ثم ولي أبو بكر من بعده فارتدت العرب أو من ارتد منها فحرصوا أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة، فأبى أبو بكر أن يقبل منهم إلا ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قابلا منهم لو كان حيا فلم يزل يخرق أوصالهم ويسقي الأرض من دمائهم حتى أدخلهم من الباب الذي خرجوا منه، وقررهم على الأمر الذي نفروا عنه وأوقد في الحرب شعلها وحمل أهل الحق على رقاب أهل الباطل ثم حضرته الوفاة وقد أصاب من فيء المسلمين شاة لقوحا كانت ترضع ابنا له فلم يزل ذلك غصة في حلقه وثقلا على كاهله حتى خرج منه إلى أن ولي الأمر من بعده عمر رضي الله عنه.
ثم ولي عمر فحسر عن ذراعيه، وشمر عن ساقيه، وأعد للأمور أقرانها فراضها فأذل صعابها ولم يزل الأمر فيها إلى يسر ثم حضرته الوفاة وقد أصاب من فيء المسلمين شيئا فلم يرض في ذلك بكفالة من أحد من ولده حتى يلقى في ذلك ربه وضم ذلك إلى بيت مال المسلمين.
وأيم الله ما اجتمعنا من بعدهما إلا على ضلع.
قال: ثم أقبل على عمر بن عبد العزيز فقال:
وأنت يا عمر: بني الدنيا غذتك بأطيبها وألقمتك ثديها تطلبها مظانها تعادي فيها وترضى لها حتى إذا أفضت إليك بأركانها من غير طلب منك لها ولا مشير حاباك بها رفضتها ورميت بها حيث رمى الله بها، فامض -رحمك الله- ولا تلتفت فالحمد لله الذي فرج بك كربنا، ونفس بك غمنا، فإنه لا يذل مع الحق حقير، ولا يكثر مع الباطل عزيز.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
Page 177