وحدث ذات يوم أن الأمير محمدا بينما كان في دار الأمير يونس لاحت منه التفاتة، فوقعت عينه على طيبة بنت الأمير يونس وهي بإحدى النوافذ، فاستلب لبه بحسنها البديع وجمالها الباهي؛ فوقعت حبة الحب في قلبه، ولكنه كتم أمره حتى خرج ذات يوم مع أبيه والأمير يونس إلى ضواحي القرية ترويحا للنفوس، وجلسوا إلى منهل ماء من حوله أزهار، فقال الأمير منقذ: إن المياه هذه لعذبة. وقال ابنه محمد: والأرض لطيبة. فقال الأمير يونس: وأنت طيب يا محمد. فقال الأمير محمد: الطيبون للطيبات. مشيرا بالآية إلى مرامه بأن يعقد له على طيبة ابنة الأمير يونس، ولكن الأمير يونس لم يدرك مغزاه، ولما جلسوا إلى الطعام أخذ الأمير يونس لقمة وناولها إلى الأمير محمد، فقال الأمير محمد: إن كانت طيبة أخذتها. ثم تناولها من يده فأكلها، ولم ينكشف هذه المرة أيضا مقصده للأمير يونس، وبعد الطعام جعل الأمير يونس يجاذبه أطراف الحديث والأمير محمد يحوم دائما بكلامه حول مقصده لعله ينكشف شيء منه، فلما يئس محمد وخشي أن يكون يونس قد علم وتجاهل طوى كشحا على أمره واعتذر إليه عما إذا كان قد فرط منه إليه شيء من القول لم يعجبه؛ فأجابه قائلا: طب نفسا؛ فإنك قد أحسنت في كل ما أتيت. ولكن كيف تطيب نفسه، ولم يفز بالوعد بطيبة؟! فلم يلبث أن عاد يبتغي وسيلة لإبلاغ مرامه، فسأل الأمير يونسا: كيف تفسر قوله تعالى:
والطيبات للطيبين ؟ فانفتح إذ ذلك على الأمير يونس باب فهم المراد، فتبسم وقال: أزوجناك يا محمد. فتم أمر الخطبة بالرمز، ثم سأل الأمير يونس الأمير محمدا أله أخت، فأجاب أبوه: نعم؛ وهي أصغر منه واسمها سعاد، وقد أزوجتها من ولدك الأمير يوسف. فصرح الأمير يوسف بالقبول، وتم العقدان في ذلك المجلس. ولما آب الأمير منقذ وولده محمد إلى حاصبيا زفت الأميرتان في وقت واحد.
ولما كانت سنة 1238 استنجد الأمير عامر الشهابي الأمير عبد الله بن سيف الدين بن يوسف بن يونس المعني على ابن عم الكونت أور الإفرنجي الذي بقي أن يثأر من الشهابيين لابن عمه، فنجده وزحف الأميران برجالهما إلى مرج الخيام ، حيث التقى الفريقان وشبت بينهما نار الحرب؛ فانهزمت الإفرنج في اليوم الرابع من شبوبها، ثم توفي الأمير عبد الله وله الأمير علي وجرت بعد ذلك أمور للأمراء المعنيين يتعذر علينا سردها مرتبة؛ لأن المعلومات التي وقفنا عليها في هذا الشأن غير منسوقة، ومجمل ما علمناه من «أخبار الأعيان»؛ وهو الكتاب الذي أخذنا عنه أكثر من غيره لاستيعابه من تفاصيل أحوال أمراء لبنان ما لم يستوعبه غيره من المؤرخين هو أنه في الربع الأخير من القرن الرابع عشر توفي الأمير يوسف المعني أخو الأمير عثمان ابني الأمير ملحم ابن الأمير أحمد ابن الأمير عثمان ابن الأمير سعد الدين ابن الأمير محمد ابن الأمير بشير ابن الأمير علي، فتولى الإمارة بعده ابن أخيه الأمير فخر الدين ابن الأمير عثمان، وقد قال صاحب «أخبار الأعيان» عنه: «إنه أشهر الأمراء المعنيين وإن أشرقت شمس الإمارة المعنية به وغابت شمس الإمارة التنوخية.» وهو قول أحر به أن يكون عن حفيده الأمير فخر الدين الثاني ابن الأمير قرقماس، كما سيتبين ذلك.
وغاية ما ذكر لنا المؤرخ من فعال الأمير فخر الدين ابن الأمير عثمان هو أنه في أيام الملك قانصوه الغوري، وقد شبت بين هذا الملك وبين ساكن الجنان السلطان سليم نيران القتال في مرج دابق، وكان الأمير فخر الدين قد استقدمه الغزالي نائب قانصوه على دمشق لنجدة الملك؛ ففر الأمير مع الغزالي نفسه عندما اشتد قتال خائني الملك متحيزين للسلطان سليم. ولما دخل السلطان دمشق دخل عليه الأمير، فأكرمه وفوض إليه جميع أمور الشام، وجعله في أسمى مرتبة بين أصحاب المراتب، وكان ذلك في سنة 1515، وفي سنة 1544 توفي الأمير فخر الدين وخلفه ابنه الأمير قرقماس، وهذا توفي في مغارة عند جزين، إذ لجأ إليها فرارا من وجه إبراهيم باشا والي مصر الذي أمره السلطان مراد أن يبطش بآل سيفا وأمراء لبنان؛ لسلبهم أموال الخزانة السلطانية عند جون عكار، وكان للأمير قرقماس ابنان صغيران فخر الدين ويونس، فخبأهما الحاج كيوان الماروني الديراني عند ابني سركيس الخازن إبراهيم ورياح، وكانت أمهما أخت الأمير سيف الدين التنوخي معهما، ولما سكنت الأحوال في لبنان دعا الأمير سيف الدين التنوخي الأمير فخر الدين وأخاه الأمير يونس إليه وضمهما إلى عياله حتى بلغا أشدهما فدفع إليهما زمام ولايتهما على الشوف، واندفع الأمير فخر الدين إلى ميدان الحروب منذ أول ولايته فحارب يوسف باشا والي طرابلس سنة 1598 عند نهر الكلب وكسره وحاربه في سنة 1506 أيضا عند جونيه وكسره، وشهد مواقع أخرى كان النصر في غالبها إلى جانبه، وما انهزم إلا عندما ظاهر نصوح باشا في حرب اضطرمت نيرانها عند مدينة كلس، وفي سنة 1607 عاون علي باشا جانبلاط في مواقع كثيرة، وكانت الغلبة فيها كلها على يده، ولما كان علي باشا قد خرج من طاعة السلطان أحمد، وأرسل السلطان الصدر الأعظم مراد باشا في فيالق من الجنود فقهرته؛ أبدى الصدر غيظه من الأمير لما كان قد سبق له من المشايعة لعلي باشا، فاضطر الأمير أن يسترضي الصدر؛ فأرسل إليه ابنه الأمير علي وبعث إليه معه بثلاثمائة ألف غرش، فأنعم الباشا على الأمير الصغير بسنجقية صيدا وبيروت وغزير، ولم يكن عمره حينئذ متجاوزا التاسعة من السنين، ولما توفي مراد باشا في سنة 1611 وارتقى إلى منصب الصدارة نصوح باشا سعى أعداء الأمير فيه لدى الصدر الجديد وشرع أحمد باشا حافظ دمشق في إثارة الفتن.
وكان الأمير قد اتسعت سطوته وامتدت مهابته وبلغ ببطشه الأماكن القاصية، مثل حوران وعجلون وغيرهما، فبعث أصحاب الحافظ بدمشق يشكون للسلطان وهو يومئذ السلطان سليم من اتساع سطوة الأمير وتعاظم أمره إلى حد أنه حاصر دمشق، وكانوا مدفوعين إلى تلك الشكوى من الحافظ نفسه؛ فحلت الشكوى لدى السلطان محل القبول، فأرسل من إسلامبول جيشا كبيرا ومعه عدة من الكبراء من أصحاب الباشا؛ وذلك للفتك ببني معن وقطع دابرهم وجعل البعث كله في أمر الحافظ، ولما علم بذلك الأمير كتب إلى الحافظ يسترضيه بالمال فلم ينل بالكتابة بغيته، ولم يزل الحافظ يضيق عليه ويبعث عليه البعوث حتى دفعه إلى الفرار والالتجاء إلى العرب، ولكن الحافظ سد في وجهه جميع المسالك؛ فآل به الأمر أن سافر إلى بلاد إيطاليا عملا برأي الحاج كيوان، وذلك بعد أن فوض أمر الولاية إلى أخيه الأمير يونس، وأوعز إليه أن ينتقل من بعقلين إلى دير القمر ويتخذ الدير مقرا له، وأما الحافظ فبقي عاملا على التضييق على رجال الأمير ومحاربتهم في كل مكان ومحاصرة من كان منهم في قلعة شقيف أرنون وقلعة بانياس، وبعث بعثا على الأمير يونس أخي الأمير فخر الدين؛ فاضطر الأمير يونس أن يسترضيه بمبلغ من النقود قدره مائة ألف غرش ليكفه عن المحاربة والمحاصرة، ولكنه لم يلبث أن عاد إلى ما كان عليه؛ لأنه لم يستكمل قبض المبلغ المشروط فجرت بينه وبين المعنيين محاربات أدت إلى فشل المعنيين بعد أن كاد يكون النصر في جانبهم؛ فاضطر الأمير يونس أن ينضم إلى الأمير علي ابن أخيه وهو محاصر في قلعة بانياس؛ فغشي الحافظ دير القمر وأكثر فيها من النهب والسلب، وأحرق مساكن بني معن، ووجه أحد أعوانه الشيخ مظفر الدين إلى عبيه فأحرقها وقتل جماعة من أهلها، واقتاد الأمير ناصر الدين التنوخي منها أسيرا إلى دير القمر حيث كان الحافظ، فأكرم الحافظ هذا الأمير وولاه على الشوف وما خرج الحافظ من لبنان عائدا إلى دمشق إلا بعد أن أجرى عدة مواقع وأحرق ونهب وقتل كثيرا، ولما بلغ الأمير يونس خبر خروج الحافظ من لبنان عاد إلى دير القمر واستقر بها، ولما كانت سنة 1614 عزل أحمد باشا الحافظ عن دمشق وخلفه جركس باشا، وقدم من إسلامبول وال على صيدا وصفد وبيروت وغزير وعلى جميع ما كان من الأماكن داخلا في منطقة ولاية الأمير فخر الدين، واستقر ذلك الوالي في صفد، وكان مدبره مصطفى مدبر الأمير فخر الدين، وفي تلك السنة نفسها بنيت حارة الناعمة بإذن الأمير ناصر الدين التنوخي. وفي السنة التالية أتى الأمير فخر الدين من الديار الإفرنجية يتنشد أخبار بلاده ويستطلع أحوالها؛ فلم يأذن له ربان السفينة بالخروج منها إلى البر، فعاد إلى ديار الإفرنج، وقد كان تسنى له أن عرف شيئا من أحوال بلاده ممن لقوه من أبنائها على ظهر السفينة الذين كان في جملتهم أخوه الأمير يونس، وأما الأمير يونس فدفع زمام الولاية إلى الأمير علي ابن أخيه.
وفي سنة 1616 هدم الأمير علي حصني أرنون وشيرون، وقد اتسعت الولاية في أيام الأمير علي وساد حزب القيسيين، وحارب هذا الأمير يوسف باشا سيفا لعصيانه أمر السلطان بالتخلي عن ولاية كسروان وبيروت والرجوع عن مساعدة الشيخ مظفر وابن الأمير محمد جمال الدين وبني الصواف المقدمين وقهره وقهر أعوانه، ونزع ما كان في يدهم من أزمة الولاية؛ فجعل عمه الأمير يونس على مقاطعة الشوف وبلاد بشارة ومقاطعة كسروان، والأمير منذرا التنوخي على بيروت، والأمير ناصر الدين التنوخي على مقاطعة الغرب والجرد، ومقدمي كفر سلوان اللمعيين على المتن، والأمير عليا الشهابي على مرج عيون والحولانية، وحسينا اليازجي على بلاد صفد وبلاد الشقيف، وأبقى على ولاية صيدا طويل حسين بكباشي، ثم أجرى بعض التغيير في أمر الولاية بسبب التأخر عن دفع المطلوب من الأموال، وأما الأمير فخر الدين فكانت مدة غيابه عن موطنه بالديار الإفرنجية خمس سنين تقريبا، ولما انقضت هذه المدة خرج من البحر إلى عكة عائدا من الديار الإفرنجية بعد أن بلغه رضا الدولة عنه وكتب إلى ابنه الأمير علي يبشره بقدومه، فأتاه ابنه الأمير علي وأخوه الأمير يونس. ثم جعل الأمراء والمشايخ والوجوه والأعيان يفدون على الأمير ويتحفونه بالهدايا، فتقلبها كلها إلا هدية بني سيفا فإنه لم يتقبلها؛ لأنه كان في صدره حزازات منهم من أيام الحافظ، ولما جمع الأمير فخر الدين الأموال عن مدة غيابه، ومهد الأمر والأحوال عاد يلتمس سبيلا على بني سيفا للبطش بهم؛ ففي سنة 1618 كتب إلى والي طرابلس عمر باشا الكشبنجي يشكو من أعمال يوسف باشا سيفا، فأجابه: «إن شئت أن تحاربه أكن لك ظهيرا عليه، وأضمن لك غضب الدولة عليك.» فجهز الأمير جيشا وكتب إلى مدبره الشيخ أبي نادر الخازن أن يرسل رجالا يرابطون عند قنطرة نهر إبراهيم ويمسكون العبور على الذاهبين إلى الأنحاء الشمالية؛ لئلا يدري يوسف باشا بما سيناله، ثم نهض الأمير برجاله من بيروت إلى نهر إبراهيم ووافاه أعوانه برجالهم إلى الأمكنة التي كان قد عينها لهم، ولبث هو سائرا حتى وصل إلى قرية تولا ذاهبا إليها من قلعة بخعون في الضنية، ولما أحس يوسف باشا بقدومه فر هاربا ولجأ إلى قلعة الحصن، وانضم إليه أمراء بني سيفا وبنو الصواف مقدمو المتن، فبطش بهم الأمير فخر الدين قبل أن يستكمل ثوار جنوده الثورة عليه؛ فاضطرهم إلى التحصن في القلعة بعد أن قتل منهم عددا كبيرا، ثم قدم سائر عسكر الأمير من بلاد عكار، وأحاطوا بالقلعة من كل الجوانب، وضيقوا الحصار على أهلها حتى اضطر يوسف باشا أن يرسل ابنته الأميرة إليه لتشفع فيه عنده، فعفا الأمير من أجل ابنته عن بني سيفا على أن يؤدي إليه يوسف باشا مائتي ألف غرش، ويكتب ميثاقا بالتخلي عن أملاك بني عساف من أنطلياس إلى بيروت.
ورجع الأمير ببعض العسكر إلى عكار، ونقل الأمير حجارة سراي عكار إلى دير القمر، وما زال الأمير يضيق على يوسف باشا حتى استحصل منه على مبالغ وافرة أرسلها إلى الدولة محسوبة مما عليه لها، فورد على الأمير جواب من الدولة يدل على رضاها عنه وارتياحها إلى عمله، وولى الأمير الشيخ أبا نادر على بلاد جبيل والمقدم يوسف الشاعر على بلاد البترون، ثم رد الأمير إلى يوسف باشا حفيده الأمير محمد بن حسين باشا ووالدته بنت علي باشا جانبلاط اللذين كان الأمير قد اعتقلهما أيام زحفه لمحاربة يوسف باشا. واتسع نطاق سطوة الأمير وعلا شأن نفوذه، حتى كان يلجأ إليه كل من أصابه جنف أو حيف من أرباب الوجاهة من الأماكن الدانية والقاصية من مثل الأنحاء الحورانية، وكان يقضي لهم حاجاتهم، وإذا اتفق أن أحدا عصى أوامره عزز له الأوامر بالقوة؛ فانقاد ذلك العاصي ذليلا صاغرا قبل أن تدنو قوة الأمير منه. وأعاد الأمير الشيخ مظفرا بعد أن شمله بعفوه واليا على الجرد ، كما كان، وولد للأمير ثلاثة من دون الأمير علي؛ وهم: الأمير منصور، والأمير حسين، والأمير حسن. وأزوج بعضا من بناته من أمراء من بني سيفا ومن بني الحرفوش، وجرت له حروب شتى أعظمها الحرب التي جرت له مع وزير دمشق مصطفى باشا، انتصر فيها الأمير انتصارا عظيما وأسر الوزير وأبقاه عنده أياما مبالغا في إكرامه، ولما عاد الوزير إلى دمشق عاهد الأمير على المحبة والصفاء. وبالجملة، فإن الأمير فخر الدين لم يلحقه الانكسار في مواقعه إلا في بعض ما جرى له منها مع الأمراء بني طرباي في أنحاء صفد؛ فإنه لم يفز هناك بمرغوبه من النصر.
وما زال الأمير فخر الدين يزداد نفوذا وسطوة ومن الدولة تقربا حتى أنعم عليه بجميع الولايات من حدود حلب إلى حدود القدس، وفرض عليه أن يدفع للدولة في كل سنة عنها مائتي ألف ذهب، وكان ذلك في سنة 1624، فجعل الأمير يطوف بالبلاد ويمهد لنفسه سبيل الحكم، ويشيد الحصون ويرمم القلاع التي كان قد دمرها أيام كان يحاصر أعداءه فيها، وقرر لنفسه أمر جبابة الجزية على المسيحيين في المدن، وتعقب العرب الذين كانوا يسطون على أطراف البلاد وأقصاهم عنها بسيف قوته وشديد بطشه، وجمع أموالا غزيرة فاعتز بنفسه، وزين له أن ينهج نهج السلاطين فبنى دارا للحيوانات، ولبث سالكا على ذلك المنوال تسع سنين فبدت الريبة من مسلكه ذلك.
واتفق أن الكجك أحمد باشا الحافظ - وقد كان بينه وبين الأمير سابقة حقد وضغينة، وسار بسبب ذلك إلى إسلامبول، وانخرط في سلك رجال الدولة، وجعل يترقى في المراتب حتى بلغ مرتبة الوزارة - انتهز الفرصة وأوغر صدر الدولة على الأمير، وغرس في نفسها اعتقاد وجوب البطش به؛ فاشتد ذلك الاعتقاد ولا سيما بعد أن بلغها أن الأمير بنى قلعة عند حلب وأخرى عند أنطاكية، فجهزت بعثا كبيرا وجعلت قائده الكجك وسيرته إلى الديار السورية لمحاربة الأمير والفتك في المعنيين، فلما كانت سنة 1633 قاد الكجك أحمد باشا العساكر العثمانية وأخذ يحشد الجنود من حدود بلاد الروم إلى حدود مصر، وفي السنة التالية سنة 1634 قام بالعساكر إلى خان سعسع، وأما الأمير فشرع في تفريق عساكره عوضا عن أن يجمعها؛ ولذلك أدركه الفشل في وقت قريب، وما بلغه خبر قتل ابنه الأمير علي في إحدى المواقع حتى وهن عزمه وخذله غالب جنوده، ففر إلى قلعة شقيف نيرون بالقرب من فيحا ومعه عياله، ومدبره الشيخ أبو نادر الخازن، وأخو مدبره أبو صافي. وفر الأمير يونس أخو الأمير فخر الدين بابنيه الأمير ملحم والأمير حمدان إلى بلاد بشارة، واختبأ في برج هناك يقال له دوبية، والكجك أحمد باشا أخذ يوادع أهل البلاد ويعدهم بتولية واحد من أبناء الأمير فخر الدين بدلا من أبيه حتى دفع له المبلغ الذي اقتضاه من النقود، وقدم إليه الأمير حسن أحد أبناء الأمير، وتحقق انفضاض عساكر الأمير؛ فأمر عندئذ بالأمير حسن أن يقتل فقتل، وزحف إلى القلعة التي كان فيها الأمير فخر الدين ورجاله، ولبث محيطا بها بعسكره يحاول أخذها حتى تسنى للأمير ذات ليلة أنه فر هو وأبناؤه الثلاثة ومدبره الشيخ أبو نادر ونفر من رجاله متدلين بالحبال، ولجئوا إلى مغارة جزين.
وعند الصباح استولى الكجك على القلعة، ثم زحف إلى مغارة جزين على غير علم منه أن الأمير فخر الدين فيها، وبينما كان أحد رجال الأمير خارجا من المغارة ليتجسس الأحوال أمسك وقيد إلى الكجك؛ فاعترف بأن الأمير في المغارة، فجدد الكجك الحصار عليها وشدده، حتى اضطر الأمير أن يخرج منها برجاله، وسلم نفسه بعد أن سأل الأمان من الكجك فاعتقلوا، ثم استحضر الأمير يونس وابناه الأمير ملحم والأمير حمدان، فأطلق الكجك الأمير ملحما منهم وسجن أباه وأخاه حمدان، وأمر بتعذيبهما حتى ماتا في السجن، وسار الكجك إلى دمشق بعساكره ومعه الأمير فخر الدين وأبناؤه الثلاثة: الأمير منصور، والأمير حيدر، والأمير بلك.
Page inconnue