هذه البقاع الشريفة؛ لاختصاصها بالمزايا والفضائل (^١) .
فإن قيل: قد منع بعضهم (^٢) ورود النهي بغير صيغته المعروفة: " لا تفعل"؛ فلا مُستَمسَك لمن مَنَع شدّ الرحل إلى غير هذه المساجد الثلاثة.
فالجواب عن هذا الاعتراض من وجهين:
الأوّل: أنه قد ذهب المحققون من أهل الأصول إلى إلحاق (الخبر الذي في معنى النهي) إلى الصِّيَغ المفيدة للنهي. كما ذهب إلى ذلك القفّال الشاشي، وغيره (^٣) . واستدلوا على ذلك بدخول النَّسْخ فيه. ومن المعلوم أَنَّ الأخبار المَحْضَة لا يلحقُها النَّسْخ.
الثاني: أنّه على فرْض التسليم بامتناع ورود النهي بغير صيغته، فإنّه قد وردَ النهي مصرّحًا به في حديث بلفظ: (لا تشدّوا الرحال)؛ فبطل بذلك توجيه مَن صرف دلالة الحديث عن المنع والتحريم.
وأمّا مَن حَمَل صيغة النفي المقتضية للنهي هنا على محامل؛ منها: " نفي الأفضلية "، كما هو اختيار طائفة من متأخري أَتباعِ المَذَاهِبِ؛ كالإمام ابن الملك (^٤)،وابن قدامة (^٥)، والنَّووي (^٦)، وغيرهم = فهذا الحمل ممتنع؛ لأمور:
(^١) "الكاشف عن حقائق السنن"للطيبي (٢/ ٢٢٤)،والطيبي (-٧٤٣ هـ):هو الحسين بن محمد ابن عبدالله الطيبي إمام في علم الوحيين، عُرف بإقباله على استخراج الدَّقائق من الكتاب والسُّنّة، من مصنفاته: "شرح مشكاة المصابيح"،و"حاشية على الكَشَّاف"،و"التبيان في المعاني والبيان"=انظر: "البدر الطالع" (٢٤١)
(^٢) كابن الزملكاني المالكي.
(^٣) انظر: "البحر المحيط" (٢/ ٣٧١)،والقفَّال الشَّاشي (٢٩١ - ٣٦٥ هـ) هو: محمد بن علي بن إسماعيل القفَّال الكبير، من كبار فقهاء الشَّافعية كان على مذهب الاعتزال أول أمره ثم انتحل مذهب أبي الحسن الأشعري، من مصنفاته "شرح الرسالة"=انظر: "سير أعلام النُّبلاء" (١٦/ ٢٨٣)،و"طبقات الشّافعية" (٣/ ٢٠٠)
(^٤) انظر: "مبارق الأَزهار"لابن المَلك (١/ ٤٨٣) وابن الملك (كان موجودًا في سنة ٧٩١ هـ) هو: عبداللطيف بن عبدالعزيز بن أمين بن فرشتا، الشهير=بـ (ابن الملك) من علماء الحنفية برع في جملة من العلوم، من مُصنفاته: "شرح المنار"في أُصول الفقه، و"شرح الوقاية"=انظر: "الفوائد البهية"للكنوي (١٠٧)،و"الأعلام"للزِرِكْلي (٤/ ٥٩)
(^٥) انظر: "المغني"لابن قدامة (٣/ ١١٨)
(^٦) انظر: "شرح صحيح مسلم "للإمام النَّووي (٩/ ١٦٨)