La religion : recherches préliminaires pour l'étude de l'histoire des religions
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
Genres
أما الأديان السماوية فإنها «صنعة إلهية» لها كل ما للإلهيات من ثبات الحق الذي لا تبديل لكلماته، وصرامة الصدق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم هي فوق ذلك «منحة كريمة» تصل إلى حامليها وسفرائها عفوا بلا كدح ولا نصب، وتغمرهم بنورها في فترات خاطفة، كلمح البصر أو هو أقرب.
فإذا انفردت الفلسفة في حكم لم يؤمن عليها العثار، وإذا التقى العقل والوحي على أمر فقد اتصلت مشاعل الليل بضوء النهار،
نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء .
7
الفصل الثالث
الدين وسائر العلوم
(1) مراتب العلوم من حيث غاياتها المباشرة
عرفنا الآن درجة النسب بين الدين والفلسفة والأخلاق، وأنها أسرة واحدة ترتبط أعضاؤها بلحمة الأخوة، أو لحمة الأبوة والبنوة، وإذا كان المجهود الإنساني يشرف بشرف موضوعه وغايته، فأي هدف يمكن أن يتعلق به مطمح الباحث، فوق «الحق» الأبدي الذي تزول الدنيا ولا يزول، و«الخير» المطلق الذي توزن به الأشياء ولا يوزن هو بشيء؟
تلك هي القيم الكبرى، والمثل العليا، التي لا يتصور في العقل شيء يعلوها أو يدانيها، لذلك كان البحث عنها أشرف المطالب وأعلاها، وكان سائر وجوه النشاط العقلي والروحي والبدني سعيا وراء قيم نسبية، تتفاوت مراتبها تبعا لقربها أو بعدها من ذلك الهدف الأسمى. فكما أن الذي يفني عمره في فحص علف الدواب وانتخاب أجود أنواعه، يؤدي خدمة لها قيمتها في كيان المجتمع الإنساني ورفاهيته، من طريق غير مباشر؛ إذ يحفظ بذلك قوام الحيوان، الذي به قوام بدن الإنسان، الذي به قوام روحه، الذي به قوام دينه، الذي به كمال سعادته؛ كذلك تتفاضل موضوعات العلوم فيما بينها على نمط هذه النسبة، فأدناها ما يكون خادما غير مخدوم، ويليها ما يكون خادما مخدوما معا على مراتب ... حتى تنتهي إلى موضوع العلم الأعلى، الذي يكون مخدوما غير خادم. (2) مراتب العلوم من حيث مقومات موضوعاتها
ولو أننا أخذنا في تصنيف موضوعات العلوم، لا باعتبار شرف غايتها المباشرة، بل بحسب مقوماتها النوعية، وتكامل عناصرها بالازدياد التدريجي، لحصلنا منها على هذا الترتيب التصاعدي نفسه؛ إذ نرى كل واحد منها يحتوي ما قبله ويزيد عليه عنصرا جديدا. فالحياة النباتية تستلزم وجود الجسم بأجزائه، وجزئياته، وعناصره، وذراته، وطاقاته، وتزيد عليه وظائف أخرى. والحياة الحيوانية تحتوي الحياة النباتية بجميع وظائفها وتزيد عليها. والحياة الإنسانية فيها كل الحياة الحيوانية وتزيد وظائف أعلى، وهذه الوظائف نفسها طبقات بعضها فوق بعض، وأعلاها الوظيفة الروحية التي تتطلع إلى الحقيقة الكبرى. (3) لا اشتراك بين الدين والعلوم في موضوع ما
Page inconnue