بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى، تيم قريش، مولى لهم.
كان العرب العكاظيون لا يعدون من الشيء إلا ثلاثة ثم يكفون ولا يزيدون عليها شيئًا، وإن لحق بعد شيء مثل الثلاثة التي عدوا قبل ذلك لم يعدوه معه.
أشعر الشعراء في الجاهلية ثلاثة
قال أبو عبيدة: فاتفقوا على أن أشعر الشعراء في الجاهلية امرؤ القيس بن حجر الكندي، والنابغة زياد بن معاوية الذبياني، وزهير ابن أبي سلمى المري، وهو حليف في بني مرة من غطفان ويقال: إن أمه منهم. فاتفقت العرب على هؤلاء الثلاثة في الشعر ثم اختلفوا أيهم أشعر، فقال بعضهم: أشعر الثلاثة امرؤ القيس بن حجر هو أولهم، وهو الذي فتح لهم الشعر، فاستوقف وبكى في الديار وذكر ما فيها، ثم قال: دع ذا رغبة منه عن المنسبة فقال: فتبعت الشعراء أثره في هذا.
وهو أول من شبه الخيل بالعصا واللقوة والسباع والطير فشبهوها بهذه الصفات، فكان ما شبه بالعصا قوله:
بعجلزة قد أترز الجرى لحمها ... كميت كأنها هراوة منوال
وما شبه باللقوة - وهي العقاب - قوله:
كأني بفتحاء الجناحين لقوة ... على عجل منها أطأطئ شملال
وما شبه بالسباع قوله:
له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل
وقال من فضل النابغة: هو أوضحهم كلامًا، وأقلهم منطقًا وحشوًا وأجودهم مقاطع، وأحسنهم مطالع، ولشعره ديباجة.
وإن شئت قلت: ليس بشعر مؤلف من تأتيه ولينه. وإن شئت قلت: صخرة لو رديت بها الجبال لأزالتها.
وقال الذين فضلوا زهيرًا: هو أمدح القوم وأشدهم أسر شعر.
قال أبو عبيدة: وسمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: كان الفرزدق بن غالب يشبه بزهير في رصانة شعره وشدة أسره. وكان الأخطل يشبه بالنابغة الذبياني وكان جرير يشبه بالأعشى.
قال أبو عبيدة: أولئك الثلاثة شعراء الجاهلية وهؤلاء شعراء الإسلام فشبهت اثنين باثنين من الأولين، وتركت واحدًا واخترت واحدًا، يعنى: تركه امرأ القيس، واجتلابه للأعشى، وذلك أنه شبه الفرزدق بزهير والأخطل بالنابغة وترك امرأ القيس واجتلب الأعشى فشبه جريرًا به.
قال أبو عمرو: وكان جرير أشبه بالأعشى منه بامرئ القيس ومن شبه فحول الإسلام بفحول الجاهلية شبه جريرًا بالأعشى.
قال: وكان ذاك عند جرير؟ قال: نعم، كانا بازيين يصيدان ما بين العندليب إلى الكركى. والعندليب: البلبل، ضرب من العصافير.
قال أبو عبيدة: فزعمت علماء ربيعة أن طرفة بن العبد رابع القوم، واحتجوا بأن لبيدًا جعله الثاني.
قال أبو عمرو: وذلك أن لبيدًا مر بمجلس لبنى نهد بالكوفة وهو يتوكأ على عكاز له، فلما جاوز أمروا فتى أن يلحقه فيسأله من أشعر العرب؟ فلحقه فقال: لبيد: الملك الضليل، يعنى: امرأ القيس بن حجر، فرجع الفتى فأخبرهم فقالوا: ألا سألته: ثم من؟ فرجع إليه فسأله: ثم من؟ فقال لبيد: ثم ابن عشرين يعنى: طرفة بن العبد.
وبهذا احتجت علماء ربيعة فرجع فأخبرهم، فقالوا: سألته ثم من؟ فرجع فسأله، فقال: ثم صاحب المحجن، يعنى: نفسه.
قال أبو عبيدة: فقال من يحتج عليهم: إنما قول لبيد اختيار لنفسه، كما يختار الرجل الفارس والشاعر، وليس كالمجتمع عليه. ثم جعل نفسه ثالثًا، وليس هناك، إنما شعره صفة خمر وصخر.
وقالوا: طرفة أجودهم واحدة، ولا يلحق بهؤلاء البحور، إنما يوضع من أصحابه، الحارث بن حلزة، وعمرو بن كلثوم، وسويد بن أبي كاهل، فقدموا الأعشى عليه لذلك، فذهبوا مذهبًا فقالوا: هو أكثر عدد طوال جياد، وأنظم للخمر والحمر وأنسب وأمدح وأوفى، فسلك أساليب لم يسلكوها فجعله الناس رابعًا بأخرة. وأساليب: جمع أسلوب، وهو الطريق.
وجعلوا الطبقة الثانية: الحطيئة وأوس بن حجر، ونابغة بنى جعدة.
وقال قوم: بل لبيد مع هؤلاء الطبقة الثانية فقال أبو عمرو ابن العلاء: وخداش بن زهير أشعر في عظم الشعر من لبيد إنما لبيد صاحب صفات. ثم اختلفوا في أوس والحطيئة والنابغة الجعدي.
قال أبو عبيدة: حدثنا يونس النحوي عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان أوس بن حجر شاعر مضر حتى أسقطه النابغة وزهير.
قال: فهو شاعر تميم في الجاهلية غير مدافع، ليس في تميم أشعر منه في الجاهلية.
المقلون من الشعراء ثلاثة
قال: واتفقوا على أن المقلين ثلاثة:
1 / 1