Études philosophiques (Partie II): Sur la philosophie occidentale moderne et contemporaine
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Genres
Conter-Culture
في مواجهة حضارة العصر السائدة. لقد شعرت أخيرا المجتمعات المتطورة بالوجه الآخر للعملة وهو فقدان الإحساس بالحياة أمام التسهيلات الجمة وتحويل الإنسان إلى عبد للآلة بعد أن كانت الآلة عبدا للإنسان. وما وصلت إليه المجتمعات المتطورة وشعرت بأوجه نقصه هو ما تحاول المجتمعات النامية الحصول عليه الآن وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بصورة أقسى؛ لأن المجتمعات المتطورة تستهلك ما تنتجه في حين أن المجتمعات النامية تستهلك ما ينتجه غيرها. وإذا كانت المجتمعات المتطورة قد خسرت الآخرة فقط فإن المجتمعات النامية قد خسرت الدنيا والآخرة.
وقد امتازت التكنولوجيا الأوروبية على التكنولوجيا البدائية بأنها قائمة على العلم؛ لذلك أفسحت المجال للتقدم بلا حدود. لم تعد الجماهير من الطبقة العاملة وحدها بل تعدتها إلى طبقات التكنوقراط والعلماء. فإذا فرضت البرجوازية القائمة أو الناشئة روحها على العصر فإن التكنوقراط يكونون جماعات داخل البرجوازية ويفرضون عليها روحهم. والعالم على رأس جماعة التكنوقراط ولكنه يقع في التخصص ويصبح تكنوقراطيا متخصصا لا عالما مفكرا. وتصبح سمة التخصص هي سمة العصر الحاضر. وهو ما يعارض روح القرن الثامن عشر عند فلاسفة التنوير ومثلهم الأعلى في المعرفة الشاملة التي حاول فلاسفة دائرة المعارف تنسيقها. يؤدي التخصص إلى تضييق مجال الرؤية وإلى الخلط بين الاستقصاء والفحص وجمع المعلومات من ناحية، وبين روح العلم والإبداع العلمي من ناحية أخرى. فمجرد جمع المعلومات والتعامل معها بالعمليات الرياضية ليس علما بل العلم هو موقف الإنسان من الطبيعة وعمل العقل في ظواهرها. كان الناس قديما إما علماء أو جهالا. واليوم هناك وسط بينهما وهم المتخصصون الذين هم علماء نظرا وجهلة عملا، والذين يسلكون في الحياة العامة وكأنهم جهال. لقد ساعد التخصص العلوم التجريبية على تقدمها في القرن الماضي، ولكنه اليوم عاجز عن أن يعطيها دفعات أخرى إلى الأمام. وهنا يتفق أورتيجا مع برجسون في رفضه للتخصص وفي دعوته إلى المعرفة الشاملة. التخصص هو سبب أزمة علم النفس في النصف الأول من هذا القرن، وكذلك سبب الخلط في العلوم الإنسانية. وإذا كانت دعوة أورتيجا وبرجسون دعوة شرعية في المجتمعات التكنولوجية، فإنها لا تصدق على المجتمعات النامية التي تعاني من روح الشمول ونقص التخصص، ووضع كل شيء في كل شيء.
وكما أن العلم مهدد بالتخصص فكذلك الحياة مهددة بالدولة. لم تكن للدولة في القرن الثامن عشر الأوروبي أهمية تذكر. ثم بدأت الرأسمالية ومؤسساتها الصناعية القائمة على التكنولوجيا الجديدة في توسيع نشاطها. فظهرت طبقة اجتماعية جديدة وهي البرجوازية التي كان لديها من القدرات العلمية والعملية ما ساعدها على القيام بدور المنظم حتى إن الدولة نفسها كانت تدور في فلكها. لم تكن الدولة حينئذ إلا جنودا وبيروقراطيين وثروة خلفها نبلاء العصر الوسيط. وكانت هذه الطبقة قد انتهت لأنها كانت ذات عقل محدود. وكانت تسلك طبقا لغرائزها وعواطفها وانفعالاتها. وكان العامل اللاعقلي هو السائد؛ لذلك لم تستطع تطوير التكنولوجيا التي تقوم على التنظيم. ونظرا لوجود هذه الهوة الشاسعة بين ضعف الدولة وقوة الطبقات الاجتماعية استولت البرجوازية على السلطة. وبدأ المد الثاني للبرجوازية في القرن التاسع عشر، ونشأت دول قوية، وانتهى عصر الثورات لاتحاد سلطة الطبقة الاجتماعية مع سلطة الدولة، ولم يبق إلا الانقلاب. أصبحت الدولة جهازا ضخما يسير كل شيء، تعجب بها الجماهير وتنسى أنها نتاج إنساني فتنجرف داخلها. إن أخطر ما يهدد المدنية اليوم هو «تدويل الحياة»
L’Etatisation de la vie ، والقضاء على تلقائية الأفراد وحركة الجماهير. يسود العقم، ويعيش المجتمع للدولة، والفرد لجهاز الحكم. تعم البيروقراطية حتى تبتلع جهاز الدولة والجيش، وتصبح الجماهير مجرد مادة لتغذية جهاز الدولة كما هو الحال في النظام الفاشي وشعاره «كل شيء للدولة، ولا يوجد شيء خارج الدولة، ولا يوجد شيء ضد الدولة.» تظهر قوة البوليس، وتتضخم أجهزة المخابرات، وتصبح الدولة التي خلقها الفرد أخطبوطا تمتد أطرافه في كل مكان وكأنها عين الله الساهرة. لقد كانت الدولة في القرن التاسع عشر الأوروبي، خاصة عند هيجل، أمل الجماهير حتى إنه اعتبرها الحقيقة نفسها مجسمة على الأرض (المطلق نفسه) بعد أن تحقق في التاريخ، والله نفسه بعد أن انتقل من ملكوت السموات إلى ملكوت الأرض، ولكنها اليوم تخلت عن مهمتها، وعادت الجماهير التي دعتها من قبل. وينطبق وصف أورتيجا على الدولة في العصر الحاضر سواء في النظم الاشتراكية أو في النظم الرأسمالية أو في أنظمة الحكم في البلاد النامية. فكثيرا ما تعادي الدولة في النظم الجماعية حرية بعض الأفراد رعاية لمصلحة الجماهير. ودائما ما ترعى الدولة في النظم الرأسمالية مصالح الطبقات المستغلة ضد مصالح الجماهير. وفي بعض الأحيان تجمع بعض أنظمة الحكم في البلاد النامية في دكتاتورية الطبقة الجديدة والحكم لصالحها بين عيوب الأنظمة الجماعية والأنظمة الفردية على السواء. وكما يبدو ذلك في «عسكرة » المجتمع أو في قول الرئيس «الدولة هي أنا». ومن ثم يكون أورتيجا أشبه بباكونين
Bakunin
الثائر على دولة هيجل وبروليتاريا ماركس على حد سواء رافضا ولاء الفرد لأية سلطة خارجة عنه سواء كانت سلطة الدولة أم سلطة الطبقة ودون أن يصل إلى حد الفوضوية كما هو الحال عند شترنر وبرودون وكروبتكين
Kropotkin
في القرن الماضي، وإما جولدمان
Emma Goldman
Page inconnue