La religion, la révélation et l'islam
الدين والوحي والإسلام
Genres
والدين والحكمة عند هؤلاء الفلاسفة يفيض كلاهما عن واجب الوجود على عقول البشر بواسطة العقل الفعال.
فلا فرق إذن بين الحكمة والدين من جهة غايتهما ولا من جهة موضوعاتهما ولا من جهة مصدرهما وطريق وصولهما إلى الإنسان.
والفرق بين الدين والفلسفة عند الفارابي هو من وجه أن طرق الفلسفة يقينية، أما طريق الدين فإقناعي، ومن جهة أخرى تعطي الفلسفة حقائق الأشياء كما هي، ولا يعطي الدين إلا تمثيلا لها وتخييلا، ولا يفرق الفارابي في ذلك بين ما هو علمي وما هو عملي.
وقد ذكر الفارابي ذلك في مواضع مختلفة من كتبه، ومن ذلك قوله في كتاب «تحصيل السعادة»: «وتفهيم الشيء على ضربين: أحدهما أن تعقل ذاته، والثاني أن يتخيل بمثاله الذي يحاكيه، وإيقاع التصديق يكون بأحد طريقين: إما بطريق البرهان اليقيني، وإما بطريق الإقناع ، ومتى حصل علم الموجودات أو تعلمت فإن عقلت معانيها أنفسها أو وقع التصديق بها على البراهين اليقينية كان العلم المشتمل على تلك المعلومات «فلسفة»، ومتى علمت بأن تخيلت بمثالاتها التي تحاكيها.» وحصل التصديق بما خيل منها عن الطرق الإقناعية كان المشتمل على تلك المعلومات بتسمية القدماء «ملة».
ويرى ابن سينا: أن بين الدين والفلسفة فرقا آخر، هو وجهة الدين عملية أصالة، ووجهة الفلسفة بالأصالة نظرية، وهو يقول في رسالة الطبيعيات: «مبدأ الحكمة العملية مستفاد من جهة الشريعة الإلهية، وكمالات حدودها تتبين بها، وتتصرف فيها بعد ذلك القوة النظرية من البشر بمعرفة القوانين واستعمالها في الجزئيات، ومبادئ الحكمة النظرية مستفادة من أرباب الملة الإلهية على سبيل التنبيه ومنصرف على تحصيلها بالكمال بالقوة العقلية على سبيل الحجة.»
ويقول الشهرستاني في كتاب «الملل والنحل» في معنى قول ابن سينا ما يأتي: «والأنبياء أيدوا بأمداد روحانية لتقرير القسم العملي وبطرف ما من القسم العلمي، والحكماء تعرضوا لأمداد عقلية تقريرا للقسم العلمي وبطرف ما من القسم العملي، فغاية الحكيم هو أن يتجلى لعقله كل الكون، ويتشبه بالإله الحق تعالى بغاية الإمكان، وغاية الدين أن يتجلى له نظام الكون فيقدر على ذلك مصالح العامة حتى يبقى نظام العالم وينتظم مصالح العباد، وذلك لا يتأتى إلا بترغيب وترهيب وتشكيل وتخييل، فكل ما وردت به أصحاب الشرائع والملل مقدر على ما ذكرناه عند الفلاسفة، إلا من أخذ علمه من مشكاة النبوة، فإنه ربما بلغ إلى حد التعظيم لهم وحسن الاعتقاد في كمال درجتهم.»
والتشكيل والتخييل في كلام الشهرستاني خاص بالأمور العلمية، فالفلاسفة - كما يذكره ابن تيمية في كتابه «منهاج السنة» - يقولون: «إن الأنبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر وعن الجنة والنار، بل وعن الملائكة بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه، لكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون أن الله تعالى جسم عظيم، وأن الأبدان تعاد، وأن لهم نعيما محسوسا وعقابا محسوسا، وإن كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر؛ لأن مصلحة الجمهور أن يخاطبوا بما يتوهمون به ويتخيلون أن الأمر هكذا، وإن كان هذا كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور؛ إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم لا تمكن إلا بهذا الطريق، وهؤلاء يقولون: الأنبياء قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرها، وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر، وإن كانت الظواهر في نفس الأمر كذبا وباطلا ومخالفة للحق، فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة، ثم من هؤلاء من يقول: النبي كان يعلم الحق، ولكن أظهر خلافه للمصلحة، ومنهم من يقول: ما كان يعلم الحق كما يعلم نظار الفلاسفة وأمثالهم، وهؤلاء يفضلون الفيلسوف الكامل على النبي ... وأما الذين يقولون إن النبي كان يعلم ذلك، فقد يقولون: إن النبي أفضل من الفيلسوف؛ لأنه علم ما علمه الفيلسوف وزيادة، وأمكنه أن يخاطب الجمهور بطريقة يعجز عن مثلها الفيلسوف.»
وقول ابن تيمية تقرير واضح لآراء الفلاسفة وإن كان في أسلوبه وألفاظه ما لم تجر به عادة الحكماء.
الوحي
الفصل الأول
Page inconnue