وفي انتظار انتهائه من كلية الهندسة انتظمت هي في كلية الآداب. وقالت في نفسها سأسبقه في التخرج بعام، ويكفيني هذا العام لأجهز بيت الزوجية.
وفي هذه الشعاعات الحلوة من الأوهام استقبل كل من العروسين الحبيبين حياته في الجامعة، وانطلق كلاهما لاهثا يعدو السنين يدفعه الحب ويجذبه الأمل، فما عرفت كلية الهندسة طالبا انتهب علومها في إقبال ووعي كما كان أمين، وما عرفت كلية الآداب طالبة تقبل على موادها في إشراق وثقة ونجاح كما كانت وفاء.
ومرت السنوات الأربع قصارا باللقاء النشوان، والأمل المزدهر، طوالا بالأيام العصيبة من المذاكرة والساعات المفزعة من الامتحانات. مرت السنوات وتخرجت وفاء في كلية الآداب، وفرغت إلى تجهيز بيتها، وظل أمين يعاني عامه الأخير في كلية الهندسة باذلا أقصى غايات الجهد أن يكون نجاحه خليقا بما يرجوه لنفسه من مستقبل وما يرجوه له حبه من مكان.
ونال أمين شهادته وأصبح معيدا بكلية الهندسة. وكانت وفاء قد انتهت من جهاز البيت. وكانت ليلة أصبح عليها الصباح فإذا الحلم واقع، وإذا آمال السنين كلها حقيقة يعيشها كلاهما بكل نبضة سعيدة من قلبه وبكل خلجة فرحانة من دمائه.
اجتمعت السنون الماضية جميعها والآمال التي كانت آمالا، والوعود التي كانت وعودا، والأحلام التي طالما طافت بعيونهما الوسنانة الهائمة الراضية الآمنة، اجتمعت جميعها فإذا السعادة بعض من أيامها، وإذا الحياة وقد طالعتهما بأيام صافية هي الحلم وهي الأمل وهي الواقع.
وكانت كلية الهندسة قد رشحته لبعثة إلى إنجلترا، وما هي إلا أشهر قلائل حتى تقررت هذه البعثة، وقرر هو وهي أن يذهبا معا فتدرس هي في الآداب، ويدرس هو في الهندسة ويرجع كلاهما يحمل شهادة الدكتوراه.
وهكذا شاءت الحياة أن تشغلهما بالبعثة عن الملالة التي يجدها السعيد من السعادة؛ فانطلق كل منهما يجهز لها في انشغالة فرحان يجتمعان عند الليل، أو يتواعدان على لقاء في المحال لهيفا كلاهما أن يفرغا من الشراء قبل يوم السفر.
وكان يوم، طلبها بالتليفون واتفقا على لقاء، وهناك التقيا وفي يدها الورقة التي كتبا بها ما يحتاجان إليه.
وقال أمين: هل ما زالت أمامنا أشياء كثيرة؟ - أوشكنا ننتهي. - أين تريدين أن نذهب أولا؟ - نذهب إلى الترزي؛ فاليوم موعد البروفة. - آه فعلا، ولكن أخشى أن يعطلنا. - لا تخف. - لنذهب أولا للشراء ثم نذهب إليه قبل الرواح. - ما تشاء.
ولم يذهب أمين ووفاء إلى الترزي، بل ولم يذهبا للشراء وإنما قادته إلى سيارة للأجرة أنزلتهما عند باب البيت وقادت خطواته إلى حجرة نومه. ملهوفة جازعة فما استقر بها المقام حتى كانت يدها على التليفون تستدعى كل من تعرفه من الأطباء.
Page inconnue