L'État omeyyade en Syrie
الدولة الأموية في الشام
Genres
96
وقد انتقم الأشراف الكوفيون من الموالي انتقاما هائلا، فلم يدركوا منهزما إلا قتلوه ولا أسيرا إلا ضربوا عنقه.
فلما علم المختار ما أصاب جيشه في «المذار» صمد لهم في «حروراء» أو «نهر البصريين»، وحال بينهم وبين الكوفة، وحصن قصره فيها وأدخل إليه المؤن والذخيرة، فحمل عليه أصحاب مصعب حملة شعواء وانقضوا على رجاله وأعملوا فيهم السيف، حتى ليصف بعض المؤرخين حالهم بقوله: «كأنهم أجمة فيها حريق.»
97
فلم يبق أمام المختار إلا التحصن في قصره ومناوشة أعدائه، ولكن كيف يتأتى له الفوز والثبات أمام مصعب، وأهل الكوفة أنفسهم من أعظم أعدائه وأشدهم بلاء عليه، فكانت لا تخرج فرقة من رجاله من القصر لقتال الزبيريين إلا رموهم بالحجارة وصبوا عليهم الماء القذر، ثم قطع مصعب عنهم الماء والمادة، أما جيشه فكان يأتيه الإمداد بواسطة السفن في الفرات.
ويروي لنا المؤرخون أنه كان يبني سفنه هذه من قصب واسط ولم تكن بنيت بعد،
98
واستحكمت الضائقة في صفوف المختار، حتى لقد كانت نساء الجند تأتي أزواجها ببعض القوت، فأجبر مصعب أن يضع الحرس لمنع النساء من القدوم نحو الحصن، ويذكر لنا الطبري ذلك فيقول: «... فكانت معايشهم أفضلها من نسائهم، فكانت المرأة تخرج من منزلها معها الطعام واللطف والماء قد التحفت عليه، فتخرج كأنما تريد المسجد الأعظم للصلاة وكأنها تأتي أهلها وتزور ذات قرابة لها، فإذا دنت من القصر فتح لها فدخلت على زوجها وحميها بطعامه وشرابه ولطفه ... فجعل المصعب دوريا حتى يمنع من يأتيهم من أهليهم وأبنائهم ... وكان القوم إذا اشتد عليهم العطش في قصرهم استقوا من ماء البئر، ثم أمر لهم المختار بعسل فصب فيه ليغير طعمه فشربوا منه.»
99
ثم استقتل المختار وخرج من قصره مع بعض جنده فخر صريعا، ونزلت بقية الجيش على حكم مصعب فأعدمها وجلها من العجم، وكان يود لو يبقي على العرب ويطلق لهم الحرية فتغلبت عليه العصبية الدينية دون العصبية الجنسية فساقهم جميعا للموت، وكان مقتل المختار في 14 رمضان سنة 64ه/683م، وذلك بعد أن ثبت في قصره نحوا من أربعة أشهر.
Page inconnue