Descartes: Une Très Courte Introduction
ديكارت: مقدمة قصيرة جدا
Genres
لا يفصح ديكارت قط تحديدا كيف يستوعب التنوع الكمي التنوع النوعي في مؤلفه «تأملات في الفلسفة الأولى». كل ما يقوله ديكارت إنه:
من حقيقة أنني أدرك بحواسي مجموعة كبيرة متنوعة من الألوان والروائح والمذاقات، علاوة على الاختلافات في درجة الحرارة والصلابة وما شابه ذلك؛ فإنني على صواب إذ أستنبط أن الأجساد التي هي مصدر هذه المدركات الحسية المتعددة تمتلك اختلافات تناظرها، ولو أنها ربما لا تشبهها. (7: 81)
يخوض ديكارت في التفاصيل في «كتاب الإنسان» (11 : 174 والصفحات التالية)، و«مبحث انكسار الضوء» (6 : 130 والصفحات التالية)، و«مبادئ الفلسفة» (8أ:318 والصفحات التالية). الفكرة العامة أن الألوان والروائح والمذاقات المختلفة وما إلى ذلك تناظر السبل المختلفة التي تستطيع بها الأعصاب الخاصة بأعضاء الحس المتنوعة التأثر بفعل الأجسام الخارجية المختلفة كما.
كيف يفترض ترجمة الحركات في الجهاز العصبي للجسم إلى تجارب العقل عن اللون والصوت والرائحة والمذاق وما إلى ذلك؟ إجابة ديكارت عن هذا السؤال غامضة؛ فهو يقترح أن ترجمة تلك الحركات تجري بواسطة الترتيب الإلهي. من الواضح أنه ما من قوانين في الطبيعة يمكنها تفسير العلاقة بين تجارب العقل من ناحية، والحركات في الأعصاب وتمثيلات الأشياء الخارجية في المخ من ناحية أخرى. إن العلاقة ليست حتى ضرورية. كان يمكن أن يرتب الرب مسبقا لنا أن تطرأ على عقولنا أفكار لأشياء مختلفة كل الاختلاف عن الألوان والأصوات والروائح في حالات الاستثارة الحسية (7 : 88).
لماذا ينبغي أن يحتوي العقل تمثيلات نوعية للأجساد على الإطلاق إذا كان بالإمكان استيعاب طبيعة الأجساد بإحكام من منطلق كمي؟ إن ديكارت ملتزم التزاما شديدا بالقضايا الثلاث التالية: الرب ليس بمخادع، والرب يرتب لنا نحن البشر بحيث تتجلى لنا تمثيلات نوعية للأجساد بين الحين والآخر كلما أثرت الأجساد على أعضائنا الحسية. وأخيرا، فإن الأجساد لا تمتلك فطريا الخصائص التي تتمثل بها إلينا. أيستقيم حقا ألا يكون الرب مخادعا إذا لم تصور لنا الأفكار التي يضعها بداخلنا عن الأجساد بدقة تلك الأجساد؟ الطريقة التي يخرج بها ديكارت من هذا المأزق هي القول أولا بأنه ما من شيء مضلل حيال أفكارنا في حد ذاتها، فهي تصور لنا الأجساد بشكل محدد، لكننا نحن من نتسرع في حكمنا بأن الأجساد تعرض علينا بموضوعية كما تصورها لنا الأفكار، ثانيا: من المفيد بالنسبة لنا أن يكون لدينا تمثيلات نوعية للأجساد؛ وذلك لأنه استنادا إلى جانبها النوعي نستنبط ما إذا كانت الأجساد ستضر بنا أو ستعود علينا بالنفع. وبتعبير آخر، فإن تمثيلاتنا النوعية لها أهمية في عملية البقاء حيث توجهنا إلى ما يجب أن نسعى إليه وما يجب أن نتفاداه لمصلحتنا (7 : 82 والصفحات التالية، 8أ:41).
تنطبق فكرة ديكارت الخاصة بفائدة وجود تمثيلات نوعية للأجساد على أجسادنا بقدر انطباقها على الأجساد الخارجية. لدينا تمثيلات نوعية لأجسادنا عندما نشعر بالجوع أو العطش أو الألم أو المتعة أو نتحرك، لكن هذه التمثيلات يمكن أن تضللنا؛ لأنها يمكن أن تجعلنا نزاعين للإيمان بأننا مدمجون مع أجسادنا بشكل أو بآخر، بينما نحن، إن صح زعم ديكارت، مجرد عقول أو أشياء مفكرة متحدة بأجساد متمايزة عنا. ورغم ذلك، فهناك أهمية واضحة متعلقة بعملية البقاء في تعاملنا مع الألم والجوع والعطش باعتبارها أحاسيس خاصة بنا لا منتمية إلى جسد منفصل عنا.
تساعدنا التمثيلات النوعية للأجساد على الحفاظ على حياتنا، بحسب ما يرى ديكارت، ولا «ينبغي» أن تعوقنا عن اكتساب علوم الطبيعة؛ وذلك لأن التمثيلات النوعية يمكن أن تتعايش في عقل يحوي أفكارا عن طبائع بسيطة كالحجم والشكل والعدد والمكان وما إلى ذلك، والتي تمكننا من الإمساك بتلابيب الأجساد بمعزل عن خصائصها.
الفصل السابع عشر
كتاب «مبادئ الفلسفة»
لم تظهر الأطروحة التي خطط لها ديكارت عن الفيزياء كتكملة لأعماله في مجال الميتافيزيقا في الوقت الذي أراده؛ فقد كان يأمل أن يشرع في كتابتها عام 1641، لكنه تأخر بسبب انشغاله «بالردود» على «الاعتراضات» الموجهة لمؤلفه «تأملات في الفلسفة الأولى». وانشغل ديكارت طوال عام 1642، تقريبا، بالرد على الأطروحات المناوئة له ولزميل فرنسي له يدعى صامويل دومار، والتي نشرها غريم ديكارت بجامعة أوتريخت، فوتيوس. وفي واحدة من هذه الأطروحات اتهم ديكارت بممارسة الفلسفة على غرار لوتشيليو فانيني، الذي أحرق في مدينة تولوز بتهمة الإلحاد عام 1619؛ فقد ثبت أن فانيني حقر من شأن إيمان الناس؛ إذ أنتج براهين واهنة عمدا لوجود الرب. واتهمت أطروحة فوتيوس ديكارت بالاتهام نفسه، ورد ديكارت بقوة على هذا الاتهام وغيره من الاتهامات في أطروحة خاصة به. ولاحقا، عندما كادت مناورات فوتيوس الجديدة تفضي إلى طرد ديكارت من جامعة أوتريخت، دافع ديكارت عن موقفه بمساعدة بسيطة من أصدقائه رفيعي المستوى. وفي النهاية، ورغم أن فوتيوس كان رجل دين واسع النفوذ، نجح ديكارت في تقديم دليل إلى هيئة القضاة بجامعة أوتريخت يثبت فيه أن فوتيوس دبر حملة لتشويه سمعته. وكادت هيئة القضاة تتخذ إجراء ضد فوتيوس الذي سبق أن أيدته تأييدا صريحا، ولكن في يونيو 1645، أصدرت الهيئة مرسوما يحظر نشر أي شيء سواء أكان مؤيدا أو مناوئا لفلسفة ديكارت.
Page inconnue