بيان فضيلة الإنسان على سائر الحيوانات
للإنسان فضل على الحيوانات كلها في نفسه وجسمه:
أما فضله في نفسه فبالقوة المفكرة التي بها العقل والعلم والحكمة والتمييز والرأي، فإن البهائم وإن كانت كلها تحس وبعضها يتخيل فليس لها فكر ولا رويَّة ولا استنباط المجهول بالمعلوم، ولا تعرف علل الأشياء وأسبابها.
وليس في قوتها تعلم الصناعات الفكرية، وإنما يتعلم بعضها بعض الصناعات المتخيلة وأقواها في ذلك الفيل والقرد.
وأما فضله في جسمه فباليد العاملة، واللسان الناطق، وانتصاب القامة الدالة على استيلائه على كل ما أوجد في هذا العالم، وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)
وبقوله: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)
ولم يعن الصورة التخطيطية فقط، بل عناها والصورة المعقولة، ولتشريفه
تعالى إياه بذلك قال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠) .
ومن زعم أن الإنسان خلق خلقة ناقصة عن الوحشيات من حيث إنه لم يكف
الملبس كما كفيته، ولم يعط سلاحًا في ذاته كما أعطي كثير منها، فنظره ناقص؛ إذ قد أعطي الإنسان بدل ذلك التمييز الذي يمكنه أن يتخذ به كل ملبس وكل سلاح حسب ما يريده، فيتناوله متى أراد، ويضعه متى أحب.
ثم لو أعطي الإنسان بعض الأسلحة التي أعطيتها الوحشيات لم يمكنه أن يستعمل غيره كالوحشيات، وأيضًا فلو أعطي ذلك لكان من الحق أن لا يعطى التمييز؛ لأنه حينئذ كان يستغني عنه فتبطل فائدته، وفعل الله تعالى منزه عن ذلك.
فإن قيل: وكيف قال تعالى: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (٢٨)،
فاستضعفه
1 / 78