وعلى المحاور أن يتعهد موضوعه بالمذاكرة الوافية والترتيب المنطقي وأن يعد نفسه للحوار إعدادًا جيدًا، فحتى العالم فإنه معرض للنسيان ولأن تخذله ذاكرته ويتشتت ذهنه وتنفرط براهينه إن لم يقم ببذل الجهد الكافي لواجب الحوار وهنا قد ينتصر صاحب الرأي الخاطئ والحجة الباطلة فقط لأنه كان مرتب الذهن ولأنه استخدم المنطق جيدًا ولأنه واجه محاورًا صاحب حق ولكنه ممثل سيئ لحقه بسبب ما هو عليه من بلبلة وتضعضع وتعثر في المنطق.
٩- منطق البداهة: إن الإيغال في تركيب البراهين قد يغري المحاور بأن يبتعد كثيرًا عن منطق البداهة، وعن استخدام المسلمات الأولى التي يتفق عليها الناس جميعًا، ويعمل بالتالي على الإغراب في توليد الصيغ وسلاسل الاعتماد. وذلك مهما بدا مهمًا مما يكل الأذهان ويبعد عن التباس حرارة الحق الشاخص. المحاور الناجح هو من يتمكن من التقاط المشاهدات والمسلمات والبدهيات العالية في الحياة والبناء عليها، لأن البناء على أمثال هذه الفرضيات يكون بمثابة البناء على مقدمات صلبة لا ينازع عليها الطرف الآخر، بل تثير إعجاب السامع وتدفع إلى اعترافه بالحق وإذعانه له.