La religion de l'homme
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Genres
The Literary Trope of Return - A Reply to Firas Sawah
أي: العودة من السبي كمجاز أدبي - رد على فراس السواح.
الكتاب يشبه الكائن الحي في دورة حياته؛ فهو يولد ويعيش مدة ثم يختفي ولا تجده بعد ذلك إلا في المكتبات العامة، ولكن بعضها يقاوم الزمن وقد يتحول إلى كلاسيكيات لا تخرج من دورة التداول. وقد أطال القراء في عمر مؤلفاتي حتى الآن، ولم يختف أحدها من رفوف باعة الكتب، أما تحول بعضها إلى كلاسيكيات فأمر في حكم الغيب.
فإلى قرائي في كل مكان، أهدي هذه الأعمال غير الكاملة مع محبتي وعرفاني.
فراس السواح
بكين، كانون الثاني (يناير) 2016
فاتحة
كان يوما حارا من أيام شهر حزيران، أمضيناه داخل حرم جامع سيدي خالد نحضر لامتحانات شهادة الدراسة الابتدائية، على عادة الطلبة في تلك الأيام؛ إذ يلجئون إلى برودة المساجد وفيئها وهدوئها في أيام الامتحانات. توجهت إلى رواق الجامع قبل المغيب تفاديا لزحام ساعة الصلاة، وكان آخر سؤال طرحه علي زميلي الذي يختبر معلوماتي في الفيزياء، وهو يلحق بي: لماذا تنفجر ثمرة الكستناء إذا وضعت على النار؟ فأجبته وأنا أخطو بسرعة عتبة الباب: بسبب ضغط البخار داخل القشرة. كنا نفضل الخروج من الحرم قبل كل صلاة؛ كي لا نبقى عاكفين على الكتاب والناس يؤدون صلاتهم، أو تحاشيا لسماع كلمات التقريع من أقرب المصلين إلينا. في إحدى المرات، قبضت علي ذراع شيخ مهيب، وقادني معه إلى مقدمة المصلين حيث أجبرني على الصلاة إلى جانبه.
مشيت حافيا فوق البلاط الحجري للأرضية الدافئة التي امتصت شمس النهار، ثم افترشت حصيرا من تلك التي تفرش عادة في الأروقة الخارجية للمساجد. استلقيت متحسسا خوص الحصيرة المجدول، كان دافئا وتنبعث منه تلك الرائحة الأليفة لنبات الأسل، تحمل معها على الدوام عبق اجتماع الناس وأحاديث السمار. وعندما اتصل بصري بالقبة السماوية اجتاحني تدريجيا شعور لا يمكن إعطاؤه حقه بكلمات، كانت سيالة زرقاء تملأ الكون فتشدني إلى الأعالي، أو تهبط بالأعالي إلى حصيرتي. المآذن من فوقي تتقارب وتتلاقى، ثم تغيب في الأعماق، والأعمدة والجدران تتباعد ثم تتلاشى وراء آفاق غير منظورة ... تحسست الزرقة تحت لساني وفي الأوعية الشعرية تحت الجلد، ثم تفتت قطعا زرقاء تتطاير كندف قطن لا وزن لها، لم أعد موجودا، أو لعل من الأنسب أن أقول، لم أشعر بمثل هذا الوجود الحق من قبل، ولن أشعر به إلا مرات قليلة بعد ذلك. لا أدري كم مضى علي في تلك الحالة، وعندما أخذت الأشياء تستعيد صورتها من جديد مستجمعة شتاتها من هيولى نشأتها، تجمعت إلى أجزائي، وعدت سيرتي الأولى، تلميذا تحت الرواق يقبض على كتاب الفيزياء ويحاول النهوض في ذهول عما حوله.
كانت تجربة ساحقة ومفرحة في آن معا؛ ساحقة لأنها تغمرك دون إرادة منك أو استدعاء لها، لتذهب بأناك العزيزة وتمحو حدودها في دقائق تبدو دهرا، ومفرحة لأنك إذا داهمتك فلن تشعر بالوحشة أو الوحدة بعدها أبدا.
Page inconnue