معجم المناهي اللفظية
معجم المناهي اللفظية
Maison d'édition
دار العاصمة للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الثالثة
Année de publication
١٤١٧ هـ -١٩٩٦ م
Lieu d'édition
الرياض
Genres
معجم
المناهي اللفظية
ويليه
فوائد في الألفاظ
(فيهما نحو ١٥٠٠ لفظ)
بقلم
بكر بن عبد الله أبو زيد
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثالثة
الحمد لله، والله أكبر، ولا إله إلا الله، بذكره نبدأ دائمًا، وأبدًا، وبه نستعين أولًا وآخرًا، وعليه نتوكل في جميع نِيَّاتنا، وأقوالنا، وأفعالنا، وأحوالنا، وتصرفاتنا.
والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا بابٌ من التأليف جامع لجملة كبيرة من الألفاظ، والمقولات، والدائرة على الألسن قديمًا، وحديثًا، المنهي عن التلفظ بها؛ لذاتها، أو لمتعلقاتها، أو لمعنى من ورائها، كالتقيد بزمان، أو مكان، وما جرى مجرى ذلك من مدلولاتها، وجملة التراجم الجامعة لمنثورها على ما يأتي:
١. ألفاظ منهي عنها في جانب توحيد الله، وأسمائه، وصفاته ﷾.
٢. ألفاظ منهي عنها في حق النبي ﷺ.
1 / 5
٣. ٤. في جانب الوحيين الشريفين: الكتاب والسنة.
٥. في حق الصحابة ﵃ ومن قفى أثرهم، واتبعهم بإحسان - رحمهم الله تعالى -.
٦. في أحكام أفعال العبيد، في أبواب الفقه كافة، من الطهارة وأركان الإسلام إلى الآخر.. في البيوع، والأنكحة، والحدود، والجنايات، والأيمان، والنذور، والأقضية، والشهادات، والإقرار.
٧. في الأدعية والأذكار.
٨. في الرِّقاق والآداب، والمتفرقات.
٩. في السلام والتهاني، والأزمنة، والأمكنة.
١٠. فيما غيره النبي ﷺ من الأسماء والكنى والألقاب.
١١. في الأسماء والكنى والألقاب.
١٢. في الاصطلاح.
١٣. في اللغات الدخيلة، واللهجات والأساليب المولدة المعاصرة.
١٤. في السلوك، والبدع.
وذلك صيانة للتوحيد، وحمايةً له، وحمايةً لحماه، حفظًا للديِّن، والعِرض، والشرف، وعمارة للتعايش بين العباد، وشد آصرة التآخي بينهم، سواء أكان النهي في ذلك للتحريم، أم للتنزه والورع، عدولًا إلى الأدب الحسن: إمَّا في تحسين اللازم للمباني من المعاني التي تفسدها، وتؤثر على سلامة قصد اللافظ، بها، كلفظ «راعنا»، إذ نهى الله عنه؛ لما فيه من قصد الرعونة عند يهود، فأبدله الله - سبحانه - بلفظ
1 / 6
«انظرنا» قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا﴾ [البقرة: من الآية١٠٤] .
وقال تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء:٤٦] .
وإمَّا إرشادًا إلى الأدب الحسن في المباني، ورشاقتها، وخفتها على اللسان، وحلاوة النطق بها، وهكذا مما يسمى بالتحسين الثانوي.
وسواء أظهرت علة النهي وبان وجهها، أم كان غير ذلك ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:٦٥] . وسواء أكان بدلالة النص: من الكتاب، أو سنة، أو قول صحابي، فمن بَعْدُ من سلف الأُمة، أو كانت الدلالة عليه بمقتضى النظر الصحيح، وأُثر النهي عنه عن عالم بارع؛ طردًا لقاعدة الباب في الألفاظ المنهي عن التلفظ بها، وهي:
«رعاية الشرع لسلامة المباني والمعاني، أو لسلامة أحدهما على ذلك الوجه» دائرة في ميزان: الصدق والعدل، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:١١٩] وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ [الأنعام: من الآية١٥٢] . وإلا فإن الألفاظ ليس لها حد محدود تنتهي إليه، وتجد أُصول التنبيه على هذه الألفاظ في الكتاب،
1 / 7
والسنة، ولدى الفقهاء، في عدة أبواب، وبخاصة في: باب القذف، والردة - أعاذنا الله منهما -.
وأفرد بعض الفقهاء رسائل في ألفاظ معينة ترى تسمية طرف منها في: «المبحث الخامس» الآتي - إن شاء الله تعالى -.
وهي لدى المحدِّثين في أبواب الآداب والرقاق، بل أفردوا كتبًا في الصمت وآداب اللسان، لابن أبي الدنيا، وابن أبي عاصم، والسيوطي، وغيرهم، وأما في واحدة من آداب اللسان ترغيبًا أو ترهيبًا، فكثير؛ كالتأليف في: الشكر، والحمد، والذكر، والصلاة على النبي ﷺ، وفي المنهيات مثل: الغيبة، والنميمة، والكذب، وهكذا. ورأيت لبعض المعاصرين كتابًا باسم «فقه الكلمة ومسؤوليتها في الكتاب والسنة» أجاد فيه بذكر الأُسس الشرعية للكلام وآدابه في أحوال: التكلم والاستماع والهجر.
ولبعض أئمة أهل العلم فضل الإفادة الظاهرة بجملة كبيرة منها على وجه التحقيق، والتدقيق، ومن أكثر من رأيته ضرب بسهم وافر في ذلك: الأئمة الحفاظ: النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وابن حجر - رحمهم الله تعالى -. فَلَمْ أرَ مثلهم في ذلك على مَسْرَح العالم.
وقد تم التقييد لما ذكرته هنا من مَطَاوِي المطالعة، لِمَا وَقَفْتُ عليه من الشَّوارد في متفرقات الكتب في: التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، والسير، والمحاضرات، المؤلفة على اختلاف الأزمان، وتطاول
1 / 8
القرون، فلا يقُوْلَنَّ أحَدٌ في بعضها: هذه «لغة ميتة» أو «هذه ألفاظ محلية إقليمية» فلا تشاع؛ فإن في ذكرها تجلية لمواقف العلماء، ودقيق اهتماماتهم، وكثيرًا ما ترى الارتباط بين القديم والجديد، فيقيم الناظر سوق التدليل والتنظير، كما أنك سترى ألفاظًا هي قمة في الألفاظ الإسلامية لكن لا تشرع في مواضع؛ فصار إدخالها في هذه المناهي لهذا السبب وحسبما نبه عليه العلماء ﵏ تعالي -.
وجُلُّ العمل هنا هو في: الجمع والترتيب، لا في الوضع والتصنيف، والمقصود: الدلالة على الألفاظ وعزوها حسبما يقع، وعليه: فليغض الناظر الطرف عن النزول في العزو، وعدم استقطاب المراجع وترتيبها حسب السبق الزمني، وما هناك من إخلال في ترتيب اللفظ في ذاته، وقد ترددت بين جعل كل لفظ في حرفه حسب أصله أو حسب وضعه، فجمعت أحيانًا بين الموضعين أذكره في أحدهما، وأُشير إليه في المكان الآخر، وقد وقعت بعض أخطاء في الترتيب لم يمكن تداركها، والمنهي عنه - ولو على سبيل الأولى والتوقي - مذكور بحرف أحمر بارز.
وأما الكلام على ذات اللفظ، فإن كان يدل على النهي عنه نص فما زاد؛ فقد أكتفي بسياق نص واحد، ثم أُتبع ذلك المراجع، ليرجع إليها منشد التحقيق، ومبتغي التدقيق، وإن كان بدلالة مقتضى النظر والتعليل؛ نص أحد العلماء في اللفظ، أو صغت من مجموع كلامهم ما يدل على المراد، وأردفته بذكر المراجع، وكم من لفظ يحتاج إلى مزيد من البيان، والتحرير، ومرتبة المروي، فحسبي أن مصادره - ما
1 / 9
أمكن - مرصودة أمام طالب العلم لينظر في تحقيق مقصوده.
هذا وقد ترى اللفظ القريب يفوت ذكره، أو البعيد بعكسه؛ لأن التأليف في هذا لم يكن في الأصل من مقصدي لكنه التقييد من وجه، وقد بذلت جهدي ما استطعت إلى جمع ما ورد في السنة المشرفة، وعن الصحابة ﵃ ثم التابعين لهم بإحسان.
ومن وجه آخر فهناك أبواب كثرت فيها الألفاظ واتسعت فيها العبارات، وتعددت اللهجات، فذكرت في كل باب منها جملة صالحة يستدل بها على غيرها، وصرفت النظر عن الاستكثار منها بَلْهَ الاستيعاب؛ إذ لو فعلت لبلغ هذا المعجم مجلدات وقُطع المستفيد منه عن المراد، وفي التنبيه على بعض ما في الباب دلالةٌ على ما فيه إلى آخر ذلك الباب.
وهذه الأبواب هي فيما يتعلق بالآتي:
١- في القرآن الكريم جملة وافرة من الآيات الكريمة، التي تضمنت الرد على كلمات المعارضين لدعوة الرسل، وما أُنْزِلَ عليهم، وما جاؤا به من الحق، وهي كثيرة ظاهرة، كما في صدْرِ سُورة البقرة عن المنافقين، هكذا، وهي كثيرة في السور المكية، وأكتفي بلفت النظر هنا عن ذكر مجموعها في هذا المعجم؛ لظهورها.
٢- ألفاظ لأخلافهم من الصائبة، والمتفلسفة، والمتكلمين، هي كلمات سُوء، وألفاظ كُفْرٍ كُثْر، لم أُعرِّج إلا على ذِكْرِ اليسير منها. ولشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - مقام صِدْقٍ بنقضها
1 / 10
وإبطالها، والكشف عن غوامضها، وباطل مقاصدها، وبخاصة في مجلدات العقائد من «الفتاوى» وفي: «العقل والنقل» و«الرد على المنطقيين» .
٣- خوض الكلاميين في أسماء الله - تعالى - وصفاته، وضربهم في كل وجه؛ لَمَّا ضلوا عن الحق، فحصل من الإطلاقات في حق الله - تعالى - ما يأباه الله ورسوله والمؤمنون.
٤- غُلُوُّ من شاء الله من العباد في حق رسول الله ﷺ بما دفع بهم إلى الإطراء بأسماء وأوصاف لم يشهد لها الشرع بإثارة من علم، حتى بلغ بها بعضهم ألف اسم، ومن نظر في كتاب السيوطي، المتوفى سنة (٩١١هـ) - رحمه الله تعالى -: «الرياض الأنيقة في أسماء خير الخليقة» علِم ما حصل من التوغل في الغلو والإطراء. وتعظيم رسول الله ﷺ وتوقيره، هو بكمال محبته، والتأسي به ﷺ.
وفي: أسماء الله تعالى، وأسماء رسوله ﷺ، وأسماء القرآن الكريم، وقع تجاوز كثير في ذكر أسماء لا تثبت في كتاب ولا سنة، كما وقع الخلط بين الاسم والصفة، واشْتُق من كل صِفةٍ اسمٌ، وكل هذا غلط؛ فباب الأسماء لله - تعالى - ولرسوله ﷺ وللقرآن العظيم، توقيفية لا تكون إلا بنص، وقد جاء في القرآن نحو مائة اسم لله- تعالى- وفيه أربعة أسماء للقرآن الكريم هي: «القرآن» «الكتاب» . «الذكر» . «الفرقان» . واسم خامس هو: «المصحف»
1 / 11
ثبت في السنة، وهو منتشر في لسان الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - فمن بعدهم. لكن من العجب أنه لم يحصل إسناد القول إلى اسم من أسماء الله تعالى إلا إلى اسمين فقط هما: «الله» و«الرحمن» .
وأسماء رسول الله ﷺ حددها بالحديث الصحيح في خمسة أسماء، وقال: «لا تزيدوا عليَّ» جاء منها في القرآن الكريم اسمان: «محمد» و«أحمد» . وما سوى ذلك أوصاف له ﷺ.
أقول: لم أذكر في هذا الباب مما لا يثبت من الأسماء، إلا القليل للدلالة على غيرها.
٥- إحداث حملة البدع والأهواء مجموعة من المصطلحات والألفاظ في: «الفقهيات» وبخاصة في أبواب العبادة، والأدعية، والأذكار، والصلاة على النبي ﷺ.
وقصب السبق بالإثم في هذا لمُنتحلي الرفض والتشيع.
٦- مصطلحات الصوفية، وما لهم من العبارات، والإشارات، وبخاصة غلاتهم فلهم: مخاريق، وأباطيل، وشطح، ومشهد، بألفاظ كُفرية، وأخرى بدعية، وقفتُ على ما يتجاوز ألفي لفظ في الكتب المفردة قديمًا وحديثًا عن مصطلحاتهم، وفي غيرها.
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية، وغيرهما من محققي علماء الإسلام، لِما لَهُمْ مِنْ صولات، وجولات، وغارات، وصوائف، تكشف عن مرامي كلامهم،
1 / 12
ومواطن الإثم من ألفاظهم، وتلبيساتهم.
٧- نّعْتُ المُتَرْجمِيْن في كتب التراجم، لاسيما مؤلفات المتأخرين منهم، مثل: «الكواكب السائرة» للغزي، و«حلية البشر» للبيطار، وأما في كتب طبقات الصوفية، وتراجمهم، فحدِّث ما شئت، ففيها من الغلو، والإطراء، وبذل الألقاب، ما لا يخطر على بال.
ومنها:
إمام الأئمة. قدوة الأنام. قدوة المتقين. قطب الوجود. خاتمة علماء الطريقة إلى يوم التلاق. كعبة طواف حُجاج بيت المعاني والأُصول. زيارته ترياق مُجرَّب. يزار قبره ويتبرك به.
٨- أشعار فيها قوادح عقدية، وطعون إسلامية، وهي بالغة من الكثرة مبلغًا، وفي بعضها من الإلحاد والزندقة، مالا يقبل التأويل قطعًا.
وقد بلغ الحال قتل بعضٍ منهم على بيت قاله، أو قصيدة أنشأها. لكن الشاعر، لو اعترف في شعره بما يستوجب حدًّا، فإنَّه لا يُقام عليه الحدُّ؛ لأن كذب الشاعر في شعره، أمر معروف، معتاد واقع، لا نزاع فيه؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ﴾ [الشعراء:٢٢٦] . لكن يُعزَّر، وهذا اختيار شيخنا الأمين - رحمه الله تعالى - في: «أضواء البيان: ٦ / ٣٩٠ - ٣٩١» .
وقد ذكر الماوردي - رحمه الله تعالى - نماذج من أبيات مُنْتقدةٍ
1 / 13
عقدِيًّا في كتابه: «أدب الدنيا والدين» .
بل الأمر أوسع من ذلك، فقد حدث في عصرنا: «الشعر الحر» الذي خالف العرب في نظام شعرها الموزون المقفى. وهذا منكر، يفسد اللسان، والبيان، والذوق السليم، ثم هو تغيير لشعائر العرب المحمودة، وقد أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في إنكار الإخلال بالشعر العربي وتغيير شعائر العرب المحمودة، كأنه شاهد عيان لما حدث في عصرنا، وكلامه في: «الفتاوى: ٣٢ / ٢٥٢ - ٢٥٥»:
قال - رحمه الله تعالى -:
«(الوجه الثالث»: أن هذا الكلام الموزون كلام فاسد مفردًا أو مركبًا؛ لأنهم غيروا فيه كلام العرب، وبدلوه؛ بقولهم: ماعوا وبدوا وعدوا. وأمثال ذلك مما تمجه القلوب والأسماع، وتنفر عنه العقول والطباع.
وأما «مركباته» فإنه ليس من أوزان العرب؛ ولا هو من جنس الشعر ولا من أبحره الستة عشر، ولا من جنس الأسجاع والرسائل والخطب.
ومعلوم أن «تعلم العربية؛ وتعليم العربية» فرض على الكفاية؛ وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن. فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي؛ ونصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة،
1 / 14
والاقتداء بالعرب في خطابها. فلو ترك الناس على لحنهم كان نقصًا وعيبًا؛ فكيف إذا جاء قوم إلى الألسنة العربية المستقيمة، والأوزان القويمة: فأفسدوها بمثل هذه المفردات والأوزان المفسدة للسان الناقلة عن العربية العرباء إلى أنواع الهذيان؛ الذي لا يهذي به إلا قوم من الأعاجم الطماطم الصميان؟!!) اهـ
ثم قال - رحمه الله تعالى -:
(وهؤلاء قوم تركوا المقامرة بالأيدي، وعجزوا عنها: ففتحوا القمار بالألسنة، والقمار بالألسنة أفسد للعقل والدِّين من القمار بالأيدي. والواجب على المسلمين المبالغة في عقوبة هؤلاء، هجرهم، واستتابتهم؛ بل لو فرض أن الرجل نظم هذه الأزجال العربية من غير مبالغة لنهي عن ذلك؛ بل لو نظمها في غير الغزل، فإنَّهم تارة ينظمونها بالكفر بالله وبكتابه ورسوله، كما نظمها «أبو الحسن التستري» في «وحدة الوجود» وأن الخالق هو المخلوق، وتارة ينظمونها في الفسق: كنظم هؤلاء الغواة، والسفهاء الفساق. ولو قدر أن ناظمًا نظم هذه الأزجال في مكان حانوت: نهي؛ فإنَّها تفسد اللسان العربي، وتنقله إلى العجلة المنكرة.
وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتى في المعاملات، وهو «التكلم بغير العربية» إلا لحاجة، كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد؛ بل قال مالك: من تكلم في مسجدنا بغير
1 / 15
العربية أُخرج منه، مع أن سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها؛ ولكن سوغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام؛ فإن الله أنزل كتاب باللسان العربي، وبعث به نبيه العربي، وجعل الأُمة العربية خير الأُمم، فصار حفظ شعارهم من تمام حفظ الإسلام. فكيف بمن تقدم على الكلام العربي - مفرده ومنظومه - فيغيره ويبدله، ويخرجه عن قانونه ويكلف الانتقال عنه؟!! إنما هذا نظير ما يفعله بعض أهل الضلال من الشيوخ الجهّال حيث يصمدون إلى الرجل العاقل فيولهونه، ويخنثونه؛ فإنهم ضادوا الرسول إذ بعث بإصلاح العقول والأديان، وتكميل نوع الإنسان، وحرَّم ما يغير العقل من جميع الألوان. فإذا جاء هؤلاء إلى صحيح العقل فأفسدوا عقله وفهمه، فقد ضادوا الله وراغموا حكمه، والذين يبدلون اللسان العربي ويفسدونه، لهم من هذا الذم والعقاب بقدر ما يفتحونه، فإن صلاح العقل واللسان، مما يؤمر به الإنسان، ويعين ذلك على تمام الإيمان، وضد ذلك يوجب الشقاق والضلال والخسران. والله أعلم) اهـ.
٩- ألفاظ عامية، ولهجات محلية، دائرة بين أهل كل قطر، وربما كان اللفظ الواحد شائعًا في عامة الأقطار، مع اختلاف في بعض الحروف والألفاظ.
وكثير منها مُحْتَمِلٌ لِحقٍّ، وباطِلٍ، وبعْضٌ منها لا محْمَلَ لَهُ
1 / 16
على غير المعاني الباطلة، وهي كثيرة متولدة.
١٠- ألفاظ في: «القذف» و«الردة» - أعاذنا الله منهما - وهذه قد كفانا المحدثون، والفقهاء، عن ذكرها؛ إذ معقود لِكُلٍّ منها باب، ومُقِلٌّ أو مستكثر من سياق هذه الألفاظ، الموجبة لحد القذف، أو لحد الردة، سواء كان بالتصريح، أو الكتابة.
١١- مصطلحات إفرانجية، وعبارات وافدة أعجمية، وأساليب مولدة لغة، مرفوضة شرعًا، وحمَّالة الحطب في هذا: صاحبة الجلالة: «الصحافة» فَلِجُلِّ الكاتبين من الصحفيين ولعٌ شديد بها، وعن طريقهم استشرت بين المسلمين.
١٢- مصطلحات قانونية: وهذه استشرى دخولها في «لغة العلم» في: مصطلح الحديث. والأصول. والاعتقاد، وخاصة الأحكام العملية الفقهية.
وقد أفردت لهذا كتابًا باسم: «المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة واللغة» .
- أقول: في هذه الأبواب الاثنى عشر، سِرْتُ على حدِّ قول من نظم:
«وعن البحر اجتزاءٌ بِالْوشل» .
والآن أهمية هذا الكتاب من أهمية هذه الأداة «اللسان» لدى الإنسان، إذ على النطق بالشهادتين ينبني الدخول في الإسلام، وفي النطق بِناقِضٍ لهما يكون الخروج منه، ولعظيم أمره جاء في حديث معاذ ﵁: «وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم - أو قال:
1 / 17
على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم»؛ ولذا قال عبد الله بن مسعود ﵁: (والله الذي لا إله غيره ما على وجه الأرض شيء أحق بطول السجن من اللسان) رواه وكيع، وأحمد، وابن مبارك، في «الزهد» لكل منهم، وابن أبي الدنيا في «الصمت» وغيرهم.
وانظر إلى الرِّقابةِ المتنوعة على اللسان في نصوص القرآن الكريم: قال الله تعالى: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [قّ:١٧- ١٨] . بل الله ﷾ مع كل نجوى بعلمه، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المجادلة:٧] فسبحان من أحاط بكل شيء علمًا. وانظر إلى كشف المخافتة في القول: ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾ [القلم:٢٣- ٢٤] . واللفظ لأهميته دليل مادي قائم على حقيقة اللاَّفظ، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: من الآية٣٠] وقال تعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ [آل عمران: من الآية١١٨] .
قال شيخ الإسلام في «الفتاوى» (٤ /٧٤، ٧٥): (والكلمة أصل العقيدة. فإن الاعتقاد هو الكلمة التي يعتقدها المرء، وأطيب الكلام والعقائد: كلمة التوحيد واعتقاد أن لا إله إلا الله. وأخبث الكلام والعقائد: كلمة
1 / 18
الشرك، وهو اتخاذ إله مع الله. فإن ذلك باطل لا حقيقة له، ولهذا قال سبحانه: ﴿مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ .. إلى آخر كلامه - رحمه الله تعالى -) .
وأخيرًا انظر إلى حال أقوام يخرجون من النار برحمة الله يقال لهم: «الجَهَنَّمِيُّون» استعفوا الله من هذا الاسم فأعفاهم، فعن حذيفة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «يخرج قوم من النار برحمة الله، وشفاعة الشافعين، يُقال لهم الجهنميون» قال حماد: فذكر أنهم استعفوا الله من ذلك الاسم فأعفاهم. رواه أحمد في «المسند» (٥/٤٠٢)، وهو في «السير» للذهبي (٩/٣٧٤) .
وامتدادًا لهذا جعلت بين يدي هذا المعجم مجموعة أبحاث مهمة، منها ثبتٌ لوسائل حفظ المنطق وتحسينه في الشرع المطهر، له أهمية لا تخفى.
هذا وقد كنت أدرجت مجموعة من الفوائد في الألفاظ في الطبعة الأولى، والثانية، وميزت كل لفظ منها بنجمة قبله، ثم خشيت من الالتباس على من لم يقرأ المقدمة فيخفى عليه الاصطلاح، لهذا جرَّدْتُها من هذا المعجم في هذه الطبعة، وألحقتها مرتبة على حروف المعجم في آخر هذا الكتاب: «معجم المناهي اللفظية» وصار عنوان هذا الملحق: «فوائد في الألفاظ» .
1 / 19
وهذه الطبعة تفوق الطبعتين السابقتين بأمور:
١- ما تقدم من فصل: الفوائد، عن: «معجم المناهي اللفظية» وإلحاقه في آخر الكتاب.
٢- استدراك ما وسع استدراكه من تصحيح الأخطاء المطبعية ونحوها.
٣- إضافة مراجع جديدة.
٤- إضافة نقول مهمة.
٥- إضافة ألفاظ في: «المعجم» حتى بلغت ألفاظه نحو: «١٢٥٠» .
إضافة ألفاظ في: «الملحق» حتى بلغت ألفاظه نحو: «٢٥٠» .
٦- فصار الجميع نحو: «١٥٠٠» لفظ، وكان مجموعهما في الطبعتين السابقتين نحو «٨٠٠» لفظ.
فالحمد لله على توفيقه، وأسأله - سبحانه - أن ينفع به عباده، إنه خير مسؤول، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
بكر بن عبد الله أبو زيد
في مدينة النبي ﷺ
٣/٩/ ١٤١٦ هـ.
1 / 20
المبحث الأول:
في عِظمِ منزلة حفظ اللسان في الإسلام
أعظم الجوارح اختراقًا للحرمات هو «اللسان» في حالتيه:
متلفظًا، متكلمًا بمحرم، أو مكروه، أو فضول، وما جرى مجْرى هذه الآفات من: «حصائد اللسان» و«قوارص الكلام» بدوافع: التعالي، والخِفَّة، والطَّيْش، والغضب....
وفي حالته ساكتًا عن حقٍّ، واجب، أو مستحب، بدافع: محرم، أو مكروه، كالمداهنة، والمجاملة، والملاينة، وربما تحت غِطاءِ: غضِّ النظر؟ والتَّعقُّل، وإكساب النفس ميزان الثقل، والتأني، ومعالجة الأمور. وهكذا من مقاصد توضع في غير مواضعها، ونِيَّاتٍ تُبرقع بغير براقعها.
والله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه.
وانظر كيف نهى النبي ﷺ المسلمين عن نُسك الجاهلية: «الصمت طوال اليوم» وأُمروا بالذكر، والحديث بالخير.
عن علي ﵁ قال: حفظت عن رسول الله ﷺ: «لا يُتم بعد احتلام، ولا صُمات يوم إلى الليل» رواه أبو داود بسند حسن.
وما هذا إلا لتوظيف المسلم لسانه في الخير ناطقًا، وساكتًا. وليحذر من ارتكابه ما نهى الله عنه، فعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ
1 / 21
قال: «إن الله - تعالى - يغار، وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرَّم الله عليه» [متفق عليه] .
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه: «الجواب الكافي»: (٢٣٠- ٢٣٤):
(فصل: وأما اللفظات: فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة، بأن لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر: هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر: هل تفوت بها كلمة هي أربح منها؟ فلا يضيعها بهذه، وإذا أردت أن تستدل على ما في القلب، فاستدل عليه بحركة اللسان؛ فإنه يطلعك على ما في القلب، شاء صاحبه أم أبي.
قال يحيى بن معاذ: «القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها» فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه، حلو وحامض، وعذب وأُجاج، وغير ذلك، وبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه، أي كما تطعم بلسانك طعم ما في القدور من الطعام فتدرك العلم بحقيقته، كذلك تطعم ما في قلب الرجل من لسانه، فتذوق ما في قلبه من لسانه كما تذوق ما في القدور بلسانك.
وفي حديث أنس المرفوع: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه» وسئل النبي ﷺ عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: «الفم والفرج» قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقد سأل معاذ النبي ﷺ عن العمل الذي يدخله الجنة ويباعده من النار
1 / 22
فأخبره النبي ﷺ برأسه وعموده وذروة سنامه، ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه ثم قال: «كف عليك هذا» فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ومن العجب: أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يُشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقى لها بالًا ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب؛ وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول.
وإذا أردت أن تعرف ذلك فانظر فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: «قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله ﷿: من ذا الذي يتألَّى عليَّ أني لا أغفر لفلان؟ قد غفرت له وأحبطت عملك» فهذا العابد الذي قد عبد الله ما شاء أن يعبده أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله.
وفي حديث أبي هريرة نحو ذلك، ثم قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: «إن العبد
1 / 23