وقد أدى الاعتزاز بالأوطان إلى تأليف كتب خاصة بفضائل المدن ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب «فضائل بغداد» ليزدجرد بن مهمندار ، و «فضائل بغداد وأخبارها» لأحمد بن الطيب السرخسي ، وكتاب «فضائل مكة على سائر البقاع» لأبي زيد البلخي ، و «فضائل مصر» للجمحي (1)، و «فضائل المدينة» للجندي (2)، و «فضائل مصر» لابن زولاق ، و «محاسن أصبهان» للمافروخي ، وغيرها. ويذكر ابن النديم بعض الكتب المؤلفة في المفاخرة بين مدينة وأخرى ، من ذلك مثلا كتاب «مفاخرة أهل البصرة وأهل الكوفة» لأبي الحسن المدائني ، وكتاب «فخر أهل الكوفة على أهل البصرة» للهيثم بن عدي ، وكتاب «فضل المدينة على مكة» وهلم جرا مما يشير إلى أثر المفاخرات في ظهور التواريخ المحلية منذ القرن الثاني الهجري.
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أثر رواية الحديث في جمع محدثي مدينة ما في كتاب واحد ، فإن أولى الأشياء التي يطالب بها طالب الحديث هو التعرف على شيوخ بلده ، ثم التعرف على شيوخ البلدان الأخرى (3).
كما يتعين علينا عدم إغفال التفنن في الكتابة التاريخية وتطور أساليب عرضها تيسيرا على طلبة العلم في معرفة مواطن الرواة وصلات بعضهم ببعض.
إن الدراسة المتأنية لظهور التواريخ المحلية تبين أن أول ظهورها كان في العراق ، وفي وقت مبكر يعود إلى أوائل العناية الحقيقية بالفكر التاريخي في القرن الثاني الهجري. وتشير أسماء الكتب التي ذكرها ابن النديم ، وهي أقدم قائمة وصلت إلينا ، إلى كتابين ألفهما عمر بن شبة بن عبيدة النميري البصري «172 262 ه» أحدهما في «تاريخ البصرة» ، والثاني في «أخبار المدينة».
Page 31