La religion : recherches préliminaires pour l'étude de l'histoire des religions
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
Genres
يفترض فيها أن الحلقات المفقودة التي لم تسجلها المشاهدة تنتظم في سلك مع الحلقات التي سجلتها، وأن السلسلة المؤلفة منهما تمتد في خط متصل مستقيم، أو هو على الأقل أقرب إلى الاستقامة وأبعد عن التعرج والالتواء، وأما في «أخراهما» فإنه من وراء تلك السلسلة كلها يثب في عالم الغيب الزماني والمكاني وثبة هائلة
extrapolation
يفترض فيها أن المناطق التي لم ير منها شيئا شبيهة بالمنطقة التي رأى بعضها، وأن ما سيكون شبيه في الجملة بما كان، لا جرم أن قانونا هذا مبلغه من الارتكاز على الواقع المشاهد - وكل قوانين العلم الطبيعي كذلك - هو عالة في قانونيته نفسها على نوع من الإيمان العقلي بتلك المقدمات المفروضة التي لا تزال تضيف إلى شهادة الحس وقعا أغلظ منها غريبة عنها، حتى تبرزها في ثوب العموم والشمول.
ثم نقول بلسان العلم الأعلى - أعني: علم قوانين المعرفة والفكر - إن كل تفسير للآثار بأسبابها الطبيعية يحمل في نفسه جرثومة نقصه وعجزه، ولا يمكن أن يصل إلى حد الإقناع الشافي إلا إذا اقتلع قانون التفكير من جذوره؛ ذلك أنه لو كان صدور الأثر انبثاقا طبيعيا من سببه لوجب أن يكون وجوده مجرد امتداد لهذا السبب، ولوجب إذن أن يشبهه في كل شيء، حتى إن أدنى اختلاف بينهما في الطبيعة، أو الكم، أو الكيف، يصبح مجالا لسؤال جديد لا يحير التفسير الطبيعي له جوابا.
بل إن مجرد اختلافهما في الزمان أو المكان يجعلنا نتساءل: لم كان هذا قبل، وذاك بعد؟ أو لم كان أحدهما عن اليمين، والآخر عن الشمال؟ ... فإذا جرينا إلى نهاية الشوط، وجب أن يئول الكون أمامنا إلى وحدة لا تعدد فيها، أو إلى نقطة لا امتداد لها، وأن تمحى من أذهاننا فكرة الغيرية، ولا يبقى فيها إلا مبدأ العينية ... لكن الفكر نفسه لا حياة له إلا في التعدد والاختلاف؛ إذ هو حركة بين حدين أو جملة حدود، يصل بينها أو يفصل ... هكذا توقعنا التفسيرات الطبيعية بين نارين: فهي إما أن تقف بنا معترفة بعجزها وإفلاسها وتتركنا ظمأى لا تنقع لنا غلة؛ وإما أن تسعى إلى الوفاء والكمال حتى تفضي بنا إلى الإحالة والخلف، ألا وإنه لا مخرج للعقل من هذا الخلف والتناقض، ولا سبيل في الوقت نفسه إلى شفاء النفس من هذا العي إلا بتجاوز تلك التفسيرات الآلية الخالصة، والتماس سبب إرادي مفحم، تكون له الحرية في اختيار هذا التفاوت بين الأسباب ومسبباتها.
وهكذا تلتقي العلوم العقلية والطبيعية - العملية منها والنظرية - على الاعتراف بأنها في استقصاء البحث عن أصول الأشياء ومبادئها تنتهي دائما بالانتصار لقضية الغيب، وتفسح بيدها المجال لبقاء الأديان وخلودها.
على أن العلوم في هذا الاتجاه الذي وصفناه إنما تعمد إلى أحد طرفي المحور مستدبرة طرفه الآخر؛ وإنما تحاول إرضاء نصف حاجة العقل، مهملة نصفها الثاني؛ ذلك أن النفس الإنسانية ليس يشفيها في تفهمها للأشياء أن تصعد إلى أسبابها ومقدماتها، بل لا بد لها بعد ذلك من أن تنحدر معها إلى غايتها ونهاياتها، وتستفسر عن مقاصدها وأهدافها.
فليس يكفيك لكي تحيط بالشيء خبرا أن تعرف نشأته دون أن تعرف مصيره، ولا أن تعرف كيف كان؟ دون أن تعرف لم كان؟ أليست هذه المطالبة النفسية الحثيثة دليلا على ما هو مركوز في الجبلة من الاقتناع بأن الحوادث الكونية تسير على خطة مرسومة، وأن القوة المدبرة للأشياء تهدف منها إلى غاية معينة، أو أنها لا تسير بمحض المصادفة العمياء والاتفاق التحكمي؟
فانظر الآن موقف العلوم الحديثة من هذه الضرورة العقلية التي تلح علينا في السؤال عن غايات الأشياء ومقاصدها:
لقد أتى على هذه العلوم زمن أعلنت فيه أنها نفضت يدها من هذا البحث، وأنها أوصدت دونه بابها، مدعية أنه إنما يعنيها اكتشاف علاقة السببية بين الظواهر، ومعرفة اطرادها على نسق معين؛ وليس يعنيها، بل ليس يدخل تحت قدرتها، أن تتبين: أهذا الارتباط مقصود لغاية؟ ولا ما هي تلك الغاية؟
Page inconnue