L'or fondu dans l'exhortation des rois
الذهب المسبوك في وعظ الملوك
Genres
قال ابن أبي فديك فأتيته يوما وهو في آخر المسجد منكسا رأسه واضعا وجهه بين ركبتيه فجلست إلى جنبه فحركته فانتبه فأعطيته شيئا كان معي فأخذه وقال: قد صادف منا حاجة! فقلت له يا أبا نصير: ما الشرف؟ قال حمل ما ناب العشيرة أدناها وأقصاها والقبول من محسنها والتجاوز عن مسيئها. قلت له: فما المروءة؟ قال إطعام الطعام وإفشاء السلام وتوقي الأدناس واجتناب المعاصي صغيرها وكبيرها. قلت فما السخاء؟ قال: جهد المقل. قلت: ما البخل؟ قال: أف وحول وجهه عني فقلت لم تجبني بشيء؟ قال: بلى قد أجبتك.
قال ابن أبي فديك: وقدم أمير المؤمنين هارون إلى المدينة فأحب أن ينظر إليه فأخلي له مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ووقف على منبره وفي موضع جبريل عليه السلام ثم قال: قفوا بي على أهل الصفة حتى أنظر إليه يعني أبا نصر فلما أتاهم حرك هارون أبا نصر بيده فرفع رأسه وهارون واقف فقيل يا أبا نصر هذا أمير المؤمنين واقف عليك فرفع رأسه إليه فقال له: أيها الرجل إنه ليس بين الله وبين أمة نبيه ورعيتك خلق غيرك وإن الله سائلك فأعد للمسألة جوابا فقد قال عمر بن الخطاب رحمة الله عليه: لو ضاعت سخلة على شاطئ الفرات لخاف عمر أن يسأله الله عنها فبكى هارون وقال: يا أبا نصر إن رعيتي ودهري غير رعية عمر ودهره فقال له أبو نصر : هذا والله غير مغن عنك، فانظر لنفسك فإنك وعمر تسألان عما خولكما الله ، ثم دعا هارون بصرة فيها مئة دينار فقال ادفعوها إلى أبي نصر، فقال: وهل أنا إلا رجل من أهل الصفة؟ ادفعوها إلى فلان يفرقها عليهم ويجعلني رجلا منهم .
Page 221