Études philosophiques islamiques
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Genres
6
وأما ما يسمى عند الباحثين من جيلنا - العقل العربي - في «تحديث العقل العربي» أو «نقد العقل العربي» أو «تكوين العقل العربي» فإنه مفهوم غريب على التراث. فالعقل لا قومية له. هناك العقل الخالص الذي يوجد في كل إنسان، الفاعل أو المستقل، بالقوة أو بالفعل، بالملكة أو المستفاد، وهو إحدى قوى النفس ولا يدل على حضارة أو تراث. نشأ في أمة إسلامية، العرب أحد شعوبها، يتحدثون اللسان العربي. وقد نشأ المفهوم في الغرب إبان المد القومي في القرن التاسع عشر الأوروبي مثل «العقل الألماني» و«العقل الفرنسي» و«العقل البريطاني» أو «العقل الأوروبي» و«العقل اليهودي»، ومن نفس البيئة خرج «العقل العربي» تروجه الأوساط القومية والعنصرية في الغرب، ويعطي خصائص ثابتة للشعوب وطرق تفكيرها؛ استئنافا لمفهوم «العقل البدائي» في علم الأنثروبولوجيا إبان نشأته الأولى.
7
وماذا يعني التراث؟ هل المقصود هو التراث الفلسفي، خاصة أي ما يسمى بعلوم الحكمة عند الكندي وأبي بكر الرازي والفارابي وابن سينا وابن باجة وابن طفيل وابن رشد وأبي البركات البغدادي وفخر الدين الرازي، وكأن لفظ الفلسفة الأول يأتي كمخصص قبل المخصص وليس بعده أم أن المقصود التراث الفكري كله الذي يشتمل على الفلسفة والكلام والتصوف وأصول الفقه، أو التراث كله الذي يشمل العلوم العقلية النقلية الأربعة والعلوم النقلية الخمسة والعلوم العقلية الخالصة الرياضية أو الطبيعية؟
أما حرف العطف «الواو» فهو أصعب تحديدا وأدق معنى. فمنطق العلاقات أصعب وأكثر تشابكا من منطق الجواهر. السؤال إذن: ما الصلة بين الفلسفة والتراث، تلك الصلة التي يشير إليها حرف العطف ويفترضها منذ البداية؟ هل المقصود كيف نشأت الفلسفة، أي علوم الحكمة في تراثنا القديم؟ أم أن المقصود هو صلة الفلسفة المعاصرة التي ندرسها في جامعاتنا ومعاهدنا بالتراث الفلسفي القديم؟ الأرجح هو الثاني. فالأول سؤال تاريخي أكاديمي خالص وإن كانت له دلالته المعاصرة في أن الفلسفة قد نشأت من تراثنا القديم في حين أن الفلسفة في عصرنا إما نقل من النشأة الأولى دون نشأة ثانية، أو نقل عن التراث الغربي المعاصر بعد أن أصبح الغرب الحديث هو المركز وما سواه من الشعوب والحضارات هي الأطراف. وانتقال العلوم والمعارف من المركز إلى المحيط مثل انتقال الجيوش والخبرات وبرامج الإرسال من أجهزة الإعلام. والثاني سؤال يكشف مباشرة عن أزمة الفلسفة في عالمنا العربي اليوم.
8
لماذا تبدو الفلسفة وكأنها وليد مريب في بيئة ثقافية تلفظها؟ وفي كلتا الحالتين الفلسفة في أزمة لأنها تبدو وكأنها إما نقل للمذاهب الغربية الحديثة والمعاصرة كما هو الحال في جامعاتنا في تدريس فلسفات القرنين السابع عشر والثامن عشر في الفلسفة الحديثة وفلسفات القرنين التاسع عشر والعشرين في المعاصرة ونقل للعلوم الإنسانية الغربية مثل علوم المنطق والنفس والاجتماعى والأخلاق والسياسة والجمال، أو نقل للفلسفات والعلوم القديمة مثل علوم الكلام والفلسفة والتصوف، باستثناء أصول الفقه الذي لم يحظ حتى الآن بإدخاله ضمن العلوم الفلسفية بالرغم من التنبيه على أهميته والتحذير من إغفاله.
9
وعلى أقصى تقدير يتم وضع بعض جوانب التراث القديم في العلوم الفلسفية الغربية المعاصرة كبدايات لها، وصياغات لا علمية في مرحلة ما قبل العلم، وأسوة بما يحدث في التراث الغربي في نظرته للتراث الشرقي باعتباره بدايات العلم قبل صياغاته الأخيرة في العصور الحديثة،
10
Page inconnue