فمنذ بعض الوقت أصبح الموضوع اليومي للبت بين أقران عبد المجيد هو فضيحة البنك الذي قام بتهريب أكثر من نصف مليار دولار (600 مليون دولار) إلى الخارج تحت سمع السلطات وبصرها، بل وبموافقة رسمية من البنك المركزي. وتداول العاملون بالطبع الشائعات المتناثرة عن السيرة الشخصية لعبد الرحيم مبروك، مدير البنك المفضوح، والتي لم يعرها عبد المجيد اهتماما إلى أن قرأها بعينيه هذا الصباح في إحدى صحف المعارضة.
تخرج عبد الرحيم مبروك من كلية التجارة عام 1971، والتحق بالجيش ضابطا احتياطيا، مشاركا بذلك في حرب الاستنزاف الأولى، حتى عام 1975 عندما التحق بالبنك الأهلي ليشارك في حرب الاستنزاف الثانية، مقابل خمسين جنيها في الشهر، ارتفعت فجأة إلى مائتين عندما انتقل إلى البنك العربي المحدود، حيث تعرف على الأردني حليم السلفيتي، الذي كان يحتكر عمليات تصدير البنكنوت الأجنبي (اسم الشفرة لعمليات تهريب النقد للخارج بصورة رسمية). وفي عام 1981 انتقل إلى البنك المفضوح مديرا عاما بمرتب 2000 دولار شهريا (ألفي دولار شهريا) تصل إلى الضعف بعد إضافة البدلات والحوافز. وبعد الفضيحة انتقل إلى بنك هونج كونج (الذي يرأسه الدكتور حامد السايح) بمرتب 3800 في الشهر عدا البدلات والحوافز.
أجرى عبد المجيد المقارنات الضرورية مستعينا بحرفي «لو» (دون أن يغفل الدور الذي لعبه عم لعبد الرحيم كان وزيرا للري ثم رئيسا لبنك المهندس)، واستخلص النتائج الطبيعية بصحبة فنجان قهوة وسيجارة، وعندئذ طلب منه رئيسه البيانات الخاصة بوديعة نفيسة أبو حسين.
استخرج عبد المجيد أوراق الوديعة المحررة بواسطة أبو حسين نفسه، والمحولة من بنك الرافدين العراقي، وراجع بياناتها، ثم قام بالمقارنات الطبيعية (بمصاحبة الحرفين العتيدين)، ولم يكد يشرع في استخلاص النتائج الضرورية حتى فرضت عليه نفيسة أبو حسين بنفسها مقارنات ونتائج من نوع آخر.
مثلت أمامه بالصورة التي توقعها؛ عطر أجنبي أخاذ، فستان من قماش ثمين ذي ألوان متناسقة (لم يستبعد أن ينتهي من أسفل بشبشب زنوبة)، وجه أبيض (البياض التركي المشرب بالحمرة وليس الأوروبي الشاحب) تحيط به طرحة سوداء رقيقة، وتطل منه عينان خجولتان تتجنبان الاصطدام بعيون الآخرين، بالإضافة إلى ذلك كان ثمة ما لم يتوقعه.
محركات الشهوة لدى عبد المجيد أثناء العمل لم تتأثر بالحواجز العديدة التي أقيمت في وجهها؛ فالسواتر الأمامية التي أضيفت إلى المكاتب، لتحول دون الإطلال على سيقان الجالسات خلفها، تم تعويضها في حينها بفتحات الصدور الواسعة، وثورة الحجاب التي انتشرت بين العاملات انتشار النار في الهشيم حتى انضوت المسيحيات تحت لوائها، عوضت بتكديس متعمد للمكاتب في مساحة ضيقة تسمح بما هو أكثر جدوى من الإطلال، ونقصد بذلك الاحتكاك بالحواف والزوايا البارزة، لكن كل هذا يمكن وضعه في كوم، وما أطل عليه عبد المجيد في وجه نفيسة أبو حسين في كوم آخر.
فالصدمة الكبرى التي تلقاها عبد المجيد في مطلع حياته الزوجية لم تكن قاصرة على سلامة البضاعة، وإنما شملت أيضا عزوفها عن ممارسات معينة في الحلال، وبالتحديد أشكال من الرضاعة الشرعية لا تحتاج إلى مجهود كبير، تعلمها في المقاعد الخلفية لسينما أوديون أيام أن كانت متخصصة في عرض الأفلام الروسية، مما تمخض عن أشكال مبتكرة لتمضية الوقت؛ لهذا بوسعنا أن نتصور الضغط الذي تعرض له عبد المجيد، العائد لتوه من رحلة الحرفين العتيدين، وقد ألفى نفسه مطلا على ثغرة ذات ضفتين عريضتين، ناعمتين، مكتنزتين، صبغهما أصبع الروج الداعر بلون الدم القاني.
في مساء نفس اليوم جلس عبد المجيد أمام التليفزيون يتابع مباراة كرة بغير تركيز نتيجة الضغط الذي كان يعانيه، بينما وزعت ذات اهتمامها بين مشاركة ابتهال في حفظ آية قرآنية والانفراد بكي زيها المدرسي، في ضجة صاخبة مبعثها الجغرافيا؛ فبسبب عطل المقبس الكهربائي في غرفة البنتين، أقامت ذات طاولة الكي في الصالة، بينما احتفظت ابتهال بموقعها أمام طاولة الدرس في غرفتها، وجرى الحوار بين الاثنتين عبر باب الغرفة المفتوح، وبمشاركة نشطة من دعاء، ودعم قوي من باعة الفول وحب العزيز وغزل البنات.
انتهى الحفظ والكي، فتولت ذات، كالعادة، إعداد العشاء وهي تستمع شاردة إلى ثرثرة ابنتيها، حتى احترق منها رغيف الخبز أثناء تسخينه. وبعد العشاء جاء دور الاغتسال، والشكوى من حنفية الحمام، ومن نفاد معجون الأسنان. وأخيرا توارت البنتان في غرفتهما، وساد الهدوء، وبطرف عينه رأى عبد المجيد زوجته تنقل طاولة الفورمايكا الصغيرة إلى مدخل البلكونة، ثم ترفع ماكينة الحياكة من مكانها في الركن، وتضعها فوق الطاولة، ثم تجر كرسيا وتقتعده وتبدأ في تشغيلها.
لم تكن الحياكة التي من هذا النوع تتفق والسيناريو الذي أعده عبد المجيد في رأسه للسهرة. وعندما قامت ذات لتعد كوبا من الشاي، كان الضغط الذي يعانيه قد صعد من أسفل إلى أعلى، وهدده بالاختناق، فقام إلى البلكونة ليستنشق الهواء النقي، وكان لا بد وأن يزيح طاولة الفورمايكا من مكانها، وقد فعل ذلك بعصبية أدت إلى انزلاق سنجر إلى الأرض.
Page inconnue