مثل أهل الدنيا وما رشحوا له
الإنسان في هذه الدار كما قال أمير المؤمنين عليٌّ ﵀: الناس سفر، والدنيا دار ممر لا دار مقر، وبطن أمه مبدأ سفره، والآخرة مقصده، وزمان حياته مقدار مسافته وسنوه منازله، وشهوره فراسخه، وأيامه أمياله، وأنفاسه خطاه، يسار به سير السفينة براكبها، كما قيل: شعر.
رأيت أخا الدنيا وإن كان خافضًا ... أخا سفر يُسرى به وهْوَ لا يدري
وقد دعي إلى دار السلام كما قال تعالى: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ)،
وقال تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ)،
وتوجه به إليها نحو أشرف الزهرات وألذ الثمرات (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)،
بل إلى (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) .
لكن لما كان الطريق إليها مضلة مظلمة قد استولى عليها أشرار ظلمة، جعل اللَّه تعالى لنا من العقل الذي ركبه فينا وكتابه الذي أنزله علينا نورًا هاديًا، ومن عبادته التي أمرنا بها حصنا واقيا
فقال في وصف نوره: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ)
، فجعل المصباح مثلًا للعقل، والمشكاة مثلًا لصدر المؤمن، والزجاجة لقلبه،
والشجرة المباركة وهي الزيتونة للدين، وجعلها لا شرقية ولا غربية، تنبيها أنها مصونة عن التفريط والإفراط، كما قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)
، والزيت للقرآن، وبين أن القرآن يمد العقل مدَّ الزيت المصباح، وإنه يكاد
يكفي لوضوحه وإن لم يعاضده العقل، ثم قال: (نُورٌ عَلَى نُورٍ)، أي
1 / 69