وذهبت إلى الصديق القديم سعد وهبة، وسألني في بساطة عن موضوع الرواية، فلخصتها له، فطلب عقدا وقدمه لي، ووقعته، وقدر أجرا سبعمائة جنيه، وكان مبلغا طيبا في عام 66. وأعتقد أنه ينبغي أن أشيد هنا بشجاعة سعد وهبة، فهو مسرحي محترف، وقد فهم - بطبيعة الحال - مغزى الرواية، ولكنه كان من الشجاعة بحيث يوقع العقد فورا.
وبدأنا العمل، في منزلي أحيانا، وأحيانا في منزل صلاح ذو الفقار، ووقعت حرب 67، ونحن نعمل في الرواية. فتوقفنا أياما قليلة، ثم عدنا إلى العمل.
وقبل أن يتم السيناريو تبرع صديق لنا بمكتب الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة في ذلك الحين بكتابة تقرير للوزير أن الرواية مقصود بها رئيس الجمهورية، وأنها هجوم عنيف عليه وعلى الحكم جميعا.
ويشاء الله أن يكون نجيب محفوظ هو مستشار الوزير للشئون الفنية في هذه الفترة، فكان طبيعيا أن يرسل الوزير ملخص الرواية والتقرير إلى الأستاذ نجيب محفوظ، وكتب رأيه بمنتهى الأمانة والصدق مع النفس مرتئيا أنها رواية وطنية. وقد كان هذا رأيه، والوزير سأله عن رأيه، فقال.
وتم تصوير الرواية، وكان حسين كمال سعيدا بعمله غاية السعادة، فرأى أن يعرضها على الوزير.
وفي عرض خاص بدأت الرواية تعرض على الوزير ووكيلين للوزارة معه. وانتهى عرض النصف الأول من الرواية، وكان الوزير على موعد لم يستطع الاعتذار عنه فأضيئت الأنوار، ورأى الحاضرون الدموع تملأ وجه الوزير من الإعجاب، وقال في فخر لحسين كمال: «لقد عبرنا بهذه الرواية البحر الأبيض المتوسط.»
وذهب الوزير إلى موعده، وطلب إليهم أن ينتظروه ليعود فيكمل مشاهدة الفيلم. وتم ذلك، ورأى الوزير النصف الآخر من الرواية وأضيئت الأنوار. لقد فهم الوزير معنى الرواية فهما تاما. وتداول الرأي مع مستشاريه، فانتهى بهم الرأي أن تعرض الرواية على سامي شرف في رياسة الجمهورية.
كان الوكيلان صديقين لي، فكلمت أحدهما، ولن أذكر اسمه، فإذا هو يقول: «أنا خصم ، ولا يجوز أن أكون قاضيا.»
فضحكت في نفسي كثيرا، فلم أكن أتصور أن المسألة وصلت إلى خصومة وقضاء.
ما سمعته بعد ذلك أن سامي شرف أعفى نفسه من رؤية الرواية، وعرضها على عبد الناصر مباشرة، وسمعت أنه قال حين انتهى من مشاهدتها: «لماذا تعرضون علي هذه الرواية؟ هل أنا عتريس هذا؟ إذا كنت أنا عتريس والشعب لم يقتلني فهو شعب من الحمير.»
Page inconnue