La religion : recherches préliminaires pour l'étude de l'histoire des religions
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
Genres
ولقد وجه «دوركايم» كل قوته الجدلية لمهاجمة هذه النقطة الضعيفة في النظرية، مبينا أن البدائيين ليسوا في حاجة إلى تفسير ظاهرة الأحلام، وأنهم إن احتاجوا إلى تفسيرها فليس الطريق الذي وصفته النظرية متعينا ... إلخ. ونحن نحتفظ من بين هذه الوجوه بوجه واحد نحرص على تقريره وتأييده، لا لصحته وصلته بجوهر الموضوع فحسب، ولكن لأنه في الوقت نفسه يحدد فكرة «عبادة الأسلاف» تحديدا معقولا، ويبرز أسبابها الحقيقية؛ ذلك أن تجربة الحلم إن سلم أنها تكفي للاعتقاد بالروح فإنها لا تكفي بمجردها لتعليل الاعتقاد بألوهية مصدرها؛ فإن من الرؤى ما هو هذيان وأضغاث أحلام، ومنها ما هو مجرد ذكريات ماضية عادية، وليس شيء من ذلك يثير عقيدة التأليه، وإنما يثيرها نوع خاص، وهو الرؤى التي يتجلى فيها معنى الوحي والإلهام بحوادث غير متوقعة، أو بحقائق لا تدرك بنور العقل البشري العادي.
ومن جهة أخرى فإنه لا يعرف في أمة من الأمم أن احترامها للموتى أو الأسلاف وصل بها إلى عبادة جميع الموتى أو جميع الأسلاف؛ وإنما الذي كان موضعا لهذا التقديس من بينهم من كان قد عرف في حياته بقوة خارقة ممتازة تركت أثرا باقيا في الطبيعة أو في المجتمع. فليس الموت إذن شرطا ولا سببا في هذا التقديس، وإنما معيار التقديس هو تلك القوة السرية الخارقة، أو تلك الجوهرة الإلهية التي تتجلى آثارها في الحوادث الإنسانية العظيمة.
أما سائر الوجوه التي أتعب الناقد فيها نفسه، وظن أنه قد نقض بها التفسير الروحي من قواعده، فإنها مناقشات شكلية لم تمس إلا الصورة البدائية التي وصفتها النظرية وطبعتها بطابع الخرافة؛ وما زال جوهر التفسير الروحي سليما لا غبار عليه ولم تنل منه هذه المجادلات شيئا.
والواقع أن عالم العجائب الروحية ليس بأقل من عالم العجائب الطبيعية إيحاء لفكرة الألوهية؛ بل هو أمس بها رحما، وقد أسلفنا أن فكرة الروح في ذاتها ليست قاصرة على الأمم الهمجية، بل هي أوسع ميدانا، وأقدم تاريخا، وأقوى بنيانا من تلك الصورة البدائية، وقد اعترف الناقد بأنه «كما لا تخلو أمة من ديانة، كذلك لا تخلو من فكرة عن القوة الروحية.»
8 (3) المذاهب النفسية
هذه فصيلة أخرى من النظريات، تتلخص فكرتها العامة في أنه لأجل الوصول إلى العقيدة الإلهية لم يكن بالناس حاجة إلى التأمل في الطبيعة وجمالها، ولا في التقلبات الكونية وأهوالها، ولا إلى التجارب العجيبة في عالم الأرواح وأسرارها؛ بل إن تجارب الإنسان النفسية، في حياته العادية المألوفة له في كل يوم، كانت كافية لتوجيه نظره بقوة إلى تلك الحقيقة العليا. (3-1) نظرية ساباتييه
حاول «أوجيست ساباتييه»
Auguste Sabatier
في الفصل الأول من بحثه عن فلسفة الدين
Esquisse d’une philosophie de la Religion
Page inconnue