Études philosophiques islamiques
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Genres
8
لا يملك إنسان لإنسان أمرا. وكل إنسان مسئول، ألزم طائره في عنقه، لا يحمل وزر أحد، ولا يخلصه أحد. والحرية نتيجة للعقل والتمييز. فالعقل استدلال حر والحرية اختيار للإرادة طبقا لاستدلال العقل. الضمير حر، وشعور الإنسان حر حتى من قبضة فرعون، ومستقل عن الشعور الجماعي العام.
9
والتوحيد تحرر للوجدان البشري بفعل الشهادة، والشهادة نفي كل ما يقهر الشعور ويكبله في فعل النفي «لا إله» ثم إثبات الفعل الحر في فعل الإثبات «إلا الله». وهذا هو المعنى الذي أعطته الثورة الإسلامية في إيران لشعارها «الله أكبر قاصم الجبارين»؛ فالتوحيد تحرر للوجدان الإنساني من العبودية في شتى صورها.
10
وقد أكد الفكر الإسلامي على ذلك، خاصة عند المعتزلة في إثبات حرية الاختيار وإثبات الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل وبعد الفعل، وإثبات قانون الاستحقاق، والمسئولية عن الأعمال، وإلا استحال الحساب والعقاب. كما أكده علماء أصول الفقه الذين أثبتوا للمكلف قدرته على الفعل، ومنعوا تكليف ما لا يطاق، وأن العقل شرط التكليف لأنه مناط الحرية، وأن الصبية والمجانين غير مكلفين. العلم والعبودية لا يجتمعان، فالعبد الذي يتعلم يتحرر، والذنب الذي يقترف يتم التكفير عنه بتحرير عبد، والأمة التي تلد تصبح حرة بفعل الأمومة، والحرية شرط الإمامة حتى لا يكون الإمام تابعا لسيد آخر. كما أنها شرط الشهادة، فبدون حرية لا يعلن عن حق، ولا يقال صدق.
ولكن يبدو أننا ما زلنا نحاول أن نتحرر، ولم ننته بعد من ذلك منذ بدأ فجر النهضة العربية الحديثة حتى الآن. نعرض لنظريات الحرية وثورات الشعوب، ونكافح الاستعمار من أجل الحرية والاستقلال، ونكتب روايات وأشعارا عن الحرية، ويستشهد المناضلون من أجل الحرية، ولكن تظل قضية الحريات في مجتمعاتنا مطروحة وكأن الحرية ليست نظرية بل ممارسة، وكأن العدو ليس فقط المحتل الخارجي، بل أيضا أو بالأساس القهر الداخلي. ويبدو أن الأمر أعمق بكثير من القوانين المقيدة للحريات ونظم القهر والتسلط والقوانين الاستثنائية، بل تمتد جذور الأزمة في التاريخ إلى التسلطية كتصور، والجبرية كعقيدة، والإمامية كسياسة، والحرفية كتفسير، والتبريرية كوظيفة للعقل.
11
يمكن إذن إعادة الاختيار، ترك الجبرية والكسب الأشعري والنقل والتفسير الحرفي، وإبراز حرية الفكر وحرية الإرادة كاختيار في تراثنا القديم وكحاجة في وجداننا المعاصر؛ حتى يمكن حل مأساة الحريات في عالمنا هذا مرة واحدة وإلى الأبد، فهي حق الإنسان الطبيعي أكده الوحي، بمنعه الإكراه، وشهادة المكره لا تجوز، وذنبه مغفور. (5)
المساواة: بالرغم من حرية الإنسان وإثبات وجوده الفردي إلا أنه أيضا ينتسب إلى جماعة ويعيش فيها. لذلك ظهر موضوع المساواة والعدالة الاجتماعية كشرط للسلام الاجتماعي. يظهر أحيانا في تعبيرات اقتصادية وأخرى أخلاقية وثالثة سياسية. فبنص القرآن نجد أن المالك هو الله وحده والإنسان مستخلف فيما أودعه الله بين يديه، له حق التصرف والانتفاع والاستثمار، وليس له حق الاستغلال والاحتكار والاكتناز. الملكية وظيفة اجتماعية وليست شيئا للاستحواذ عليه. المال مجرد علاقة بين الأنا والشيء، يشير إليها باسم الصلة «ما» وبحرف الجر «ل». ومن هنا كان على الإمام حق مصادرة أموال السفهاء والتأميم للصالح العام. وما تعم به البلوى لا يجوز ملكه كالماء والكلأ والنار قديما أي الزراعة والصناعة حديثا. والركاز - أي ما في باطن الأرض - ملك للأمة وليس للأفراد عند الفقهاء. عرف القدماء الحديد والنحاس والذهب والفضة، وعرفنا نحن النفط. وبنص القرآن لا يكون المال دولة بين الأغنياء ، وللفقراء حق في أموال الأغنياء، غير الزكاة. ويعني تحريم الربا أن العمل وحده مصدر القيمة وأنه لا يجوز الإثراء بالاستفادة من حاجات الناس انتهازا للفرص. وأن المجتمع الذي فيه إنسان جائع واحد تبرأ ذمة الله منه، وأنه لا عجب أن يخرج رجل لا يجد قوت يومه شاهرا على الناس سيفه. وقد استمر هذا المثل الأعلى في سيرة الخلفاء،
Page inconnue