La religion de l'homme
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Genres
كلنا نعرف أن الضعيف يفوق القوي،
واللين يقوى على الصلب،
ولكننا لا نضع هذه المعرفة موضع التطبيق (79: 190-192).
وفي النهاية، يبقى شعار لاو تسو أن الصمت أبلغ من الكلام؛ فأمام الحقائق الكبرى لا ينفع إلا أن تسلك سبيل المعرفة وحدك وبدون كلمات:
الذين يعرفون لا يتكلمون،
والذين لا يعرفون هم المتكلمون (56: 128).
هذه المعرفة التي لا تتأتى بكلمات، ولا يستطيع صاحبها أن يوصلها بكلمات أيضا، هي ما يجعل الفكر الشرق أقصوي لغزا محيرا بالنسبة إلينا؛ فالفكر الشرق أوسطي، ووريثه الفكر اليوناني والغربي عموما، يرى في المعرفة عملية خطية تنتقل خطوة خطوة من أجزاء الموضوع إلى كليته، بحيث لا يمكن فهم الكل إلا من خلال فهم تفصيلي لمكوناته واحدا إثر آخر، في الوقت الذي يحدث فيه الكون دفعة واحدة . هذا الفهم الخطي التفصيلي نحصله لأنفسنا بواسطة الكلمات، وننقله أيضا بكلمات أو بوسائل اصطلاحية أخرى، مثل رموز الرياضيات والمعادلات الكيميائية وما إليها. وفي مقابل هذا الموقف التجزيئي من المعرفة وطريقة تحصيلها، هناك الموقف الآخر الذي تتخذه حكمة الشرق الأقصى، والذي يرى في المعرفة معرفة بالكليات دون المرور في تفاصيلها، من خلال نظرة شمولية تخترق الحقيقة مباشرة ومن غير تجزئتها. وهنا يستخدم التاوي عقله بكليته وبيسر وسهولة لا قسر فيها لكي يتناغم مع الوجود؛ لأنه كما أن البحر المحيط لا يمكن كيله بكأس، كذلك الحقيقة لا يمكن الإحاطة بها بإعمال الفكر في جزئياتها.
وقد طورت فيما بعد بوذية الزن
Zen (وهي طريقة انتشرت في الصين ثم في اليابان، تجمع بين التاوية والبوذية) هذا الموقف من المعرفة إلى حده الأقصى، عندما أكدت على أن الاستنارة الكاملة تأتي دفعة واحدة وبشكل مفاجئ، وذلك عندما يصل العقل إلى أقصى مدى له في الاسترخاء والإحجام عن الفعل. وهذه الحالة العقلية هي ما يحاول معلم الزن إيصال تلامذته إليها؛ فهو لا يلقنهم معلومات ولا يدربهم على مجاهدات، وإنما يأخذ بيدهم نحو الوصول إلى تلك الحالة التي يستطيعون معها اختراق الحقيقة بأنفسهم. وهو إذ يكرر على مسامعهم الوصية المعروفة جدا في تعاليم الزن والتي تقول «اغسل فمك كلما ذكرت البوذا»، إنما يدفعهم إلى إزاحة كل ما من شأنه التوسط بينهم وبين الطريق الشخصي إلى الحقيقة، بما في ذلك تعاليم البوذا.
تضعنا التاوية أمام عدد من التصورات والمفاهيم الفلسفية والدينية، سوف نواجهها بشكل أو آخر عند بقية الأديان الشرق أقصوية؛ فعوضا عن الإله الخالق المشخص هناك المجال القدسي وقوته؛ أي
Page inconnue