Dhu Nurayn Othman Ibn Affan

Abbas Mahmoud El Akkad d. 1383 AH
53

Dhu Nurayn Othman Ibn Affan

ذو النورين عثمان بن عفان

Genres

وليس الذي طرأ على المجتمع العربي خاصة أنه عرف الترف ولم يكن يعرفه، أو عرف الثروة وكان محروما منها، فإن الترف والوفر قديمان في الجزيرة العربية، وزيادة المقدار لا تحسب من التغير الجوهري في المجتمع إن لم تكن مصحوبة بالتغير في نظرة الإنسان إلى الحياة، وهذا الذي غير المجتمع العربي، وغير المجتمع الإسلامي، بعد اتساعه وامتداده إلى أقصى مدى في خلافة عثمان.

إن الغني المترف من عرب الجاهلية لم يكن يخجل من ترفه، ولم يكن يحسب أنه يختلس به شيئا ليس من حقه ويستمتع بشيء لا ينبغي لمروءته، بل كان يبذخ في ترفه ويفاخر نظراءه ببذخه، ومن لم يدرك من الترف والبذخ حظا كحظه فهو متطلع له، حاسد عليه، ناظر إليه كما ينظر إلى أمنية الحياة، إن فاتته فقد فاته من حياته خير ما يتمناه.

تغير هذا بعد الإسلام كل التغير، وأصبح الترف رذيلة مزدراة كائنا ما كان نصيب المترف من الجاه والثراء، وأصبح الثراء نعمة دون النعمة الكبرى التي يتطلع إليها المسلم في حياته الجديدة، فهو وسيلة دون غاية ومتاع في حاجة إلى تسويغ، ثم لا مسوغ للترف فيه بأية حال.

وعلى هذا كبر مقدار الثروة التي ينعم بها أصحابها بعد أن تغير النظر إلى كثيرها وقليلها ومسوغاتها ومحظوراتها، فربما بلغت ثروة الرجل الواحد في خلافة عثمان ما يعدل ثروة السادة المترفين جميعا على آخر عهد الجاهلية، وما يحسب حتى في زماننا هذا غنى مفرطا عند أغنى الأغنياء.

قيل في مصادر متعددة: إن عبد الرحمن بن عوف خلف ذهبا كان يقطع بالفئوس حتى تمجل أيدي الرجال، وترك ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس، وقسم ميراثه على ستة عشر سهما فبلغ السهم ثمانين ألف درهم، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحا ويتجر فيكسب من التجارة مئات الألوف.

وكان كلما اجتمع له من الربح مدخر كثير فرقه على الغزاة وتصدق به على الفقراء. قال ابن عباس: «مرض عبد الرحمن بن عوف فأوصى بثلث ماله، فصح فتصدق به، ثم قال: يا أصحاب رسول الله

صلى الله عليه وسلم

كل من كان من أهل بدر له على أربعمائة دينار، فقام عثمان وذهب مع الناس، فقيل له: يا أبا عمر! ألست غنيا؟ قال: هذه وصلة من عبد الرحمن لا صدقة، وهو من مال حلال؛ فتصدق عليهم في ذلك اليوم بمائة وخمسين ألف دينار.»

وكان كلما اجتمع له عدد من العبيد أعتقهم ووصى لهم بما يكفيهم.

ولما مات الزبير بن العوام طلب أبناؤه ميراثه، فأبى عبد الله أن يقسم بينهم حتى ينادي بالموسم أربع سنين من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه؛ لأنه كان يؤتمن على الودائع ممن يترددون على الحجاز للتجارة، فلما انقضت أربع سنين قسم بينهم ما بقي من ماله خالصا فإذا هو خمسون ألف ألف ومائتا ألف.

Page inconnue