La religion, la science et l'argent
الدين والعلم والمال
Genres
لما كنت أصغي إلى الخطب الثلاث التي ألقيت أمس كنت أظنني في حلم؛ لأن الخطباء الثلاثة بعد كل ما ذكروه في أثناء كلامهم لم يدخلوا في أساس الموضوع، فكل كلامهم كان خارجا عن دائرة المسألة.
إن المسألة الكبرى التي هي مسألة المسائل في الهيئة الاجتماعية هي «كبح هوى الإنسان» أي وضع شكيمة تضبط شهواته وأهواءه لأن الاجتماع مستحيل من غير هذه الشكيمة. وهذا هو السبب في نزول الأديان وقيام المهذبين والمرشدين ليعلموا البشر أنهم لا يكونون بشرا إلا إذا كسروا حدتهم وقللوا طمعهم وسكنوا أهواءهم وسامحوا المسيئين إليهم، إلى غير ذلك، ولكن تعالوا وانظروا ماذا يصنع أهل الكفر والضلال.
فصاح صائح من بين صفوف أهل العلم: لم يصنعوا شيئا سوى أنهم نقلوا الجنة من السماء إلى الأرض.
فأتم الخطيب كلامه دون أن ينتبه إليه قائلا: إنهم قاموا يعلمون الناس الانفكاك من هذه القيود الأدبية الجميلة التي حفظت الهيئة الاجتماعية إلى اليوم، فإنهم يحرضون الضعفاء على أن يتمتعوا بالحياة كالأقوياء، ويعلمونهم أن ذلك من حقهم لأنهم الأكثرية، وأن اللذات الموعودين بها فوق، تعويضا لهم عما فاتهم منها هنا، إنما هي لذات وهمية، وبهذا التعليم أيها السادة يهدمون نظام الاجتماع الذي يزعمون أنهم حفظوه ويثيرون كل ما في نفس البشر من الأحقاد والضغائن والشهوات الحيوانية.
فصاح حينئذ صائح من صفوف العمال: كم أعطاك أهل المال لتقوم مدافعا عنهم؟
وصاح صائح آخر منهم: لا عتب علينا نحن العوام إذا كنا نطلب التمتع بخيرات الأرض، ما دام رجال الدين قد سبقونا إلى ذلك منذ أزمان.
فأتم الخطيب كلامه قائلا: فأهل الضلال هم السبب في كل هذه الفتن وهذه الاضطرابات، ولست أسميهم «أهل العلم» لأن العلم الحقيقي براء منهم، وها في صفوفنا نحن كثيرون من أهل العلم الحقيقي ينكرون تلك البدع المهلكة.
أيها السادة، إن بابل ونينوى وسدوم وعمورة إنما خربت وصب عليها غضب الله لأنها أطلقت أهواءها وشهواتها من كل قيد، فهل ترومون أن يصيبنا ما أصابها.
هؤلاء المصلحون أصلحهم الله يريدون الاشتراكية، أي يريدون هيئة اجتماعية فيها الجميع إخوة وتكون إدارتها تهتم بالجميع، فعافاكم الله أيها المقلدون الذين يسمون أنفسهم مخترعين، ألا ترون أن هذه الهيئة هي هيئتنا نفسها، فتعالوا إذا إلينا، ولكنكم لا تأتون لأن اشتراكيتنا نحن مبنية على المحبة والرفق لا على العنف والغصب، نحن نعتبر الكبير فينا صغيرا والصغير فينا كبيرا، وأما أنتم فتريدون أن تكونوا كلكم كبراء، نحن نجامل الجميع ونساوي بين الجميع لنرضي الجميع وأما أنتم فتريدون جعل الفقراء أغنياء والأغنياء فقراء، نحن نطلب خيرات الدنيا لنفرقها على غيرنا وأما أنتم فتطلبونها لتدفنوها في بطونكم. «فالفرق بيننا وبينكم في المسألة الاقتصادية كالفرق بين الخير والشر والبياض والسواد، أنتم تحرضون وتهيجون ونحن نسكن ونهمد، والله من أعالي السماء يعلم أينا أنفع للهيئة الاجتماعية.
فصاح حينئذ صائح من بين العمال: هذا افتخار من يكبح جماح البقرة ويمسكها لمن يريد حلبها.
Page inconnue