وكان بخيلًا وكانوا يطلقون عليه: رَشح الحجر - فقال له: سلِ الله، فقال: سألْتُه فأحالَني عليك، فضَحِك منه وأعطاه. . وأتى رجلٌ بعضَ الولاة، وكان صديقَه، فتشاغل عنه، فتراءى له يومًا، فقال: اعذرني فإنّي مشغول، فقال لولا الشغلُ ما أتيتُك، لا بلّغني اللهُ يومَ فَراغِك. وفي هذا المعنى يقول أبو عليّ البصير:
لا تُصَيّرْ شُغْلَكَ اليو ... مَ اعْتِذارًا لِمِطالِكْ
إنّما يُحْمَدُ أن تَفْ ... رُغَ في وقْتِ اشتغالِكْ
لو تَفَرَّغْتَ مِن الشُّغ ... ل اسْتَوَيْنا في المَسالِكْ
وقال بعض الأدباءِ للصّاحب بنِ عباد: إنَّ جِرذانَ داري يَمشين بالعصا هِزالًا: فقال:
بَشِّرهنَّ بمَجيء الحِنْطة. . . وقسَم بعضُهم مالًا بين بنيه فقال له عبدٌ صغير: فأعْطِني أوّلًا، فقال له: ولِمَهْ؟ قال: لأنّ الله تعالى يقول: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، فبدأ بالمال، وأنا مالك، فأعطاه وقدَّمه. . . ودخل محمد بن واسع على قتيبةَ بنِ مسلم، فقال له: إنّي أتيتك في حاجة، فإن شئتَ قضيتَها وكنّا جميعًا كريمين، وإن شئتَ منعتَها وكنا جميعًا لئيمين. قال ابن عبدِ ربّه صاحب العقد: أراد: إن قضيتَها كنتَ أنت كريمًا بقضائِها، وكنتُ أنا كريمًا بسؤالك إيّاها لأني وضعتُ طِلبتي في موضعها، فإن لم تقضِها كنتَ أنت لئيمًا بمنعِك، وكنت أنا لئيمًا بسوءِ اختياري لك، وسرق حبيب - أبو تمام - هذا المعنى فقال:
عيَّاشُ إنك لَلَّئيمُ وإنّني ... مُذْ صِرتَ مَوْضِعَ مَطْلَبي لَلَئيمُ
ومن مُلَحِ المُكْدين ووصاياهم: قيل لرجل مُكْدٍ: متى تعلمت الكُدْية والسّؤال؟ قال: يوم وُلدتُ، منعتُ الثَّدْيَ فصحْتُ، وبكيتُ فأعطيتُ