La religion, la science et l'argent
الدين والعلم والمال
Genres
نعم أيها السادة إننا مثلكم نبكي حزنا وأسفا كلما رأينا العلم يؤدي ببعضهم إلى هذه النتائج المكروهة، ولكن رحماكم! أنصفوا ولا تلقوا التبعة في ذلك على العلم، بل على الذين أخرجوه هذا المخرج، أي على النفوس التي استنتجت منه هذه النتيجة القبيحة، إن العلم «كندى السماء، ولا يبقى الندى نقيا إلا إذا وضع في إناء نقي»، فالنفوس التي تخرج العلم المقدس ذلك المخرج ليست بنفوس نقية، ولذلك يفسد العلم فيها، فقبل لومكم العلم لوموا الفطرة الطبيعية الدنيئة.
ثم هل تظنون أن العلم وحده ينتج نتائج كهذه النتائج. كلا، فإن تعليمكم الدين بالطريقة التي تعلمونه بها ينتج مثلها أيضا، فإنكم تعلمون مبادئ وقواعد قديمة لم تعد العقول تقبلها في عصر كهذا العصر، وتطلبون تدبير الحاضر بالماضي، وتقولون إن الناس لا يمكنهم فهم الكتب إلا بواسطتكم؛ ولذلك تفسرونها وتضعون رأيكم في هذا التفسير في موضع الحقيقة الثابتة التي لا يجوز مسها بدل أن تتركوا الناس يفهمونها كما تسوقهم فطرتهم، فكم من نفس ساذجة كريمة تفهم مع سذاجتها تلك الكتب بالروح أكثر مما تفهمونها أنتم، بل هي تصنع أفضل من هذا فإنها لا تفهمها فقط بل تعمل بها أيضا، وهذا فضل لها عظيم عليكم يا من تكتفون بالقول دون الفعل، فلماذا تجعلون أنفسكم بين الله والناس في منزلة الوسيط والمدافع عن الدين، أي عن الضمير البشري، من أقامكم وسطاء ومدافعين عن هذا الضمير، دعوا البشر يعيشون بملء حريتهم الروحية، فإن كتبهم الدينية بين أيديهم، وضمائرهم إذا لم تفسدوها بالجدل والمماحكة والأهواء فإنها لا تقرأ فيها إلا الحقائق الأزلية ومبادئ الإخاء البشري، ولا تقولوا نحن نرشدهم، فإنكم بشر مثلهم، أي فيكم جميع أهواء البشر الصالحة والفاسدة، وهذا الإرشاد لا يقبله البشر إلا من الملائكة، ويوم تصيرون ملائكة مجردين من كل ضروب الشقاء البشري فاعلموا أننا نحن نسعى إليكم من غير أن تأتوا إلينا ونطلب مساعدتكم، فدعونا ولا تقفوا بيننا وبين الله لتجبرونا على أن نفهم حياتنا وكتبنا وإلهنا ومصالحنا كما تريدون أنتم؛ فإن ذلك الضغط يجرنا إلى الكفر بكل شيء.
ثم هل أنتم تكتفون بذلك؟ كلا، فإنكم لا تنفكون عن محاربة بعضكم بعضا، فهذا المذهب يكفر ذاك وذاك هذا إلى ما شاء الله، والأقبح من ذلك الحرب بين الأديان، أي بين دين ودين لا بين مذهب ومذهب فقط، فإن الذين مصلحتهم قائمة بتكدير الإخاء بين البشر وإثارة التعصب في نفوس أهل السذاجة (ولولا ذلك لم يكن ثمت موجب لوجودهم ولا معنى له) لا ينفكون عن النداء أن دين أولئك باطل لاحتوائه على كذا وكذا، فيجيبهم غلاة هذا الدين بل دينكم الباطل لاحتوائه على كذا وكذا، وفي أثناء ذلك يكون رجل ثالث واقفا بعيدا عن الفريقين يسمعهما، فلما يرى الفريقين في سكرة من الجنون والحماقة إلى هذا الحد، لما يرى أنه لا غرض لهما من هذا الطعن غير التدجيل والشعوذة «لملء الخزانة وإشباع الحزانة» كما قال الزمخشري في بعضهم، على افتراض أن هذا التدجيل يجوز على عقول أهل السذاجة، فإنه حينئذ يهب من مكمنه ويقول للفريقين: إن رمتما الحق فكلاكما في ضلال، وليس هناك دين صحيح غير ديني، فيسألانه: وما هو دينك؟ فيجيبهما: «ديني أن أفعل ما أريد كما أريد وقتما أريد، وما بقي فأوهام وخزعبلات حاكتها التصورات والخيالات وهدمتها كل الفلسفات»، وهكذا يكون تكفير الناس بعضهم بعضا في عصر كهذا العصر مؤديا على خط مستقيم إلى هدم جميع الأديان على السواء، وليست التبعة في ذلك واقعة فقط على الغلاة من أهل العلم والفلسفة بل هي واقعة أيضا على الغلاة من أهل الأديان في أي دين كان.
من أجل هذا طلبنا منكم التساهل والاعتدال وترك الصراع والنزاع، إن مبادئكم - كتلك الفتاة التي كانت جاثية بخشوع على البلاط تصلي في أثناء هياج الخطيب المصارع - لا تؤثر تأثيرا حقيقيا إلا بالتسليم لرحمة الله والهدوء والإقناع، فكونوا هادئين ومخلصين مقنعين ومقتنعين ... واعلموا أن الوفاق في بلادنا بين عناصرنا لا يمكن إلا بمراعاة الوسط الجديد الذي صرنا فيه؛ لأن الوسط الماضي قد تغير علميا ودينيا واجتماعيا وسياسيا، وهذا الوسط لا بد أن تجتمع فيه جميع المذاهب والآراء والمبادئ والأفكار، وبناء على ذلك لا سبيل لدوام الوفاق بين الجميع إلا بإطلاق الحرية المطلقة لجميع تلك المذاهب والآراء والمبادئ والأفكار من أي نوع كانت، وهي من تلقاء نفسها متى تركت لذاتها ولم يكن هنالك شهوة دنيئة تحركها تتفق وتتجه إلى غرض واحد وهو الخير، أي محاربة الرذيلة والشناعة والفظاعة والشرور في الأرض من أي مصدر وردت وبأي صورة كانت، وبعد حين لا يبقى منها إلا الأفضل «لأن الأفضل ينسخ بما هو أفضل منه» كما قال ابن رشد. ونحن نقبل هذا الأفضل في أي جانب كان ومن أي مصدر كان.
ولا تقولوا إن أقوالي هذه تهدم آمالكم القديمة وأحلامكم الجميلة، كلا فإنه لا حلم ولا أمل أجمل من رفع الجنس البشري وإنهاض الشعوب، فاصرفوا هممكم لا إلى تحريك التعصب في صدور الشعوب ولا إلى طلب المستحيل بل إلى خدمة الشعب خدمة حقيقية، ويتم ذلك بإنارة عقول أبنائه - دون سيطرة عليها - ومساعدتهم في حياتهم وتعزيتهم في مصائبهم وذلك بالفعل لا بالقول فقط، فإن القول لم يعد يؤثر شيئا والقدوة خير المعلمين، فاحملوا إذن لواء الفقر والرفق والمحبة والإيثار والزهد، وامشوا في طليعة جيش الشعب، فإنكم لهذا وجدتم، أما إذا رمتم حمل لواء البذخ في صفوف الحكام والكبراء وأصحاب الأعمال فيكون حينئذ مثلكم مثل ملوك يخلعون أنفسهم ويخونون وظيفتهم وينقضون مبادئهم.
ولما سكت الشيخ الخطيب علا من صفوف العمال شيء من الجلبة لعدم رضائهم عن هذه الخطبة كل الرضى، وأما صفوف أهل المال وأهل الدين فإنهم صاروا أقل مقاومة مما كانوا، على أن الجميع باتوا ينتظرون الاقتراحات التي أشار إليها الخطيب في أثناء كلامه ليروا منها هل الاتفاق ممكن أم لا، فتناول الرئيس حينئذ ورقة ونشرها ثم قال يخاطب الجميع:
أيها الأبناء:
إليكم نص الاقتراحات التي يقترحها من احترامه واجب علينا جميعا، وذلك حسما للنزاع والخلاف، وإنني أرجو أن تكون وسيلة لاتفاقكم:
المادة الأولى:
تزاد رواتب العمال والمستخدمين والموظفين 50 في المائة، ولكن هذه آخر زيادة إلا للذين تجب مكافأتهم في المستقبل حين الاقتضاء.
Page inconnue