي ضيائه
نجم تألق في بديع سمائه
لبس المساء به غلالة مسفر
حتى كأن الصبح من أسمائه
1
وتطامنت زهر الكواكب هيبة
للمشرق الوضاح في عليائه
2
هيهات! أين ضياؤها من ضوئه
وسناؤها من بعد أوج سنائه؟
3
عجبا! يزيد ظهوره بعلوه
والنجم يعرف إن علا بخفائه
ما جال في الآفاق أصدق جوهرا
منه وأصفى من نقي صفائه
4
يلقاك نور الحق في لمحاته
ويفيض ماء البشر من لألائه
5
أين النجوم جلالها ورواؤها
من عبقري جلاله وروائه؟
6 •••
نجم أطل على الوجود فكبرت
زمر الوجود وهللت للقائه
7
ورنت له الآمال ظمأى حوما
معقودة أبصارها برجائه
8
والنيل سار يجر من أذياله
تيها ويمرح في مدى خيلائه
يختال ما بين الرياض وكلها
من نسج كفيه ومن إيحائه
ويفتح الأزهار في أكمامها
وينبه القمري من إغفائه
9
يصغي إليه يهز أعطاف الدجى
ويجدد الآمال سحر غنائه
10 (إسحاق) لم يوهب عذوبة صوته
و(عنان) لم تمنح جمال أدائه
11
أين الصناعة والفنون وما حوت
في جنب صنع الله في أحيائه؟
النيل بالفاروق أعذب موردا
ماء الحياة ثمالة من مائه
12
علمته صدق الوفاء فأصبحت
تتحدث الدنيا بصدق وفائه
13
ومنحته خلق العطاء فغردت
صداحة الوادي بفضل عطائه
لما علوت مطاه صفق موجه
بشرا وأسكت وجده برغائه
14
يبدو السفين به كما تبدو المنى
لليائس الحيران في ظلمائه
أو كالحياة تدب في جسم امرئ
أفنت شكايته فنون إسائه
15
أو كالصباح لمدلج خبط الدجى
فطواه وادي التيه في أحشائه
16
أو كالغمام رأته أزهار الربا
من بعدما احترقت لطول جفائه
17
أو كابتسام السعد بعد قطوبه
أو كانقياد الدهر بعد إبائه
18
يجري السفين وفوقه الملك الذي
صفرت يد الأيام من نظرائه
19
الدين والأخلاق ملء جنانه
وجلالة الأملاك ملء ردائه
20
يهتز في برد الشباب كأنه
سيف يدل بمائه ومضائه
21
والنيل يجتاز المروج مبشرا
فتردد الأطيار من أصدائه
وخمائل الوادي تمد غصونها
وتود لو فازت بلمح ضيائه
قالوا لها: جاء الغمام فأقبلت
تستقبل الآمال في أندائه
22
والزهر يخترق الكمام لنظرة
فيرده للكم فرط حيائه
23
قد كان يزهى في الرياض بحسنه
فرأى بهاء فوق حسن بهائه
ورأى نضارا من شباب ينحني
أزهى الغصون نضارة بإزائه
سعد (الصعيد) وأهله بزيارة
بلت غليل الشوق في أرجائه
سالت إليك به المدائن والقرى
والبدر يغري العين باستجلائه
24
سدوا الشعاب وأقبلت أرسالهم
كالزاخر الهدار في ضوضائه
25
ما بين حامل قلبه بيمينه
ومثوب هز الربا بدعائه
26
فانظر إلى الوادي الفسيح فهل ترى
إلا قلوبا في فسيح فضائه؟
كل دعاه الشوق فانتهب الخطا
في نظرة تشفيه من برحائه
27
وطلعت كالأمل الوسيم يحفه
نور المهابة في جلال جلائه
كالبدر في إشراقه، والروض في
إزهاره، والغيث في إسدائه
في موكب بهر الزمان فحيرت
عيناه بين جماله وسرائه
28
عجز المؤرخ أن يرى أشباهه
فيما طواه الدهر من أنبائه
ما ناله (المنصور) في (بغداده)
يوما ولا الأملاك من خلفائه
29
و(النيل) لم يشهد جلالة حفله
في عهد (خفرعه) ولا (مينائه)
30 •••
أرأيت آثار الملوك وما بنوا
مما يضيق الجن عن إنشائه؟
ولدوا وشمس الأفق في ريعانها
والدهر يرفل في ثياب صبائه
درسوا كتاب الكون أول طبعة
ووعوه من ألف الوجود ليائه
وأتوا من الإعجاز ما ترك النهى
حيرى فلم تملك سوى إطرائه
ذهبوا ولم تذهب صحائف مجدهم
وطواهم المقدار في أطوائه
31
المجد في الدنيا سجل خالد
تتعاقب الأجيال من قرائه ••• (فاروق) أنت مناط آمال الحمى
وسلالة الأمجاد من نصرائه
32
أعلى أبوك بناء (مصر ) فزاحمت
زهر الكواكب راسيات بنائه
33
وأرى (فؤادا) فيك في قسماته
ومضائه وذكائه وسخائه
34
تبدو أيادي الغيث في زهر الربا
ويعيش سر المرء في أبنائه
أشرق على الوادي فأنت حياته
وعماد نهضته ومجد لوائه
35
أحييت دين الله في محرابه
شكرا على ما تم من نعمائه
36
ووقفت بين يديه وقفة خاشع
يرجو مثوبته وحسن جزائه
الدين طب النفس من آلامها
وهداية الحيران في بيدائه
ما أجمل التوفيق في شرخ الصبا
والعمر فياض السنى بفتائه!
37 •••
لله مولدك السعيد ويومه
وتسابق الآمال في أجوائه
يوم به بسط السرور شعاعه
وأعار ثوب صباحه لمسائه
يوم أغر كأن صفو سمائه
صفو النعيم بظله ورخائه
يوم سرت فيه البشائر حوما
تفضي إلى الدنيا بسر علائه •••
مولاي عهدك في البلاد مؤزر
باليمن فاهنأ في مديد هنائه
قطفت به (مصر) جنى استقلالها
وأظلها الممتد من أفيائه
38
وأطاحت القيد العنيف وطالما
عاذت برب الناس من إيذائه
39
والشكر في السراء يعظم كلما
ذكر الفتى ما مر من ضرائه
40
مولاي، عش للملك نجم سعوده
وارفع لواء المجد في أنحائه
41
أنت الذي تحيا المنى بحياته
وتسود (مصر) وتعتلي ببقائه
هوامش
الشيخ الغزل
عام 1924م
لنا شيخ تولى أطيباه
يهيم بحب ربات القدود
1
يغازل إذ يغازل من قيام
وإن صلى يصلي من قعود!
2
هوامش
رثاء محمود فهمي النقراشي باشا
رئيس من رؤساء وزراء مصر السابقين عرف بنزاهته ووطنيته، كان زميلا للشاعر في بعثة إلى إنجلترا عام 1908م إلى أن استشهد في ديسمبر من عام 1948م، فحزن الشاعر عليه حزنا كبيرا ورثاه بهذه القصيدة التي أنشدها نجله الأستاذ الشاعر بدر الدين علي الجارم في احتفال كبير أقيم بمناسبة ذكرى الأربعين بقاعة الجمعية الجغرافية مساء 8 فبراير سنة 1949م، ولكن المنية عاجلت شاعرنا الكبير وهو يستمع إلى شعره ينشد في هذا الحفل الكبير.
ماء العيون على الشهيد ذارف
لو أن فيضا من معينك كافي
1
إن لم يف الدمع الهتون بسيبه
فلمن يفي بعد الخليل الوافي؟
2
شيئان ما عيب البكاء عليهما
فقد الشباب، وفرقة الألاف
3
أغرقت همي بالدموع فخانني
وطفا، فويلي من غريق طافي!
وإذا بكى القلب الحزين فما له
راق ولا لبكائه من شافي
4
والدمع تهمي في الشدائد سحبه
ومن الدموع مماطل وموافي
5
حارت به كفي تحاول مسحه
فكأنها تغريه بالإيكاف
6
وأجل ما يلقى الشريف ثوابه
إن غسلته مدامع الأشراف
7 •••
طير المنية صحت أشأم صيحة
وهززت شر قوادم وخوافي
8
وعلقت بالأمل العزيز محصنا
بظوامئ الأرماح والأسياف
9
والجند والأعوان ترعى موكبا
ما حازه سابور ذو الأكتاف
10
يفدون بالمهجات مهجة قائد
في كل منعرج وكل مطاف
11
ران الذهول، فكل عقل حائر
وجرى القضاء، فكل طرف غافي
12
والموت أعمى في يديه سهامه
يرمي البرية من وراء سجاف
13
والموت قد يخفي حماه بنسمة
هفافة، أو في رحيق سلاف
14
يغشى الفتى ولو اطمأن لموئل
في الجو أو في غمرة الرجاف
15
ويح الكنانة بعد نزع شغافها
أتعيش في الدنيا بغير شغاف
16 •••
قد عاش يحمل روحه في كفه
ما قال في هول النضال كفاف
17
يلقى الكوارث باسما متألقا
والدهر يعصف والخطوب سوافي
18
والموت يكشر عن نيوب مشانق
غبر الوجوه دميمة الأطراف
19
بين الرياح الهوج يزأر مثلها
ويثور في غضب وفي إعناف
20
يرنو إلى استقلال مصر كما رنت
عين المحب لطارق الأطياف
21
ما ارتاع من حبس ولا أسر ولا
زجر، ولا قتل، ولا إرجاف
22
وإذا دهته الحادثات بفادح
لم تلق إلا هزة استخفاف
هابته أسباب المنية جهرة
فرمته خائنة بموت زؤاف
23
موت الكرام البيض فوق جيادهم
لا فوق نمرقة وتحت طراف
24
فلكم تمنى «ابن الوليد» منية
بين الصواهل والقنا الرعاف
25 •••
ذهب الجريء الندب ذخر بلاده
غوث الصريخ ونجعة المعتاف
26
خلق كأمواه السحاب مطهر
وسريرة كلآلئ الأصداف
وتبسم للمعضلات كأنه
إشراق وجه الروضة المئناف
27
ونقاء سكان السماء يحوطه
رب السماء بعزة وعفاف
ونزاهة سيقت لها الدنيا فما
ظفرت بغير تنكر وعياف
28
عمر حوى الدنيا ولم يملك سوى
شاء كأعواد القسي عجاف
29
والمرء إن يخش الدنية في الغنى
يقنع بعيش في الحياة كفاف
30
قد كان في غير التحرج منفذ
سهل إلى الآلاف والآلاف
مهما يقل من خالفوه فإنه
في نبله فرد بغير خلاف •••
وعزيمة لا الصعب في قاموسها
صعب، ولا خافي الطريق بخافي
فإذا أراد فكل شيء آلة
وإذا رمى فالويل للأهداف
يزداد في ظلم النوازل بشره
كم كدرة تحت النمير الصافي!
31
يخشى ويرهب كالمنية مرهفا
عدل لدى الإرهاب والإرهاف
32
فإذا طلبت الحق منه وجدته
سهل الرحاب موطأ الأكناف
33
ذكرى كحالية الرياض شميمها
راح النفوس وراحة المستاف
34
إن الفتى ما فيه من أخلاقه
فإذا ذهبن فكل شيء «ما في»
ما زانه الشرف المنيف بغيرها
ولو انتمى لسراة عبد مناف
35
عشنا على الأسلاف طول حياتنا
حتى سئمنا عشرة الأسلاف
36
العبقري حياته من صنعه
لا صنع أسماء ولا أوصاف
يكفيه من شرف المجادة أنه
درس العصور وقدوة الأخلاف
37 •••
عابوا السكوت عليه وهو فضيلة
لغط الحديث مطية الإسفاف
38
صمت الهمام النجد أو إطراقه
خطب مجلجلة بغير هتاف
39
قول الفتى من قلبه أو عقله
فإذا سمحت فلا تبع بجزاف
40
حسب الذي ألقى اللجام لسانه
ما جاء من زجر بسورة «قاف»
41
خاض السياسة ملء جعبته هوى
مصر ومحو الظلم والإجحاف
42
ما كان في الجلى بحابس سرجه
عن هولها يوما ولا وقاف
43
يمضي ويتبعه الشباب كما جرت
جرد المذاكي في غبار خصاف
44
نادى ملحا بالجلاء مناجزا
ماذا وراء الوعد والإخلاف؟
45
ودعا بوادي النيل غير مقسم
سودان مصر كشاطئ المصطاف
46
يا يوم أمريكا وكم بك موقف
أعيا النهى وبراعة الوصاف
47
هي صيحة لم يرمها من قبله
بطل بوجه السادة الأحلاف
48
صوت إذا هز الأثير جهيره
فلكم بمصر هز من أعطاف
49
في كل أذن منه شنف زانها
ما أجمل الآذان بالأشناف
50
أصغى له جمع الدهاة وأطرقوا
شتان بين السمع والإنصاف!
51
سمعوا بيانا عبقريا ما به
في الحق من شطط ولا إسراف
52
وجدال وثاب البديهة ثابت
في يوم ملحمة ويوم ثقاف
53
وصراحة بهرت عيون رجالهم
لما بدت نورا بلا أسداف
54 •••
قالوا: الرثاء، فقلت: دمع محاجري
بحر، وأنات الحزين قوافي
55
شعر من الذهب النضار حروفه
ولكم بسوق الشعر من زياف «محمود»، قد لقي المجاهد ربه
في جنة النفحات والألطاف
56
نم هادئا إن الغراس وريفة
تزهى بأكرم تربة وقطاف
57
وانزل إلى مثوى الصديق تجد به
ما شئت من حب ومن إشراف
58
قبر الشهيد سماحة فياحة
ومديد ظل حدائق ألفاف
59
ما مات من كتب الخلود رثاءه
ووشى له حلل الثناء الضافي
60
حييت من مزن العيون بوابل
ومن الحنان بناعم رفاف
61
هوامش
الزفاف الملكي
بمناسبة زفاف الملك فاروق ملك مصر حينئذ في يناير سنة 1938م.
انظم الدر توءما وفريدا
واملأ الأرض والسماء نشيدا
1
وإذا مر بالنجوم خيال
فتخير من النجوم عقودا
2
آن يا شعر أن تغني فأرسل
من قوافيك ما يهز الوجودا
أسكت الصادحات يهتفن في الدو
ح وكن في عشاشها تغريدا
حفظت رنة وقد رددتها
فابعث اللحن «جارميا» جديدا
واصعد الجو للسموات وانقل
لغة الخلد إن ملكت صعودا
نغمات من الملائك تسري
في الفراديس ما عرفن حدودا
صفق الكوثر الطهور لمسرا
ها وجر الذيول يمشي وئيدا
3
وسعت صوب همسها كل حورا
ء تداني رأسا وتعطف جيدا
4
والتهاليل تملأ الملأ الأع
لى وتعنو لقدسه تمجيدا
5
فرح في السماء والأرض بالفا
روق فازت به البشائر عيدا
غن يا شعر بالأماني حسانا
ضاحكات وبالزمان وديدا
6
أجد القول ما استطعت وإلا
فمتى يا ترى تكون مجيدا
عجز الناي فابتكر من قوا
فيك ورناتهن نايا وعودا
وتخير من الخمائل أندا
ها وردد خلالها ترديدا
7
هاتها موصلية تملك السم
ع وطرب بها وغن «الرشيدا»
8
وابعث الروض من كراه وقبل
وجنات من زهره وخدودا
9
وترنم تجب صداك القماري
وتمل نحوك الغصون قدودا
10
أرسل الصوت رنة تملأ الدن
يا وتبقى على الزمان خلودا
لا تبال القيود من فاعلاتن
أنت أحرى بأن تذل القيودا
11
سر خفيفا مع النسائم وابعث
نفسا يملأ الفضاء مديدا
12
ينصت الليل حين تنشد يا شع
ر وتنفي عن مقلتيه الرقودا
ضمه بين ساعديك وغرد
مثلما هزت الفتاة الوليدا
لا تدع في لهاة فنك صوتا
إن رنا مصغيا يريد المزيدا
قد نقدنا لك القوافي صحاحا
مثلما ينقد الشحيح النقودا
13
وجمعنا حر الكلام الذي عز
ز فأضحت له المعاني عبيدا
14
وحشدنا الألفاظ أنقى من الما
ء وأشهى مساغة وورودا
وبعثنا الخيال سحرا من السح
ر ونهجا من البيان سديدا
15
طار في الجو ما يمل زفيفا
وطوى الأرض ما يمل وخيدا
16
رقة لو جرت بسمع الغواني
أول الدهر ما عرفن الصدودا
قد رآه مثقف الحس وحيا
ورآه من لا يحس قصيدا
17
سار يحثو التراب في وجه بشا
ر ويطوي ابن هانئ والوليدا
18
كلما قام منشد القوم يتلو
ه تمنى متابع أن يعيدا
إن يوم الفاروق يوم على الده
ر فريد، فهات قولا فريدا
وتخير من سحر «منفيس» سرا
كتمته الكهان عهدا عهيدا
19
وصغ الشمس في الأصائل تاجا
وانسج الروض في الربيع برودا
إن «فاروق» في الملوك وحيد
فلتكن أنت في البيان وحيدا •••
بحث المجد في العصور فلم
يلق له بين دفتيها نديدا
ملك فضله تراه قريبا
ومدى رأيه تراه بعيدا
خدمته الأقدار حتى تمنت
لو مشت حول سدتيه جنودا
20
وتمنى اخضرار كل نبات
لو غدا في سماء مصر بنودا
21
همة تمتطي السماء وعزم
يرهب الدهر سيفه مغمودا
وثبات يدمي جبين الليالي
ويفت الصخر الأصم الصلودا
22
مكرمات سارت بكل مسار
مثلا يسبق الرياح شرودا •••
يا لواء البلاد أي لواء
لا يفدي لواءك المعقودا؟
23
صانه الله في يديك فخذه
وتقدم به قويا جليدا
24
وجد النصر في ذراه مقيلا
فأبى أن يريم أو أن يحيدا
25
ورأت مصر فيه عزا منيعا
ومثابا رحبا وركنا شديدا
26
أنت من معشر بنوا فارع المج
د فأمسى بمصر صرحا مشيدا
27
عرف السيف أنهم جنده البس
ل إذا صافح الحديد الحديدا
أسعدوا شعبهم فكانوا سحابا
وحموا عرشهم فكانوا أسودا
28
ومضوا للعلا سراعا وخلوا
أنجم الليل جاثمات هجودا
29
ملكوا مقود الليالي صعابا
ولووا هامة الزمان عنيدا
30 •••
يوم «فاروق» دم على صفحة الد
دهر حفيلا بالبشريات مجيدا
31
لبست فيك مصر أزهى حلاها
ورأت فيك يومها المشهودا
عبدها الدهر والليالي إماء
والأماني تريدها أن تريدا
32
في ظلال المليك عزت وطالت
واستعادت فردوسها المفقودا
وغدت حلقة من المجد حتى
قد ظننا الطريف منه تليدا
33
أقبلت نحو سدة الملك العا
لي وفودا تتلو إليه وفودا
34
ملئوا ساحة الإمامة حتى
خافت الأرض منهم أن تميدا
35
واستحثوا الخطا فكانوا بروقا
وعلا صوتهم فكانوا رعودا
36
والسرور السرور يلعب بالشع
ب كما هزت النسائم عودا
ضحكات تهفو إلى ضحكات
ووعود بالصفو تلقى وعودا
37
كلهم يجأرون بالعز للفا
روق والعيش ناضرا ورغيدا
38
كبروا حينما رأوك مطلا
وأبحوا أصواتهم تحميدا
أبصروا طلعة إذا ما تبدت
خرت الشمس والنجوم سجودا
ورأوا سيدا يضيء شبابا
باسما كالمنى، ويهتز جودا
قد غرست الولاء في كل قلب
فتفيأ في ظله ممدودا
39 •••
إن عرشا أساسه مهج الشع
ب خليق بأن يكون وطيدا
40
فانظر الشعب لا ترى غير قلب
نابض يحفظ الولاء الأكيدا
ما رأت مصر منذ أيام عمرو
مثل أيامك الحسان عهودا
41
قد نثرنا لك الورود قلوبا
ونثرنا لك القلوب ورودا
وحفظنا لك الوداد نضيرا
وأذعنا لك الثناء نضيدا
42 •••
موكب يبهر الشموس ومجد
حملق الدهر مذ رآه سمودا
43
لم يشاهد سواه بعد ابن دا
ود سنا مشرقا وملكا عتيدا
44
ومليكا يرعى الإله ويخشا
ه ويعلي الإيمان والتوحيدا
أكمل الدين بالزواج فأسدى
مثلا - لو درى الشباب - رشيدا
45
فرح شامل به بلغت مص
ر مناها وحظها المنشودا
كل بيت به غناء وشدو
علم الطير - إن شدت - أن تجيدا
تتمنى الأغصان لو رقصت في
ه مكان الحسان هيفا وغيدا
46
وتود النجوم لو كن فيه
بدلا من سنا الشموع وقودا •••
يا ليالي الفاروق كوني لمولا
ك رفاء وللبلاد سعودا
47
لمعت في علاك درة خدر
كرمت نشأة وطابت جدودا
48
بلغت قمة الجلال فأمسى
كل مجد لمجدها مردودا
من مهاد النبل السني أضاءت
فعلت كوكبا وعزت مهودا
49
وزهت في مقاصر الملك زهرا
ء فزانت مقامه المحمودا
50 •••
يا مليك البلاد فاهنأ بما نل
ت سعيدا جم الثناء حميدا
قد أشدنا بفضلك الوافر الجم
م إذا اسطاع شاعر أن يشيدا
أجهد الشعر أن يرى عزمات
يعجز الوصف دونها وجهودا
ومعانيك لا تحد فماذا
يعمل الشعر قاصرا محدودا؟
وإذا ما البيان عق لبيدا
في المقام المهيب فاعذر لبيدا
51
عش وحيد الجلال والمجد واسعد
أمل المجد أن تعيش سعيدا
وابق للدين موئلا وعمادا
وابق للشرق سيدا وعميدا
52
هوامش
تمثال سعد
احتفلت الحكومة المصرية برفع الستار عن تمثال سعد زغلول باشا بالقاهرة والإسكندرية في صيف سنة 1938م.
املإ الأفق من سنا وسناء
وترفق بهامة الجوزاء
1
واسم نحو السماء كالمثل الأع
لى تجلى محلقا في السماء
2
تجتليك النفوس طالع سعد
وتراك العيون لمح رجاء
3
رافع رأسه يشق به السح
ب فتمضي في رهبة وحياء
شمم عاف أن يعيش على الأر
ض ففازت به طباق الجواء
4
من سوى ذي المضاء والهمة الش
شماء أولى بالقمة الشماء؟
5
ناظر يعبر الوجود بلحظي
ه فيجتاز مستسر الخفاء
6
تتجلى له الحياة سطورا
من ضياء لا من حروف الهجاء
ويرى من ورائها كل سر
جل مكنونه عن الإفشاء
7
واقف كالخطيب فانتبه الشر
ق ومد الأعناق للإصغاء
رب صمت من البيان رهيب
حرمته مقاول البلغاء
وإذا جلت المعاني تسامت
عن قيود الأفعال والأسماء
8
يتأبى السيل الذي يصدع الأج
بال أن يحتويه جوف إناء
9
وإذا لم تع المعاني فنقب
تجد الغيب كله في الوعاء
10
بين معنى قزم يجر رداءيه
ومعنى ضخم قصير الرداء
رب فكر في النفس وهو مضيء
أخمدته فهاهة الفأفاء
11 •••
كان في موته من الخلد معنى
فوق معنى الحياة والأحياء
عشت حرا، فكان خير قرين
لك بعد الحياة طلق الهواء
12
تزدهي الطير بالزعيم وتهفو
بجناحين من هوى ووفاء
كلما غنت البلاد بسعد
رددت في السماء لحن الغناء
وهو عال كذكره، ملأ الأر
ض، وألوى بعاصفات الفناء
13
إن من لم يبال بالموت حيا
فاز من بعد موته بالبقاء •••
في صفاء من الطبيعة كالحق
ق، إذا لم يشنه ثوب الرياء
14
تقبس الشمس نورها منه في الصب
ح، وزهر النجوم عند المساء
15
في حفيف من النسيم رفيق
وجميم عذب من الأنداء
16
لا يبالي الأنواء من بعدما عا
ش حياة كثيرة الأنواء
تحته النيل في الخمائل يمشي
خافضا طرفه على استحياء
سار يزهى بشاطئيه طليقا
نحن أدرى بنعمة الطلقاء
يزأر الموج فيه غضبان أن ضا
ق بما يستحق من إطراء
هو مجرى من البشائر والآ
مال مثلن في غرين وماء
17
هو حينا حول الربا من نضار
وهو حينا من فضة بيضاء
قبلته الأزهار وهو أبوها
كم حنان في قبلة الأبناء! •••
قف كما شئت وقفة الليث يا سع
د، قليل الأنداد والنظراء
مصر غيل الشرق الذي علم الأس
د صيان الحمى، وفتك الضراء
18
نابها الحجة الضروس، وأظفا
ر يديها عزيمة البسلاء
19
زأرت مصر فاستطار لها الشر
ق، ولبى مثوبا للنداء
20
وأماط الحجاب عن ناظريه
ومضى يستخف بالأرزاء
21
قف مشيرا إلى الفضاء، فذكرا
ك مدى الدهر ملء هذا الفضاء
حفظتها الأبناء أنشودة المه
د، وكانت عقيدة الآباء •••
قف وشاهد مصر الطليقة تجري
شوطها، في توثب ومضاء
نحن أحرى بالرسم من ألف مثا
ل، وأدرى بشيمة النبغاء
ذهب القيد في الرياح وولى
وبدا وجهها وضيء الرواء
22
ليس يدري حلاوة النجح إلا
كادح ذاق فيه مر العناء
ونعيم السراء يجهل معنا
ه فتى لم يمس بالضراء
مرحبا بالشدائد الدهم، يتلو
ها صباح من نعمة ورخاء
علمتنا ألا نبيت على ضي
م، وألا نبكي بكاء الإماء
23
وأرتنا أن النهاية للصب
ر إذا حاطه كريم الإباء
كبرياء الشعوب سر علاها
لم تسد أمة بلا كبرياء •••
إن تمثالك الذي هو رمز
للأماني، والهمة القعساء
24
بارز في الضمير من كل نفس
باعث نوره إلى كل رائي
قد أجاد المثال ما تصنع الكف
ف، وما يستطيع وحي الذكاء
غير أن النفس الكبيرة خلق
فوق طوق التصوير والإيحاء
25
من ترى يستطيع تصوير فكر
لك أمضى من رجعة الأصداء؟
من ترى يستطيع تصوير رأي
ألمعي كالكوكب الوضاء؟
26
أين من يرسم الشهامة والحق
ق وضيء السنا بعيد السناء؟
27
أين من يرسم الإباء عزيزا
وجلال الهدى ونبل السراء؟
28
صوروا شخصه وخلوا المعاني
ودعوها لريشة الشعراء
يصعد الشعر حيث لا تصل الشم
س، ويبقى على مدى الآناء
هو خط الجمال في صفحة الكو
ن، فهل للجمال من قراء؟ •••
شرفا سعد، قد لقيت من الفا
روق ما أنت أهله من حفاء
ملك يقدر الرجال، وتعلو
في حماه مراتب العظماء
كلما أثنت المعالي عليه
كان فوق العلا وفوق الثناء
حبه جمع القلوب كما تج
مع بلورة شتيت الضياء
حكمة زانها الشباب فأضحت
قبسا للهداة والحكماء
29
وجلال لمثله يخشع الطر
ف، وتعنو القلوب بالإيماء
30
قد فدينا لواءه في يديه
وفديناه حاملا للواء
31
هتف المجد باسمه واستضاءت
بسناه زعامة الزعماء
قد ملأت الوجود شعرا بمدحي
ه، وما زلت بين باء وتاء
ينتهي جهد كل مدح ووصف
ومدى فضله بغير انتهاء
هوامش
الدكتور علي إبراهيم باشا
أنشدت هذه القصيدة في قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة في حفل تكريم الجراح علي إبراهيم باشا بمناسبة بلوغه سن الستين عام 1941م، وكان وزيرا للصحة حينئذ.
ذؤابة مجد ما أجل وما أسمى
ووثبة شأو كاد يستبق النجما
1
وماذا يقول الشعر والوهم جهده
وقدر «علي» يبهر الشعر والوهما؟
وأنى يمد ابن القوافي جناحه
إلى رقمة شماء أعجزت العصما؟
2
يضيق البيان العبقري مهابة
إذا لمح الآثار والحسب الضخما
يهم فيعروه القصور فينثني
وقد كان يقتاد النجوم إذا هما
3
ومن رام تصوير الملائك جاهدا
فكيف له أن يحكم النقش والرسما؟
4
رويدك قل يا شعر ما تستطيعه
وغرد بما لا تستطيع له كتما
إذا اليم أعيا أن تلم بحده
فيكفيك عند الشط أن تصف اليما
5
ويكفيك أن تدعو أبا الطب باسمه
فإن العلا صارت له لقبا واسما
6
فقل وانثر الأزهار فوق مناقب
تماثلها حسنا، وتشبهها شما
7
وخذ من فم الدنيا الثناء فطالما
أشادت به نثرا، وغنت به نظما
وحدث به الآفاق إن شئت، إنها
وقد عرفته، لن تزيد به علما •••
دعوني أوفي بالقريض ديونه
فقد عاد غرما ما توهمته غنما
سموت إليه، والظلام يلفني
فيملؤني رعبا، وأملؤه هما
8
أسير وفي قلبي من الحزن لوعة
تكاد تذيب الصم لو مست الصما
9
تركت بيتي جثة آدمية
كأن هلال الشك كان لها جسما
10
شكت سقمها حتى بكاها وسادها
وكاد عليها يشتكي السهد والسقما
يمزقها الموت العنيف صراعه
بأظفاره حمرا، وأنيابه سحما
11
ففي البطن قرح لا يكف لهيبه
وفي الرأس نار لا تبوخ من الحمى
12
إذا قلبتها العائدات حسبنها
خيالا، فلا عظما يرين ولا لحما
13
وقد وقف الطب الحديث حيالها
عييا، يكاد العجز يقتله غما
14
وغادرها جمع الأساة كأنهم
طيور رمى الرامي بدوحتها سهما
15
فلم يبق إلا اليأس، واليأس قاتل
وأقتل منه نية لم تجد عزما
فقلت: «علي» ليس للأمر غيره
إذا ما أدار الدهر صفحته جهما
16
أبو الحسن الجراح فخر بلاده
وأكرم من يرجى، وأشرف من يسمى
فزر داره يلقاك قبل ندائه
فثم الذي ترجوه من أمل ثما
17
فما سرت نحو الباب حتى رأيته
تقدم بسام الأسارير مهتما
وقد فهمتني عينه وفهمته
وكان بحمد الله أسرعنا فهما
وجاء وجبريل الأمين أمامه
يمد جناحا من حنان ومن رحمى
وجس مكان الداء أول نظرة
كأن له علما بموضعه قدما
18
فما هو إلا مبضع في يمينه
أطاح بناب الموت، واستأصل السما
19
ورد إلى أهلي حياة عزيزة
وبدلهم من بؤس أيامهم نعمى
متى ذكروه في خشوع تذكروا
مآثره الجلى، ونائله الجما
20
إذا ما امرؤ أهدى الحياة لميت
فذلك قد أهدى الوجود وما ضما •••
له مبضع تجري الحياة بحده
يصيب حشاشات المنون إذا أدمى
21
أحن على المجروح من أم واحد
وأرفق من طفل إذا داعب الأما
تعلم منه البرق سرعة خطفه
إذا ما جرى يستأصل اللحم والعظما
تكاد وقد شاهدت ومض مضائه
تظن الذي شهدت من عجب حلما
22
كأن به نورا من الله ساطعا
يضيء له نهج الطريق إذا أما
23
أصابع أجدى خبرة من أشعة
وأصدق إن مرت على جسد حكما
فكم من حياة في أناملها التي
تكاد شفاه الطب تلثمها لثما
24
وكم من يد أسدت، إذا شئت وصفها
ضللت بها كيفا، وأخطأتها كما
25
زها الشرق إعجابا به وبمثله
وقد عاش دهرا قبله يشتكي العقما
26
إذا قسم الله الكريم لأمة
بنابغة فرد، فقد أجزل القسما
27 •••
هنيئا لك العمر السعيد فإنه
عصارة دهر ضمت العزم والحزما
بلغت به عليا السنين وكلها
مدارج مجد تفرع القمم الشما
28
كأنك منه فوق ذروة شامخ
ترى من أمور الدهر أبعدها مرمى
29
زمان مضى في الجد ما مس شبهة
ولا وصلت كف الزمان به ذما
30
بنيت به عزا لمصر فأينما
تلفت تلقى صرحه سامقا فخما
31
بذلت لها من صحة ورفاهة
فأولتك حبا ما أبر وما أسمى
32
وألهمتها معنى الثناء ولفظه
كريما، فخذه اليوم من فمها نغما
إذا كان للرحمن في الناس آية
فإنك بين الناس آيته العظمى
33
تلألؤ رأي يسلب الشمس ضوءها
وكامل خلق علم القمر التما
34
فإن كرمتك اليوم مصر فإنما
تكرم من أبنائها رجلا شهما
فقل للذي يبغي لحاقك جاهدا:
رويدك حتى يدخل الجمل السما
35
إذا ما رأى الناس المكارم حلية
فأنت تراها في العلا واجبا حتما
فعش واملأ الدنيا حياة وذكرة
فمثلك يعلي ذكره العرب والعجما
36
هوامش
ليلة وليلى
1917م
وليلة حالكة الجلباب
أغطش من خافية الغراب
1
كأنها صحيفة المغتاب
أو حظ محدود من الكتاب
2
أو غمرات الزاخر الخضم
3
وقفت فيها وقفة الملتاح
أسائل النجم عن الصباح
4
فقال: سل عنه عتيق الراح
أو وجنات الخرد الملاح
5
فليس لي بشأنه من علم
إني رأيت العرب الحسانا
يصبغن منه الخد والبنانا
6
وراهبا، أظنه فلانا
أحضر بالأمس هنا دنانا
7
وراح وهي مفعمات تهمي
8
يا سارقات الصبح طال ليلي!
فديتكن بعض هذا الدل!
هل جاز في دين الغرام ذلي؟
من لي بأن ألقى الصباح من لي؟
باللمح أو باللمس أو باللثم
فيكن ذات حسب ودين
مشرقة الطلعة والجبين
كأنها إحدى الظباء العين
من عاذري فيها، ومن معيني؟
9
عيل بها صبري وطاش حلمي
10
علقتها صامتة الحجلين
أنصع من سبيكة اللجين
11
حوراء ملء القلب، ملء العين
كأنها اللقاء بعد البين
12
أو عودة الشفاء بعد السقم
حديثها سلافة النديم
وخلقها تواضع اليتيم
13
فديتها من ملك كريم!
تعرف فيها نضرة النعيم
أنقى وأصفى من نطاف الغيم
14
أبرزنها يوما فقلت: واها!
قتلت إن شببت في سواها!
كأنها، والحسن قد جلاها
لؤلؤة، تبهر من رآها
15
ألقى بها الغواص قرب اليم
ليلاي يا مضيئة الليلات!
يا ملك الرحمة والنجاة!
عرفت منك كرم الصفات
وقيمة الحياة في الحياة
إن كان لي نعم فأنت نعمي
16
هوامش
عيد جلوس الفاروق في السودان
حينما زار الشاعر السودان في سنة 1937م، واحتفى السودان حكومته وشعبه بعيد جلوس الفاروق، أنشد الشاعر هذه القصيدة في حفل رسمي حاشد.
عيد الجلوس صدقت
وعدك بالمنى وصدقت وعدي
علمت طير الواديين
فغردت بحنين وجدي
1
ونظمت فيك فرائدا
كانت لجيدك خير عقد
2
الشعر يبدي فيك زينته،
ووجه الروض يبدي
نثر الربيع بك الورو
د نضيرة ونثرت وردي
ووشى البرود من الأزاهر
وانتقى لك خير برد
3
فيه الرياض تبرجت
وثنين من جيد وقد
4
كم من عيون غضة
فيها ومن ثغر وخد
5
وجرى النسيم مضمخ ال
أردان من مسك وند
6 •••
عيد الجلوس وكم حوت
ذكراك من عز ومجد
أصبحت وحدك في الزما
ن وصرت في الشعراء وحدي
عندي لك الدرر الحسا
ن وأين إن لم تلف عندي؟
7
الشعر للأملاك خي
ر ذخيرة وأعز بند
8
صاغت سوائره لهم
تاجين من مجد وخلد
9
ولرب قافية بها
ما شئت من خيل وجند
تسري فلا صعب بصع
ب لا ولا بعد ببعد
تثب الجبال وما لها
بين الكواكب من مصد
الشعر زند للقوي
وعدة للمستعد
10
كم زان من ملك كما از
دان المهند بالفرند
11 •••
عيد الجلوس وأنت في ال
أعياد فرد أي فرد!
ألفى بك الأمل البعي
د لمصر أكرم مستمد
12
وتواترت نعم الإل
ه تجل عن حصر وعد ••• «فاروق» يا أس الرجا
ء وملتقى الركن الأشد
13
جملت بالقول السدي
د وساطع الرأي الأسد
وهبت لك الدنيا مفا
تح مجدها من غير رد
14
وضممت برد شبابك الزا
هي على جد وجد
15
خلق كأزرار النسيم
تفتحت عن نفح رند
16
وعزيمة لو لاطمت
أحدا مضت أيام أحد
17
طهرت من الصلف الذمي
م وعنفوان المستبد
18
تجري على سنن المهي
من بين إيمان ورشد
19
من سار في نور الإل
ه سعى إليه كل قصد
20
ومضى فعاد الوهد مس
تويا وطأطأ كل نجد
21
المجد وهو منى الحيا
ة أعد للبطل المجد
حسناء دون حجابها
رصدان من هجر وصد
22
تقف العيون حيالها
حيرى على شغف وسهد
مهر البطولة ما أجل
ل فمن يوفي أو يؤدي!
لا تبك إن عز السبي
ل فإن نوحك غير مجدي
واعمل بجهدك ما استطع
ت فلن تفوز بغير جهد
فالسيف غمد ما أقا
م ولم يفارق جوف غمد ••• «فاروق» فرد في الجلا
ل يجل عن وصف وحد
العبقرية أن تحل
لق للنجوم بغير ند
وتنال قسرا من فم الد
نيا حلاوة كل حمد •••
من كالمليك إذا انتمى
بهر العلا بأب وجد؟
كانا لمصر وأهلها
عضدا يصول بخير زند
ركبا العزائم للعظا
ئم بين إيجاف وشد
23
ملكا خطام الحادثا
ت ومقود الدهر الألد
24
وتحديا قصب السبا
ق فأذعنت عند التحدي
25
شرف إذا اختار المقا
م أقام في عليا معد
26
فلكم تنقل في العلا
من مهد مكرمة لمهد
من كل أروع صادق الر
ميات كالوتر العرد
27
جعد أبي ينتمي
لموثق العزمات جعد
28
جلد، وهل خضع الزما
ن لغير صلب العود جلد؟
29 •••
إني نزلت بجيرة
بسل على النجدات حشد
أنسيت أهلي بينهم
وسلوت إخواني وولدي
الضيف في ساحاتهم
يجتاز من رفد لرفد
30
عقدوا خناصرهم على
صدق الوفاء أشد عقد
31
ومضت أواصرنا تمد
إلى العروبة خير مد
32 ••• «فاروق» عش نجما يضيء
بيمن إقبال وسعد
قد كان عهدك في عهو
د المالكين أجل عهد
بلغت به مصر المدى
وتخلصت من كل قد
33
خذها عجالة شاعر
تغني عن القول المعد
سلكت سبيلا لينا
سهلا وجافت كل صلد
34
والروض إن صدحت بلا
بله صدحن بغير كد
فاهنأ بعيدك في نعي
م مشرق البسمات رغد
تفديك مصر ونيلها
عاش المفدى والمفدي!
هوامش
رثاء أمين
يبكي الشاعر في هذه القصيدة صديق شبابه الأستاذ محمد أمين لطفي، وكان وكيلا مساعدا بوزارة المعارف، وقد أنشدت هذه القصيدة في جمع حافل بدار الأوبر في آخر يناير سنة 1936م.
أتدري العلا من شيعت حين شيعوا؟
ومن ودعت يوم الرحيل وودعوا
بكينا، فلم يشف البكا حرقة النوى
ولكن إذا ضاق الفتى كيف يصنع؟
1
تهيج بنا الذكرى، فيغلبنا الأسى
وتدركنا رحمى الإله فنخضع
2
هو الموت سهم في يد الله قوسه
فلا الحزم يثنيه، ولا الكف تدفع
نروح إلى حاجاتنا، وهو راصد
وننثر من آمالنا، وهو يجمع
3
بنفسي أمينا في ثياب شبابه
يطير به الأمس الذي ليس يرجع
4
أقام كما تبقى الأزاهير لمحة
وزال كما زال الخيال المودع
5
فقدناه فقدان الكمي سلاحه (وما بين قيد الرمح والرمح إصبع)
6
فقدناه، حتى قد فقدنا وجودنا
فهل بقيت إلا جفون وأدمع؟
فقدناه، فقدان الأليف أليفه
يصيح به في كل روض ويسجع
7
يسائل عنه الأفق، والطير حوم
ويستخبر الأمواه، والطير شرع
8
يدف فيحوي الأرض منه تأمل
ويعلو فيعلو النجم منه تطلع
9
يظن خفيف الدوح خفق جناحه
إذا همست منه غصون وأفرع
ويحسب تحنان الغدير هديله
فيحبس من زفراته ثم يسمع
10
لقد ملت الغابات مما يجوسها
ومل صماخ الليل مما يرجع
11
له أنة المجروح أعيا طبيبه
وضج لما يشكو وساد ومضجع
كأن جناحيه شراع سفينة
دهتها من الأرواح نكباء زعزع
12
تضاحكه الآمال حينا فيرتجي
ويجبهه اليأس العبوس فيخشع
13
لدى كل عش صاحباه، وعشه
خلي من الألاف قفر مصدع
14
عزاء عزاء أيها الطير إنما
لكل امرئ في ساحة العمر مصرع
فأين من الطير الهديل وولده؟
وأين من الأملاك كسرى وتبع؟
15
طواهم خضم لا ينادى وليده
يطوحهم آذيه المتدفع
16 •••
رمتني الليالي قبل نعيك رمية
عرفت بها كيف القلوب تقطع
17
نصال حداد قد ألمت لحملها
وأعلم أني هالك حين تنزع
18
فلما رماني سهمك اليوم وانطوت
عليه جنوب خافقات وأضلع
19
أمنت على قلبي السهام فلم يعد
به بعد خطب الأمس واليوم موضع •••
أأنسى أمينا، والشباب يحفنا
جديدا، وروض الود بالود ممرع
20
بأرض إذا غص النهار بغيمها
فوجه أمين أينما لاح يسطع
21
نسيت به أهلي، ويا رب صاحب
أبر من ابن الأم قلبا وأنفع
يغالبني شوق إلى الفن رائع
ويجذبه ميل إلى العلم أروع
نروح ونغدو لاهيين، ولم نكن
نخاف رزايا الدهر أو نتوقع
22
ونضحك للدنيا اللعوب وزورها
ونمرح في زهو الشباب ونرتع
وكنا نرى الأيام أحلام نائم
فأيقظنا منها الأليم المروع
23
وكانت غناء كلها ثم أصبحت
وليس بها إلا الرثاء المفجع
24 •••
أتذكر إذ نمشي إلى الدرس بكرة
بنوتنجهام، تستحث فأسرع؟
25
وقد حجب الشمس الضباب كأنما
تلا الليل ليل عاكر اللون أسفع
26
بلاد كأن الشمس ماتت بأفقها
فظلت عليها أعين السحب تدمع
كأن المصابيح الخوافق حولنا
سيوف وغى في ظلمة النقع تلمع
27
كأن بياض الثلج ينثر فوقنا
صحيفتك البيضاء بل هي أنصع
تناقلني حلو الحديث كأنه
وقد رق معناه الرحيق المشعشع
28
خلال كريمات أرق من الصبا
وأنضر من وشي الرياض وأضوع
29
ولعت بها عمري، وأكبرت ربها
وإني بأخلاق الكرام لمولع
30
وقد كنت عف النفس واللفظ والنهى
فلا الرأي مأفون ولا القول مقذع
31
تكد كما كد النمال، وترتوي
زلالا من العلم الصحيح وتكرع
32
فتى طلب الدنيا كريما فنالها
وليس له فيها سوى المجد مطمع
وسعي كبير النفس للنفس مكبر
وسعي صغير النفس للنفس مخضع
وأعظم أخلاق الفتى همة الفتى
وعزم حديد النصل لا يتزعزع
إذا وفق الله امرأ في طلابه
دنا الصعب، وانقاد العسير الممنع
قنعنا بما دون القليل، ولم تكن
بغير جليلات المطالب تقنع
وعدت وفي يمناك أسمى شهادة
وأشرف عنوان لمصر وأرفع
رسمت لشبان البلاد طريقهم
فأبدعت فيما قد رسمت وأبدعوا
ومن طلب المجد المنيع فما له
سوى سيرة الأبطال في الناس مهيع
33 •••
وقد كنت في كل المناصب سيدا
تزينك في الدنيا خلائق أربع
فحزم كما ترضى العلا، وتواضع
وعزم كما ترضى العلا، وترفع
34
لك البسمة الزهراء تلمع كالضحى
وتدفئ من قلب الجبان فيشجع
حريص على ود الصديق كأنما
مودته العهد الذي لا يضيع
إذا قرأ الأوراق للرأي فاتئد
فقد قرأ الأوراق للرأي ألمع
وإن صدعت بالحكم يوما شفاهه
فليس بغير الحق والعدل تصدع
35 •••
عجبت لصدر ضاق بالداء حلمه
وأرجاؤه من شاسع البيد أوسع
36
مرضت، فقلنا: مشرفي بغمده
توارى، ونجم عن قليل سيطلع
37
ولم ندر أن الموت باسط كفه
إلى الغصن في ريعانه وهو مونع
38
وأن النوى الحمقاء شدت رحالها
وأن أمين الركب للبين مزمع
39
وأن المعالي والمكارم والحجا
سيضمنها قفر من الأرض بلقع
40
وأن قضاء الله حم، فما لنا
محيص، ولا مما قضى الله مفزع
41
إذا برع الطب الحديث فقل له:
يد الموت أمضى من يديك وأبرع
وإن الفتى ماض وماض طبيبه
وعائده من بعده والمشيع •••
أمين، وظل الموت يفصل بيننا
سبقت، وإني عن قليل سأتبع
42
ونرجع للحسنى كما كان عهدنا
فلا نشتكي هما ولا نتوجع
وما مات من أبقى ثناء مخلدا
وذكرا يسامي النيرات ويفرع
43
إذا ذهب المسك الذكي فإنه
يزول ويبقى نشره المتضوع
44
هوامش
وزارة سعد
ألقيت أمام سعد زغلول، حينما زار وزارة المعارف سنة 1924م وكان رئيسا للوزراء.
اليوم يومك مصر
لله حمد وشكر
فلن يروعك رق
ولن يمسك أسر
وكل ما فيك صفو
وكل من فيك حر
سعد يحوط بنيه
وهو الأعز الأبر
دعته مصر فلبى
والوجه يعلوه بشر
في ساعة ليس فيها
من الفرار مفر
1
الموت يحصد حصدا
والسجن للحر قبر
2
والأرض تهتز رعبا
فما لها مستقر
يسري مع الليل هم
ويخنق الشمس ذعر
تحدث الناس همس
كأنما هو فكر
ومصر ترقب سطرا لل
موت يتلوه سطر
إذا نداء جهير
يهز مصر وزأر
زأر الهزبر المفدى
سعد ونعم الهزبر
3
دعوت قومك حتى
أسمعت من فيه وقر
4
وقمت فيهم خطيبا
له على القول أمر
مفصلات قصار
لها رنين ونبر
5
وحكمة في بيان
إن البيان لسحر
قلب أبي شموس
على الخطوب وصدر
6
وعزمة من حديد
لها عرام وأزر
7
أبت على الدهر لينا
سيان عسر ويسر
باني الجبال بناها
منيعة لا تخر
فلم يكن غير سعد
لمصر ردء وذخر
8
فلم يكن غير سعد
للناس ورد وذكر
9
جاءوا إليك سراعا
لهم أزيز وهدر
الشيخ يتلوه قس
والقس يتلوه حبر
ودينهم حب مصر
وغير ذلك كفر
في كل قلب يقين
وحسن عزم وصبر
وليس في الكف بيض
وليس في الكف سمر
10
فقدتهم نحو فخر
لمصر يتلوه فخر
روح من الله جاءت
من السماء ونصر
ونهضة كان فيها
لله قبلك سر
سر بالسفينة هونا
فليس ثمة صخر
البحر صاف أمين
وأنت بالسفر بر
تعيش مصر وتبقى
فقرة العين مصر
هوامش
إلى نادي المعلمين
نشرت هذه الأبيات في سنة 1947م بعد أن منحت الدولة المعلمين نادي العلمين؛ ليكون ناديا لهم.
يا نادي «العلمين» صرت لفتية
كانت مواقفهم بمصر مشرفه
1
قد توج النطق «الكريم» جهادهم
وسما بمن يبني العقول وأنصفه
زادوك «ميما» فازدهيت بحسنها
تيها، ولم تك غير «ميم المعرفه»
2
هوامش
تهنئة المليك بالعيد (فاروق الأول)
عيد الفطر المبارك سنة 1357ه/1937م
أسمعت شدو الطائر الغريد
هزجا يناغي فجر يوم العيد؟
1
وبدا عمود الصبح أبيض ناصعا
كالسلسل الضحضاح فوق جليد
2
أو كاليد البيضاء تنضح بالندى
والغيث، أو جيد العذارى الغيد
أو كاقتبال الحسن بعد تحجب
أو كابتسام الدل بعد صدود
3
وإذا لمحت الشرق خلت عرائسا
ماست بثوب كالشباب جديد
4
يرفلن في ضافي الضياء نواعما
في سحر أنغام، ولين قدود
5
ودم الشباب له روائع نشوة
ما نالها يوما دم العنقود
6
ما بين طرف بالخديعة ناعس
ثمل، وآخر في الهوى عربيد •••
ودعت أيام الشباب حوافلا
من بعدما عصف المشيب بعودي
فإذا خطرن، فهن رؤيا نائم
وإذا همسن، فهن رجع نشيد
أرنو إلى عهد لهن كأنما
أرنو لنجم في السماء بعيد
وأرى الحياة بلا شباب مثلما
لمع السراب بمقفرات البيد
7 •••
إن الشباب رحيق أزهار الربا
وحفيف غصن البانة الأملود
8
ومطية الآمال في ريعانها
وسراج ليل الساهد المجهود
وبشاشة الدنيا إذا ما أقبلت
ونجاة وعد من أكف وعيد
هو في كتاب العمر أول صفحة
بدئت ببسم الله والتحميد
وربيع أيام الحياة تبسمت
روضاته عن ضاحكات ورود
أهدى لها الوسم نسج غلائل
وأتى الولي لها بوشي برود
9
وسرى النسيم بها يغازل أعينا
من نرجس ويشم ورد خدود
إن الشباب، وما أحيلى عهده!
كالواحة الخضراء في الصيهود
10
تلقى بها ماء وظلا حوله
جدب الجفاف وقسوة الجلمود
11 •••
إني طرحت من الشباب رداءه
وثنيت عن لهو الصبابة جيدي
12
واخترت من صحف الأوائل صاحبي
وجعلت مأثور البيان عقيدي
13
ومررت بالتاريخ أملأ ناظري
منه وأحيي بالفناء وجودي
كم عالم قابلت في صفحاته
ولكم ظفرت بفاتح صنديد!
14
وإذا التمست من الدهور رسالة
فصحائف التاريخ خير بريد
أحنو إلى قلمي كأن صريره
في مسمعي المكدود رنة عود
15
وأعيش في دنيا الخيال؛ لأنني
أحظى بها بالفائت المفقود
كم ليلة سامرت شعري لاهيا
والنجم يلحظنا بعين حسود
حينا يراوغني فأنظر ضارعا
فيلين بعد تنكر وجحود
ولقد أغرد بالقريض فينثني
فأنال قادمتيه بالتغريد
16
طهرته من كل ما تأبى النهى
ويعافه سمع الحسان الخود
17
وبعثت فيه تجاربا مذخورة
هي كل أموالي وكل رصيدي
وجعلت تشبيبي بمصر ومجدها
وشمائل «الفاروق» بيت قصيدي
18 •••
ملك زها الإسلام تحت لوائه
وأوى لركن من حماه شديد
إن فات عهد الراشدين فقد رأى
في دولة «الفاروق» خير رشيد
قرنت منابره جلائل سعيه
وجهاده بشهادة التوحيد
وصغت مساجده لترديد اسمه
فكأنما يحلو على الترديد
19
من يجعل الإيمان صخرة ملكه
رفع البناء على أشم وطيد
20
كم وقفة لك في المحارب جملت
عز الملوك بخشية المعبود
21
سجدت لك الأيام حين تلفتت
فرأتك بين تشهد وسجود
وتطلع الإسلام في أمصاره
يهفو لظل لوائك المعقود •••
سعد الصيام وشهره بمجاهد
عبق الوجود بذكره المحمود
22
فنهاره للصالحات، وليله
للباقيات وللندى والجود
23
حييت في المذياع أول ليلة
منه بقول محكم التسديد
جمع السياسة كلها في أحرف
كالعقد ألف بين كل فريد
وكقطرة العطر التي كم جمعت
من نور أغوار وزهر نجود
24
قول به الحكم الغوالي نسقت
ما بين منثور وبين نضيد
25
أصغى إليه الشرق يسمع دعوة
قدسية للبعث والتجديد
26
وزهت به العزمات بعد ذبولها
وصحت به الآمال بعد رقود
لله صوتك في الأثير فإنه
أخذ الهدى والحسن عن داود!
لبيك يا ملك القلوب! فمر نكن
لك طاعة، والله خير شهيد •••
إنا بدرس الدين أبصرنا الهدى
نورا يشع بجمعه المحشود
وبدا المليك به يمجد ربه
لله من نسك ومن تمجيد!
أبصرته والشعب حول بساطه
كالطير رف لورده المورود
27
ما أسمح الإسلام! يجمع رحبه
في الله بين مسود ومسود
حرسته أفئدة تفدي عرشه
والحب أقوى عدة وعديد
إن الجود به تلوذ وتحتمي
ولكم عروش تحتمي بجنود!
يصغي وينصت للكتاب وآيه
في سمت موفور الجلال حميد
يا قدوة الجيل الجديد وذخره
عش للمنى فردا بغير نديد •••
حار القريض وكيف أبلغ غاية
هي فوق طوق يراعتي وجهودي؟
أعددت ألواني لأرسم صورة
أين السها من ساعدي المكدود؟
28
حلم كما تغضي الأسود تكرما
وعزائم فيها نجار أسود
29
وفراسة سبقت حوادث دهرها
حتى كأن الغيب كالمشهود
30
وإرادة تفري الصعاب شباتها
وتهد عزم الصخرة الصيخود
31
وذكاء قلب لو رمى حلك الدجى
لمضى يهرول في المسوح السود
32 •••
مولاي! إن الشعر يشهد أنه
بلغ المدى في ظلك الممدود
ألفى خلالا لقنته بيانه
فأعادها كالصادح الغريد
33
فلكم بعثت مع الأثير وحيدة
في فنها تشدو بملك وحيد
فاهنأ بميلاد الأميرة إنها
عنوان مجد طارف وتليد
34
وانعم بعيد الفطر واسعد بالمنى
في طالع ضافي النعيم سعيد
هوامش
عبد العزيز جاويش
يرثي الشاعر في هذه القصيدة أستاذه وصديقه الشيخ «عبد العزيز جاويش». وقد توفي في يناير سنة 1929م.
دموع عيون أم دماء قلوب
على راحل نائي المزار قريب؟
1
نعاه لنا الناعي فأفزع مثلما
تراع بصوت في الظلام رهيب
فقلنا: أبن - رحماك - طارت عقولنا
وكم من يقين في الحياة مريب
2
شككنا، وكان الشك أمنا وراحة
فلم نستمع من فيك غير نعيب
حنانك، إنا أمة هد ركنها
صراع ليال، واصطلاح خطوب
3
إذا كشفت عنها القميص بدت بها
ندوب لطعن الدهر فوق ندوب
وإن أرسلت في ذمة الله عبرة
على ابن سرى حامي الذمار وثوب
4
دهتها الليالي في سواه، ولا أرى
شعوبا لهذا الناس مثل شعوب
5
تداوى من الإعوال بالبث والبكا
وتشفي لهيبا للجوى بلهيب
6
وتمسح دمعا كي تجود بمثله
وتنسى أريبا بادكار أريب
7
فيا أيها الناعي، إذا قلت فاتئد
فما مخطئ في قوله كمصيب
حنانك، قل ما شئت إلا فجيعة
بفقد كريم، أو فراق حبيب
فقال: قضى، قلنا: قضى حاجة العلا
فقال: مضى، قلنا: بغير ضريب
8
فهز اعتلاج الحزن أضلاع صدره
وأخفى نشيجا تحت طي نحيب
9
وقال: قضى عبد العزيز ولم يكن
نصيب امرئ في الرزء فوق نصيبي
فوا حسرتا! مات الإمام ولم تكن
نهاية هذي الشمس غير مغيب
وغاض معين كان ريا ورحمة
وكل معين صائر لنضوب!
10
فمن لكتاب الله يلمح نوره
بعين بصير بالبيان لبيب؟
ومن يدفع العادي على دين أحمد
بعزم كمسنون الحراب صليب؟
11
وقد كنت يا عبد العزيز إذا دجت
وقد قيل: «أما بعد» خير خطيب
12 •••
بنفسي من عانى الحياة مشردا
يجوب من الآفاق كل مجوب
13
غريبا تقاضاه الليالي حشاشة
ولكنه للفضل غير غريب
14
يطوف بأقطار البلاد كأنه
خيال ملم، أو خيال أديب
ويطوي وراء البشر نفسا جريحة
وأعشار قلب بالهموم خضيب
15
أيشكو لئيم القوم كظا وبطنة
ويشكو فتى الفتيان مس سغوب؟
16
لأمر غدا ما حول مكة مقفرا
جديبا، وباقي الأرض غير جديب •••
تقتلنا الأيام وهي حياتنا
وتعطي، وما أبصرت غير سليب
17
فما حيلتي إن كان بالماء غصتي
وداني إذا عز الدواء طبيبي؟
18
كأن حبال الشمس كفة حابل
تحيط بنا من شمأل وجنوب
19
نروح بها، والموت ظمآن ساغب
يلاحظنا في جيئة وذهوب
20
على الشفق المحمر من فتكاته
بقايا دم للذاهبين صبيب
21
هل الدهر إلا ليلة طال سهدها
تنفس عن يوم أحم عصيب؟
22
وليس تراب الأرض غير ترائب
وغير عقول حطمت وقلوب!
23
سلوا وجنات الغيد في ذمة الثرى
أتزهى بحسن أم تدل بطيب؟
وكانت شباكا للعيون فأصبحت
ولست ترى فيهن غير شحوب •••
فيا من رأى عبد العزيز تنوشه
نيوب لعادي الموت أي نيوب
24
طريحا على أيدي الأساة كأنه
حمالة عضب أو رشاء قليب
25
فيا ويح للصدر الرحيب الذي غدا
بمزدحم الآلام غير رحيب
تدب فيه في موطن الحلم علة
لها كالصلال الرقش شر دبيب
26
ترى القلب منها واجبا أن تمسه
فتتركه قلبا بغير وجيب
27
أصابت نظاما للمعالي فبددت
ومقصد آمال ومجد شعوب •••
لقد كنت تعلي في الحياة قصائدي
وتهتز عجبا إن سمعت نسيبي
فهاك نداء، أن يجد منك سامعا
وهاك رثاء إن يفز بمجيب
رثاء يكاد الميت يحيا بلفظه
ويحبس شمس الأفق دون غروب
فطارح به الخنساء إن جزت دارها
ونافس به - إن شئت - شعر حبيب
28
تمنيت لو أرسلت شعري مع البكا
بغير قواف، أو بغير ضروب
29
وصيرت أناتي تفاعيل بحره
وجئت بوزن في القريض عجيب
فإني رأيت الشعر تنفر طيره
إذا دهمت من فادح بهبوب
تهاب القوافي أن تمس جلالة
لذي شمم ضافي الجلال مهيب
30
عليك سلام الله ما ناح طائر
على غصن غض الإهاب رطيب
31
هوامش
الصلح بين القبائل
حينما زار الشاعر بغداد في سنة 1939م، مع صديقه حمد الباسل باشا. وفقا لعقد الصلح بين قبائل شمر والعبيد، بعد أن استمر العداء بينهما زمنا طويلا. وقد أقيمت بهذه المناسبة حفلة بدار السفارة المصرية أنشد الشاعر فيها هذه القصيدة.
أجابت نداء الحق سمر العواسل
وعادت إلى الأغماد بيض المناصل
1
وقرت قلوب جازعات خوافق
وخالط دمع البشر دمع الثواكل
2
وطافت على الشر المناجز حكمة
أطاحت بما قد حاكه من حبائل
3
وأطفأ نيران العداوة وابل
من الحلم، حيا صوبه كل وابل
4
وصفق بالبشرى الفرات ودجلة
على نغمات الساجعات الهوادل
5
وحطمت السلم الحسام فلم تدع
به بعد طول الفتك غير الحمائل
6
فليت زهيرا بيننا بعدما خبت
لظى الحرب وانجابت غيوم القساطل
7 •••
هو السيف أطغى ما خضعتم لحكمه
إذا ما انتضاه الحقد في كف جاهل
8
يقطع أوشاجا علينا عزيزة
ويبتر جبارا كريم الوصائل
9
يسيل دم القربى عليه مطهرا
أعز وأزكى من نجيع الأصائل
10
أخي، أنت درعي إن ألمت ملمة
وإن فدحتني عابسات النوازل
11
أخي، أنت من نفسي، دماؤك من دمي «فإن كنت مأكولا فكن خير آكل»
أأرمي أخي؟ يا ويل ما صنعت يدي!
فيا لتها كانت بغير أنامل!
إذا مسني خطب فأول راكب
يخوض لي الجلى، وأسرع نازل
12
أكلت دما إن لم أزد عن حياضه
كريما، وأدفع عنه كيد الغوائل
13
أضاحكه والقلب ما عبثت به
لئام المساعي، أو سموم الدخائل
14
وأبسط كفي نحوه غير جافل
ويبسط نحوي كفه غير جافل
15
إذا البيد لم تنبت نباتا فحسبها
فقد أنبتت فينا كريم الشمائل
16
وقد علمتنا أن يكون إخاؤنا
كشامخ رضوى ركنه غير زائل
17
ألسنا الكرام الغر من آل يعرب
لدى الروع، أو عند التفاف المحافل؟
18
حمينا بحمد الله أنساب قومنا
وصنا على الأيام مجد الأوائل
وما خلقت إلا لعزم نفوسنا
كأنا خلقنا من غبار الجحافل
19
إذا افترقت أهواء قوم تشتتوا
ولم يرجعوا إلا بعار التخاذل
عزيز على الأوطان أن شجاعة
تمزقها الشحناء في غير طائل
حمانا كتاب الله من بعد فرقة
فكنا لدين الله خير المعاقل
وصالت بنا من قوة البأس وحدة
على الكون، لم تترك مصالا لصائل
فثلت عروش، واستطارت أسرة
من الذعر في أعوادها والزلازل •••
جمعنا على الحب القلوب فأشرقت
كما أشرقت بالغيث زهر الخمائل
وعفنا ورود الماء أكدر آسنا
وحنت حنايانا لعذب المناهل
20
وعادت إلى الحسنى «العبيد» و«شمر»
وسار بشير السلم بين القبائل
21
وأصغوا إلى الرأي السديد وأنصتوا
لنصح نصير للعروبة «باسل»
22
إلى «حمد» ترنو المعالي مدلة
وتلقي بأسباب النهى والفضائل
عرفناه وردا للندى غير ناضب
لراج، وعزما للعلا غير ناكل
23
وقد دفن القوم التراث وأقبلوا
إلى الحق يمحو ضوؤه كل باطل
24
وسلوا لإعلاء العراق عزائما
أسد وأمضى من سنان الذوابل
25
يفدون بالأرواح والأهل «فيصلا»
مناط المنى من كل راج وآمل
26
هوامش
ثقيل!!
عام 1930م
تبا له من ثقيل
دما وروحا وطينه!
لو كان من قوم نوح
لما ركبت السفينه
1
هوامش
ذكرى الزفاف الملكي
بمناسبة ذكرى زواج الملك السابق فاروق إلى الملكة السابقة فريدة يناير 1939م.
اقبس النور من شعاع الراح
والثم الحسن في جبين الصباح
1
وابعث اللحن من سمائك يا شعر
ونافس به ذوات الجناح
2
وانهب الحسن من خدود العذارى
واسرق السحر من عيون الملاح
وتنقل بين الخمائل جذلا
ن طليق الهوى جميم المراح
واسقنا من سلافك العذب إنا
قد سئمنا مرارة الأقداح
3
كم ثملنا برشفة منك يا شعر
فصرنا روحا بلا أشباح
4
ورأينا من الحقائق ما
عز على كل باحث كداح
وقرأنا في كل شيء رموزا
فوق طوق البيان والإيضاح
5
ورسمنا بدائع الكون في لو
ح تعالى عن جفوة الألواح
6
وفهمنا لغى الطيور
وأصغينا لهمس الغصون في الأدواح
7
ورأينا البروق تضحك في الرو
ض فتهفو لها ثغور الأقاحي
8
إيه يا شعر أنت سلواي
في الدنيا إذا ضاق بي فسيح البراح
كم عناء كشفت بعد نضال
وجبين مسحت بعد كفاح!
لا تدعني يا شعر في ليلة الذكرى
وأطلق إلى الخيال سراحي
غنني بالمنى ترف حنانا
بعد نأي وبعد طول جماح
9
غنني باللقاء بعد شتات
وبعطف الزمان بعد شياح
10
غنني بالربيع يخطر في الرو
ض ويعطو بمئزر ووشاح
11
غنني غنني فقد عي نابي
ونبا مزهري عن الإفصاح
12
كيف تحوي الأوتار ما يغمر القلب
ويطفو به من الأفراح؟
13
غن في ليلة البشائر
يا شعر وغرد بصوتك الصداح
وخذ الفن من ترانيم إسحا
ق وبعد المدى عن ابن رباح
14
واملأ الأفق بالنشيد تردد
رجع أنغامه جميع النواحي
ماست الباسقات في ضفة الوا
دي وأرخت شعورها للرياح
15
ورنا الزهر باسما ينشر النو
ر ويهفو بثغره الفواح
16
أسكرته الذكرى فأصغى وأصغى
يملأ السمع وهو نشوان صاحي
17
مال تيها كما تميل العذارى
هل على الزهر في الهوى من جناح؟
18 •••
إن ذكرى الزفاف أسعد ذكرى
تملأ النفس من منى وارتياح
سعدت مصر بالمليكة فيه
واستنارت بنورها الوضاح
شرف باذخ يتيه على الدنيا
ومجد من الصميم الصراح
19
نبتت في منابت أرضها
المسك وفي ظل عزة وسماح
وبدت درة من النبل والمجد
فغضت من الدراري الصحاح
20
فهناء فاروق يا موئل النيل
ويا يمن نجمه اللماح
21
أنت أنهضت مصر تستبق الخطو
وتمضي بعزمة وطماح
22
وبعثت الآمال في كل قلب
وغرست الإحسان في كل راح
23
ذاك سر البيت الكريم وفيض
من عطاء المهيمن الفتاح
24
آل بيت الملك المؤثل أنتم
شرف مشرق الأسارير ضاحي
25
عجز الشعر أن ينال مداكم
وكبت دون وصفكم أمداحي
26
كتب الله في الخلود علاكم
ما لما خط في السموات ماحي
جدكم أنقذ البلاد وأعلى
راية الدين بالظبا والرماح
27
حكمة تأسر القلوب بصفح
وإباء يغشى الوغى بصفاح
28
كم تغنى بفضله كل مغدى
وسرى ذكره بكل مراح
29
عاش فاروق والمليكة ذخرا
ومنارا للبر والإصلاح
30
ولتعش قرة البصائر فريا
ل حياة النفوس والأرواح
31
هوامش
رثاء عاطف
أنشدت في حفل تأبين عاطف بركات باشا وكيل وزارة المعارف سنة 1924م.
العين عبرى، والنفوس صوادي
مات الحجا، وقضى جلال النادي
1
أرجاء ذا الوادي الخصيب جنابه
ماذا أصابك يا رجاء الوادي؟
2
سهم رماك به الحمام مسدد
أودى بأي روية وسداد!
وقضى على الآمال في أفنانها
فذوت ولم تمهل لوقت حصاد
وأصاب من قبس الزكانة شعلة
وهاجة، فغدت فتيت رماد
3
وطوى حساما منك في جفن الثرى
قد كان يستعصى على الأغماد
صحف الحياة، وأنت أصدق قارئ
لسطورها، تطوى إلى ميعاد
والورد يزهو ناضرا فوق الربا
ويعود حينا وهو شوك قتاد
4
والماء يجتذب النفوس نميره
ولقد يكون الماء غصة صادي
5
ما هذه الدنيا؟ أما من نعمة
فيها لغير تشتت ونفاد!
قد حيرت شيخ المعرة حقبة
في نوح باك أو ترنم شادي
6
تعب الحياة يجيء من لذاتها
ولذيذها يجنى من الإجهاد
يطوي بساط العرس فيها مأتم
في إثره عيد من الأعياد
قد كان في رزء الحسين بكربلا
عيد اليزيد وعيد آل زياد
7 •••
أيموت عاطف، والكنانة ترتجي
وثباته، واليوم يوم جلاد؟
أيموت في الميدان، لم يغمد له
سيف، ولم يخلع نياط نجاد؟
8
أيموت، والنصر المبين ملوح
بلوائه لطلائع الأجناد؟
ويغيض ماء كان أيسر قطرة
منه حياة خلائق وبلاد؟
عمر إذا قلت سنوه، فإنما
آثارهن كثيرة التعداد
كالعطر تجمع قطرة من مائه
زهرا، ينوء بغصنه المياد
9
كم من فتي في التراب، وخلفه
ذكر يزاحم منكب الآباد!
10
ومعمر عبر الوجود، فما رنا
طرف إليه ولا بكى لبعاد
عمر الرجال يقاس بالمجد الذي
شادوه، لا بتقادم الميلاد •••
عز (المعارف) مطرقا في عاطف
زين الفناء وسيد الأنداد
للعلم والأخلاق كان معاضدا
فطوى الحياة وفت في الأعضاد
11
ما زال يكدح، والخطوب بمرصد
والداء يطغى، والزمان يعادي
لم تثنه الآلام عن غاياته
أو تلوه الأسقام دون مراد
فالليل موصول بيوم حافل
واليوم معقود بليل سهاد
وكأنما نصح الطبيب بسمعه
هذر الوشاة، وزفرة الحساد
وهب الحياة كريمة لبلاده
ومضى إلى الأخرى صريع جهاد
وإذا بذلت لمصر كل عزيزة
إلا الحياة، فأنت غير جواد •••
حملوا على الأعواد خير وديعة (أعلمت من حملوا على الأعواد؟)
12
في ركبه زمر السموات العلا
تحدو مطيته لخير معاد
13
والصبر ناء، والرءوس خواشع
والدمع جار، والقلوب صوادي
14
حملوا على النعش الكريم، سلالة ال
حسب الكريم، وصفوة الأمجاد
وتحملوه ليدفنوا تحت الثرى
شمم الأباة، وصولة الآساد
15
حف الشباب به، وفي عبراتهم
كمد الجنود لمصرع القواد •••
يا رامي الأمل البعيد بهمة
شماء تدرك غاية الأبعاد
وعقيدة لو صورت بمماثل
كانت تكون رصانة الأطواد
16
لم يزهها ضافي المديح، ولم تكن
في الحق ترهب صولة النقاد
17
وعزيمة لا الزجر نهنه همها
يوما ولا فلت، من الإيعاد
18
كادت تدور مع الكواكب دورها
بالنحس آونة وبالإسعاد
كانت أحز من المدى، وأحد من
غرب الظبي يسللن يوم طراد
19
وثقت بخالقها القدير فشمرت
محمودة الإصدار والإيراد
20 «سيشيل» منه رأت هصورا يزدري
ألم الإسار، وقسوة الأصفاد
21
لهفى عليه، والديار بعيدة
وخيال مصر مراوح ومغادي
متوثبا نحو المحيط كأنه
صقر الفلاة بكفة الصياد
22
ما دكه عصف الخطوب ولا ونى
لزعازع الإبراق والإرعاد
لا تعجبوا، من كان سعد خاله
ألقت له الأخلاق كل قياد
سعد الذي غرس المهيمن حبه
في كل جارحة وكل فؤاد •••
محيي القضاء رماه في ريعانه
سهم القضاء، فما له من فادي!
23
وثبت عليه من المنون غوائل
وعدت عليه من الزمان عوادي
شيدت دارا للقضاء فأصبحت
للدين والأخلاق خير عماد
لو لم تجئ يوم الحساب بغيرها
لسموت فوق منازل العباد
24
وبثثت روحك في الشيوخ، فكلهم
داع إلى نور النبوة هادي
وبنيت بالأخلاق منهم دولة
بلغت بحولك أبعد الآماد
25
الدين سمح، إن سلكت سبيله
للخير، لا للشر والإفساد
فلكم رأينا في المعابد أشعبا
للختل يلبس بردة الزهاد
26 •••
فزعت لك الأقلام فوق طروسها
ومن المداد لبسن ثوب حداد
27
وتكاد تلتهب المنابر حسرة
لما رحلت، على خطيب إياد
28
والشعر أضحت هاطلات دموعه
بحرا، فناح عليك في الإنشاد
من لي، وظل الموت داج بيننا
بضياء ذاك الكوكب الوقاد!
29
من لي بذاك الوجه، بين غضونه
أسطار أسرار الحياة بوادي!
يا طالبا نور اليقين حياته
جاء اليقين ، فسر بأوفر زاد
واملأ جفونك بالكرى في غبطة
قد كنت أحوج ساهد لرقاد
واخلع ثياب الداء عز دواؤه
والبس بعدن أنفس الأبراد
30
واذهب كما ذهب الشباب مشيعا
بدم الجفون وحرقة الأكباد
سحت عليك مع الجنوب روائح
وهمت عليك مع الشمال غوادي
31
هوامش
عيد دار الإذاعة
أذيعت هذه القصيدة في 31 من مايو سنة 1938م، حينما احتفلت دار الإذاعة بانتهاء العام الرابع من إنشائها.
فتاة القريض، اهبطي من عل
مددت يدي، فلا تبخلي
كبا بفتى الشعر طول الصعود
فإن كنت راحمة فانزلي
1
يحن إليك حنين المشيب
إلى ضحكات الصبا المخضل
2
سلا بك ليلى وأترابها
ونام عن العذل والعذل
شغلت فتاك بسحر البيان
ولولا عيونك لم يشغل
3
يراك من الليل في بدره
وفي شعره الفاحم المسبل
4
وفي كل آه رماها الهوى
على شط مدمعه المرسل
ويلقاك في كل وجه صبيح
بغير الملاحة لم يصقل
ومن فيك يسمع نجوى الغصون
ويصغي إلى همسة الجدول
تعيشين في زاخر من ضياء
تصفق بالأمل المقبل
تحوم الملائك من فوقه
كما حام طير على منهل
روينا به فنسينا الحياة
وما ديف فيها من الحنظل
5
وذقنا سلافا أبت أن ترف
بكف النواسي والأخطل
6
إذا قتلت أحيت الشاربين
فكيف إذا هي لم تقتل
7
كأن الحباب على وجهها
وعود حصلن ولم تحصل
8
عديني عديني فتاة القريض
وإياك إياك أن تمطلي
تعالي نقبل وجه الربيع
بشير المنى ومنى المجتلي
9
ونجمع من زهره ما نشاء
ونرفل في ثوبه المخمل
تعالي نطير بريش الأثير
ونعلو به حيثما يعتلي
نمر كما مر طيف الخيال
ألم لماما ولم يحلل
فبينا نحدث أهل الحجاز
إذا صوتك العذب في الموصل
10
نحيي بني العرب الأوفياء
ونسمعهم غرد البلبل
أولئك قومي بناة الفخار
وزين المحافل والجحفل
11
ولولا الإذاعة عاش الكرام
حماة العروبة في معزل •••
أدار الإذاعة من مخلص
عن الود والعهد لم ينكل
هناء بأعوامك المشرقات
وأيام نهضتك الحفل
ولدت وللعلم أسراره
وقد كنت من سره المعضل
بذلت الثقافة للظامئين
ولولا يمينك لم تبذل
ونبهت وسنان جفن الصباح
بآي من الكلم المنزل
12
وغنيت حتى تعزى الحزين
وقر الشجي وهام الخلي
ترانيم ما سمعتها الفنون
بأوتار إسحاق أو زلزل
13
وكم قد هزلت لتشفي النفوس
فكان من الجد أن تهزلي •••
مضت مصر تصعد نحو السماء
وتسمو على مسبح الأجدل
14
وأضحت من العلم في روضة
ومن عزة الملك في معقل
تتيه بتاريخ أمجادها
وتزهى بفاروقها الأول
هوامش
تكريم
ألقيت هذه القصيدة في حفل لتكريم الدكتور علي توفيق شوشه، وكيل وزارة الصحة بمناسبة الإنعام عليه برتبة الباشوية عام 1945م.
نغم الشعر في ربا جناته
أسكت ابن الغصون في دوحاته
1
مال سمع الدنيا إليه وأصغت
هاتفات المنى إلى هاتفاته
2
وتر صاغه الإله وألقى
نغمات الفردوس في نغماته
3
ورنين من السماء تمنى
كل طير لو أنه من لهاته
4
صنته أن يهون، والفن يسمو
حين تسمو به نفوس حماته
5
وتقلدته حساما لمصر
تتوقى الخطوب وقع شباته
6
وهززت الشباب للسبق فانث
الوا سراعا على هدى مشكاته
7
ما مدحت الكريم إلا لأدعو
بمديحي إلى كريم صفاته
أنا بالمجد مولع وبأهلي
ه، وبالباقيات من ذكرياته
أعشق النبل في جلالة معنا
ه، وأهوى الإقدام في عزماته
قد رأيت العلاء في اسم «علي»
ورأيت «التوفيق» خير سماته
8
فشدا باسمه قريضي كما يش
دو طليق الجناح في روضاته
9
وإذا كرم الرجال ابن توفي
ق فقد كرموا النبوغ لذاته •••
بسمات الربيع في بسماته
وسنا الصبح من سنا قسماته
10
كوكبي الذكاء لو صدع اللي
ل لجلى بنوره ظلماته
11
باحث لا يصيد في مهمه العل
م سوى الشاردات من آبداته
12
رأيه مجهر فما غاب أمر
كيفما دق عن مدى نظراته
13
لمحات كأنها خاطف البر
ق، وأين البروق من لمحاته؟
14
إن رمى الشك رأيه فر حيرا
ن، يجر الذيول من شبهاته
15
ما رأى عبقر ولا جن وادي
ه كهذا الذكاء في معجزاته
16 •••
وشباب كأنه ناضر الريح
ان في حسنه وفي نفحاته
صانه النبل أن يمس له ذي
ل، وأدى الإيمان فرض ذكاته
17
غرس الله نبته فنما نض
را، وآتى الشهي من ثمراته
18
يمتطي العبقري ناجية العز
م حثيث الخطا إلى غاياته
19
لا يرى الطرف منه إلا غبارا
عجز الطرف أن يرى قصباته
20
يتمنى الشيوخ لو بذلوا العم
ر لقاء القليل من ساعاته
عمر المرء بالجليل من الأع
مال لا بالكثير من سنواته
بؤرة الضوء كم بها من شعاع
ملأ الأفق في جميع جهاته!
ورحيق الأزهار كم ضم من رو
ض شذي الشميم في قطراته!
21 •••
جمع الفضل حين فرقه النا
س، وآواه بعد طول شتاته
دائرات المعارف اجتمعت في
ه ففتش عنهن في صفحاته
22
كم لغات جرى بها لفظه العذ
ب سليما كأنها من لغاته
هو في الطب من كبار نحاته
وهو في النحو من كبار أساته
23
وهو في حلبة البيان أديب
تسمع السحر في رقى نفثاته
24
وهو إن شئت حافظ لغوي
كلمات «القاموس» من كلماته
25
نسخة «للسان» في صدره الوا
عي، سما طبعها على طبعاته
26
يعرف الأيهقان والثول والذع
لوق والسيسبى ونوع نباته
27
أنا أخشى جداله كلما صا
ل عنيف الجدال في صولاته
مجمع الضاد يرفع الرأس في
زهو بآرائه وصدق أناته
28
حسب دهر جنى على الناس أن كا
ن «علي» يعد من حسناته
29 «معمل المصل» وهو فتح مبين
بعض ما نال مصر من مأثراته
30
فتكات المكروب ألقت سلاحا
للسريع السديد من فتكاته
يصرع الموت ثابت العزم مقدا
ما جريئا في عزمه وثباته
كم حبا الناس من حياة، أمد الله
للمجد والعلا في حياته!
31
نال أسمى الألقاب والفضل فضل
كيفما قد رفعت من درجاته!
هوامش
من أخبر الجمل؟!
كتب الشاعر هذه الأبيات في مناسبة فرار جمل من جزاره والتجائه إلى قصر عابدين سنة 1944م.
عابدين كعبة مصر ركنها حرم
للخائفين إذا خطب بهم نزلا
1
تهوي إليها وفود الأرض ضارعة
ترجو بها الأمن، أو تحيي بها الأملا
2
أمر وعاه بنو الإنسان وحدهم
فمن بربك قل لي أخبر الجملا؟!
3
هوامش
هجاء ...
عام 1906م
إن نبا خدك المصعر عني
مذ نبا هجوي المبرح عنكا
1
فبجهل قابلت ما كان مني
وبحلم قابلت ما كان منكا
ولو استطعت لابتدعت كفوفا
من هجاء، تصك وجهك صكا
2
ولفككت من أساريرك الكب
ر بقول من وخزة الموت أنكى
3
إننا معشر نرى الذل في الو
د لغير الله المهيمن شركا
4
قد رأينا في المال والذل فقرا
ورأينا في العز والفقر ملكا
هوامش
رثاء أنطون الجميل باشا
ألقيت هذه القصيدة في الحفل الذي أقامه مجمع اللغة العربية لتأبين الأستاذ أنطون الجميل عضو المجمع عام 1948م.
حن شعري إلى اللقاء وأنا
أين ألقاك ليت شعري؟ وأنى؟
1
ضربت بيننا المنون بسور
حجبته العقول عنها وعنا
تتلاقى به الدموع حيارى
وتغوص الظنون فيه فتضنى
2
كم حوى من ورائه زهرات
وغصونا ريا المعاطف لدنا
3
كم حوى من ورائه عبقريا
ت، ورأيا عضب الشباة وذهنا
4
كم حوى من صحائف لم تتمم
وأناشيد لم تعش لتغنى!
وأمان زغب تطير إلى القب
ر، خماص الحشى، فرادى ومثنى
5
حجب السور خلفه لي رجاء
خانه الدهر في صباه وأخنى
6
أسكتته قوارع الموت لحنا
ولوته زعازع الموت غصنا
7
هو في البدر حينما يطلع البد
ر، وفي الروض حينما يتثنى
ما بكاء الأطفال أجدى عليه
لا، ولا الصبر والتجلد أغنى
فيه أسعدت كل باك بدمعي
وأعرت الثكلى الحزينة جفنا
8
كلما مرت النوادب صبحا
ضرب القلب بالجناح وحنا
9
يا شبابا فقدت فيه شبابي
أدرك الواله الشجي المعنى!
10
قد وأدت الرجاء في هذه الد
دنيا، فلا أرتجي ولا أتمنى
11
وخنقت السنين أو ما علاها
فرأيت الميلاد موتا ودفنا
من يعمر يجد أخلاءه في الأر
ض أوفى ممن عليها وأحنى!
12
يذهب الأمس بالرجال فينسو
ن، وتمضي القرون قرنا فقرنا
ريشة في مهامه البيد طارت
أين طارت؟ الله أعلم منا!
13
وخضم الماضي يعج بمن في
ه، ويغشى قوما، ويغمر مدنا
14
وظعون المنون منذ سليل الطي
ن تطوي الصحراء ظعنا فظعنا
15
سفن تلتقي على شاطئ الغي
ب، لتلقى هناك سفنا وسفنا
ما لنا غير أن نقول حيارى
بلسان الدموع: كانوا وكنا
لا تقل: إن صالح الذكر يبقى
كل شيء في الدهر يبقى ليفنى
ما غنائي بالذكر يبقى جميلا
حين أمسي تحت الصفائح رهنا؟
16
ما رجائي والسيف أضحى حطاما
أن أرى بعده نجادا وجفنا؟
17 •••
قد فقدنا «أنطون» بالأمس والحز
ن على فقده يجدد حزنا
أخذته فجاءة الموت أخذا
ريع من هوله الصباح وجنا
18
ما حنى الرأس مرة لعظيم
فأبى أن يراه للسن يحنى
أنجم أشرقت فأطفأها المو
ت، كما تطفأ المصابيح وهنا
19
ما على الدهر لو تريث حينا
أو على الدهر مرة لو تأنى!
كل يوم نرثي ونندب حتى
صار ندب الرجال في مصر فنا
ورحا الموت لا تني تملأ الأر
ض ضجيجا وتنثر الناس طحنا
20
نسي الشعر في صراع الرزايا
رنة الكأس والغزال الأغنا
21
شغلته مآتم ونعوش
عن هوى زينب، وعن وعد لبنى
كم سلونا عن صاحب بحبيب
فإذا بالحبيب يخلف ظنا!
22
نتداوى من لاعج الشوق بالش
وق ونطوي أسى لننشر شجنا
23 •••
مات «أنطون» وانقضت دولة المج
د، وكانت به تعز وتغنى
وغدا عبقر وواديه أضغا
ثا، وعادت رجاحة العقل أفنا
24
ورأينا الأقلام يشققن صدرا
بعده حسرة ويقرعن سنا
25
نندب الكاتب الذي يرسل القو
ل قوي الأداء معنى ومبنى
لا ترى لفتة به تجبه الذو
ق، ولا لفظة تخدش أذنا
موجز زاده الوضوح جمالا
والتخلي عن الفضالات وزنا
26
أين ذاك الخلق السميح؟ كأن لم
يك بالأمس يملأ الأرض حسنا
والبشاشات أين مني سناها؟
والأفاكيه من هناك وهنا
27
والسياسات؟ والدهاء الذي كا
ن سلاحا حينا وحينا مجنا؟
28
أين ذاك الصدر الذي يحمل العب
ء، عظيما، وليس يحمل ضغنا؟
29
كم غزته الخطوب دهم النواصي
وهو أصفى من الصباح وأسنى
30 •••
يا أخي، هل يليق أن تدخل البا
ب أمامي، وأنت أصغر سنا!
قف! تأخر، قد كنت تعلي مكاني
ما جرى؟! ما الذي نبا بك عنا؟
31
كنت بالأمس، كنت بالأمس روحا
مرحا ضاحكا، وصوتا مرنا
32
كنت معنى من الشباب وإن
شاخ، وعزما لم يعرف الدهر وهنا
33
تملأ الأرض والزمان حياة
هادئ النفس وادعا مطمئنا
تبذل الخير لم يكدر بمن
وكثير منا إذا من منا •••
مجمع الضاد كنت للضاد فيه
علما يحسر العيون وركنا
34
كنت مصباحنا المنير إذا غم
مت سبيل، وطال ليل وجنا
35
كنت يوم الجدال بالحجة البيضا
ء تمحو سحائب الشك وكنا
36
عفة في اللسان صيرت الأي
يام تشدو بمدحك اليوم لسنا
تبلغ الغاية القصية ما أد
ميت جرحا، ولا تعمدت طعنا
37
كل قرن لدى النضال يرى في
ك لمعنى الوفاء للحق قرنا
38 •••
حسرتا للفتى إذا قارب الشو
ط طوته المنون غدرا وغبنا
39
كلما مد للكمال يديه
صد عنه الكمال كبرا وضنا
40
إن قوينا عقلا ضعفنا جسوما
ورأينا في الموت برءا وأمنا
41
وشئون الحياة شتى ولكن
حبنا للحياة أعظم شأنا
لو يعيش الإنسان عمر السلحفا
ة لأغنى هذا الوجود وأقنى
42
ما الذي نرتجيه والعمر طيف
إن فتحنا العينين بان وبنا؟
43
نحن في هذه الحياة ثمار
كل شيء إن أدرك النضج يجنى
44 •••
يا أخي، هل تجيب إن هتف الشو
ق حبيبا صدق الوفاء وخدنا؟
45
إن أكن فيك داني القلب بالأم
س، فروحي لروحك اليوم أدنى
46
أتراني إن حان حيني قمينا
أن أرى في ذراك ظلا وسكنا
47
نم قريرا، فإن في ضجعة القب
ر سلاما للعاملين ويمنا
48
وجد الساهر المجد وسادا
ورأى الطائر المحلق وكنا
49
إن يكن في الحياة معنى من الصف
و فما للحياة بعدك معنى
هوامش
لبنان
ألقيت هذه القصيدة في حفل إفتتاح المؤتمر الطبي ببيروت في صيف عام 1944م.
ألقيت للغيد الملاح سلاحي
ورجعت أغسل بالدموع جراحي
ولمحت ريحان الصبا فرأيته
ذبلت نضارته على الأقداح!
1
كان الشباب طماح لاعجة الهوى
فاليوم يرفع ساعديه طماحي
2
من لي وقد عبث المشيب بلمتي
بضياء ذاك الفاحم اللماح؟!
3
قد كان للذات أسرع ناصح
فغدا على الشبهات أول لاحي
4
لو أستطيع لبعت عمري كله
لمنى الصبا وأريجه النفاح!
5
أيام أوتاري تغرد وحدها
وتكاد تسكر في الزجاجة راحي
6
أيام شعري للفواتن رقية
تستل كل تدلل وجماح
7 «دوجين» لم يجد الفتى مصباحه
وأبان أسرار الهوى مصباحي
8
الفلسفات وما حوت في نظرة
من لحظ ساجية العيون رداح
9
تغري الهوى وتصده لمحاتها
فيحار بين تمنع وسماح
والنظرة البهماء أفتك بالفتى
من كل واضحة المرام وقاح
10
فخذوا اليقين ونوره لعقولكم
ودعوا شكوك الحب للأرواح •••
سر يا قطار ففي فؤادي مرجل
يزجيك بين متالع وبطاح
11
لو كنت شعري كنت أسبق طائر
يكفيه للقطبين خفق جناح
قالوا: هنا لبنان، قلت: وهل سوى
لبنان ملعب صبوتي ومراحي
12
يبدو أشم على البطاح كأنه
علم بكف الفارس الجحجاح
13
نسجت له سحب السماء مطارفا
وحبته زهر نجومها بوشاح
14
طرق كما التوت الظنون، وقمة
قامت كحق للشعوب صراح
النبع خمر، والحدائق نشوة
والجو من مسك ومن تفاح
15 •••
لبنان دوح الشعر أنت، تعلمت
منك الهديل سواجع الأدواح
16
شعر له فعل السلاف فلو أتى
قبل الشرائع كان غير مباح
ونضير ألفاظ كأزهار الربا
يبسمن غب الغارض السحاح
17
وخمائل من أحرف قدسية
أخملن صوت الطائر الصداح
18
الفن من سر السماء ونفحة
من فيض نور الواهب الفتاح!
19
والعبقرية أن تحلق وادعا
فتفوت جهد الناصب الكداح
20 •••
لبنان، أنت من العزائم والنهى
ما أنت من صخر ولا صفاح
21
أبطالك الصيد الكماة مناصل
طبعت ليوم كريهة وتلاحي
22
شحوا على متع الحياة بلحظة
ومشوا لورد الموت غير شحاح
قهروا الزمان، ولن تضيع كرامة
للحق بين أسنة ورماح
المجد باب إن تعاصى فتحه
فاسأل كتائبهم عن المفتاح
23
دقوا فما أودى بعزم أكفهم
بأس الحديد وقسوة الألواح
24
ومن الحفاظ المر ما يعيي الفتى
ليست تكاليف العلا بمزاح!
25
كم صابروا عنت الحياة وعسرها
بخلائق غر الوجوه صباح
26
نزحوا عن الأوطان في طلب العلا
والعزم ملء حقائب النزاح
27
وسروا مع الريح الهبوب فلا ترى
إلا رياحا زوحمت برياح
28
لم يستكينوا للزمان ووعده
فالدهر أكذب من نبي سجاح
29
في أرض «كولمب» بنوا فيما بنوا
شمم الأبي وعزمة الملحاح
30
وبكل جو راية هفافة
تهتز كالمتخايل المياح
31
لو أبصروا في الشمس موضع مهجر
لتسلقوا لسعيرها اللواح
32
والنفس إن عظمت يضيق بسعيها
صدر الفضاء برحبه الفياح
33
للناس ناحية تلم شتاتهم
والعبقري له الوجود نواحي!
34
يمشي الجريء على العباب مخاطرا
وأرى الجبان يموت في الضحضاح
35 •••
لبنان، صنت الضاد في لأوائها
من شر ماح أو هوى مجتاح
36
في البدو لوحها الهجير فلم تجد
إلا ظلالك نجعة الملتاح
37
جمعت رجالك زهرها في طاقة
عبق الوجود بنشرها الفواح
نظموا لها عقدا يرف شعاعه
بلآلئ ملء العيون صحاح
38
وحموا كتاب الله - جل جلاله -
من لغو فدم أو هراء إباحي
39
فانظر إلى «البستان» هل تلقى به
إلا ورودا أو ثغور أقاحي؟
40 •••
لبنان، والفردوس أنت لقيته
فطرحت عند لقائه أتراحي
41
وتركت للهو العنان وأطلقت
أيدي الزمان العاتيات سراحي
وشهدت فيك الحور تسبح في السنا
نفسي فداء ضيائها السباح!
طاوعت في نجلائهن صبابتي
وعصيت ما تهذي به نصاحي
42
ما الفتنة الشعواء إلا أعين
سود، تلألأ في وجوه ملاح
43
دافعت بالغزل الحنون لحاظها
شتان بين سلاحها وسلاحي!
44
وبعثت أناتي وقلت: لعلها
تغني إشارتها عن الإفصاح!
فتجاهلت لغة الغرام وتابعت
خطواتها في عزة وشياح
45
عادت إلي حبائل فلممتها
ورضيت من ضحك الهوى بنواحي
46
لم يبق مني الوجد غير حشاشة
لولا التعلل آذنت برواح
47
أشكو، وما الطب الحديث براحم
شجوي، ولا متسمع لصياحي
48
هل بين مؤتمر الأساة مجرب
شاف لأدواء الصبابة ماحي؟
49
والطب لا يصل المدى إن لم تصل
جدواه للأرواح والأشباح
50 •••
مرحى بمؤتمر تبلج نوره
في الشرق، مثل تبلج الإصباح
51
زمر من البشر الملائك كم لهم
في الطب من غرر ومن أوضاح
52
بذلوا النفوس، فكم شهيد جراحة
منهم، وكم منهم شهيد كفاح
وتفهموا سر الحياة ولم يكن
سر الحياة لغيرهم بمباح
دهت البلاد بعوضة أجمية
جاءت على قدر لمصر متاح
53
دقت لغير ترحل أطنابها
ورمت مراسيها لغير براح
54
وعدت على الماء القراح جيوشها
فغدا النمير العذب غير قراح
55
السم أقوى في شبا خرطومها
من حد كل مهند سفاح
56
كالجن تهوى الليل في وثباتها
وتفر ذعرا من بزوغ صباح
57 •••
يا خيرة الشرق المدل بقومه
هذا أوان البعث والإصلاح
58
المجد فوقكم دنت أفنانه
فتلقفوا ثمراته بالراح
59
وترسموا سنن الرئيس وهديه
شيخ الأساة «علي» الجراح
60
وانفوا عن الطب الرطانة إنها
نمش يعيث بوجهه الوضاح
61
كم في حمى الفصحى وبين كنوزها
من مشرقات بالبيان فصاح!
62
ما أنكرت أمم لسان جدودها
يوما وسارت في طريق فلاح •••
لبنان، مذ حلت ذراك ركابنا
حلت من الدنيا بأكرم ساح
63
الأرز فيك ونخل مصر كلاهما
أخوان في الأتراح والأفراح
64
والنيل منك، فلو بكيت لفادح
غمر الشطوط بدمعه النضاح
65
لبنان، آن لك الفخار بسادة
عرب كرام المنبتين سماح
66
مجد إذا ما أشرقت صفحاته
أزرت بمؤتلق النهار الضاحي
67
هوامش
برنادوت
رجل عمل من أجل السلام، فكان من أوائل ضحاياه مما حرك أحاسيس الشاعر فكانت هذه الأبيات عام 1948م.
حسرتا للكونت برنا
دوت لو تنفع حسره
1
رام أن يستنقد الكو
ن ويستأصل شره
2
قتله جبن وخذلا
ن ولؤم ومعره
طلب الكف عن الحر
ب، فمن نفذ أمره؟
خرق الهدنة أبنا
ء يهوذا ألف مره!
3
وهو لا يؤمن حتى
سلبوه الروح جهره
4
أترى آمن لما
خرق الأنذال صدره؟
ربما يحفر ذو الآ
مال بالآمال قبره
هوامش
الملك
نشرت هذه القصيدة في مناسبة عيد جلوس الملك فاروق آخر ملوك مصر سنة 1936م.
اقتبال الربيع في بسماته
نبه الكون بعد طول سباته
1
ينثر الزهر كالدنانير غضا
أين حر النضار من زهراته؟
2
قد سئمنا دجى الشتاء فجئنا
نرشف النور من سنا لمحاته
3
وخلعنا الدثار مثل أسير
حل من قيده ومن وخزاته
4
قد ظنناه في الشتاء وقاء
فجعمنا الشتاء في طياته
5
تبخل الكف أن تشير من البر
د، ويخشى المقرور من لفتاته
6
جمدت صولة اللسان وكادت
تجمد الهاتفات من كلماته
7
واختفى الطير واختفى كل صوت
موصلي الأداء في لهواته
8
ورأينا الأشجار يسلبها الحس
ن سنا حليه وسحر شياته
9
مال فيها برأسه كل فرع
باحثا في التراب عن ورقاته
يهرم الدهر في الشتاء ويلقى
ما مضى في الربيع من صبواته
10
هو تخت الوجود غنى به الطي
ر فهز الغصون في دوحاته
11
سايرته الأزهار تهفو يمينا
وشمالا على هوى نغماته
وإذا صفق الغدير انثنى الغص
ن نضير الشباب في رقصاته •••
هات عهد الشباب إن غاص في الما
ء وإن غاب في السماء فهاته!
همسات الشباب في النفس أحلى
من حديث الهوى ومن همساته
ناره تطرد الهموم فتمضي
خافقات الجنان من جمراته
12
ناره تصهر العزيمة سيفا
تتوقى السيوف وقع شباته
13
ما أحيلى وثوبه وهو ماض
يتحدى الزمان في فتكاته
14
نفحات الشباب أين تولت؟
لهف نفسي على شذى نفحاته!
15
قدح قد حلت أوائله رش
فا، وذقنا المرين في أخرياته
16
ما أراني من غيره غير ثوب
ضم أردانه على علاته
17
رب شيخ في عالم الطب حي
ويراه الزمان من أمواته
الشباب الشباب نور من الله
وريح تهب من جناته •••
يا شباب الحمى ويا جنده الأح
رار إن فتش الحمى عن كماته
18
زاحموا في وليمة الدهر أرسا
لا، ولا تكتفوا بجمع فتاته
19
الطموح الحياة، والمجد في الدن
يا مباح لطالبي قصباته
20
لا ينال الفتى مدى المجد إلا
بمضاء يربي على وثباته
21
الذراع الأزل والساعد المف
تول ذخر الشباب في أزماته
22
تسخر الريح بالضعيف من النب
ت وتخشى القوي من باسقاته
23
املكوا الدهر إنه لا يواتي
غير عزم يفل من عزماته
24
علمتنا الأيام أن الذي يح
سن يلقى الجزاء عن حسناته
ذهب النوم، فالذي يغمض العي
نين، يا تعسه ويا ويلاته
أسرعوا فالزمان ماض وكم من
مبطئ قد طواه في عجلاته
واطرقوا الباب، كل باب كفيل
بولوج لمن درى دقاته
25
قد يطول السرى على المدلج السا
ري فيدنيه من مدى غاياته
26
لا تنال العلا «بليت» «ولكن»
وعكوف الفتى على مرآته
27
آلة الفوز همة تطحن الصخ
ر وتسمو للنجم في سبحاته
28
ابتنوا للعلا وللنيل مجدا
واسكبوا من حياتكم في حياته •••
لكم في مليككم خير داع
تستجيب المنى إلى دعواته
قدوة للشباب، قد عرف الجي
ل طريق الحياة من خطواته
مرة سامقا على صهوة الخي
يل، وأخرى مطامنا في صلاته
29
لم نر البدر قبله يعتلي العر
ش ويمسي الجلال من هالاته
30
أو شهدنا نورا على الأرض يمشي
الهدى واليقين من مشكاته
31
أو عهدنا تاجا على مفرق الشم
س يشع الإيمان من خرزاته
32
كن كما شئت أيها الشعر فنا
نا فلن تستطيع لمح صفاته
33
هو خلق من الكمال المصفى
من رآه رأى الكمال بذاته
الندى والحنان في بسماته
والعلا والجلال في قسماته
34
يا مليكا أعلى الحديث من المج
د، وأحيا قديمه من رفاته
إن عيد الجلوس أشرق في الكو
ن شروق الربيع في روضاته
المنى اليانعات من ثمراته
وجمال الزمان في لحظاته
يزدهي النيل بالمليك المرجى
خير أبطاله وحامي حماته
35
إن تكن مصر قبله هبة الني
ل، فقد صار نيلها من هباته
هوامش
فارس الصحافة
تلقى الشاعر نبأة وفاة الأستاذ جبرائيل تقلا صاحب جريدة «الأهرام»، وهو في طريقه إلى الإسكندرية، فكتب هذه الأبيات في القطار وأرسلها إلى الجريدة عام 1948م.
سد القضاء منافذ الأسماع
ماذا يقول إذا نعاك الناعي؟
بهت القريض فما يبين، وأذهلت
نوب الخطوب نوادب الأسجاع
1
وتنكرت صور البيان وعقني
عن أن أبوح كما أشاء يراعي
2
تمحو سواجمه المداد، فخطه
أسطار ملتهب الحشا ملتاع
3
والشعر إن عقد المصاب لسانه
فسكوته ضرب من الإبداع
4
نعي الكريم العبقري لأمة
نعي الغمام إلى رياض القاع
5
ويل المنون تطاولت أحداثها
فلوت قناة الأروع الشعشاع
6
وطغت عواصفها فغال هبوبها
أضواء ذاك الكوكب اللماع
7
بكت الصحافة فيه أشجع فارس
وأعز مدعو وأكرم داعي
8
قد كان «جبرائيل» ملهم وحيها
يرعى جلالة قدسها ويراعي
فإذا جفاني الشعر يوم رثائه
فلقد رثته مآثر ومساعي
9
وإذا فررت من الوداع وهوله
فلقد بعثت مع الدموع وداعي
هوامش
إلى علي إبراهيم باشا
وقد أبل الطبيب الجراح من مرض ألم به عام 1944م.
زهت دولة الطب لما شفيت
وعاودها الأمل الناهض
فللطب أنت وتين الحياة
وأنت له قلبه النابض
1
هوامش
الوباء
انتشر وباء الهيضة المعوية (الكوليرا) برشيد سنة 1895م وحصد الأرواح، فراع الشاعر الصغير ما رأى، وأثار عاطفته الشعرية، فقال هذه القصيدة:
أي هذا (المكروب) مهلا قليلا
قد تجاوزت في سراك السبيلا!
لست كالواو، أنت كالمنجل الحصا
د، إن أحسنوا لك التمثيلا
1
ما غلبت النفوس بالعزم لكن
هكذا يغلب الكثير القليلا
أنت في الهند في مكان خصيب
فلماذا رضيت هذا المحولا؟
2
أنت كالشيب إن دهمت ابن أنثى
لم تزايل جنبيه حتى يزولا
3
حار «بنشنج» فيك يا ابن شعوب
ونقضت المجرب المعقولا
4
عقد الأمر فابتكرت له الحل
ل ، وما كان عقده محلولا
قام يغزوك بين جيش القوا
رير فولى بجيشه مخذولا
وتركت الحموض تجرعها الأر
ض، وجرعتنا العذاب الوبيلا
5 «وبموشى» أراد حصرك بالجن
د، وهل تحصر الجنود السيولا؟
6
يا ثقيل الظلال آذيت بالما
ل وبالنفس فالرحيل الرحيلا
من يبت عنده الهزبر نزيلا
كان من قبل زاده مأكولا!
7
رب طفل تركت من غير ثدي
يضرب الأرض ضجة وعويلا!
وفتاة طرقتها ليلة العر
س وقبل الحليل كنت الحليلا
8
كحلوا جفنها فكحلت فيها
كل جفن أسى وسهدا طويلا
خضبتها يد المواشط صبحا
فمحاه المطهرون أصيلا
9
ما رحمت العيون تلك اللواتي
تركت كل عاشق مذهولا
لو رآها جبريل - أستغفر الله - لألهت عن وحيه جبريلا
10
يا قتيل (الفينيك) يكفيك قتلا
ك فأغمد حسامك المسلولا!
11
إن في مصر غير موتك موتا
ترك الأروع الأعز ذليلا
12
فارتحل بارد الفؤاد قريرا
مرويا من دم العباد الغليلا
13
هوامش
رضا اليأس
عام 1897م
كان الشاعر يسير على جسر قصر النيل فرأى سراة القاهرة، وهم في عجلات فخمة تجرها سوابق الجياد، فقال:
أيركبها هذا فتنتهب الثرى
وتنهب رجلي الحصى والجنادل؟!
1
رضيت رضاء اليأس، واليأس راحة
وأتعب خلق الله في الناس آمل!
هوامش
عيد الأعياد
نشرت هذه القصيدة يوم احتفال البلاد بمولد الملك فاروق آخر ملوك مصر سنة 1939م.
خفقت بساحتك البشائر
وسرت برياك الأزاهر
1
يا يوم مولده وما
لك في جمالك من مفاخر
جاهر بنبلك في الزما
ن فحق مثلك أن يجاهر
لك أول في المكرما
ت، وما لفيض يديك آخر
أشرقت في أفق القلو
ب، ودرت في فلك الضمائر
وجمعت من ضوء المنى
وخلقت من نور البصائر
لك بين أعياد الزما
ن سنا على الأعياد باهر
شفقاك خدا غادة
ودجاك أحداق النواظر
2
ما أنت في الدنيا سوى
أمل وضيء الحسن سافر
هذا الجمال كأنه
قد صيغ من خطرات شاعر
سحر العيون بحسنه
والحسن للأبصار ساحر
الصبح بسام السنا
والليل مصقول الغدائر
يا يوم فاروق وكم
لك عند مصر من مآثر
شهدت بمطلعك الحيا
ة تفيض بالنعم الذواخر
3
ورأت جبينا كالصبا
ح أضاء معتكر الدياجر
4
ورأت منى قدسية
دق الزمان لها البشائر
5
ورأت مخايل دولة
فوق النجوم لها معابر
ورأت رجاء النيل في
ثوب من الإيمان طاهر
ورأت بوادر همة
أعظم بهاتيك البوادر!
6
ورأت سريرة خاشع
سجدت لخشيته السرائر
7
وتطلع المحراب في
جذل وأشرقت المنابر
8
واستبشر الدين الحني
يف بخير من يحيي الشعائر
نادى البشير به، فيا
بشرى المدائن والحواضر!
ومشت ملائكة السما
ء تهز في الجو المباخر
9
فالأفق مسك عاطر
والمهد مثل المسك عاطر
هتفت لمولد كابر
لمطهر الأنساب كابر
10
هتفت بفاروق أجل
ل مملك وأعز ناصر
خط المثال وفضله
مثل يباري الريح سائر
11
والناس بين مكبر
داع. ومولي الحمد شاكر
ملأوا القلوب بحبه
وبذكره ملأوا الحناجر
فاروق فرد في الجلا
ل فلا شبيه ولا مناظر
هذي بواكره فكي
ف يكون ما بعد البواكر
12
ينهى ويأمر هاديا
أفديه من ناه وآمر!
فرع من الدوح الكر
يم مبارك النفحات زاهر
وقديم ماض في العلا
ء يزينه في النبل حاضر
وسلالة الأمجاد أبنا
ء المواضي والبواتر
13
من كل مسعر غارة
والموت محمر الأظافر
14
يجري الحصان مخاطرا
فوق الجماجم والمغافر
15
أمضى لدعوة صارخ
من لمح كرات الخواطر
16
يأبى عليه نجاره
وإباؤه ألا يبادر
17
للنقع فوق جبينه
مسك يضمخ كل ظافر
18
المجد لا يلقي العنا
ن لغير ذي العزم المثابر
السابق الوثاب طلا
ع الثنيات المصابر
من لا يحاذر إن دعا
ه حفاظه ألا يحاذر
19
عشق المخاطر مرة
فجنى الشهاد من المخاطر
20
من كالأساورة البوا
سل والقساورة الخوادر؟
21
أجداد فاروق كرا
م المنتمى طهر الأواصر
بعثوا تراث الأولي
ن، ووطدوا مجد الأواخر
22
تزهى بهم مصر كما
زهيت بفتيتها تماضر
23
دعها تكاثر بالذي
أسدوا، نعم دعها تكاثر
24
فاروق أشرق بالمنى
يسمو لضوئك كل حائر
مصر وأنت يمينها
عقدت على الحب الخناصر
25
هوامش
صديق عدو وعدو صديق
عام 1920م
أصديقي يود أني أساء؟!
وعدوي يظن فيه الوفاء؟!
عكس الحال لا محالة لكن
ربما أنجد الغريق الماء!
الوطن
نشيد الكشافة 1937م
مصر اسلمي واسلمي وسودي
يا ألف الكون والوجود
1
نهضت والأرض في دجاها
والشمس والبدر في المهود
2 •••
قد كنت والدهر في صباه
نجم هدى ساطعا سناه
3
تعنو لسلطانك الجباه
مرفوعة الرأس والبنود
4 •••
يا بسمة في فم الزمان
وموطن العز والأمان
نيلك أحلى من الأماني
جنى وأذكى من الورود
5 •••
الأرض أنى خطوت تبر
وزهرها جوهر ودر
عقد، وهذا الوجود نحر
قد يجمل النحر بالعقود!
6 •••
كم نلت بالعلم من مقام
ونلت بالجد من مرام
7
إلى الأمام إلى الأمام
إلى المعالي إلى الخلود •••
يا مصر نحن الفداء نحن
ما مسنا في الخطوب وهن
أرواحنا في يديك رهن
وعهدنا أصدق العهود •••
آباؤنا قادة الدهور
قد أنطقوا صامت الصخور
من كل وثابة جسور
كأنه صائل الأسود
8 •••
يا مصر فاروقك المرجى
إليه ترنو المنى وتزجى
9
بيمنه قد بلغت أوجا
وعشت في قمة السعود
10 •••
بفضله صرت في الشعوب
مهيبة القدر في القلوب
فمن وثوب إلى وثوب
ومن صعود إلى صعود •••
نكرر الشكر مخلصينا
لمن أعاد الحياة فينا
لمصدر النور للبنينا
والمنهل العذب للورود
11 •••
مصر اسعدي وازدهي وتيهي
دعاك للنصر فاتبعيه
ما لك في المجد من شبيه
وما لجدواه من حدود
12 •••
عاش مليك البلاد زندا
وساعدا مسعدا أشدا
13
فاروق المرتجى المفدى
موفق الرأي والجهود
مصر اسلمي واسلمي وسودي
يا ألف الكون والوجود
هوامش
نجيب متري
يرثي الشاعر صديقه المرحوم نجيب متري صاحب مكتبة المعارف، وقد توفي سنة 1928م.
قم وانثر الزهر على لحده
وابك مضاء العزم من بعده
1
هذا «نجيب» قد ثوى مفردا
كأنه الصمصام في غمده
2
مقصده ضاق به جسمه
ونفسه أكبر من قصده
3
كان عصاميا بعيد المدى
لا يبلغ الطرف مدى حده
4
يعمل كالنحلة لا ينثني
وكم جنينا الحلو من شهده
5
مل نهار القيظ من كده
وضج نجم الصبح من شهده
رأي يريك الليل شمس الضحى
وهمة كالنجم في بعده
وطهر نفس إن ترد وصفه
فانظر إلى الطل على ورده
6
كان أبا برا يعاف الكرى
لو مرت الريح على ولده
7
علمهم كيف يحبونه
وكيف يبكون على فقده
لا برحت ذكراه ملء النهى
ولا خلا مغناه من مجده
8
هوامش
تغريد
غنت السيدة «أم كلثوم» هذه الأبيات احتفالا بزواج الإمبراطورة فوزية من عاهل إيران الذي أقيم بدار الأوبرا سنة 1939م.
لمح البشر باسما بالأماني
وشدا الصفو صادحا بالأغاني
طرب هز كل عطف وجيد
فكأن الوجود من ألحان
1
ازدهي مصر، واملئي الكون تيها
بالأمير النبيل من إيران
2
أمة مجدها أطل على الشم
س، فحيا سناءه الفرقدان
3
قهرت صولة الزمان وكانت
قبس النور في شباب الزمان
4
إن مصرا وإن إيران في المج
د تليدا وطارفا أخوان
5
أكبر ابن الحسين أهرام مصر
وشدا البحتري بالإيوان
6
سعدا بالقران في عزة المل
ك، وفي ظل دوحه الفينان
7
فالتقى بالرضا وبالفوز تاجا
ن، وبالود والصفا أمتان
8
درة من كنوز مصر أضاءت
فوق تاج الملوك من ساسان
9
ونبات زكا بروض فؤاد
بين ظلين من ندى وحنان
إن عهد الفاروق عهد سعود
باسم الثغر ناضر الأفنان
10
ملك زانه الجلال وطافت
حوله هالة من الإيمان
قد سرى حبه إلى كل قلب
وجرى حمده بكل لسان
هوامش
ذكرى وتاريخ
أنشدت هذه القصيدة بدار المعارف سنة 1945م، بمناسبة احتفالها بمرور عامين على إصدار سلسلة «اقرأ»:
لست من شأنه ولا بعض شانه
كبح الشيب والنهى من عنانه
1
فاذهبي، ما سلا الفؤاد ولكن
ساقه يأسه إلى سلوانه
2
وبدار الفردوس من جانبوا الإث
م، لعجز النفوس عن إتيانه
3
قد تولى الشباب ريحانة الحب
ب، فمن لي بالحب أو ريحانه؟
4
آه من حيرة المشيب: سواء
هو في بوحه وفي كتمانه!
إن كتمناه قهقه الدهر جذلا
ن، ومد الخبيث طرف لسانه
5
أو أبحناه راعنا كل يوم
شرفات يهوين من بنيانه
ورأينا الغيد الأماليد حلما
ضن بالملتقى على وسنانه
6
كل شيء له أوان يوفي
ه، وفوت الشباب قبل أوانه
7
كم نعمنا به زمانا فلما
طاح، عشنا في ذكريات زمانه
8
طائر كان إن تغنى إلى الرو
ض، شجا الحاليات من أغصانه
9
عسجدي الجناح ود العذارى
لو خضبن البنان من ألوانه
10
وتمنى الأصيل لو نال يوما
لمحة الحسن من سنا لمعانه
11
أين تصفيقه؟ وأين مجالي
ه؟ وأين الرخيم من ألحانه؟
12
جال في الأفق جولة ثم ولى
هل يعود الشادي إلى جولانه؟
13
ومضى خافق الجناح ولم يت
رك لقلبي منه سوى خفقانه
14
وحواه الماضي الخضم وأبقى
ذكريات تطفو على شطآنه
مرة تستريح شوقا لذكرا
ه، وحينا نجد في نسيانه
أنا عزمي من آل صخر، ورأسي
لقي الويل من بني شيبانه
15
ولنفسي منى الشباب، وإن أد
رج وجهي الشباب في أغضانه •••
ما أحيلى الصبا، فهل لمحة من
ه، ومن زهوه ومن ريعانه؟!
16
بان بالأمس ركبه فتطلع
ت، أعد الطيوف من أظعانه
17
وبدا في طليعة الركب طيف
لج منه الفؤاد في تحنانه
18
هاج ذكرى «دار المعارف» والغص
ن رطيب، والعمر في عنفوانه
جمعتنا روضا جنى وظلالا
تتدانى القطوف من أفنانه
19
فشدونا عنادلا هزت الده
ر، وكادت تلهيه عن حدثانه
20
وصحا الشرق ناشطا يجبه الدن
يا، وينفي النعاس عن أجفانه
21
وكتبنا في روعة وبيان
يقسم السحر: إنه من بيانه
من إمام وشاعر وأديب
معجزات الفنون طوع بنانه
22
جمعتنا «دار المعارف» أحرا
را، فكنا للعلم من عبدانه
23
إن عنوانها جهابذ مصر
وجلال الكتاب في عنوانه!
24
مصنع من ثقافة وضياء
كل قطر يعشو إلى نيرانه
25
ينضج الخبز للعقول نقيا
لم يروع بالبخس في ميزانه
26
كلما دار دورة نهض العق
ل، وألقى العتيق من أكفانه
طبعات فيها من الحسن طبع
قيمة المرء في مدى إحسانه!
وإذا راعك الجمال لفن
عبقري فاسأله عن فنانه
نجمع الدر توءما وفريدا
ثم نأتي به إلى دهقانه
27
قل كما شئت في مديح «شفيق»
والكرام الثقات من أعوانه
28
باعث الفكر مثله ناشر الفك
ر، له فضله ورفعة شانه
أي نفع للمسك في حقة المس
ك، وللمال في يدي خزانه؟
29
ينشط الفكر بالذيوع ويزكو
وزكاء الينبوع في جريانه!
30 •••
يا ابن «متري» بلغت مدحي، وهذا
منزل النجم، أو قريب مكانه
صنت شعري عن أن يهون وبعض الش
شعر يسعى لذله بهوانه
يصغر الفن حينما تصغر النف
س، وينحط من رفيع قنانه
31
إن شعري أجر النبوغ فما بض
ض لغير المجيد في ميدانه
32 •••
أشفيق، سر بالشباب حثيثا
أمل الشرق في يدي شبانه!
قد قرأنا في «اقرأ» صحائف أبدت
صفحات الربيع في إبانه
33
نهضت بالشريف من لغة الضا
د، وجاءت بالسحر من تبيانه
34
فهناء «دار المعارف» لا زل
ت منار الحجا ومجلى افتنانه
35
لقي الشرق في ذراك ملاذا
مذ بعثت الحياة في أوطانه
36
هوامش
مصطفى النحاس باشا
واحد من زعماء مصر البارزين خلف الزعيم العظيم سعد زغلول باشا في رئاسة حزب الوفد، وعاش حياته يناضل الاستعمار الإنجليزي لمصر حتى حقق الله على يديه استقلال البلاد، وقد أنشد الشاعر هذه القصيدة في الاحتفال الذي أقيم تكريما للزعيم بعد عودته هو وصحبه عقب توقيع اتفاقية «منترو» عام 1937م.
ملكت بما أوتيت ناصية النجم
وحزت عنان المجد والشرف الجم
1
وعدت زعيم الفاتحين تقوده
يد الله من غنم لمصر إلى غنم
2
تطالعك الأعلام نشوى كأنها
بكل الذي أوليت مصر على علم
3
خوافق تنأى في السماء وتلتقي
كما مال رئم في الفلاة إلى رئم
4
ويطربها عالي الهتاف فتنثني
كما رقصت هيف العذارى على نغم
5
فتن بألوان الرياض وحسنها
فقاسمنها في الحسن أو جرن في القسم
6
وكاد سرورا ما بها من أهلة
يتيه على ابن الليل في ليلة التم
7
لها نشوة لو أن للكرم مثلها
لما كان إثما أن تساغ ابنة الكرم
8
زهاها على الرايات أن انتصارها
على الدهر لم يقسم لعرب ولا عجم
9
وأن فتاها لم يقف في ثيابه
أخو نجدة في يوم حرب ولا سلم
10
حماها وأعلاها على النجم سعيه
فلله من يعلي اللواء ومن يحمي •••
أبى المجد أن يدنو بفضل عنانه
لغير بعيد الغور والرأي والسهم
11
وما خضع النصر الأشم لفاتح
إذا لم يكن من خيرة السادة الشم
12
حملنا له الأزهار تندى نضارة
وتهتز عن طيب وتفتر عن بسم
13
وأنفس شيء في الحياة أزاهر
يبعثرها شعب على قدمي شهم
14
وجئنا بغصن الغار تاجا لجبهة
عليها سطور من إباء ومن عزم
15
أقام طويلا بالرياض كأنما
أصيبت بنات المجد في مصر بالعقم
16 •••
سعى الشعب أفواجا إليك يسوقه
نوازع حب قد طغين على الكتم
17
رأينا به الآذي يهدر ماؤه
وجرجرة الأمواج في لجة اليم
18
صفوف بناها الله في حب «مصطفى»
تنزهن عن صدع وعوفين من ثأم
19
بها اجتمعت كل المدائن والقرى
فما شئت من كيف وما شئت من كم
إذا حاول الوهم المصور رسمها
على صفحة القرطاس عزت على الوهم
20
وأصوات صدق بالدعاء تتابعت
لها كدوي النحل في أذن النجم
21
أصاخ إليها الصم، يستمعونها
فإن جحدوها فالعفاء على الصم
22
تحس أزيز النار في نبراتها
وتلمح فيها قوة العزم والجزم
23
تكاد تميد الأرض بالحشد فوقها
وتنسد أرجاء الفضاء من الزحم
24
زعمت بأن أطوي لك الجمع سابحا
فلله كم لاقيت من ذلك الزعم
أحاطت بي الأمواج من كل جانب
أغوص إلى لحم وأطفو على لحم
إذا نال مني الوكز ما كان يشتهي
خلصت إلى ما لا أحب من اللكم
25
سددت علي الطرق لم ألق مسلكا
وأوسعت طرق المجد والحسب والضخم
26
تمنيت لو لامست كفا هي المنى
خواتمها قد صاغها الشعب من لثم
27
وشاهدت شهما كلما رمت رسمه
تصورت أخلاق الملائك في الرسم
28
وفزت بوجه من سنا الله ضوؤه
كريم المحيا لا قطوب ولا جهم
29
إذا قدر الشعب الرجال، فإنه
قمين بالاستقلال في الرأي والحكم
30 •••
دعوناك للجلى فكنت غياثها
وقد عبثت خيل الحوادث باللجم
31
عليك من الله العزيز مفاضة
من الحق لم تأبه لرمح ولا سهم
32
تصول على العدوان تستل نابه
وتصدع بالأيمان غاشية الظلم
33
وترفع صدرا كان حصنا وموئلا
لمصر فأغناها عن الحصن والأطم
34
رميت فسددت الرماء وإنما
هو الله يرمي عن يمينك إذ ترمي
35
وما كل ذي سهم أصابت يمينه
ولا كل سهم في إصابته يصمي
36
وجندت من آرائك الغر جحفلا
طلائعه أغنت عن البيض والدهم
37
وأرسلت صوتا في البلاد مجلجلا
سمعنا به زأر الضراغم في الأجم
38
ففتحت آذانا وأيقظت أعينا
وصنت رباط العنصرين من الفصم
39
فلم يرض جنب أن ينام على أذى
ولم يرض حق أن ينام على هضم
40
وطار بنو مصر لنجدة أمهم
سراعا فأكرم بالبنين وبالأم
ونالت بك استقلالها مصر كاملا
على الرغم من كيد الزمان على الرغم
وحطمت أغلال الإسار، وقد لوت
يد الدهر واستعصت طويلا على الحطم
41
إذا عظمت نفس امرئ جل سعيه
وجل فلم يوصم بزهو ولا عظم
42 •••
تحدثت الدنيا «بسعد» و«مصطفى»
وهل قرئت أم الكتاب بلا «بسم»
43
أبان لك الطرق اللواحب للعلا
فجليت فعل الفارس البطل القرم
44
بنيت وهدمت الضلال مجاهدا
فكنت كريما في البناء وفي الهدم
بك اهتزت الآمال واخضر عودها
كما اهتز روض جاده واكف السجم
45
ورب رجال كالسحائب خلبا
تسد مصابيح السماء ولا تهمي
46
يرون من الحلم القرار على الأذى
وأين قرار الهون من خلق الحلم
47
إذا شهوة الدنيا دهت عقل عاقل
غدا، وهو أذكى الناس شرا من الفدم
48
وإن عشقت روح الفتى راحة الفتى
فلا خير في روح ولا خير في جسم
وقفت لنصر الحق في قصر «منترو»
وقوف وضيء الرأي مجتمع الحزم
49
وحولك من أصحابك الصيد فتية
خفاف إلى المولى شداد على الخصم
50
يرون من الحتم الوفاء لقومهم
وليست بشاشات الحياة من الحتم
51
كأن غبار النصر في لهواتهم
جنى النحل أو أشهى وأطيب في الطعم
52
لك الحجج البيض الصلاب كأنها
نصال سهام قد حززن إلى العظم
53
أمن جعل الضيف النزيل كواحد
من الأهل يرمى بالجفاء وبالذم؟!
54
فهمنا ولكن للسياسة منطق
عزيز على الأذهان صعب على الفهم
ومثلك من رد العقول لمنهج
سديد وأردى الشك بالمنطق الحسم
55
فما زلت حتى أدركت مصر سؤلها
رفيعة شأو المجد موفورة السهم
56
وأصبح حبا كل ما كان من قلا
لمصر وغنما كل ما كان من غرم
57
هنيئا لك الفتح المبين فإنه
سيبقى على التاريخ متضح الوسم
58
نثرت له زهرا وأنظمت لؤلؤا
فأحسنت في نثري وأبدعت في نظمي
59
هوامش
درة التاج
أنشد الشاعر هذه القصيدة في ميلاد الأميرة السابقة فادية ابنة الملك فاروق آخر ملوك مصر في ديسمبر سنة 1943م.
هزت البشرى جناح الخافقين
ومضت تخطر بين المشرقين
1
وتهادى النيل نشوان الهوى
ينثر الأزهار فوق الشاطئين
كم وكم لله في الناس يد
يعجز الشكر عليها باليدين!
درة من سؤدد لامعة
ضمها العرش لأغلى درتين
2
درة للملك ما ماثلها
كرم التبر ولا صفو اللجين
3
وشعاع زاد في لألائه
أنه من لمحات النيرين
4
وشذى من زهرة ناضرة
جملت في مصر أزهى زهرتين
5
شرف الدوحة لاقى شرفا
فنما الفرع شريف المنبتين
قرت الأعين لما أنجبت
مصر للدنيا بها قرة عين
ونجا فاروقها فاستبشرت
وصفا الدهر فكانت بشريين
6
فاجتلت مصر مناها مرة
ثم عادت فاجتلتها مرتين
كم وقفنا نرتجي البشرى كما
يرتجى بدر الدجى في ليل غين
7
واتجهنا نحو عابدين التي
أصبحت ثالثة للقبلتين
8
صورة للحب ما أصدقها
ومن التصوير تزييف ومين
9
ومشى أجدادها في موكب
زاحم الدهر به بالمنكبين
10
موكب قد خفقت أعلامه
وعلت فوق مناط الفرقدين
11
لم تر العين له مثلا ولا
خطرت أوصافه في أذنين
يخطر التاريخ فيه مثلما
يخطر الفارس بين الجحفلين
12
فيه محيي مصر في أبنائه
زينة الدنيا وفخر الملوين
13
من كإسماعيل في آلائه
أو كإبراهيم حامي الحرمين
جذوة الحرب إذا ما اشتعلت
وبدا الشر وأبدى الناجذين
14
جمع الضاد إلى رايته
مذ رآها أثرا من بعد عين
15
بددت دهم الليالي شملها
والليالي كلها من أبوين!
16
فحباها وحدة ما عرفت
في الهوى حدا لأقصى بلدين
وصلت رضوى بلبنان كما
مزجت بالنيل ماء الرافدين
17
عجبا من آية كانت له
أصبحت بابن فؤاد آيتين!
ليس للعرب سواه عاهل
يبهر الدنيا بعدل العمرين
18
زينته نشأة طاهرة
وهو للطهر وللنشأة زين
قانت لله في محرابه
لم يشب آماله في الله رين
19
ملك يجتاب ثوبي ملك
أين من يشبهه في الناس أين؟
20
سرق النيل الندى من كفه
فأسال التبر فوق الواديين
حبه دين ودين للورى
يا له في الحب من دين ودين
21
وبنى الملك أبوه جاهدا
فسما فوق بناء الهرمين
علوي العزم إن رام العلا
لم يضق ذرعا ولم يمسسه أين
22
رفع الشعر إلى منزلة
لم ينلها في زمان ابن الحسين
23
دولة قامت تناغي دولة
فنعمنا في ظلال الدولتين
ربما في الشعر قامت صفحة
بالذي يعيا به ذو الصفحتين
24
إنما الشعر على كثرته
لا ترى فيه سوى إحدى اثنتين
نفحة قدسية أو هذر
ليس في الشعر كلام بين بين •••
سلمت للتاج أصفى درة
وأقر الله عين الوالدين
25
جمع الله لها الخير كما
جمع الدنيا لنا في ملكين
هوامش
تهنئة صديق
أنشد الشاعر هذه القصيدة في حفل زواج صديقه محمد بدر الدين، في مايو سنة 1913م.
هذي الديار وأنت شاعر
فانثر كريمات الجواهر
وافعل كما يملي الهوى
فاكتم حديثك أو فجاهر
هي من علمت مكانها
فاربأ بنفسك أن تخاطر
حاذر «علي» وليت شعري
هل يردك قول: حاذر؟
حوراء تسرح في القلو
ب كأنها مرح الجآذر
1 •••
يا ليلة حمدت بها
عقبى الموارد والمصادر
2
مرت كحسوة طائر
قصرا وكرات الخواطر
3
ود الكواعب لو تمد
بما لهن من الغدائر
4
أو لو وصلن سوادها
بسواد حبات النواظر
5
نشر الجلال لواءه
فيها وصفقت البشائر
6
وطفا السرور على الوجو
ه ودب ما بين السرائر
7
وأتت كما يأتي الشبا
ب مبارك النفحات ناضر
8
إن غاب فيها بدر ذي الدن
يا «فبدر الدين» حاضر ••• «أمحمد» يا زينة ال
فتيان يا نسل الأكابر
9
صاهرت أكرم أسرة
نعم المصاهر والمصاهر
وظفرت من نعم الحيا
ة بنعمة يا خير ظافر
10
يا ابن الألى بزت فعا
لهم الأوائل والأواخر
11
يا ابن الألى كانت لهم
في كل حادثة مآثر
12
كانت رشيد بجدك ال
أعلى تتيه على الحواضر
13
قد كان ردئا للعبا
د وكان موئل كل عاثر
14
كم رد غائلة المحا
فظ والمحصل والمباشر
15
عصر بجدي ثم جد
دك كان بالعلياء زاهر
16
سهرا فنام اليائسو
ن محصنين من المخاطر
وتقاسما فضل الفخا
ر وناديا هل من مفاخر؟
جدي بعلم ناصع
يهدي وليل الشك عاكر
17
وبمقول يفري الحدي
د ويصرع الخصم المكابر
18
في حين جدك بالسما
حة يخجل السحب المواطر
19
دان الزمان لطوله
فأتى إليه وهو صاغر
20
سل من رأوه فكلهم
لنوال «بدر الدين» ذاكر
أما أبوك فقد سعى
في إثره سعي المثابر
خلق كنور الروض با
كره الحيا والروض عاطر
21
وعزيمة أمضى من ال
أقدار في حلك الدياجر
22
بطش كبطش الليث أغ
ضبه الطوى والليث خادر
23
نزلت محبته القلو
ب وأقسمت ألا تغادر
هو خير من هز اليرا
ع وهز أعواد المنابر
24
فإذا انبرى للقول كا
ن له من التوفيق ناصر
25
فتكاد تأكله النفو
س هوى وتشربه الضمائر «أعلي» إنك أنت أك
رم نابه فينا وكابر
إن عد أبطال الرجا
ل فأنت أولهم وآخر
هوامش
بهجة الأفراح
أقامت مصر موكبا للزهور احتفالا بزواج الإمبراطورة السابقة فوزية من إمبراطور إيران السابق محمد رضا بهلوي عام 1939م، وأعدت جريدة البلاغ لهذه المناسبة عربة زينت بالورود، كتبت عليها بالأزهار هذه الأبيات.
هن إيران بالقران ومصرا
واملأ الكون بالبشائر عطرا
وانثر الشعر للعروسين زهرا
وانظم الزهر للعروسين شعرا
بزغت في مشارق المجد شمسا
وبدا في مطالع السعد بدرا
1
شرف يبهر السماء وعز
يمتطي هامة الكواكب زهرا
2
سطع «الفوز» و«الرضا» بين تاجي
ين أعادا للشرق عزا وذكرا
3
وتلاقى مجد بناه بنو الني
ل بمجد بناه دارا وكسرى
4
تهنئات «البلاغ» وهي ولاء
صورتها يد الطبيعة زهرا
5
هوامش
دعابة
عام 1938م
ضمتي مجلس أنس زانه
صفوة من نجباء الأصدقاء
1
منطق الهزل به جد، وكم
نطق الجد به القول الهراء!
2
فتطارحنا حديثا عجبا
فيه للروح وللعقل غذاء
وتجاذبنا فنونا جمعت
طرفا مما رواه الأدباء
ثم رمنا أن نحاجي ساعة
لنريح النفس من كد العناء
3
قلت: من يبدأ قالوا: فابتدئ
أنت، فالكل لما تلقي ظماء
4
قلت للنحوي: قل، قال: وهل
تركت «حتى» لنفسي من ذماء؟
5
قلت: فليأت البديعي بما
شاءت الفطنة من لغز وشاء
6
قال: أتقنت بديعي كله
غير نوع هو «حسن الابتداء»
قلت للصرفي: فابدأ، قال: قد
عاقني الإعلال في «ريح» و«شاء»
7
ثم قالوا: قل ولا تكثر فمن
أكثر القول أمل الجلساء •••
قلت: من يعرف علما وحجا
وذكاء وسماحا في رداء
يملأ الدنيا حياة إن بدا
كوكبا يسطع فياض الضياء
8
فأجابوا: الشمس؟ قلت: انتبهوا
ليس للشمس نوال وذكاء
9
ثم قالوا: زد، فناديت وما
مورد قد راح في الناس وجاء؟
10
مورد يمشي إلى قصاده
فيه ري وحياة وشفاء
11
فنأوا عني وقالوا: عجب
كيف يمشي مثلما تزعم ماء؟
12 •••
قلت: هل أبصرتم جسما يرى
للإخاء المحض أو صدق الوفاء؟
13
للعلا للفضل للدين وللأ
دب الجم جميعا والإباء؟
14
فأجابوا: قد عجزنا، قل لنا
ذاك في الأرض يرى أم في السماء؟
قلت: في الأرض، وللأرض به
ويحكم، أي ازدهار وازدهاء!
هو في الطب «أبقراط» وفي
حلبة الشعر إمام الشعراء
15
وإذا أعطى أبيتم أنفا
أن تعدوا «حاتما» في الكرماء
16
فأجابوا: اكشف لنا، حيرتنا
عن أحاجيك إن شئت الغطاء
17
قلت: كلا فانظروا وانتبهوا
ليس في الأمر التباس أو خفاء •••
هل رأيتم دوحة مثمرة
كل آن في صباح أو مساء؟
هي في الصيف ظلال وندى
وهي دفء وحنان في الشتاء
يجد البائس في ساحتها
موئلا حلو الجنى رحب الفناء
18
سألوني: محسن؟ قلت: نعم
ملجأ القصاد كهف الفقراء
ثم قالوا: شاعر؟ قلت: أجل
شعره الدر بهاء وصفاء
ثم قالوا: زاهد؟ قلت: نعم
عنده الدنيا وما فيها هباء
19
فأشاروا: قف عرفناه، وهل
يجهل البدر؟ فما هذا الغباء؟
عجبا حرنا ولم نفطن له
واسمه كالصبح نورا وجلاء!
لا نسميه فيكفي وصفه
فيه عن كل تعريف غناء
20
قم وسجل فضله واهتف به
وابتكر ما شئت فيه من ثناء
هوامش
إلى أنطون الجميل
بعث الشاعر بهذين البيتين إلى صديقه الأستاذ أنطون الجميل، رئيس تحرير جريدة الأهرام وعضو مجمع اللغة العربية بمناسبة حصوله على رتبة الباشوية عام 1936م.
حينما نلت آبدات المعالي
وشفينا المنى وكانت عطاشا
1
قال لي الشعر: قم وسجل وأرخ
أي بشرى! غدا الجميل باشا
11 512 1005 114 304
1946
هوامش
الفيوم
كانت زيارة من الشاعر لمدينة الفيوم حينما كان والده - رحمه الله - قاضيا للمحكمة الشرعية بها، فراعه ما أفاض الله - سبحانه وتعالى - عليها من جمال وأسعده ما اتصف به أهلها من وفاء، فجاءت هذه الأبيات معبرة عما يجيش في نفسه من مشاعر عام 1898م.
ساكني الفيوم إني ذاكر
عهدكم، والذكر في البعد وفاء
1
كم شدا شعري على دوحتكم
أي شعر غرد؟ أي غناء؟!
2
بلد كالزهر حسنا وشذا
بين أظلال وأنسام وماء
3
مثل خد البكر في تلوينه
ترتدي في كل حين برداء
4
فهي بالأمس سواها في غد
وهي في الصبح سواها في المساء
هوامش
جورجي زيدان
أحد مؤسسي «دار الهلال» كان أديبا بارعا روائيا لامعا قرأ له الشاعر منذ نعومة أظفاره، فنظم من أجله هذه الأبيات، تقديرا وعرفانا عام 1946م.
ردا شبابي، وردا عهد زيدان
ومن روائع ما أملاه زيداني
قرأته ورياض العمر وارفة
فكان منه ومن سني شبابان!
1
في ضوء خافقة في الريف شعلتها
كالسر ما بين إعلان وكتمان
2
بدت بها زمر الأبطال ماثلة
تطوي القرون لألقاها وتلقاني
3
من كل ما شاد للإسلام مملكة
أبقى على الدهر من رضوى وثهلان
4
للعرب «بالضاد» إيمان يوحدهم
كانوا لعدنان أو كانوا لغسان
5
ما خط «زيدان» أسطارا على صحف
لكن جلا صورا من صنع فنان
6
قد كان أول مرتاد لأمته
والخلد في هذه الدنيا له ثاني
7
هوامش
باريس
يتألم الشاعر لذكرى سقوط باريس في الحرب العالمية الثانية، ويتحسر لسرعة استسلامها. ثم يذكر إنقاذ الحلفاء والفرنسيين الأحرار لها من أيدي الألمان عام 1944م، فضمن هذه القصيدة مشاعره وخوالج نفسه.
عرس أقيم على الدم المسفوك
أأردد الألحان أم أبكيك؟
باريس حيرت القريض، فمرة
يشدو، وحينا والها يرثيك
1
نهكتك داهية الخطوب فلم تدع
للفوز غير حشاشة المنهوك
2
إن كان ما تعني الحياة تنفسا «فالعيش خير في ظلال النوك»
3
لهفي عليك! ولهف شعري! ما الذي
لاقيت من جبرية وفتوك؟
4
ما بين ظلم كالمنون محجب
عات، وظلم كاسمه مهتوك
5
ألقيت نفسك للطغاة غنيمة
ومضى القضاء فعز من ينجيك
جرح الهزيمة لا تجف دماؤه
وتجف دامية القنا المشكوك
6
ناديت لا «بيتان» في تسعينه
مصغ، ولا «لا فال» بين ذويك
7
ولقيت من عسف العدو وكيده
دون الذي لاقيت من أهليك!
8
ولى الحماة فما أجابوا دعوة
لما دعاهم للردى داعيك
9
تركوك للموت الزؤام وأدبروا
يا ليتهم للموت ما تركوك!
10
ومضوا حيارى ذاهلين، فما رأوا
كفيك ضارعة، ولا سمعوك
11
قذفوا السلاح فصبه أعداؤهم
غلا، فكاد حديده يرديك
12
ونعيت للدنيا فشبت لوعة
أصلى القلوب بحرها ناعيك
13 •••
ويل الشباب من النعومة إنها
أعراض سم للشعوب وشيك
14
ما أتعس الزمن الجديد بفتية
قتلوه في التصفيف والتدليك!
15
قلب كقرط الغانيات مفزع
وإرادة من حيرة وشكوك
16
عاشوا صعاليك الحياة وليتهم
فازوا بصدق عزيمة الصعلوك!
أبقت ليالي الأنس من أخلاقهم
فزع النعامة وازدهاء الديك
17 •••
باريس هالتك الدماء غزيرة
فسقطت بين نصال جزاريك!
18
خفت القذائف أن تهد معالما
فتهدم التاريخ في أيديك!
ما كان أحرى لو دككت إلى الثرى
وتركت ذكرا ليس بالمدكوك!
19
ما برج «ايفل» حين يسلم مانع
همسا يطن غدا بأذن بنيك
20
لو طال صبرك في المكاره ساعة
لرأيت أن الموت قد ينجيك
إن الذي خلق الكرامة صانها
بالسيف يمحو رأي كل أفيك
21
بين المهانة والمعزة خطوة
فإذا ضللت فقل من يهديك
22
شتان بين فتى يموت مجالدا
وفتى يموت بجرعة «الفينيك»!
23
شتى أساليب الحياة، ولا أرى
للمجد غير طريقه المسلوك
24
سر البطولة في الشدائد جرأة
سيان: تفري الخطب أم يفريك
25
قد كنت في «السبعين» أكرم موقفا
والغانيات بشعرها تفديك
26 •••
باريس قد ضرب الثبات بلندن
مثلا إلى أمثاله يدعوك
عبست لهم «دنكرك» فاقتحموا الردى
ومشوا بوجه للمنون ضحوك
27
واستقبلوا نوب الزمان ضراغما
لما تخلف عاهل «البلجيك»
28
جعلوا الهزائم سلما، فتسلقوا
للنصر فوق جماجم وتريك
29
أصلتهم الهيجاء نار جحيمها
فتخلصوا كالعسجد المسبوك
30
لو أنهم وهنوا لزالت ريحهم
وقضوا عبيد الذل والتفكيك
31
ولما رمى «شر برج» منهم جحفل
في مأزق كفم الليوث ضنيك
32
ولما رأت «روما» طلائع نجدة
تشري المحامد بالدم المسفوك
33
ولما مضى «روميل» يلعق جرحه
ويجر ذيل العاثر المفلوك
34
ولما جرت في البحر تخطر سفنهم
من آخر «الهادي» إلى «البلطيك»
35 •••
باريس - والذكرى جحيم - فانظري
نحو السماء لعلها تنسيك!
36
وتذكري ماضيك فهو مجادة
قد كان أستاذ الورى ماضيك
37
يا أم «هوجو» كل شعر يرتجي
لو كان يلقى وحيه من فيك
38
أشعلت مصباح الفنون فأشرقت
بضيائه الأيام بعد خلوك
39
فيك الثقافة بالمجانة تلتقي
ماذا أقول وكل شيء فيك؟
40
يا كعبة الدنيا، ويا نادي الهوى
الآن كيف الحال في ناديك؟
41
أترى البلابل لا تزال صوادحا
أم راعها الغربان في واديك؟
42
والغانيات؟ أفزعت أسرابها
وتفرق السمار عن شاديك؟
43
طلعت عليك مع الصباح فوارس
ومشى الغريم لحقه المتروك
44
طاحوا بقيدك في الهواء، وكم لها
منن على المأسور والمملوك؟
45
وجنودك الأحرار تستبق الخطا
لترد صفعتها إلى غازيك
46
فتفرق الأعداء عنك بدائدا
والطعن فوق قفاهم المصكوك
47
سبحان من لا حكم إلا حكمه
يمضي إرادته بغير شريك
عودي إلى ظل السلام وأشرقي
كالشمس تعلو الأفق بعد دلوك
48
واستقبلي الدنيا جديدا واعلمي
أن الأسى والحزن لا يجديك
قدر الإله إذا كرهت لقاءه
فلعل في عقباه ما يرضيك
49
هوامش
معاهدة 19361
نشرت بالعدد الثالث من السنة الثالثة لمجلة دار العلوم عام 1937م
تقديم
يصدر هذا الجزء من صحيفة دار العلوم، وقد حقق الله لمصر ما كانت ترجوه، وتجاهد في سبيله جهاد الكماة في حومة الوغى - ألا وهو الاستقلال الذي كانت تصبو إليه النفوس وتتجه الآمال - وانتهى ذلك الكفاح، الذي طال أمده بين دولة قوية تملأ جنودها البر وسفنها البحر وطيرانها الفضاء، وبين مصر الفتية الناهضة، التي لم يكن لأبنائها من عدة، سوى ما يعمر قلوبهم من إيمان ثابت وعقيدة راسخة بأن من حقهم الطبيعي أن يعيشوا أحرارا، كما خلقهم الله أحرارا، أو يموتوا كراما بين طعن القنا وخفق البنود.
ففي سبيل مصر تلك الدماء الزكية التي خضبت الأرض، وفي ذمة الله تلك الأرواح الطاهرة، التي قدمها شباب الوادي فداء للوطن العزيز.
لقد استقلت مصر فشملها الفرح وعمها السرور، ولم ينس أبناؤها الأمجاد - وهم في نشوة النصر - ما للزعماء عليهم من حق، فقاموا يتناقشون في صنوف التكريم، ويتخذون مظاهر شتى لتقديرهم، والاعتراف لهم بكل ما قدموا من خير لبلادهم.
وكان من أروع حفلات التكريم، تلك الحفلة التي أقامها الموظفون لحضرة صاحب المقام الرفيع الرئيس الجليل مصطفى النحاس باشا وصحبه المخلصين، الذين أبلوا في سبيل الاستقلال بلاء حسنا، فقد جمعت الحفلة جمهرة من خيرة المثقفين في مصر، وكان لأبناء دار العلوم حظ في اشتراك جمهورهم فيها، وكان لشاعرهم الفذ، الأستاذ علي الجارم بك، المفتش الأول للغة العربية في وزارة المعارف قصيدة من أمهات القصائد، عبر فيها عما يكنون بين جوانحهم من وطنية صادقة، وتقدير للعاملين لخير الوطن من رجالات مصر، وإن مصر لتبدأ هذا العهد الجديد بقلب فتي وهمة وثابة، وهي ترقب من جميع أبنائها أن يشدوا العزائم، ويؤدوا للوطن ما يرفع شأنه ويعلي مكانته.
وإننا - معشر المعلمين - لنعاهد الوطن على أن نسير في إعداد الجيل الحاضر إعدادا أساسه التفاني في حب الوطن والإخلاص لأهله والعمل لخيرهم جميعا.
وهذه قصيدة صاحب العزة الأستاذ الكبير علي الجارم بك ننشرها في صدر الصحيفة:
أبت أعلام مجدك أن تسامى
وعزت همة لك أن تراما
2
تحلق للنجوم فتعتليها
وتبغي فوق دارتها مقاما
3
بعثت الشرق يبسط ساعديه
ويمسح عن محاجره المناما
4
تمر بصخره الأهوال حسرى
وتخشى الحادثات به اصطداما
وصارت مصر قبلة كل شعب
وقام المصطفى فيها إماما
على دين من الأخلاق سمح
ورأي ساطع يمحو الظلاما
وعزم لو رمى جنبات رضوى
لدك الطود وانهدم انهداما
5
تطوف به الحوادث صاغرات
فتغضي أعينا وتخر هاما
6
نضاه الله يوم نضاه عضبا
يرد مضاؤه الجيش اللهاما
7
يصاحبه من الإيمان قلب
ونصر الله يتبعه لزاما
ويصقله الصدام المر حتى
ظننا أنه يهوى الصداما
وكم في الناس من سيف صقيل
تراه - إذا دعا الداعي - كهاما
8 •••
نهضت بمطلب وعر جسيم
فنلت بنيله الشرف الجساما
تخوض له الصعاب الصم خوضا
وتقتحم الخطوب له اقتحاما
وتزأر دونه زأر ابن غاب
أبي أن يساوم أو يساما
9
ومن كالمصطفى للحق ردءا
إذا الرعديد دون الحق ناما؟
10
ومن طلب العلا في الله ألقى
إليه شامس الدهر الزماما
11 •••
جفا الدنيا، وهام بحب مصر
هياما ألهم الصب الهياما
12
تلوذ به، فيكلؤها كريما
وترجوه، فينصرها هماما
13
وينفح دونها في الحق سيفا
ويهمي في مرابعها غماما
14
محامد، لو حواها الشعر رقت
حواشي الشعر، وانسجم انسجاما
وآمال، يتوج مبتغاها
تمام، علم البدر التماما
لقد ضاق الحسود بما يلاقي
ومن ذا يكشف الداء العقاما؟
15
وما عيب الضياء وقد تجلى
إذا عمي المكابر، أو تعامى؟
إذا اعتصمت بحبل الله نفس
دنا الغرض البعيد وقد ترامى
16
وذللت السبيل، ودان طوعا
من الآمال أصعبها مراما
17
ومن كرم النفوس ترى نضارا
ومن هون النفوس ترى رغاما
18
ورب فتى كصدر الرمح صلب
وآخر خائر يحكي الثماما
19
ومن خلق الضراغم واثبات
إلى عزماتها خلق النعاما!
20
زعيم الشعب، أنت له رجاء
إذا ما أشجع الأبطال خاما
21
دعت مصر، فكنت لها جوابا
وكنت لصون وحدتها عصاما
22
رعيت حقوقها ودفعت عنها
ومن كالمصطفى يرعى الذماما؟
23
وحامت حولك الآمال نشوى
كطير دف في روض وحاما
24
وأصبح عهدك الزاهي سلاما
يرف فلا نفار ولا خصاما
25
توطدت العقيدة واطمأنت
فلا صدعا نخاف ولا انقساما
26
وعاد لمصر ماضيها مجيدا
وقام العدل في مصر قياما
بنيت فكان حين بنيت أسا
وأرسيت القواعد والدعاما
27
رأيت لكل مملكة نظاما
ولا كالعدل في الدنيا نظاما •••
رعاك الله، قد أرضيت سعدا
وكنت لفوز دعوته قواما
28
يمدك منه روح عبقري
وينفث فيك رأيا واعتزاما
29
خليفته، وقائد تابعيه
إلى أن يبلغ المجد السناما
30
ترفرف روح سعد من علاها
عليك وتملأ الدنيا ابتساما
سلكت سبيله شبرا فشبرا
تقاسي وعرها عاما فعاما
31
تلاقيك الصعاب فلا تبالي
أماء خضت فيه، أم ضراما
32
فما ثلمت لك الأحداث سيفا
ولا حطمت لك الدنيا سهاما
33
ومن عقد الإله له لواء
فلست ترى لعقدته انفصاما
34 •••
وحولك من صحابك كل ندب
عيوف أن يضيم وأن يضاما
35
نسيم خميلة، والجو صحو
وعاصفة، إذا ما الجو غاما
36
يسير لقصده النائي إماما
إذا لم يلف سباق أماما
37
شمائل لو وعاها الحس كانت
عبير المسك أو ريح الخزامى
38
صحاب المصطفى ورجال سعد
مقام لا ينال ولا يسامى!
39 •••
نزلت بلندن، فرأوا كريما
أبيا، قاد أبطالا كراما
40
بليغا صمته، والصمت حزم
وسحبانا، إذا ارتجل الكلاما
41
فكم في غمة ألقى ضياء
وكم عن حجة كشف اللثاما
42
له من قوة الرحمن ركن
يلوذ به اعتزازا واعتصاما
43
رأوا كرم النضال فأكبروه
وكانوا خير من قدر الأناما
44
ونالت مصر الاستقلال طلقا
وطوحت المقاود والخطاما
45
وصار القول في جهر حلالا
وكان الهمس في سر حراما
ولولا المصطفى لم تحظ مصر
ولا بلت من الأمل الأواما
46 •••
معاهدة الصداقة والتآخي
غدت لجهودك العظمى وساما
رفعت بها عن الأعناق نيرا
ومزقت الغمائم والكماما
47
وسابقت الممالك مصر وثبا
إلام تظل وانية إلاما؟
48
تعالى الله هذا فضل ربي
كشفت به عن الفتح القتاما
49
وكل عظائم التاريخ رهن
إلى أن يستخير لها العظاما
50
ولا يحظى بنيل المجد إلا
فتى هجر الملالة والسآما
51
سجل الفضل كنت له ابتداء
وصحف النبل كنت لها ختاما
صفاتك أعجزت شعري، وفخر
لمثلي أن يلم بها لماما
52
بقيت لصرح الاستقلال ركنا
ودمت لرفع رايته، وداما
53
هوامش
Page inconnue