Études sur la Muqaddima d'Ibn Khaldoun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Genres
إننا نعتبر هذه العبارة مهمة جدا لتعيين مدى توسع ابن خلدون في ملاحظة آثار الالتحام والاتصال في الحياة الاجتماعية، ولفهم ما يقصده من العصبية والنسب حق الفهم.
يقول ابن خلدون - بعد العبارة الآنفة الذكر - ما يلي: «أهل الأمصار كثير منهم ملتحمون بالصهر، يجذب بعضهم بعضا إلى أن يكونوا لحما لحما، وقرابة قرابة، وتجد بينهم من العداوة والصداقة ما يكون بين القبائل والعشائر مثله؛ فيفترقون شيعا وعصائب.» «فإذا نزل الهرم بالدولة، وتقلص ظل الدولة عن القاصية؛ احتاج أهل أمصارها إلى القيام على أمرهم، والنظر في حماية بلدهم، ورجعوا إلى الشورى، وتميز العلية عن السفلة، والنفوس بطباعها متطاولة إلى الغلب والرئاسة، فتطمح المشيخة - لخلاء الجو من السلطان والدولة القاهرة - إلى الاستبداد، وينازع كل صاحبه، ويستوصلون بالأتباع من الموالي والشيع والأحلاف، ويبذلون ما في أيديهم للأوغاد والأوشاب؛ فيعصوصب كل لصاحبه، ويتعين الغلب لبعضهم» (ص377).
وبعد أن يشرح ابن خلدون الملك الذي قد يتأسس من جراء هذا الغلب، يقول: «إنما دفعهم إلى ذلك تقلص ظل الدولة، والتحام بعض القرابات، حتى صارت عصبية» (ص378).
2 (1)
وأما الأدوار التي تلعبها العصبية في الحياة الاجتماعية فهي كثيرة ومهمة جدا في نظر ابن خلدون، كما يظهر بكل وضوح من العبارات التالية: «العصبية تحمل الأفراد على التناصر والتعاضد في المدافعة والحماية والمقاتلة.»
إنها ضرورية «في كل أمر يحمل الناس عليه من نبوة أو إقامة ملك أو دعوة؛ إذ بلوغ الغرض من ذلك كله إنما يتم بالقتال عليه؛ لما في طباع البشر من الاستعصاء، ولا بد في القتال من العصبية» (ص128). «الملك إنما يحصل بالتغلب، والتغلب إنما يكون بالعصبية» (ص157). «الرئاسة لا تكون إلا بالغلب، والغلب إنما يكون بالعصبية» (ص132). «إن العصبية بها تكون الحماية والمدافعة والمطالبة، وكل أمر يجتمع عليه» (ص139). «كل امرئ يحمل عليه الكافة فلا بد له من العصبية» (ص159). «إن المطالبات كلها والمدافعات لا تتم إلا بالعصبية» (ص187).
يشرح ابن خلدون هذه الأمور والتأثيرات المختلفة بتفصيل واف من فصول مختلفة، ويتوسع بوجه خاص في أمر تأثير العصبية في تكوين الدول.
ونحن نرى أن نتعمق في درس رأي ابن خلدون في علاقة العصبية بالدولة أولا، وبالديانة ثانيا. (2)
تلعب العصبية دورا هاما في تأسيس الملك وتكوين الدولة؛ لأن «الغاية التي تجري بها العصبية هي الملك» (ص139)، «والملك إنما يحصل بالتغلب، والتغلب إنما يكون بالعصبية» (ص157).
إن قوة العصبية تنزع بطبعها إلى الحكم والسيادة، والتوسع في الحكم والسيادة. «وصاحب العصبية إذا بلغ رتبة طلب ما فوقها، فإذا بلغ رتبة السؤدد والاتباع، ووجد السبيل إلى التغلب والقهر؛ لا يتركه؛ لأنه مطلوب للنفس، ولا يتم اقتدارها عليه إلا بالعصبية التي يكون بها متبوعا، فالتغلب الملكي غاية للعصبية» (ص139). «ثم إن القبيل الواحد وإن كانت فيه بيوتات متفرقة وعصبيات متعددة، فلا بد من عصبية تكون أقوى من جميعها تغلبها وتستتبعها ...» «ثم إذا حصل التغلب بتلك العصبية على قومها، طلبت بطبيعتها التغلب على أهل عصبية أخرى بعيدة عنها، فإن كافأتها أو مانعتها كانوا أقتالا وأنظارا، ولكل واحدة منهما التغلب على حوزتها وقومها، شأن القبائل المتفرقة في العالم، وإن غلبتها واستتبعتها التحمت بها أيضا، وزادت قوة في التغلب إلى قوتها، وطلبت غاية في التغلب والتحكم أعلى من الغاية الأولى وأبعد.» «وهكذا دائما حتى تكافئ بقوتها قوة الدولة.» «فإن أدركت الدولة
Page inconnue