Damas, Ville de Magie et de Poésie
دمشق مدينة السحر والشعر
Genres
وكان الدهان من الصناعات الدمشقية المتفردة بها هذه المدينة، ويكون ذا ألوان ثابتة لا تنصل بالحرارة ولا بالبرودة، ولا ينال منها السوس ولا الحشرات، والدهان المعروف اليوم بالعجمي مما تفردت به دمشق، وأهل هذه الحرفة يزينون بما يدهون اليوم قصور العظماء في الشام ومصر والعراق، ويعملون منها مناضد ومقاعد وبعض أدوات الزينة، فتجيء طرفة من الطرف.
وأزهرت صناعة التنزيل في خشب الخزائن والأصونة والمقاعد والكراسي بالصدف أو بقطع الليمون، وكانت مصنوعاتها تزدان بها الأندية والردهات، وتباع منها مقادير عظيمة في أميركا وغيرها. ويقال لصناعة الحفر والتنزيل «الأبلق» وهي من أجمل الصناعات أيضا، تدهن الحجر بالنقوش والأشكال ويحفر ويدهن بصب الأصباغ في الشقوق، ثم يجلى ويصقل، فيأتي صبغها براقا ثابتا كأنه من أصل الحجر، وكانت الأصباغ القديمة في الجدران والأبهاء ثابتة ذات بهاء ولمعان، وهي من نباتات البلاد وموادها، فلما نازعتها الأصباغ الإفرنجية الرخيصة التي تنصل بسرعة، بطل استعمال الأصباغ القديمة، وكاد يفقد سرها ويندمج في صناعة التنزيل صناعة النقش بالجبس على الجدران، ومنها نموذجات صبرت على حوادث الدهر.
لما حرق الجامع الأموي حريقه الأخير، أخذ العارفون يفكرون في إرجاعه إلى رونقه السابق، فأحييت صناعات دقيقة في النقش والحفر والترخيم كادت تضمحل، ومحراب جامع بني أمية مثال ظاهر منها، واخترع إذ ذاك أحد أرباب الصناعات مركبة تجرها بضعة ثيران، فتنقل الأعمدة والسواري من مقالعها مهما عظمت على أيسر وجه، والحاجة أم الاختراع.
ومن القديم كانت دمشق تفاخر بما تصنع من السيوف المحلاة؛ لما اختصت به من الصفاء والاخضرار، تكتب فيها آيات وأشعار بماء الذهب، ومثل ذلك الخناجر والرماح، وتطريق الحديد مما عرفت به دمشق قبل الإسلام، وما زالت صناعته متوارثة في بيوت معروفة إلى اليوم، وذكر التاريخ أن الإمبراطور ديوقلسيانوس الروماني أنشأ في دمشق في القرن الثالث للميلاد معملا للأسلحة، فاستدل من ذلك أن المستخرج من حديد هذه الديار كان كثيرا يفي بحاجة الدولة والأمة. والقيانة أو القردحة أي صنع السلاح، مما كانت له أسواق رائجة، عرف الصليبيون ذلك ونسبوها في عهدهم إلى دمشق، وكان العرب نقلوا هذه الصناعة - أي صناعة السيوف - إلى الأندلس، فنسبت إلى دمشق حتى يوم الناس هذا، ويقال لها بلغات الإفرنج إلى اليوم «دامسكيناج»، «داماسكينري» أي تنزيل الذهب والفضة في الفولاذ، وكانت الدروع والخوذ والسابرية تصنع في دمشق حتى لكأنها كانت معملا عظيما من معامل السلاح على الطريقة التي وصلت إليها أدوات القتل والتوقي منه في تلك الأعصر.
وتفنن صناع هذا تفننا شوهد أثره في صناع القذائف والنسافات، فقد ذكر المؤرخون أن الصليبين يوم عكا اصطنعوا ثلاثة أبراج من خشب وحديد، وألبسوها الجلود المسقاة بالخل، وجعلوها على عجل يسع الواحد منها من المقاتلة ما يزيد على خمسمائة نفر، ويتسع سطحه لأن ينصب عليه منجنيق، فأراد صلاح الدين إحراقها، وجمع الصناع من الزراقين والنفاطين، وكان من جملة من حضر شاب نحاس دمشقي، فذكر أن له صناعة في إحراقها، وأنه إذا حصل له الأدوية التي يعرفها، وطبخها مع النفط في قدور من النحاس وقذف بها الأبراج تحترق لساعتها، وكذلك كان.
وما برح كل ما يصنع من الحديد يعمل في معامل دمشق كالمردان والمغازل والصنارات والأسياخ والعقافات والقيود والزرد والمباضع والمبازع والشمارط والآنية والنعال والمسامير والمعاول والمساحي والمناجل والمطارق والأقفال والمفاتيح والمغالق والمناصب والملاقط والسكاكين والمدى والمناشير والمراكن والمراجل والدلاء والبراميل والمقالي والمواسي والمبارد والصناجات والدرابزون والكلاليب واللوالب والقدوم والفئوس والمقاريض. وفي العهد الحديث أدوات المركبات والعجلات والسيارات والدراجات والمضخات والمدفئات والسكك والمحاريث والآبار الارتوازية وغيرها، والاعتماد فيها كلها على الحديد المستبضع من الغرب.
وكان أرباب الصناعات في القديم يجزئهم ما يستخرج من حديد البلاد، ومن النحاس تعمل أواني البيوت كالقدور والمغارف والأطباق والمناقل والدلات «أوعية القهوة» والطسوت والصواني والصحون والصحاف والمصافي والملاعق والسطول والمساخن والهواوين والمدقات وغير ذلك. وقد أنشئت أوائل هذا القرن معامل لصنع أواني النحاس المكتب والمعرق، ومنها الزهريات والمصابيح والثريات والتعاليق والكئوس والمباخر والقماقم والصحاف والبواطي وبعض أدوات الزينة، فراجت رواجا عظيما في الممالك الأجنبية، وتنافس أرباب الذوق في اقتنائها ، ومنها ما يعمل بالمينا، ومنها ما يعمل بالفضة وهي على غاية الإبداع.
واشتهرت هذه العاصمة قديما بالزجاجة «صناعة الزجاج»، وكان يضرب المثل بصفائه، ويتخذ للزخرفة والزينة، ومنه الأكواب والآنية على اختلاف ضروبها، والأباريق والجامات والسكرجات والمضخات والأقداح والقوارير والكيزان والبواطي، كانت لها معامل مهمة في دمشق، وفي الحرب الأخيرة أخذت معامل الزجاج تصنع الكئوس والفناجين وزجاجات المصابيح وصراحيات الماء وغيرها، وراجت رواجا كثيرا، واستغنت بما صنعت عن مصنوعات تشيكوسلوفاكيا وغيرها، وكانت معامل الزجاج ممتدة على طول الجامع الأموي، رآها الرحالة بوجيبوجي سنة 1346م، ويظهر أن البنادقة توصلوا إلى سر هذه الصناعة في القرون الوسطى وأنشئوا يخرجون أنواع الزجاج، ومنها المرايا التي بطل عملها بعد ذلك هنا، ثم أخذ بعضهم بآخرة يقلد المرايا المصنوعة في الغرب فتباع لرخص أثمانها.
وزهد أرباب هذه الصناعة في صنعتهم، لما بدأ الغرب يخرج المصنوعات الزجاجية رخيصة الثمن بديعة الشكل، ومن قبل كانت المصنوعات الزجاجية من عمل البلاد رائجة، وتعلقت الهمم قبل الحرب العالمية بتأسيس معمل للزجاج، وأخرج مصنوعات جميلة وحال الاختلاف بين المساهمين دون سيره، كما كانت اتجهت النية إلى تأسيس معمل للسكر فحال رخص أثمانه دون المضي في إنشاء معمل لاستخراجه.
كان يعمل من الخزف القلل والخوابي والإجانات والدوارق وأصاصي الزهور وغيرها، ويعمل القاشاني لرصف الجدران والمحاريب والحمامات والفساقي والسلسبيلات والباذهنجات والقماقم والزهريات وغير ذلك، ويظهر أن سر صناعة القاشاني فقدت من دمشق منذ قرنين بانقراض البيت الذي كان مستأثرا بصنعه.
Page inconnue