واختلفت الأقوال في هل يوجد في غير سورية من هم على مذهب الدروز أم لا، والظاهر أنه يوجد طوائف عديدة خارجا عن سورية إن لم تكن على مذهب الدروز فهي تشابهها في المعابد، وفي بعض الفروع وتدين بحب آل البيت، ويقال إن في الهند وجبال هندكوش أيضا مئات من الألوف يكتمون معتقدهم كالدروز، ويجتمعون للعبادة ليلة الجمعة، وهم هناك في غاية الصولة والشدة، وفي حروب دائمة مع مجاوريهم من المجوس، ومن الذين يشبهون الدروز في بعض الأحوال المذهبية خارجا عن بر الشام قبيلة عرب بني لام في العراق والله أعلم.
والدروز في الغالب أهل حراثة، لا يشتغل بالصناعة والتجارة إلا النذر القليل منهم، وكان في الماضي ذلك فيهم أقل؛ إذ كانوا لا يتعاطون إلا القتال، على أنهم الآن أخذوا يقتدون بأبناء وطنهم، وعندما انفتح باب المهاجرة في طلب الرزق إلى أميركا وأصقاع الغرب رحل منهم جماعة وافرة نظير غيرهم، ولا سيما في هذه السنوات المتأخرة.
وعندهم قابلية غير قليلة للتعلم، وقد أخذ أعيانهم منذ مدة يعتنون بتربية أولادهم في المدارس، فتجد منهم الآن عدة من أرباب القلم ومن العارفين باللغات الأجنبية، وهم يزدادون إقبالا على العلم اقتداء بغيرهم، على أن طلب العلم فريضة عند الدروز، والقراءة والكتابة لازمتان بحكم الدين للذكور والإناث؛ فالأميون منهم قد خالف آباؤهم النصوص الدينية في عدم تعليمهم. وعليه، فيكون قد سبقوا أشد الأمم أخذا بأسباب التمدن والحضارة إلى فرض التعليم، وهم ينقسمون إلى طبقتين: عقال، وجهال. فالجهال من جهلوا أسرار الدين، والعقال - ويقال لهم أجاويد - من عرفوها، وهؤلاء من الورع والتقوى والمعرفة في الدين درجات، وللنساء العقل في الدين كالرجال، وليس لجاهل أن ينتظم في سلك العقال إلا بعد التماسه ذلك مرارا من شيوخ قريته العقلاء، وليس لهم أن يسلموه الدين إلا بعد أن يروا بأعينهم زكاء سيرته، وكلما صلحت أحواله كانت طبقته في العقل أعلى، وكلما تجافى العاقل عن أمور الدنيا وأشيائها ازدادت الثقة به وشدت الرحال إليه، وكلما استرسل في الاشتغال بها سقطت منزلته وضعفت الثقة فيه، وقيل عنه إنه جسماني. ولذلك يرفض كثير من أهل الورع فيهم المناصب والأحكام حتى المناصب الدينية نفسها؛ لما تقضي من المداخلة بين الناس ومعاشرة الحكام.
وبالإجمال، فإن رجال دين الدروز هم أقل الناس تداخلا بأمور الدنيا والسياسة، وفي ليلة كل جمعة ينضمون إلى مجالس خلواتهم لاستماع قراءة الكتب الدينية، وانصرافهم من تلك المجالس يكون بحسب درجاتهم في الدين، فمنهم من يبكر في الانصراف، ومنهم من ينصرف في وسط السهرة، ومنهم من ينصرف في آخرها، وليس للجهال أن يحضروا مجالس الدين إلا ليلة العيد، والعيد عندهم هو عيد الأضحى، وفي منع الجهال عن حضور هذه المجالس انطباق على ما ذكر عن الحسن الصباح من منع العوام عن الخوض في العلوم، وكذلك الخواص عن مطالعة الكتب القديمة إلا من عرف كيفية الحال في كل كتاب ودرجة الرجال في كل علم.
ولا شك أنه إن كانت الدرزية فرعا من الباطنية فقد خالفتها في كثير من العقائد وانفردت بعدة خصائص وباينت أصلها في أكثر من واحد من المنازع التي تخالف السنة والجماعة.
ثم إن العقال يجب عليهم التأني والرزانة والعفة وصون اللسان من كل شتم وسباب وطعن ، وعدم المبالغة في الكلام وعدم التهور في الأعمال والأقوال، والتزام الصدق في اللفظ والبساطة في المأكل والمشرب والمفرش، واجتناب المسكرات والتدخين والسحت؛ أي: المال الحرام، والمال الحرام هو ما اكتسب بالحيلة والظلم والكذب؛ ولذلك يتجنب الأجاويد أن يأكلوا من بيوت من يشتبهون أن في أمواله ما لم يحصل بطرق شرعية، وإذا التزموا أخذ مال ظنوا فيه مدخلا للحرام بدلوه بمال يعتدونه حلالا أو صرفوه في غير المصاريف الضرورية، وقيل إنه لا يجوز أن ينفق في الغذاء، وإنما يجوز أن ينفق في الكساء، وفي العقال من آثار الأدب والحشمة وحسن السلوك ما يدل على أنهم مسوقون إلى ذلك بحكم الدين.
وأما الجهال فلا يتناولون من الأحكام الدينية إلا العامة منها وليست تكاليفهم كتكاليف العقال، فلا يؤاخذون فيما يؤاخذ فيه هؤلاء ولكنهم من حيثيات عديدة تكاليفهم واحدة، وجميع الدروز لا يجمعون بين الزوجين ولا يردون طالقا وليس عندهم الرقيق، والعقال يتعممون بالعمامة البيضاء ويلبسون القبأ والعبأة ويطلقون العذار، ويسوغ ترك ذلك لذي منصب قضت عليه أحوال منصبه بتغيير زي العقال هذا. وأما النساء فلهن النقاب وثوب يقال له: صاية، وفي أكثر الأماكن يغطين أوجههن بمنديل، ولا يتركن سوى إحدى العينين لرؤية الطريق.
وأكثر العقال يحلقون رءوسهم، ومن خالف منهم هذه القواعد فإن المتشددين في الدين منهم ينكرون ذلك منه، وللدروز كافة رؤساء في الدين في كل مكان، فلهم في لبنان رئيسان يعرفان بشيخي العصر؛ أحدهما جنبلاطي والآخر يزبكي، وربما كان ذلك مراعاة لحزبين مشهورين في الجبل، وهما الجنبلاطية وعمادهم آل جنبلاط، واليزبكية وعمادهم آل عماد. ومقام الرئيسين في الشوف يقضيان في الأمور الدينية الكبرى، وتستأنف عندهما أحكام قاضي مذهب الدروز، ولهما الملاحظة العليا على الخلوات والمجالس والأمور الدينية وتزكية العقال وتجريحهم، وانتخابهما يقع باتفاق أكابر القوم من الأكفاء لمثل هذا المنصب بالنظر إلى التقوى والورع في الدين، واستقامة المسلك والمعارف الدينية والآداب خالية من شائبة النفج والمفاخر الظاهرية.
وفي القرى أشياخ عقل يقومون بإدارة شئون الدين ويديرون الأوقاف، وأشياخ خلوات يقومون بإدارة أمور الخلوات، والخلوات عندهم أماكن الاجتماع الديني ولها أوقاف كثيرة، وهي على قسمين: قسم منها لاجتماع أهل القرى وهي المجالس العمومية التي يغشاها العقال كل ليلة جمعة، وقسم آخر وهو وإن أيضا مباحا الدخول فيه لكل العقال فإن أصحابه انقطعوا فيه إلى العبادة بمثابة الأديار عند النصارى.
والقرى أنواع في الاجتماع، فمنها ما يجتمع عقالها كلهم في مجلس واحد، ومنها ما ينقسم عقالها إلى مجلسين أو مجالس متعددة، إما لكثرة عدد الحضور أو لوجود انشقاق بين العيال.
Page inconnue