Études philosophiques (Partie II): Sur la philosophie occidentale moderne et contemporaine
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Genres
وجهة النظر الجوهرية للدين:
إن وجهة النظر الجوهرية للدين عملية، أي ذاتية! فغاية الدين هي الخير والخلاص. وسعادة الإنسان وعلاقة الإنسان بالله ليست إلا علاقة الإنسان بخلاصه، والله ليس إلا تحقيق الخلاص أو القوة المتناهية لتحقيق الخلاص وسعادة الإنسان؛ لذلك كانت المسيحية عقيدة في الخلاص أكثر منها عقيدة في الله. ولا يتأتى الخلاص بالحصول على نعيم أرضي لأنه انحراف من الله، بل إن الآلام والبؤس والشقاء والأمراض تعتبر امتحانا من الله ووسيلة للتقرب إليه، فالمؤمن هو المصاب. وبصرف النظر عما في ذلك من ماسوشية اللذة في عذاب النفس، فإن ذاتية الألم تميل إلى موضوعية التأليه كتعويض وسند وحماية. في الألم يحتاج الإنسان إلى الله، ويشعر بالله كأنه حاجة، ويدعوه ساعة الضر فإذا كشف الله عنه الضر كأنه لم يدعه بالأمس، فينبسط الإنسان في السرور والفرج وينقبض في الألم والشقاء. في الألم ينفي الإنسان حقيقة العالم، وكل ما يثير الفنان وخياله يضيع معناه، فيغوص في نفسه، ويلجأ إلى العواطف ويكون مثاليا في العالم، طبيعيا في نفسه، مهتما بخلاصه. ويضع الدين ضمن معتقداته اللعنة والبركة، الإدانة والبراءة، العقاب والثواب. فالسعادة للمؤمن، والشقاء لمن لا يؤمن. ولا يلجأ الدين في ذلك إلى العقل بل إلى العاطفة، عواطف الخوف والرجاء، ولا يعرض المسائل نظريا بل يوجهها عمليا، فالدين سلوك عاطفي. ثم يشخص الدين خارج الإنسان وخارج الطبيعة حاجاته وأوهامه في صورة وجود شخص خاص هو الله. ثم يعزو إليه الإنسان كل الخير، كما يعزو إلى الشيطان كل شر. الشيطان هو الشر اللاإرادي الذي لا يمكن تفسيره، والله هو الخير اللاإرادي الذي لا يمكن أيضا تفسيره. فالله والشيطان قرينان، والله موجب والشيطان سالب. ثم يأتي الفضل الإلهي للوقوف أمام قوى الشيطان وقهرها. فالفضل الإلهي من مخترعات العبقرية الدينية، وهو في الحقيقة المصادفة الدينية لأنه بلا شرط أو علة، مجاني يعبر عن الذات، وليس له تبرير موضوعي. الفضل نفي للعلل الثانية وهي العلل المؤثرة في حين أن العالم مستقل ويخضع لقوانين الطبيعة؛ وبالتالي تكون كل الكونيات الدينية تحصيل حاصل وخداع. ولم يزد الخلق شيئا إلا إضافة قصور آلي للكونيات القديمة. لقد وجدت المعجزات في الماضي ولكنها لا توجد في الحاضر أو في المستقبل، فالله تصور يكمل النقص النظري ويفسر ما لا يمكن تفسيره (الله هو ليل الدين، والليل بحر الدين، والمعرفة تحل كل لغز، وتوضح كل غامض، فيتحول الليل إلى نهار، فتظهر شطآن البحر. والصلاة عمل الدين الأساسي، تعبر عن جوهره، الصلاة قادرة على الإطلاق، وما يرغبه المؤمن التقي في صلاته يعطيه الله إياه. والطلبات ليست روحية بل نفعية مادية. الصلاة وسيلة خارجة عن الطبيعة للسيطرة على الطبيعة التي يعجز الفعل الإنساني عن السيطرة عليها. الصلاة إنكار للعلل الثانية وللحرية وللفعل الإنساني، وإثبات للحصول على الغايات عن طريق الواسطة. وحيث يبدأ الدين تبدأ المعجزات، فكل صلاة صادقة معجزة، وفعل لقوة خارقة للعادة. المعجزة تعبير عاطفي عن الدين، وتشبع حاجات عملية نفعية، وتقع في تناقض مع قوانين الطبيعة التي تفرض نفسها على العقل. المعجزة أنانية دينية أو روحية لإشباع حاجات المحتاج. وباختصار تتمثل وجهة النظر الجوهرية للدين في أن الله هو الأنا الآخر، نصف الأنا المفقود، يجد فيه الإنسان نصفه الضائع، وفي أن الدين قتل للعالم وضياع للفن، وتنكر للواقع اللانهائي وللانهائي الواقعي. يستغرق الدين بالله، وينقص نظريته الجمالية، ويضع في الله غائيته الذاتية). (2)
التناقض في وجود الله:
الدين هو علاقة الإنسان بماهيته الخاصة ولكنها ماهية منفصلة عنه، خارجة منه، غريبة عليه بل ومعارضة له. وهنا يكون الموقف الزائف المعارض للعقل والأخلاق وللطبيعة. وهنا ينشأ الخيال الديني ليصور الموقف الزائف وليحدث كل المآسي الدينية في التاريخ. إن حضور الماهية الإنسانية المنفصلة عنه رؤية إرادية صبيانية ساذجة تميز بين الإنسان والله ثم توحد بينهما. وبمجرد نشأة الفكر وعمل الذهن واستيقاظ الشعور المزيف ينشأ اللاهوت وتتحول الرؤية اللاإرادية إلى رؤية قصدية واعية من أجل تفريغ هذه الوحدة والتمايز خارج الشعور بعد بدايتها فيه. كلما كان الدين في بدايته لم يكن هناك فرق بين الإنسان والله. فكان العبراني القديم يفصل بين الله والإنسان في الوجود ولكنه في الصفات يعطي الله كل صفات الإنسان. وقد تم التغلب على ذلك في اليهودية المتأخرة بالرمز. وقد حدث الأمر نفسه في المسيحية، فلم تظهر ألوهية المسيح إلا متأخرا خاصة عند بولس والكنيسة البدائية. كانت أول محاولة للفصل بين الله والإنسان واعتبار الله خارج الإنسان في وجود الله ومحاولة البرهنة عليه بالبراهين العقلية، ولكن هذه البراهين تناقض جوهر الدين. فالله هو ما لا يتصور الإنسان أعظم منه كما هو الحال في الدليل الأنطولوجي أي ما يعبر عن الإنسان (وما يعتبره الإنسان أسمى وأعظم ما هو إلا هاد للعقل وأخلاق للعاطفة والتمني والرغبات. فعواطفه اعتقاده هو الله بالنسبة له في حين أن الوجود هو الوجود الحسي العياني الذي لا يمكن استنباطه؛ ومن ثم يجعل فيورباخ الأحمق على حق وأنسيلم على خطأ في المعركة بين أعداء الدليل الأنطولوجي وأنصاره. الدليل الأنطولوجي مجرد إسقاط ورغبة تولد المرغوب فيه، وتمن يتحول إلى وجود. الله هو نفس القلب الحسي، وما السماء إلا المسرح الحر للانفعالات، ولكن الدين لا يعي هذا القياس اللاشعوري. إن مهمة البراهين على وجود الله إخراج الداخل، وتخريج الانفعالات، وتشخيص العواطف خارج الإنسان وليست إثبات أي موجود واقعي في الخارج. ومن نتائج هذا التناقض أيضا الإلحاد، وهي تهمة لا توجه للمحلدين بل للمؤمنين الذين ينكرون وجود الله الفعلي، ويؤمنون بماهية الإنسان المتموضعة خارجه على أنها إله وهو وهم. وينتج عن الإلحاد نفي لكل المبادئ الخلقية، ونفي وجود الله هو نفي لكل أساس للتمييز بين الخير والشر، بين الفضيلة والرذيلة. ويقوم الخيال بدور كبير في الإيقاع في الوهم. وقد بدأت دلائل أخرى على وجود الله، وهي التي سماها كانط الدلائل البعدية أو الكونية أو الفيزيقية ابتداء من العالم والحقائق التجريبية والمادية المزدهرة في العصر ولكنها أيضا تبدأ من العالم الحسي ثم تتحول إلى وهم عن طريق تخيل موجود في الخارج. والحقيقة أنه إذا ما تم التوحيد بين الاعتقاد بالله والاعتقاد بالعالم تم القضاء على الزيف وينتهي الاغتراب). (3)
التناقض في الوحي الإلهي:
الوحي هو البرهان الوحيد على وجود الله؛ فالله يكشف عن نفسه من خلال الوحي، ويرسل دليلا حسيا ملموسا على وجوده. فالوحي شهادة من الله على نفسه بأنه موجود. الوحي هو البرهان الوحيد الموضوعي في حين أن البراهين العقلية ذاتية خالصة. الله يتحدث، ويكلم الإنسان، فالوحي هو كلام الله للإنسان، صوت يخلب اللب، ويستولي على المشاعر. الإيمان بالوحي هو ذروة الموضوعية الدينية، يتحول فيه اليقين الذاتي إلى واقعة تاريخية خارجية لا يمكن الشك فيها. لقد برهن الله بنفسه على وجود ذاته. وظهر على أنه إله موضوعي. لم يعد الله إلها لي، بل إله في ذاته له وجوده المستقل عني. الله هو الرابطة المشخصة بين الماهية والجنس (المنطقي)، وبين الطبيعة الإنسانية والشعور الإنساني. وبالرغم من ذلك فإن الوحي يضم عدة تناقضات؛ أولا: أن الإنسان لا يمكنه معرفة شيء عن الله، وأن كل معرفة عبث، وأن الإنسان لا يمكن أن يعلم شيئا عن الله إلا ما يعلمه الله إياه عن نفسه من خلال الوحي. المعرفة الإنسانية مجرد ظن ورأي في حين أن الوحي حقيقة ويقين، وهكذا يتم التنكر للمعرفة الإنسانية والحط من قيمتها والشك فيها وهدمها. ثانيا: الله يفكر في الإنسان ولأنه يرسل إليه وحيا، فالإنسان مقصد الله ومحدثه. ولكن يقع اللاهوتي في خطأ شنيع عندما يجعل الإنسان يفكر في الله، ويجعل الله مقصد الإنسان ومحدثه أي قلب الأنثروبولوجيا إلى ثيولوجيا في حين أن سر الثيولوجيا في الأنثروبولوجيا. ثالثا: الإيمان بالوحي إيمان صبياني، مرتبط بالمراحل الأولى لتطور البشرية. الوحي تربية للجنس البشري من الطفولة إلى المراهقة إلى الشباب. ويختفي بمجرد استقلال الإنسان عقلا وإرادة. وهي الفكرة التي ورثها فيورباخ من فلاسفة التنوير الألمان وعلى رأسهم كانط ولسنج. رابعا: الوحي قضاء على الحس والتذوق الخلقي والجمالي للفضيلة، بل هو قتل وتسميم للحس الإلهي للإنسان، حس الحقيقة والإحساس بها. الوحي حقيقة خاصة محدودة وليس حقيقة عامة وشاملة في كل زمان ومكان، مسطورة في الطبيعة، يدركها الذهن الإنساني؛ لذلك يجب تدوين الوحي في لغته الأولى حتى يتم حفظه في صورته الأولى. خامسا، يعارض الوحي العقل بما فيه من معجزات وخرافات وأساطير. ولما كان الحق لا يعارضه بل الحق يوافقه ويشهد له لزم تأويل نصوص الوحي حتى تتفق مع العقل وتحل التناقضات. سادسا: لما كان الوحي مكتوبا فقد حدث فيه بالضرورة خطأ في النقل والرواية أي في الوحي الموضوعي. ولما كانت الحقيقة أيضا معطاة ذاتيا في الإيمان، حدث تناقض بين الوحي المكتوب والوحي الروحي، وانشطر الإنسان. (4)
التناقض في ماهية الله بوجه عام:
الله هو ماهية الإنسان التي تتحول إلى ماهية فوق إنسانية
Surhumain . الله ماهية خالصة وكائن شخصي في آن واحد، عام وخاص، كلي وجزئي، شامل ومحدود، هذا هو التناقض. فما يجب أن يكون ينفي بالضرورة ما هو كائن. والله الذي لا يسمع لصلواتنا ولا يرعانا ولا يعتني بنا لا يكون إلها وبالتالي تتحول الإنسانية إلى صفة لله. ولما كان ذلك لا يكفي نسب إليه الإنسان صفة ما فوق الإنسان وما فوق الطبيعة. فالله تأليه. والوحدة هنا جزء لا يتجزأ من الله. ثم أتى اللاهوت وأغرق ذلك في خضم من الأوهام والخيالات والتناقضات والسفسطات. فمثلا يقول اللاهوت: «إن الله يتجاوز حدود الفهم وسر لا يمكن النفاذ إليه.» وينقل صفة معروفة إلى صفة أخرى غير معروفة، وصفة طبيعية إلى صفة أخرى فوق الطبيعية للإيهام بأن الله مخالف للإنسان. وعدم الفهم هذا موقف انفعالي يتدخل فيه الخيال الذي هو العضو والماهية الأصلية للدين. لا نهائية الله لا نهائية كمية لأنها صفة إنسانية مقلوبة، الإنسان كم. الله موجود حسي سلب منه الحس، وحل محله الخيال، وهو حس بلا حدود. فالله خالد مطلقا وعالم مطلقا أي حس مدفوع إلى آخر حدوده. فالخلود والحضور على الإطلاق صفات حسية. ووظيفة الخيال توسيع أفق الحس. الأنا المحدود والنسبي المحدود يتم إطلاقهما بالخيال، وهكذا الحال في باقي الصفات. فالبداية هي الحس والواقع الجزئي (وبالتالي كانت الوثنية أقرب إلى الدين الصحيح . الله إذن هو ضرب الإنسان في نفسه إلى ما لا نهاية فيصبح الله كل شيء، كل خير وكل وجود، ويكون الخلاف بين الله والإنسان مجرد خلاف في الكم لا في الكيف. ليس الدين في حاجة إلى عقل بل في حاجة إلى خيال. الدين نفسه تعويض عن نقص الحضارة، فالمتدين ليس في حاجة إلى ثقافة. هو سعيد بخياله، ولا يحتاج إلى الخروج عن ذاته. المسيحية بماهيتها لا تفهم مبدأ الحضارة. لذلك كان العبرانيون على عكس اليونان). (ومثل ثان لتناقضات اللاهوت هو مفهوم النشاط أو العمل أو الصنع أو الخلق؛ ففي الفعل يجد الإنسان نفسه حرا سعيدا بلا حدود في حين أنه يجد نفسه في الانفعال محدودا، مقهورا، شقيا. الفعل هو الشعور الإيجابي للذات. ويحدث الشيء نفسه بالنسبة لله. فالله هو السرور أو الفرح اللامحدود نتيجة للفعل، فيخلق كل شيء. ونجاح الفعل ودقة الصنع إنما ينشآن من أننا نحب ما نفعل. الخلق إذن نظرية سهلة لتفسير العالم تدل على عدم تحمل الذهن وسيادة العاطفة لسد نقص غياب نظرية فيزيقية للعالم في الدين.) (لقد وضعت المسيحية أمام الوثنية التي تفسر نشأة العالم على نحو طبيعي نظرية ذاتية عاطفية عملية بل أقرب إلى الأسطورة منها إلى النظرية وهي الخلق. ولما كان من الضروري التمييز بين عمل الإنسان وعمل الله فتم تصور الخلق من عدم لنفي أي تشابه أو تماثل بينهما.) (ومثال ثالث هو توليد الابن من الآب، توليدا خارقا للعادة من فوق الطبيعة وتمييزه عن التوليد الطبيعي، توليدا ليس له حدود، ضد العقل وضد الطبيعة من فعل الخيال، وهما خداعا، بالرغم من محاولته تفسير البعيد بالقريب، والأسمى بالأدنى، وما فوق الطبيعي بالطبيعي. ومثال رابع، تصور الفردية أو الاستقلال أو الشخصية. فالله شخص يرسل وحيا، وصفاته صفات الإنسان، والشخص ضد وحدة الوجود الذي هو في قلب المسيحية. فاللوجوس هو الإنسان السر، المتضمن، الخفي. والإنسان هو اللوجوس الظاهر المتجلي. الله حي مثل الإنسان، والدين هو الإنسان قاسما نفسه قسمين بفعل الخيال.) (5)
التناقض في النظرة التأملية لله :
Page inconnue