لو كان دمعي ...
فأجبتها ...
الذنب ذنب الوالدين
يا فتاتي!
رثاء المرحوم «محمد عبد الهادي علي»
تحية الوداع
اسلمي مصر
الدكتور طه حسين
نشيد مصر الفتاة
محمد حافظ إبراهيم
لحن الموت
رثاء شوقي
نذير الشيب
أسطول طولون
ذكرى
قطرة في بحر
إلى روح عمر المختار
قصاص
يا حمام!
إلى زينب صدقي
أمل
طيف
فرح أول أبريل
سبح القلب
قلبان ...
زهرة الحظ
تحت راية الوفد
مناجاة طفل
أيها الشاعر
أذان الفجر
قلب عجوز
أيا جارة السين
بعد هدوء العاصفة
إلى الأديب «محمد العلائي»
ميت بين الأحياء
سجعة الكروان
يا قارئ الكف
القيثارة المحطمة
الضمير
نون النسوة
شريد
همس الساعة
فتح برلين
الشاعر
عيد الجهاد
بني وطني أهبت بكم زمانا
في السجن
نذرت نفسي قربانا لفاديها
نور من الرحمن ودوا محوه
خليل مطران
علي محمود طه
وحي الجهاد
لو كان دمعي ...
فأجبتها ...
الذنب ذنب الوالدين
يا فتاتي!
رثاء المرحوم «محمد عبد الهادي علي»
تحية الوداع
اسلمي مصر
الدكتور طه حسين
نشيد مصر الفتاة
محمد حافظ إبراهيم
لحن الموت
رثاء شوقي
نذير الشيب
أسطول طولون
ذكرى
قطرة في بحر
إلى روح عمر المختار
قصاص
يا حمام!
إلى زينب صدقي
أمل
طيف
فرح أول أبريل
سبح القلب
قلبان ...
زهرة الحظ
تحت راية الوفد
مناجاة طفل
أيها الشاعر
أذان الفجر
قلب عجوز
أيا جارة السين
بعد هدوء العاصفة
إلى الأديب «محمد العلائي»
ميت بين الأحياء
سجعة الكروان
يا قارئ الكف
القيثارة المحطمة
الضمير
نون النسوة
شريد
همس الساعة
فتح برلين
الشاعر
عيد الجهاد
بني وطني أهبت بكم زمانا
في السجن
نذرت نفسي قربانا لفاديها
نور من الرحمن ودوا محوه
خليل مطران
علي محمود طه
وحي الجهاد
ديوان عزيز
ديوان عزيز
تأليف
عزيز فهمي
تقديم
طه حسين
مقدمة
بقلم طه حسين
نضر الله وجهك يا بني! ما أعظم ما كنا نعقد بك من أمل، وما أفدح ما أصابنا فيك من يأس! لقد رأيناك هلالا يلوح ضوءه في السماء؛ فيملأ القلوب رجاء وحبا وثقة، ثم رأيناك بدرا يغمر نوره الأرض؛ فيملأ قلوبنا رضا وغبطة وإعجابا. وما هي إلا ساعة يبتسم فيها الليل المظلم عن شخصين كريمين، أحدهما يسعى من الشرق ليملأ الأرض والسماء وما بينهما نورا وهو الفجر، والآخر من الشمال ليذود عن الحق في موطن من مواطن الزياد عن الحق وهو أنت؛ فأما الفجر فيمضي حتى يصير شمسا، وأما أنت فتمضي حتى تصير موتا.
كذلك قضى الله أن يسطع نور الكواكب إلى حين، وأن يخبو نور الناس قبل أن يبلغ أمده وينتهي إلى غايته.
اللهم إنا لا نسألك رد ما قضيت، ولا نقض ما أمضيت، وإنما نسألك أن تنزل السكينة على قلوبنا، وتعصم نفوسنا بالصبر والعزاء من اليأس والقنوط؛ فإنك قلت وقولك الحق:
إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون .
والأحياء يستطيعون أن ييأسوا وأن يرجوا، وأن يقنطوا وأن يحاولوا اتخاذ السلالم إلى السماء واتخاذ الأنفاق في الأرض، دون أن يجدوا من قضاء الله مهربا وعن قدره مزحلا أو محيصا.
قضى الله على الناس أن يهرم بعضهم حتى يضيق بالهرم ويضيق الهرم به، وأن يخترم بعضهم قبل أن يبلغ من الشباب آرابه ويحقق للناس ما كانوا ينتظرون منه ويأملون فيه.
إيه يا عزيز! وما أكثر ما كنت أقول لك: إيه يا عزيز! كنت أقولها لك أيام كنت طالبا تختلف إلى أستاذك في الدرس وتختلف إليه في غير ساعات الدرس، وكنت أقولها لك بعد أن تخرجت في الجامعة وبعد أن أبعدت في طلب العلم وعدت إلى وطنك ترضى قليلا وتسخط كثيرا، وكنت أحب أن أسمع منك حديث الرضا؛ لأنه كان حلوا، وكنت أحب أن أسمع منك حديث السخط؛ لأنه كان كريما يملؤه الإباء ويشيع فيه النقاء. وكنت لا تسمعني أقول لك: إيه يا عزيز! حتى ينطلق لسانك بالحديث عذبا كأنه العين الصافية ينساب منها الماء بين الخمائل والرياض، أو ينطلق لسانك بالحديث كأنه البركان يقذف بالحمم، ويوشك أن يحرق من حوله كل شيء. وما أكثر ما كنت أقول لك حينئذ: على رسلك يا بني! فإنك إنما تتحدث إلى الأستاذ الصديق لا إلى المستعمرين ولا إلى الظالمين!
إيه يا عزيز! إني لأقولها لك بين حين وحين وقد قطع الموت ما بينك وبيني من الأسباب، فلا أسمع حديثك راضيا، ولا أسمع حديثك ساخطا! ولكني على ذلك أسمع منك حديثا صامتا لا يصل إلى سمعي؛ لأن الموتى لا يتحدثون إلى الأسماع، وإنما يصل إلى قلبي؛ لأن الموتى كثيرا ما يتحدثون إلى القلوب. وإنك لتعلم يا بني أن أجسام الموتى تغيب في الماء أو في التراب، ولكن نفوسهم تحيا في القلوب، فتتحدث إليها وتسمع منها في النوم واليقظة، وفي الإقامة والظعن.
إيه يا عزيز! إن للميت نفسا لا يبلغها الإحصاء ولا ينالها الحصر ولا يحدها المكان؛ فهي كثيرة على أنها واحدة، وهي تنزل في قلوب كثيرة في وقت واحد وعلى اختلاف الأوقات والأطوار والشئون. إني لأتحدث إليك وإن قوما غيري كثيرين ليتحدثون إليك ويسمعون منك في هذه الساعة، وإن شيخا وقورا كريما قد أقام في قرية من قرى الريف، ليتحدث إليك ويسمع منك في ساعات النهار كلها وفي ساعات الليل كلها، لا يمنعه من ذلك أن يمس طائف النوم جفنه أو يلم به الزائرون، أو أن يقيم عنده الضيف فيطيل المقام.
إنه ليأنس بك يا بني أنسا حلوا بشعا، يملؤه الحب وتملؤه الوحشة ويملأ نفسه هو أسى ولوعة وجزعا. إنك لتفهم عني هذا الحديث يا بني، فأنت شاعر تفهم كيف يكون الأنس موحشا وكيف تكون الوحشة مؤنسة. إن هذا الشيخ الوقور الكريم ليتحدث إليك ويسمع منك، ولكنه يريد أن يراك رأي العين وأن يسمعك سمع الأذن وأن يمسك مس اليد، فلا يجد إلى ذلك سبيلا! أنت قانع منه يا بني ومن أصدقائك بهذا الحديث الصامت الذي يدور بينك وبينهم، ولكنه هو وأصدقاءك غير قانعين؛ لأن الموت علمك القناعة، ولعله علمك أن حديث النفوس هو خير الحديث وأحسنه إمتاعا. فأما أبوك وأصدقاؤك فأحياء لم تعلمهم الحياة هذا اللون من ألوان القناعة.
إيه يا عزيز! إنك لتقنع من أبيك وصديقك بهذا الحديث الحلو المر الذي تتحدثه النفوس والقلوب؛ لأنك بعد الموت لا تنسى ولا يجد النسيان إلى نفسك سبيلا. فأما الأحياء فما أكثر ما يمتحنون بالنسيان! وهل العزاء إلا لون من ألوان النسيان؟!
لقد كنت أسأل الله أن يلهمنا عزاء وصبرا، ولكني أسأله أن يلهمنا هذا العزاء الذي تعرفه أنت، وهو العزاء الذي لا نسيان فيه.
لقد قرأت شعرك يا بني، بعد أن سمعت منك أكثره، فلم أكن أسمع القارئ، وإنما كنت أسمع صوتك حين كنت تنشدني. وربما قرأ القارئ علي أول القصيدة فكففته عن المضي في القراءة، وآثرت أن أسمع منك أنت سائرها، فصوتك أنت يا بني أعذب عذوبة وأحر نغما وأحسن وقعا. فقد عرفت شعرك يا بني حين كنت تحاول الشعر طامعا فيه غير واثق به، يثور في نفسك وينطلق به لسانك متلعثما، ويجري به قلمك متعثرا بين حين وحين. وكنت تريد أن تطمئن إلى أنه الشعر، وإلى أنك على عرق منه. وكنت أؤكد لك ذلك تأكيدا وأحثك على قول الشعر حثا، وألح عليك في أن تقرأ شعر القدماء ما وسعتك القراءة؛ ليستقيم لك مذهبهم ومنهاجهم. وكنت أرى من ذلك ما يروقني ويروعني. وكنت مطمئنا كل الاطمئنان إلى أن رحلتك إلى الغرب وعودتك إلى الشرق وخضوعك لألوان التجارب ما يقسو منها وما يلين، كل ذلك سيطوع لك من الشعر عصيه ويروض لك منه أبيه ويبلغك من حسن التصرف فيه ما تريد. وقد تم لك من ذلك ما أحببت، فقلت من الشعر ما أرضاك وما أرضى مواطنيك. كان الشعر حديث نفسك في خاصة أمرك، وكان حديث نفسك ونفوس المصريين فيما ينوب مصر من الأمر، حتى لقد كان يلم الخطب فينتظر المصريون أن يسمعوا شعرك أو يقرءوه.
معذرة يا بني! إن الشعراء حين يستأثر الموت بأجسامهم معرضون لكثير من المحن، شأنهم في ذلك شأن الكتاب والفلاسفة: حياتهم ليست ملكا لهم وإنما هي ملك للناس جميعا، فشعرهم مهما يكن موضوعه خليق أن ينشر ويذاع؛ لأن للناس جميعا حقا فيه.
وقد رأينا أن ننشر ما حفظنا من شعرك، فلم نكتف بشعرك في السياسة وما ألم بالوطن والإنسانية من خطب، وإنما نشرنا معه شعرك في الحب والموت، فكم كنت تجيد الشعر في الحب والموت؛ كنت مرهف الحس صافي الذوق مترف النفس، فكنت محبا دائما، وكنت سباقا إلى الشعور بما أضمرت لك الأيام، شأنك في ذلك شأن الشعراء الملهمين.
صاحبت الموت منذ أول الشباب، صاحبته دون أن ترى شخصه، فكنت تذكره دائما: تذكره في حديثك، وتذكره في شعرك، وتذكره حين تناجي نفسك في غير كلام، تحس محضره إلى جانبك وتريد أن ترى شخصه فيمتنع عليك، فتسأل عنه العراف وتسأل عنه قارئ الكف. وكأنه رفع الستار لك عن شخصه في مثل خطف البرق، فرأيته غير مستوثق، وتساءلت عن الموت أتراه ينتظرك بين الموج؟! وقد كان ينتظرك بين الموج الهادئ. كان الموج هادئا جدا، وكان الموت بينه هادئا جدا كذلك، وكانت السيارة عنيفة، حتى إذا بلغت المكان الذي قسم لها أن تبلغه أسلمتك إلى الموت الهادئ والموج الهادئ جميعا، وأثارت في قلوب أبيك وأهلك وصديقك حزنا صاخبا وجزعا عنيفا.
نضر الله وجهك يا بني، وأنزل السكينة على قلوبنا! وجعل ديوانك هذا الضئيل الكبير في قلب كل قارئ وسامع، رسالة حب وألفة ووفاء وإخلاص، ودعوة إلى نصر الحق مهما يكن الحق بعيدا ومهما يكن نصره عسيرا.
نضر الله وجهك يا بني! وعصمنا من هذا العزاء الجدب الذي تجمد له القلوب وتغلظ له الطباع، وجعل لنا في أحاديثك إلينا مصبحين وممسين عزاء عنك حتى نلقاك.
لو كان دمعي ...
نشرت بصحيفة مدرسة الجيزة الثانوية في مايو سنة 1926، وكان تلميذا في السنة الرابعة. ***
لو كان دمعي مذهبا أشجاني
ما بت يوما في الحياة أعاني
إني وإن طال البكا لمعذب
دامي الفؤاد مقرح الأجفان
ماذا جنيت لكي أعيش معذبا
تفني شبابي كثرة الأحزان؟! •••
يا دهر رفقا قد غدوت معذبا
أمسى وأصبح في دجى الأشجان
في كل يوم حادث وملمة
تدعو الوليد إلى المشيب الداني
فالعين تبكي والفؤاد مقرح
والعمر يقضى والحبيب سلاني
والدهر يرجو أن أذل لبطشه
والجد يأبى أن يذل لثاني
يا دهر لا تك قاسيا متنمرا
حتى أقوم بواجب الأوطان
ومن التخاذل أن أراك مجردا
سيف القتال على الضعيف الفاني •••
جفني وجسمي والفؤاد بباطني
باك سقيم دائم الخفقان
ولقد نظمت الشعر شيمة معشر
حسبوه يعقب راحة السلوان
فطفقت أنظمه طروبا كلما
غنى الهزار على غصون البان
وجريت أنظمه حزينا كلما
ناح الحمام فهاج شجو العاني
يا شعر أنت لجرح قلبي بلسم
وعزاء نفسي في خطوب زماني
فأجبتها ...
نشرت بمجلة الإرادة في فبراير سنة 1927. ***
قالت وقد سفرت فلاح ضياؤها
يهدى المدلج بات ينشد نورا:
مالي أراك تبيت ترنو للعلا
أتراك تعشق في السماء بدورا؟
فأجبتها: ليلي طويل ما له
من آخر، إني أراه دهورا
ولذا اتخذت البدر خلا في الدجى
وكذا النجوم رضيتهن سميرا
أنت التي هام الفؤاد بحبها
وإذا جنيت عفا وبات صبورا
لولا هواك لما عشقت ولا بكى
طرفي إذا ندب الحمام عشيرا
فإذا وصلت فإنني أبقى على
عهدي وفيا طائعا وأسيرا
وإذا هجرت فإنني أبكي على
حبي شقيا بائسا وكسيرا
يفديك بالروح العزيزة إن وصل
ت وإن أبيت وإن هجرت شهورا
ناديت لما أن خطرت بحينا:
هذا المخلخل فاحذروه كثيرا!
هو ساحر هو فاتك وعيونه
تسقي المنية هائبا وجسورا
لو قد رأتك الشمس سافرة لما
طلعت ولاكتمل الكسوف شهورا
وإذا رآك البدر ولى مسرعا
خجلا ولاكتمل الخسوف دهورا
وإذا رآك الغصن أحنى عوده
خجلا وطأطأ رأسه محسورا
هيفاء أسكرها الجمال تمايلت
وسط الرياض تظنها يعفورا
فإذا رأيت رأيت بدرا كاملا
في ليلة ظلماء ميز نورا
خضعت لأحكام الهوى نفسي وكم
أخضعت قبلا سيدا وأميرا
هيهات ترهبني بطولة فاتك
للحرب وتر قوسه توتيرا
وأبي الذي تعنو الجباه لعزه
يحمي العرين معززا منصورا
فلتسألوا عنه المنابر كم علا
ها ثائرا ومحرضا ومشيرا!
صبت عليه مصائب الدنيا فما
لانت صلابته وظل صبورا
صبت عليه مصائب لو أنها
صبت على جبل غدا مدحورا
شهم همام صابر ومعاند
إن صال أخضع قيصرا وقصيرا
فاعجب لحكم الحب يخضع قسورا
يسقي المنية فارسا ومريرا
ويعز من بين الغواني غادة
لا بل غزالا أعزلا وغريرا
لكنه ملك قوي حكمه
لا يقبل التبديل والتغييرا
والحب شر مصائب الدنيا إذا
هجر الحبيب تدللا ونفورا
والحب مكرمة إذا عف المحب
وكان عشقا صافيا وطهورا
فاسمع كلامي واتعظ بمشورتي
الحب نار سعرت تسعيرا
واحذر وقوعا في محبة غادة
يصليك نارا لحظها وحرورا
اسمع نصيحة عاشق ومجرب
إن كنت ممن يسمعون الشورى
واغضب لعرضك ما حييت لتتقى
واغضب لقومك أولا وأخيرا
وانصح صديقك مخلصا ومبينا
سبل الرشاد ويسر المعسورا
فالناس خدام لبعضهم وأك
رمهم فتى يفدي أخا وعشيرا
الذنب ذنب الوالدين
نشرت بمجلة الإرادة في فبراير سنة 1927 ***
وسط القصور الشاهقات
اسمع بكاء الغانيات
الناعسات الموقظات
الراميات الفاتنات
يبكين من ألم دفين
المال عندهم كثير
والخير عندهم وفير
اللبس صوف أو حرير
والعقد من ماس نضير
والناس صاروا حاسدين
قد زوجوها من وزير
أيامه كذب وزور
في الليل يرتشف الخمور
لكن منصبه خطير
والذب ذنب الوالدين
ما زوجوها إنما
في السوق بيعت كالإما
والوالدان تساوما
الشاريان تنعما
والبنت زفت للمنون
لما انقضى شهر العسل
بمروره قطع الأمل
الزوج عاد إلى الغزل
بالبيض ربات الكلل
شأن الرجال الفاسقين
نسي العهود الماضيات
ليعيش بين المومسات
ومع الغواني الفاسقات
يقضي المآرب منكرات
والكأس صار له خدين
الزوج صار إلى التلف
فتراه في جنح السدف
يمشي الذليل أو الوجف
والمال ضاع مع الشرف
لا يردع المغرور دين
بنت الكروم تحكمت
في عقله وتسلطت
ولنفسه هي زينت
لعب القمار فأذعنت
نفس الغبي المستهين
لعب القمار مع الجياع
واللعب ربح أو ضياع
خسر البيوت مع الضياع
خسر الأواني والمتاع
والمال ملك الدائنين
رفعوا الشكاوى للقضاء
والحكم عدل لا مراء
لما استحال عليه تس
ديد الديون أو الوفاء
زجوه في قاع السجون
رأت الفتاة من المحال
الصبر في هذا المجال
فالدمع منها في انهمال
والجسم عود من خلال
والعقل خالطه الجنون
في الليل تبكي حظها
والدمع قرح عينها
والنوم خاصم جفنها
والهم أسقم عودها
والليل قاس لا يلين
أن الوليد على السرير
يبغي طعاما، والصغير
إن جاع يبكي أو يثور
والأم حيرى كالضرير
والطفل موصول الأنين
قالت: بني انظر إلي
تجدن عودا من خلال
ثدي جديب ما به
لبن وليس لدي مال
أواه مالي من معين
اشرب دموعي يا وليد
هبها حليبا أو ثريد
قضت العدالة أن تمو
ت بفتك جوع لا حديد
والدهر غدار خئون
أخذت مسدس زوجها
حشت الرصاص بنفسها
وتشجعت وحلا لها
هجر الحياة فما بها
غث يسر ولا سمين
نفذ الرصاص بلا مهل
خارت قواها بالعجل
والطب أعيته الحيل
والآن قد قضي الأجل
والذنب ذنب الوالدين
يا فتاتي!
من شعر الطفولة ...
سلام الله مالكة الفؤاد
وكل تحية دون المقام
سلام الله يا أختي سلاما
سلام من أسيرك في الغرام
معذبتي سلام من فؤاد
كليم عاشق مضنى سقام
أحبك يا «فتاتي» أي حب
وأطفي بالدموع جوى غرامي
أحبك يا «فتاتي» أي حب
وإن القلب - قلبي - في ضرام
ولست أطيق بعدا عنك يوما
وقلبي ذاب من فرط الهيام
وحق هواك لا داويت قلبي
بغير الصبر يا بنت الكرام
وحق الحب لا أسلو هواكم
ولو طحنت محبتكم عظامي
عليك يا «فتاتي» كل يوم
سلام في سلام في سلام
رثاء المرحوم «محمد عبد الهادي علي»
أحد زملائه بكلية الحقوق في 26 يناير سنة 1930
ناشئ كالورد في أغصانه
مات مثل الورد في أسنانه
وكزغب الطير لما تنتشر
ناشئات الريش في جثمانه
وكغضن من غصون البان في
جنة العمر وفي رضوانه
ساهم الوجه عليه صفرة
من هشيم النبت أو حوذانه
عصف الموت به في دوحه
كيف ينجو البان من أحيانه •••
ليس بدعا أن يواسيني قري
ض كفيض الماء أو تشنانه
إنما أرثي زميلا فاضلا
كان مرجوا لدى إخوانه
وأثيرا عند أهليه وبرا
بهم يسرف في تحنانه
ونبيلا وعطوفا وحفيا
بمن يلقاه من خلصانه •••
أمرد الخد عليه مبسم
من عذارى الدير لا رهبانه
أعجف العود كشيخ ضامر
جاوز الخمسين من أشطانه
ملكته شهوة العلم فجن
جنونا بجنى عرفانه
أوقف النفس عليها لاهيا
عن شباب لج في إيهانه
وأجاج العلم عذب ونقا
خ يطيب الرشف من غدرانه •••
ساهر الليل ترفق ساعة
بشباب شاب في ريعانه
واقتصد من ضوء عينيك ليو
م تغيب الشمس في خيلانه
منهل العلم بعيد شأوه
أيها الصادي إلى معنانه
دونه ألف سراب خادع
يرتمي الأغرار في أحضانه
وفياف وحزون وعرة
كصلاد الصخر أو حزانه
وخشام قد من فحم اللظى
يهرأ الضب على حمانه
يبلغ الجاهل منه قمة
ويتوه الندب في قيعانه
وكذاك البحر يعلو زبده
ويظل الموج في طوفانه •••
كلما ازداد سقاما وضنى
زاد إدمانا على إدمانه
كصريع الخمر يشكو داءه
ويجيل الطرف في أدفانه •••
وسرى الداء إليه زاحفا
زحفة الأيم على كثبانه
ونجا أو كاد لولا هيضة
ضمها الغيب إلى كتمانه
وأغبته سباط صالب
كسوافي القيظ أو نيرانه
نفض الطب يديه عاجزا
واستعضنا الله في فقدانه •••
إنما المجد لأنضاء السرى
لا للاهي الليل أو وسنانه
ما لهذا الغرس لم يثمر جنى
أغفا الزارع عن بستانه؟
لا وشعري ما سقاه جدول
بل سقاه القلب من نعمانه
مثل الدنيا كنادي ميسر
ما احتيال المرء في سهمانه
غضرب يهلك جوعا ظبيه
يحبس الخير على جعلانه
منبر قال عليه باقل
وهو نزاع إلى سحبانه
أو رشوف جئت تجني شهدها
فسقاك الجم من ذيقانه
أيها القبر سلاما عاطرا
وسقاك الغيث من فرتانه •••
لو رأيت الشيخ يبكي بعضه
قائلا والدمع في تهتانه
هذه الضحاء غابت مغربا
وأوى البدر إلى ديرانه
ثم عاد الصبح والليل وعا
د كلا البرجين في إبانه
ولأنت الشمس والبدر معا
لبصير كف في أحزانه
أو سمعت الأم تبكي بخني
ن خفي الصوت أو مرنانه
لتشهيت فداه راضيا
لو يعيد الميت من جبانه •••
يا «أبي» صبرا جميلا خاشعا
ما توانى القلب عن سلوانه
كفكفي يا «أم» دمعا قانيا
كعقيق الدر أو مرجانه
فمقام المرء في الدنيا اغترا
ب وإن طال مدى إيطانه
إن يكن قد مات في شرخ الصبا
فهو أحظى برضا رحمانه
إن يوم المرء مثقال له
أو عليه جد في ميزانه •••
مرحبا بالموت أنى جئتنا
في خريف العمر أو نيسانه
أنا لا أبكي على روض جني
ت قتاد الشوك من أغصانه
وبلوت النبت طبانا فذق
ت وزين الحب من شريانه
ما سئمت العيش من لأوائه
وأنا الداخل في ليانه
بل شجاني ما شجا شيخ المعر
ة فارتاح إلى سرحانه
ضل في وادي ظنوني مرشدي
فرجوت الود من خوانه
لم أعد أدري أهذا ناصحي
أو عدو جاء في أردانه!
فكأين من عزوف إمع
ختم القلب على أضغانه
مغرم بالعتب إن بنت وكم
كنت أشتاق إلى لقيانه
آكل لحمي إذا «غبت» فإن «كنت» كنت مصطفى خلانه
وكأي من كنود عقني
وجرعت المهل من عدوانه
ما زرعت الخير إلا وحصد
ت قتاد الشوك من قينانه
وحبيب راح يسقيني الهوى
كحميا الراح من ريانه
آثر الغدر فولى بعد ما
سمهج المقصود من أيمانه •••
إنما يبكي على الدنيا فتى
خيم الموت على وجدانه
أو غرير في مجانات الصبا
شول بز على أقرانه
نفخ الشيطان فيه فعلت
كفة الآثام في ميزانه
مشفق من هول وعد صادق
يوم يدعوه إلى ديانه ... ... نافخ الصور فينقاد وفي
لهف يبحث عن شيطانه
يوم لا ينفع مال أو بنو
ن وفي القلب صفا أدرانه
يوم يندك عسيب ويطي
ر كطير العهن من صوانه ... ... كل صلد أيد ما إن تزع
زع هوج الهيف من بنيانه
إن يكن قد طف كيلي وعلت
كفة الخسران من نقصانه
فعذيري وشفيعي نية
تغلب الثلج على ألوانه
وفؤاد لم يساوره هوى
ثابت كالطود في إيمانه •••
يا سمير الدود في وادي البلى
وطليق الروح في رضوانه
كدت لولا حرقة الموت أهني
ك بالموت على أشجانه
قم تر الحق هضيما مثلما
كان في الغابر من أزمانه
وتر البغي هضبا جامحا
أرسل المشدود من أرسانه
وكسيل مجلعب راعب
أهلك الوديان في طغيانه
قم فحدثنا عن الموت وعن
عالم الروح وعن سكانه
قم فعمر هذه النفس الخرا
ب وأحي القلب من غفلانه
واذكر الصيد الصناديد الألى
نصروا الإسلام في حدثانه
شمرت عن ساقها الحرب فكا
نوا لظى الله على خصمانه
دوخوا الدنيا فكسرى شارد
ينعق البوم على إيوانه
وهرقل الروم ينعي ملكه
بين صرعى الحرب من أعوانه
قم فحدثنا حديثا مستطا
با عن الخلد وعن ولدانه
وانثر السحر على أسماعنا
من جمان الثر أو عقيانه
إن وصفت الحور والعين اللوا
تي وعدناهن من نسوانه
قم فأنشدنا نشيدا عبقريا
يحار الفن في ألحانه
يسمع الصم ويزري سحره
بكران الكون أو عيدانه
يعجم الطير فلا يشدو هزا
ر ولا عين على أفنانه
قم فحدثنا عن الطهر فعط
ر نفوسا من شذا ظيانه •••
يا صبوح الوجه يا بدرا صفا
بل طواه الغيم في أدجانه
يا نضير العود يا غصنا ذوى
قبل أن نقطف من سوسانه
إنما الذكر حياة فلتعش
لهف الموت على أكفانه
صدق الود وفي ذاكر
غلب الموت على سلطانه
ولئن جفت ينابيع الثرى
ثم غاض الماء في خلجانه
فذكي الحزن يبقى بعده
يملأ الأرض شذا ريحانه
تحية الوداع
ذهبت بعثة علمية إلى العراق من الجامعة المصرية، وليلة عودة البعثة أقيمت حفلة تكريمية للأستاذ عزيز فهمي الطالب بكلية الآداب وزميل له، فألقى هذه القصيدة.
نشرت في السياسة اليومية العراقية في 29 رمضان سنة 1349ه الموافق 14 / 2 / 31م، كما نشرت بصحيفة الجامعة المصرية في يونيو 31 بالعدد السادس من السنة الثانية. ***
دار السلام على رباك تحية
ما غرد العصفور فوق البان
إني ركبت إليك أخشن مركب
والصب يشقى في الهوى ويعاني
حتى رأيت مع الأصيل سبائكا
تجري فقلت: سبائك العقيان
لعب النسيم بها فرقصها كما
لعب المدام بأغيد سكران
لعب النعاس به فقام مثقلا
لما تجاوب هاتف العيدان •••
يا كعبة الماضي الجميل تحية
من حاضر متلهف ثكلان
إني رأيتك وادكرت عشيرتي
فنسيتها وذكرتها في آن
إني رأيتك فاستفاضت عبرتي
وشغلت عن يومي بأمس الداني
أين البهاليل الجحاجح من بني
عباس والملك اليتيم الشان؟
أم أين قصر الخلد هل باق به
حجر فأسأله عن الإيوان؟
عبث الفناء به فصيره هشي
ما تبتنيه كواسر العقبان
والملك أيام تجيء وتنقضي
كالحلم طاف بغافل وسنان
لو كان لي جلد على نظم القري
ض لقلت فيك يتيمة الأزمان! •••
بغداد قد عنت الوجوه كما عنا
وجه الزمان لمجدك الفينان
في دولة ما رامها أحد ولا
خطرت على كسرى أنوشروان
واليوم أنت كما ترين هضيمة
الذئب عاث وأنت في غفلان
هذي طلولك قد عفت آثارها
ماذا أقول وفي الفؤاد معاني؟
أبكي على طلل قديم دارس
يا بؤس من يبكي على أوثان!
قل للذي يبكي على رسم عفا
هلا ارعويت فقمت للعمران!
المجد يا هذا لأنضاء الثرى
لم يستبق مجد إلى نومان
فيم النواح على محل دارس
والغرب مستبق إلى البنيان •••
أأنوح مثل النائحين جهالة
لا بل أصيح بصوتي الرنان
هذي تباشير الصباح تعيد لي
أملا طوته نوازل الحدثان
هذي تباشير النهوض جلية
كالشمس لا تحتاج للبرهان
بغداد إن يك بدد الدهر المنى
فلسوف يجمعها الزمان الجاني
إن الأمور رهينة بمعادها
ولسوف تنقع غلة الظمآن
جدي إذا هزل الزمان وجددي
المجد للشعب المجد الباني
المجد لن يسعى إليك مجررا
أذياله في حلبة ورهان •••
إني أتيت وفي لساني عقدة
من سحر بابل فازدريت بياني
ماذا أقول وقد تغنى بلبل
هزج وأشجى ساجع الكروان؟
أيقول بعدك يا زهاوي شاعر؟!
هيهات إني قد عقلت لساني!
أيك، جميل والرصافي شاعرا
ه يضيق عن هزجي وعن ألحاني •••
عبثا أحاول أن أبين خواطري
جهدي وفاء العرف بالشكران
هذا مجال للقوافي واسع
مالي عييت وخانني شيطاني
إني إذا عد الكرام لذاكر
ولرب ذكرى قربت أشجاني
جئنا وقد خب المطي بركبنا
ليلا أميما موحش الأدجان
أهلا لقيناكم فما حنت ركا
ئبنا على ضجر إلى أوطان
إخواننا في سكرة الماضي وها
أنتم ونحن على الأسى عونان
إنا لتجمعنا بكم أقوى العرى
والأمس أبقاها على الأزمان
ويزيدكم حبا إلينا أننا
في الجرح والآلام مشتركان •••
إنا لنرحل والهوى تنتابه
في الذكريات لواذع التحنان
ويكاد من شوق إليكم يلتقي
لولا التخوم النيل والنهران
بغداد إني قد رضيتك موطنا
مصر وأنت اليوم لي وطنان
اسلمي مصر
ومن قصيدة له بعنوان «اسلمي مصر» نشرت بصحيفة الجامعة المصرية بالعدد السادس من السنة الثانية في يونيو سنة 1931. ***
اسلمي مصر على مر القرون
حسبك الله نصيرا ومعين
لن تضامي أنت يا مهد الخلو
د وهذا بعض أشبال العرين
من تكن ليلاه مصر لا يهن
ساعة البذل ولو ذاق المنون
لا تسلني إن تصباني الهوى
أهو داء ما عراني أم جنون؟
لا تسلني أفطابت هجعتي
أم قطعت الليل موصول الأنين؟
لا تسلني أشبابي قسمتي
أم شبابي في يدي ليلي رهين؟
لا تسلني لا تعظني لا تلم
هو داء في سويدائي دفين
لن تكون الصب في شرع الهوى
بمزامير الجوى والعاشقين
يصدع العود فيشجيني وما
هو إلا ذلك اللوح المهين
ولقد أصغي إلى الناس ويم
لمكني اللحن فأغدو كالغبين
إيه إخواني لقد قمتم بما
يكسب الصب فخارا ويزين
حسبكم مني قوافي التي
هزج الطير بها فوق الغصون
وحدا الركبان في البيد بها
عاصر النوق فصارت كالضئين
كلم يمليه وجداني فلا
تحسبوه من هراء الناظمين
وأنا المعتز بالشعر وإن
كنت بالشعر شحيحا وضنين •••
لا رعاك الله يا عهدا مضى
عهد بغي وافتئات وأفون
محنة لا عهد للناس بها
جزع الصبر لها والصابرون
عصفت بالحرث والنسل معا
وأعادت عهد كسرى ونرون
ونضت سيفا بتوكا كلما
هب ذقنا بين حديه المنون
دولة الحجاج إن قيست بها
مثل في الرفق عند المنصفين
إلى أن قال في وصف بعض السياسيين المصريين لذلك العهد:
غره الحكم غرورا فنسي
أنه كالناس من ماء وطين
ذكرتني قصة المغرور أح
جية لكن مغزاها ثمين
اسمها «الضفدع والثور» وفي
ذلك العنوان ما يغني الفطين
هكذا صال علينا ضفدع
ناقلا عن مصطفى أو موسلين
قسما أجزى به ما صال أو
جال بل صالت حراب الغاصبين
خلقت منه ومن أعوانه
في كرى الدهر طغاة فاتحين
قسما لولا يد خلف الستا
رة هم قفازها الكاسي الوضين
ما أزيحت عن ضفاد مثلت
فوق هذا المسرح الدور المتين •••
أي سهم حدجوا مصر به
كاد ينساب إلى أصل الوتين
سفحوا دستورها وهو غرا
س سقته نصف قرن وسنين
ما سقاه يعلم الله سوى
دم أبناء كرام خيرين
حملوا الأشلاء قربانا إلى
من بأيديهم ثواب الذابحين
بهلة الله عليهم أي غا
ل أضاعوا من دم المستشهدين •••
قيدوها غللوها عنوة
وسقوها الكأس صابا ووزين
ورموها بقصور يا له
من غرور بل فجور وفتون
كمموا الأحرار قسرا وتكف
ل فيض المال بالمرتزقين
حرموا الشورى وقاموا بالوصا
ية فالقوم رعان قاصرون
قرروا أعوامها رجما فهل
أخذوا عهدا على الغيب الجنين؟
حرموا كل حلال واستحل
وا فداء الحكم ما يندى الجبين
ركبوا الرأس وراحوا يرمقو
ن نزيه النصح باللحظ الشفون
فهم الأشراف والأنساب وق
ف عليهم من جدود لبنين
وسواهم من بني الدنيا إذا
نسب الناس دعي أو هجين
خلني من زخرف التيه فلن
يرحم الدود جليلا أو مهين
خلني من ضلة الصلف فلن
يخدع الدجال محتوم المنون
وقديما أبطلت سحرا عصا
وبعيد الموت ذكرى لن تحين •••
لا تسلني عن جدودي إنه
لا يباهي بالجدود المعرقون
ولو اني من بني عبد منا
ف عليهم صلوات المؤمنين
ولو ان الشهب كانت في يسا
ري وكان البدر في كفي اليمين
ولو ان الشمس كانت صولجا
ني أباهي بسناها المالكين
ولو ان الناس حفوا بركا
بي، وأنى سرت ساروا صاغرين
ما غوتني هذه الدنيا ولا
فتنتني بين من يفتتنون
ذاك لو أني أخو حزم ومن
لي بحزم وأنا ماء وطين •••
أوقف الدهر الرحى حتى إذا
بعد العهد على المستنسرين
قلب الدهر لهم ظهر المجن
فجنوا وأشاروا بالغصون
حطموها حطموها! ليس يل
دغ من حجر مرارا مؤمنون
قسما لو كانت الشمس لكم
والدراري أمهات وأبين
ما استطاعت لكم اليوم الشفا
عة لو جئتم إلينا زاحفين •••
في يمين الله ما ضحيتمو
لا يضيع الله أجر المخلصين
في هوى مصر يضحى عن حجا
ورضاء كل مستبق ضنين
لن يضيع العرف عند الله إن
ضيع الخير أصيل وهجين
هو عند الناس جود ووفا
هو عند الله إيمان ودين
ولبانات الهوى شتى كنا
ر، سل التاريخ عنها والمنون
فهوى ليلى بقيس متعة
وهوى الأوطان للأحرار دين
هي ليلانا جميعا فانظروا
هل قسطنا ما علينا من ديون؟
هل جمعنا من أفانين المنى
ما تمنته على مر السنين؟
ليتني أحيا إلى يوم أرى
فجر مصر فيه وضاء الجبين
لا أبالي أعظامي بعده
في سهوب من ثراها أم حزون!
لا سقاك النيل يا مصر إذا
لم نقرب من أمانيك الشطون
ونعد مجدا سليبا غابرا
ونعير بلواك العالمين
الدكتور طه حسين
في حفلة أقامها لتكريمه بعد فصله من الجامعة بفندق سينا هاوس بالهرم في 4 أبريل سنة 1932، وقد نشر بعضها في جريدة السياسة في 7 أبريل سنة 1932. ***
وكنت سلوت شعري أو سلاني
فما للشعر يبعث لي حنينا؟!
ألح علي شيطاني مهيبا
فهل لبيت داعيه الأمينا؟
وطه لو أصوغ له قريضي
نجيعا ما وفيت له ديونا •••
وما غضبوا لدين الله لكن
لأوثان عليها يعكفونا
فقل للشامتين به: أفيقوا
فصاحبنا بخير لن يهونا
كذاك التبر إن تمسسه نار
يزد وهجا ويأبى أن يلينا
وصاحبنا أشد اليوم بطشا
فشنوها عشوزنة زبونا
ومهلا إن بعد الليل فجرا
وموعدكم لديه فواعدونا •••
سواك يبيع مكرمة بدينا
ويرخص في الهوى عرضا ودينا
وغيرك في الوظيفة مسترق
يؤدي من كرامته ديونا
وصحبك مثلما كانوا كراما
ستلقاهم لعهدك حافظينا
ونحن كما عهدت على وداد
عقدنا يوم بنت له يمينا
ولو زمن النبوة ما تولى
لكنت نبينا البر الأمينا
ولن أسلو هواك وإن تجنى
هواك على بنيك المخلصينا
نشيد مصر الفتاة
أنشودة متطوعي القرش في 23 / 12 / 1933
وطني لو بدلت به الدنيا
ولي الخلد اخترت ثرى وطني
والكوثر لو فاض به الوادي
ما اعتاض عن النيل به بدني •••
هنا وهناك داعيكم فلبوا
دعت مصر فقال المجد: هبوا
وفي التاريخ يومكمو الأغر
وبعد الليل يا ابن النيل فجر •••
فكيف يروع بعد اليوم غيب
ودونك مصر آجال تكر
على البيض الرقاق ولا تفر
وهل في المجد ميسور وصعب؟ •••
قياما يا بني وطني قياما
ولبوا تحت رايته الحماما
نشرناها على الدنيا سلاما
فإن جارت بعثناها ضراما •••
فيا ابن آمون هيا
وته بهلال مصر
وهي له مقرا
هناك في الثريا •••
ليس دون المجد إلا خطوة
فارفعي يا مصر في الشرق اللواء
نحن في الماضي جميعا إخوة
منذ عهد الوحي عهد الأنبياء
لك يا مصر شبابي
لك عزمي وجهادي
ونعيمي وعذابي
وبروحي وفؤادي
أنت يا مهد الخلود •••
ربضنا ربضة الليث الغضوب
تحفز بعد حين للوثوب
وطابت للفدا نفسي فطيبي
نصيبك في الخلود إذن نصيبي •••
وللأوطان دين مستحق
دعت مصر وكلكم الأبر
وليس على العزائم ما يشق
نموت فداك أو تحيين مصر •••
لنا الماضي الفريد
لنا الهرم العتيد
لنا الأمل البعيد
كما سدنا نسود •••
هل عرفتم قبل فرعون فتى
توجته الشمس فازدادت سنى؟!
هل علمتم قبل مصر أمة
بهرت في العلم والحرب معا؟! •••
أيها الشبان هذا دوركم
فاستعدوا وأعدوا للكفاح
فاز بالدنيا جسور قلبه
في يد ترضى ويرضاها السماح •••
لك يا مصر شبابي
لك عزمي وجهادي
ونعيمي وعذابي
وبروحي وفؤادي
أنت يا مهد الخلود •••
وطني لو بدلت به الدنيا
ولي الخلد اخترت ثرى وطني
والكوثر لو فاض به الوادي
ما اعتاض عن النيل به بدني •••
غالبوا الزمن
صافحوا المحن
أنتم الثمن
إن دعا الوطن •••
تعاونوا تضامنوا
وحرروا بلادكم
وفي سبيل الاقتصا
د وجهوا جهادكم •••
إلى العلا خذي يدي
خذي يدي إلى العلا
فما استحق أن يعي
ش يا أخي أخ سلا •••
إذا أسلمت روحي في حماها
وقال الناس شب في هواها
فلما قيل لا يسلو سلاها
فقد دنست في قبري ثراها •••
لك يا مصر شبابي
لك عزمي وجهادي
ونعيمي وعذابي
وبروحي وفؤادي
أنت يا مهد الخلود
محمد حافظ إبراهيم
نشرت بالسياسة الأسبوعية في 27 / 8 / 1932.
رثاء للشاعر الكبير محمد حافظ إبراهيم بك. ***
دنا الطيف يا ليلى وما زال ساريا
خذي لي من الطيف الأمين أمانيا
فعهدي بطيفي مثل طبعي عازفا
وعهدي بطيفي مثل عهدي وافيا
أحن إذا شط الخيال وإن دنا
فرقت وطارت شعبة من فؤاديا
وإني لصبار على كل غمرة
فما بال أنفاسي صدعن التراقيا
كأن فؤادي يوم قيل: محمد
جناح عتيق، بات في الفخ هافيا •••
تجرعت فيك الكأس حتى ثمالة
أغص بما فيها فيزداد ما بيا
بنا منك ما لو كان بالناس بعضه
لجزوا رقابا أو لشقوا نواصيا
ولما رأيت الصبر عز طلابه
زجرت لساني فيك ثم بدا ليا
فناديت حلمي أن يثوب فلم يطق
فؤاد به من جذوة النار ما بيا
سمياك شوقي والخليل تهيبا
أعذت الوفا لما اتهمت بيانيا
فأعذرت وحدي ليس للشعر حيلة
وأسرف في اللوم العذول تماديا
وكرت عليك الأربعون فهل نوى
خليلك مطران وصان رجائيا؟
وعهدي بشوقي كالخضم تدفقا
فما بال شوقي اليوم أطرق ساهيا؟!
وشوقي الذي يرثي الشموس إذا هوت
فيبعثها بعد المغيب كما هيا •••
أهبت بهذا الشرق دهرا ولو صحا
لهوم من نوم وحمى لياليا
وناديت قوما في حما النيل نوما
فرجع واديه الصدى متناديا
ولو نفخ الصور الملائك فيهم
وحمحم جوف الأرض بالنار راغيا
ولو أرسل الروح الأمين أذانه
فكبر حتى الجن والوحش عاويا
لقالوا: صحونا طال والله نومنا
وكان عميقا ذلك النوم هانيا
عتبت على قومي وفيهم ملالة
ولو شغفوني ما ادخرت عتابيا
عتبت على قومي وحسبي ناصح
ولو شاء قومي بلغوني مراديا
عتبت على قومي وما زلت عاتبا
وعهدي بقومي يؤثرون المحابيا
إذا دوهنوا قالوا: حبيب ملاطف!
وإن جوبهوا ولوا غضابا نواعيا
فلست إذا شئتم حبيبا وإنما
أنا الجاهلي الجلف طبعي حلا ليا •••
تعض عليك اليوم مصر بنانها
وفي الشرق أصداء تجيب النواعيا
وما أنت إلا في الجوانح والحشا
إذا اقتسم الدود العظام البواليا
وإنك ميراث يورثه غدا
بنونا بنيهم والبنون الذراريا
كأني بقوم ألبسوا المجد زينة
فما أحسنوا عند الحساب التقاضيا
فلا يخدعنك المجد ظاهره فقد
يرى المرء في ثوب من المجد عاريا
وأنت الذي لو من مجد لعفته
ولو قال حكم ما استرد العواريا
ألست العصامي الذي انتعل الدما
وما آب إلا من وحا السير حافيا
تروم القوافي وهي جد عصية
فتنظمها عقدا على الدهر باقيا
وتودعها المعنى البعيد ولفظه
إذا رامه المطبوع ألفاه نائيا
وأقرب من حبل الوريد عصيه
إليك إذا ما رمته جاء ساعيا
لآلئ لم تثقب وذلك عيبها
فما تخرج الأصداف إلا عذاريا •••
خلا ذلك الوادي وقد كنت أنسه
وقمريه الشادي فأصبح خاويا
وصوح هذا الروض بعد بشاشة
وأقفر مغنى كان بالأمس حاليا
كأن لم يكن بين المصب ومنبع «غريض» إذا غنى أثار العناديا
كأن لم يكن أنس وحلو دعابة
وما شئت من ظرف يجوب النواديا •••
كأني بهذا الأيك بعدك نائح
وقد كان ما في الأيك من قبل شاديا
لك الله ماذا بعد ستين حجة
شغلت بها جيلا وغنيت واديا
أما لك في الدنيا خصيم فيشتفي
وقد قام من في القطر بعدك ناعيا!
فحسبي من الدنيا إذا جاء غاسلي
ذهابي عنها لا علي ولا ليا
مزامير داوود وأخلاق يوسف
وحكمة لقمان ففيم رثائيا؟
سقاك وإن لم يبرد الغيث غلة
من الرعد حمحام يحث الغواديا
وعهدي بشعري معقبا لي سلوة
فما بال هذا الخطب أعيا المداويا؟
كأني من الرمضاء بالنار لائذ
فإن شئت يا قلبي فزدني تماديا
تساجلت والدهر العناد فراضني
ومن صاول الأيام أدبر صاليا
وما راضني إلا على السهد والأسى
وإن كنت في اللأواء كالطود راسيا
وقائلة: ما بال طرفك واثبا
يشق إلى النجم البعيد الدياجيا؟
ففيم تناجي النجم بالله جاهدا
أأنت لديغ يبتغي النجم راقيا؟
فما هكذا يستطلع الغيب كاهن
ولا هكذا يستعبد النجم صابيا!
هو الركب يا ليلى تتابع قافلا
وخلى غريبا يخرق الليل حاديا
وما اعتسفت بي العير يا ليل صبوة
إلى بدويات سلبن فؤاديا
وأعلاق وجد ما يشب ضرامها
بصدري إلا خلت قلبي حابيا
لي الله ... أما ما مضى فشبيبتي
فماذا إذا خب المطي لياليا
قوارع أيام عقرن شكيمتي
وما زلن بي حتى عرقن عظاميا
وما زال يصمينا الزمان بنبله
ويجلو علينا كل يوم عواديا
ومن عجم الأيام ألقى جرانه
عليها ولو ألقت عليه المراسيا
أنا ذلك الألوى الغشمشم فاعلمي
إذا رشن لي سهما تلقفت ثانيا
دعيني يا ليلى وليلي وأنجمي
فما أنت يا ليلى لهذا ولا ليا!
ولو أن آمالي دنت لي قطوفها
لقلت اغربي إني مللت مقاميا
فقامت وقد أزجى الصباح طليعة
فطار دليلا أورقا كان داجيا
تردد: يا ويلي عليك! وعينها
تعنفني شكرى فقلت: هيا ليا
خذي لي من الطيف الأمان وعجلي
دنا الطيف يا ليلى وما زال ساريا
لحن الموت
نشر بصحيفة الجامعة المصرية في يناير سنة 1933. ***
أيها العراف هل عند النجوم
سر هذا الكون أو عند المنون؟
كاذب علمك ما لم تنبني
حرت والله ولجت بي الظنون
جهل السر أناس قبلنا
وجهلنا فوق جهل الأولين
حملوا العبء وقد ناءت به
أمم من قبل عاد وآمون
ولكم ساءلت نفسي حائرا
حيرة الساري بليل ذي دجون:
ما وجودي؟ ما سبيلي؟ من أنا؟
ما جهادي؟ ما مصيري بعد حين؟ •••
يا بني أمي لقد جد نوى
وغدا يجمعني واد شطون
لا تقولوا: مات في شرخ الصبا
ذلك الحق تجلى واليقين
ليس مني من بكاني فارعووا
لن يرد الدمع محتوم المنون •••
لا تقولوا: ليته عاش! فقد
فارق الأصفاد عصفور سجين
شاقني الخلد كما شاق القطا
سلسبيل في عقاب وقرون
قد يضيق الغاب عن أسد الشرى
ويضيق الوكر عن طير حرون •••
كللوا بالغار فرعي واهتفوا
في جلال الموت بين الهاتفين
واشربوا نخبي في حفل كما
كنتم يوم انتصاري تفعلون
وارقصوا حول سريري واعزفوا
واملئوا الجو بعطر الياسمين
وليقل من شاء ما شاء فحس
بي أن قد عشت مرفوع الجبين
لم يضعضع عزمتي حيف الليا
لي ولم يقعد بها حظ غبين
قبلوني قبلة أخرى ولا
تزعجوا صمتي بترجيع الحنين •••
جمهروا قبري ولا تحتفلوا
لن يعف الدود عن صخر سدين
وانشدوا شعري قياما، هكذا
ينبغي أن ينشد الشعر الرصين
هو وحي نزلت آياته
في قواف نظمها النسج الوضين
هو آلامي وآمالي معا
ونجاتي وصدى روحي الحزين
ولو اني عشت علمت الحما
م وساجلت الكراكي والعيون
رتلوا شعري وغنوا «من أنا؟
ما جهادي ما مصيري بعد حين؟»
وإذا شئتم فطوفوا بالمبا
خر ساعا حول قبري خاشعين
رثاء شوقي
نشرت بجريدة كوكب الشرق في 29 مارس سنة 1933. ***
أسرى بك الهم أم أسرت بك الهمم؟
قلب على نوب الأيام يحتدم
ما زال يحدو بآمالي وتتبعه
حتى تشابهت الأنوار والظلم
في هوجل قذف شجراء واصبة
تلفعت بسراب ماؤها أمم
تجفل الآل فيها ما يلج بها
كما تخف إلى عرزالها الأيم
كأن راكبها عود تميل به
هوجاء نصباء لا تصبو ولا تسم
لما استبان الهدى جادت محاجره
باللؤلؤ الرطب ممزوجا به العنم
ويح ابن جنبي وآمالي ثكلتهما
في سكرة العمر والأيام لي خدم
وما انتفاعي بقلب شاب معظمه
تمضي السنون ولا يخبو له ضرم
لم تبق يا دهر من قلبي ولا كبدي
إلا زواياهما واليوم تصطلم •••
يا ساري البرق وهنا بين أضلعنا
نار مؤججة تخبو وتضطرم
كأنها قبس لاحت برائقه
في الجو يسفر آنا ثم يلتئم
لما خضبت بساط الريح هجت لنا
جرحا وكنت أظن الجرح يلتئم
يا ساري البرق عج بالله متئدا
إلى الأمام جزتك الريح والديم
فقف إليه وبدد بعض وحشته
ولا تروعك في صحرائه الظلم
ويا نسيم الصبا لا زلت مؤتمنا
ما عاود الشعراء الوجد أو وهموا
أقر السلام ولا تبخل بنادية
يعطر القفر منها وابل رذم
ويا حمام لقد هيجت لي طربا
لحني ولحنك شعر آية الألم
نح يا حمام فقد أوريت لي حرقا
نح يا حمام كلانا سادر سدم
جارت علينا الليالي في بلهنية
والعيش في رفه والشمل ملتئم •••
يا كرمة نادمت جبريل واستمعت
لها العيون وولت وجهها الأمم
دعوت دمعي ودمعي لا يطاوعني
ولذت بالصبر حتى كدت أتهم
لو شئت لبيت هاني في حفاوته
وكم دعاني فلبى الروح والحلم
لكن تبعت هوى نفسي موزعة
بين الضلال وبين الهدى تلتطم
ورب دار أوليها مجانبة
قلبي يطوف بها والروح تستلم
إذا دعا الشوق معمودا فخف له
صددت عنها وقلبي مقبل نهم •••
وغارة شنها الفرسان كالحة
وهم مطاعين لا ميل ولا قزم
بيض السرائر في هاماتهم صيد
سود العداوة في عرنينهم شمم
صهب السبال ترى أنيابهم أزما
وفي الضمائر لا ضغن ولا سخم
وأنت شوقي الذي خفت لبيعته
الهند والشام والبطحاء والعجم
نجوت منها بإذن الله وانطفأت
لولا العناية لم تسلم ولا سلموا •••
قالوا: الجديد! فقل: هاتوا جديدكم
هاتوا الجديد لعل الأمر ينحسم!
هذا «قديمي» في المجنون آيته
هاتوا الجديد وإن شئتم فنحتكم
هذا «جديدي» قمبيز وعنترة
وكليوباترا وأنطونيو وإن قدموا
هذا الجديد كتاب ظل صاحبه
لا يستقيم فأين الروح والنسم
هذا الجديد كتاب بعضه صور
لا أكتم الحق بل بالحق أعتصم
لكن أكثره تقليد مجتهد
وما اجتهادك والتوفيق قد يصم
أغاية الفضل والتجديد أن تثبوا
على الفرنج فلا خلق ولا قدم؟!
حرب تشمر عن ساق وتسترها
كما تشكل حرباء وترتسم
لم أدر غايتها ماذا أريد بها
حرب تكيد لها الأوهام لو علموا
دارت رحاها على الحزنين واجتمعت
لها الرجال وفي أفواههم حمم
طورا تميل إليهم أو تميل بهم
طورا وكلا على الحالين تغتنم •••
إني نذير لكم يا قوم فاقتصدوا
هيهات ينقع جرحا أثخن الندم
والنصح دين ودين وهو في عنقي
وفي ضميري وبعض النصح متهم
والحكم بعد إلى الأيام مرجعه
والفصل فيما تهاترتم وما زعموا
أينا تولوا ففي التجديد ناحية
من الجمال وأخرى شحمها ورم
وفي القديم تراث بعضه رمم
وفي القديم تراث بعضه توم
الشعر وحي وإيمان وعاطفة
فإن تجرد فهو النظم والنغم
كم بين من ينسج الأوتار من دمه
ومن يؤلف ألفاظا فتنتظم
وبينكم في شعاب الأرض رابطة
ليست أواصرها قربى ولا رحم •••
من للقوافي يقيم اليوم آبدها
إذا دعته دعاها وانتشى القلم
إذا مثلت لعيني رحت أسألها
طيف تأوبني أم عادني حلم
وإن أويت فما نومي على دغل
يحفه الشوك أو تسعى به الرقم
لو استطعت نظمت اليوم مرثية
تزري بما نظم الأعراب والعجم
ما بعد مجدك ما يصبو له أمل
إن قيل: ما المجد؟ قالوا: ذلك العلم
تحني له هامها الأجيال صاعدة
إلى الخلود وهذا المجد يستنم •••
ومأتم شاءت الأهواء حرمته
مصر تكفر عنه اليوم ما اجترموا «ما كنت أوثر أن يمتد بي زمني»
أواه حتى على الموتى وما احتشموا
يا شاعر النيل والأيام منصفة
فيما تسجل والتاريخ ينتقم
لئن تولوا فقل: حسبي وحسبكم
غد سيحسم ما بيني وبينكم
ما زاد أحمد في مجد تآلفهم
ولا أضر بإبراهيم أن نقموا •••
شوقي وفيت وهذي بعض موجدتي
حبات قلبي إلا أنها كلم
سلى عن الحزن أنا سوف يجمعنا
بعد الفراق معاد بعده أمم
نذير الشيب
في سبتمبر سنة 1942
أهلا وسهلا بالنذي
ر ومرحبا بك يا مشيب
لاحت بعارض مفرقي
نجما يخالطه شحوب
ولئن رضيت وإن كره
ت فأول الغيث الهبوب •••
قالوا: كبرت! وكيف يكب
ر من له قلب طروب؟!
بعض القلوب جلامد
والبعض من شوق يذوب
كيف السلو وفوق سط
ح الأرض رعبوب ربيب
قلبي يجس وهذه
عيني تحث فيستجيب •••
ما العمر إلا ليلة
في ظلها رضي الحبيب
غفل الزمان فجاد عن
سهو بها الزمن الجديب
حرصوا على تفويتها
وجرى بها القدر العجيب •••
فاشرب على ذكر الحبي
ب وإن ترصدك الرقيب
وقل: السلام عليك يا
عهدا دعائمه ذنوب
يزهو بها الرجل الكري
م ورب ذنب لا يعيب •••
أيام أنطقني الهوى
فشدا بلحن العندليب
أيام كنت مع الظبا
ء كبعض من ضم الكثيب
نرمي الشباك وقد تح
اك لنا فنقنط أو نصيب
نلهو بهن كما لهو
ن فأينا الخصم السليب؟
نسقي ونسقى والهوى
كأس تداولها القلوب
نطوي الحديث وفي العيو
ن رسائل عنا تنوب
نعني بهند زينبا
ولغير فاطمة النسيب
ونخص ليلى بالحدي
ث لعل بثنة تستريب •••
درج الشباب ولم يزل
عهدي بأوله قريب
هذا نصيبك من شبا
بك والصبا بئس النصيب!
فاخلع عذارك واستبح
ما لا يريب وما يريب •••
يا قلب لج كما لجج
ت فليس مثلك من ينيب
كم قلت مت ولم تمت
أفأنت قلب أم قلوب
ولئن سلوت فلست قل
بي إن قلبي لا يتوب
أسطول طولون
في 21 ديسمبر سنة 1942
أنقذتمو الشرف الرفيع فناموا
هذا جناه عليكم الإقدام
ودرأتمو العار الذي أزرى بها
إذ قيل عنها: صبرها استسلام
وبعثتموها من جديد أمة
يأبى بنوها العيش وهي تضام
تتزاحمون على المنايا لهفة
حذرا على الأسطول وهو ضرام
والبحر محشود السفين يحوطه
جيش إذا انطلق العدو لهام
تصلونها نارا وتصلون العدى
حمما كأن شواظه أجرام
حتى إذا ضاق الحصار ولم تعد
بين الكتائب ثغرة فترام
صاح الأميرال: انسفوا هيا بوا
رجكم فأسطولي عليه حرام
فنزلتمو البحر الخضم مقابرا
مترشفين الموت وهو زؤام
تتلفتون إلى الشواطئ علها
تنهي السلام إلى الذين أقاموا
والبحر محشود ترامى موجه
نابا وأنتم مضغة وطعام
لو أنصف القدر العتي حواكم
كفن سداه الغار والأعلام •••
يوم كأيام الفتوح جلالة
ومن الفتوح صغائر وعظام
يوم كأسترلتز إلا أنه
أبقى وعند جلالها الأيام
والفضل ليس بما يصاب وربما
ظفر الجبان وأخطأ المقدام •••
صبرا فرنسا لا عليك ولا لهم
ما للسعود ولا النحوس دوام
حكم القضاء جرى عليك وما لهم
نقض ولا لك بعده إبرام
جرح على جرح ولما يندمل
هيهات هذا بعده يلتام
كم مرضع صدع النعي فؤادها!
لم يدر سر بكائها الأيتام
وخطيبة كانت تجهز عرسها
نسجت سواد ثيابها الأيام
لولا التجلد والعدو بمرصد
لأميط عن هلع لهن لثام
ولهمن من جزع وطول تشوف
وأصابهن من الذهول أوام •••
أسطورة لم يروها خبر ولا
نسجت خيال فصولها أحلام
زعموك جيلا صوحت شجراته
داء رميت به وقيل: عقام
والناس ألسنة الحظوظ وشأنهم
كالببغاء وحكمهم أوهام
لو أنصفوا قالوا: كرام زحزحوا
عن ملكهم وأبيحت الآجام
علم الزمان مكانكم وتهيأت
لكم السبيل وثابت الأيام
فامضوا إلى قعساء كل سماوة
لا يثنكم عن دركهن غمام
ذكرى
نشرت بمجلة الرسالة في العدد 498 من السنة الحادية عشرة بتاريخ 18 يناير سنة 1943. ***
يا ليالي طال فيكن سهدي
من مجيري من الليالي ووجدي
قدر صاح بالمنى فتداعت
وقضاء وما له من مرد
أيها الليل يا نجيي وحسبي
أنت يا ليل كم يد لك عندي!
حال طعم الحياة بعد هناء
وشربت الحميم من كل ورد
إيه يا ليل كم كتمت هوانا
يوم كان الزمان طوعي وجندي
فانشر اليوم من زفيري نشيدا
يطرب الدهر بعد طول التحدي •••
كان ما كان لا مرد لعهد
غاله الدهر بعد سعي وكد
كان ما كان كل حلم لصحو
وانتباه وكل سيف لغمد
أيها الحب ليس لي منك إلا
ذكريات تلح في غير قصد
ذكريات أعيش فيها ومنها
ليتها ليتها تلح وتجدي
طائفا كالفراش حول شعاع
محرق يبعث الحياة ويردي
ذكريات تمر حينا وتحلو
بعد حين وأول الخمر يصدي •••
يوم كنا في ميعة العمر نلهو
لهو طفلين جاوزا سن رشد
نتلاقى على صفاء قلوب
لم تدنس على الزمان بحقد
وأناجيك في خشوع وصمت
وبودي لو استجبت بودي
وأناغيك يا حبيبي وتصغي
وأعيد الحديث فيك وأبدي
وعلى وجهك المضيء تباشي
ر كوشي الندى على دوح ورد
ويدي في يديك ترعش حتى
تهدأ النفس بعد لهف وجهد
وذراعي يضم خصرك في عن
ف ورفق ما بين جزر ومد
وعلى صدرك الحنون همومي
غارقات ما بين نحر ونهد
والنسيم العليل يزكي عبيرا
من ثناياك شاع في كل برد
جنة أنت كنت فيها ملاكي
كيف منها جزيت نفسي بطرد؟
أنت رحبت بي مضيفا وضيفا
كيف لم أجزك الوداد بود؟!
يعلم الله ما جحدت ولكن
ذادني عنك طالع جد نكد
ما أنا إلا آدمي وهل آ
ثر قبلي الهبوط آدم جدي
نحن فيها مسيرون وكل
مجبر لا خيار للمرء عندي •••
أيها الغائب المقيم بأرض
شهدت مولد الغرام وسعدي
بالجنين الوليد ينمو ويقوى
في رفيف من الأماني رغد
كل شيء كما عهدت مقيم
وأنا النازح الوفي بعهدي
فالتفت يمنة وأخرى يسارا
واستمع عامدا وفي غير عمد
قطرة في بحر
نشرت بمجلة الرسالة بالعدد رقم 508 من السنة الحادية عشرة في 29 / 3 / 1943. ***
تعاليت يا بحر هذا جلال
ك سر الزمان ولغز الحقب
تصاحب هذا الزمان وتسخ
ر منه وتطويه طي الكتب
تنادم حانك منه القرون
ويمضي الندامى مضاء الحبب
فيا لك قبرا وسعت الزمان
ولاذ الزمان بذيل الهرب •••
ويا بحر كم فيك من آية
تساءلت عنها ولم تستجب
تهم بأمر وترتد عنه
وتطمع فيه ولا تقترب
ففيم اندفاعك كالمستعد
وفيم ارتدادك كالمضطرب؟!
ويا بحر ماذا يراقص موج
ك منك وماذا وراء الحجب؟
تلين وتسكن عند الليان
وطبع الحليم بطيء الغضب
وتشرس حتى تئن الصخور
ويطفو من الرمل ما قد رسب
وتجمع بين النقيضين جمع
ك بين اللآلئ والمخشلب
يشابهك الآدمي الغموض
وتنتسبان بحبل النسب
ولن يسبر الغور منك الرجال
ولن يكشف النفس علم وطب •••
تعاليت يا بحر هذا جمال
ك ثغر الطبيعة وهي الغبب
تعربد نشوان حتى المجون
وتمجن سكران حتى الصخب
تغازلك الشمس عند الغروب
فأنت اللجين وفيك الذهب
وتشرق منك على صفحة
ترقرق بين سناها اللهب
وتضفي عليك أكاليلها
دماء وتنشق منك القضب
ويجمعك الأفق بالنيرات
فأنت السماء وفيك الشهب
يسامرك البدر من شرفة
تبرج فيها ذوات الذنب
فتعكسهن على ضوئه
ويلحظك البدر كالمرتقب •••
دعاني حنين خفي إليك
فلبيت يا بحر لما غلب
ويا بحر جئتك أفضي بنفسي
وأشكو الزمان وماذا جلب
لعل صخورك أنفذ من
قلوب غلاظ صلاد صلب!
وأغرق فيك همومي وأنق
ع يا بحر جرحا ... وثب
ومن شاغب الدهر مثلي فما
له الدهر إن زل يا بحر حب
وغدر الزمان كختل الرجال
ووقع السهام كلسع الرقب •••
حنانيك يا بحر يشكو إليك
غريب تشرد حين اقترب
غريب تشرد في داره
وضاقت به الأرض لما اغترب •••
تعاليت يا بحر هذا الجلال
وهذا الجمال وهذا العجب
وهذا نشيدك لحن الحياة
فغن الحياة ونح وانتحب
إلى روح عمر المختار
سقوط طرابلس في 1 / 2 / 1943
صبر الزمان وأمهل القدر
هذا الجزاء الحق يا عمر
طردوا عليهم خزيهم ومضوا
في موكبين: الذل والخور
قم يا شهيد مؤذنا غردا
نذر الزمان وأوفت النذر
صلي عليك المسلمون ولم
يبخل عليك بحدبه البشر
جزعوا لمصرعك الأليم وما
ذكروك إلا شكت الإبر
من كان في سمع الزمان وفي
خلد السنين فعمره سير •••
ضج المسيح وأحمد معه
لما أطل السافح الدعر
صلبوك حيا كيف ساغ لهم؟!
يا للسماء لمن به ائتمروا!
أعوامك التسعون لو شفعت
خشعت يد الجلاد والبصر
فهويت إلا هامة نصبت
يومين حتى ينشط الخبر
ويرى الذين دعوتهم فسعوا
في الله والأنصار والنفر
لله أنت مهاجرا ولهم
عقباك من تبعوا ومن نصروا! •••
ألقوا بجسمك في المحيط وما
ضنوا على الحيتان أو قتروا
ومضوا برأسك طائرين على
متن الهواء ليقرب السفر
حتى أتوا روما على ظمأ
كالفاتحين بنصرهم سكروا
برئ المسيح من الذين شروا
غضب الإله وبئس ما اتجروا •••
يا أمة هرم الزمان ولم
تصهر معادن أهلها الغير
ذوقوا عذاب صنيعكم وكلوا
طاب الغراس وها هو الثمر
الملك أخلاق الرجال ولا
يبني الحسام إذا هم افتقروا
إن الثلاثين التي انصرمت
لم يغن عنها البغي والبطر
والملك شورى لا بقاء لمن
فرض الأمور كأنه القدر
فيم الحضارة والشعوب دمى
يعدو الرعاة ويتبع البقر •••
ملك تداعى صرحه وهوى
فوق البناة وأطبق الحجر
لولا يقال شماتة لرثى
شعري ولم يقعد بي الحذر
قم يا شهيد المجرمين وصح
فيهم جهارا أينما انتشروا
قم يا شهيد الذابحين وصح
هل من دمي في كأسكم أثر؟
قم في السماء مرتلا فعسى
أن تنفذ الآيات والسور
فيمن تحجر صدره ومشى
في الأرض ينفخ خده الصعر
قم في السماء مرددا معنا:
يا قوم أنى سدتم اعتبروا
الملك لله العزيز فإن
سدتم بأرض سادكم قدر
قصاص
28 / 2 / 1943
أنت ارتضيت فلا تجزع ولا تلم
واجرع حياتك بين الذكر والندم
لا العهد دام ولا السلوان مقتدر
فاحس السراب على بعد ومن أمم
ماض تكفر عنه اليوم معتذرا
مما كفرت به والعذر كالجرم
أين العدالة والميزان مختلف
وكيف يجمع بين الخصم والحكم
عذبت منه ضعيفا في طبيعته
حمل العذاب فلم ترحم ولم تجم
فاسهر عليه لعل النوم يسعفه
وطف حواليه أنى كان واستلم
واحمل عذابين: ما حملته عنتا
هذا البريء وما تلقى من الألم
يا ويلتا لي وويلي من شقاوته
لما رميت رماني الدهر وهي رمي •••
يا صاحبي أعينا مدنفا قلقا
يشقيه ماضيه؛ ماض جد متهم
لا في الكئوس عزائي من جنايته
ولا السلو بميسور لمعتصم •••
أيك رماه البلى لما أبيح له
لو شئت ذدت عن الإلفين والأكم
بقي الأليف بلا إلف ولا سند
ورحت وحدك تنعي غير محتشم
هلا جزيت وفاء بالوفاء وهل
دين المروءة إلا البر بالذمم؟ •••
نم يا حبيبي فما نومي على دغل
إلا كنومك بين الشوك والرقم
واغفر لصاحبك الباغي قساوته
أدناه للبغي ما أدناك للكرم
أين الذراع التي وسدتها حججا
وسنان يقظان أو في صحوة الحلم
هل آلمتك الليالي بعدها وقسا
حتى الوساد على أذنيك واللمم
وا حر قلباه من جفنين في فزع
لا يهدأان على حال من السأم
وأين منك عيون طالما سهرت
عليك في مضجع هان وفي سلم؟
وأين دونك عزم بعضه جلدي
وأين منك سياج بعضه هممي؟
يا أبعد الناس إلا عن مخيلتي
وأقرب الناس إلا من يدي وفمي
نم يا حبيبي فعين الله ساهرة
ترد عنك عوادي الدهر والنقم
نم في حماه كفاك الله كل حمى
إلاه ... حسبك ظل الله من دعم
يا حمام!
ناحت وجاوبها حمام نائح
ووقفت تصغي والفؤاد يطارح
نكأت جريحا كاد يرقأ جرحه
بين الجوانح نام عنه الجارح
هاجت لي الذكرى ولاعج شوقه
أناتها وشجاه شاك بائح
آها وآها يا حمام وليتها
أجدتك آهات عليك نوائح
بيني وبينك يا حمام تجاوب
شعري كبثك والحبيب النازح
ولكم عطفت عليه ثم عطفته
وسقيته فسقاك وهو المانح
يا طالما غنيته لحن الهوى
فحلا له وشرحت ما هو شارح
متنقلين مع الظلال على الربا
وغصونهن أرائك ومراجح
خفض الجناح وليس أول طائر
أصماه سهمك والذبيح الذابح
رشت السهام له وراش جناحه
قدر إذا سنح المسدد بارح
أضحى خلاء فيه أيك شاغر
كم قد صدحت به وإلفك صادح
جمح الهوى فالأيك وكر موحش
والروض مغبر الخميلة كالح
جمح الحبيب وكل ود زائل
وجمحت أنت وكل حب جامح
قصت جناحك يا حمام مقادر
يوم النوى وطحا بلبك طائح
طاحت به الأقدار فاختار النوى
وبقيت أنت وكل بين فادح
أورت هوانا يا حمام ونبهت
منا الشئون وكل جفن سافح
لحني كلحنك آهة موصولة
شعري وإن كتمت وجدي فاضح
رفقا بجنبك أو بجنبي واتئد
ماذا تكابد في الهوى وأكافح؟!
أورت هوانا يا حمام ونبهت
منا الجراح وأنت أنت القادح
ناحت جمادا في الخمائل والربا
فاخضلت الأولى وتلك نوائح
شتان ما بين الجماد وبيننا
ما للجماد ولا لهن جوانح
إلى زينب صدقي
بمناسبة زلة ... عافاها الله ووقاها كل زلة.
1 / 3 / 1943. ***
أوحى إليك جمالها
وسطا عليك دلالها
شقراء من حور الجنا
ن حسبتها وإخالها
يا حسنها بين الحسا
ن يزينها إقبالها
بدر تلألأ بينهن
فقلن: نحن مثالها
لما رأينك قلن: زين
ب عودها وهلالها •••
ينهى ولست بآمر
عذر المليحة خالها
حسن المليحة شائن
ما لم تزنه خلالها
ظرف وحسن بديهة
ما شئت شاء مجالها
وحديثها السحر الحلا
ل وغمزها ووصالها
قلب كبير عامر
هو في الذخائر مالها
حملته في الكف اليمي
ن وأغدقته شمالها •••
تتأوهين وفي فؤا
دي آهة ونبالها
آه له من آهة
بين الضلوع مآلها
يا ليتها قدمي أنا
زلت وضل ضلالها
وجنى عليها طيشها
وتمزقت أوصالها
وسلمت أنت وزال عن
قدم الحبيب كلالها
يا سارة الشرق اسلمي
خلدت وعاش مثالها
عزيزتي زوزو ...
كركور يهديك السلا
م وبلغيه مشمشه
فلها وزوزو دالة
عندي وذكرى منعشة
وإليك مني قبلة
في طيه مستوحشة
أمل
6 / 3 / 1943
هتف البشير ولاح لي أمل
ولكل ليل موحش أجل
لا أنسأ القدر المنى وعسى
أن تصدق الأنباء والرسل!
تب يا زمان ولا عتاب على
ما أسلف الماضي وما يصل
تب يا زمان وما عليك إذا
دق البشائر قلبي الوجل •••
بشرى وكم نذر الزمان وكم
سعفته عند نذيره الغيل
بشرى وكم حنث الزمان وكم
وعد البشير ووعده مطل
لما أفقت وجد لي أمل
أقصرت عنه وجد لي مثل
وكأنني ظمآن لاح له
برق السراب وماؤه ختل •••
بشرت أحلامي وعاودني
وجد على الأيام يشتمل
لما هممت بكبحه وأبى
إلا جماحا ضاقت الحيل
فوسعت آمالي وضاق بنا
لما حرمت السهل والجبل
وظفرت من أمل به فإذا
صوتي كرجع صداه يبتهل •••
يا من وفيت ووده المثل
أنت الأمين وودي الغزل
أيقظت من سنة الفؤاد هوى
وصحا ضمير نومه ثمل
بي منك فوق صبابتي ندم
وعذابي التبريح والعذل
فاصفح وصفحك منة ورضا
ورضاك منه البرد والعلل •••
لا كانت البشرى إذا احتضرت
معها الأماني وهي تحتفل
عصف الزمان بيانع نضر
منها فهلا رده الخجل
ما زالت الآمال هاتفة
وكم استجبت وردني الملل
بين التمني والمنى شرك
ومع التمني يقرب الأمل
طيف
18 / 3 / 1943
خيال سرى بين الجفون وخاطري
أثار شجوني واستدر دموعي
ألم فلم يخلف معادا وما مضى
من الليل لما آب غير هزيع
وعاد فلم تغمض جفوني بليلة
تنبه فيها القلب بعد خشوع
أسر إلي قلبي حديثا مروعا
فيا ليت قلبي كان غير سميع!
فيا طيف من أهوى تمهل إذا أتى
بك الليل لا يفزع نواك هجوعي
فما كان من أهوى بخيلا بذاته
ولا كنت أيام الهوى بقنوع
وقد زادني النأي الملح صبابة
فطار فؤادي واستبد نزوعي
ويا طيف لا تبرح مكانك أو ترى
بقايا دموعي وهي ذوب نجيعي
وقد تنضب العينان بعد ترسل
وللقلب فيض من جوى وولوع •••
زمان تولى هل يعود صفاؤه؟
وكيف وهل للعمر غير ربيع؟
زمان لو ارتد الزمان لبعضه
لقاضيت عمري ساعة بجميع
ألا في ضمان الله من حيل بينه
وبيني ومثواه الغريب ضلوعي
وكان جناحي هاضه الدهر عامدا
فعدت قعيدا أو شبيه صريع
وكان لعيني في فم الدهر بسمة
كومضة برق في السماء لموع
إذا أسدلت سود الليالي نقابها
وأظلم ما حولي اهتدت لطلوع
وكان شبابي فاتني يوم فاتني
ولو عاد أغرته المنى برجوع
حبيبي وبي منك الذي لو علمته
نسيت ذنوبي واغتفرت صنيعي
ضناي ومن أفديه في كل غمرة
ومن كل داء عارم ووجيع
أيضنيك بعدي أنك اليوم واحد؟
فيا ليت ما ألقاه فيك شفيعي!
ويا ليتني أطوي الحياة مراحلا
قصارا وأخطوهن خطو سريع!
إلى مرفأ ألقاك عند بلوغه
وقد آذنت شمس المنى بسطوع
فرح أول أبريل
1 / 4 / 1943
عاود الصب هواه
وتجنت مقلتاه
وأدار الوهم خمرا
داعبتها شفتاه
عزف السمار عنها
وتجافى صاحباه
وصحا منها ولما
تلمس الكأس يداه
وهو في ليلة عرس
أشعل الشمع ففاض الش
مع دمعا ورثاه
وجنى الزهر ففاضت
روحه قبل شذاه
عجب الناس وقالوا
أين منه ما اشتهاه؟
أمزاح أم خيال
أم جنون ما اعتراه؟
أي وهم أي حدس؟!
غاب في ليل الزفاف
من تمنى أن يراه
وأجال الطرف في الحف
ل فلم يلف سواه
وطوى الأقداح إلا
قدحا فيها عزاه
هم بالكأس فزلت
عندما أطبق فاه
ومضت ليلة أمس
وتر في سكرة اللح
ن تداعى طرفاه
أن في كف المغني
عوده الشاكي هواه
ود لو ينطق همسا
ضارعا حين احتواه
وانحنى يبكي عليه
ثاكلا فيه رجاه
آه لو جاد بهمس
زف في الفرحة حلما
ومع الفجر طواه
وشدا الشاعر لحنا
رجع الليل صداه
فرحة عادت نواحا
منيت فيها مناه
وجنين سكبته الرو
ح في الميلاد آه!
كيف يا قلب التأسي؟!
سبح القلب
في أكتوبر سنة 1943
سبح القلب فصل أو لا تصلني
أنا في الحالين ملآن اليدين
أنت بعضي لم يزل بعضي مني
إن تغب عني فبعضي عنك يغني
يا نديمي خذ وهات
من قديم الذكريات
هذه الذكرى تواتي
وهي عنوان الحياة •••
أين صدر حمل الأحزان عني؟
أين صوت لم يزل يملأ أذني؟
يا حبيبي بح صوتي فأجبني
يا حبيبي أين أنت اليوم مني؟
أين من عيني وجهك؟
أين من سمعي صوتك؟
أين من رأسي صدرك؟
أين من ثغري خمرك؟ •••
بسمة في العمر إن لاحت لعيني
أسف الدهر عليها بعد ضن
صحت ويحي ذلك الماء فزدني
قال: خذ إن شئت منه رشفتين
واجتمعنا وافترقنا
ورشفنا فاحترقنا
ليت من جاد ومنا
حبس النهلة عنا! •••
نحن جسمان وروح فافتقدني
يا حبيبي أينما شئت تجدني
عرشك الخالد في جنبي ولحني
حول محرابك يبكي ويغني
قلبان ...
قلبان كم جمحا في الحب واجترحا
كل جريح وكل منهما جرحا
قالت: أتذكر أياما لنا سلفت
قبل الشباب وعيشا كان قد سمحا
ثم افترقنا ولم تينع بواكره
حتى اغتربت فلم تنعم بما سنحا؟
ماذا لقيت من الدنيا؟ وهل ضحكت
لك الحياة وعادت بعدنا مرحا ؟
وهل نعمت بوصل الغانيات وهل
شغلت عنا بأخرى حسنها رجحا؟
أو اكتويت بشوق ناره استعرت
على الجوانح والقلب الذي جنحا؟
قلت: اسأليني فدمعي شاهد وكفى
إن كنت سالية فالشوق ما برحا
وما ذكرتك في فجر ولا سحر
إلا شرقت بدمع فاض فانكبحا
وما شربت على صفو ولا كدر
إلا أفقت وعفت الخمر والقدحا
وصوتك الحلو كم غنى وأطربني
قبل الشباب وكم أوحى وكم شرحا!
وكم تردد في سمعي وذكرني
به كناري إذا غنى وإن صدحا!
وارحمتاه لقلب شاب معظمه
وسال دمعا فلم يردعه ما سفحا!
ملكت روحي وحسي فافتقدتهما
كمن تشرد أنى حل أو نزحا
وضاع عمري فردي بعض ما ملكت
يداك! قالت: رددنا بعض ما سنحا
زهرة الحظ
ليت الغمامة تنجلي
ويزورها حظ وليد
ما الحظ إلا زهرة
ذبلت وتينع من جديد
والعمر فرد فانعمي
يا نفس واسعي للمزيد
والعمر شبه سحابة
تسري وتغرب في هجود
تحت راية الوفد
في نوفمبر 1943
دعوت فلبى إذ أهبت به الوفد
وما زال حيا في خليفته سعد
وها نحن كالبنيان حول رحابه
نجدد عهدا كلما جدد العهد
فيا مصر هذا الركب ما زال ماضيا
ويا سعد هذا الركب يحدو به السعد
سلي سيشلا يا مصر عنا وطارقا
وهل نال منا فيهما الأسر والقيد
وردنا المنايا ظامئين ولم نزل
نروي غليلا لا يزول له صهد
نراودها حينا فترخي قيادها
إلينا وتنأى تارة ثم ترتد
نجاذبها حتى تلين وننثني
نشاوى براح ما نروح وما نغدو
فإما حياة حرة وكريمة
وإلا فكأس ليس من خمرها بد •••
بني مصر هذا العيد وافى بشيره
سواجعه في كل ناحية تشدو
إذا انطلقت شادت بآمال أمة
يهيب بها ماض ويحفزها بعد
حبيبسة مجرى الصوت في لهواتها
نشيج وبعض الكبت يفضحه الجهد
تعاودها الذكرى فتطلقها المنى
وتغلبها الذكرى فيعقلها الوجد
سلام على من مات منا مجاهدا
له الخلد في الأولى وأخرى هي الخلد
سلام على من أسلم الروح مسلما
إلى مصر وجها لا يحول ولا يعدو
سلام على سينوت يوم ذراعه
يجود بها ليث براثنه الرفد
سلام على سينوت برا بوعده
وألف سلام يوم غيبه اللحد •••
مضى ربع قرن هل أتاك حديثنا
وكيف وثبنا إذ أهاب بنا سعد؟
أغار على دار الحماية حاسرا
فلا الخيل أزجاها ولا انتظم الحشد
وخف إلى باريس يقرع بابها
فلم يثنه طول التأبي ولا الصد
وأملى على التاريخ والغيب منصت
وسجل ما أملى براحته المجد
تجاوب أرجاء الفضاء زئيره
فهوم جيران وطال بهم سهد
ففي الشام سلطان الدروز مناهض
وفي الريف ثوار وقد عصت الهند
ألسنا جميعا أمة وحضارة
تفرقنا أرض ويجمعنا عهد؟
إذا أن شامي تنبه هاجع
بمصر وفي بغداد والتفتت نجد
غفونا جميعا وانتبهنا فجاءة
كأنا على وعد وقد أنجز الوعد •••
مضى ربع قرن مذ رفعنا لواءها
وقوفا حواليها وكل يد بند
تسيل بأقدام الوقوف دماؤهم
وينبت منها المسك والطيب والرند
نهضنا غضابا كل خود لبوءة
وكل غلام أو فتى ضيغم ورد
نهضنا غضابا وابتدرنا نساءنا
فقلن: علينا النصف إن عظم الجهد
تحملن عنا ما ينوء بحمله
أخو غمرات قلبه الحجر الصلد
حسرن نقابا وارتدين شكيمة
هي الدرع إما عزنا السهم والبرد
فيا ابنة هذا الغيل كيف خضبتها
أهذا دم قان بكفك أم ورد؟!
ويا ابنة هذا النيل إن لنا يدا
وأيدي بنات النيل يخطئها العد •••
مضى ربع قرن مذ رفعنا لواءها
وكنا جميعا قبل أن يسفر الجد
ولبى قضاء الله سعد ولم يزل
إلى النصر شوط دونه الغور والنجد
وهلل حساد الزعيم وآذنوا
بحرب تلظى تحت حافرها وقد
فلا مصر هانت يوم راشوا سهامهم
فكان لها في نحر مرسلها رد
ولا نحن خلينا الطريق لعصبة
تسلل كالثعبان والليل مسود
وحمل أعباء الزعامة مصطفى
وقلنا: على اسم الله يصحبه الجد
أليس الأمين الطاهر اليد والهوى
كبا الزند فليثقب براحته الزند
تعاقب فيه المرجفون بإفكهم
وكم سمهجوا عهدا وكم نقض العهد
تعاقب منهم كل وعل وناطح
وما زال أرسى من قواعده الطود •••
لحا الله قوما مصر منهم بريئة
على الرغم منها في بنوتها عدوا
أساءوا فهانوا إذ أساءوا وأحسنوا
فماضيهم عفو وحاضرهم عمد
وكانوا جنودا يهتدون بوحيها
فكيف استباح القدس والحرم الجند؟
عزيز علينا أن يقال: مواطن
تخلف مهما هان في رزئه الفقد
وما كل سجاع وإن رق سجعه
وأبدى لك الود الخليل الذي يبدو
يلج به حقد ويبدي سماحة
وفي قلبه سم وفي فمه شهد •••
ومنهم دعي يزعم الشعب قاصرا
وآخر يزهو بالأصول ويعتد
بيوت وأنساب وجاه ومحتد
وعلم وألقاب، وأنى لي السرد؟!
ونحن رعاع محدثون وأمة
يسود بها فدم ومعظمها وغد
لقد هانت الدنيا إذا جاز ما ادعوا
لعمرك ما فيهم وإن جمعوا فرد •••
ضفادع ... إما أقبل الليل نقنقت
يضيق بها الوادي ويتسع الوهد
إذا أسفر الصبح المبين تحولت
كعباد شمس واستجد لها جلد
يسرون ما لا يعلنون فإن خلوا
بأنفسهم مانوا وعاودهم جحد
يقولون: آمنا ويهزأ قلبهم
ولو آمن الشيطان دونهم ارتدوا
فلا تأخذنكم فيهم اليوم رحمة
فبعض التقى ضعف ومعظمه إد
يطيب لغيري أن يرى غير مذهبي
ومذهبه التقوى وسنته القصد
وذلك ديني ما حييت ومذهبي
ورأيي وبعض الرأي يدعمه النقد
فمن شاء فليعتب ولست بعاتب
كلانا له رأي ورأيي هو الحد
إذا عق مهد الأولين بنوهم
فيا رب لا ترحم ولا رحم المهد •••
أفي كل يوم يثخنون جراحها
ويطمعهم عفو ويعطفكم ود؟!
أكل ابن عم وابن خال وضيزن
ورابعهم حزب إذا كمل العد؟!
فحزب بلا رأس وحزب رئيسه
هو العضو والأنصار والنفر العد •••
عجبت لهيئات على غير مذهب
يؤلفها ناد ويجمعها نرد!
ولكننا في مصر والناس في غنى
عن الجد إلا أن هزلهم الجد
شفى النفس منهم ما أراه وأنهم
خصوم وأعداء لأنفسهم لد
أراهم فلولا بين حزب وكتلة
يفرقهم سعي ويجمعهم حقد
وما مصر إلا الوفد والوفد آية
تدل عليها والدليل هو الند
وليس يعيب الشمس أنك ناظر
بعين ترى ما تبصر الأعين الرمد
إذا حال طعم الماء في ذوق شارب
فكيف يعاب النبع إن عذب الورد؟! •••
بني مصر! هذا الحق أبلج واضح
وهذا صراط يستوي عنده القصد
إذا شئتم الشورى فذلك حكمها
وإن شئتم الفوضى فليس لها حد
تولى زمان الحاكمين بأمرهم
ولم يبق في الدنيا مسود ولا عبد
تولى زمان الفرد لا عاد عهده
وبدل بالدستور سلطانه الفرد
يعز به العرش المنيع ويزدهي
به التاج والسلطات حولهما عقد
لكل مداه لا اعتداء لسلطة
على غيرها هذا هو الشرط والعهد
ألم تقسموا أمس اليمين لعهده؟
لقد أفلح الموعود إن صدق الوعد
على مذبح الدستور من شهدائكم
عبير دماء فاح من عطرها الند
وفي هيكل الدستور تامور أمة
يكاد من الإشفاق والذعر ينقد •••
إليك زعيم النيل ألقت قيادها
فمن شاء فليتبع ورائده الرشد
ومن شاء فليجنح وشيطانه معا
إلى حيث ألقت لا سلام ولا رد
وهبت لها قلبا حديدا مغامرا
تفيء إليه الحادثات فيشتد
وعزما براه الله كالسيف ماضيا
يزيد مضاء كلما شفه الطرد
إذا عجمته الحادثات بناجذ
تقلقل فيها الناب واستله الغمد
مدحتك لم أمدح سواك وقد خلا
من المدح شعري زاهدا وله الحمد
فإن قيل: مداح! فمادح أمتي
لأنت لها رمز يعز به الوفد
أمنا بك الأحداث وهي ملمة
فكيف أمنا وهي آمنة بعد؟
أمنا وآمنا وأمرك طاعة
يلبيك منا الروح والعزم والجهد
عقدنا بك الآمال فاسر بأمة
سواء عليها في السرى القرب والبعد
مناجاة طفل
نشرت بمجلة الثقافة العدد 265 بتاريخ 25 / 1 / 44. ***
أيها الطفل توسد مضجعك
سبح الكون لرب أبدعك
أطلع البدر فناغى مخدعك
يا أخا البدر إله أطلعك
لا يرعك الليل فالله معك
لا يرعك الليل يا طفل ولا
شبح الجن ولا وحش الفلا
واحذر الإنسان مهما أقبلا
إنما أخشى رياء وطلا
فتفرس فيه واعلم موقعك
وإذا رابك أمر فادخر
لغد رأيك فالرأي الحذر
واستشر نفسك أو لا تستشر
قبل أن تأخذ فيه أو تذر
كم تمنى ناصح أن يخدعك
وتكبر كعزيز مقتدر
إن تحدك قوى ذو خطر
وتواضع لصغير مفتقر
ليس يغريه التداني بالبطر
وتجاهل عارفا من صانعك
وضع المعروف في وضع الندى
وانس ما أخفيت منه أو بدا
أنت أحسنت فماذا لو عدا
لا تؤمل منه خيرا أو يدا
ضيع الخير خئون ضيعك
وارحم المجنون لا تهزأ به
وترفق مشفقا من خطبه
أفتدري أنت ما في قلبه؟
إن في عينيه ما في لبه
لو أزيح الستر عنه روعك
وسل المجرم ماذا اجترحا؟
أي شيطان به قد جمحا؟
واعف عمن جار ثم انتصحا
رب جان تاب ثم انصلحا
زحزح الغشية حتى يسمعك
لا تفرق بين دين ووطن
ليس لله حدود وزمن
ضل فيمن ضل عباد الوثن
وأرى الناس عبيدا للسنن
فتجرد وتعرف مرجعك
كلنا نسل لأم ولأب
لا تفرق بين جنس ونسب
أمنا الأرض ومهما نغترب
نحن منها وإليها المنقلب
يسترد الله ما قد أودعك
إنما الدين ضمير شاعر
ليس يخلو منه إلا سادر
والضمير الحي قلب عامر
وحيه الصادق أمر قاهر
فتحرر وتخير مشرعك
وابتسم للدهر وافرح للمحن
ميت الأحياء من لم يمتحن
وإذا نالك سهم فاستهن
وتلقف ثانيا لا تستكن
لا تقل: أواه! مهما أوجعك
واقتحم دنياك في عزم الأسد
إنما المجد كفاح وجلد
عاند الدهر إذا الدهر عند
وابلغ الشوط وإن طال الأمد
لا يرعك الليل فالله معك
أيها الشاعر
نشرت بمجلة الثقافة في العدد 268 بتاريخ 15 / 2 / 44. ***
أيها الشاعر الحزين عزاء
سرك الدهر بالمنى أم أساء
كم أضأت السبيل للعابر الحا
ئر والضال فاهتدى واستضاء
تلمح النفس أختها فيك حتى
تتجلى خلالها بيضاء
أنت كالنبع في صفاء ليال
زانها البدر فاستزادت رواء
أنت روح والروح من أمر ربي
لم يزح عنكما الزمان غشاء •••
أنت في هامش الحياة كظل
حال إذ لاح ثم عاد وفاء
أنت معنى من المعاني غريب
يعجز اللفظ عنده استعصاء
أنت طير على الأراك ولحن
في فم الدهر حير الأحياء
أنت كالنحل ترشف الورد شهدا
سائغا ثم لا تريد جزاء
أنت كالحلم في جفون العذارى
إن دعاك النسيب والوحي جاء
أنت كالبحر تنثر الدر شعرا
والحصى حشوا والرمال هراء •••
يهمس الناس كلما لحت همسا
ويناجيك من تراهم نجاء
شاعر شارد يهيم ضلالا
يشرب الخمر صبحه والمساء
والعيون التي تناجيك أقسى
من لسان ينال منك افتراء
لست منهم وليس فيهم صديق
كلهم حاقد ومبد رياء
مشفق منك من تظن صديقا
لا عليك الذي يريك وفاء
لست منهم فاربأ بنفسك عنهم
إن في الأرض مهربا ونجاء
لست منهم فلا تصدق كذوبا
يدعي الود أو يفيض ثناء
لا تصدق فلو رأوك رفاتا
لاستساغوا العظام تشوى شواء •••
يعرف الناس عنك شيئا وتخفي
غير ما أنت معلن أشياء
لست تشكو لغير شعرك ما تل
قى فتذكي شكاتك البرحاء
شاردا في السماء حينا وحينا
تذرع الأرض أو تقيس الفضاء
تمزج الشعر والدموع مزيجا
لا تراه العيون إلا ارتياء
والنجيع الذي تصب القوافي
فيه كالخمر يستثير الغناء •••
أنت في الناس صالح في ثمود
فادع ما شئت ... لن يجيبوا دعاء
وإذا جئت بالدليل مبينا
أعرضوا عنك مدعين غباء
مت وحيدا كما حييت وحيدا
واجرع الكأس مرة كدراء
أيها الشاعر الذي ليس يرضى
كيف بالله قد رضيت الثواء؟!
قد حملت الحياة عبئا ثقيلا
فاهدأ اليوم واطرح الأعباء
أيها الشاعر الحزين عزاء
ذهب العمر والنشيد هباء
أذان الفجر
نشرت بمجلة الرسالة. العدد 567 بتاريخ 15 / 5 / 1944. ***
الله أكبر هذا الذكر توحيد
الله أكبر هذا اللحن تجويد
ترنم الكون في رفق وفي دعة
وسبح الطير والتسبيح تغريد
وأرهف الليل أذنا جد صاغية
والبدر معتكف والأفق مخضود
وكاد يطرق ما في الكون من حجر
فللجماد كما للحي تهجيد
بلال أذن في أعلى منابره
وردد الذكر والمزمار داود
لله صوت سرى والليل منهزم
كما تراجع بعد العزم رعديد!
تطير كالعهن أشتاتا غياهبه
كما تناثر بركان وجلمود
ويزحف الصبح في أعقاب جحفله
فينجلي ولواء النور معقود
لله صوت سرى وهنا على وهن
حتى تجاوب بعد الكبت محدود
بينا يجلجل في الآفاق منطلقا
يرده الذكر فالممدود مشدود
الله أكبر يا نوام فانتبهوا
جد المعاد ولم تنجز مواعيد
إن تنجزوه فتفكير ومعذرة
أو تنسئوه فكفران وتجديد
هذا المؤذن يسري صوته نغما
لحن رهيب له في الصدر ترديد
يطهر النفس من أدران عالمها
فالنفس صاعدة واللحن تصعيد
كأن تعويذة في الجو عابرة
تمسها فإذا بالإثم مردود
لحن حبيب يجوب الكون مخترقا
مع الأثير حدودا دونها البيد
لحن شجي يجوب الليل هاتفه
وأين منه إذا أسرى الأغاريد؟
وأين منه لحون الطير ذكرها
وكر الحبيب بأن الإلف مفقود؟
وأين منه المثاني في تلهفها
تبوح بالشوق أو يفضي به العود؟
الله أكبر مات الليل وانبلجت
أشعة الصبح ... هذا الفجر مولود
قلب عجوز
في 6 / 7 / 1944
ماتت حواسك بعد الحس والشعر
ما بال قلبك ينزو نزوة الغر؟!
يضج كالطفل مأخوذا بدميته
إذا تلفت مسحورا بلا سحر
وما تأود غصن من نضارته
إلا أكب على الأشواك والزهر
أكلما شام برقا ظنه قبسا
وإن توهج لون لاح كالتبر؟ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ينام يقظان لا تخبو مراجله
ولا يحول إلى فحم من الجمر
كأنه الحية النضناض تحسبها
من السكون جمادا وهي في الجحر
تنساب رقطاء إن هاجت طبيعتها
وتحتمي بشقوق الكهف في القر
فاعجب لقلب كثعبان بلا خلق
يا ليت قلبك هذا قد من صخر
رانت على عينك السكرى غشاوتها
وقل من حدة الإبصار ما تذري
فلا الجنان كما كانت خمائلها
ولا الجداول في أنحائها تجري
ولا الندي ولا السمار في سمر
ولا المدامة في إبريقها تغري
ووقع البلبل الغريد أغنية
وردد اللحن ما في الأيك من طير
فأنكرت أذناك اليوم سجعته
وكم طربت لها في سالف العصر!
ليس الجميل جميلا أو تعد له
من فيض نفسك نبعا صافي الغور
إذا عشوت فنور البدر منحرف
والشمس حائلة كالشمس في الظهر
يا خافقا كذبيح الطير من ألم
نكأت جنبي وجاف الجرح في صدري
غدرت يا قلب في صحو وفي ثمل
وما تبرمت حتى خانني صبري
أما الشباب فقد ولى على عجل
ولا إياب فرفقا بالذي تفري
ولى الربيع؛ ربيع العمر واختلفت
فصول دهرك فاهدأ باقي العمر
أيا جارة السين
نشرت بجريدة الأهرام عدد 21422 ص3 بتاريخ 25 / 8 / 1944.
تلقى الشاعر دروسه في باريس ونال شهاداته العالية في الآداب والحقوق من جامعتها الكبرى، وكان لا يزال في العاصمة الفرنسية يوم دخلها الجيش الألماني منذ أربع سنوات، وهذا ما وصفه في هذه القصيدة الرائعة. ***
هوى النسر وارتدت إليه مخالبه
وضاقت به الأجواء إذ هيض جانبه
ترنح مطوي الجناحين قابضا
من الذعر أنفاسا دراكا تجاذبه
تأمل! فهذا النضو أشلاء كاسر
تحدى بساط الريح والسحب واثبه
رأى «الرين» أدنى من مسارح طرفه
وأيسر مما تشتهيه رغائبه
فخف إلى «السين» القريب كدأبه
وهيهات أن تقضى بري مآربه
وطار إلى «المانش» البعيد مخلفا
على «التبر» أجنادا وحلفا يراقبه
وود لو اجتاح الشمال مجازفا
إلى القطب أو يعنو الشمال وصاحبه
وأوغل في روسيا وروع دبها
فما راعه إلا هزبر يغالبه
وطوف حتى شارف النيل لاهثا
ولولا عيون الله حلت مصائبه
ولو عب أمواه المجرة ما ارتوى
وأنى له الإشباع والداء كالبه؟!
أدل على السامي بجنس وسحنة
ولم ير في الآري جنسا يقاربه
ولم أر كالنسر اعتزازا بجنسه
وإن كنت لا أدري لماذا أعاتبه؟!
فخرنا بميراث وفضل حضارة
وباهى بجيش لا تفل قواضبه
فيا ليت شعري! كيف بات مجندلا
وكيف أصابت مقلتيه مضاربه؟
وسبحان من لو شاء راش جناحه
ولو شاء جاب الشرق والغرب جائبه
وسبحان من أملى وأرداه عاثرا
ولو شاء ما أعيت عليه مذاهبه •••
وقائع أيام شهدت صروفها
نزيلا بغاب قد تجاسر غاصبه
أباحت له الأقدار يوما عرينه
بليل أهيم أبطأته ثواقبه
فإن أنس لن أنسى حياتي جحفلا
تهجم كالمحموم والجوع كاربه
رأيت بعيني ما يكذب خاطري
كأني أرى وحشا تدلت غباغبه
فلم يبق في باريس إلا مشتت
يبيت على الغبراء والليل ناكبه
ولم يبق إلا جائع جف حلقه
وآخر تبدو من نحول ترائبه
أرامل يرصدن السماء على الطوى
ويرعشن في ليل توالت سحائبه
إذا هن أرضعن الوليد تحلبت
من الثدي أمشاج وبات يداعبه
عصارة جسم شفه الجوع والضنى
وسؤر ومما قد يلين حلائبه
وما راعني إلا نحيب يتيمة
تصيح: أبي! ويلاه والدم خاضبه
يمد إليها ساعدين تعودا
حمايتها والجرح ينزف ساكبه
عشية طافوا فيلقا بعد فيلق
بساحة قوس النصر والذل ضاربه
ورف على قوس الشهيد صليبهم
يشير إلى نصر ... وهذي كتائبه
وضج شهيد في ثراه مغيب
ومادت بقبر الأنفليد جوانبه
كأني بنابليون يصعق سمعه
زئير شهيد والشهيد معاتبه
هو الفاتح الغازي وشعبك حاشد
يزمجر من غيظ ويغضي محاربه
فلله يوم جل عن وصف ناظر
وقصر شعري والبيان وطالبه
وبشراك يا باريس بشرى مهنئ
يشاطرك الأفراح والشوق غالبه
يزف عذارى الشعر ما دف موكب
بعرس وما حنت إليك ركائبه
أهنيك والجار الشقيق مصافح
ورب غريم عاد خلا وصاحبه
عتبت وجاري منك أولى بشفعة
ومن عاتب المحبوب راح يغاضبه •••
أيا جارة السين ادكرت شبيبتي
وشبه لي أمس فجئت أخاطبه
وأيكا نعمنا حول وارف ظله
زمانا ولا عين هناك تشاغبه
ويوم تلاقينا على غير موعد
ببولون في ليل تهاوى كواكبه
ومنا نشاوى من رحيق مراشف
يناوبني كأسا وكأسا أناوبه
فيا أيها الطيف الحبيب ألا اتئد
مكانك لا تبرح فإني مجاوبه
أعندك أن الشوق جاوز حده
فعاد جحيما لا تطاق نوائبه؟
حنانك لا تبرح مكانك واتئد
فعندك قلبي والشباب وسالبه
أعيدك يا باريس أم عيد عالم
يلوح له فجر تلوح عواقبه
ذكرنا بهذا النور فجرا مماثلا
تبلج في كون تموج غياهبه
ذكرنا به الباستيل يوم حطمته
فدك من الظلم الأساس وناصبه
وكنت منارا للشعوب وهاديا
أمينا تجوب العالمين جوائبه
فكيف أديل الملك وانهار ركنه
وناحت على الصرح الأشم نوادبه
سلي «الدوتش» عن روما وأطراف ملكها
وهل قضيت «للدوتش» فيك مطالبه
قصاص من الأقدار حل بغادر
وبئس مصير ذل بالغدر كاسبه
أعيدك هذا أم بشير وفرحة
وفجر على الدنيا تطل مواكبه؟
بعد هدوء العاصفة
تعقيب على حوادث لبنان.
نشرت بجريدة الأهرام عدد 21192 بتاريخ 28 / 11 / 1943. ***
كفرت عن شعري ولمت يراعي
وندمت بعد تطوعي ودفاعي
هتكت حجاب ريائها إذ كشرت
عن نابها وبدت بغير قناع
بالأمس أطلقت اليراع محاميا
مستلهما وحي الهوى والداعي
لبيت قلبي في هواها طائعا
واليوم أطرق في أسى الملتاع
ينتابني فيها الوفاء ونزعة
ويصدني عنها الهوى ونزاعي
سبقت إليها في الفجيعة أنني
لحن حزين الجرس والإيقاع
كللتها بالغار وهي جريحة
والناس بين معير أو ناع
وزجرت فيها الشامتين تعففا
عن جيفة في حلبة وصراع
وعكست من شعري عليها هالة «طولون» مصدر نورها وشعاعي
عي الدفاع فليت من أدلى به
قد عي قبل الدفع والإقناع! •••
قل للباة استأسدت في مأمن:
هلا زأرت على عرين سباع
قل للعجوز يسومها جلادها
خسف العذاب وذلة المنصاع:
هلا انتفضت من القيود كريمة
أفتؤثرين مرارة الأوجاع؟!
أخلفت ظني والظنون تعلة
لمتيم ومطية للكاع
فاستغفري مما جناه «ممثل»
وتنكري في مظهر المرتاع
لا زلت أوليك النصيحة صادقا
فإذا أذنت تعطفي بسماع •••
لبنان يا جار الدروز وغابهم
وعرين كل مظفر مناع
عاثت ذئاب في الشرى وتنمرت
ما بين عاطشة وبين جياع
فاربأ بحلمك أو يؤول مجتر
وابطش بها في السفح أو في القاع
إن التي زعمت حقوقك منحة
سلبتك هذا الحق بعد خداع
ردته راغمة ولولا غضبة
مضرية ما ارتد بعد ضياع
فليعتبر من لا يزال «محايدا»
وليفقه الدرس اللبيب الواعي
الحق يؤخذ ليس يمنح منة
من منعم متفضل بمتاع
والحق يؤخذ عنوة أو يشترى
حتى تعادل صفقة المبتاع
إلى الأديب «محمد العلائي»
نشرت بالرسالة عدد 551 بتاريخ 24 / 1 / 1944، ذكرى أول لقاء على صفحات الرسالة، وقد نشرت له قصيدته «على ضفاف الجحيم» في العدد 549 صفحة 36. ***
أثرت كامن أشجاني وآلامي
وضج جنبي على «خفاقه» الدامي
يا أيها الشاعر المحروم لا سغبا
كما تقول ولكن روحك الظامي
إن «عربد الشك»، والتعبير مبتكر
في ساعة اليأس عربد بعض أنغام
في نور قلبك من شمس الضحى عوض
فاقبس من النور أو أشرق بإلهام
إن «الحقيقة» ظل حائل أبدا
يحوم والناس في ماخور آثام
دون الحقيقة سد هائل عرم
من التقاليد محفوف بأوهام
وما الحقيقة إلا ما يزوره
خيال متجر أو عجز أقزام
غرائز الناس تأباها مجردة
ويدعم الزور منهم كل هدام «خلا المصلى» ولا محراب تنظره
وعسعس الليل في بيداء أحلام
وطفت بالمعبد المحزون تسأله:
أين المسيح وأين المبدأ السامي؟
وتمتم الكاهن الدجال أغنية
وأطفأ الشمع إلا حول أصنام
كفرت بالإثم واجتاحتك عاصفة
في لجة الشك حول الساحل الطامي
وهمت في الأرض «مخدور المنى شرقا»
تقول: «يا وحدتي» في ليل إحرامي
أخي إن لم تصلنا بعد رابطة
من الوداد ولم نوصل بأرحام
عظمت شعرك عذبا في فحولته
قبل الأوان فلم يخطئك إعظامي
ورق قلبي وراق اللحن في أذني
أنا العنيد كما يحتج لوامي
يصيب سمعي وقر من مباذلهم
إذ يقحمون ركيكا شر إقحام
كذلك الشعر فاصدح في خميلته
أعوذ بالشعر من أنغام نظام
عصرت من كرمة الحرمان خمرته
ففاحت الكأس في «جوي وأنسامي»
وفي البواكير طعم لا يلذ به
إلا عليم بطعم الخمر والجام
نزحت دمعي فليت الدمع يشفع لي
وليت نفسك ترضى بعد إحجام!
ميت بين الأحياء
نشرت بمجلة الرسالة عدد 569 بتاريخ 29 / 5 / 1944. ***
أنا حي غير أني لست حيا
إنما أطوي بقايا العمر طيا
ذبل القلب فأذوى مقلتيا
وأراني ضاحكا طلق المحيا
وأراني ناعم البال رضيا
ليتني اليوم كما كنت شقيا!
يوم كنا في أتون العمر نصلى
حره هجرا وتعذيبا ووصلا
إن دنا منا حبيب ثم ملا
بدل القلب حبيبا وتسلى
لا نبالي من تجنى أو تولى
إن دعانا الحب لم نعدم حفيا
يوم كان الشعر وحيا وهديلا
يوم فجرناه نبعا سلسبيلا
يوم كان العيش سهلا وذلولا
يوم كان الجد لهوا وفضولا
يوم علمنا القماري المثولا
يوم علمنا القماري الرويا
يوم كنا نرهق الجسم شبابا
يوم كنا نرشف العمر حبابا
كيف أضحى ذلك القلب خرابا؟!
كيف حال الكرم غسلينا وصابا؟
كيف حالت جذوة القلب ترابا؟
كيف أمست بعدها صفرا يديا؟!
ما لعيني لا ترى رأيا جديدا؟
غشيتها غشوة عادت صديدا
ما لقلبي خافقا خفقا وئيدا؟
ذلك القلب الذي كان عتيدا
كل شيء جامد حولي جمودا
ليس في دنياي ما يوحي إليا
كلما لاح بريق في سمائي
أو بدا آل تلفت إزائي
فإذا بالبرق ومض كسناء
وإذا بالآل أظلال ترائي
وأنادي والصدى رجع ندائي
ليتني لم ألف في الأوهام شيا
ويروح الناس أو يغدون حولي
وأنا راض بحالي وبحلي
ويجدون للهو أو لشغل
وأنا حيران مشدوه وعقلي
عاجز عن درك ما يشغل مثلي
من رآني ظن بي مسا خفيا
شاب هذا الروح واليأس احتواه
مذ أفاق الروح من حلم شجاه
وأفاق الصب من ماضي هواه
عبثا تنشد يا قلبي سواه
قد كبرت اليوم فاقنع بشذاه
عش جمادا أو فعش مثلي خليا
أيهذا البلبل الشادي بلحن
ما لهذا اللحن لا يطرب أذني؟
أيها البلبل ما هذا التجني؟
هات صوتا غير هذا أو فدعني!
يا أمير الدوح لم أو لا تلمني
كان هذا الصوت في الماضي شجيا
سجعة الكروان
نشرت بمجلة الرسالة عدد 576 بتاريخ 17 يوليو سنة 1944. ***
هاتف في السحر
بارع مقتدر
صادح مطنب
ساجع مختصر
مطرب هزني
لحنه المبتكر
لم يزل هاتفا
في ليالي القمر
عاده وجده
ودعتني الذكر
فاحتسبت الهوى
والصبا المحتضر
ودعوت المنى
والشباب النضر •••
بين همس الربا
وخرير النهر
ودبيب السنا
وحفيف الشجر
وهبوب الصبا
واعتراض الدبر
طاب لي مجلسي
وحلا لي السهر •••
جنة عندها
يعذب المستقر
دوحها حافل
بشهي الثمر
روضها عابق
ورده والزهر
ماؤها سلسل
ورده والصدر
جنة حفها
نخلها المشتجر
بينما يستوي
قائما ينأطر •••
ليلة في الزمن
لم يشبها كدر
ليلة فذة
من هبات العمر
فتزود بها
لليال أخر •••
يا غلام اسقنا
هاتها وابتدر
هاتها مرة
حلوة المختبر
في كئوس ذهب
وأوان حمر
هاتها رطبة
في دمي تستعر
هاتها وابتدر
لم أعد أصطبر •••
هاكها هاكها
يا نديمي اعتبر!
عانس زانها
ثوبها والخفر
من عقيق العنب
دمها المنهمر
فتنة للنظر
من رآها سكر
وزرها هين
ذنبها مغتفر
خمرة عتقت
من قديم العصر
أمها بابل
وأبوها مضر
قهوة صهرجت
في أقاصي الحفر
دسها كاهن
قبل عهد الحضر
لم يذق مثلها
قيصر ذو سرر •••
يا طيور الربا
روضكم مزدهر
كلكم نائح
ويحكم ما الخبر؟!
حسبكم حسبكم
بعض هذا الخور
شاعر ناقم
ومغن ضجر
كلكم عازف
فوق هذا الوتر
كلكم ريشة
في مهب الغير
كلكم هده
دهره فانكسر
كلكم موجع
مشتك مفتقر
عاشق مدنف
قد براه الحور
وأخ يائس
من ضحايا القدر
لم يعد صادحا
في ليالي السمر
يا قارئ الكف
نشرت بمجلة الرسالة عدد 586 بتاريخ 25 / 9 / 1944. ***
يا قارئ الكف ماذا أضمر القدر؟
ولا عليك إذا لم يصدق الخبر
وما اهتمامك باسمي؟ هبه عنترة
وهبه زيدا ... وجدي عمرو أو عمر
عليك بالكف فاقرأ بين أسطرها
ماذا يدل عليه الخط والأثر
أطالع اليمن أن الخط متصل
وآية النحس أن الحد منبتر؟
وما الشيات على جنبي ثمانية
تبدو كوشم وتخفى حولها غرر؟
خبر عن الفأل لا تجفل فسانحة
عندي كبارحة والشر ينتظر
هل أنسأ الله في عمري إلى أجل
يلح فيه علي الهم والكبر؟
وهل أبلغ آمالي؟ وأبعدها
عندي كأقربها: ناء ومحتضر
هبني ظفرت بآمالي على ظمأ
إذا ارتويت فماذا يعقب الظفر؟
وهل أوسد حزنا حرة وحصى
في جوف هاوية أغوارها حجر؟
أم هوجلا قذفا تنبو براكبها
لا البيد عبدها يوما ولا الحضر
قفراء جرداء لم تكلأ حشائشها
إلا السواقي ولم يعلق بها مطر
أم تقدح النار من حولي فتطعمني
حيا وأشوى بها أيان تستعر؟
أم أن في مسبح الحيتان منقلبي
يوم الرحيل إذا ناداني السفر؟
قل ما بدا لك واهرف غير مبتدع
فالرجم بالغيب - لو تدري - هو الهذر
اللحد كاللحد والأكفان واحدة
ولا خيار لميت حين يدثر
والمال كالعدم لولا أنه أمل
إن الغني إلى الأموال مفتقر
والسعد حال على الإنسان طارئة «وعند صفو الليالي يحدث الكدر»
لولا التشابه في الأقدار ما صدقت
عرافة الحي من توفي لها النذر
القيثارة المحطمة
نشرت بمجلة الرسالة عدد 594 بتاريخ 20 / 11 / 1944. ***
نسجت عليها العنكبوت شعارها
ورمى البلى لما رمى أوتارها
كانت عزاءك دون كل خليلة
لهفي عليك وقد حرمت حوارها!
كم قد شكوت لها تباريح الهوى
في ليلة أرخت عليك ستارها
وشرحت آلام الجوى ولهيبه
فاستودعتك بدورها أسرارها
تتناجيان ولا سمير سواكما
والنجم يهتك أو يلم خمارها
حتى إذا طلع الصباح طرحتها
وأويت أهدأ ما تكون جوارها •••
وقفت عليك حياتها فأنينها
باك عليك إذا قدحت أوارها
ونشيجها لولا أساك كشدوها
وأساك يلهبها ويضرم نارها
عزافة الألحان تشدو طلقة
ما شئت حتى تستثير قرارها
تحنو عليك حنان أم برة
يفري ويقلم طفلها أظفارها
لا تقتضيك على الوفاء بديلة
وتظل طوعك ليلها ونهارها
لولاك ما نطقت بآه حرة
يوما ولا شق الحنين إطارها •••
ماتت عروس الشعر فوق شفاهها
والقوس يعزف راويا أشعارها
وحكى الصدى ألحانها فتجاوبت
حينا وأذهل صمتها سمارها
غنيتهم زمنا فهوم نائم
وأشاح عنك فعاودت إصرارها
وحبست عنهم لحنها فتلقفوا
لما زجرت عيونها وهزارها
وصبنت عنهم كأسها فتذوقوا
خمرا سواها واستسغت عقارها
فصدفت عنهم يائسا مترفعا
وغنيت عنهم واحتملت إسارها
كانت عزاءك دونهم فحرمتها
وبقيت وحدك حافظا تذكارها
حملت همومك عنك دهرا فاحتمل
فيها المصاب مخلدا أخبارها
الضمير
نشرت بمجلة الرسالة عدد 597 بتاريخ 11 / 12 / 1944. ***
صاحب وسنان من طول السهر
إن تنم ناداك أو تنس ادكر
كلما غافلته في سكرة
من أمانيك تجنى أو عذر
فإذا كفرت عن وزر عفا
وإذا عدت إلى إثم ثأر
ليس ملموسا فتدري كنهه
وهو ما كتمت يدري ما تسر
وتواريه فيغضي ساعة
ثم يستيقظ في لمح البصر
ليس عقلا أو شعورا خالصا
بل تراثا من شعور وفكر
فهو عقل باطن أو ملهم
وهو إحساس قديم مدخر
كم جرعت الصاب من ترياقه
واستسغت الشهد مما قد هصر
أنتما الدهر طريد آبق
وغريم طارد أو منتصر
أينما وليت أحصى مرجئا
موعدا حتما فأيان المفر؟ •••
يتراءى شاحبا أو إمعا
فهو كالظل إذا الظل انتشر
وهو جبار عنيف تارة
وهو أحيانا ضعيف يأتمر
وهو إعصار وريح صرصر
وهو كالسيل إذا السيل انهمر
وهو كالبحر إذا البحر طغى
وهو كالموج إذا الموج انحسر
وهو كالسهم إذا السهم رمى
وهو كالسيف إذا السيف بتر
آمر ناه وعاص طيع
وهو الآمر وهو المزدجر
لا ينام العمر إلا ساعة
فترقبها وبالغ في الحذر
ساعة إن نمت عنها غافلا
عدت كالمخمور أو كالمحتضر
أيها الساهر نم أو لا تنم
وترفق وتجلد واستعر
إن جنينا فعلينا وزرنا
وإذا نحن أنبنا فاعتذر
نون النسوة
نشرت بمجلة الرسالة رقم 602 بتاريخ 15 / 1 / 1945. قالوا: إن النساء قررن في مؤتمرهن الذي انعقد في القاهرة منذ قليل المطالبة بحذف نون النسوة من اللغة؛ تحقيقا لمساواتهن بالرجال، فنظم الدكتور عزيز فهمي هذه الأبيات في ذلك. ***
هلا أتاك حديثهنه؟
النون ليست نونهنه
هذا القرار وثيقة
أفصح وذكر جمعهنه
النون تخدش سمعهن ... وما أرق شعورهنه!
ظلم الرجال نساءهم
ما للرجال وما لهنه؟!
النون فرض كفاية
يكفي النساء فروضهنه
والميم أحسم للخلا
ف فلا تثيروا كيدهنه
برئ النساء من الأنو
ثة مذ ملكن قيادهنه
عفن الخباء وما الحيا
ة إذا لزمن خدورهنه
عبء الأمومة فادح
حسب العقائل حملهنه
حسب العقائل ما احتمل
ن وما حملن من الأجنه
ما للغواني والرضا
عة إن هذا الفرض سنه
فإذا صدفن فلا جنا
ح وإن عطفن فتلك منه
رفع النقاب فلا نقا
ب لهن غير حيائهنه
أسر الرجال نساءهم
حتى استحال إسارهنه
وطغى الحليل على الحلا
ئل واستباح حريمهنه
عقد الوثاق فما شكي
ن ولا برمن بحالهنه
ومكرن مكر خديعة
وجذبن من يده الأعنه
الطير راش جناحه
قدر ينير له الدجنه
وتمرد الحمل الودي
ع على الذئاب المطمئنه
شريد
نشرت بجريدة الرسالة عدد 604 بتاريخ 29 / 1 / 1945. ***
مر بي كالخيال في أسماله
واهيا كالخيال عند زواله
حائر الطرف والخطا كطريد
ذاهلا عن يمينه وشماله
راعشا والسماء تمطر سيلا
ينذر الرعد صاخبا بانهياله
يهرأ البرد ما يواريه برد
وصرير الرياح دون سعاله
أيها العابر المجد تمهل
أنت أحرى بأن ترق لحاله
صحت: يا طفل! لم يكد يتنبه
فتبعت الشريد والقلب واله
حيث أنوي بمسجد غير ناء
مطرقا من حيائه وسؤاله
والمصلون من يسبح منهم
عازف عن فضوله وابتذاله
حرما يا أخي ويا صاح جمعا ...
أين من وقعها ذليل مقاله؟
لم يجد راحما ولا مستجيبا
بعدما بح صوته من كلاله
فانثنى عائدا بخفي حنين
كاسف البال مشفقا من مآله
ثم ولى إلى الكنيسة وجها
واستجار الفتى بعيسى وآله
رده سادن الكنيسة ركلا
ليت من رده استحى من جلاله!
ما على الدير لو أقام نهارا
أو أطال الوقوف فوق احتماله
فمضى هائما على غير وجه
ليس يلوي على هدى في ضلاله
وإذا بي أرى فتى أريحيا
هزه النبل لا يضن بماله
يترك الحان والندامى ويعدو
كالذي فر ناشطا من عقاله
صاح بالطفل يا بني انتظرني
لحظة فالطريق في أوحاله
وانتضى ثوبه وقال: تدثر!
وأضاف الجواد بعض نواله
فتأملت ما رأيت مليا
ذلك الدرس فاعتبر بمثاله
أيهم عند ربه متقيه
ليت شعري! وأيهم غير آله
ليتهم إذ صغوا بخد ومالوا
عنه أصغوا إليه عند ابتهاله
من لهذا الشريد إن جنه اللي
ل وأرخى عليه من أسداله؟!
قابع عند دمنة تحت جب
يحسب الغول زاحفا لاغتياله
قد تعرى إلى الثرى غير فضل
من قميص مهلهل كرماله
من لهذا اليتيم أمسى وحيدا
مشفقا من غول الدجى وخياله؟
بين فكين من طوى وعراء
يدفع الصوت وهو بين نصاله
عالق بالحياة يبغي خلاصا
ويدب الفناء في أوصاله
يتلوى كما تلوت قطاة
عزها الفخ وهي بين حباله
أيها المانعون عنه زكاة
فرض الله بذلها لعياله
لا تصوموا ولا تقيموا صلاة
إن ضننتم بها على أمثاله
يعلم الله ما غنمتم جزاء
أيها الممعنون في إذلاله
أحسنوا البر إن أردتم ثوابا
وتواصوا بعتقه وانتشاله
همس الساعة
نشرت بمجلة الرسالة عدد 610 بتاريخ 12 / 3 / 1945. ***
تعد الثواني همسا ونفضا
وتزحف زحفا وتنبض نبضا
وتدنى البعيد وتقصي القريب
وتجمع شملا وتبعد أرضا
توارثها الناس جيلا فجيلا
وشكلها من توالى وقضا
تصورها البعض في عين هر
إذا الهر ثبت جفنا وغضا
ولولا الأهلة لم تعد عنها
مواقيت للناس والحج تقضى
إذا الشمس خلف الغيوم توارت
هداك سناها ولم تأل حضا
توحد بين اللغات وتفضي
إلى أهلهن بما هو أفضى
تبشر صبا بوصل الحبيب
فتحيي الشباب الذي كان غضا
ومن عجب أن يبين الجماد
وينطق جهرا ويمعن خفضا
تبين وتفصح في صمتها
فتوجب فرضا وتسقط فرضا
وتهمس: ما فات ودعته
فشيعت حينا وفارقت بعضا
وهيهات يرجع ما قد مضى
وهيهات يقبل حكمي نقضا
أتعرض عني لتسمع لغوا
وتلقى من الناس نوكى ومرضى؟!
ومعظمهم لو علمت دعي
يريك الوداد ويضمر بغضا
سواي يرائيك في محضر
ويفريك - إن غبت - غمزا وعضا
وغيري يبثك ما تشتهي
ويهزأ منك إذا هو أغضى
أنا الوقت أملي على عادتي
وفتكي من فتكة السيف أمضى
فإن شئت بادر إلى عزمة
فعزمي يكاد يسل وينضى
وخل المقادير تجري المدى
ودع ما يريبك ما دام غمضا
تنبه تنبه ... ولا ترجئن
إلى الغد وانهض لأمرك نهضا
غد موعد العاجزين ووهم
تمنيك إن رمت للريح قبضا
غد - لو علمت - غيوب فعجل
وبادر لعلك في الغد ترضى
ستندم بعد فوات الأوان
وتجني الأماني صابا وغضا
حذار حذار ولا تلحني!
فكم قد بذلت لك النصح محضا
وأنذرت حتى مللت النذير
ولولا ملالك ما عاد مضا
ولو قد أصخت لقيت الحتوف
بدرع يصد فيزداد ومضا
تضن بفلس ضنين الشحيح
وتسرف في العمر جهلا وفوضى
فيا للضلال! تضن بدون
وترخص كنزا وجاها وعرضا!
فتح برلين
تنفس الصبح إذ لاحت بوادره
وودع الليل بعد السهد ساهره
جلاه في غلس الأسحار كوكبه
لما انجلى الليل وانجابت دياجره
أناف بين دخان كان منعقدا
على ظلام كأن الحشر آخره
شخصت فارتد طرفي عنه من وهج
وجدد الوجد ما أذكت بشائره
ليس المجوس على شيء وقد كفروا
فهل درى الكفر من منا معاصره؟
لم تعبد النار إلا في هياكلنا
ولا الحديد الذي تغلي مجامره •••
أهل لله عند الفجر ناظره
وغض جفنيه لما شاع باهره
تلك الدماء تراءى لونها شفقا
تأمل الأفق وانظر ما يخامره!
أسال هذا الدم البادي على فلق
في حمرة الأفق لما فاض زاخره؟
أم غاض فانعكست حمرا سبائكه
ونم عما بجوف الأرض ظاهره؟
أصابها وابل عزريل صوبه
فهل رواها نجيع جف باكره؟
وهل ترامى إلى الأثباج صيبه
فذاب في شفق الآفاق مائره؟ •••
سبحان من يرث الدنيا وآهلها!
جرى القضاء بما أملت مقادره
دوى من الغرب ناقوس يجلجله
وهلل الشرق واهتزت منابره
تداول القدر الأيام واختلفت
على العباد كما شاءت دوائره
وإنما نحن والأقدار ساخرة
على شفا جرف هار نجاوره
ليس الشجاع - وإن أبلى - على أمل
حتى يتاح له حظ يضافره
صحا من الحلم نشوان ومنتصر
وعز بعد بساط الراح ناصره
لم يدر من نبش الغبراء ساعده
أي المقابر خطتها أظافره
عصى الأسير ولم تقبل شفاعته
وآب بالقيد بعد الأسر آسره •••
جن أغاروا على «البلجيك» واندفعوا
كالسيل ينسف ما يلقاه غامره
سرعان ما جرف «الألزاس» زاحفه
إلى الشمال وعبر «المانش» قاهره
فارتد كالبرق طوفانا وصاعقة
وصب في الشرق ما صبت زواخره
أدال ربك من ملك أحاق بهم
منه العذاب ولم تسلم حواضره
هم أضرموها وشنوها عشوزنة
لم يدر مضرمها ماذا يخاطره
في كل حاضرة قبر لحاضرهم
وكل مقبرة فيها مقابره
أين الأسود الضواري؟ أين غيلهم؟
هذا العرين ... فهل زالت قساوره؟
وأين برلين هل عفت معالمها؟
صواعق الجو أصلتها أعاصره
أم زلزلت ومحت آثارها سقر
يحمومها الليل لولا ما يساوره
فالشهب طالعة فيها إذا استعرت
والليل منهتك لولا ستائره
والخيل صافنة شلت حوافرها
على أديم من الأشلاء سائره
حارت؛ أتحجم والإقدام يمنعها؟
وكيف تسبح في سيل تحاذره؟
مال الرغام بأطلال يحركها
دم يفيض من الأشلاء هامره
لم يغن «سيجفريد» عنها يوم نكبتها
ولا حماهم من النيران ساتره
كأنما جيف القتلى وداثرها
بحر يموج وما يطفو مواخره
هزيمة غشيتهم في معاقلهم
فانهار «سيجفريد» واندكت مخافره
وأين ملك عريض عز جانبه
لو شاء ربك ما طارت عساكره؟!
طاروا شعاعا وزالوا عن كتائبهم
كما تطاير عن عهن غفائره •••
نعاك «برلين» برق جل موقعه
في العالمين ولم تشفق مصادره
وخفف الحزن عنا ما يحققه
نصر الحليف وما زلنا نؤازره
أمانة حملتها مصر راضية
والسيف منصلت والموت شاهره
لولا العناية لم تسلم عواقبها
والفال نحس على الحلفين طائره •••
يا عصبة الحلف ماذا في كنانتكم
من الذبيح ومن في السلم ناحره؟!
أوردتموه سرابا من سلافتكم
فعله الوهم من وهم يحاوره!
وزدتموها نواة من موائدكم
على خوان قد ازدانت مظاهره
اليوم تقضون إن عدلا وإن سفها
والسيف أعدل في الحالين آمره
قاضي القضاة إذا أفتى بحجته
الحق في الغمد إما صال عاذره
وليس ينهض ملك لا يؤيده
حق وإن حميت حينا بواتره
الشاعر
نشرت بمجلة الكاتب المصري عدد 2 بتاريخ نوفمبر سنة 1945. ***
تشتت في الدنيا وحيدا مشردا
تطارده الأقدار أنى توسدا
سرى ما سرى والشوك في طرقاته
يجرح منه الخف والجنب واليدا
إذا ابتسمت دنياه يوما تجهمت
وإن ضحكت أبكته في الحين سرمدا
هو الطائر الغريد يخفى نواحه
عليك إذا غناك سر وأسعدا
تلقنه جن فيصغي مسجلا
على الجن ما أوحى ويحكي مرددا
إذا قال لم يفعل وليس بكاذب
ولكنها الأقدار تخلف موعدا
يطير به نحو السماء مجنح
تحرر من أغلاله وتمردا
ويهوي به في كل واد جناحه
فإن ضل في واد سما عنه واهتدى
يرى العالم العلوي أدنى من الثرى
منالا ويأبى أن يعيش مصفدا
تنازعه الإيمان والشك وانتهى
به السير نحو الشك فارتد مجهدا
يقولون: مجنون! وما جن ويحهم!
ولكنها الأحقاد يلغو بها العدا
هو البحر إما ضاحك مترقرق
وإلا فبركان تفجر مزبدا
يثور ويرضى غير مجد شعوره
تراه على حاليه لغزا معقدا
ذكي يرى الأحداث قبل وقوعها
ويعلم ماذا سوف يعقبها غدا
عنيد وقد يبدو على غير طبعه
يلين ويقسو قلبه متعمدا
يفيض حنانا أو يذوب صبابة
ويبدو على غير الحقيقة جامدا
إذا جنه الليل استبد به الأسى
وخضخض منه الليل قلبا مسهدا
تأبى ولم يرض النواح لشعره
فساجل في الليل الكناري مغردا
وكابر حتى قيل: لا يعرف الهوى!
وغنى فكان اللحن صوتا مجردا
وعف فلم يرض الهوان لقوله
ولم يتملق في البرية سيدا
سما عن فتات الخيرين بشعره
وود لو استغنى سواه عن الندى
وما الشعر إلا ما يحس وما يرى
وليس كما ظنوا خوانا وموردا
إذا أنت لم تعرف لشعرك حقه
فلا تك قوالا ولا تك منشدا
وإن أنت لم تعرف لنفسك حقها
عليك فعش عبدا ومولى مسودا
عيد الجهاد
نشرت بجريدة الوفد المصري العدد 2289 بتاريخ 14 / 11 / 1945. ***
عيدان: عيد المشركين وعيدنا
نعق الغراب هناك فاصدح ها هنا
من كان يعبد لاته ومناته
فلمصر أولى بالعبادة عندنا
أو كان يشرك في هواها دمية
فعليه ما اكتسبت يداه وما اقتنى
سبح بمصر وصل خلف زعيمها
هذا الزعيم إمامها وإمامنا
الله يهدي من يشاء لنوره
سبحانك اللهم ما هذا السنا؟!
هذا الزعيم وتلك هالة نوره
ومضائه إما أسر وأعلنا
وتراه في الجلى أشد صلابة
من كان قبل العجم سهلا لينا
ويعود كالماء النمير سلاسة
من كان صلدا كالصفا أو أخشنا
فانظر إليه تأملا وتيقنا
وانظر إليه مؤملا أو مؤمنا
هذا الأمين وإن تطاول جاحد
أو كيذبان كم تشهى مطعنا!
هذا الأبي ولو أراد لما أبى
هذا الفقير ولو تمنى لاغتنى
فح «الكتاب» سموم أرقم كالح
قذفت به ريح السموم إلى «قنا»
أخذته عزة آثم متفيهق
تخذ الكلام تجارة فتفننا
كذب المشعوذ والذين تآمروا
وجنى على الأخلاق منهم من جنى
تأبى الكلاب ولوغها في حمأة
سفلوا إليها وارتضوها مسكنا
وإذا النفوس على ضغائنها انطوت
طفحت وأطلقت الحفيظة ألسنا •••
خرجوا فمنهم ملحدون وملة
قعدت وأقعدها عن السير الونى
وتفرقوا شيعا وكل مارق
إن كر تحت النقع فر أو انثنى
كفروا بمصر فليت من كفروا بها
قبل ارتدادهم أقاموا بيننا!
كفروا بمصر وردهم شيطانهم
عن دينهم ومضى بنا إيماننا
نسبوا إلى سعد وما انتسبوا له
برئ الزعيم من الخيانة والخنا
قد كان سعد أمة في واحد
فسما بها وتوحدت فسمت بنا
فاستفت عينك! هل ترى متفردا
منهم بلون أم ترى متلونا؟
واشهد عليهم «كتلة» أو «هيئة»
أو «جبهة» أو «هيكلا» متوهنا «دار النيابة» لا تحل لعصبة
دلفت إليها تحت ألوية الفنا
أفمن أتى وكتابه بيمينه
أم من يسوخ كتابه إن دونا؟!
أفمن يرد إلى العباد حقوقهم
كمن افترى كذبا صراحا بينا؟!
أبت السياسة أن تقوم حكومة
فينا بأمر الشعب أو أن تذعنا •••
يا مصر هذا يوم عيدك فاسلمي
واستقبلي فجرا يودع موهنا
سيري على الأشواك واقتحمي الدجى
حتى ترى صبحا يلوح ومأمنا
صهرتك أحداث وعضك نابها
وبقيت في الحالين أصفى معدنا
برئت صفوفك من فلول ردها
حذر الفلول وخوفها أن تجبنا
وإذا الجبان رأى السلامة مغنما
حسب الجسور مغامرا أو أرعنا
ما بين حرب ثم أخرى بعدها
لاحت منى في الأفق وابتسمت لنا
فتمثلي الماضي لعل عظاته
تؤتي فنجني من مرارتها المنى
في كل شبر من أديمك قطرة
خضب الشهيد بها ثراك ومونا
فتفيئي ظل الحياة كريمة
وتطلعي عند الحصاد إلى الجنى
وتهيئي لغد قريب عله
يجزي وينصف من أساء وأحسنا
بني وطني أهبت بكم زمانا
نشرت بجريدة صوت الأمة عدد 95 يوم 15 نوفمبر سنة 1946. ***
سلوا من سامها هذا العذابا
ومن شرع الأسنة والحرابا
سلوا جلادها تبت يداه
بأي شريعة فرض العقابا؟!
أما ينهاه عقل أو ضمير
يرد له المحجة والصوابا
ضلال أن يعاتب مستبد
وأولى بالمسود أن يعابا
وجهل أن يخاطب غير أهل
فلا تحزن عليه إذا تغابى
يصعر خده صلفا وحمقا
ويوردها على ظمأ سرابا
وكم أسدت إليه وكم تجنى
ولم يحسب لعاقبة حسابا
بأي جريرة وبأي عدل
تجرع مصر كأس النصر صابا
ولولا مصر ما غنموا فلاة
ولولا مصر ما غلبوا ذبابا •••
سلوا «دنكرك» هل نهضوا بعبء
وقد غنموا السلامة والإيابا؟
سلوا«الصحراء» عنهم كيف طاروا
وهل تخذوا النعام لهم ركابا؟
سلوا «العلمين» هل ثبتوا بأرض
وقد سبقوا مع العدو السحابا؟
فكيف تعاظموا بعد انكسار
وكيف تبدلوا أسدا غضابا؟!
سلوا «الميثاق» هل وأدوه صبحا
وهل نسجوا من الكفن الإهابا؟
وكيف جرى على فمهم كذابا
وسال على سواعدهم خضابا؟
وكيف استبدلوا شرعا بشرع
فأضحى الحق عندهم اغتصابا؟
كذلك تلدغ الأفعى كريما
جزاء صنيعه وتمد نابا
وبين الناس رقط وابن آوى
وذؤبان ومن غلب الذئابا •••
ويا عيد الجهاد زجرت قلبي
فحال القلب دمعا واستجابا
دعوت الشعر فاستعصى ولبت
دموعي كيف صادفت المآبا
تعاقبت السنون وأنت هدي
تضيء لنا المسالك والشعابا
ولولا عصبة خرجت وشقت
عصا الإجماع ذللنا الصعابا
تعاقبت السنون فما اتعظنا
ولم نعد التطاحن والسبابا
تهجم كل مرتزق وعبد
وأمعن كل خوان وعابا
ولو نطحوا السحاب لكان أدنى
تجاوز «مصطفى» وعلا السحابا
تعالى الله! كيف براه سيفا
وجرده فلم يسكن قرابا؟!
إذا ارتطمت سفينتها بصخر
تنادى الركب: أين تراه غابا؟!
ويا وطني فديتك من جراح
إذا نكأت حملناها عذابا
وهل يأسو الجريح سوى جريح
يشاطره الفجيعة والمصابا؟
وكم من قسور ورد المنايا
يروع ببطشه السبع السغابا
إذا كرت عليه الخيل فرت
وإن سام الجياد حمى العرابا
روى دمه ثراك ففاح مسكا
وأينع روضة وزكا ترابا
وآخر في «الجنوب» ثوى شهيدا
فضج النيل واجتاح الرحابا
لحا الله الخوارج والمطايا
ومن أضحت نفوسهم خرابا
ولا كان الجلاء إذا أحلوا
مع الحلف المرافق والرقابا
وطوبى للألى ذهبوا فداء
إلى الرضوان واستبقوا الثوابا •••
بني وطني أهبت بكم زمانا
فلما بح صوتي قيل: هابا!
ولو نطق الجماد كما نطقنا
لأسمعه الصدى عنكم جوابا
في السجن
ومصر تناديهم وصوتي يردد للحر السجين الدكتور عزيز فهمي نزيل سجن الأجانب.
نشرت في جريدة الوفد المصري عدد 2464 يوم 14 يونيو سنة 1946. ***
كفاك عزاء أنك اليوم أوحد
وقد يسكن الغمد الحسام المجرد
يهون عذاب السجن والليل موحش
ويذهب عنك الحزن فيه تجلد
وقد يؤسر الليث المنيع عرينه
ويرهب منه الصوت وهو مصفد
أهبت بقومي أن يذودوا عن الحمى
وما زلت أدعوهم وما زلت أشهد
أهبت بقومي والخطوب زواحف
تلم بهم طورا وطورا تهدد
وأنذرت حتى بح صوتي ولم أزل
ومصر تناديهم وصوتي يردد
نذرت نفسي قربانا لفاديها
كتبها وهو في سجن الأجانب في يونيو سنة 1946. ***
شكت إلى الله من عدوان أهليها
وعاث غاصبها في أرض راعيها
وا حر قلباه من يأس يصارعها!
يكاد لولا بقايا الصبر يرديها
فزعت من غدها علما بحاضرها
ورضت نفسي على نسيان ماضيها
وقفت قلبي عليها في شبيبته
فشاب منها ومن عدوان ساليها
لما أفقت من الماضي بلا أمل
نذرت نفسي قربانا لفاديها •••
ذكرت مصر فهاجتني مواجعها
وعزني الدمع حتى كدت أبكيها
يا لائمي وأنا الجاني على كبدي
دع عنك لومي فإن اللوم يفريها!
كل يغني ليشجي سامرا وهوى
وقد يغني لأوطار يرجيها
وليس لي سامر فيها ولا وطر
ولا زعمت جوادي من مذاكيها
وإنما هي آلامي أكتمها
حتى يضيق بها صدري فأحكيها •••
نزحت عنها فلم أعدل بها وطنا
وبات قلبي أسيرا في مغانيها
وصنت شعري إلا عن مفاتنها
وهمت في الأرض مسحورا بواديها
ورق شعري كما رقت جداولها
وراق وصفي كما راقت مجاليها
وما رأيت كناسا فيه جؤذره
إلا ذكرت غزالا في مراعيها
وما شربت على صحو ولا كدر
إلا ذكرت نديما في نواديها •••
لما رددت إليها رد لي أملي
عند اللقاء وأحياني تدانيها
وقد طويت إليها اليم واقتربت
بي السفينة من أولى موانيها
فكاد يطفر قلبي من توثبه
وقد تنسم ريحا من نواحيها!
وحال قلبي دموعا عندما اتأدت
فرحت أنثر دمعي في ضواحيها
سجدت لله عرفانا لنعمته
لما حللت رفيفا من روابيها
فكيف حالت حياتي عندها سقرا
وكيف أصليت نارا من سواقيها؟! •••
جارت عليها صروف الدهر واختلفت
أيدي الرماة، فآها من أعاديها!
راشوا لها السهم مسموما فشتتها
وكاد لولا يد الرحمن يصميها
وأثخنوها جراحا في مقاتلها
يا للجريحة من عدوان آسيها!
لولا الخوارج والأحزاب ما انتكست
في فجر نهضتها والوفد هاديها
إن كان دستورها حبرا على ورق
ففيم مجلس شوراها وناديها؟! •••
فزعت من شرك يلقيه غاصبها
قبل الجلاء لعل «الوعد» يغريها
وما الجلاء إذا شدت بسلسلة
من القيود و«شرط الحلف» يمليها
تشعب الرأي والأحزاب سادرة
ومصر صابرة والصبر يضنيها
وكيف تنهض من أسر يكبلها
والقيد آمرها والقيد ناهيها •••
تلفتت مصر حيرى واستبد بها
في ليل محنتها من لا يصافيها
وقد أهاب بها حامي قضيتها
إلى الكفاح ولباه ضواريها
والوفد ربانها في كل عاصفة
والوفد منقذها والله حاميها
ومصطفى درعها الواقي وساعدها
ومصطفى سيفها الماضي وفاديها
نور من الرحمن ودوا محوه
في 13 / 11 / 1948 بالنادي السعدي، عقب الاعتداء على النحاس باشا في عيد الجهاد. ***
سهرت عليك عناية الرحمن
وارتد سهم الجاحد الخوان
لما ترقب في الدجى أجناده
وترصدوك وحاطك الملكان
دفعت يد الله العلي قضاءه
وحمتك راحته من النيران
لله أنت وقد تدفق سيلها
والموت يخطر والحتوف دوان!
ولقد رأيتك والمنون بمرصد
تحنو على الجرحى وقلبك حان
ولقد رأيتك والمنون بمرصد
وكأن قلبك قد من صوان
تحنو على الجرحى وقلبك رحمة
والأرض خضبها النجيع القاني
تحنو عليهم عن هوى ومحبة
وتذوب عطفا من جوى وحنان
وجبينك الوضاح يسطع مشرقا
وكأنما في نوره القمران
وعليك من نور اليقين مهابة
وجلالة من صادق الإيمان
نور من الرحمن ودوا محوه
هيهات تطفئه يد الشيطان! •••
لما نظرتك والمنايا حوم
عقد الجلال عن البيان لساني
سبحان من رد الحياة لأمة
حملتك بين معاقد الأجفان!
سبحان من كتب الحياة لأمة
لولاك ما فرقت من الحدثان!
فاصبر كما صبر النبي وصحبه
واسلم كما سلموا من العدوان
خليل مطران
نشرت في المصري في 2 / 7 / 1949 وقد أنابه رفعة النحاس باشا عنه في العزاء. ***
شاعر هز دولة الشعر هزا
ساجلته الطيور دهرا فبزا
لم يفته الجديد فافتن فيه
واتخذناه للبداوة رمزا
ثالث اثنين لم يزل يتأسى
من تغنى بشعرهم أو تعزى
أين شوقي وأين منا بيان
كبيان الخليل لفظا ومغزى؟
وسجايا كأنهن رحيق
فتق الطهر عرفهن ومزا
نكست راية القريض بواد
كان في سالف الزمان الأعزا •••
أيها القبر ما حويت رفاتا
إنما استودعوك يا قبر كنزا
غاض بحر لآلئ الشعر غاصت
تحت أطباق مائه حين كزا
إن لبنان والعراق كليم
والمصاب الأليم في مصر حزا
فجعتها الخطوب في شاعريها
والمصاب الجديد جدد نغزا
ذلك الشاعر الذي عف نبلا
رب نبل أتاح للنقد غمزا
عف عن إرث صاحبيه إباء
لا تظنوا الإباء في الناس عجزا
قد علمنا مكانه وتخلى
عنه طوعا ولو أراد استعزا •••
أيها الشاعر الذي عاش عفا
طاهر الذيل أخرق الكف نزا
لم يدنس يراعه بهجاء
أو يحمل لسانه العف رجزا
قد غرست النواة فاحصد جناها
كل نفس بما توخته تجزى
وتسنم إلى الخلود سبيلا
حفها الصبر حسبك الخلد فوزا!
علي محمود طه
ألقيت في تأبين المرحوم علي محمود طه بالمنصورة في مساء الخميس 23 / 2 / 1950. ***
طوى الشراع وألقى الناي وانسدا
وآب من رحلة الأيام من سهدا
حداه جبريل فانسابت سفينته
نحو الضفاف فلما كاد أن يردا
ترنح الزورق الحيران منحدرا
مع الرياح ولما يبلغ الأمدا
تقاذف الموج مجدا فيه فانخلعا
على الصخور فمال الفلك واتأد
وردد البحر في ألحان شاعره
لحن الوداع فضج الموج واحتشدا
ومالت الشمس خلف اليم غارقة
وانساب منه لواء الليل فانعقدا
وأذهل الكون صمت ظل متصلا
حتى تجاوب رجع اللحن واطردا •••
يا شاعر البحر هذا البحر مدثر
من الحداد سوادا بدد الزبدا
يا شاعر الجيل هذا الجيل مفتقد
قيثارة ذهبت ألحانها بددا
يا شاعر الحب من للعاشقين إذا
ما برح الشوق أو أضناهمو كمدا
يا شاعر الثورة الكبرى ومشعلها
نارا تلظى بها من جار واضطهدا
بنيت للضاد مجدا ليس يجحده
وحق شعرك إلا ناقم حسدا
لأنت حي وثاو في ضمائرنا
وإن بعدت وإن فارقتنا جسدا
لأنت حي وفي سمعي وفي خلدي
شدو شجي ولحن خالد أبدا
وحي الجهاد
أهبت بنا فلبى واستجابا
شبالك مصر واحتسبوا الشبابا
تدفق غيلهم بين المنايا
وفودا كان منها الموت قابا
وكروا كرة أولى فحالت
ربوع النيل آجاما وغابا
وقد صدح النفير على زئير
كصوت الرعد عنفا واضطرابا
يذود عن الحمى ويرد خصما
ظلوما يحبس الحق اغتصابا •••
ترصد للمنية كل حر
وقد نشبتهما ظفرا ونابا
وكم من قسور ورد المنايا
وروع بطشه السبع السغابا!
إذا كرت عليه الخيل فرت
وإن سام الجياد حمى العرابا
وآخر في الجنوب ثوى شهيدا
فضج النيل واجتاح الرحابا
ترنح هاتفا: لبيك أمي!
فديتك فاسلمي ... وهوى وغابا
روى دمه ثراك ففاح مسكا
وأينع روضة وزكا ترابا
فيا أم الشبول! وأنت أبقى
فداؤك من أصيب ومن أصابا
وطوبى للألى ذهبوا فداء
إلى الرضوان واستبقوا الثوابا •••
بني وطني أرى الأحداث تترى
وتزجر كلما وفدت غرابا
ففيم نجدد الذكرى ونتلو
صحائفها ونطويها كتابا
عجبت لأمة تغضي حياء
وقد حسر العدو لها نقابا
وأبدى ناجذي لؤم وغدر
وألقى دون حجتها حجابا
يعللها بآمال كذاب
ويوردها على ظمأ سرابا
يكيد لها ويغريها «بحلف»
يحل له المرافق والرقابا •••
سل الحلفاء عنها يوم مادت
معاقلهم وقد فقدوا الصوابا
فهل وجدوا معينا أو ظهيرا
وقد سبقوا مع الريح السحابا؟
وشتت جيشهم برا وبحرا
فما ثبتوا ولا شقوا عبابا
سل الصحراء عنها يوم طاروا
كطير العهن وهنا وانسيابا
ولو نكثت بعهد ما أفاقوا
ولا غنموا السلامة والإيابا
فكيف تنكروا للحق لما
تراءى النصر وانطلقوا ذئابا؟!
وكيف استبدلوا خمرا بخمر
فأضحى الكرم غسلينا وصابا؟!
سل «الميثاق» هل حملوه حيا
على الأعواد أم حملوا خضابا؟! •••
بني وطني حلفت بمصر ثوبوا
إليها واسمعوا منها عتابا
إلى الدستور واعتصموا بحبل
متين منه واغتنموه بابا
ففي الدستور عتق من إسار
ومن رق إذا الحدثان نابا
أرى الدستور هان على فريق
من الزعماء ضل هوى وخابا •••
إلام يسوسها طلاب غنم
إذا حكموا أذاقوها العذابا؟!
وإن زالوا وزال الحكم ناحوا
على الدستور وانتحبوا انتحابا
وما ذرفوا الدموع عليه إلا «كما تصف المعددة المصابا»
فلا تصغوا لدجال أثيم
يبدل كل آونة ثيابا
تجهم «للزعامة» إذ رماها
وعيرها سفاها أو سبابا
وما ضر الزعيم عواء رهط
إذا سلمت وجنبها الصعابا
هو السيف الذي صقلته مصر
إذا شهرته أسمعها الجوابا
وإن راش السهام لها عدو
تلقى السهم عنها والحرابا
بناه الله من صلب وعزم
يدك الشم والقمم الصلابا
Page inconnue