Études philosophiques islamiques
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Genres
دفعات أكثر نحو التقدم في مسيرة الشعوب وإطلاق طاقاتها، وترسيخ مكتسبات الثورات الوطنية مثلا: الإصلاح الزراعي، الملكية الجماعية للأرض ، العمل وحده كأساس للقيمة، النضال ... إلخ. (5)
الاستمرارية التاريخية والتجانس في الزمان ووحدة الشخصية الوطنية، وعدم وجود مستويات متجاورة منفصلة في الشعور الوطني كما هو الحال في تركيا (إسلام في العمق وتحديث في السطح)، أو في بولندا (كاثوليكية في العمق وماركسية في السطح). (6)
الحفاظ على خصوصية الشعوب ونوعيتها، والقضاء على نمطية التنمية وأحادية النموذج الأوروبي، التنمية الاقتصادية أساسا والتنمية البشرية فرعا، وغياب التنمية الحضارية كلية. (7)
تباين الشعوب، وتعدد النماذج، ووضعها كلها على قدم المساواة التاريخية من حيث إسهاماتها في تطور البشرية دون الوقوع في نظرية المركز والأطراف (الغرب بالنسبة للشعوب غير الأوروبية). وهنا يتم الإثراء المتبادل، ونهاية الأثر الغربي من المركز إلى الأطراف ذي الاتجاه الواحد. (ب) مادة التراث
والتراث هو الإبداع الفكري الذاتي للشعوب، ابتداء من معطيات تكون في الغالب دينية ثم تتحول بالتدريج إلى حضارية، بعد عمليات تمثل الحضارات المجاورة، وتفسير هذه المعطيات وإعمال العقل فيها بحيث تتم إعادة صياغتها في منظور إنساني طبيعي. وبالتالي كانت مادة التراث على النحو الآتي: (1)
الكتب المقدسة في ديانات التوحيد الثلاث التي خرجت من إبراهيم: العهد القديم، والعهد الجديد، والقرآن خاصة بالنسبة للشعوب العربية والأوروبية؛ أو الفدنتا والأوبانيشاد وكتاب «التغيرات» وغيرها في الديانات الآسيوية. وهي تراث حي في قلوب الناس وليست فقط تراثا مكتوبا، بل إنها كانت في البداية تراثا شفاهيا يتناقلها الناس وتتوارثه الأجيال، أضافت عليها من خبراتها سواء داخل النصوص الأولى بتفسيرها أو بإضافة نصوص جديدة من خارجها. وما زال الناس يستشهدون بها ويتخذون أوامرها ونواهيها كمعايير مطلقة للسلوك. (2)
العلوم الدينية أو كما يسميها القدماء العلوم النقلية التي بدأت حول هذه الكتب المقدسة لضبطها وقراءتها وتفسيرها، وتقنينها وتمثلها، مثل علوم القرآن والحديث والتفسير، والفقه والسيرة. ففي هذه العلوم تعلمت الشعوب مناهج البحث، ووضعت طرقها الخاصة للتعليم وتصورها للعلم. فقد نشأ «النقد التاريخي» عند القدماء بدافع من الحرص على صحة النصوص، وتم وضع «مناهج الرواية» لتحويل التراث الشفاهي إلى تراث مكتوب. وهي علوم أقرب إلى التقديس والاحترام وأقرب إلى الإيمان الديني منها إلى البحث الأكاديمي الصرف. فكتب الحديث مثل «البخاري» تقرأ عبادة للتبرك ولدرء الأخطار وجلب المنافع. وكتب التفسير مثل «الطبري» تحظى من الاحترام قدرا لا يسمح بالمناقشة والحوار. وكتاب «الأم» للشافعي أو «موطأ» الإمام مالك أو «مسند» الإمام ابن حنبل مواطن للتصديق، ومصادر للمعرفة. وسيرة «ابن هشام» تتحد بشخص النبي ولا يجوز المساس بها. مقولة «المقدس» إذن هي لب التراث، وأي تنمية لا تأخذ في الاعتبار هذا المركز وأي نهضة تحاول تجاوز هذه المقولة؛ لا تحدث أي تغيير في العمق.
والعلوم الفلسفية كما يسميها القدماء العلوم النقلية العقلية التي تجمع بين التقديس والتعقيل مثل علم أصول الدين، وعلوم أصول الفقه، وعلم الحكمة من منطق وطبيعيات وإلهيات، وعلوم التصوف وتهذيب الأخلاق ما زالت علوما تعيش في قلوب الناس. يستشهدون بها، ويقرءون أعمالها. تسري مقولاتها وتوجيهاتها في حياتهم الخاصة والعامة، ويحتفظون بها في بيوتهم، بركة ورحمة. فالعقائد الإسلامية وعلى رأسها التوحيد، والقدر والنبوة والإيمان والآخرة، تقوم في قلوب الناس بوظيفة الأيديولوجية السياسية التي تحدد تصورهم للعلم، وتعطيهم موجهات للسلوك. وعلم أصول الفقه هو الذي يحدد لهم كيفية العبادات وطرق المعاملات، ومقاييس السلوك من حلال وحرام. وعلوم الحكمة هي التي أمدتهم بأن الفضائل النظرية أعلى من الفضائل العملية، وبأن المعرفة تتم إشراقا من الله في النفس وأن العلم هو العلم اللدني، وبأن الطبيعة مخلوقة من الله يفعل فيها ما يشاء، وبأن الله والنبي والفيلسوف والرئيس والأمير والإمام شخص واحد، كامل الأوصاف، تجب له الطاعة المطلقة. وعلوم التصوف هي التي وجهتهم نحو الخلاص من العالم والفرار منه إلى الله، وإلى تمثل القيم السلبية مثل التوكل والصبر والرضا والقناعة، وحالات النفس مثل الخوف والخشية والرهبة.
ومنها العلوم العقلية الخالصة سواء منها الرياضية مثل الحساب والجبر والهندسة والفلك والموسيقى والضوء، أو الطبيعية مثل الكيمياء والطبيعة والطب والأدوية وهي التي لم تؤثر في حياة الناس أو في ثقافتهم ولم يرثها أحد من علمائنا المحدثين بل ورثها الغرب وأصبحت رصيده العلمي قبل عصر النهضة، طورها وأكملها ودخلت في علمه الحديث وتطبيقاته التي تنقلها الشعوب غير الأوروبية الآن ومنها الشعوب العربية والإسلامية التي بدأتها أولا. ومنها العلوم الإنسانية مثل علوم اللغة والأدب التي انتشر البعض منها في الأدب العربي الحديث، وعلوم الجغرافيا والتاريخ التي تركت لحضارة الغرب يطورها ويكملها علماء الغرب المحدثون. (3)
الأمثال العامية، والأدب الشعبي، وكتب السير والملاحم التي ما زالت الشعوب تستشهد بها وتأخذ منها معايير للسلوك ونماذج لحياة البطولة والوفاء يسمعها الناس سماعهم للقرآن، ويهتزون للاثنين إعجابا وطربا.
Page inconnue