Études sur la Muqaddima d'Ibn Khaldoun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Genres
وأما أسباب هذا التقليد فيردها ابن خلدون إلى تأثير «نزعة نفسية» يعبر عنها بقوله: «إن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه.»
وهذا الاعتقاد النفسي يتولد - على رأي ابن خلدون - من ثلاثة أسباب: (أ) «إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه.» (ب) «أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي، إنما هو لكمال الغالب.» (ج) «أو لما تراه من أن غلب الغالب لها ليس بعصبية ولا قوة بأس، إنما هو بما انتحلته من العوائد والمذاهب.»
هذه الأسباب النفسية هي التي تحمل المغلوب على الاقتداء بالغالب، وعلى انتحال كل ما يراه فيه من العوائد والمذاهب.
ولتأييد هذا التعليل يذكر ابن خلدون تقليد الأبناء للآباء: «انظر ذلك في الأبناء مع آبائهم، كيف تجدهم متشبهين بهم دائما، وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم» (ص147).
كما يذكر تقليد الناس للحامية: «وانظر إلى كل قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زي الحامية وجند السلطان في الأكثر؛ لأنهم الغالبون لهم.»
ويذكر كذلك سراية بعض العادات والأحوال من أمة إلى من يجاورها ويخالطها: «حتى إنه إذا كانت أمة تجاور أخرى ولها الغلب عليها، فيسري فيهم من هذا التشبه والاقتداء حظ كبير.»
ويستشهد على ذلك بما لاحظه في الأندلس: «كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة ؛ فإنك تجدهم يتشبهون بهم في ملابسهم وشاراتهم، والكثير من عوائدهم وأحوالهم، حتى في رسم التماثيل في الجدران والمصانع والبيوت.»
ويستنتج من هذه الملاحظة العاقبة المؤلمة التي تنتظر أهل الأندلس: «حتى لقد يستشعر من ذلك الناظر بعين الحكمة أنه من علامات الاستيلاء، والأمر لله.»
ثم يقرن بكل ذلك كلمة من الكلمات الحكمية، ويختم الفصل بقوله: «وتأمل في هذا سر قولهم: العامة على دين الملك، فإنه من بابه؛ إذ الملك غالب لمن تحت يده، والرعية مقتدون به؛ لاعتقادهم الكمال فيه اعتقاد الأبناء بآبائهم، والمتعلمين بمعلميهم» (147). (2)
يقول ابن خلدون في فصل انتقال الدولة من البداوة إلى الحضارة: «أهل الدول أبدا يقلدون في طور الحضارة وأحوالها للدولة السابقة قبلهم، فأحوالهم يشاهدون، ومنهم في الغالب يأخذون» (ص172).
Page inconnue