سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف مَسْأَلَة فانتشرت فِي أقطار المغارب والأندلس وظلت ركيزة الْمَذْهَب الْمَالِكِي ومرجع فقهائه طوال الْقُرُون الأولى وَفِي القيروان لاحظ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (ت. ٣٨٦) كسل الهمم عَن إِدْرَاك مدونة سَحْنُون فاختصرها اختصارا غير مخل حل محلهَا وَعفى على الاختصارين الأندلسيين السَّابِقين لفضل بن سَلمَة الْجُهَنِيّ (ت. ٣١٩) وَمُحَمّد بن عيشون الطليطلي (ت. ٣٤١) ولسوء الْحَظ قَامَ فِي القيروان أَيْضا خلف بن أبي الْقَاسِم البراذعي الْمُتَوفَّى أَوَائِل الْقرن الْخَامِس بِاخْتِصَار مُخْتَصر شَيْخه ابْن أبي زيد القيرواني للْمُدَوّنَة سَمَّاهُ التَّهْذِيب فتقبله النَّاس بِقبُول حسن وَقد ازدادوا حَاجَة إِلَى الِاخْتِصَار حَتَّى إِذا جَاءَ أَبُو عَمْرو بن الْحَاجِب الدِّمَشْقِي (ت. ٦٤٦) وَاخْتصرَ التَّهْذِيب فزاده تعقيدا وطم السَّيْل مَعَ خَلِيل بن إِسْحَاق الْمصْرِيّ (ت. ٧٤٩) الَّذِي اختصر مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي بضعَة كراريس فَأصْبح مُخْتَصر خَلِيل الْمُخْتَصر الرَّابِع فِي مسلسل مختصرات الْمُدَوَّنَة عبارَة عَن رموز لَا تفهم يحفظ عَن ظهر قلب وَيقْرَأ أحزابا فِي جَامع الْقرَوِيين وَغَيره وَلَا تفك رموزه إِلَّا بِالرُّجُوعِ إِلَى عشرات المجلدات من الشُّرُوح والحواشي والتعليقات دون إِدْرَاك روح التشريع طبعا وَغدا بعض المدرسين (الْمُحَقِّقين) لَا يخْتم مُخْتَصر خَلِيل إِلَّا بعد أَرْبَعِينَ سنة وَبِذَلِك تقرر جمود الْفِقْه وتحجره وَاسْتمرّ إِلَى أيامنا هَذِه اعْتمد الْقَرَافِيّ فِي الذَّخِيرَة على نَحْو أَرْبَعِينَ من تصانيف الْمَذْهَب الْمَالِكِي وَخص خَمْسَة مِنْهَا كمصادر أساسية يرجع إِلَيْهَا دَائِما ويقارن بَينهَا ويناقش وَكلهَا كتب مُسْتَقلَّة مبتكرة أصيلة (١) مدونة سَحْنُون القيرواني (٢) والتفريغ لِعبيد الله بن الْجلاب الْبَصْرِيّ (ت. ٣٦٨) (٣) ورسالة ابْن أبي زيد القيرواني (٤) والتلقين للْقَاضِي عبد الْوَهَّاب الْبَغْدَادِيّ (ت. ٤٢٢) (٥) والجواهر الثمينة فِي مَذْهَب عَالم الْمَدِينَة لعبد الله بن شَاس الْمصْرِيّ (ت. ٦١٠) وتميزت الذَّخِيرَة - إِلَى ذَلِك - بدقة التَّعْبِير وسعة الْأُفق وسلالة الأسلوب وجودة
1 / 6